إسلام ويب

التوكل على اللهللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله لعباده تمام التوكل عليه، فهو وحده من يستحق ذلك، وهذا التوكل يورث في نفس المؤمن قوة عجيبة، يتحمل بها المشاق والمتاعب، ويورث الطمأنينة والراحة في القلب، وقد كان دأب الأنبياء وسبيلهم أن يتوكلوا على الله حق التوكل كما فعل إبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده تمام التوكل عليه، وبين أنه وحده الذي يستحق أن يعتمد عليه، وأن يسأل في اللأواء وأن تبسط إليه أكف الضراعة، وأنه وحده الذي يغيث المضطر ويجيبه إذا دعاه، وأنه ليس أحد من خلقه قادراً على ذلك؛ فقد قال الله تعالى: ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14]، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالتوكل عليه: وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ [آل عمران:122]، وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ [إبراهيم:12].

    وهذا التوكل له أثر عجيب في تقوية الإنسان؛ فإن الإنسان إذا علم أن الخلائق جميعاً لا تملك لأحد نفعاً ولا ضراً ولا حياة ولا موتاً ولا نشوراً؛ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ [الحج:73]؛ هان عليه أمر الحوادث جميعاً، وتعلق بالرب جل جلاله فأراد تحسن العلاقة به والاتصال به وبذل كل حقوقه، وبذلك يكون قلبه حياً مرتبطاً بالله جل جلاله، وهو الحي القيوم.

    وهذه القوة العجيبة التي ينالها الإنسان تقتضي منه الشجاعة في الحق، وتقتضي منه كذلك التغلب على الخلق؛ فهذا التوكل على الرب جل جلاله يقتضي من العباد قوة عجيبة ينتصرون بها على الخلائق؛ لأن العبد إذا علم أن ما قدر له قد كتب وأنه رفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن من سوى الله لا يملك له نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً؛ لن يتأثر بضغوط المخلوقين ولن يخضع لهم؛ لعلمه أن مراده وحاجته عند الله، وأن ما آتاه الله لا يستطيع أحد أن يمنعه منه؛ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام:17]، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس:107]، مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر:2]، قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ [الزمر:38].

    وهذه القوة تقتضي من الإنسان الانتصار على نفسه؛ لأن النفس إنما تضعف بسبب الفقر والحاجة أو بسبب المذلة للمخلوفين؛ فما يعتري الإنسان من الضعف سببه الطمع في المخلوق أو الخوف منه؛ فإذا كان الإنسان متحرراً من الخوف من المخلوقين، متحرراً من الطمع فيهم؛ حينئذ سينال هذه القوة التي تغنيه عن المخلوقين؛ فلا يذل لأي ضغط من ضغوطهم؛ ولذلك قال الحكيم:

    أنى أذل لمخلوق على طمع هلا سألت الذي أعطاه يعطيني

    وكذلك فإن هذه القوة أيضاً تقتضي انتصاراً على الأعداء؛ لأن كثيراً من الهزيمة إنما هو أمر نفسي؛ فهزيمة هذه الأمة الآن أمام أعدائها هي من الأمور النفسية، فإن الأعداء كانوا من قبل أكثر من الآن وأقوى، ولنتذكر أيام الخندق مثلاً كم كان عدد هذه الأمة؟! وكم كانت طاقتها؟! وكم كان أعداؤها؟! وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولًا [الأحزاب:9-15]؛ فعندما توكل المؤمنون على الله سبحانه وتعالى واعتمدوا عليه وحده؛ نصرهم الله على أعدائهم فلم تبق لأعدائهم باقية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088457690

    عدد مرات الحفظ

    776843717