إسلام ويب

دور العلماء في الإصلاحللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أعطى الله تعالى الإنسان وسائل العلم فأخذ بها بعض المسلمين فبرزوا في العلم غيرهم، ونالوا بذلك ثناء الله وثناء رسوله على العلماء. وقد وقف عدد من العلماء مواقف حميدة خلدت ذكرهم، دفاعاً عن دين الله تعالى، ونصرة للحق وأهله، ابتداء من عهد الصحابة حتى العصر الحديث.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أسباب العلم التي أعطاها الله للإنسان

    فإن الله تعالى يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لعباده الخيرة، وقد اختار أن يخلق الإنسان فخرجه من بطن أمه جاهلاً لا يعلم شيئاً، ولكنه آتاه أسباب العلم: فخلق له السمع والبصر والفؤاد، وأعطاه العقل الذي يدرك به محيطه ويفهم به واقعه، ثم بعد ذلك سدده بالوحي الذي هو خارج عنه، يرى به ما قبله وما بعده؛ ولهذا قال الغزالي رحمه الله: (العقل وحي من الداخل، والوحي عقل من الخارج)، ومعنى ذلك: أن الله سبحانه وتعالى أنعم على الإنسان بهذين الموجهين العظيمين، أحدهما: داخلي: وهو من عند الله، لا يناله الإنسان إلا بقدرة الله وإلهامه، وهو العقل، والثاني: تسديد خارجي، خارج عن طوق الإنسان لا يستطيع الوصول إليه بوجه من الوجوه، وإنما اختيار الله تعالى، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ[الأنعام:124]، اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ[الحج:75]، وهو هذا الوحي الذي ينير للناس طريق الحق، ويدلهم على مراد الله تعالى منهم، ويبين لهم أخبار الأمم السابقة التي لم يدركوها، ويبين لهم ما يأتي بعدهم من مشاهد القيامة وما دونها من الأمور التي يحتاجون إلى التنوير فيها؛ فكان جماع ذلك جميعاً هو العلم.

    تفاوت الناس في العلم

    وهذا العلم لم يرد الله تعالى أن يجعله للبشر جميعاً، بل جعلهم متفاوتين فيه متفاضلين، وقد جعلهم الله تعالى على درجات كثيرة، فقال تعالى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ[آل عمران:163]، وجعل الأمم تتفاوت فيما آتاها الله منه؛ فقد ذكر الله تعالى أنه أنعم على اليهود بكثير من أنواع العلوم؛ ففصل لهم كل ما يحتاجون إلى بيانه في التوراة التي كتبها بيمينه لموسى في الألواح، ولكنهم غضب الله عليهم حين تركوا علم الله وأهملوه، وقد ذكر مثالاً من أمثلتهم، وهو قصة الرجل الذي في سورة الأعراف، فهذا الرجل آتاه الله من أنواع العلم الذي آتى بني إسرائيل ما آتاهم، وعلمه اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، ولكنه أعرض عن كل ذلك وأخلد إلى الأرض، وطلب الدنيا بما آتاه الله؛ فخسر الدنيا والآخرة معاً؛ فضرب الله له أخس الأمثلة وأقذرها، وهو المثال بالكلب الذي يلهث فيسيل ريقه، إذا زجره الناس لهث، وإذا تركوه لهث؛ فلا خير فيه على كل حال، سواء عرض له مطمع أو هدد كذلك بتخويف.

    وضرب الله لهم جميعاً مثلاً آخر هو أيضاً غاية في الإعراض عما حملوا، فقال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ[الجمعة:5]؛ فضرب الله المثل لذلك العالم منهم بالكلب، وضرب لهم جميعاً مثلاً بالحمار الذي تحمل عليه الكتب، وهو لا يفقه شيئاً منها؛ فهو في غاية الجهل وفي غاية المذلة والهوان، وجهله بسيط؛ فهو جاهل ولا يمكن أن يدعي أنه عالم؛ فجهله على وفق حاله.

    حصول الإعراض عن العلم والعمل به في هذه الأمة

    وهذا المثل الذي ضربه الله لهم لا يختص بهم وحدهم، بل هو لكل من أعرض عما علم، وتركه ظهرياً، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا سيحصل أيضاً في هذه الأمة المشرفة المعظمة، وقد ذكر الله ذلك فقال: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا[الفرقان:30]، وقد اختلف أهل التفسير في المقصود بهذه الآية: فقالت طائفة منهم: إنما كان ذلك لإعراض أهل الطائف عن دعوته حين عرض القرآن على عبد ياليل بالطائف، فأعرض عنه، وقالت طائفة أخرى: بل يكون هذا في آخر الزمان عندما تعرض هذه الأمة عن التحاكم إلى كتاب الله، فلا يقوم به الناس في الليل، ولا يحكم به الحاكمون في النهار؛ فيكون ذلك سبباً لرفعه؛ فيقف بثنية الوداع مودعاً، وحينئذ يتركه الناس ظهرياً وراء ظهورهم، وهو أشرف ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأرض.

    وقد ذكر الله تعالى أن حال النصارى دون حال اليهود؛ فإنهم ضلوا على جهل؛ فاليهود عندهم العلم ولكنهم تركوه وأهملوه، والنصارى لم يكونوا على علم، وإنما تخبطوا في الجهل والظنون، واكتفوا بأقل ما بقي مما كان لدى الحواريين: أصحاب عيسى بن مريم عليه السلام؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله تعالى: ( غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[الفاتحة:7]؛ فقال: المغضوب عليهم: اليهود، والضالون: النصارى )، فالمغضوب عليهم هم الذين حل عليهم غضب الله حين آتاهم العلم فأهملوه وتركوه، والضالون هم النصارى الذين عملوا على غير علم، وإنما اتخذوا رهبانية من عند أنفسهم، لم يكتبها الله عليهم، ثم لم يقوموا بحقها ولم يؤدوها على وجهها؛ فكانوا بذلك ضالين عن طريق الحق.

    وهذه الأمة ستتبع سنن من قبلها من الأمم؛ كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لتتبعن سنن من قبلكم، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذاً! )، فلا بد أن تتبع هذه الأمة مسالك اليهود والنصارى؛ فيكون منها من يتحملون العلم، ويعرضون عنه ولا يقومون بحقه، ويكون منها من يعرض عنه فلا يتعلمه أصلاً فيعمل على جهل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088538179

    عدد مرات الحفظ

    777200917