إسلام ويب

معرفة الله في الرخاءللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا شك في أن الله غني عن عباده كما أنهم مفتقرون إليه، وأسعد العباد هم الذين يتعرفون إلى الله في الرخاء بالتقرب إليه بما يرضيه، فإذا فعلوا ذلك وشكروا الله على نعمائه تعرف إليهم في الشدة كما تعرفوا إليه في الرخاء.

    1.   

    التعرف إلى الله

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    حاجة العباد إلى التعرف إلى الله

    فإن الله سبحانه وتعالى هو الغني الحميد، لا يحتاج إلى شيء من عباده، والعباد جميعاً مفتقرون إليه خلقاً ورزقاً وتدبيراً، لا يمكن أن يستغني أحد عنه في طرفة عين، وقد قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ[فاطر:15-17]، وقال تعالى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ[الأنعام:89]، ولا يمكن أن يصل إليه عباده بنفع ولا ضر؛ ولذلك قال سبحانه وتعالى في سورة الحج: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى[الحج:36-37]، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح أنه قال فيما رواه عن ربه عز وجل: ( يا عبادي! إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني )، فلا يمكن أن يبلغه عباده بنفع ولا بضر؛ ولذلك فهم الفقراء إليه المحتاجون إليه في كل أوقاتهم، فلا بد إذاً أن يدركوا ذلك وأن يتقربوا إليه، وأن يعلموا أن غناه عنهم سبق وجودهم وسيعقبهم، فيحتاجون إلى التعرف إليه في الرخاء ليعرفهم في الشدة، وهذه نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نصح بها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهي نصيحة لكل مؤمن؛ فكل مؤمن عليه أن يتعرف إلى الله في الرخاء ليعرفه في الشدة.

    المقصود بالتعرف إلى الله

    والمقصود بالتعرف إلى الله: التقرب إليه بالأعمال الصالحة وإقراضه قرضاً حسناً؛ فليس المقصود به أن تزداد معرفته بعبده؛ فهو العالم بجزئيات حياة كل عبد، فلا يمكن أن يتنفس تنفساً إلا بأمره، ولا يمكن أن يفكر تفكيراً إلا بعد إذنه؛ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[التكوير:28-29]، لكن التعرف إليه سبحانه وتعالى إنما هو بإقراضه قرضاً حسناً، وقد دعا إلى ذلك في كتابه فقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً[البقرة:245]، وقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ[الحديد:11]، فعند الله سبحانه وتعالى الخير الجزيل والثواب العظيم لكل من تقرب إليه بالأعمال الصالحة وبالأخص في وقت عدم الدواعي؛ فالإنسان في وقت الكرب تدعوه الدواعي للإنابة إلى الله والتوبة إليه والعمل الصالح، إذا أحس بأن أجله قد دنا وقد ارتفعت الروح من أسفل بدنه ووصلت إلى صدره وحشرجت فيه، وبلغت التراقي والتف الساق بالساق؛ فحينئذ يحتاج الإنسان إلى المبادرة إلى التوبة والمبادرة بالأعمال الصالحة، وكثيراً ما يوصي ببعض ماله في ذلك الوقت الذي كان محباً له، ولكن هذا الحال إنما هو من التعرف إليه في حال الشدة وقد وصل الإنسان إلى اليقين.

    وكذلك إذا كان في جوف البحر وقد اغتلم فجاءه من كل مكان ورأى الموت بعيني رأسه؛ كثيراً ما يلجأ إلى الله في ذلك الوقت حتى لو كان مشركاً، ثم إذا نجا من ذلك عاد إلى شركه؛ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ[الإسراء:67]، وكثيراً ما يكون الإنسان كذلك في وقت كرب آخر من مرض أو ألم أو فقد قريب أو حبيب أو حاجة إلى أمر ما يتذكر اللجأ إلى الله فيدعوه ويمد إليه أيدي الضراعة، ويعاهده على التوبة والرجوع والإنابة، لكن ذلك إذا كان في وقت الكرب بعد أن أتاه اليقين لا يغني ولا ينفع؛ فإن المشركين جميعاً يفعلونه؛ فالمشركون جميعاً يعرفون الله في وقت الشدة؛ ولذلك فإن فرعون عندما أدركه الغرق قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً[يونس:90-92]، فلم يغن عنه اعترافه بربوبية الله وألوهيته في وقت الشدة شيئاً؛ لأنه كان يقول في وقت الرخاء: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى[النازعات:24].

    عاقبة الغفلة عن التعرف إلى الله في وقت الرخاء

    إن حاجة الإنسان إلى معرفة الله والتقرب إليه في وقت الرخاء حاجة ماسة ولا يمكن أن يستغني عنها؛ لأنه بمجرد إغفاله لها يكتب من الغافلين ويزداد في الطغيان ويملى له، فالغافلون عن الله سبحانه وتعالى الذين لا يتعرفون إليه ولا يتقربون إليه بالأعمال الصالحة في وقت الصحة والعافية وفي وقت الوفرة في الأرزاق هؤلاء لا يزدادون إلا طغياناً وبعداً من الله؛ لأن الله يملي لهم فيقيض لهم الغنى والصحة والعافية حتى يزدادوا غفلة وبعداً عن الله تعالى، وقد قال الله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى[العلق:6-7]، وبذلك يختم على قلوبهم فيطبع عليها بطابع النفاق، نسأل الله السلامة والعافية!

    تعرف أهل الإيمان إلى الله بنعمه

    أما من كان من أهل الإيمان فإنه يعرف الله في الرخاء فيتعرف إليه بنعمه التي أنعم عليه بها؛ فيتذكر في صحته وفراغه علاقته بالله، فإذا خلا وحده في غرفته وأخلد إلى الراحة والهدوء ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، يتذكر جلال الله وعظمته وكبرياءه، ويتذكر نعم الله عليه، ويتذكر أنه رقيب له في هذا الوقت لا تخفى عليه منه خافية؛ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ[ق:16]، وكذلك إذا كملت قواه ذكر أن الله هو الذي أنعم عليه بهذه القوى؛ فإذا نجح في أي أمر من الأمور التي تقتضي القوة لم يتكبر بذلك ولم يفخر به ولم يتسور به على عباد الله، بل كان من المبادرين إلى الاعتراف لله تعالى بالجميل.

    قال موسى بن عمران عليه السلام لما قواه الله فوكز رجلاً قوياً فقضى عليه، فإن موسى عليه السلام اعترف لله تعالى بهذه النعمة فقال: قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ[القصص:17].

    وكذلك إذا تكاملت لديه النعم من السلطان والمال والجاه وغير ذلك، إذا كان من أهل الإيمان والتقوى زاده ذلك من الله قرباً وإنابة وشكراً، ولذلك فإن الله تعالى ألهم داود وآل بيته شكر نعمه لما أسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، فأعطاه الله الملك والعلم والحكمة، وأعطاه سليمان نبياً مؤازراً له مساعداً له في ملكه، ثم أسبغ على سليمان نعمه بعد ذلك ففهمه كل ما تسمعه الأذن، حتى أصوات الطير وأصوات الرياح وأصوات الحشرات والنمل، كل ما تسمعه الأذن يفهمه سليمان عليه السلام؛ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ[الأنبياء:79].

    وعندما توفى الله داود عليه السلام وجعل سليمان في خلافته لم يطغ بالنعمة بل شكرها لله؛ ولذلك قال الله تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ[النمل:16]، واعترف بالنعمة لله فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ المُبِينُ[النمل:16]، فكان شاكراً لله تعالى على هذه النعمة، واعترف بذلك في كل أوقاته؛ ففي دعائه لله تعالى يقول: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ[النمل:19]، لم يتكبر ولم يتجبر وهو نبي ملك جمع الله له خيري الدنيا والآخرة، ومع ذلك يسأل الله أن يلحقه بالصالحين؛ لأن الحي يخاف الفتنة دائماً ويخاف سوء الخاتمة، ويخاف الشرك في كل أوقاته، فينبغي للحي أن لا يغتر بصلاح حاله؛ لأنه لا يدري عاقبة مآله هل هي صلاح أو فساد.

    ولذلك فإن أنبياء الله كانوا يسألونه الصلاح؛ فقد سمعتم في دعاء سليمان: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[يوسف:101].

    وفي دعاء يوسف عليه السلام: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[يوسف:101]، بعد أن أنعم الله عليه بهذه النعم الجليلة العظيمة، فملكه على مصر وجمع شمله بأبويه وإخوته ورفعهم على العرش وسجدوا له جميعاً، وحقق الله له تأويل رؤياه التي كان أراه من قبل، في كل ذلك شكر هذه النعمة لله تعالى ودان له بشكرها وسأله أن يلحقه بالصالحين.

    فأنبياء الله هم المثل والقدوات التي ينبغي أن يقتدي بها أهل الإيمان.

    1.   

    فوائد شكر الله في الرخاء على النعم

    فينبغي إذا أنعم الله على عبد نعمة أن يبادر بشكرها لله فذلك قيدها وزيادتها؛ فالنعم لا تدوم إلا بالقيد وقيدها الشكر لله تعالى، ومنها نعمة الإيمان ونعمة التقوى والعون على كف الجوارح عن المعصية، هذه نعم جليلة جداً قليلاً ما يتذكرها الذين أنعم الله عليهم بها.

    زيادة النعم مع الشكر

    ثم بعد هذا كذلك فإن الشكر سبب للزيادة من النعمة كما قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم:7]، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورم قدماه، وقد صح عنه في ذلك حديثان أحدهما عن عائشة رضي الله عنها، والثاني عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما وقد سألته عائشة فقالت: ( ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً! )، فقوله: (أفلا أكون عبداً شكوراً!) يعني: هذه نعمة وشكرها ليس بالغفلة عنها، بل أن يشكرها الإنسان لله سبحانه وتعالى حين فضله وشرفه على الخلائق وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وجعله أشرف خلق الله؛ هذه نعمة عظيمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تستحق الشكر منه لله تعالى، كما تستحق علينا نحن أيضاً أن نشكرها لله تعالى، فهي نعمة على سيدنا ونبينا ينبغي أن نشكرها جميعاً.

    الحياء من الله

    كذلك فإنه صلى الله عليه وسلم لما أنعم الله عليه بفتح مكة دخلها وهو يلصق ذقنه بصدره حياءً من الله تعالى، فمع هذه النعمة العظيمة الجزيلة والانتصار على الأعداء وفتح موطنه الأصلي الذي كان أحب البلاد إليه، مع ذلك يلصق ذقنه بصدره حياءً من الله تعالى، وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى ذكره وهو بمكة لما صعد الصفا بنعمه عليه فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[الأنفال:26]، وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ[الأنفال:26]، وقد كان المؤمنون معه على الصفا في دار الأرقم أربعين رجلاً فقط، إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ[الأنفال:26]، وقد كانوا إذ ذاك يختفون في دار الأرقم مخافة أن يتخطفهم المشركون من قريش، فكل قبيلة تحرص على المؤمنين من أفرادهم لتعذبهم وتفتنهم عن الدين، فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[الأنفال:26]، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد على الصفا: ( لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده )، فقوله: (أنجز وعده) أي الذي وعده الله تعالى به في قوله: لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا[الفتح:27]، (ونصر عبده)؛ فقد نصره تعالى إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار، كما امتن الله على المؤمنين بذلك وحفزهم لنصرته فقال: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا[التوبة:40]، (وهزم الأحزاب وحده) فإن الله تعالى تولى رد المشركين حينما تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكفى المؤمنين القتال فقال تعالى: وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا[الأحزاب:25]، فتولى الله سبحانه وتعالى ردهم على أدبارهم خائبين بما أرسل عليهم من الريح العقيم والجنود التي لا نراها، وهي نعمة عظيمة أنعم الله بها علينا وأمرنا بشكرها وذكرها لله، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا[الأحزاب:9-10].

    كثرة الثناء على الله والاعتراف بجزيل نعمه

    كذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر الثناء على الله سبحانه وتعالى وحمده على نعمه والاستغفار في كل مجلس يجلسه، وكل ذلك من الاعتراف بنعمة الله سبحانه وتعالى عليه، وقد عد الله تعالى بعض النعم التي أنعم بها عليه في ثلاث سور من القرآن؛ ففي سورة الفتح يقول: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا[الفتح:1-3]، وفي سورة الضحى يقول الله تعالى: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى[الضحى:1-8]، وفي سورة الشرح يقول الله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ[الشرح:1-4]؛ فكل ذلك امتنان من الله سبحانه وتعالى وتعريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنعمته عليه.

    حصول الرضا من الله

    وكذلك ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على التعرف إلى الله سبحانه وتعالى في الرخاء وذكر نعمته عليهم في كل الأحوال؛ فقد كان يعرفهم ذلك حتى نشئوا عليه وأصبح من خلقهم وهديهم؛ فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رجع من حجته التي لم يعش بعدها إلا مدة يسيرة وقف على جبل في شمال مكة يسمى ضجنان فقال: (لا إله إلا الله وحده! كنت أرعى إبلاً للخطاب على ضجنان، فكنت إذا أبطأت ضربني وقال: ضيعت، وإذا عجلت ضربني وقال: لم تعش، ولقد أصبحت وأمسيت وليس بيني وبين الله أحد أخشاه) ثم أنشأ يقول:

    لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويفنى المال والولد

    لن تغني عن قيصر يوماً خزائنه والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا

    ولا سليمان إذ تجري الرياح له والجن والإنس فيما بينها تفد

    أين الملوك التي كانت لعزتها من كل صوب إليها وافد يفد

    حوض هنالك مورود بلا كذب لا بد من ورده يوماً كما وردوا

    وعندما أتاه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وقد نال ما كان يتمناه من الشهادة في سبيل الله والموت في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد طعن، جاءه ابن عباس فدخل عليه فجعل يذكره ببعض مشاهده في الإسلام، فذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة وأنه شهد بدراً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )، وأنه بايع تحت الشجرة وقد قال الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ[الفتح:18]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفس محمد بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة )، فلما عدد له ابن عباس ذلك قال عمر : لعل ذلك على شرط لم يقع! لم يغتر بالله سبحانه وتعالى، بل قال: لعل ذلك على شرط لم يقع.

    وكذلك كان إخوانه من المهاجرين والأنصار ومن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً يذكرون النعمة لله تعالى فيشكرونها، وقد أعجب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما حدثه به الأحنف بن قيس لما ذهب في أحياء بني تميم يجمع ديات فيما كان بينهم وبين ربيعة، قال: (أتيت رجلاً كبير السن من بني منقر، وهو يسكن في عالية نجد، فلما جلست إليه تعرفت إليه، فقدم لي تمراً وزيتاً فقال: نحمد الله! هذا تمر العراق بزيت الشام). ثم ذكر له نعمة الله عليه وما أسبغ عليه به من العافية والمال والولد، فأعجب علي رضي الله عنه بهذه القصة لما فيها من حمد ذلك الرجل لنعمة الله تعالى ومعرفته بذلك، وليس ذلك بدعاً من علي رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان يوماً في المسجد فجاء رجل من الأعراب فوقف في بعض المسجد أو في طائفة المسجد، فأثنى على الله فأبلغ الثناء، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فجاء بذهيبة.. )، أي: قطعة من الذهب ( فقال: خذ هذا بحسن ثنائك على ربك )، وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم: ( كان يصلي بالناس في المسجد فسمع رجلاً من خلفه، قال عندما رفع من الركوع: ربنا لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.. )، وهذا القدر متفق عليه رواه الجماعة جميعاً وزاد النسائي : (كما يحب ربنا ويرضى)، ( فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: من القائل؟ قال: أنا يا رسول الله.. وهو رجل من الأنصار، فقال: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها )، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ( أن الله يرضى عن العبد إذا شرب الشربة فقال: الحمد لله، وإذا أكل اللقمة فقال: الحمد لله )، هذا مما يرضاه الله من عباده، مجرد حمده تعالى على النعم التي نتقلب فيها ولا نستطيع إحصاءها ولا عدها هو مما يرضي ربنا سبحانه وتعالى.

    1.   

    الحرص على أبواب الخير في الرخاء

    كذلك فإن التعرف عليه في الرخاء يقتضي من الإنسان أيضاً أن يحرص على أن يشهد أبواب الخير التي لا تتوفر له في أوقات الشدة، فالإنسان في أوقات الشدة يحال بينه وبين كثير من أبواب الخير لا يستطيع الوصول إليها، فأنت الآن يا أخي قادر على النطق، تستطيع أن تقول: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" وهما كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيتان إلى الرحمن سبحانه وتعالى؛ فلماذا لا تقول ذلك وأنت قادر عليه في وقت الرخاء؟! وكذلك يمكن في حال الرخاء والصحة أن تقوم فتصلي ركعات، تنصب فيهن ظهرك وتعتدل في قيامك وركوعك وسجودك، وتؤدي حق الله سبحانه وتعالى بالحضور والخشوع، وتعفر وجهك لوجه الله الكريم إجلالاً له وتوقيراً، وسيحال بينك وبين ذلك فعندما تكبر لا تستطيع ذلك، وأهل النفاق الذين لا يسجدون لله في الدنيا إلا رياءً وسمعة يحال بينهم وبين السجود يوم القيامة، يجعل الله ظهورهم نحاساً فلا يستطيعون السجود، وقد قال الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ[القلم:42].

    وكذلك فإنك الآن قادر على الصيام مثلاً، وسيأتي الوقت الذي يحال بينك وبين هذه العبادة فيه فلا تستطيع أن تصوم، فما دام الحال متيسراً الآن بادر إلى استغلال هذه الطاقة قبل فوات الأوان.

    إذا درت نياقك فاحتلبها فما تدري الفصيل لمن يكون

    كذلك إذا أنعم الله عليك بمال فاعلم أنك غير ممتع به، إما أن تفارقه وإما أن يفارقك، إما أن تموت أنت فتبقي المال لمن يرثك أو أن يفنى المال ويستاح في حياتك؛ فلذلك لا بد يا أخي أن تبادر لاستغلاله فيما ينجيك وأن تتقرب إلى الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحض على الصدقة: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )، شق تمرة أي: نصفها فقط، يتقي به الإنسان نار جهنم، وهو يتذكر لفحها للوجوه، نسأل الله السلامة والعافية! أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[الزمر:24]، فالناس يوم القيامة لا يستظلون إلا بظل صدقاتهم فمستقل أو مستكثر، ومن هنا فما أنعم الله به علينا من النعم لا بد من استحضار الحق الذي فيه في وقت الرخاء قبل أن يحال بيننا وبينه، فإذا أدرك الإنسان الموت فقال: كذا لفلان وكذا لفلان، قد كان له من قبل، فليس هذا التصرف حكيماً، وإنما يكون التصرف حكيماً إذا قدم الإنسان ماله طواعية ورضا لله سبحانه وتعالى وهو صحيح شحيح، يرجو الحياة ويخاف الفقر، فهذا الذي يحمد ويكون صاحبه من المتعرفين إلى الله في الرخاء.

    تفريج الكربة في وقت الشدة

    كذلك فإن من فوائد التعرف إلى الله تعالى في الرخاء تفريج الكربة في وقت الشدة، فالذي يتعرف إليه في حال الصحة يتعرف الله إليه في حال المرض، والذي يتعرف إليه في حال الإقامة يتعرف عليه الله في حال السفر، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا مرض العبد أو سافر قال الله لملائكته: انظروا إلى ما كان يصنع عبدي صحيحاً مقيماً فاكتبوه له )، هذا من تعرف الله إلى العبد في حال الشدة، فالمرض شدة والسفر شدة وهو قطعة من العذاب كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ( السفر قطعة من العذاب )، وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: السفر قطعة من العذاب لقلت: العذاب قطعة من السفر ).

    فيحتاج الإنسان إذاً إلى التعرف إلى الله تعالى في حال رخائه.

    1.   

    حقيقة الرخاء وبعض صوره

    هذا الرخاء ما هو إلا ما نعيشه من نعمة الله؛ فكل يوم من الأيام فيه كثير من النعم والرخاء.

    نعمة الصحة والفراغ

    كل ساعة من العمر هي عمر كامل يتجدد تعرف الله إليك فيه بأنواع النعم، فكل عضلة من بدنك وكل شعرة منه وكل نفس تتنفسه وكل هواء يدخل إلى رئتك، وكل ضخ لدمك هو نعمة أنعم الله بها عليك تستحق أن تشكر لله تعالى، وإذا توانيت في الشكر فإنك ستكون مغبوناً في تلك الصحة، وكذلك الوقت الذي لا تكون فيه مشغولاً هو نعمة أيضاً لا بد من شكرها لله، وإذا توانيت في شكرها فإنك تكون مغبوناً في تلك النعمة؛ ولذلك أخرج البخاري في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ).

    نعمة إجابة نداء المؤذن بالصلاة

    كذلك من الرخاء الذي يعيشه الإنسان إذا استطاع أن يجيب منادي الله تعالى لم يحل بينه وبين إجابة نداء الله؛ سمع الأذان في المسجد يقول فيه المؤذن: حي على الصلاة.. حي على الفلاح، وهو نداء قد لا يتمكن الإنسان من سماعه، والإنسان الذي يسافر إلى بلاد الكفر كثيراً ما يشتاق سمعه إلى هذا النداء العظيم الذي تفتح له أبواب السماوات، وقد قالت عائشة رضي الله عنها في تفسير قول الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ[فصلت:33]، هو المؤذن يقول: الله أكبر.. الله أكبر، فيقول بذلك خيراً؛ فيعمل صالحاً بذلك، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله.. أشهد أن محمداً رسول الله؛ وبذلك يقول: إنني من المسلمين، ثم يدعو إلى الله حين يقول: حي على الصلاة.. حي على الفلاح، فإذا كنت يا أخي تقدر هذه النعمة أنك تستطيع إجابة النداء؛ فلا بد أن تبادر لإجابته وأن تكون من السابقين إليه، وأن تتذكر ما قال ابن مسعود رضي الله عنه، فقد كان لا يسبق إلى المسجد، فلحقه رجلاً يوماً فسأله فحبسه، فجاء إلى المسجد فوجد ثلاثة رجال قد سبقوه إلى الصف الأول، فقال: (رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد). هو متعود على أن يكون سابقاً إلى المسجد وأن لا يسبقه إليه أحد، فجاء فوجد ثلاثة رجال قد سبقوه، ثلاثة رجال فقط، كم يسبق كل واحد منكم أيها الشباب إلى المسجد الآن إلى إجابة نداء الله.

    إن هذه الفرصة ستندر وتقل ويستشعرها الإنسان عندما يكون محبوساً بين أربعة جدران لا يستطيع إجابة النداء وهو يسمعه، قد يتسرب إلى أذنيه سماع الأذان وهو لا يستطيع الوصول إليه، يستشعر أوقاتاً أخرى كان فيها في صحة ورخاء وكان يستطيع أن يجيب نداء الله تعالى فلم يفعل.

    نعمة الهواء والوظيفة

    وكذلك من الرخاء الذي نعيشه يا إخواني! هذا الهواء الذي نتنفسه، فهو نعمة عظيمة من الله تعالى، من يستشعرها منا؟ ومن يتذكر أثرها؟ فإن كثيراً من الناس يحبس عنهم هذا الهواء فلا يصل إلى الرئة، فيحتاجون إلى وضع الأكسجين على مواضع التنفس منهم، وأنت يا أخي! ما دمت تتنفس بحالة اعتيادية؛ فهذه نعمة عظيمة ورخاء؛ فلا بد أن تذكر ذلك وتشكره.

    كذلك من هو في وظيفة - أياً كانت تلك الوظيفة - فليتذكر أن الله هو الذي وظفه في ذلك العمل الذي هو فيه، وعليه أن يشكر لله تعالى هذه النعمة بإتقان العمل وأدائه على الوجه الذي يرضي الله ومراقبة الله تعالى في ذلك، فمن ولاه الله أمر طائفة من المسلمين؛ جعله رئيساً أو ملكاً فقد كان في رخاء عظيم؛ فلا بد أن يشكره لله؛ لأنه لا يمكن أن يدوم في كرسيه ذلك، وبقاؤه فيه كبقاء الحالق على كرسي الحلاق ليحلق رأسه ثم يقوم، ولذلك جاء في المثل: "لو دامت لغيرك ما وصلت إليك". ومن هنا عليه أن يبادر لشكر هذه النعمة قبل مفارقتها، وكذلك كل من شغل أي وظيفة من الوظائف وأي منصب من المناصب عليه أن يتذكر أنه سيخلفه فيه آخرون، مدير أية شركة أو صاحب أي متجر لا بد أن يستحضر أنه سيخلف في هذا المكان وسيقوم فيه غيره، ويكون هو حينئذ بين الجنادل والتراب، ولا بد أن يستحضر ذلك في حال الرخاء ليعرف في حال الشدة.

    1.   

    بعض أحوال الشدة

    أما أحوال الشدة فهي كثيرة.

    شدة المرض

    فمنها المرض فهو لا شك من أحوال الشدة، والإنسان عرضة له في كل الأوقات كما في الحديث: ( خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطاً تحيط بالخط الذي مثل به للإنسان عن يمينه وشماله ووضع إصبعه عليها وقال: هذه أعراض إن أخطأه هذا أصابه هذا )؛ فالأمراض كل إنسان عرضة لها وأعظمها أمراض الإيمان والعقل، ثم بعدها أمراض البدن على اختلاف أنواعها، كلها أمراض كثيرة جداً ليس الإنسان بمنأىً عنها ولا بمأمن منها، ولا يقع منها شيء إلا بقدر الله وتدبيره وأمره، فإذا كنت معافىً منها فاعلم أن ذلك رخاء وستعقبه الشدة.

    كذلك ما كان منها عاماً كالكوارث العامة والأوبئة التي تشمل المدن بكاملها أو القرى فهذه أيضاً ما لم تأت فذلك رخاء ينبغي لأهل المدن أن يشكروه لله تعالى؛ فأهل القرى دائماً عرضة للأخذ، فقد تعهد الله تعالى لكل مدينة من المدن وقرية من القرى أن يأخذها بعذاب أليم قبل يوم القيامة؛ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا[الإسراء:58]، وما ذلك إلا إذا تركوا نعمة الله تعالى فلم يشكروها ولم يقوموا لله بالحق، فإذا فرطوا في نعم الله فغفلوا عنها فإن الله تعالى يتعرف إليهم بذلك النقص من الأرزاق والأموال وبالأمراض والأوبئة لعلهم يتوبون إليه؛ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[الأعراف:96-99]؛ فلهذا لا شك أن المرض سواءً كان عاماً أو خاصاً هو من الشدة التي ينبغي أن يتعرف الإنسان إلى الله قبلها؛ ليعرفه فيها؛ فما تجده يا أخي إذا مرضت من المعافاة من أين يأتيك؟

    إذا كنت في ألم شديد وكرب عظيم؛ قد حبس عنك التنفس أو حبس البول أو نحو ذلك من الأمراض؛ فمن الذي يأتيك منه الفرج؟

    لا يمكن أن يصل إليك نفع إلا من الله سبحانه وتعالى وحده؛ فلذلك لا بد أن تتعرف إليه في حال الرخاء قبل أن تكون في حال الشدة.

    شدة الموت

    كذلك من أحوال الشدة أيضاً الموت؛ ( وكفى بالموت واعظاً )، فلا بد أن تأخذ من حياتك لموتك، لا بد أن تأخذ يا أخي من حياتك لموتك، تذكر اليوم الذي يحضرك فيه الناس وأقاربك والمحبون لك يحيطون بك من كل جانب، لا يستطيعون دفع شيء عنك، وهم ينظرون إليك، والنفس يرتفع حتى إذا وصل إلى الحلقوم في تلك اللحظة وأيسوا بحثوا عن راق، بحثوا عن الطبيب، بحثوا عن المعالج وهم لا يستطيعون دفع شيء عنك في ذلك الوقت، تذكر بعد هذا حالك وأنت محمول على النعش إلى المقابر وليلتك الأولى التي تقضيها بين الأجداث وأصحاب القبور، لا يصل إليك شيء من أمور الدنيا ولا خبر عنها، قد انقطعت عنها بالكلية، وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[المؤمنون:100]، تذكر تلك الليلة العظيمة التي جاء فيها في الحديث: ( ليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهما: ليلة يبيت مع الموتى ولم يبت معهم قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة )، تذكر أيضاً يا أخي! ضغطة القبر وضمته، وهي أول ما يلقاك فيه من المشاهد، ضمة القبر التي تختلف منها الأضلاع وتزول منها الحمائل، وتنسي الإنسان كل ما مر به من قبل، تذكر بقاءك في ذلك الجدث وأنت تنتظر ما هو أعظم منه؛ فالقبر أول منازل الآخرة وهو أعظم من كل ما قبله، ولكن أعظم منه كل ما بعده؛ فكل ما بعده أعظم منه، أنت تنتظر أمراً أعظم من ذلك، إذا كان الحال كذلك وأنت تؤمن بهذا المصير وموقن به؛ فلا بد أن تأخذ له من حياتك قبل أن تنصرف من هذه الدار؛ فهذه الدار هي دار العمل، وإذا انصرفت إلى الدار الآخرة فليس لك عمل هنالك، ينقطع العمل بالكلية.

    شدة الفقر والعوز

    كذلك من الشدة التي لا بد أن تنتظرها وهي أمامك لا محالة حال الفقر والعوز؛ فأنت فقير إلى الله تعالى في كل أوقاتك حتى لو كنت مليء اليدين بالعرض في هذه الحياة الدنيا، كثيراً ما تجد نفسك مضطراً لمساعدة الآخرين، وليتذكر كل إنسان منا ولو كان غنياً من الأغنياء أنه في كثير من الأحيان يجد نفسه محتاجاً إلى من هو أقل منه حالاً وأقل منه غنىً، فهو مفتقر إليه يحتاج إليه حاجة شديدة، إذا كان الحال كذلك فاعلم أن ما أنت فيه من النعم هو من حال السعة وأنه سيأتي بعده حال الشدة؛ فلا بد أن تتعرف إلى الله في رخائك قبل أن يأتي وقت الضيق والشدة.

    شدة الكبر

    كذلك الشباب فهو من حال الرخاء، وسيأتي بعده الكبر الذي تضعف فيه القوى والمفاصل، وقد قال الفرزدق :

    اسمع أحدثك بآيات الكبر تقارب الخطو وضعف في البصر

    وقلة النوم إذا الليل اعتكر وقلة الزاد إذا الزاد حضر

    ستصل إلى مقام تكون فيه كما قال الشاعر:

    فما تشتهي غير أن تشتهي

    إذا عمرت فلم تمت في شبابك فستصل إلى الهرم والضعف، يتناقص عقلك بالتدريج والتقسيط حتى تعود إلى الضعف الذي بدأت به في أول خلقتك، يتغير كل ما فيك من الحسن والجمال؛ فيعود سذاجة وقبحاً، تتغير قامتك فتطوى، يتغير سمعك وبصرك حتى تنكر الأصوات والمرئيات وتتغير عليك، تتغير شهوتك فما كان محبوباً لديك يكون بغيضاً لديك، إذا كنت تعرف هذا وتجزم بأنك إن عشت واصل إليه وأن الحسن كله لا يدوم، كما قال حسان رضي الله عنه: (غير أن الشباب ليس يدوم)، إذا تذكرت هذا فاعلم أن شبابك من الرخاء الذي لا بد من استغلاله قبل أن يفوت الأوان، ولا بد أن تتعرف إلى الله به قبل الشدة التي هي الهرم.

    من لم يمت عبطة يمت هرماً للموت كأس والمرء ذائقها

    فلذلك لا بد يا أخي! أن تستغل شبابك قبل أن يفوت.

    شدة أشراط الساعة الكبرى

    ثم بعد هذا أيضاً من الشدة التي تنتظرك يا أخي! أشراط الساعة الكبرى، فنحن الآن ننتظر خروج المسيح الدجال وننتظر الخسف بالمشرق وبالمغرب وبجزيرة العرب، وننتظر خروج يأجوج ومأجوج بعد ذلك من جهة المشرق، وننتظر هذه الأشراط الكبرى، ومنها رفع القرآن، ومنها الدخان، ومنها خروج الدابة، ومنها طلوع الشمس من مغربها وإغلاق باب التوبة، كل هذه الأشراط نؤمن بها ونعلم أنها آتية لا محالة، ونحن ننتظرها في كل فترة، كل يوم ننتظر بعضها، حتى قيام الساعة تنتظره الدواب والبهائم جميعاً كل يوم جمعة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( خير أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مطرقة مصيخة من طلوع فجره إلى طلوع شمسه، تنتظر الساعة إلا الإنس والجن ).

    إذا كنت يا أخي تنتظر المسيح الدجال وتنتظر هذه الأشراط الكبرى، و المسيح الدجال وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شر غائب ينتظر، كما أخرج أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بادروا بالأعمال ستاً؛ فهل تنتظرون إلا غنىً مطغياً أو فقراً منسياً أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً أو الدجال فالدجال شر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر )، اعلم أن أمامك كثيراً من الشدائد، من الفتن التي بين يدي الساعة، فهذه الفتن منها رفع العلم وانتشار الجهل، ومنها أن يفيض المال حتى يهم الرجل من يأخذ عنه صدقته، ومنها كذلك كثرة النساء وقلة الرجال، ومنها الموتان الذي يصيب الناس فيكثر الموت من غير سبب يعرفونه، ومنها كذلك فتنة الدنيا فتنة السراء التي يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا.

    هذه الفتن أمامنا، فما دامت لم تأت فأنت في فسحة ورخاء؛ فاستغل ذلك قبل أن يفوت الأوان، استغل فرصة تأخر الفتن عنك استغلالاً نافعاً فيما يقربك من الله تعالى قبل أن تشغل؛ فإنه إذا نزل المسيح بن مريم عليه السلام سيتقارب الزمان ويضيق الوقت، وأنتم الآن من كان عاش منكم في الزمان الماضي يستشعر في هذه الأيام نقصاً كبيراً في بركة الوقت، فالأيام كل فترة تنقص بركتها، فما كان الإنسان يستطيع قضاءه من الحوائج في اليوم مع هذه السرعة التي نحن في زمانها، الاتصالات متوفرة ووسائل النقل متوفرة؛ ومع ذلك انتقصت بركة العمر، كان الإنسان يذهب في قضاء حوائجه من غير وسيلة نقل ومن غير وسيلة اتصال؛ فيقضي كل حوائجه ويعود في وقت يوفر له راحة من يومه، والآن مع كل هذه الوسائل نقصت بركة العمر؛ فقلما يقضي الإنسان مخططه اليومي الذي يباشر ممارسته من الصباح، وقد ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد من الأحاديث في تقارب الزمان؛ فقد ذكر ( أن بين يدي الساعة أياماً يتقارب فيها الزمان حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاشتعال السعفة ) فهذا كله ننتظره، وهو من الشدة التي بين أيدينا؛ فعلينا أن نبادر لاستغلال الرخاء الذي نحن فيه قبل أن يفوت الأوان.

    1.   

    التعاقب بين الرخاء والشدة

    ثم إن من الرخاء أيضاً يا إخواني! ما ننعم به هنا في هذا البلد من الأمن والأمان والناس يتخطفون من حولنا؛ فكثير هي البلدان التي رفع الله عنها ثوب العافية، فحصلت فيها المجاعات والحروب الأهلية والمشكلات الكثيرة، وقد صرف الله عنا ذلك، نسأل الله أن يديم علينا هذه النعمة.

    فلا بد أن نستشعر هذه النعمة لله وأن نشكرها، وأن نستغلها قبل فوات الأوان بالطاعة والتقرب إلى الله تعالى بكل ما أنعم به علينا من النعم.

    إن هذا الرخاء الذي يعيشه الإنسان لا بد أن تعقبه الشدة؛ فالله تعالى هو القابض الباسط، وأحوال الدنيا كذلك لا بد أن يركب فيها الإنسان طبقاً عن طبق؛ وقوله: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ[الانشقاق:19] جاءت في نذارة نوح لأصحابه، ولكنها مستمرة في كل عصر؛ فالإنسان لا بد أن يركب طبقاً عن طبق، يمر به الغنى وبعد الغنى الفقر، والصحة وبعد الصحة المرض، والتصرف وبعده يحجر عليه، وهكذا في كل أطباق الدنيا ومراتبها، وقد حدثني الشيخ محمد عالي رحمة الله عليه أن الشيخ سيدي محمد رحمة الله عليه حدثه أن أطباق هذه الدنيا منها ما يكون في الأسر، فإذا كان الإنسان عالماً فإن العلم يدعو إلى الغنى فسيكون أولاده أغنياء، والغنى يدعو إلى الجهل؛ لأن أولئك الأولاد سيشتغلون بما أوتوا من المال عن طلب العلم؛ فيكونون جهالاً، وأولادهم لا بد أن يكونوا فقراء؛ لأن الجهل يدعو إلى الفقر والفقر يدعو إلى العلم فيتعلم أولاد أولئك، والعلم يدعو إلى الغنى فتعود الدائرة؛ فهذا طبق عن طبق، وهو مما يدور في الأسر؛ فكذلك الإنسان الواحد يدور به كل هذه الأطباق فيجد في نفسه انبساطاً وانقباضاً وسروراً وحزناً وصحة وسقماً وغير ذلك من أنواع ما يحيط بالإنسان؛ ومن هنا فعليه أن يبادر إذا أحس بشرة ونشاط لاستغلال ذلك في طاعة الله، فكثير من الناس وبالأخص الشباب يجدون نشاطاً كبيراً في أبدانهم وخفة في أرواحهم، ولكنهم يستغلونه فيما لا نفع فيه وفيه الضرر المتمحض عليهم، الذين يقومون الآن بالحركات البهلوانية بالسيارات؛ يزعجون الناس ويفعلون ما لا يحل لهم فعله من المخاطرات والمغامرات التي كثيراً ما تؤدي إلى إهلاك أنفسهم وإزهاق أرواحهم؛ فيكونون بذلك قد قتلوا أنفسهم وعرضوا غيرهم للخطر، وما سبب ذلك إلا النشاط الذي أحسوا به وخفة الوزن..

    جاء رجل إلى أحد الحكماء يشكو من مرض السمنة وزيادة الوزن فسأله عن العلاج؛ يريد أن يصف له وصفة تخفف وزنه فقال له الطبيب: علاجك أن تحفظ سورة يونس خلال خمسة عشر يوماً، فجلس هذا الإنسان يحاول حفظ سورة يونس، فأتاه وقد انتقص وزنه نقصاً بيناً خلال خمسة عشر يوماً ولم يحفظها؛ فقال: إن الهمة التي لدى الإنسان والنشاط الذي لديه إذا صرفه في الأمر النافع كثيراً ما يكون ذلك رادعاً للبدن عن الشهوة والانسياق وراء المآكل والمشارب، وإذا لم يصرفه فيما هو نافع انصرف إلى قوة حيوانية شهوانية فصرفها الإنسان في المآكل والمشارب ونحو ذلك فيتضخم بدنه ويزداد.

    كذلك فإن قوة الذاكرة هي من الرخاء الذي ينعم به الله تعالى على بعض عباده، لكن كثيراً من الناس لا يستغلون هذه الطاقة في الخير؛ فتسمع كثيراً منهم يحفظون كثيراً من الأشعار التي فيها هجاء وغزل وغير ذلك مما لا خير فيه ولا نفع، أو يحفظون كثيراً من أرقام السيارات والهواتف أو غير ذلك مما لا نفع لهم فيه، وكان الإمكان أن يحفظوا قرآناً يثابون على كل حرف منه بعشر حسنات ( لا أقول: (ألـم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف )، ويكون شفيعاً وشهيداً يوم القيامة، وبالإمكان أن يحفظوا شيئاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحفظوا علماً يعبدون الله به، يؤدون صلاة صحيحة وطهارة صحيحة، وكل هذه الأمور يفرط فيها الناس فيصرفون الرخاء الذي يجدونه في غير مصرفه، ويستغلونه استغلالاً سيئاً، لا يتناسب مع قدر هذه النعمة التي أنعم الله بها على الإنسان.

    1.   

    استشعار الرخاء والنعم المحيطة بالإنسان

    إننا إخواني! مطالبون جميعاً بأن نستشعر الرخاء الذي نحن فيه من أنواع النعم المحيطة بنا وأن نستغله قبل فوات الأوان، وأن نتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، وأن نعلم أن أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله هي الفرائض التي افترضها الله علينا، ثم بعدها ما يوفقنا له من أنواع السنن والمندوبات والتطوعات، وأن علينا جميعاً أن يحرص كل إنسان منا على جميع وجوه الخير وأبوابه، وأن تكون له مشاركة في كل ذلك، إن استطاع ذلك بنفسه فعل، وإن لم يستطع بنفسه أعان غيره ممن يستطيع ذلك حتى يحسب من الفاعلين المشاركين في الخير، وإن لم يستطع دعا إلى ذلك؛ ( فمن دعا إلى هدىً كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة )، و ( الدال على الخير كفاعله )، فكل هذه الأمور تقتضي منا استغلال ما نحن فيه من الخير قبل فواته، وأن نبادر إلى هذا الاستغلال قبل فوات الأوان.

    وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله تعالى أن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يلهمنا شكر نعمه ما ظهر منها وما بطن، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767950468