إسلام ويب

واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى اللهللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الله لعباده مراحل عمرية، تبدأ من عمره في عالم الذر حين أخذ العهد من ذرية آدم على توحيده، وانتهاءً بعمره في الحياة الأبدية السرمدية الأبدية في الجنة أو النار، وكل إنسان مرهون بعمله، وكل نفس بما كسبت رهينة، فمن أطاع الله في الدنيا نجا يوم القيامة وفاز بالجنة، ومن كان متمرداً عن العبودية لله هلك في النار، وذلك هو الخسران المبين؛ فعلى المسلم أن ينظر إلى ما قدم لغد، ليفوز في يوم يرجع فيه العباد إلى الله تعالى.

    1.   

    عمر الإنسان في عالم الذر

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الحجة قائمة للبشر بما أنزل الله جل جلاله في كتابه المبين، وبما أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاءنا الحق وعرفناه، ولم يبقَ بعد ذلك إلا أن نعمل به، وهذا هو الامتحان الشاق، فالله جعل لنا خمسة أعمار:

    العمر الأول: كان في عالم الذر قبل أن يخلق الله السموات والأرض، فإنه جل جلاله مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريةً فقال آدم : أي رب! من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره مرةً أخرى، فأخرج منه ذرية فقال آدم : أي رب من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للنار، وبعمل أهل النار يعملون، ثم خلطهم حتى ما يتميزون، فناداهم فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا، قالها مؤمنهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم، كلهم شهدوا لله جل جلاله بالوحدانية والربوبية؛ فأخذ الله عليهم العهد إذ ذاك أن يعبدوه، وألا يعبدوا الشيطان، وفي ذلك يقول الله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61]، وقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ [الأعراف:172-173]، فأخذ الله هذا العهد على البشر جميعاً بالإيمان به والتوحيد، ولم يبقَ معنا من ذلك العمر الأول إلا أمران:

    بقاء الفطرة على العبودية من عمر عالم الذر

    الأمر الأول: الفطرة، فقد فطر الله الخلائق جميعاً، كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً على العبودية، فالإنسان لو ولد بجزيرة من جزائر البحر، أو في قعر الصحراء، ولم يلقَ أحداً، فبلغ فلا بد أن يبحث عن شيء يعبده، لا يمكن أن يكون مستغنياً عن الدين، ولا يمكن أن يكون مستغنياً بأصل فطرته عن معبود يمد إليه يديه ويسأله، لا بد أن يبحث عن شيء يعظمه، فإذا هدي إلى عبادة الله عبد الله ووفقه الله، وإذا لم يُهدَ إلى عبادة الله، عبد حجراً أو شجراً أو غير ذلك؛ فهذه الفطرة هي فطرة الله التي فطر الناس عليها جميعاً، وهي تفسد بمفسدات الفطرة، ومفسدات الفطرة منها التكبر والعناد، كما حصل لـفرعون الذي قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وهو يعرف أنه ليس رب السموات ولا رب الأرضين، ولم يجرِ البحار، ولم ينزل المطر، ولم يخلق البشر، يعرف ذلك في قرارة نفسه قطعاً، ولكنه عندما تكبر وعاند وطغى، قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، وهو يعرف كذبه؛ ولذلك قال: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ [غافر:36-37].

    لكن الأصل في الإنسان أن يكون محتاجاً للدين، وأن يكون مفطوراً على ذلك، وإذا تجاسر على المعاصي؛ فكان يفعل ما حرم الله عليه، ويترك ما أوجب الله عليه، فإنه سيجد في نفسه أنه يفعل أمراً غير مناسب، ويلوم نفسه في باطنه على ذلك.

    فنحن نجد أن من يسرق الآن يلوم نفسه على السرقة في باطن نفسه؛ لأن فطرته تلومه على ذلك، ومن يزني يلوم نفسه على ذلك في باطنه، ومن يكذب حتى لو ضحك الناس، يبقى هو غير ضاحك؛ لأنه يعلم أنه فعل أمراً محرماً لا خير له فيه، هذا من الفطرة التي فطرنا الله عليها.

    بقاء التعارف من عمر عالم الذر

    الأمر الثاني الذي بقي معنا من ذلك العمر الأول: هو التعارف؛ فالله كان قادراً على أن يجعلنا جميعاً كالشجر، كل شجرة لها أصل تنبت وحدها، ولكنه جعلنا من نفس واحدة؛ لنكون أسرةً واحدةً ولنتحد ونتفق، ونتعاون على البر والتقوى؛ لأن أبانا واحد، وأمنا واحدة، وحتى الأبوين جعلهما من نفس واحدة، خلق آدم ثم أخرج منه زوجه من ضلعه، ( وخلقت المرأة من ضلع أعوج )، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليتحد الرجال والنساء، وليتحد البشر جميعاً؛ لأن أصلهم بشر واحد، إنسان واحد، مما يدل على أنهم لا بد أن يتآخوا ويتعاونوا، وأنه لا فرق بين الأسرة الآن التي تصبح فيها أنت وتمسي، وبين أسرة آدم عليه السلام، فهي أسرتك الأولى، فلا بد أن تحرص على هداية البشر جميعاً، والتعاون معهم، وإصلاحهم؛ لأنكم جميعاً من أسرة واحدة، أبوكم واحد وأمكم واحدة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، وتفاخرها بالآباء؛ فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى، الناس سواسية كأسنان المشط )، فبين أن الأصل واحد، وهو آدم عليه السلام، وإنما يتفاوت الناس بحسب رضاهم بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، فمن كان أتقى لله، فهو أشرف وأكمل؛ لأن مصيره الجنة، ومن كان غير متقٍ لله، فهو أخس وأرذل، حتى لو كان في الدنيا يشار إليه بالبنان، ولو كان أغنى الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس، وأجملهم في الحياة الدنيا، وأكبرهم وظيفة؛ فإنه سيكون في أسفل السافلين يوم القيامة؛ ولذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يؤتى يوم القيامة بالرجل الضخم السمين، لا يساوي عند الله جناح بعوضة ).

    وكان صلى النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس من مجالسه، فمر رجل من المنافقين من الأغنياء والتجار الكبار، فأجله الناس، ونظروا إليه بإكبار، فقال: ( ما تعدون هذا فيكم؟ قالوا: رجل من أشراف الناس، جدير به إذا خطب أن يجاب، وإذا تكلم أن يستمع إليه، فمر رجل من فقراء المهاجرين لا يملك شيئاً، وهو يلبس ... متمزقة، فقال: وما تعدون هذا فيكم؟ قالوا: فقير من فقراء المسلمين، جدير إذا خطب ألا يجاب، وإذا تكلم ألا يستمع إليه، قال: هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا )، ملء الأرض، ولكم أن تصوروا ملء ... أو ملء ... واحد، فكيف بملء الأرض كلها بمثل هذا، لا حظوا الفرق الشاسع، (ملء الأرض) البشر الآن لا يملئون الأرض، وهم خمسة مليارات، ولا يملئون شيئاً من الأرض، ولو تأملنا في المعمور من الأرض الآن نجد نسبته ضئيلة، حوالي الربع أو أقل من الربع، ومع ذلك هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا.

    في ذلك الوقت، تعارفت أرواحنا؛ لأنها جمعت في مكان ضيق، هو وادي نعمان الذي هو وادي عرفة فيما بعد، بطن عرفة الذي يقف الناس فيه يوم التاسع من ذي الحجة لله رب العالمين كل عام، هو الذي جمعنا الله فيه جميعاً، وأخرجنا من ظهر آدم، وأخذ علينا العهد فيه، فكنا في مكان ضيق تعارف منا عشرات الملايين أو المليارات، وبقي منا من لم يتعارف في الأطراف، فكانت ( الأرواح جنوداً مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ) كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبقي هذا التعارف بيننا.

    فأنت الآن ترى شخصاً، لا تتفاهم معه في اللغة، ولن تره من قبل، ولا بينك وبينه علاقة دنيوية ظاهرة، فتجد نفسك منجذبة إليه، كأنك تحبه وكأنه عاش معك، فهذا الانجذاب؟ إنما هو من العالم الأول من العمر الأول، عندما تعارفت أرواحهم.

    1.   

    عمر الإنسان فوق الأرض وفرص النجاة فيه

    العمر الثاني: هو عمر الامتحان فوق الأرض، وهو هذا العمر الذي نحن فيه، وهو أقصر الأعمار، وقد بدأت الصحف الآن يكتب فيها والأقلام معملة، وهذا العمر بدايته من نفخ الروح التي كانت في السماء، منذ ذلك الوقت، روحك التي أجابت الله جل جلاله وقالت: بلى، مثلما قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف:172]، كانت في السماء الدنيا، كما في حديث المعراج ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به، استفتح جبريل عند باب السماء الدنيا، فقيل: من؟ فقال: جبريل ، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: أو قد بعث إليه؟ قال: نعم، قيل: فمرحباً به، ونعم المجيء جاء، ففتح له باب السماء الدنيا، فإذا آدم وعن يمينه أسودة، وعن شماله أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فسألت جبريل : ما هذه الأسودة؟ فقال: نسم بنيه ) والنسم: جنس، والواحدة نسمة، -والمقصود بها الأرواح وهي مصورة في صورة الذر- أي: النمل الصغار، والأسودة جمع سواد وهو الشخص، كل شيء تراه من بعيد، يكون فيه سواد، تقول: رأيت سواداً يتحرك في المكان الفلاني، معناه: رأيت شخصاً، أو شيئاً يتحرك في ذلك المكان، فهو رأى أسودة عن يمين آدم وأسودة عن شماله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم من طبعه حريص على العلم؛ لأن الله قال له: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114]، فلا يرى شيئاً يحب أن يتعرف عليه إلا سأل عنه، فسأل جبريل: ( ما هذه الأسودة؟ قال: نسم بنيه، أما الذين عن يمينه فأهل السعادة، وأما الذين عن شماله فأهل الشقاوة، إذا نظر قبل يمينه ضحك -لكثرة من يرى من أهل السعادة من بنيه- وإذا نظر قبل شماله بكى -لكثرة من يرى من أهل الشقاوة من بنيه- ).

    فهذه الأرواح تنزل بحسب علم الله جل جلاله، وعندما يبلغ الجنين أربعة أشهر في بطن أمه، ( يرسل إليه ملك فيؤمر بنفخ الروح فيه، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي، أو سعيد )، ويبدأ العمر الجديد من ذلك الوقت، وهذا العمر، هو عمر التكليف، سامحنا الله فيه في بدايته؛ لأننا في وقت الضعف والعجز، وهذا من فضل الله جل جلاله، فلو شاء لكلفنا ونحن أجنة في بطون أمهاتنا، ولو شاء لكلفنا بعد الميلاد مباشرةً، لكنه علم ضعفنا وهواننا، فترك لنا مدة ليس فيها تكليف، لا تكتب الملائكة علينا شيئاً، وهي ما قبل البلوغ، تكتب لنا الحسنات إذا عملناها، ولا تكتب علينا السيئات، وهذا فضل من الله جل جلاله، وكرم ما له نظير.

    ثم بعد ذلك إذا بلغ الإنسان فقد قامت عليه الحجة لله، وقد أعذر من أنذر، ترك لك خمسة عشرة سنة، أو ستة عشر سنه، أو سبعة عشر سنة، أو ثمانية عشر سنة، تعمل فيها لما تشاء، لا يكتب عليك شيء من سيئاتك، ويكتب لك الحسنات، ثم بعد ذلك قامت عليك الحجة والآن أصبحت موظفاً رسمياً، فليس لك عذر؛ لأنه قد قامت عليك الحجة، وإذا قامت الحجة على الإنسان فله ثلاث فرص للنجاة من عذب الله:

    عمر الحياة الدنيا

    الفرصة الأولى: عمر الحياة الدنيا، فهذه الدنيا منتهية لا محالة، لا تظنوا أنها دائماً هكذا تطلع الشمس من المشرق، وتغرب إلى المغرب، ويأتي الليل وبعده النهار، كما قال تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ.. [الزمر:5]، إلى ما لا نهاية، لا بد أن يأتي وقت لا يبقى فيه شيء مما ترون، لا سماء، ولا أرض، لا بد أن تنتهي هذه الحياة الدنيا، ونهايتها حتمية؛ لأن الدار الآخرة هي ضرتها، وهي آتية لا ريب فيها، ونحن لا ندري متى تأتي؟ لكننا نوقن بها، وأنها آتية لا ريب فيها، وأنها قد اقتربت، فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18]، شاهدنا أشراط القيامة، والشيب مؤذن بالارتحال، وتغير الحال مؤذن بالارتحال، ما منكم من أحد ينظر إلى صورته وهو صغير قبل البلوغ، ويقارنها بصورته الآن، إلا وجد فرقاً شاسعاً، وبوناً كبيراً، وتغيراً في النوم، وتغيراً في الخلق، وتغيراً في الهيئة، وإذا قارن نفسه في اهتماماته، وتفكيره، يجد أنه في كل عام، إما أن يتقدم قوةً، وإما أن يضعف؛ فيلجأ للضعف ثم بعده القوة، ثم بعدها الضعف، والشيبة، ثم بعد ذلك الموت، والرجوع إلى الله جل جلاله.

    فما نشاهده من هذه الأطوار العجيبة، مؤذن بالانتقال من هذه الحياة؛ لأننا رأينا تقلباتها، رأينا الغنى ورأينا الفقر، ورأينا الصغر ورأينا الكبر، ورأينا الصحة ورأينا السقم، ورأينا كيف يقلب الله الأحوال فقد قال الله تعالى: قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:26-27]، فقد شاهدتم كثيراً من تطورات الأحوال، هذا بالأمس رئيس واليوم سجين، اليوم حي، وغداً ميت، هذا وزير اليوم وهو غداً يتسكع في الشارع، ليس له مصدر للرزق، هذه التقلبات مؤذنة بأن هذه الدنيا منتهية لا محالة، فإذا أيقنا ذلك، فإن الدنيا ليس بعدها إلا الآخرة، والآخرة دار جزاءٍ ولا عمل، والدنيا هي دار العمل، فإذا لم يعمله الإنسان الآن فيها، لا يمكن أن يجده قال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ [آل عمران:30]، فما لا يعمله الإنسان في هذه الحياة قبل أن ينفخ في الصور، لا يمكن أن يجده في ميزان حسناته قطعاً.

    عمر الإنسان الشخصي

    الفرصة الثانية: هي عمر الإنسان الشخصي، فأنت ميت لا محالة، حتى لو استمرت الدنيا بعد موتك، أنت ميت، فإذا لم تقم الساعة وأنت حي، لم ينفخ في الصور وأنت حي، فسيأتي الموت قبل ذلك، والموت هو انتقال من هذه الدار إلى دار أخرى، والرجوع للحساب قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ [الفجر:14]، وقال: أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ [الشورى:53]، فالذين ترونهم تخرج الأرواح من أجسامهم فتلقى أجسامهم جثثاً، يقلبها من يشاء كيف يشاء، ويلفها بلفائف ويحملها إلى القبور، ويحفر لها في الأرض، ويصب عليها التراب، لا تظنوا أنهم قد بنوا وانتهوا، بل لا بد أن تدركوا أن حالهم إنما هو انتقال من دار إلى دار، وتحول من حال إلى حال، فإنهم سيشاهدون هنالك كثيراً مما كان مخفياً عنهم في هذه الحياة قال الله: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:19-22]، يبدو للإنسان من الله مالم يكن يحتسب، ويقدم إلى ما قدم، ويرى كثيراً من الأمور التي كانت مخفية عنه، لا يدركها بصرنا هذا الذي ننظر به الآن، بل لنا بصيرة هي عوض عن البصر، في تلك الدار، يرى بها الإنسان ما لا يمكن أن يدركه بالبصر، يأتيه الملائكة عياناً بياناً، فيأتيه ملائكة السؤال، منكر ونكير، ويرى كثيراً من العالم الآخر الذي كان مخفياً عنه، فإذا أدرك الإنسان أنه ميت لا محالة، وقد مات من هو خير منه، وهم أنبياء الله الكرام، وهم أحب الخلق إلى الله، وأعظمهم عنده، ألم يقل الله لمحمد صلى الله عليه وسلم خليله وحبيبه من خلقه، وأشرف من وطئ الثرى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، بل أين نوح عليه السلام؟ أين إبراهيم خليل الرحمن؟ أين موسى بن عمران كليم الله؟ أين عيسى بن مريم روح الله؟ كلهم نقلهم الله من هذه الدار، وإذا كان الحال كذلك فنحن جميعاً منتقلون لا محالة، فهم أكرم على الله منا، وأحب إليه منا، وقد قدموا إلى الله جل جلاله، فإذا أدركنا ذلك فلا بد أن نحرص على التزود قبل أن نفارق هذه الحياة.

    نعم الله الكثيرة

    الفرصة الثالثة: فهي ما أنعم الله به علينا من أنواع اللهو، فكثير منكم الآن بسبب رغبته في الازدياد يزدري نعمة الله عليه، تجده يتذكر حال آخرين قد ابتلاهم الله بالأموال والصحة والأولاد والغنى، والوظائف، والجاه، وغير ذلك، فيقارن نفسه معهم فيرى أنه دونهم بحسب معيار أهل الدنيا، وينسى ما أنعم الله به عليه، فينسى نعمة الإيمان، وكفى بها نعمة، لأنه قد خصك الله بفضل عظيم، ونور قذفه في قلبك: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، في الحال الذي حجب الله عن هذا الإيمان كثيراً ممن هم أقوى منك، وأكثر ثقافةً، وأقوى عقولاً، وأقوى أجساماً، وأغنى، وأطول عمراً، حجبوا عن هذا النور ومنعوه، وقد خصك الله به من بينهم، فهي نعمة ليس لها ثمن، لا يمكن أن تقدرها بأي شيء.

    ثم بعدها نعمة الحياة: إذا وقفت على أهل القبور، أو رأيت قبراً ينبش، فرأيت عظام الميت، وتذكرت أنك أنت الآن تقوم وتجلس وتتصرف في شئونك، وأن جلدك يستر عظامك، وأنك حي في تصرفك، تدرك أن هذه نعمة من نعم الله، أنعم بها عليك، وهذه النعمة تفوت كثيراً من الناس، فكثير من الناس إذا ماتوا وهم في غفلاتهم، تمنوا أن لو رجعوا إلى الحياة الدنيا، ولو للحظة واحدة؛ ليقولوا: لا إله إلا الله، وقد حيل بينهم وبينه.

    ولذلك حدثنا الله عن حال الذين يتوفاهم من الذين كانوا يشركون به؛ فيقول أحدهم: رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[المؤمنون:99-100]، ونبهنا جل جلاله على هذا الحال فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:9-11].

    فلذلك لا بد أن نستغل هذه النعم العظيمة؛ نعمة السمع، نعمة البصر، نعمة الكلام، نعمة الحركة، النعم الكثيرة التي أنعم الله بها عليها، ولا نستطيع إحصاءها، لا بد أن نقيدها بشكرها، وأن نصرفها في مرضات من أسداها، قبل مفارقتها ومزاولتها.

    1.   

    عمر الإنسان تحت الأرض

    العمر الثالث: هو عمر الإنسان تحت الأرض في البرزخ، فإن الإنسان جعله الله ممن يقبر فقال: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ [عبس:21]، ومعنى (أقبره) أي: جعله ممن يقبر، ليس مثل البهائم التي ترمى جثثها للكلاب، فقد شرف الله البشر عن ذلك فجعلهم ممن يقبر، وقد جعل الله الأرض كفاتا أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا [المرسلات:26]، وقال تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55].

    فهذا القبر هو أول منازل الآخرة، وهو قيامة الإنسان الصغرى، فهو أعظم من كل ما قبله، وأعظم منه كل ما بعده، كل مشهد مر على الإنسان في هذه الحياة، سواءً كان ذلك المشهد من السراء، أو من الضراء، فإن القبر ينسيه إياه، أبلغ أهل الدنيا ملذةً فيها، وأكثرهم نعيماً فيها، بلحظة واحدة يمضيها في قبره تنسيه كل ما سبق، وأشد أهل الدنيا ضيقاً فيها وفقراً وضرراً ومرضاً، وأذىً وحبساً، بلحظة واحدة من القبر تنسيه كل ما مر عليه، فهو أعظم من كل ما قبله، وأعظم منه كل ما بعده؛ فالمشاهد بعضها ينسي بعضاً، فأهل الإيمان يبشرون عند الموت بمقعدهم من الجنة، وأهل النفاق يبشرون بمقعدهم من النار، ولكنهم عندما يؤذنون في قبورهم ينسيهم القبر ذلك كله، فإذا جاء منكر ونكير، يسألان الإنسان على غفلة من غفلاته، وهو في أشد الضيق والشدة، فيقولان: ( ما ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: رب الله، وديني الإسلام، والرجل المبعوث فينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو محمد، هو محمد، هو محمد ثلاثاً، جاءنا بالبينات والهدى فآمنا واتبعنا، فيقولان له: صدقت وبررت، قد علمنا إن كنت لموقنا، وأما المنافق، أو المرتاب، فيقول: ها ها! لا أدري، كنت سمعت الناس يقولون شيئاً، فقلته، فيقولان له: لا دريت ولا تليت ويضربانه بمطارق بين ثدييه؛ فيصيح صيحة يسمعها من يليه، إلا الإنس والجن ).

    فهنالك عمر طويل فيه مشاهد كثيرة، منها: الضجعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( أي إخواني! أعدوا لمثل هذه الضجعة )، ومنها ضمة القبر التي تختلف منها الأضلاع، فتتكسر حتى يختلف بعضها في بعض، وتزول منها الحمائل، وهي ما زاد على الظهر من الخصرين.

    ما كان من الشاكلة بادياً فإنه يذوب من شدة ضمة القبر.

    ثم بعد ذلك سؤال منكر ونكير، ثم عرض العمل، فإن كان الإنسان محسناً جاءه عمله في أحسن صورة، وأحسن رائحة، فيقول: ( أبشر بخير، ويبتسم في وجهه، فيقول: وجهك الوجه الذي يبشر بخير، فمن أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، وأنا أنيسك في غربتك )، فيلقى صديقاً له ومؤانساً، لا يصاب بوحشة ولا خلوة؛ لأن معه ذلك الأنيس الصالح الطيب الجميل، الحسن الرائحة، وهو يلاطفه بكل ما يسره، إلى أن يبعث، وإن كان ( مسيئاً جاءه عمله في أقبح صورة وأنتن رائحة، فيقول له: أبشر بسوء -وهو يتجهم في وجهه- فيقول: وجهك الوجه الذي يبشر بسوء، فمن أنت؟ فيقول: أنا عملك السيء، وأنا صاحبك في غربتك )، فيبقى معه، نعوذ بالله من جار السوء، في دار المقام، يبقى معه في قبره إلى البعث، وهو يؤذيه بأنواع الأذى، برائحته النتنة ومنظره الكريه البغيض، وكلامه السيئ، وأذاه إلى أن يبعث.

    ثم بعد ذلك، ينتهي هذا العمر بالخروج من الأجداث، عندما ينادي المنادي في الناس: هلموا إلى ربكم، فيخرجون من الأجداث إلى ربهم ينسلون.

    1.   

    عمر الإنسان فوق الساهرة

    العمر الرابع: وهو عمر الإنسان فوق الساهرة، وهو عمر القيام، فالعمر الأول الذي هو عمر الإنسان في عالم الذر، كنا فيه بمثابة الذر ليس لنا قيام ولا قعود، والعمر الدنيوي فيه قيام وقعود وجلوس ونوم واضطجاع، وعمر البرزخ كله اضطجاع إلا أن يجلسه الملكان عند السؤال، لكن عمر الساهرة كله قيام قال تعالى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6]، ليس فيه جلوس، ولا اضطجاع، ولا نوم، ولا راحة، كله قيام، وهو طويل كما قال تعالى: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47].

    إنه لعمر طويل، يجد فيه الإنسان كثيراً من المشكلات؛ فالشمس ستدنو فوق رءوس الناس حتى تكون كالميل، وتطوق كثيراً، فيأتي جانبها الأشد حراً وهو الذي للنار، ويشتد العرق بهم حتى يسيح بالأرض سبعين ذراعاً، ثم يرتفع فوقها، ( فمن الناس من يصل إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، ومنهم من يصل إلى سرته، ومنهم من يصل إلى ثدييه، ومنهم من يصل إلى ترقوتيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً ).

    ويطول بهم هذا الموقف طولاً شديداً حتى يتمنون الخروج منه إما إلى جنة، وإما إلى نار، مع أنهم قد رأوا النار يركب بعضها بعضاً، وهي ثلاثة أطباق، يرونها ثلاث شعب، وظلها كما وصفه الله: لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ [المرسلات:31]، ويرون شررها وهي: تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:32-33]، الشرر: الذي يتطاير من النار فقط كأنه الإبل الصفر الحمر الكثيرة، وكل واحد منه بحده وشكله كالقصر الكبير المنير، ويجرها الملائكة جراً، فيأتي أربعة مليارات وتسعمائة مليون من الملائكة يجرونها جراً؛ لأن ( لها سبعين ألف زمام، في كل زمام سبعون ألف ملك )، سبعون ألفاً ضرب سبعين ألفاً، فاتجه أربعة مليارات وتسعمائة مليون، فيأتي هؤلاء وهم يجرونها جراً، حتى تحيط بالناس من كل جانب قال تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:22-24].

    1.   

    عمر الإنسان الأبدي وأحواله المعيشية

    العمر الخامس: هو العمر الأبدي السرمدي، إما في جنة وإما في نار.

    حياة أهل الجنة

    فإن كان الإنسان محسناً، فإنه ينتظره ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يبيض الله وجهه حتى يخترق في النور مسيرة خمسمائة عام، ثم يطيب يده اليمنى، ويبيضها، ويمدها ويزيد في طولها، فيعطى كتابه تلقاء وجهه بيده اليمنى وهي مطيبة معطرة، فيصيح في الناس قائلاً: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:19-24]، ثم بعد ذلك يستره الله بستره الجميل، ويزن أعماله فترجح كفة حسناته، ثم يمر على الصراط ناجياً، لا يعلق به شيء من كلاليب الصراط، وينجو من نار جهنم، هؤلاء القوم إذا تجاوزوا الصراط وتجاوزوا النار، فإنهم يرون شجرةً عظيمة، فيقصدونها فإذا أتوها وجدوا فيها نهرين: النهر الأول: خارج، والنهر الثاني: داخل، فيؤمرون فينغمسون في النهر الخارج، فتنبت أجسامهم، ويزول كل ما فيهم مما يعابون به، يكونون على لون رجل واحد، كالقمر ليلة البدر، وتنبت أجسامهم جميعاً، فمن كان أعرج، أو كان أعور، أو كان مجروحاً، أو كان فيه مرض، أو كان فيه نقص، أو كحة، أو سعال، أو أثر جرح، فإنه يزول، كل ذلك يزول بالكلية، ثم بعد ذلك يؤمرون أن يشربوا من النهر الداخل، فإذا شربوا منه أغلقت مسام أجسادهم فلا يخرج مخاط، ولا بول، ولا قذر من أجسامهم بعد ذلك، لا يخرج من أجسامهم إلا الرشح، وهو العرق، كأحسن ما يكون فيه.

    ثم بعد ذلك يكسون من لباس الجنة، فمنهم من يكسى بسبعين حلة من الديباج، وأول من يكسى إبراهيم خليل الله، ثم بعده محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يكسى الناس على حسب مستواهم، ثم يستقبلهم ولدانهم المخلدون في الجنة، والولدان أطفال صغار يصلحون للخدمة، وهم كألذ ما يكون الولدان، معناه: كأعقل ما يكون الولدان، لهم عقل وتدبير وظرافة وفهم للأمور، فما تحتاج إلى أن تأمرهم بأي شيء؛ بل يخدمونك بما تريده، وكل ما تشتهيه الأنفس كأنما يعلمونه، فإذا فكرت أي تفكير بادروك إليه، وهم دائماً مخلدون يمر عليهم مليارات السنين لا يكبرون أبداً، ليبقوا صالحين للخدمة دائماً؛ ولئلا تستحي من خدمتهم؛ لأنك تستحي أن يخدمك شيخ كبير قد شابت لحيته، لكن الولد الصغير لا تستحي من خدمته دائماً، فهم يبقون ولداناً مخلدين أبد الآبدين، على هذا الوجه من الظرافة.

    فإذا أقبلوا إلى الجنة كان كل رجل يستقبله الولدان المعدون لخدمته، فيغنون له ويرحبون به، وينشدون في مدحه، ثم بعد ذلك يسبقونه إلى منزله، ولهو أدل بمنزله في الجنة من منزله في الدنيا، أي أن أيَّ واحد منكم إذا خرج من هذا المسجد الآن إلى منزله، وهو يمشي فإنه يعرف تماماً المسافة إلى منزله، لكن دلالته على منزله في الجنة، أبلغ وأعظم من دلالته على منزله في الدنيا، وهو لم يأته من قبل، لكن الله يهديه إليه هداية أحسن من هدايته على منزله في الدنيا، فيسبقه الأولاد فيدخلون على نسائه في الجنة؛ فيقولون: جاء أهل الجنة وفيهم فلان، فيتقدم نساؤه، ويقولون: أنت رأيته، فيقول: نعم، وهو على أثري، فإذا دخل استقبلته امرأة من نسائه على كرسفة باب قصره، فيجعل يده بين كتفيها، فيرى أصابعه بين ثدييها، ويرى مخ ساقها من خارجه، وأهدابها كجناح النسر، وحاجبها كالهلال في الاستقواس والسعة، ولو كشفت عن وجهها في الليلة الظلماء لأضاء ما بين المشرق والمغرب، ولو بصقت في البحر لصار عذباً من بصاقها، ولا يسمع منها الإنسان أي كلمة يكرهها، فإذا كان يكره السؤال فإنها لا تسأله، وإذا كان يكره النظر فإنها لا تنظر إليه، وهكذا كل ما يكرهه فإنه من المستحيل أن يجده هنالك، قال جل جلاله: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا [الواقعة:25-26].

    ثم بعد ذلك يبقى في نعيم مخلدٍ أبد الآبدين لا ينقطع، فنعيم الجنة لا يزول، اللذة الأولى التي ينالها الإنسان عندما يصل إليه شيء من روحها وريحانها، تبقى معه ولو جاء بعدها مليارات اللذات، لذة على لذة على لذة على لذة، لا تنتهي ولا تنقضي، ولا يمل شيئاً مما فيها، قال تعالى: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25]، (أزواج مطهرة) أي: لا تحيض ولا تبول، ولا تخرج منها رائحة كريهة، ولا يجد منها الإنسان أي شيء يكرهه، وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25]، على هذا الدوام الأبدي، وأبلغ ما يجدونه فيها من النعيم المقيم لذة النظر إلى وجه الله الكريم، ( بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع عليهم نور من فوقهم، فإذا الرب جل جلاله يناديهم من فوقهم: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]؛ فلا ينظرون إلى شيءٍ مما هم فيه ما داموا ينظرون إلى وجه الله الكريم ).

    لا يمكن أن يقدر الإنسان هذه اللذة بأي شيء، الدنيا بحذافيرها لو جمعت له لا تساوي موضع سوطه في الجنة، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم: ( لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها )، موضع السوط ماذا يساوي أمام لذة النظر إلى وجه الله الكريم، لا يمكن أن يقارن أصلاً، ولا وجه للمقارنة؛ لأن النظر لذة لا حصر لها، وإكرام ليس له نظير، إنه نعيم رؤية الله عياناً بياناً جل جلاله، تنظر إليه كما ترى القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، وتسمع كلام الله جل جلاله عياناً، وهو يرحب بك، فيقول: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]، تسمعه بأذنيك، تسمع الله يكلمك، كفاحاً دون ترجمان.

    ثم بعد ذلك يستزيرهم الجبار جل جلاله، أي: يدعوهم لزيارته، فيزورونه على تلال في الجنة قد فرشت، كلها من الكافور والعنبر والمسك، وتوضع عليها المنابر من النور عن يمين الرحمن، وكلتا يدي ربي يمين مباركة، ويناديهم المنادي: ( يا أهل الجنة! إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا، وأن تصحو فلا تسقموا، وأن تنعموا وتكرموا )، وكل يوم يأتيهم شيء جديد من الإكرام لم يكن يخطر لهم على بال؛ فهناك مليارات السنوات تمضي، وما من يوم يأتي إلا وفيه إكرام جديد لم يكن يخطر على البال، وزيادة في الخير لم تكن تخطر على البال أبداً.

    حياة أهل النار

    وإن كانت الأخرى وهي النار عياذاً بالله، فإن أهل النار ينتظرهم من أنواع المذلة والهوان والعذاب الأليم، ما لا يمكن أن نتصوره، ولا أن نفكر فيه، يؤتى بهم فتسود وجوهم، ويحال بينهم وبين أهل الإيمان، كما قال تعالى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ [الحديد:13-14]، ثم يضجع فيثقب بين ثدييه، حتى يخرج الثقب من بين كتفيه؛ فتدخل شماله من بين ثدييه، حتى تخرج من وراء ظهره، فيعطى بها كتابه بشماله وراء ظهره -عياذاً بالله- فينتزعها من صدره بشدة، وهو يقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:25-29]، فيقول الله لملائكة الشمال: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:30-32]، نسأل الله السلامة والعافية.

    توزن أعماله فترجح كفة سيئاته في موقف مخزٍ مريب، ثم يؤتى بقائده معقود في عنقه، ويقال له: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]، فيقرأه بأعلى صوته، وهو يشهد على نفسه بالفضائح بحضرة الملك الديان جل جلاله، والملائكة الكرام والأنبياء والصالحين والمقربين والخلائق أجمعين، يشهد على نفسه بالفضائح والمخازي، ثم بعد ذلك يمر على الصراط فيسقط من فوقه في نار جهنم، وهو يتردى فيها بعد أن يدخلها مسافة سبعين سنة؛ فيجد فيها الجحيم (الحر الشديد)، ويجد فيها الزمهرير (البرد الشديد)، وأبلغ ما فيها من أنواع المذلة والهوان، أنهم لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15].

    1.   

    الاستعداد ليوم القيامة

    لا بد يا إخواني إذا عرفنا هذا المصير، وعرفنا هذه الأعمال، وعرفنا أن الحجة قائمة، علينا أن نستعد ليوم القيامة، وقد قال الله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281]، فهنالك أعمالنا محصية مكتوبة، لا يفوت منها شيء، والناس عندما يرون الكتاب الذي يجمعها، يقولون: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، لا بد أن نستعد لهذا اليوم فنحن ملاقوا الله جل جلاله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: ( إنكم ملاقوا الله حفاة عراة غرلاً مشاة، كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104] )، فإذا عرفنا أننا محشورون إلى الله ووافدون إليه، فلا بد أن نتزود لذلك قبل فوات الأوان، ولا بد أن نعلم أن من لم ينجه عمله، حينئذٍ فإنه لا يضر إلا نفسه، وهو الذي آذى نفسه، وحكم لها بالخسران، وحكم عليها بأنواع الأذى، فلا بد أن نقدر ما هنالك، وما ينتظرنا، ولا بد أن نعلم البون الشاسع، والفرق الكبير بين الذين ارتضاهم الله وهداهم، وبين الذين خذلهم الله وأضلهم، لا بد أن نحرص على أن نكون من حزب الله المهتدين، وأن نحرص على اتباع سيد المرسلين، حتى لا يحال بيننا وبينه، فإن الذين يتبعونه يثبتون على سنته في حياتهم، وعلى ملته في مماتهم، ويحشرون تحت لوائه يوم القيامة، وبيده لواء الحمد يرفعه يوم القيامة، قال جل جلاله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا [الإسراء:71-72].

    1.   

    الأمور التي يستغل بها الوقت

    فلا بد أن نحرص على ما يجمعنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن نحرص على مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولا يمكن أن ينال ذلك المقام إلا من كان متقياً لله، وخائفاً من عقابه، ومقبلاً عليه جل جلاله، وراغباً في ثوابه، فمن كان كذلك فلا بد أن يحرص على استغلال وقته، واستغلال الوقت إنما يكون في أربعة أمور:

    تعلم ما جاء عن الله ورسوله

    الأمر الأول: تعلم ما أمر الله به، فنحن لم نترك سدى، ولم نخير هل نتعلم أو لا نتعلم؟ بل لقد أرسل إلينا رسول كريم، هو أكرم الخلق على الله، وأشرفهم عليه، وأعجبهم عنده لا يستطيع أحد أن يجرحه ولا أن يطعن فيه، وجاءنا بأفضل الكتب عند الله، وبخير الشرائع عند الله، وأقام علينا الحجة بالبراهين الساطعة، والأدلة القاطعة، وأخذ علينا بيعةً مؤكدة في التوراة والإنجيل والقرآن، فليس لنا الخيار، ولا الإقالة، ولا الاستقالة؛ فلذلك قامت علينا الحجة، فلا بد يا إخواني من أن نحرص على النجاة بين يدي الله، وأن نكون من حزب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنصاره، ولا بد أن نعلم أن الذي يحول بين الإنسان وبين ذلك أمور لا خير فيها، إذا ما قارنها الإنسان بضررها، وبما تذهب به عنه، فالإنسان إذا تذكر أنه إذا نال لذة من هذه الدنيا بالحرام، سواءً كانت لذة بطن، أو لذة فرج، فإنها منتهية منقطعة، وستمنعه تلك اللذة الخالدة الدائمة التي لا حصر لها، إذا تذكر الإنسان أن الكلمة الواحدة يهواها من سخط الله إذا قالها يهوي بها سبعين خريفاً في قعر جهنم، فإنه لن يقدم عليها، إذا تذكر أن النظرة الواحدة إلى مسلم بنظرةٍ تؤذيه تكون طرداً له عن ثواب الله جل جلاله، وربما أوقعته في كبيرة من الكبائر، فإنه لم يفعلها.

    إذا كان الإنسان عاقلاً، وهو يعلم هذا الثواب الجليل الذي ينتظره: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويعلم العقاب الشديد الذي ينتظر من خالف هذا المنهج أيضاً، فإنه لا بد أن يحرص على تعلم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فعليه أن يزداد علماً كل يوم تطلع فيه الشمس، ويتعلم شيئاً مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو آية، أو حديثاً، أو حكماً، أو موعظةً، أو عبرة، عليه يتعلم ذلك.

    ويشترك في ذلك الرجال والنساء، وهم في ذلك سواء، والكبار والصغار، والمشغولون وغيرهم كلهم سواء، قال الله تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20]، فلم يعذر أحداً؛ لا مريضاً ولا تاجراً ولا مجاهداً؛ بل كلهم قال الله فيهم: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20].

    العمل بالعلم

    الأمر الثاني: هو العمل بما تعلمناه، فنحن الآن نعلم كثيراً من الأحكام، فما منكم من أحد إلا وهو يعرف مثلاً أن الصدق وجب، وأن الكذب حرام، وأن الأمانة نصف الدين، وأنه: ( لا إيمان لمن لا أمانة له )، وما فيكم أحد إلا وهو يعلم أن الله فرض علينا خمس صلوات في اليوم والليلة، وأن من هو قادر على استعمال الماء غسلاً ووضوءً لا يجزئه التيمم، وأن من له مال بلغ نصاباً وحال عليه الحول تجب فيه الزكاة، وأن شهر رمضان يجب صومه، أمور كثيرة نعلمها جميعاً؛ كبيرنا وصغيرنا، لا بد من العمل بها، وهو المرتبة الثانية.

    الدعوة إلى العلم والعمل

    الأمر الثالث: هو الدعوة إلى ما تعلمناه وعملنا به، فمن عرف طريق الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل به في خاصة نفسه، إذا لم يدع الآخرين إليه، فإنه غاش للآخرين، ويصاب بذنوبه؛ لأنه رآهم على الخطأ فلم يمنعهم منه، وبالأخص: إذا كان له زوجة، أو أولاد، أو جيران، أو أهل، يمكن أن يستمعوا إليه، فإنه إذا لم يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، فإنه مشارك لهم في عقوبتهم، عائذاً بالله.

    الصبر على طريق الحق والأذى فيه

    الأمر الرابع: هو الصبر على طريق الحق، فنحن نبتلى على هذا الطريق، كما قال الله تعالى: أَلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3]، فلا بد أن نحرص على الصبر عن معصية الله، والصبر على طاعة الله، والصبر على قضاء الله وقدره، وأن نعلم أننا إذا صبرنا ولو لمدة واحدة لن نندم، فأنت أيها المسلم إذا صبرت ولو لدقيقة واحدة لن تندم، فالهوى يستزلك، والشيطان يستفزك للوقوع في المعصية، فإذا صبرت، وجلست لن تندم أبداً، وإذا انسقت وتركت الصبر، فلا بد أن تندم على ذلك التصرف الذي يسوقك إليه الهوى والشيطان.

    لا بد يا إخواني أن يكون العمر، كلما ازداد ازددنا من الله قرباً، فمن المؤسف أن يكون الإنسان يكبر ويهرم، ويلتوي ظهره، ويشيب ويضعف، وهو يعلم أنه يقطع مراحل إلى الدار الآخرة وإلى الموت، ومع ذلك لا يزداد لله ولايةً، ولا يزداد منه قرباً، وهذا مؤسف جداً؛ إذ لا بد أن نحرص على أن يكون يومنا خيراً من أمسنا، وأن يكون غدنا، خيراً من يومنا، وأن يكون الإنسان يزداد خيراً كلما تقدم به العمر.

    اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767960234