بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبشركم في اجتماعكم هذا الذي أتيتم فيه لتعربوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن محبتكم وولائكم ونصرتكم، ولتسلكوا طريق أصحابه والتابعين لهم بإحسان في نصرته ومحبته وإعلان ذلك على الملأ؛ أن هذا العمل الذي تقومون به من إيمانكم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما أنه قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده ووالده والناس أجمعين ).
فأنتم تحققون الآن مقتضىً من مقتضيات الإيمان الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، وإذا كان الكفرة الفاجرون يعلنون بغضهم وكراهيتهم وتكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنتم الآن تعلنون محبتكم وولاءكم ومناصرتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعلنون ما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وكيف وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافل
وأنتم تعلنون الآن أنكم تريدون أن تدعوا باسم النبي صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:71]، وتريدون أن تحشروا تحت لوائه لواء الحمد، وأن تسقوا من حوضه شربة هنيئة لا تظمئون بعدها أبداً, في الوقت الذي يطرد فيه الذين غيروا وبدلوا, والذين أعانوا الظلمة عن حوضه صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عنه في ذلك حديثان صحيحان:
والحديث الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( أنه سيستعمل عليكم أمراء، يكذبون في الحديث، ويغلبون الناس, فمن صدقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فلن يرد علي الحوض ).
فلذلك أنتم الآن تبحثون عن طريق ميسر لورود الحوض المورود إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وللشرب منه بيد النبي صلى الله عليه وسلم شربةً هنيئة.
إن هذا الرسول الكريم شرفه الله سبحانه وتعالى واختاره اختياراً سابقاً.
فقد شرفه وآدم مجندل في طينته، وكرمه بأنواع التكريم، فمنذ أهبط الله آدم وحواء إلى الأرض فانفصل اثنان من ذرية آدم إلا كان هو في أزكاهما، وأنماهما، وأحبهما إلى الله سبحانه وتعالى.
ولذلك ثبت عنه في صحيح مسلم أنه قال: ( إن الله اصطفى من ذرية آدم إبراهيم، ثم اصطفى من ذرية إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ذرية إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، وجعلني من بني هاشم في المحل الأسمى، فأنا خيار من خيار من خيار، ولا فخر ).
وما من نبي من أنبياء الله أرسله الله تعالى إلى أهل الأرض إلا أخذ الله عليه العهد أن يأخذ على أمته العهد: إذا بعث هذا النبي وهم أحياء أن ينصروه، وأن يتبعوه، قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81] فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[آل عمران:82].
وعندما أخذت موسى الرجفة هو وأصحابه، واشتد الحزن عليه تاب إلى الله سبحانه وتعالى، وأعلن البراءة مما فيه قومه، فأجابه الله سبحانه وتعالى بذلك الجواب الرفيع، الذي فيه أخذ العهد لاتباع محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ[الأعراف:155-157].
وقد نوه الله سبحانه وتعالى بمنزلته وقدره في كثير من آيات كتابه، فقد قال تعالى في تزكية عقله، وتزكية سمعه، وتزكية بصره، وتزكية منطقه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى[النجم:1-18].
قال تعالى في تزكيته أيضاً: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا[الفتح:1-3].
ومن تمام تزكيته: أنه أختار له خيرة الأصحاب، وخيرة الآل، وأهل البيت، والتابعين، والعلماء المجددين، فكل أولئك يختارهم الله سبحانه وتعالى من الجيل الذي هو فيه؛ ليتخذهم شهداء ومجددين لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك زكاهم الله سبحانه وتعالى وأثنى عليهم، فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح:29].
وقال تعالى: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:117].
وزكى أصحابه وأثنى عليهم، فقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100].
ونوه بمنزلته عند الله فقال تعالى: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:1-5].
وقال تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:1-4].
وقال تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].
وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة كذلك في عدد كثير من الأحاديث الثابتة عنه، فإنه بين أن الله سبحانه وتعالى أعطاه الوسيلة، وهي درجة في الجنة لا تنبغي إلا لرجل واحد، وقد كان الأنبياء يتمنونها، فخص الله بها محمداً صلى الله عليه وسلم.
وأعطاه الشفاعة العظمى؛ فإن الناس يوم القيامة إذا وقفوا على الساهرة وطال بهم الوقوف، تدنو الشمس فوق رءوسهم حتى تكون كالميل، ويؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، في كل زمام سبعون ألف ملك أي: يقودها أربعة مليارات وتسعمائة مليون من الملائكة، يجرونها جراً حتى تحيط بالناس من كل جانب، ويشتد العرق حتى يسيح في الأرض سبعين ذراعاً، ثم يعلو فوقها، فمن الناس من يصل إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يصل إلى سرته، ومنهم من يصل إلى ثدييه، ومنهم من يصل إلى ترقوتيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وإذا طال بهم ذلك الموقف فإنهم يبحثون عن الشفاعة، فيأتون العلماء فيقولون: ليس اليوم لنا إنما هو للأنبياء، فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: ( يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيمينه، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وجعلك خليفته في الأرض فاشفع لنا إلى ربنا إما إلى جنة وإما إلى نار، فيقول آدم: نفسي نفسي، ربي لا أسألك إلا نفسي, إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد أكلت من الشجرة التي لم يؤذن لي بها، ولكن اذهبوا إلى نوح، فيأتونه فيقولون: يا نوح أنت أبو البشر بعد آدم، وأول الرسل إلى أهل الأرض فاشفع لنا إلى ربنا إما إلى جنة وإما إلى نار، فيقول نوح: نفسي نفسي، ربي لا أسألك إلا نفسي, إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله، وإني قد سألت الله ما لم يأذن لي به، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم, فيأتونه فيقولون: يا إبراهيم أنت خليل الله، فاشفع لنا إلى ربنا، إما إلى جنة وإما إلى نار، فيقول إبراهيم: نفسي نفسي, ربي لا أسألك إلا نفسي, إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وهل كنت إلا خليل من وراء وراء، وإني كذبت ثلاث كذبات، ولكن اذهبوا إلى موسى، فيأتونه فيقولون: يا موسى قد اجتباك الله برسالاته وبكلامه، فاشفع لنا إلى ربنا إما إلى جنة وإما إلى نار، فيقول موسى: نفسي نفسي, ربي لا أسألك إلا نفسي، إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبل مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفساً لم يؤذن لي بها، ولكن اذهبوا إلى عيسى, فيأتونه فيقولون: يا عيسى أنت روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم، فاشفع لنا إلى ربنا إما إلى جنة وإما إلى نار، فيقول عيسى: نفسي نفسي, ربي لا أسألك إلا نفسي، إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله, ولن يغضب بعده مثله، وإني عبدت من دون الله, لا يجد شيئاً يذكره غير ذلك، ولكن اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد أنت إمام الرسل وخاتمهم, فاشفع لنا إلى ربنا إما إلى جنة وإما إلى نار، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا لها, فيخر ساجداً تحت العرش، فيلهمه الله ثناء عليه لا يحسنه هو في الدنيا، ولا يثني به أحد قط على الله تعالى، فيثني به عليه، فيناديه ربه جل جلاله، فيقول: يا محمد ارفع رأسك, واشفع تشفع، واسأل تعط )، فيشفع في الناس, ويدخر دعوة عنده لأمته، فيؤذن للناس للخروج من الموقف، ويعرضون على الله سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك يستشهده الله على الأمم هو وأمته، فما من نبي إلا ويخاصمه قومه، يقولون: ما جاءنا من بشير ولا من نذير, حتى نوح يخاصمه قومه، يقولون: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيؤتى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته معه، فتشهدون أن نوحاً مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وهذه حكمة تأخير هذه الأمة ورسولها الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( نحن السابقون الآخرون, بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا )، فأول أمة يفصل بينها يوم القيامة في عرصات المحشر هي هذه الأمة، وهي آخر الأمم من ناحية الوجود للشهادة على الأمم؛ لأنها لو جاءت في أول الأمم لا يمكن أن تشهد على ما يأتي بعدها؛ لأن الشاهدة من شرطها العلم، كما قال الله تعالى: وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ [يوسف:81]. وكما قال تعالى: إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف:86].
وأيضاً فإن تأخيرها مؤذن بزيادة الأجر، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك مما رفع الله درجته أنه قال: ( إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل دعا عمالاً، فعملوا له من الضحى إلى الظهر على قيراط قيراط، ثم دعا عمالاً فعملوا له من الظهر إلى العصر على قيراط قيراط، ثم دعا عمالاً فعملوا له من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين، فقالت اليهود والنصارى: عملنا أكثر من هؤلاء وأعطيتهم أكثر مما أعطيتنا، فقال: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء ).
فهذه الأمة أعمارها قصيرة إذا قورنت بأعمار الأمم السابقة، وأعمالها قليلة إذا قورنت بأعمال الرهبان وحواريي الأمم السابقة، ولكن البطال الفاسق الفاسد من هذه الأمة أفضل من الربانيين في الأمم السابقة, وأكثر أجراً, وعمله مضاعف، فهذا هو الفضل العظيم الذي ميز الله به رسوله صلى الله عليه وسلم على سائر الرسل.
ما طلب منا من الحديث عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وسماته لا يتسع المقام لاستفصاله، والإحاطة به، ولكننا نذكر نبذة ويقاس عليها ما سواها، ويمكن أن نوزعها إلى قسمين:
وهي الصفات الخَليقة، ثم الصفات الخُلقية، وذكرها إنما هو لزيادة محبته، فأنتم تعرفون أن حبه مشروط بالإيمان، كما قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ). وكما قال لـعمر: ( لا حتى أكون أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك ).
وأسباب المحبة خمسة:
السبب الأول: الجمال، فكل إنسان اتصف بالجمال الكامل، فإنه سيكون محبوباً إلى الناس, يحبونه ولو أساء إليهم، ولو لم يكن بينه وبينهم أي علاقة لجماله.
السبب الثاني: حسن الخلق، فكل من كان حسن الخلق يعامل الناس بمعاملة حسنة، فإنه سيكون محبوباً بين الناس؛ لأن الموطأ الأكناف دائماً محبوب.
السبب الثالث: الرجاء، فالإنسان الذي يرجى منه خير في المستقبل، ولو لم يكن جميلاً ولا حسن الخلق، لا شك أنك تحبه؛ لأنك ترجو منه خيراً في المستقبل.
السبب الرابع من أسباب المحبة هو: الإحسان، فمن أحسن إليك وأسدى إليك معروفاً، ولو كان ذميماً، ولو لم يكن له أي خلق، ولم يكن بينك وبينه صلة، لا شك أنك ستحبه إذا كنت صاحب نخوة وشهامة ومروءة، فطالما استعبد الإنسان إحسان.
والسبب الخامس من أسباب المحبة: هو العلاقة، وهذه الأسباب كلها اجتمعت في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما من ناحية الجمال: فقد أوتي الحسن كله، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وسنعرض ذلك في الصفات الخلقية، وأما من ناحية الخلق فيكفيكم قول الله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمْ الْمَفْتُونُ [القلم:1-6].
وأما من ناحية الرجاء فأنتم ترجون الشفاعة، ترجون الدخول في شفاعته والشرب من حوضه، والحشر تحت لوائه، ومجاورته في الجنة، وأما من ناحية المعروف فلا أحد أمن عليكم بعد الله تعالى من محمد صلى الله عليه وسلم، أنقذكم الله به من الجاهلية الجهلاء، ومن نار الجحيم، وهداكم به إلى الإسلام، وجعلكم به خير أمة أخرجت للناس، وقال: ( ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنك).
وأما من ناحية العلاقة: فهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أولى بكم من أنفسكم، فأبوك ليس أولى بك من نفسك، أولى بك من غيرك؛ لأنه وارثك وهو الولي في عقد النكاح بالنسبة للمرأة، وهو الولي في الجنائز، ونحو ذلك، لكن ليس أولى بك من نفسك، وأمك كذلك هي من أوليائك، وهي أحق الناس بحسن صحابتك بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليست أولى بك من نفسك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله فيه: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6].
فهذه علاقة حميمة حقيقية هي أولى وأقوى من علاقة النسب ومن جميع العلاقات الأخرى؛ لأنها قاضية عليها، وهذه الأسباب كلها تقتضي منا تمام محبته وزيادتها، لكن من لا يعرفه تنقص محبته بقدر جهالته به، فنحتاج إلى تعلم صفاته وشمائله؛ لنزداد محبة له، فكلما ازداد الإنسان حباً له كلما زاده ذلك إيماناً وتصديقاً وعملاً، فلذلك لابد أن ينشد الرجال الآن وأنتم معاشر الحضور جميعاً مع حسان قوله:
هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجــزاء
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفــداء
هجوت مباركاً براً حنيفاً أمين الله شيمته الوفـــاء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقـاء
لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء
وأن تنشدوا كذلك مع كعب بن زهير بن أبي سلمى قوله رضي الله عنه:
حتى وضعت يميني لا أنازعــه وفي كف ذي نقمات قيله القيل
لذاك أهيب عندي أن أكلمــه وقيل إنك مسبور ومسـئول
من خادر من ليوث الأسد مسكنـه من بطن عثر غيل دونه غيــل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهمـا لحم من القوم معفور خراديــل
إذا يساور قرناً لا يحل لـــه أن يترك القرن إلا وهو مفلول
إلى أن يقول في خطابه له:
نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
وقد أتيت رسول الله معتذراً والعذر عند رسول الله مقبول
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة فلـم أذنب وإن كثرت في الأقاويل
وقد أقوم مقاماً لم يقوم بـه أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل
لو ضل يرعد إلا أن يكـون له من الرسول بإذن الله تنويل
إن الرسول لنور يستضاء بـه مهند من سيوف الله مسلـول
في فتية من قريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زولـوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف عند اللقاء ولا ميل معازيــل
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ضرب إذا عرض السود التنابيل
لا يقع الطعن إلا في نحورهـم وما لهم عن حياض الموت تهليل
ولا بد أن ينشد الفتيات كذلك مع الفتيات النجاريات قولهن:
نحن جواري من بني النجار يا حبذا محمد من جـــار
ولابد أن ينشد النساء كذلك مع تلك العجوز التي سمعها عمر رضي الله عنه في ليلتها تقول:
على محمد صلاة الأبـــرار صلى عليك الطيبون الأخيار
قد كنت قواماً بكيَّ الأسحار يا ليت شعري والمنايا أطـوار
هل تجمعني وحبيبي الدار
فلابد أن ننشد ذلك صادقين, وأن نحقق هذه المحبة حتى يكون أحب إلينا من أهلينا وأنفسنا، ومما على وجه الأرض جميعاً، ولنتذكر قول العلامة عبد الله بن سيد محمود رحمة الله عليه:
بان الرسول وبانت عنك طيبته إن الأحبة والأوطان أعداء
فالشيء الذي يخرجك من المدينة، ويجعلك تترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهرك عدو لك لا محالة، فلذلك قال: إن الأحبة والأوطان أعداء.
وكذلك الشوق الذي حصل للعلامة أحمد بن محمد بن محمد سالم المجلسي رحمة الله عليه, وعبر عنه بقوله:
أتذري عينه فضض الجمان غراماً من تذكره المغانـي
مغانٍ بالعقيق إلى المنقى إلى أحد تذكرها شجاني
ومن تذكار منزلة بسلــع إلى الجما تعاني ما تعاني
فهل عزم يصول على التوالي وهل بعد التباعد من تداني
وهل أغدو بكور الطير رحلي على وجناء دوسرة هجاني
تبذ العيش لاحقة كلاهــا وتطوي البيد مسنفة اللماني
ترى بعد الدؤوب كأخدري بيمؤود أرن على أتـان
حداها شوق دار الفتح مأوى إمام الرسل مأمن كل جان
بعيشك صف شمائله فإنـي أحن إلى شمائله الحسـان
فما شمس الظهيرة يوم دجن تحاكي وجنتيه ولا تـداني
ولا بدر التمام إذا تبـدى يحاكي الوجه ليلة أضحيان
ويشفي بالمسيس عضال داءٍ دو ما للأساة به يدان
إلى آخره.
فإذا حصل الإنسان على هذا المقام من المحبة سيكون ممن يحشر معه صلى الله عليه وسلم؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ( أن أعرابياً أتاه فقال: يا رسول الله! الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال: أنت مع من أحببت ). فمن أحب قوماً حشر معهم، ولذلك تمنى عمر رضي الله عنه أن يرزقه الله شهادةً في سبيله وموتاً في حرم نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يريد الجوار أيضاً مع الشهادة، وتنشدون بذلك أيضاً قول الشيخ محمد سالم حفظه الله:
يا حبذا المدينة المنورة وحبذا قبتها المـدورة
وحبذا روضتها المرجبة وحبذا حجرتها المحجبة
يا رب إما أقضي من عمري وطر ولم أخف في خلفي أي خطر
وأيقنت أن حمامي إن نزل بينه الأصاغر الخلـل
فاجعل منيتي بدار السنة شهادة موجبة للجنـة
اصطنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على عينه، فكمل خلقه وجمله, فكان على أحسن الأوصاف، فقد وصفه الواصفون من عمامته إلى نعله، ولم يتركوا أي شيء من شمائله إلا بينوه، فقد ذكروا فيما يتعلق بشعر رأسه أنه كان بأبي هو وأمي متوسط الشعر لا بالقطط ولا بالسبط، وكان لون شعره السواد، وقد كان شعره طويلاً، تارة يفرقه حتى يصل إلى شحمتي أذنيه، وتارة يسدله إلى الخلف، وكان يعتني بشعره، فكان يترجل فيبدأ بالجانب الأيمن منه، وكان يعجبه التيمن في شأنه كله، وكان جبينه أي: وجهه متسعاً مستديراً، وكان أزهر اللون، وحاجباه كلون المسطر، كلون الخطاط المتقن للرسم، وعيناه شديدتا بياض البياض، وشديدتا سواد السواد، ومتسعتان، ولم تنقص رؤيتهما.
ووجنتاه أي: ما تحت العينيين كانتا تشبهان بالزهرة الحمراء غب المطر.
وكذلك كان أقنى الأنف ليس بأفطس ولا منبطح الأنف، بل كان أنفه مرتفعاً، يخرج نور من عرنينه أي: من أعلى أنفه.
وكان يحف شاربه حفاً شديداً، وفمه كان ضليعاً نبتته متفرقة؛ كل سن غير ملتصقة بالتي تليها، وكان بياض أسنانه كلون ما ينزل من الثلج عند أول نزوله, وكان إذا اشتر عن أسنانه لاح منه مثل البرق, ونكهته أحسن الطيب، وكانت تزداد في آخر الليل, وفي وقت النوم عندما ينوم تزداد نكهته طيباً وحسناً، ولحيته كثيفة, وهي مستديرة على وجهه، فيها شعرات بيضاء قليلة في آخر حياته.
ووجهه كان يشبه بفلقة القمر، وكان يشبه بالشمس في رابعة النهار، في استدارته وحسنه وجماله، ورقبته ورد فيها تشبيهان:
أحدهما: أنها مثل الفضة البيضاء، وفي لفظ: مثل إبريق الفضة، الفضة الصافية التي ليس فيها خلط ولا بهرج، والتشبيه الثاني أنها: مثل رقبة الدمية، أي: الشيء المصنع باليد مثل: الشيء الذي يصنع للعب فتكون رقبة الدمية جميلة جداً؛ لأنها مصنعة على مقاس مستوٍ وذلك لأنها متساوية, وكانت طويلة.
وكان عريض المنكبين, وكان ضخم الكراديس، وكان طويل اليدين كما قال البراء: وكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم أطول من يدي.
وأصابعه مثل الزبد في اللين والحسن واللون, وراحته شديدة البرد دائماً، وفيها رائحة المسك في جميع الأوقات، وكان من حظ الذين شموا رائحة يدي النبي صلى الله عليه وسلم أنهم بقيت معهم تلك الرائحة فترة طويلة، لا يفقدونها في أنوفهم، ولذلك يشبهون يده الشريفة بجؤنة العطار التي يجعل فيها من أنواع الطيب كله، فتجمع أنواع الطيب.
وكذلك بين كتفيه خاتم النبوة، وهو أقرب إلى الكتف اليسرى، وهو مثل بيضة الحمامة، ولونه أغبر أي: بين الحمرة والسواد، وعليه شعرات, وكل من قرأ الكتب السماوية السابقة كان يبحث عنه، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انحنى سقط رداؤه فيرى خاتم النبوة، وكان الصبيان يلعبون به، وكان كل من رآه يهابه هيبة شديدة.
وكذلك في صدره مسربة؛ وهي شعر دقيق يستقر من تحت النحر إلى السرة، وهذا من جمال الرجال ومن كمالهم، وكان رحب الصدر، وأما بطنه فإنه كان ضامراً، لكنه لا ينقص عن مقاس الصدر، فلا يكون أخفض من الصدر ولا أعلى منه، وكان فيه تثنية كأنها تثنية القراطيس، أي: الورق المثنى؛ للينه وحسنه.
وكذلك ما يذكر من ساقيه وركبته من الرائحة الحسنة ومن اللون الجميل، وكذلك رجله كانت تشبه رجل إبراهيم عليه السلام، وقد وطئ النبي صلى الله عليه وسلم في مكان رجلي إبراهيم فجاءتا على قدر رجليه، وبين أن أشبه الناس بإبراهيم صاحبكم، أي: النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ملابسه فإنه كان يتعمم تارة عمامة بيضاء, وتارة عمامة سوداء، وفي يوم الفتح لبس عمامة سوداء فوق المغفر، وكانت عمامته تعلو الجبهة وهو ربعة من الطول، وهو بين الرجلين لا هو بالطويل البائن ولا هو بالقصير المزدرى، لكنه طائل كل من ماشاه، كل من مشى معه تكون عمامته أعلى منه.
وكان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب ما لان، فكان يحب الثياب البيض، وأرشد إليها فقال: ( خير ثيابكم البيض صلوا فيها جمعكم، وكفنوا فيها موتاكم )، وكان يلبس الحبرة أي: الثياب الحبرة التي تأتي من اليمن, وهي ثياب بيضاء لينة، وربما لبس الحلة وهي: الإزار والرداء، وكل ثوب ملفق من ثوبين فهو الذي يسمى حلة، والرداء ما يستر به الرجل أعلاه، والإزار ما يستر به الرجل أسفله، فالإزار ما يلويه الإنسان على سرته فيستر به أسفله، والرداء كل ما ستر أعلى الرجل، وكثير من الناس اليوم يفهم أن الرداء زائد على هذه الملابس، فما يستر على الإنسان ولو كان دراعة أو قميصاً هو داخل في الرداء المندوب في الصلاة.
وكذلك كان يلبس نعلين سبتيتين، أي: قد نزع شعرهما، وكان في مشيه إذا مشى أسرع كأنما ينحط من صبر، وكان إذا التفت التفت جميعاً، وكان لا يضحك ولا يستغرق في الضحك، وإذا ضحك ابتسم فقط، وكان جهير الصوت إذا خطب أو بلغ أو غضب، فإذا خطب كأنه منذر جيش يقول: صبحكم مساكم، وكان في وسط جبهته عرق يجره الغضب، فيجري فيه الدم ويرى حمرته، وذلك لصفاء لونه هو، فيرى ما في وجهه من العروق، وكان أبلغ الناس في كلامه وأخطبهم، وهذه بعض الشمائل الخلقية.
وكان في أدبه في استعمالها أيضاً على أحسن الوجوه، فكان لا يأكل إلا بثلاثة أصابع، وكان قليل الأكل، ويكون آخر من يطعم من الناس، وآخر من يأكل من أصحابه، وآخر من يشرب من أصحابه.
وكذلك فإنه كان يضطجع دائماً على شقه الأيمن كالمتوفى في قبره، وكان يعجبه التيمن في شأنه كله: في سواكه، وفي ترجله، وفي طهوره، وكان يستعمل الطيب مع أنه هو طيب الطيب، لكنه كان يستعمله تسنناً، وكان يحب السواك ويكثر منه، وكل ذلك سنة لأمته.
وقد حرم الله عليه مخالطة الأوساخ والأقذار، فلا يحل له مخالطة كل ذي رائحة كريهة؛ لأنه يناجي الملائكة، ولا يحل له الأكل مرتفقاً أو مضطجعاً، قال: ( إني لا آكل متكئاً )، ولا يتخذ خائنة الأعين؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يأتيه بالوحي، فلا يحتاج إلى مثل هذا النوع، وهذه الشمائل الخلقية كلها هي أبلغ الكمال وأتمه، ومعها تمام القوة، فكان أقوى الرجال، ولذلك فإن قريشاً أتوه بـركانة وكان أشدهم بمصارعته، فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتوه بجلد ثور لتوه قد سلح فبسطوا الجلد على أرض مستوية، وجعلوا شعره إلى أسفل، وهذا الآن إذا وقف عليه الإنسان يزلق به؛ لأنه لا يثبت، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبوه فتشقق الجلد وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك من تمام قوته: قوته على العبادة، فكان يقوم كثيراً من الليل كما أثنى الله عليه بذلك: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ [المزمل:20].
وكان يصوم حتى نقول: لا يفطر، وكان يواصل الصيام، ويقول: ( إني لست كهيئتكم؛ إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني )، فقواه الله على عبادته, وتبليغ رسالاته، وجمع له الخير كله، وهذه الشمائل من أراد الازدياد منها فليرجع إلى كتاب الشمائل المحمدية للترمذي أبي عيسى محمد بن عيسى بن سؤرة، وإلى غيره من الكتب، والشباب ينبغي أن يحفظوا قصيدة الزروق التي يقول فيها:
لقد كان خير الخلق أبهر طلعة من البدر بل من شمسه هو ألهب
جميل المحيا أزهر اللـون أبلج بهي بهيج الوجه ليس يقطب
إذا افتر ريئ النور من فيه خارجاً كأن ثناياه بروق تلهب
حكى ثغره حب الغمام إذا بدا ذكي الحجا سبط العظام مطيب
إلى آخر القصيدة، وكذلك قصيدة الصرصري التي وصف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الوصف، من عمامته إلى نعله، يقول فيها:
أبيض قد زان محياه سواد الشعر فوق جبين واضح أزهر رحب أنور
فاق امتداد حاجبيه نونيي المحرر يرشح منه عرق كاللؤلؤ المنحدر
في مقلتيه دعج مترجم عن حور وجنته أحسن من ورد الرياض الأحمر
أقنى يلوح النور من عرنينه المدور يفتر عن مثل الأقاحي أو نفيس الدرر
نكهته تربو على المسك ونفح العنبر تزداد طيباً أثر النوم ووقت السحر
في عارضيه شعرات كالصباح المسفر بنورهن يهتدي قلب الفتى المحير
والجيد جيد دمية في صفة المخبر أو كنقاء فضة صافية من كدر
يلوح بين كتفيه للبيب المبصر خاتم صدق زين بالخيلان غير منكر
في صدره مسربة كالألف المسطر بنانه كالزبد في لين وحسن منظر
أو جونة العطار في أريجها المعطر ولم يعبه نحل في بطنه المضمر
كأنه طي القراطيس عفيف المئزر والساق ذات القدم العلياء فوق المشتري
لو نالني غبارها كان جلاء البصر صورته الجميلة الأوصاف أبهى الصور
قوامه أحسن من قد القضيب النضر لا بطويل بائن ولم يشن بالقصر
وظله ليس له على الثرى من أثر ما لسنا الشمس على أنواره من مظهر
ويصف كل شيء فيه حتى وصف ملابسه، فقال:
إذا بدى في حلة من فاخرات الحبر معتجراً عمامة سوداء فوق المنبر
أخجل نور قمر الصحو المنير المبدر وإن تجلى للوفود في الرداء الأخضر
سما أزاهير الرياض غب يوم ممطر
ويصف كرمه وجوده، وهذا الجانب الثاني من الشمائل، وهو الجانب الخلقي، يقول فيه:
خير الأنام كلهم باديهم والحضر السيد المطهر المعزز الموقر
إلى أن يقول في كرمه:
كم بادرت راحته العلياء لبذل البدر سبعين ألفاً فضها في مجلس مختصر
إذا أتاه معدم في عام جدب أحمر أصبح ذا النائل ذا عيش رغيد أخضر
يعطي عطاءً واسعاً يكشف ضر المقتر جفانه مبذولة لقانع ومعتر
أجود من حل ذرا المجد كريم العنصر منتخب من معشر أكرم بهم من معشر
شوس كرامٍ قادة بيض كرام الأغور وهم لعمري سادة الناس بكل الأعصر
دأبهم للضيف في المشتاة نحر الجزر يحمون من حل بهم من نازلات الغير
لا تنسني فرسانهم عن الغنى المشتزر قوم إذا الغيث جفا الناس بجدب أغبر
درت لهم أخلاقهم بالواكف المنهمر أكفهم ما خلقت إلا ليسر المعسر
أو للرقاق البيض أو للسمهري الأسمر ولا سعت أقدامهم إلا لكسر مفخر
إما لدفع حادثٍ أو لرقي منبر وهو كمال فخرهم في مورد ومصدر
به غدت سيرتهم طراز كل السير منقبة عزت على مطامع المفتخر
ويذكر ما شرفه الله به أيضاً من الخصائص فيقول:
ليس له في أول الخلق ولا في الأخر مناظر أنى وقد شرفه بالنظر
وبالذي عاينه عند أعز السدر وبالوسيلة التي لغيره لم تخطر
وبالشفاعة التي خص بها والكوثر وباللواء في المعاد والمقام الأكبر
وكذلك قصيدة العلامة ... التي يصف فيها الجنة ونعيمها، ولكنه يخلص إلى أن من أبلغ ما فيها من النعيم جوار النبي صلى الله عليه وسلم، يقول فيها:
إذا برزت رعبوبة تتبرج لتفتن جهالاً على الزيف عرجوا
فلا يسلب منك اللب بهرج مظهر يروج على ألبابهم منه بهرج
وكن من رجال كلهم همه سما لدار بحور العين فيها يزوج
وجارهم في دارهم أبهر الورى جميعاً وأبهاهم جميعاً وأبهج
إلى آخر ما يصف من هذه الشمائل العظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم من ناحية الخٌلق:
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس, وأكملهم عقلاً وتربية، فقد ثبت عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: كنا إذا حزبنا العدو أتقيناهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، تعرفون أن العالم كله مطبق على شجاعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه, ومع ذلك يقول: كنا إذا حزبنا العدو -أي: تكالبوا علينا- أتقيناهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يقف في وجه العدو.
ولذلك عندما انهزم أصحابه يوم حنين وولوا مدبرين، تقدم النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء وهو يقول:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
ولما وصل إلى صفوف المشركين أخذ قبضة من تراب فرماها في وجوههم، فوقعت في أعينهم جميعاً.
وكذلك في يوم أحد عندما انهزم الناس بقي النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً في وجه العدو، ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً، منهم امرأة وهي نسيبة الأنصارية.
وكذلك فإن من تمام عقله وتدبيره إحاطته بشأن أهل الدنيا, ومعرفته بلغات العالم، وبآداب العالم وبحضاراته، وكان يخاطب الناس بما يحسن عندهم من لغتهم.
لما جاءت أم خالد وهي طفلة صغيرة من الحبشة، وقد ولدت في الحبشة وتعلمت لغة أهلها، كساها النبي صلى الله عليه وسلم ثوباً، فقال: ( سناه يا أم خالد )، خاطبها بلغة الحبشة تأليفاً لها وتحبباً.
وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكرم الناس، فقد ثبت في حديث جابر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ما سئل شيئاً قط فقال: لا. إن كان عنده أعطى، وإلا رد بميسور من القول، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم أدبه الله به فقال الله تعالى: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً [الإسراء:28].
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما في الصحيحين (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود من الخير من الريح المرسلة ).
ومن تمام جوده: أنه يوم أوطاس، لما فتح الله عليه غنائم هوازن، كان يعطي الرجل ما بين الجبلين من الإبل، وما بين الجبلين من الغنم، ويعطي الرجل من الذهب حتى ما يقله، فيرجع الرجل إلى قومه فيصيح فيهم: يا قومي أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
ولذلك لما ألجأه الأعراب إلى سمرة، فتعلق بها رداؤه قال: (إليكم عني, فلو كان عندي مثل سمر تهامة نعماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني جباناً ولا بخيلاً ولا كذاباً).
وكذلك من تمام خلقه الأمانة والعفة، فما عرف على وجه الأرض منذ بدء الدنيا إلى نهايتها من كان أعف منه، ولا أأمن على أنفس الناس وأموالهم، وهذا عكس ما يدعيه الملحدون الكافرون اليوم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم عرف في الجاهلية بالأمين والمأمون حتى أن أعداءه كانوا يخاطبونه بذلك، كعب بن زهير قبل إسلامه يقول لأخيه بجير:
سقاك بها المأمون كأساً روية فأنهلك منها المأمون وعلكا
فكانوا يسمونه المأمون، وكانت ودائعهم في بيته تملأ عليه بيته حتى في وقت الهجرة، وأموال اليتامى والغيب كانت توضع عنده صلى الله عليه وسلم لحمايتها وحفظها، وكان أشد الناس تعففاً، وقد عرفه الناس بذلك جميعاً.
كذلك الحياء فهو وصف اشتهر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في الجاهلية، والذين عرفوه جميعاً يصفونه بأنه كان أشد حياءً من العذراء في خدرها.
ومن تمام خلقه وحسن حيائه: أنه لا يخاطب أحداً بما يكره.
وكذلك حسن معاشرته ولينه، فإنه ما خالطه أحد إلا وأعجب بخلقه، وتعرفون نظم العلامة محمد فال متالي رحمة الله عليهما للشمائل النبوية يقول فيه:
من كان فخماً بادناً مفخما ليس مطهماً ولا مكلثما
ربعة تقدم طائل مماشيه ولو من الطول بأقصى القاصيه
يقول فيه بما يتعلق في هذا الخلق يقول:
يهابه رائيه فجأة ومن خالطه أحب خلقه الحسن
فكل من خالطه يحب خلقه، حتى الصبيان الصغار كان إذا رآهم يلعبون أتاهم فسلم عليهم، والذين يتدربون على الرماية أتاهم فوقف، فقال: ( ارموا وأنا مع بني فلان )، فكف الآخرون أيديهم فقالوا: كيف نراميهم وأنت معهم، قال: ارموا وأنا معكم كلكم.
وعندما دخل بيت أبي طلحة إذا ولد صغير كان يلعب بطير، فقال: ( ما فعل النغير يا أبا عمير؟ )، كناه بهذه الكنية وهو طفل صغير تحبباً إليه، وكذلك في خدمته لأهله، فكان يخدم أهله, ويقم بيته, ويخيط ثوبه، ويخصف نعله، وباشر الغرس لـسلمان الفارسي ليفتكه من ظلم اليهود، فغرس النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وكان يعمل بيده كل الأعمال التي يمارسها الرجال كان هو يعملها بيده، من الحرث والسقي، وعندما جاء حاجاً في حجة الوداع جاء إلى بني هاشم وهم يسقون الحجيج عند زمزم قال: اجلبوا بني عبد المطلب، فلولا أن يزحمكم الناس على سقايتكم لجلبت معكم، يخاف عليهم من الزحام.
ومن تمام عشرته: ما حصل مع أزواجه، فهذه عائشة أم المؤمنين, وكانت بنتاً صغيرة، فكان يسابقها يتألفها، وكان يكرمها بكل ما تريده, حتى إنها حبت أن تنظر إلى تدرب الأحباش برمي الحراب في المسجد، فوقف بينها وبينهم فجعلت تنظر من فوق كتفه، فيقول: ( أشبعت؟ أشبعت؟ )، وهي طفلة صغيرة لا تشبع من رؤية اللعب، وقال لها: (كنت لك كـأبي زرع لـ أم زرع غير أني لا أطلقك )، وقصة حديث أم زرع بكاملها في الصحيحين: ( جلس إحدى عشرة امرأة تعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، فقالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على جبل وعر، لا سهلٍ فيرتقى، ولا سمين فينتقل.. )، إلى آخر القصة، وآخر هؤلاء هو زوج الحادية عشرة أبو زرع، وقد ذكرت من تمام فضله عليها، وكرمه معها الشيء الكثير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة: ( كنت لك كأبي زرع لـ أم زرع غير أني لا أطلقك ).
وانظروا إلى خلقه مع خديجة رضي الله عنها فبعد موتها سمع صوت امرأة فهش لها أي: رحب بها، وقال: ( كانت تأتينا في زمان خديجة )، وكان ربما ذبح الشاة فقال: ( أهدوا هذه إلى صدائق خديجة )، أي: إلى صديقات خديجة اللواتي كن يعرفنها ويزرنها, وكذلك كرمه معهن في كل شأنهن.
ومراعاته لظروف الضعفة والمحتاجين جميعاً، حتى المرضى من غير المسلمين، فقد كان يعود المرضى من اليهود وغيرهم ويحسن الخلق فيهم، ويقف حتى لجنائز اليهود، إذا مر عليهم جنازة يهودي وقف، وما ذلك إلا لتواضعه، من شدة تواضعه وحسن خلقه، ولما أتاه رجلاً من أصحابه أخذته الرعدة والرحضاء، فقال: ( هون عليك فإنني لست بملك، إنما أنا عبد الله ورسوله ).
وكذلك من صفاته الخُلُقية: الرحمة فهو نبي الرحمة، قال الله به: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]. وعندما كان يقبل الحسن والحسين قال له رجل من الأعراب: إن لي عشرة من الولد، فوالله ما قبلت أحداً منهم، قال: ( ما أصنع إذا لم يجعل الله في قلبك الرحمة, من لا يرحم لا يرحم )، وقال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) وقال: ( لن تزال أمتي بخير ما دام كبيرها يرحم صغيرها، وصغيرها يوقر كبيرها ).
وكذلك من تمام صفاته وكرم تعاونه: الإرضاء والعفو، فقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعفو والصفح عن كل من ظلمه، ولذلك جاء وصفه بالتوراة أنه: حليم عفو، ليس صخاباً بالأسواق. هذا وصفه في التوراة، ومن تمام عفوه صلى الله عليه وسلم عفوه عن قريش، لما ظهر عليهم يوم الفتح وتغلب عليهم جميعاً، قال: ( ما ظنكم أني فاعل بكم، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء ).
وعندما سلم اللواء لواء النبي صلى الله عليه وسلم لـسعد بن عبادة بن دليم الساعدي الأنصاري رضي الله عنه غرزه بالبطحاء فقال: اليوم ذلت قريش وخربت، فجاء قريش يشكون ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم شاعرهم ضرار بن الخطاب، فأنشد بين يديه:
يا نبي الهدى إليك لجا حي قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأرض وعاداهم إله السماء
والتقت حلقة البطان على القوم ونودوا بالصيلم الصلعاء
إن سعداً يريد قاصمة الظهر بأهل الحجون والبطحاء
خزرجي لو يستطيع من الغيظ رمانا بالنسر والعواء
وغير الصدر لا يهم بشيء غير سفك الدما وسبي النساء
قد تلظى على البطاح وجاءت عنه هند بالسوأة السوآء
إذ ينادي بذل حي قريش وابن حرب بذا من الشهداء
فلئن أقحم اللواء ونادى يا حماة اللواء أهل اللواء
ثم ثابت إليه من بهم الخزرج والأوس أنجم الهيجاء
لتكوننَّ بالبطاح قريش فقعة القاع في أكف الإماء
فانهينه فإنّه أسد الأسد لدى الغاب والغ في الدماء
إنه مطرق يريد لنا الأمر سكوتاً كالحيّة الصماء
فابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ اللواء من سعد ما ظنكم إلى من سيدفعه؟ هل سيدفعه إلى رجل من قريش من المهاجرين مثلاً؟ لا، من تمام كرمه أنه دفعه إلى ولده قيس بن سعد بن عبادة بن دليم , والرجل لا يرضى أن يكون أحدنا أعز منه وأشرف إلا ولده، كل واحد منكم الآن لا يحب أن يكون أحد أتقى لله منه, ولا أعلم منه إلا ولده، وهذا خلق جبل الله عليه الناس، فولده يحب أن يكون له منزلة أعلى من منزلته هو، فلذلك أعطى اللواء لـقيس ففهم قيس الدرس, واستوعبه فغرز اللواء في البطحاء، وقال: اليوم عزت قريش وعمرت.
ومن تمام صفحه: عفوه على عبد الله بن أبي أمية وهو أخو أم سلمة رضي الله عنها, وهو مقترح الينبوع والإعراض الشديد الذي قال: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا[الإسراء:90-92].
إذاً: هذا التحدي الشديد، ومع ذلك لما جاء هو وأبو سفيان بن الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هجاه بأنواع الهجاء، لما جاءا إليه أتيا إلى أم سلمة يريدان الوساطة فقالت: يا رسول الله! لا يكون ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك، فلما لم ترَ منه جواباً أرشدتهما إلى الذهاب إلى علي بن أبي طالب فلما أتياه قال: إني لا أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر يغضبه، ولكن أدلكما على خير من ذلك، قالا: وما هو؟ قال: ما ينبغي لأحد أن يكون أكرم جواداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولا له ما قال إخوة يوسف لـيوسف: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ [يوسف:91].
فأتياه فقالا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجابهما بجواب يوسف عليه السلام: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92].
ومن تمام صفحه أيضاً: عفوه عن عبد الله بن أبي سرح بشفاعة عثمان رضي الله عنه، وغير هذا كثير جداً, ولا نستطيع تتبعهم كما ذكرت سابق، ولذلك أضطر الآن لقطع الحديث فيما يتعلق بالشمائل مع أني لم آتي منها بما كنت أريده، ولم آتي بنسبة معتبرة منها في أي مجال من المجالات، لكن الذي أريده هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يكفي من تمام وصفه: أن الله سبحانه وتعالى مجده بهذه الأوصاف، ومن أثنى عليه الخالق جل جلاله فماذا يقول المخلوقون بعد ذلك؟ وهذا الملمح هو الذي قاله أحد شعرائنا وهو عبد لله بن بليلي بن المسلم بن أحمد بن حبيب الرحمن رحمة الله عليهم يقول:
أبعد ثناء خالقنا تعالى على طه ثناء للورى لا
فما أبقت على خلق كريم مؤكدة لمخلوق مقالا
وبالنسبة للاتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم الآن فالخطوات العملية التي أقترحها والتي ممكن أن نشارك فيها جميعاً هي:
أولاً: دراسة وتدريس سيرته وشمائله, وتعريف الناس به وبأصحابه وبأحسابهم، وحياتهم وسيرهم، فهذا الذي يعرف الناس عليه تعريفاً حقيقياً، كما قال البدوي رحمه الله في الأنساب:
وإن قرأت النسب الخطيرا وسيرة تكن بهم خبيرا
حتى كأنهم بعين النقس في الصك قد لاحوا لعين الحس
أي: كأنك تراهم.
وأيضاً: استغلال الوسائل المتاحة كلها لذلك، وفي هذا المقام أشكر لهذه المؤسسة -وهي المدرسة العليا لتكوين الأساتذة والمفتشين- ولهذه الرابطة هذه البادرة الخيرة المباركة، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في موازين حسنات القائمين على هذه المؤسسة والرابطة، وأن يبارك في هذه الجهود، وأن يوفقهم للمزيد، وينبغي أن تتنافس المؤسسات كلها في هذا، وأن تبادر إليه وأن تكثر المبادرات فيه، وأن يكون هذا من حياتنا كتنفسنا وعاداتنا، كذلك لابد من تعريف الآخرين بالنبي صلى الله عليه وسلم، عن خلق ترجمة شمائله وسيرته، وبإمكان أن يترجم كل واحد من الشباب الآن، يتقن أي لغة من اللغات قصيدةً واحدة من قصائد حسان أو من قصائد كعب بن مالك، أو أي قصيدة في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ومدحه، أو أن يجمعوا ذلك ويهيئوه للترجمة والنسخ، فمثلاً: إذا أخذتم ما ليس فيه إطراء ولا مبالغة ولا تجاوز للحد من أمداح الناس، وبالأخص أهل بلادكم هذه تجدون فيها الشيء الكثير وثروة هائلة، واسمعوا إلى مولود بن أحمد الجواد رحمة الله عليه في قصيدة التي مطلعها:
أزكى صلاة وتسليم على قمر بدر به قد أنار الله به أكوانـه
أزكى صلاة وتسليم فذاك على خير قد أختاره الرحمان عبدانـه
من أي مرجال رب العرش مرثانه تبدو لعنيك في تكوين إنسانه
أمسى بها القلب مفتوناً وكان أبا على الفواتن لم تفتنه فتانة
يقول فيها في وصف النبي صلى الله عليه وسلم:
لو كان ذا الكون إنساناً لكنت له عيناً ولو كان عيناً كنت إنسانا
وهذا البيت البليغ ترجمته مثل تعريف الناس به وتدعو الشباب لمثل هذا النوع من الشعر لا شك أنه مفيد جداً لتكوينهم وتربيتهم.
كذلك من المبادرات المهمة: نصرته في مثل هذه الأوقات التي يعتدى فيها على جنابه الشريف، بإعلان الولاء والمحبة, والضغط على الحكومات لقطع العلاقات مع المفسدين الذين يفعلون ذلك، فالحكومات إنما هي من هذه الشعوب، وهي تمثل هذه الأمة، ولابد أن يكون منها أساس الأمة، ولابد أن تعبر عن روح الأمة، فهي التي وضعت أيديها على طاقات الأمة وأموالها وسلاحها وجيشها وكل ما لديها، فلابد أن تكون عند حسن الظن بها، وأن تتقدم أمام الشعوب، وأن تتخذ خطوات مهمة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، فتصوروا لو أن رئيس أي بلد من بلداننا الإسلامية اعتدت عليه تلفزة أو جريدة أو مجلة وكتبت عنه مقالات مشوهة، أليس سيجمد كل وسائل إعلامه وسيستدعي السفير، وسيعترض بأنواع الاعتراضات، هل عرضه هو أشرف من عرض النبي صلى الله عليه وسلم وأطهر؟ لماذا لا نجد الآن غيرة وحماساً شديداً من الرؤساء والوزراء والحكام والملوك؟ لماذا لا يقوموا بهبة مثلما هبة الشعوب، فلابد من الضغط عليهم وتنبيههم لذلك ونصيحتهم به وإرشادهم إليه، وحتى الدعاء لهم أن يوفقهم الله له، أنتم الآن ادعو الله لقادة الأمة أن يوفقهم الله لنصرة رسوله، وأن يأخذ بنواصيهم إلى ذلك، وأن يلزمهم نصرة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كذلك من المهمات: مقاطعة البضائع، وقد اتخذ العلماء في ذلك فتاوي لابد من تحقيقها، وهي محل إجماع بين المفتين من المسلمين الآن في العالم، مقاطعة البضائع الدنماركية إلا الشركتين اللتين اعتذرتا، ومتابعة ذلك عبر المواقع الفضائية، وموقع النصرة, وموقع رحمةً للعالمين، ومواقع أخرى تختص بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومتابعة الاعتداء عليه، وردود الفعل على ذلك، وفتاوى العلماء في هذا الباب.
وكذلك من المهمات أيضاً في هذا القبيل: رصد هذه الأخبار ومتابعتها، فكثير من الأخبار تحصل دون أن يعلم الناس بها ودون أن يشعروا، فإذا كان الشباب لهم حرص دائم على متابعة ما ينشر يومياً عن الإسلام واهتمام دائم بذلك، فسيكونون بمثابة الحراس على الحدود وعلى الثغور ويخافون أن يؤتى الإسلام من قبلهم، فيراقبون ويتابعون ويبلغوا وينشرون، فهذا مما ينفع الله به، ولا شك أن المقاطعة مجدية مفيدة، ولهذا اضطرت الدنمارك الآن إلى تغيير رمزها الصناعي الذي تضعه على منتجاتها، غيرته الآن في هذا الشهر بسبب المقاطعة.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وأن ينصر بنا دينه, وأن يعلي بنا كلمته، وأن يحشرنا تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يسقينا من حوضه، وأن يلزمنا التمسك بسنته عند فساد أمته، وأن يجعلنا من أنصاره وإخوانه، وأن يوفقنا لمرضاته.
اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمداً عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليم.
اللهم صل على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحب أن تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، لك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً، لك الحمد كالذي نقول, وخيراً مما نقول، ولك الحمد كالذي تقول، لك الحمد أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر, وتعصى فتغفر، أقرب شهيد, وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، ونسخت الآثار, وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية, والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت, والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرءوف الرحيم.
نسألك بعزك الذي لا يرام, وبنورك الذي أشرقت له السموات والأرض، أن تهدي قلوبنا, وأنت تستر عيوبنا، وأن تكشف كروبنا، وأن تجعل التقى زادنا، وأن تحقق مرادنا، وأن تصلح أولادنا.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا, وجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا, ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا, واجعل الجنة هي دارنا.
اللهم استعملنا في طاعتك, واجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً ولا تجعلنا أتباعه، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا من حبك، وإذا أردت بقومنا فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بركنك الذي لا يرام، واجعلنا في جوارك الذي لا يضام، وارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت رجاؤنا، فكم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك بها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قل لك بها صبرنا، فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا، ويا من قل عند بليته صبرنا فلم يخذلنا، ويا من رآنا على الخطايا فلم يفضحنا، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبداً، ويا ذا النعمة التي لا تحصى عدداً، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد، وبك ندرأ في نحورك أعداءك الجبارين.
اللهم أعنا على ذكرنا في الدنيا، وعلى آخرتنا بالتقوى، واحفظنا فيما غبنا عنه، ولا تكلنا إلى أنفسنا فيما فرطنا، يا من لا تضره الذنوب, ولا ينقصه العفو, هب لنا ما لا ينقصك، واغفر لنا ما لا يضرك إنك أنت الغفار، نسألك فرجاً قريباً, وصبراً جميلاً, ورزقاً واسعاً, وعافية من البلايا، ونسألك تمام العافية, ونسألك دوام العافية، ونسألك الشكر على العافية، ونسألك الغنى عن الناس.
اللهم اعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم اجعلنا لك ذاكرين, لك شاكرين, لك رهابين أوابين منيبين، اللهم تقبل توبتنا, واغسل حوبتنا, وأجب دعوتنا, وثبت حجتنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا، اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربنا، إلى من تكلنا, إلى بعيد يتجهمنا أم إلى قريب ملكته أمرنا، إن لم يكن بك علينا سخط فلا نبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لنا، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بنا سخطك، أو يحل علينا غضبك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللهم جازي عنا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل وأجزل وأكمل ما جازيت نبياً عن أمته ورسولاً عن مرسليه.
اللهم آته الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً إنك لا تخلف الميعاد، اللهم أقر عينه في ذريته وفي أمته، اللهم اخلفه في أمته بخير، اللهم ابرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك, ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف, وينهى فيه عن المنكر, ويقام فيه حدودك يا سميع الدعاء.
اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك، ويصدون عن سبيلك, ويكذبون رسلك، اللهم لا ترفع لهم راية, ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية، وأخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين مهزومين يا ذا القوة المتين.
اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك, وسريع عقوبتك يا قوي يا متين، اللهم أرسل عليهم سوط عذاب من عندك ترينا به عجائب قدرتك فيهم يا قوي يا متين، اللهم أنزل بهم المثلات, وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم إنك قلت وقولك الحق: وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ[الرعد:31]، اللهم فأحرق بهم القوارع والمثلات, وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد على القوم المجرمين، وخذهم أخذاً وبيلاً، وخذهم أخذاً عزيز مقتدر، اللهم إنا نسألك أن تعلي كلمتك, وأن تعلي شأن دينك, وأن تظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يجاهدون لإعلاء كلمتك في كل مكان، اللهم انصر إخواننا في فلسطين وفي الشيشان وفي أفغانستان وفي السودان وفي الصومال، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم.
اللهم فرج هم المهمومين, ونفس كرب المكروبين, واقض الدين عن المدينين, وفك أسرى المأسورين من المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم فرج عن إخواننا المحصورين في غزة، اللهم فرج همهم, ونفس كربهم, واحقن دماءهم, واكفهم شر أعدائهم، اللهم اشفِ مرضاهم, وارحم موتاهم، اللهم أعنهم بعون من عندك يا أرحم الراحمين، اللهم أنزل السكينة في قلوبهم، اللهم أنزل رحمة من عندك يا أرحم الراحمين، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم أخرج اليهود صاغرين من بيت المقدس، اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس اليهود، اللهم أخرجهم من بيت المقدس صاغرين مهزومين يا قوي يا متين، اللهم أخرجهم من بلادنا صاغرين مهزومين يا قوي يا متين، اللهم إنا نسألك أن تخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين مهزومين يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا قوي يا متين، يا ذا العزة والجبروت، يا ذا الملك والملكوت، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وفك أسر المأسورين من المسلمين يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تدع لنا في عشيتنا هذه ذنباً إلا غفرته, ولا هماً إلا فرجته, ولا ديناً إلا قضيته, ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته, ولا ميتاً إلا رحمته, ولا ضالاً إلا هديته، ولا مجاهداً إلا نصرته، ولا عدواً إلا كبته وخذلته, ولا عسيراً إلا يسرته، ولا فقيراً إلا أغنيته، ولا جاهلاً إلا علمته، ولا طالباً إلا نجحته ووفقته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق طلابنا وطالبتنا يا أرحم الراحمين، اللهم يسر أمورهم, واشرح صدورهم, وانصر بهم دينك, واجعلهم في قرة عين نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلنا من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأنصار الإيمان يا أرحم الراحمين.
اللهم احشرنا تحت لوائه, وأحيينا على سنته, وأمتنا على ملته، واسقنا من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم اجعل هذه الوجوه جميعاً من الوجوه الناضرة الناظرة إلى وجهه الكريم، اللهم آتنا كتبنا في أيماننا تلقاء وجوهنا, وجاوزنا على الصراط كالبرق الخاطف, وأظلنا بظلك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم إنا نسألك أجمعين مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً سعةً وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نسألك أن ترفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر