إسلام ويب

صفات التاجر المسلمللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله الخلق على تفاوت في مراتبهم، ليتكسب بعضهم من بعض، ولو جعلهم بمنزلة واحدة لتعطلت حياتهم، والتجارة مهنة مارسها الأنبياء والصالحون وصحابة رسول الله الكرام، ولابد للتاجر المسلم أن يتصف بصفات مهمة في مسيرة تجارته، كالصدق وعدم الغش ومراقبة الله تعالى في بيعه وشرائه، ويحرص أن يكون كسبه من الحلال، وإذا أراد المخاطرة في تجارة فلا يجعل فيها كل ماله؛ لئلا يخسره جملة واحدة إذا قدر الله خسارته.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد:

    فإن الله سبحانه هو المدبر الخلاق, وقد خلق خلقه فدبر شئونهم بإرادته وقدرته: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23], وقد جعل بعضهم عالةً على بعض، فجعل بعضهم يملك من الوسائل والأدوات والعقليات ما يتجاوز حدود حاجته, وجعل بعضهم لا يملك إلا قدر حاجته، وجعل بعضهم يملك أقل من حاجته؛ وذلك ليترابطوا فيما بينهم ويتعاونوا ويتآخوا؛ لأن الإنسان إذا وجد ما يغنيه ويكفيه ولم يجد نفسه محتاجاً إلى غيره بوجه من الوجوه لم يكن له اتصال بالخلق, فاحتاج إذاً إلى أن يعطي ما يحتاج إليه غيره، وأن يحتاج هو إلى ما لدى غيره حتى يقع التبادل, وهذا التبادل هو أساس الثقة وأساس بناء الصداقة والمعرفة.

    وقد جعل الله سبحانه وتعالى أوجه التصرف والكسب في هذه الدنيا التي يحصل منها على الأرزاق منوعةً متفاوتةً، وجعل الرغبة فيها متفاوتة كذلك, ولو أن الله تعالى حصر البشرية جميعاً في صعيد واحد فخيرهم وسألهم جميعاً: من أي أوجه الرزق تحبون أن ترزقوا؟ لما اختار أحد إلا أكثرها جزاءً وأقلها تعباً, وحينئذ ستتوقف كثير من المصالح التي يحتاج الناس إليها.

    لو أنه سبحانه وتعالى خيرنا جميعاً لما اختار أحد منا الاشتغال في المناجم تحت الأرض, ولما اختار أحد منا الغوص في أعماق البحار, ولما اختار أحد منا أن يشتغل بدفن القمامات وإزالة الأوساخ من الطرقات, بل لما اختار كثير منا أن يرزق من الطب والعلاج لكثير من الأمراض, ولما اختار كثير منا أن يرزق من المهن التي يحتقرها الناس ويظنونها ناقصةً نازلة, والواقع أن جميع المهن والأعمال شريفة؛ لأن صاحبها يكتسب بها ويستغني بما آتاه الله عن الحرام, ويستغل الطاقة التي جعلها الله فيه في وجهها الصحيح, فكل مهنة يمتهنها الإنسان وينتج من خلالها ما فيه خدمة لأهل الأرض فهي مهنة شريفة.

    أما المهنة التي لا تقبل وهي غير شريفة فهي ما ليس فيه نفع لأهل الأرض وفيه معصية للخالق سبحانه وتعالى، فهذا الذي لا خير فيه حتى لو كان من ورائه الأرباح الطائلة، ولو كان مكاناً مرموقاً لدى الناس ومنزلة سامقة إلا أنه لا يرضي الله تعالى فلا خير فيه.

    فلذلك على الإنسان المدرك لهذه الحكم الربانية أن يعلم أن توزيع الله سبحانه وتعالى للأرزاق سابق على الخلق, وأن كل إنسان كتب معه وهو جنين في بطن أمه رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد, وقد رفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن.

    فإذا جاءته السراء وفتحت عليه الدنيا أبوابها فذلك امتحان له من الله, وإذا جاءته الضراء وقدر عليه في رزقه فذلك امتحان من الله تعالى، وقد قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[الأنبياء:35], فكل ذلك امتحان من الله سبحانه وتعالى والمآب إليه، ويجازي كل إنسان على ما وقر في قلبه وما تحقق منه, فالناس لا يعاملون لدى الله فيما نعاملهم نحن به من الظواهر, فليست العبرة بكثرة العمل ولا بحسن الصورة ولا باسم الوظيفة العالية ولا بالمكانة الاجتماعية، هذه الأمور لا ينظر الله إليها يوم القيامة: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم, وإنما ينظر إلى قلوبكم).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088538853

    عدد مرات الحفظ

    777205304