إسلام ويب

تقويم الله لغزوة أحد [2]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شخص الله سبحانه وتعالى الحالة النفسية للمؤمنين بعد خذلان المنافقين، فخاطبهم ليذكرهم بحالهم التي كانوا عليها من قبل في تمني الشهادة والرغبة فيها، وحثهم النبي صلى الله عليه وسلم على فضل الشهادة وما للشهيد عند الله فظهرت تضحيات كثير منهم وبطولاتهم. ومنهجية المؤمن دائماً تذكر عوامل الثبات ومعانيه عند حصول الفتنة، وذلك بتذكر قدر الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وكذلك يتذكر معاني المروءة والمسئولية والثواب العظيم للثبات على الحق مقتدياً بأهل الثبات والصبر والعزيمة.

    الحالة النفسية للمؤمنين وتضحيتهم بعد خذلان المنافقين

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فلا يزال هذا المقطع من سورة آل عمران في تقويم غزوة أحد، وبيان ما ترتب عليها من النتائج والآثار، فقد جاء في هذا المقطع الذي سمعتم تشخيص الحالة النفسية للمؤمنين عندما تخاذل عنهم المنافقون ورجعوا، وكانوا نصف الجيش، وجاءتهم الأحزاب، جاءتهم قريش وأحابيشها وأحلافها، فلم يبق لهم من الأنصار في ذلك المكان إلا إيمانهم وسيوفهم؛ ولذلك قال كعب بن مالك رضي الله عنه:

    الناس إِلْب علينا فيك ليس لنا إلا السيوف وأطراف القنا وَزَر

    فقال الله تعالى: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ[آل عمران:143].

    خاطب أهل الإيمان بتذكير حالهم قبل المعركة، وهو أن الإنسان إذا سمع الوعد الوارد من الرب الكريم للشهداء في سبيل الله، وعرف المنزلة التي نالوها، والمحلة التي نزلوها من الإسلام، يتمنى أن يلحق بهم، وأن يصل إلى مستواهم، فقد قتل من المسلمين يوم بدر نفر قليل، ومع ذلك فقد نالوا درجة عالية في الجنان، ودرجة عالية في الإيمان كذلك، فكانوا في المقام الثالث بعد مقام الأنبياء والصديقين، فنزل الشهداء في ذلك المقام.

    وفي يوم بدر ضحى أقوام من متفاوت الأعمار والمستويات، فمنهم عبيدة بن الحارث بن المطلب، وكان شيخًا كبيرًا قد تجاوز الثمانين، ولما تقدم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة يريدون البراز، تقدم إليهم رجال من الأنصار، فعرَّفوهم بأنفسهم، فقالوا: أكفاء كرام، ولكنا نريد بني عمنا، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وحمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فتقدموا إليهم، وكانوا يجتمعون جميعًا في عبد مناف، فـعتبة وأخوه شيبة ابني ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، فلما تقدموا إليهم حصل بينهم الخصام في ذات الله، وقد قال علي رضي الله عنه: (أنا أول من يجثو للمخاصمة يوم القيامة)، وفيهم أنزل قول الله تعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ[الحج:19-21].

    فتقدموا إليهم فحسمت المعركة لصالح المسلمين، فقتل الكفار الثلاثة، وضرب عتبة ساق عبيدة بن الحارث فأطن ساقه، فحمله صاحباه، فجاءا به إلى رسول الله عليه وسلم، فكان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه، فقال: يا رسول الله لوددت أن أبا طالب حي؛ حتى يعلم أنا أحق منه بقوله:

    كذبتم وبيت الله نبزى محمدًا ولـما نقاتل دونه ونناضل

    ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل

    فامتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث.

    تضحية عمير بن الحمام وحارثة

    وكان فيمن قتل ذلك اليوم عمير بن الحمام ولم يبلغ الحلم بعد، فقد اختلف في سنه وقت استشهاده، فقيل: كان في الثالثة عشرة من عمره، وقيل: كان في العاشرة من عمره، ومنهم كذلك حارثة ، وكان شابًّا ليس لأمه ذكر ولا أنثى سواه، هو وحيد أمه، وكانت تحبه حبًّا شديدًا، فكان بيده تمرات، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين: (تقدموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، قال عمير: بخ بخ عرضها السموات والأرضّ؟! إنه لعمر طويل إن عشت حتى آكل هؤلاء التمرات، فرمى بهن فقاتل فقتل)، ولما قتل حارثة جاءت أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ( يا رسول الله، أخبرني عن مكان ابني حارثة أفي الجنة هو فأصبر أم في غير ذلك فترى ما أصنع؟ فقال: أوجنة هي، إنما هي جنان، وابنك في الفردوس الأعلى منها).

    تسابق المؤمنين للشهادة

    وسمع أهل الإيمان- من شهد منهم المعركة ومن لم يشهدها- ما أنزل الله تعالى في حق الشهداء، وما شهد لهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وعدهم الله تعالى من الخير الكثير الجزيل الذي لا انقطاع له، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد عند أول قطرة تقطر من دمه ويزوج بسبعين من الحور العين)، وبين النبي صلى الله عليه وسلم منزلتهم في الإسلام، وأنهم يعرضون على الله فيقول: ( تمنوا، فيتمنون أن يعودوا إلى الدنيا، فيقول: ولمَ؟ فيقولون: حتى نقتل فيك عشر مرات )، لما يرون من فضل الشهادة في سبيل الله، لا يريدون أن يرجعوا إلى الدنيا للحياة، إنما يريدون الرجوع إليها للموت.

    فلما حصل ذلك تمنى كثير من المؤمنين الشهادة في سبيل الله، وذكرهم الله بذلك في هذا المقام في وقت الانهزام ووقت الشدة والضائقة، فقال: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ[آل عمران:143].

    ما كان الناس يتمنونه لما سمعوا الوعد العظيم للشهداء في سبيل الله، وما كانت عليه نفسياتهم في ذلك الوقت من الإقبال على الله سبحانه وتعالى، وطلب الشهادة في سبيله، كل ذلك يغيب عن الأذهان في وقت المشكلات والهزات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533074

    عدد مرات الحفظ

    777173688