إسلام ويب

مكانة الجهادللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصراع بين الحق والباطل مستمر إلى قيام الساعة، وباستمراره فالجهاد ماض إلى قيام الساعة، وله مكانة عظيمة؛ حيث أنه أشق الامتحانات في خدمة دين الله عز وجل، ولهذا تواجه الشخص معوقات تمنعه منه، إلا أنها مردودة وغير مبررة كالخوف من الموت أو التشويه أو غير ذلك، وللجهاد أهمية وفوائد كبيرة تعود على الشخص والمجتمع، ويكفي من ذلك كله أنه ذروة سنام الإسلام.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أطراف الصراع بين الحق والباطل

    فإن الجهاد هو بذل الجهد لإعلاء كلمة الله وإظهار دينه. (بذل الجهد) أي: بذل الإنسان طاقته من أجل إعلاء كلمة الله وإظهار دينه، وقد امتحن الله الناس بصراع أبدي مستمر بين الحق والباطل على هذه الحياة، وهذا الصراع هو بين حزبين هما: حزب الله وحزب الشيطان؛ فحزب الله يريد إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه وإظهاره، وحزب الشيطان يريد تحقيق يمين إبليس التي أقسمها بعزة الله ليغوين أكثر أهل الأرض، وهذه اليمين قد أقسمها إبليس وأكد قسمه، وأخبر الله أنها قد تحققت وصدقت في أكثر البشرية، فقال تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ[سبأ:20]، وفي القراءة الأخرى التي تقرءون بها: (ولقد صَدَقَ عليهم إبليس ظنه) ومعناهما واحد، أي: حقق إبليس ظنه حين أقسم بعزة الله ليغوينهم، إِلَّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ[سبأ:20].

    مدار الصراع بين الحق والباطل

    ومدار هذا الصراع ومحوره هو البشر، فحزب الله يريد هداية أكبر قدر ممكن من البشر، وحزب الشيطان يريد إغواء أكبر قدر ممكن من البشر، ولا يمكن أن يريد أحد الحزبين حسم هذه المعركة وإنهاءها بالكلية؛ فحزب الله لا يريد حسم المعركة والقضاء على حزب الشيطان بالكلية؛ لأن هذا من المستحيلات؛ فالله تعالى سير الدنيا كلها على وفق السنن، ومن سنة الله سنة التدافع بين الحق والباطل، وهذه السنة هي مصلحة الأرض؛ فلو توقف هذا الصراع لحظة واحدة لفسدت الأرض، وذلك أن الله جعل الدنيا دار امتحان ولا جزاء، فلو تمحض عليها الحق وحده لاستحق أهلها أن يدخلوا الجنة وأن يخرجوا إلى دار الجزاء؛ لأنهم قد نجحوا في الامتحان، ولو تمحض عليها الباطل وحده؛ لاستحق أهلها سخط الله ومقته؛ ( إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وذلك حين يتمحض الباطل على الأرض ).

    الحياد في معارك صراع الحق والباطل

    فلهذا لا بد أن يبقى هذا الصراع مستمراً موجوداً ويبقى على المؤمن أن يحدد مكانه من هذا الصراع، فتجاهله لا يغني شيئاً، لا بد أن يعرف الإنسان أن الصراع موجود، وليحدد هو مكانه منه؛ فمن لم يعرف موقعه ومحله من الإعراب لا يمكن أن يشعر بمسئوليته وماذا ينتظره وماذا عليه أن يقوم به، لكن إذا حدد الإنسان موقعه وعرف أنه من حزب الله، وأنه لا يرضى بأن يكون في الكيول، بل يريد أن يكون في مقدمة الصفوف، ويريد أن يتعجل إلى الله ويقول: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[طه:84]؛ فهذا الذي يستطيع أن يضحي ويبذل، أما من سواه فسينشغل بما ينشغل به حزب الشيطان؛ فمن كان محايداً في هذه المعركة فهو من حزب الشيطان لا محالة، فكل محايد في المعركة بين الحق والباطل فهو من حزب الشيطان؛ ولذلك قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا[النساء:76]، فلا يمكن أن يقول الإنسان: أنا معتزل لهذه المعركة، لا علي ولا لي، نعم؛ يمكن أن يضعف في بعض الأحيان فيتصور أنه غير داخل في البيعة التي أخذها الله وأكدها في القرآن والتوراة والإنجيل، وهي في رقاب كل المؤمنين، وقال الله فيها: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ[التوبة:111-112]؛ فهذه الآية الثانية بينت مضمون البيعة، أي: المطلوب أن تفعله في هذه البيعة، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ[التوبة:112]، فهذه الصفات لا بد من تحقيقها قبل الجهاد، وهي الإعداد له، والإعداد واجب لقول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ[الأنفال:60]، والجهاد ذروة سنام الإسلام؛ فلا يمكن أن يصل إليه من قفز بعض المراحل أو تعداها؛ فلا بد أولاً أن يكون الإنسان متقناً للصلاة، فالإنسان الذي لا يتقن الصلاة كيف يتقن الجهاد؟! ولا بد أن يكون مؤدياً للزكاة، ولا بد أن يكون عارفاً لأحكامه الخاصة به، ولا بد أن يكون صائماً لرمضان ويحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، حتى يكون مجاهداً؛ لأن الجهاد ذروة سنام الإسلام، ولا يصل إليه إلا من مر بما دونه من أركان الإسلام وشعائره.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088459800

    عدد مرات الحفظ

    776857160