الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقال الحسن رحمه الله:
وَ(خَبَّ) (صَبَّ) وَ(طَبَّ) (لَجَّ) (بَحَّ) وَ(وَدْ دَ) (بَرَّ) (لَذَّ) وَ(شَلَّتْ كَفُّهُ شَلَلاَ)
كذلك من (فَعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس: (خَبَّ، خِبًا) بالكسر، فهو (خَبٌّ) بالفتح، معناه: خَدَع، فيقال: (خبه) بمعنى: خدعه، ويقال: (خَبَّ) هو بمعنى: صار خادعًا: كان من أهل الخديعة والخيانة، ومصدرها: (خِبًا) بالكسر، وأما الخَب بالفتح فهو: الخادع، المعروف بالخيانة والخديعة، يسمى: (خَبًا) بالفتح، ومنه قول الشاعر:
لا يلي الخِب شيمة الخَبِّ ما دام فلا تحسبنه ذا ارعواء
(لا يلي الخِب)؛ أي: لا تلي الخديعة، (شيمة الخَب)؛ أي: المتصف بها، (ما دام)، معناه: مدة حياته، (فلا تحسبنه ذا ارعواء)؛ أي: ذا رجوع عنه، الارعواء: الرجوع.
كذلك (صَبَّ)، أيضًا (فعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، تقول فيها: (يَصَبُّ)، (صبابة) هي المصدر، فهو (صَبٌّ)، هذا الوصف منها، وتفسيرها: عشق، فالعاشق: هو الصَّبُّ، والصبابة هي العشق، وهي (فَعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، ومضارعه بالفتح: (يصَب)، وكذلك (طَبَّ)، أيضًا (فعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، تقول فيه (يطَب)، (طبًا) هي المصدر، وهي مثلثة الطاء، تقول فيها: (طَبًا)، و(طِبًا) و(طُبًا)، فهو طبيب، هذا الوصف منها، و(طَبٌّ) أيضًا وصف آخر، وتفسيرها: ماهر، (طب بالشيء)، معناه: مهر به، ومنه قول عنترة:
إن تغدِ في دوني القناع فإنني طب بأخذ الفارس المستلئم
معناه: مهر به، (إن تغد في دوني القناع)، معناه: إن تلفي دوني القناع، (فإنني طب)، معناه: ماهر، (بأخذ الفارس المستلئم)، المستلئم؛ أي: الذي لبس لامة الحرب، فكيف بالمرأة المتحجبة؟
وهنا (طب به)؛ أي: ماهر، أما (طَبه) بمعنى: سحَره، فهي أيضًا مثلها، فالطب: يطلق على العلاج، ويطلق على السحر، ومنه حديث: (ما بال الرجل؟ فقال: مطبوب)، مطبوب، معناه: مسحور.
(لج) كذلك من (فعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس: (لج) في الشيء، معناه: اشتد تماديه فيه، لجاجًا: هي المصدر، ولجاجة: مصدر آخر، فهو لجوج، هذا الوصف منها، ومنه قول عنترة أيضًا:
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد لا أتبع النفس اللجوج هواها
(لا أتبع النفس اللجوج)، معناها: التي هي شديدة التمادي على اتباع الهوى، لا أتبعها هواها.
كذلك (بح)، فهي (فعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، تقول فيها: (يبَح)، معناه: تغير صوته، (بح صوته): خشن، هذا تفسيرها، بحاحًا، هذا هو المصدر، فهو أبح، هذا الوصف للمذكر، وهي بحاء، هذا الوصف للمؤنث.
و(ود) كذلك، من (فعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس: (ود) بمعنى: أحب، (وده) بمعنى: أحبه، (ودًا) هذا المصدر، مثلثة، فتقول فيها: (وَدًا، ووِدًا، ووُدًا): إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا[مريم:96]، قرئ أيضًا بالفتح (وَدًا)، وبالكسر (وِدًا)، فالود، والوَد، والوُد، كلها بمعنى: المحبة، والمودة كذلك؛ إذًا هذه بمعنى أحب.
كذلك (وَدَّ) بمعنى: تمنى، فهي (فعِل) بالكسر أيضًا، مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، فتقول: (ود الشيء)، بمعنى: تمناه (يوده، ودادًا)، كلها متعدية: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ[البقرة:96]، وهذه هي التي تأتي بعدها (لو) المصدرية؛ لأن (لو) المصدرية لا تأتي إلا بعد (ود)، و(ودادًا) و(ودادة) مصدران آخران، تقول فيهما: الوداد، بمعنى: المحبة، و(الودادة) بمعنى: المحبة أيضًا، ومنه قول الشاعر:
أود ودادة لو أن حظي من الخلان ألا يصدموني
(أود): هذا مضارع (ود)، وهو مفتوح هنا على القياس كما ذكرنا، (وَدادة أو وِدادة)، هذا المصدر، (وَدادة، لو أن حظي)، معناه: نصيبي، (من الخلان): جمع خل، وهو الصاحب، (ألا يصدموني)، معناه: ألا يقاطعوني، لا يريد منهم نفعًا، وإنما يريد ألا يقاطعوه.
يذكر أن (ود) بمعنى: تمنى، مصدرها بالضم أو بالكسر فقط، وليس فيها الفتح.
كذلك (بَرَّ في يمينه)، وبرها، فتأتي لازمة، وتأتي متعدية، هي أيضًا (فعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، تقول فيها: (يبَر)، فقال: (بر في يمينه)؛ بدأ باللازم، (وبرها)؛ فذكر المتعدي، صدق، معناه: صدق في يمينه، فتقول فيها: (يبر)، وهي ضد حنث، كذلك (بَرَّ والديه)، بمعنى: أطاعهما وأحسن إليهما، فهي أيضًا (فعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، تقول فيها: (يبرهما)، (وجاءك ضرب)، (بر والديه) جاءت أيضًا على وزن (فَعَل) بالفتح، ومضارعها بالكسر، تقول فيها: (بَرِرت والديك تَبَرهما)، و(بَرَرت والديك تَبِرهما)، ففي الماضي لغتان، وفي المضارع لغتان، الماضي: فيه الفتح والكسر، والمضارع: فيه الفتح والكسر أيضًا، فالفتح لـ(فعِل) بالكسر، والكسر لـ(فعَل) بالفتح، ومصدرها: برًا وبرورًا فيهما؛ أي: في اليمين، وفي بر الوالدين، و(بر الرجل)، بمعنى: اتقى، هذه أيضًا (فعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، (بر الرجل، فهو بَرٌّ)، معناه: كان تقيًا، والبَر: التقي، (بِرًا) بالكسر، ومنه الحديث: (جئت تسأل عن البر؟)، فالبر: التقوى، فهو بَر بالفتح.
(وبار في الكل)، أما (بار) فإنها تأتي من (برَّ في يمينه)؛ تقول: (فلان بار في يمينه)، وتأتي من: (بر والديه)؛ فلان بار لوالديه، وتأتي من (بر) بمعنى: اتقى، فهي لازمة، و(بار في الكل)، معناه: في الأفعال الثلاثة، ومنه: (صدقت وبررت)، من الأخير الذي هو بمعنى: التقوى، (صدقت وبررت)، في جواب الملائكة- ملائكة السؤال- في حديث أسماء، أنه إذا قال: (ربي الله، وديني الإسلام، والرجل المبعوث فينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو محمد، هو محمد، هو محمد، ثلاثًا، جاءنا بالبينات والهدى، فآمنا واتبعنا؛ فيقولان له: صدقت وبررت، قد علمنا إن كنت لموقنا)، جاء فيها (برَرت)، و(برِرت).
كذلك من (فعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس: (لَذَّ) الشيء، فهو لذيذ، معناه: صار شهيًا، ومضارعها: (يلَذ) بالفتح، لذاذًا، هذا المصدر، ولذاذة: مصدر آخر، فهو لذيذ: هذا الوصف منها، ولَذٌّ وصف آخر، كذلك يقال فيها: (لذذت الشيء) بمعنى: وجدته لذيذًا، (لذذت الشيء ألذه) معناه: وجدته لذيذًا، ومنه قول الراجز:
أبيض من آل أبي عتيق مهاجر من ولد الصديق
ألـذه كـمـا ألـذ ريـقـي
هذا في أحد أولاد أبي عتيق من ذرية أبي بكر رضي الله عنه، يقول فيه أبوه هذه الأبيات وهو صغير، يقول:
(أبيض من آل أبي عتيق)، (مهاجر)؛ أي: من المهاجرين من ولد الصديق، (ألذه كما ألذ ريقي) معناها: أجده لذيذًا عندي كما ألذ ريقي.
كذلك (شلت كفه شللًا) فهي (فعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، مضارعها: (تشَل) بالفتح على القياس، (شللًا) هي المصدر، وشلًّا مصدر آخر، شلًّا بالتشديد، (وشُلت وأشِلت مجهولين)، يقصد: أن العرب استعملوا فيها (شُلت كفه) بالبناء للمجهول، و(أُشلت كفه) كذلك بالبناء للمجهول، (مجهولين)؛ أي: مبنيين للمجهول، فهو أشل، هذا الوصف منها، وهي شلاء، كف شلاء، وامرأة شلاء، ورجل أشل، وتفسيرها: فسدت، ومنه قول عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنها في قاتل الزبير بن العوام وهو عمرو بن جرموز، تقول:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة يوم اللقاء وكان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشًا رعش الجنان ولا اليد
شلت يمينك إن قتلت لمسلمًا حلت عليك عقوبة المتعمد
يجوز أن تقول: (شَلت يمينك إن قتلت لمسلمًا)، ويجوز أن تقول: (شُلت يمينك) بالبناء للغائب.
قرت وحر ومر مس هش له وبش سف وشم ضن مع زللا
كذلك من (فعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس: (قرت عينه، تقَر) بالفتح، (قرة هذا المصدر، ومنه قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ[الفرقان:74]، قرة، وقرارًا كذلك مصدر آخر، تفسيرها: (بردت سرورًا)، والعرب تزعم أن العين تسخن بالحزن، وتبرد من السرور، الدمع الذي هو من الحزن يكون ساخنًا، والدمع الذي هو من السرور يكون باردًا، والعين تدمع من السرور، ومن الحزن؛ ولذلك يقول الأديب:
ورد الكتاب من الحبيب بأنه سيزورني فتحركت أشجاني
يا عين صار الدمع منك سجية تبكين من فرح ومن أحزان
كذلك يبكى منه، لكن الدمع الذي هو من الحزن ساخن، ومنه قول المجنون:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منًى فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى أسخن الله دمعه وليلى بأرض الشام في بلد قفر
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أطار بذاكم طائرًا كان في صدري
وهنا (أسخن الله دمعه)، معناه: جعل دمعه يسخن من الحزن، جعله يبكي من الحزن.
أما (أقر الله عينك)، معناه: جعلها تقَر؛ أي: تسر أنت سرورًا شديدًا، يقتضي منك أن تقطر دمعتك من السرور.
(قر) ستأتينا، هذه (فَعَل) بالفتح، (قر النهار)، ستأتينا في (فَعَل) بالفتح.
(قر) بمعنى: سكنت ستأتي أيضًا.
بردت سرورًا، فهي قارة، هذا الوصف منها، و(قر بالمكان قرارًا)؛ أي: سكن): قر بالمكان كذلك (فعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، (قر بالمكان) بمعنى: استقر؛ أي: سكن، فهي أيضًا (فعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، تقول فيه: (يقَر)، (مع أنه جاءك ضرب): جاءك ضرب؛ أي: جاء في لغة بعض العرب: (قر بالمكان قرارًا) بمعنى: سكن، على وزن (فَعَل) بالفتح، تقول: (قررت بالمكان، أَقِرُّ به)، وهذا معنى: كـ(ضرب)؛ أي: (فعَل) بالفتح، مضارعه بالكسر على الشهرة، وقر النهار سيأتي، أما (قَرَّ النهار) فهي (فعَل) بالفتح، وستأتينا إن شاء الله بمكانها.
كذلك من (فعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس: حرَّ العبد، بمعنى: عتق، معناه: صار حرًا، تقول فيه: (حَرَّ يَحَر)، ومنه قول حاتم بن عبد الله الطائي:
أوقد فإن الليل ليل قر والريح يا واقد ريح صر
لكي يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفًا فأنت حر
يوقد النار للقِرى ليأتيه الضيوف في الليالي المظلمة الشاتية، يقول لعبده هذا:
(أوقد فإن الليل ليل قر)؛ أي: بارد، (والريح يا واقد ريح صر): واقد اسم هذا العبد، ريح صر؛ أي: شديدة الهبوب، (عل يرى نارك من يمر)، أو (لكي يرى نارك من يمر)، (إن جلبت ضيفًا فأنت حر)، إذا جاءت هذه النار بضيف واحد فأنت حر بسبب ذلك، لكرمه ومحبته لإكرام الضيوف.
... أهل البادية نزل منزلًا، كان المنزل مناسبًا جدًا من ناحية الماء والكلأ والمرعى، لكنهم مكثوا في ذلك المنزل ثلاث ليال، فما جاءهم ضيف، فقال: لا بد أن ترتحلوا، لم يأتكم ضيف في هذا المنزل، فهو منزل شؤم، فارتحلوا عن ذلك المنزل.
كذلك من (فعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس: (مر طعمه، يمَر) بالفتح (مرارة)، هذا المصدر، فهو مُرٌّ، هذا الوصف منها، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
وقد كنت من سلمى سنين ثمانيًا على صير أمر ما يمَر وما يحلو
(ما يمَر) معناه: لا يكون مُرًا، و(ما يحلو) أيضًا؛ فهو بين الأمرين.
كذلك من (فعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس، (مسه، مسًا)، هذا المصدر، و(مسيسًا) هذا مصدر آخر، و(مسيسا كخليفا) مصدر آخر، (خليفا) بمعنى: الخلافة، ومنه قول أبي بكر: (لولا الخليفا لأذنت)، معناه: لولا أني توظفت في الخلافة لتوظفت في الأذان، لكنت مؤذنًا، هذا بمعنى: الخلافة، مصدر بمعنى الخلافة.
(لولا الخليفا لأذنت)، معناه: لاتخذت وظيفة المؤذن؛ فوظيفة المؤذن: هي التي تلي الخلافة، فالخليفة هو الإمام، وما بعد الإمام إلا المؤذن.
و(جاءك نصر)، وجاءك نصر؛ أي: إنه جاء في لغة بعض العرب (مسَّه، يـمُسُّه) على وزن (فَعَل) بالفتح، تقول: مَسَسْت الشيء أَمُسُّه، فتكون على وزن (فَعَل) بالفتح، ومضارعها بالضم، وقرئ بها قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ[الواقعة:79]، وقرئت أيضًا بالضم: يمُسُه، فيمَسُه من (فَعِل) بالكسر، ويمُسُّه من (فَعَل) بالفتح.
كذلك من (فعِل) بالكسر المضاعف المدغم الذي مضارعه بالفتح: (هَشَّ) له: ارتاح، هشاشة هي المصدر، معناها: ارتاح له، والهشاشة تبدو على الوجه، (وجاءك ضرب)، معناه: في لغة أخرى على وزن (فَعَل) بالفتح، ومضارعه بالكسر، تقول: (هَشِشْتُ للشيء، أَهَشُّ له)، (وهَشَشْتُ له، أَهِشُّ له)، ومنه قول توبة بن الحمير في ليلى الأخيلية، وهي ابنة عمه:
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ومن بين رمسينا من الأرض سبسب
لظل صدى صوتي وإن كنت رمة لصوت صدى ليلى يهش ويطرب
يقول:
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ومن بين رمسينا من الأرض سبسب
أي: المسافة الشاسعة، (لظل صدى صوتي وإن كنت رمة)؛ أي: قبرًا ميتًا، (لصوت صدى ليلى يَهَشُّ ويطرب)، لكن- سبحان الله- حصلت له قصة غريبة فيها هي- في ليلى الأخيلية- أنه هو قال أيضًا:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت علي ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدًى من جانب القبر صائح
فذكر أنها مر بها زوجها على قبره، فبكت هي وقد رثته هي بالكثير من المراثي، فعزم عليها زوجها أن تسلم عليه، فسلمت عليه فطار طير يصيح من جانب القبر، فوقعت عن راحلتها وماتت ودفنت في ذلك المكان، دفنت حوله، هذا في قصة، هي في ترجمتها، هي من الوافدات على معاوية، وترجمتها مشهورة، البلاء موكل بالمنطق، وما يدري أنه تحقق، لكن هي الحية حصلت لها مصيبة بسبب هذا.
طلع طائر من جانب القبر، فنفرت منه دابتها فوقعت فيه فماتت فدفنت حوله.
وهنا قوله: (يهَش) بالفتح على القياس، وهو هش، هذا الوصف منها، ومنه قول عنترة في وصف الغراب:
خرق الجناح كأن لحيي رأسه جلمان بالإخبار هش مولع
(خرق الجناح)؛ أي: إنه لا يسير السير العادي، وإنما هو بمثابة الأخرق، (كأن لحيي رأسه): اللحيان: هما الفكان، الفك الأعلى، والفك الأسفل، (جلمان)، مثل: المقص، (بالأخبار هش مولع)، أو (بالإِخبار هش مولع): العرب تزعم أن الغراب يخبر بالبين، يخبر بالفرقة؛ ولذلك يسمونه غراب البين، ويسمونه الغداف أيضًا، غداف البين، يتشاءمون به.
يا غراب البين أسمعت فقل إنما تنطق شيئًا قد فعل
و:
زعم البوارح أن رحلتنا غدًا وبذاك تنعاب الغراب الأسود
أو:
زعم الغداف بأن رحلتنا غداً وبذاك أخبرنا الغداف الأسود
لا مرحبًا بغد ولا أهلًا به إن كان تفريق الأحبة في غد
شعر النابغة.
(بالإِخبار هش): هذا الوصف منه، مولع في تفسير الهش، (لا هش الورق)، بمعنى: صبه أو ضربه حتى يتساقط، الورق المقصود به: ورق الشجر، فمن المفتوح، ومنه قول موسى عليه السلام فيما حكى الله تعالى عنه: قَالَ هِيَ عَصَايَ[طه:18].
كذلك من (فَعِل) بالكسر المضعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس (بَشَّ في وجهه، بشاشة)، (يَبَشُّ) بالفتح، وتفسيرها: أظهر السرور، سواء كان حقيقياً أو كان غير حقيقي، ومنه: ( إنا لنَبَشُّ في وجوه القوم، وقلوبنا تلعنهم )، (إنا لنَبَشُّ): مضارعها بالفتح على القياس، وهو طرف من حديث عيينة بن حصن الذي في الصحيح، لكن لم يكن هذا الطرف في الصحيح، الحديث: ( بأن عيينة بن حصن استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بئس أخو العشيرة! فلما دخل أدنى مجلسه، فسأل هو عن عائشة، فقال: هذه ابنة أبي بكر، فقال: هل أنزل عن أحسن منها؟ )، يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجاته من يظنها أحسن من عائشة، ( فقال: لا )؛ فغضبت عائشة من هذا الكلام، فقالت: لما كان بالباب قلت ما قلت، أقصد: بئس أخو العشيرة، ( ولما حضر أدنيته، قال: متى عهدتني فَحَّاشاً؟ )، وفي رواية: ( إنا لنبش في وجوه القوم، وقلوبنا تلعنهم )، (تلعنهم) بمعنى: أنها تكرههم، ويقال: هو هش بش، فلان هش بش، معناه: طبيعته إظهار السرور؛ أي: غير عبوس، وغير مقطب الوجه.
كذلك من (فَعِل) بالكسر المضاعف المدغم الذي مضارعه بالفتح على القياس (سَفَّ الدواء)، سَفاً هي مصدرها، معناه: أكله غير ملتوت، أكله غير ملتوت، معناه: غير مخلوط بما يجمعه، وهذا إنما يكون للمسحوق أياً كان، فإذا لت بزيت، أو بماء، أو بسمن، أو بعسل، فإنه يمكن أن يلتقم، أما إذا لم يلت، فإنه يسف.
وليس مقصوراً على الدواء، الدواء أو السويق، (سَفَّه سفاً): أكله غير ملتوت، أما الملتوت: فهو المخلوط بسمن، أو عسل، أو زيت، أو نحو ذلك، أو حتى بالماء، وهو (سَفوف) بالفتح، الدواء سفوف، بمعنى: مسفوف، وفلان سفوف، بمعنى: كثير السف بالشيء، ومنه قول الشاعر:
فتحت عليَّ باباً بالسفوف وصلت به إلى الأمر المخوف
السفوف؛ أي: الدواء الذي يسف، أو الغذاء الذي يسف.
وصلت به إلى الأمر المخوف
ولكن الحكيم أراد خيراً فجاء بغير ياء في الحروف
الحكيم؛ أي: الطبيب أراد خيراً، وهو البرء، فجاء بغير ياء في الحروف، بخير، إذا حذفت منه الياء كان خراً فقط، يقصد: أن هذا الدواء أصابه بإسهال، والحكيم أراد به خيراً، فجاء بغير ياء في الحروف، ومنه قول عنترة:
ما راعني إلا حمولة أهلها وسط الديار تسف حب الخمخم
تسف، (حمولة أهلها) معناه: الإبل التي يحمل عليها، وسط الديار.
وكذلك من (فَعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس: (شَمَّه) شماً، وهي المصدر، وشَمِيماً: مصدر آخر، (وشِمِّيما كخليفا): مصدر آخر، بمعنى: استنشق رائحته، (وجاءك نصر)، فيها لغة أخرى (فَعَل) بالفتح، مضارعها بالضم، وفيها: (شَمَّه، يشُمُّه).
كذلك من (فَعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس: (ضَنَّ) به ضِناً هي المصدر، وضِنة: مصدر آخر، و ضَناناً، و ضَنانة بالفتح، كلها بمعنى المصدر، بمعنى: بخل به، ومنه قول النابغة الذبياني :
أتاركة تدللها قطام وضناً بالتحية والسلام
فإن كان الدلال فلا تلجي وإن كان الوداع فبالسلام
(وضناً بالتحية والسلام)، معناه: مضنة بذلك؛ أي: بخلاً، كذلك قول الآخر:
ولقد ظننت بك الظنون لأنه من ظن ضن
التي هي بالضاد بخل، والتي هي بالظاء (ظن) المعروفة، ومنه: الضنين، الضنين: البخيل، وأما الظنين: فهو المتهم: (وما هو على الغيب بظنين) بالظاء، معناه: بمتهم، وقد قرئ في الشواذ (بضنين) بالضاد.
كذلك من (فَعِل) بالكسر المضاعف المدغم، الذي مضارعه بالفتح على القياس: (زَلِلَ)؛ لذلك قال: (مع زللا)، (زل) معناه: قَلَّ لحم مؤخره، وفكها - فك إدغامها- للقافية فقط، كان لازماً أن يقول: (مع زل)، لكن قال ذلك لوزن البيت في القافية، (زل، يزل)، معناه: قل لحم مؤخره، فهو أزل - هذا الوصف- وهي - أي: المؤنث- زلاء.
نعم، ومنه قول الشاعر:
وأمهم زلاء منطيق
(زلاء) معناه: قليلة لحم المؤخر، وهذا عيب في النساء، وكذلك (زل عنه) بمعنى: زلق، فهي أيضاً (فَعِل) بالكسر مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح على القياس، (زللاً) هذا المصدر، (وجاءك ضرب)؛ أي: إنه في لغة بعض العرب (فَعَل) بالفتح، مضارعه بالكسر، تقول فيه: (زلَلت، أزِلَّ)، كما تقول: (زِللت، أزَل)، ومنه قول امرئ القيس في وصف فرسه:
كميت يزل اللبد عن حال متنه كما زلت الصفواء بالمتنزل
كميت؛ أي: لونه بين الحمرة والسواد، (يزل اللبد عن حال متنه)؛ أي: يزلق اللبد عن حال؛ أي: وسط متنه؛ أي: ظهره.
نعم، (كما زلت الصفواء بالمتنزل): كما يزل الشخص بالحجر الأملس، (بالمتنزل)؛ أي: النازل عليها الذي يضع عليها رجله فتسقط به.
إذاً هذا هو الذي ذكره من (فَعِل) بالكسر المضاعف المدغم، وبقي عليه بعض الكلمات، ذكر بعضها هنا في الطرة، فقال: ومن هذا: (بَذَّ، بذاذة) بمعنى: ساءت حاله، (بذ، بذاذة)، تقول فيها: (يبَذ) بالفتح، بمعنى: ساءت حاله، والبذاذة معناها: التقشف في الملبس أو نحوه، وورد: ( البذاذة من الإيمان )، (البذاذة)؛ أي: عدم الخيلاء في الملبس ونحوه، و (فَظَّ، فظاظة)، فهو فظ، تقول فيه: يفَظ أيضاً بالفتح، معناه: غلظ قلبه؛ ومنه قول الله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، وكذلك (ظَلَّ، يَظَلُّ)، بمعنى: أقام نهاراً: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل:58] ... هنا فعل يتمم معناها؛ لأن (ظل) المقصود بها: اتصاف المُخْبَر عنه بالخبر في النهار، فبين الفعل الذي ظل يفعله، فقال: (ظل يقرأ)؛ ليرشد إلى أن هذا من أهم ما يشتغل به الإنسان طيلة اليوم، قال: (وظل يقرأ)، ومنه قول الشاعر:
يظل بالحنظل الخطبان ينقفه وما استطف من التنوم مخذوم
وهذا من معلقة علقمة، أو من قصيدة علقمة الميمية، ليست هي معلقته على الراجح، معلقته على الراجح هي بائيته، فقال: (يظل بالحنظل الخطبان ينقفه): هو يصف ظليماً، الظليم: ذكر النعام، يقول: إنه يظل بالحنظل، (الحنظل): معروف، (الخطبان) معناه: المخطط، (ينقفه): يشقه، (وما استطف من التنوم) معناه: ما نال من التنوم، وهو أيضاً نبات صحراوي، مخذوم ينقفه أيضاً.
هذا نظم لـأحمد محمود بن الدادة الحسني، نظم به بعض هذه الزيادات، أضافها من نفس البحر والقافية، فقال:
وفَظَّ ظَلَّ كحَسَّ اعددهما وكذا بَذَّت عداك وعنها الشر ما نقلا
(عنها)؛ أي: عن عداك الشر ما نقل.
وصنفتك وصك زج حاجبه وغم مع زَبَّ بالتضعيف قد كملا
زيادات، منها: (فَظَّ) قد ذكرها الحسن، وكذلك (ظَلَّ) وقد ذكرها، (كحَسَّ اعددهما، وكذا بَذَّت عداك): هذه بذت عداك: من البذاذة، وهي: سوء الحال، (وعنها الشر ما نقلا)؛ أي: عن عداك الشر ما نقل، وهذا تكميل للبيت، وهو تفسير لـ (بَذَّ)، و (صَمَّ)، صمت أذنه، فهي (فَعِل) بالكسر أيضاً مضاعف مدغم، وكذلك (سَكَّ) بمعنى: صغرت أذنه، ومنه: جدي أسك؛ أي: صغير الأذنين، وكذلك (صكه): صكت وجهها، وصك الحمار، معناه: اصطك عرقوباه، وهذا عيب من عيوب الحمر والبغال، وكذلك (زَجَّ حاجبه) أيضاً (فَعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، كذلك (غَمَّ) بمعنى: نزل الشعر على وجهه، فالأغم: هو ضيق الجبهة، الذي قد نبت الشعر على وجهه، وكذلك (زَبَّ) بمعنى: كثر شعره، فكل هذه (فَعِل) بالكسر، مضاعف مدغم، مضارعه بالفتح.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر