إسلام ويب

استغلال الوقت [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أقام الله تعالى الحجة على الثقلين بتعاقب الليل والنهار، وامتن عليهم بهذه النعمة العظيمة، والحجة البالغة على الثقلين الإنس والجن إنما هي بما أتاح لهم من الفرص، وأقام عليهم من الحجة ببعثة الرسل، وتنزيل الكتب وإقامة براهين العقل، وما يريهم في الآفاق من آياته الدالة على وحدانيته وصدق ما جاء في كتابه، ومن هذه النعم نعمة الوقت، فهذه الأوقات إذا تعود الإنسان على استغلالها، ولو كان ذلك في أمر جادٍ أيًا كان، فإنه عندما يتكاسل ويجلس، سيجد أن القليل من الوقت يمكن أن يستغل في كثير من العمل.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بُعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى أقام الحجة على الثقلين بتعاقب الليل والنهار، وامتن عليهم بهذه النعمة العظيمة، فقد قال جل شأنه: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:61-62].

    والحجة البالغة على الثقلين الإنس والجن إنما هي بما أتاح لهم من الفرص، وأقام عليهم من الحجة ببعثة الرسل، وتنزيل الكتب وإقامة براهين العقل، وما يريهم في الآفاق من آياته الدالة على وحدانيته وصدق ما جاء في كتابه، وقد قال في ذلك: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53]؛ وذلك لتآزر الآيات المذكورة التي هي القرآن، والآيات المنظورة التي هي آيات هذا الكون وبدائع صنع الله تعالى فيه، وتعاقب الليل والنهار فيه من إقامة الحجة الشيء الكثير، فلو كان عمر الإنسان وحدة واحدة لما استطاع أن يعتبر ولا أن يتذكر، ولا أن يستغلها؛ لأن استغلالها وهي فرصة واحدة شاقة به، ويصعب عليه النجاح فيه، أما عند إتاحة الفرصة بتعاقب الليل والنهار، وتقلبهما وتكوير كل واحد منهما على الآخر، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر:5]، فإنه بذلك إذا لم توافقه بيئة أو لم يوافقه ظرف استطاع التحول وينتفع ويعتبر حينئذٍ، وبهذا يعلم أن نعمة الزمان هي مثل نعمة المكان، فكما أن الأمكنة متفاوتة، وأن حاجة الناس إلى تفاوتها قائمة، فمن البلاد ما هو حار دائماً ومنها ما هو بارد دائماً، ومنها ما يتعاقب عليه الحر والبرد، ومنها ما يكون متوسطاً، ومنها ما تلائم طبيعته بعض الناس، ومنها ما تلائم طبيعته آخرين، وكل ذلك بتدبير الله سبحانه وتعالى لهذا الكون، فكذلك الزمان تختلف أوقاته وتتناسب ظروفه مع أنواع العمل، فلما كان عمل الإنسان منوعاً، وأساسه بابان، أحدهما: حسنة المعاد، والثاني: درهم المعاش، احتاج الإنسان إلى وجود نوعين من وحدات الزمن وهما الليل والنهار، فالليل لمن أراد أن يقوم ويتوب وينيب إلى الله جل شأنه، ويتذكر آيات الله، ويتذكر نعمه عليه.

    ويتذكر أيضاً الوظائف التي وظف فيها، وما قام به منها وما فرط فيه، فما قام به هو نعمة أنعم الله بها عليه، ووفقه لها، وما فرط فيه هو ذنب ارتكبه من تلقاء نفسه، وهو محوج إلى التوبة قبل أن يفوت الأوان، وقبل أن يحل عليه سخط الله، ولولا نعمة الليل لما تذكر الإنسان ذلك، لو طال النهار فدام أزمنة طويلة دون تقلب، فعاش الناس في ضياء مستمر، لكان نشاط خلايا المخ، ونشاط الأعصاب مستمراً، فيكون الإنسان لا يجد وقتاً للراحة ولا للهدوء، ولو دام الليل سرمداً فاستمر الظلام على الناس، كذلك لاستمرت خلايا المخ نائمة، واستمرت الأعصاب كذلك في هدوء، ولم يجد الإنسان نشاطاً كالذي يجده في النهار، ولذلك امتن الله بهما معاً، وبين أنه لو جعل واحداً منهما سرمداً مستمراً لكان ذلك خطراً على البشرية.

    ومن هنا: فإن الله سبحانه وتعالى نوع وحدات الزمن، فعمر الإنسان فيه مرحلة الضعف والصبا، ثم بعد ذلك مرحلة القوة والأيد والنشاط والشباب، ثم تبدأ مرحلة الكهولة والكبر، ثم يصل إلى الضعف والشيب، ثم يصل إلى الموت، هذه المراحل كلها فيها عبرة وتذكير، ولذلك يتفاوت الناس فيها، فمن غلبه هواه وشيطانه في شبابه فكان من أهل النزغ والطيش، فالفرصة متاحة له إذا بلغ سن رشده وتم أشده أن يتوب إلى الله وينيب، فإذا تجاوز ذلك، وقد قصر وندم، فالفرصة أيضاً متاحة أمامه في حال شيبته بإنابته وتوبته، لكن إذا جاء الموت انقطع الأمل، ولم يبقَ للإنسان عودة إلى هذه الحياة، سيتمنى ذلك لا محالة؛ لأنه عندما يوضع في قبره: قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[المؤمنون:99-100]؛ ولذلك قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[المنافقون:9-11].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521904

    عدد مرات الحفظ

    777104735