بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، وعلى من اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى شرف هذا الجنس البشري على سائر الأصناف بما آتاه من العلم، فقد عقد ربنا جل جلاله مسابقة علمية بين آدم والملائكة وختم لصالح آدم فيها، فقال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ[البقرة:31-33]، وقد شرف الله أهل هذا العلم ورفع منزلتهم في الدنيا والآخرة، فقد استشهدهم على أعظم شهادة بعد أن شهد بها وأشهد بها ملائكته، فقال تعالى: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ[آل عمران:18]، وأخبر أنهم وحدهم الذين يخشونه حق خشيته؛ فقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[فاطر:28]، وأخبر أنهم وحدهم المؤهلون لفهم كلامه، فقال: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ[العنكبوت:43]، وحكم لصالحهم على من سواهم بقوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[الزمر:9]، وأخبر أنه يرفع درجاتهم فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[المجادلة:11].
وهذا العلم المنوه من شأنه منه المواد المدروسة التي تتلقونها في مثل هذه المؤسسة العريقة المباركة، ومنه الجانب الثقافي المؤازر الذي يحتاج إليه حاذقاً عظيماً، وبالأخص في هذا الزمان الذي غزيت فيه حضارة المسلمين، وسعى فيه كثير من المفكرين والسياسيين إلى صدام الحضارات، وأرادوا فيه طمس هوية المغلوب من الشعوب، وأرادوا بذلك أن تنتصر الحضارة الحديثة -حضارة السرعة- على الحضارة الإنسانية العريقة الراسخة؛ فكل هذا يقتضي منا الاكتفاء عن العمل الثقافي والقيام به على أحسن الوجوه.
ولا شك أن الأنشطة الثقافية التي تقوم في المؤسسات التعليمية يستفيد منها الطلاب مثلما يستفيدون مما يتلقونه من المواد والدروس التي يتلقونها في المقررات المنتظمة؛ ولذلك احتيج إلى هذه الأنشطة من عدة وجوه؛ فقد كان أهل الحديث قديماً يتقنون في مجال التحديث ما يسمونه بالإحماض؛ فيقولون أحْمِضْ لنا، فيقطع المحدث حديثه وينشد شعراً أو يذكر نسباً أو غريبة لغوية، أو حكاية أو طرفة، وقد اعتنى سلفنا الصالح بهذا الجانب من الثقافة؛ فهذا الشاطبي رحمه الله يؤلف كتاب "الإفادات والإشادات" بهذا الجانب، وكذلك عدد من الذين اعتنوا في تدوين العلم يذكرون كثيراً من هذه الإفادات التي يحتاج إليها، ولا توجد في المقررات ولا تدرس في العلوم المدروسة، وهذا الجانب كذلك ينير الطريق أمام الطالب في اختيار المواد التي يحتاج إليها واختيار التخصص الذي يدرسه، ولا يمكن أن يعان على اختيار ذلك من خلال المواد بأنفسها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فيحتاج إلى ذلك في النشاط الثقافي المستقل.
وهذا النشاط الثقافي لا بد فيه من تولية، فلو تولته إدارات ومؤسسات، ولو كان تابعاً للبرامج لاندمج فيها وذاب، ولم يكن له ذلك الأثر؛ لأن المقصود في إحداث نشاط هو إزالة الملل، ويقصد به كذلك بعث الروح الجديدة للطلاب، وهذه الروح الجديدة التي يحتاج إليها الطلاب لا يمكن أن تكون مقتولة بالروتين، ولا أن تكون تابعة للبرامج المنتظمة لما في ذلك من إزالة حيويتها ومن إزالة تأثيرها؛ فاحتيج إلى أن يقوم بهذا الطلاب أنفسهم، وإقامتهم لهذه الأنشطة وقيامهم بها هو داخل في إطار النصح للمسلمين، وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )، وهو داخل كذلك في التعاون على البر والتقوى، يقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ[المائدة:2]، وهو كذلك داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعويد الناس على الطاعات، وقد أمر الله بذلك في عدد كبير من الآيات، وهو كذلك داخل في إغفاء الأخ لأخيه ومساعدته له، وكل ذلك من حقوق الأخوة الإسلامية؛ فقد أخرج الطبراني في المعجم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بال أقوام لا يعلمون جيرانهم ولا يذكرونهم؛ فوالذي نفس محمد بيده! ليعلمن قوم جيرانهم وليذكرنهم أو ليعاجلنهم العقوبة، قيل: ومن تعني يا رسول الله؟! قال: الأشعريين )، فكان تعاون الطلاب في هذا الباب محققاً لكل هذه الأهداف الشرعية التي تدل عليها النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة.
وللتجربة فقد عرفنا أن هذا النشاط كلما حصل في مؤسسة كثر طلابها وارتقى مستواها، حتى يرتقي مستوى الدراسة فيها، وقد عرفنا بعض المؤسسات التي يحصل النشاط فترتقي ارتقاءً كبيراً، ويسمو طلابها وتعلو هممهم ويزداد أثرهم في المجتمع، وفي مقابل ذلك عرفنا المؤسسات التي يموت بها هذا النشاط فتموت معه، ولا يكون لها أي أثر في المجتمع ولا يرتقي طلابها في رسالتهم ولا مهماتهم، بل يشعرون أنهم كالمدجنين، يساقون ويقادون، ويتلقون هذه الدروس التي ليس لها طعم ولا رائحة، ثم يخرجون منها كأنما يتجهزون للامتحان فقط، ولا شك أن روح الثقافة حياة مع الإنسان يعيشها في بيته وفي مجتمعه وفي محيطه فضلاً عن مؤسسته التعليمية.
ولا يمكن أن يتحقق الولاء للمؤسسات التعليمية إلا إذا كان فيها هذا النشاط، وأذكر قديماً في عام تسعين أنني زرت جامعة أردنية في عمان؛ فوجدت كل تلميذ في هذه الجامعة لا يصلون الجمعة إلا في مسجدها إعلاناً للولاء لها، ومنهم من ذلك رئيس الوزراء يأتي يصلي الجمعة في هذه الجامعة، في مسجدها الجامعي، والمسجد الجامعي دائماً يؤمه عميد كلية الشريعة.
والولاء للمؤسسات التعليمية مهم جداً؛ لأنه يقتضي الحرص على بقاء هذه المؤسسة بتكاملها ونشاطها والعناية بها، وما لم يوجد هذا النشاط لا يمكن أن يوجد ذلك الأثر، وقد شاهدت في ليكنو - في الهند - هذا الولاء بارزاً لدى طلاب ندوة العلماء؛ فيتخرج العلماء منها ويسيرون في مشارق الأرض ومغاربها؛ ومع ذلك يحافظون على الولاء للندوة، وإذا كان أحدهم في الهند لا بد أن يلقي بعض الدروس للجالية في ندوة العلماء. وشاهدت كذلك انتماء أهل الأزهر له، وعنايتهم بالقبعة والعمامة! فهم يضعونها في كل مكان كانوا وأين حلوا وارتحلوا تعبيراً عن ولائهم للمؤسسة واعتقادهم بها، وما ذلك إلا بسبب النشاط. وقد شاهدت في مدنية البعوث الإسلامية التابعة للأزهر بالقاهرة أن أثر هذا النشاط على الطلاب أكبر بكثير مما يتلقونه من الدروس على كراسي الدراسة.
ووجدت أن كثيراً منهم إنما يكتشفون وتكتشف مهاراتهم ويكتشف نبوغهم من خلال الأنشطة الثقافية التي يقوم بها الطلاب؛ فالكثير من الدروس يأتي الأستاذ محضراً لها فيلقيها وهو ذو مهابة، لا يناقشوه في شيء، ولا يفتح لهم المجال بأية كلمة، فيلقي درسه وينصرف، فلا يكتشف مهارةً ولا يكتشف ذكاءً ولا نبوغاً لدى أي طالب من الطلاب؛ وبالتالي تموت هيبة الطلاب ومكانتهم المتميزة في أي جانب من الجوانب، ولا يكتشف ولا يشعر به؛ فلذلك كان أثر النشاط الثقافي بارزاً في اختيار الصفوة من الطلاب الذين هم الرواحل ويمكن الاعتماد عليهم في المستقبل.
فهذه المؤسسة العريقة التي نجتمع فيها اليوم درس فيها المشايخ الأئمة الأعلام، من أمثال الشيخ محمد يحيى بن الشيخ الحسين رحمة الله عليه، والشيخ ناجي بن محمود رحمة الله عليه، والشيخ محمد بن سالم المحبوبي رحمة الله عليه، والمشايخ الأحياء نسأل الله أن يمد في أعمارهم مثل الشيخ محمد سالم العدود .
ولا يمكن أن تهمل هذه المؤسسة، بل لا يمكن أن يدرس فيها إلا أولادها الذين تخرجوا منها ونهلوا من علمها، وهم الذين يمكن أن يقوموا برفع لوائها وأن يعزوها ويرفعوا شأنها، ولا يمكن أن يتم ذلك من خلال المتردية والنطيحة وما أكل السبع، بل لا يتم إلا من خلال المبرزين الأفذاذ، الذين هم حملة اللواء، وقد قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
لم تطق حمله العواتق منكم إنما يحمل اللواء النجوم
فالذين يشاركون بجد وتشمير واجتهاد في العمل الثقافي الطلابي هم الرواحل الذين يوثق بهم، وهم الذين يعلون شأن هذه المؤسسة ويعتنون بها، ومن الأسف أن نجد في بعض المؤسسات تشاكساً بين الإدارة وأولئك القائمين على النشاط والطلاب، وما ذلك إلا بسبب عدم التفاهم؛ لأن الإدارة إذا قدرت نشاط أولئك الطلاب وقدر الطلاب أيضاً عمل الإدارة قام كل بعمله على أحسن الوجوه وحصل التكامل بين الجانبين، وقد قال الشيخ حامد ولد محمد رحمة الله عليه:
لو أنصف الناس استراح القاضي وراح كل عن أخيه راضي
لو عمل الناس على الإنصاف لم تر بين الناس من خلاف
فهذا العمل الثقافي رغم كل الحاجة إليه لا بد أن يكون مضبوطاً، وضبطه لا بد أن يكون بما لا يقضي ولا يطغى عن المواد العلمية المقدمة، وبما لا يكون على حساب الانتظام في المؤسسة، وعلى حساب الدروس المقدمة فيها؛ فلذلك لا بد من العناية بالتوازن، ولا بد أن يكون العمل الثقافي متوازناً مع الحاجة، ولا بد أن يكون ملبياً لحاجات الطلاب، ولا بد أن يهتم فيه برفع همتهم ومستوياتهم، فأشكى ما تشكو منه الأمة الآن، وأبلغ خطر داهم يهددها في كيانها وعقر دارها هو ضعف الهمة وتراجع الأداء، فما دام في هذه الأمة أصحاب همم عالية يسمون للمناصب العالية، ويفكرون في مصير أمتهم، ويسعون لرفع مكانتها بين الأمم؛ فإنها بخير، وحين قامت النهضة التي كانت سبباً لهذه الصحوة المباركة التي شملت مشارق الأرض ومغاربها، إنما قامت على أكتاف أصحاب الهمم العالية، وهنا أذكر قول علال بن عبد الله الفاسي رحمة الله عليه:
أبعد بلوغي خمس عشرة ألعب وألهو بلذات الحياة وأطرب
ولي نظر عال ونفس أبية مقاماً على هام المجرة تطلب
وعندي آمال أريد بلوغها تضيع إذا لاعبت دهري وتذهب
ولي أمة منكودة حظ لم تجد سبيلاً إلى العيش الذي تتقلب
على أمرها أنفقت دهري تحسراً فلا طاب لي طعم ولا لذ مشرب
ولا راق لي نوم وإن نمت ساعة فإني على جمر اللظى أتقلب
فأصحاب الهمم العالية هم الذين يمكن أن يغيروا ما بالأمة، والله تعالى يقول: إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ[الرعد:11].
أما المحور الثاني الذي أريد التحدث فيه فهو محور النقابة، فمن المعلوم أن أية مؤسسة يجتمع فيها عدد كبير من الناس تحتاج إلى ضبط، ولا يمكن أن تستقيم إلا به، فقد أخرج أبو داود في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يصلح الناس إلا بعرفاء )، وقد أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أوطاس لما أتاه هوازن فسألوه أن يرد عليهم السبي والغنائم؟ خيرهم بين السبي والغنائم، فاختاروا السبي، فقال: ( ما كان لي ولبني هاشم فهو لكم، وما كان للناس فدعوني حتى أسألهم، فسأل الناس فكثر عليه اللغط، فقال: أخرجوا إلي عرفاءكم )، فقوله: (أخرجوا إلي عرفاءكم) هذا أصل العمل النقابي، وهو يدل على أن الناس لا يمكن أن يتكلموا جميعاً في أمورهم كلها، بل إنما يتكلم نوابهم والقائمون بمصالحهم؛ فهم الذين يبلغون عنهم ويدافعون عن حقوقهم، ويسعون للوصول إلى أهدافهم، ولذلك قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا[المائدة:12]، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة أخرج من الأنصار اثني عشر نقيباً، وقد قال الأفوه الأودي :
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا صلاح إذا جهالهم سادوا
والبيت لا ينبني إلا بأعمدة ولا عمود إذا لم ترس أوتاد
وقال عبد الملك بن مروان في وصيته لأولاده:
انفوا الضغائن بينكم وتواصلوا عند الأباعد والحبور الشهد
حتى تلين جلودكم وقلوبكم لمسود منكم وغير مسود
إن القداح إذا جمعن فرامها فالكسر ذو حنق وبطش أيد
عزت فلم تكسر وإن هي بددت فالوهن والتكسير للمتبدد
لكن لا بد أن توضع النقابة في إطارها الصحيح، فالنقابات ليست هيئات سياسية، إنما هي هيئات اجتماعية للمطالبة بالحقوق، وللسعي لرفع المستوى، وتحسين الخبرة والأداء؛ فلذلك لا بد من العناية بها بهذا الوجه.
وهذه النقابات هي في الأصل تطبيقياً وعملياً من اجتهاد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإن هذه الشريعة الغراء جاءت بنظام العاقلة الذي تفي فيه القبيلة عن أفرادها فيما كان من الخطأ، وعندما اختلط الناس في المدن، ونسيت الأنساب والقبائل كان نظر عمر ثاقباً؛ فأحدث ما يسمى بالديوان، وهذا الديوان هو المهن؛ كالشرطة يجيء بعضهم عن بعض، والجيش يجيء بعضهم عن بعض، والتجار يجيء بعضهم عن بعض، والمهندسون أو الحرفيون يجيء بعضهم عن بعض.. وهكذا، كان اجتهاد عمر رضي الله عنه ثاقباً، وهو اجتهاد باق إلى وقتنا هذا؛ فالمدن تختلط فيها الأنساب، وتزول فيها العصبية القبلية؛ فلا بد من بديل تسند إليه هذه الأمور التي جعلها الشارع إلى العوام، وهذا البديل لا يكون إلا بنقابات، وهذه النقابات سماها عمر إذ ذاك بـ(الديوان)؛ لأن الديوان في الأصل هو الكتاب الكبير الذي تسجل فيه الأسماء؛ فسمي الحال باسم المحل، وهذا من مجاز اللغة المعروف، واليوم تسمى بالنقابات وهي بكسر النون، وكثير من الناس يخطئ فيها؛ فهي نقابة فعالة للحرفة والولاية، ولا يمكن أن يختار لها إلا الأكفاء المضحون، الذين يؤثرون المصالح العامة على المصالح الخاصة.
وهذه النقابة يقصد بها تطوير الأفراد، ووصولهم إلى حقوقهم، وتحسين أدائهم وخبرتهم، واكتشاف ما فيهم من التميز والذكاء والمهارات والخبرات؛ لاستغلالها في أحسن الوجوه، ليقع التكامل فيما بين المنتسبين إلى المؤسسة جميعاً.
وحاجة الطلاب إلى النقابة أكبر من حاجة سواهم، لأنهم طبقة مشغولة، وكثيراً ما ينظر إليهم على أنهم من المتهورين، أو أنهم من الذين يطالبون بأكثر من حقوقهم، فتضيع حقوقهم بذلك، فلذلك يحتاجون إلى من يحمي حقوقهم ويمنعها من الضياع، واليوم لا مجال للضعيف في عالمنا، وكل من تخلى عن حماية بيضته ورعاية حقه فإنه لا يغفر له حقه أبداً، وقد قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:
متى تخرج الأنف الحمي وصارماً ورأياً حصيفاً تجتنبك المظالم
فالمظالم لا تجتنب إلا الأقوياء، فمن كان لديه منعة يستطيع به الدفاع عن حقوقه فهو الذي توفر له حقوقه، والحقوق المغصوبة لا تسترد إلا بالقوة، وقديماً كان الناس يقولون: إن المستعمر لا يتصدق، أي: أن المستعمر إذا احتل بلداً من البلدان لا يتصدق على أهله بالحرية والاستقلال، إنما ينتزع منه ذلك انتزاعاً، وكذلك أصحاب الحقوق لا يمكن أن ينالوها إلا بهذا الجد والتشمير، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بالمضحين؛ كما قال أبو الطيب المتنبي :
سأطلب حقي بالقنا ومشايخي كأنهم من طول ما التثموا مرد
ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا كثير إذا شدوا قليل إذا عدوا
فأولئك الذين يمكن أن تطلب بهم الحقوق ويوصل بهم إلى المراد، وهؤلاء المضحون الذين قد يتعرضون للفشل في دراستهم، وقد يتعرضون للتأخر في الامتحانات، وقد يتعرضون للمضايقات، لكن نجاحهم الكبير هو في تهيئتهم الأجواء للآخرين؛ ليصلوا إلى حقوقهم، ولينالوا ما يستحقونه من مؤسستهم وفي مجتمعهم، وهذا العمل النبيل يستحق أن يضحى في سبيله فالناس يضحون فيما هو أقل من هذا.
وقد فصلتنا أيام قليلة عن عيد العمال, وأنتم تعرفون أصل الفكرة، وهي أن عمالاً من أمريكا اللاتينية قد تظاهروا في ذلك اليوم للمطالبة بحقوقهم، فتعرض بعضهم للقتل، فكان ذلك سبباً لعيد العمال في كل أنحاء العالم، ولا شك أن لدى المسلمين من الأمثلة ما هو خير من ذلك وأكبر وأوفر، ولكن بما أن الأمر اليوم عالمي، وأن النقابة فكرة يعتقد كثير من الناس أنها مستوردة، وليس الحال كذلك، بل هي فكرة أصيلة من لدن الديوان في أيام عمر رضي الله عنه كما ذكرنا، احتجنا إلى ربطها بهذا الواقع.
والعمل النقابي بدايته هي الاختيار، والاختيار لا بد أن يكون على أسس ومعايير ليس فيها مجاملة ولا محاباة، فقد أخرج الحاكم في المستدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ولى على عصابة رجلاً وفيهم من هو خير منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين )، وهذا يقتضي حسن الاختيار، وقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا[المائدة:12]، فجعلهم مبعوثين كبعثة الأنبياء، وأنتم تعلمون أن الذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنقابة الأنصار ليلة العقبة كانوا خيرة، وكانوا مبرزين متميزين؛ ولذلك في وصف الأنصار - أشرف الأنصار - يقال: (نقيب عقبي بدري رفدي ممن بايع تحت الشجرة) هذا يسمع كله، فإذا كان نقيباً عقبياً بدرياً أحدياً ممن بايع تحت الشجرة فقد جمع الوفد كله من الأنصار، واختيار الطلاب بذلك لا بد أن يكون على أساس خوفهم من الله سبحانه وتعالى وخشيتهم له، فمن كان أخشى لله وأخوف منه كان أولى أن لا يظلم، وأولى أن يؤدي الحق الذي عليه وهو الذي يوثق به، فمن كان مقصراً في علاقته بربه جل جلاله الذي أنعم عليه وفطره وسواه فكيف يرجى منه أداء حقوق الناس؟! لذلك لا بد أن يكون الاختيار على أساس خوف الله سبحانه وتعالى، وأساس حسن الدين وحسن المعاملة.
ثم بعد ذلك الخلق، فهو معيار بشري جاءت هذه الشريعة المطهرة للحفاظ عليه، وهذا الخلق على أساسه يكون التفاضل؛ فقد قال الله تعالى في وصف محمد صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم:4]، وقال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ[آل عمران:159].
وبعد ذلك لا بد أن يكون أيضاً -الذي يختار لنقابة الطلاب- قادراً على القيام بالحجة، فإذا كان ضعيفاً أو كان عاجزاً عن التعبير عن الآراء والأفكار، أو كان عاجزاً عن المواجهة فإنه ليس أولى من يقدم لذلك.
أرى العنقاء تكبر أن تصاب فعاند من تطيق له عنادا
ينبغي أن يقدم لكل مهنة من هو أهل لها، فمن لا يستطيع الدفاع عن الحقوق ولا يعرفها، أو لا يستطيع القيام بحق نفسه فهو عاجز ضرع ليس أهلاً لهذا، وقد قال الحكيم:
وقلدوا أمركم لله دركم رحب الذراع بأمر الحرب مضطرعاً
فالإنسان الضعيف الذي لا يستطيع القيام بأمور لا يولاها، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر من أشراط الساعة تضييع الأمانة، فسئل عن ذلك فقال: ( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )، (إذا وسد الأمر) أي: وكل إلى غير أهله، (فانتظر الساعة) فلهذا لا بد أن يكون مختاراً على أساس الكفاءة بعد الاختيار على أساس الدين والخلق.
ثم بعد هذا الجانب الثاني هو جانب الاحتياط؛ فمن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ[الشورى:38]، ويقول: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[آل عمران:159]، وهذه الصورة التي شرعها الله سبحانه وتعالى لم يبين لها في القرآن، ولم يبين لها رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة آلية يمكن أن يحسم بها الخلاف ويختار بها الأفراد؛ فدل ذلك على أن الشريعة وكلت الاختيار في الشورى إلى آراء الناس وما يحقق مصالحهم فكانت خاضعة للاجتهاد، وهذا الاجتهاد لم يحتج إليه في العهد النبوي؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام والناس راضون بحكمه، ومن خالف ذلك كفر؛ لقول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء:65]، وكذلك بعد أن توفاه الله أجمع المسلمون على بيعة أبي بكر ، وكانت فلتة لكن كان فيها الخير للمسلمين، فأجمعوا على بيعته وجنوا ثمار ذلك، وقد قال أحد شعراء قريش إذ ذاك:
حمداً لمن هو بالثناء خليق ذهب اللجاج وبويع الصديق
كنا نقول لها علي والرضى عمر وأولاهم لتلك عتيق
فقام بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قيام، ونصح الرعية وعدل بينهم وسوى؛ فكان فعلاً خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم باستحقاق وجدارة، ولما توفاه الله عهد بها إلى عمر ولم تكن مضيعة عمر ولا اختياره ناشئة عن ذلك العهد فحسب، بل كانت على أساس البيعة، فقد بايعه المسلمون في المسجد طواعية دون إكراه، ورضوا به، وحمدوا ربَّ ذلك، فكان أمير المؤمنين خير خلف لخير سلف، فسار على أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر ، وتحقق فيه ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قوله: ( رأيت كأنني على بئر وبيدي دلو بكره، فانتزعت بها ما شاء الله أن أنزع، ثم تناولها ابن أبي قحافة ، فانتزع بها ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف والله يرحمه، ثم تناولها ابن الخطاب فاستحالت غرباً؛ فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن )، فتضاعفت رقعة الإسلام وازدادت دولة الإسلام، وانتظمت مؤسسات هذه الدولة، وقام عمر بالأمر خير قيام؛ حتى إن رسول الفرس لما أتاه وهو يلبس مرقعته تحت ظل نخلة قال: (عدلت فأمنت فنمت).
وبعد ذلك اختار عمر ستة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ؛ فترك فيهم هذا الأمر دون أن يعين أحداً منهم، وهؤلاء الستة كلهم متميزون، وكلهم من السابقين الأولين، وكلهم ذو فضل ومكانة ومزية، وكلهم يجب الاعتقاد فيهم بأنهم من أهل الجنة، وهذه أكبر ميزة، بأن كلهم يجب الاعتقاد فيهم أنهم من أهل الجنة، فتنازل ثلاثة لثلاثة، فانحصر الأمر فيهم، وتنازل واحد للاثنين بشرط أن يختار السابق منهما، فاختار عبد الرحمن بن عوف عثمان بعد مشورة شاور بها كل أهل المدينة وأمراء الأجناد الذين كانوا حول المدينة، وقد مكث ثلاث ليال لا ينام، وقد كان يدخل على كل إنسان؛ حتى كان يدخل على العذراء في خدرها فيسألها: هل الأولى أن نقدم عثمان أو علياً ؟ فاستشار كل الناس، ونحن نعلم أن عبد الرحمن بن عوف غير متهم، فقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة بالتعيين، وشهد له بالصلاح، وقد أخرج مسلم بالصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما كان لنبي أن يموت حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته )، فكان عبد الرحمن بن عوف هو الوحيد الذي صلى وراءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وائتم به؛ فلذلك لم يتهم أحد من المسلمين عبد الرحمن في الاختيار ولا في نتيجة الانتخابات ولا في نتيجة المشورة.
ولم يكن لدى عبد الرحمن لوائح ولا أعداد ولا تعداد سكاني يعتمد عليه، وكانت الأمور بدائية، ولكن كان اجتهاداً موفقاً منه فرضي به المسلمون، واليوم ليس لدينا عبد الرحمن بن عوف نرضى بحكمه، ولو كان لدينا لن نحتج إلى آليات أخرى، فوكلنا إليه الاختيار، وكان يسأل الناس فيعلن النتيجة ويصدق فيها، لكن بما أنه ليس لدينا أحد يرضى عنه الناس جميعاً ويرضون عن حكمه، بل مع كل الآليات والوسائل لا يزال الناس يتهمون القائمين على الانتخابات دائماً بالتزوير، والمحاباة وعدم أداء الحق الواجب؛ فلذلك احتجنا إلى آلية جديدة، ولا مانع في استيراد هذه الآلية من أية جهة ما لم يتعارض معها نص من الوحي، ومن المعلوم أن كثيراً من آلياتنا اليوم نستوردها من الغربيين حتى لو عادونا في أمور أخرى، فنحن نستفيد من آلياتهم وعقولهم بما يجيدونه، فهذه الأجهزة نحن لا نصنعها في بلادنا - مع الأسف - وإن كان أصل تصنيع بعضها فكرة إسلامية، لكن مع ذلك نقر لهم بالسبق التكنولوجي اليوم، وبأنهم طوروها وأنتجوا فيها وأبدعوا، ونحن نستوردها منهم، فإذا كنا نستورد منهم الطائرات والسيارات والهواتف، ومكبرات الصوت، والساعات والنظارات، فلماذا لا نستورد منهم الأفكار النافعة في الأمور الأخرى؟ لا أتوقع فرق بين الجانبين من الناحية الشرعية، أو من الناحية العقلية؛ فلذلك لا مانع من استيراد طريقتهم في معرفة الآراء، وهذه الطريقة ليس لها مشاحة في الاصطلاح، نحن نعلم أنهم يسمونها "ديمقراطية"، وأن الديمقراطية في الأصل لها جانب آخر وهو الجانب الإيديولوجي، ونحن في غنىً عنه؛ لأن لدينا من إسلامنا ما يغطي كل الجوانب الأيديولوجية، فلا نحتاج إلى استيراد للأيدلوجيات من الخارج، ولكن الذي نحتاج إلى استيراده هو الآليات، وهذه الآليات لا مانع من استيرادها من أية جهة، فإذا أخذنا جانب الديمقراطية الآلي، فجعلناها آلة لاختيار الأشخاص الاختيار الأكفأ، ومعرفته وكذلك لرقابته ونحو ذلك؛ فلا مانع شرعاً من الأخذ منها في هذا الجانب وقصرها عليه، ولذلك يمكن أن تحكم صناديق الاقتراع في اختيار نقيب وفي مكتب النقابة، ولذلك أثر في تراض الجميع عنهم.
وقد ذكر علي رضي الله عنه عشر فوائد للشورى، فمنها:
الامتثال لأمر الله تعالى في قوله: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[آل عمران:159]، ومنها التسنن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد يشاور كل الناس حتى كان يشاور المريضة رضي الله عنه، والأمر الثالث أنها إشراك في الأجر؛ فالقائد إذا كان يشاور المقودين فإنما يشركهم في الأجر؛ لأن ما يتوصل إليه من قرارات هم شركاء فيه، ومنها كذلك امتصاص الغضب؛ فالإنسان إذا كنت تشاوره في أمرك فلن يجد عليك ضغينة في نفسه، بل إذا كان يحسدك أو يجد عليك ضغينة ستعالجها بمشورتك، وكذلك منها التعويد على هذا الخلق الطيب؛ فالأفراد الذين أنت نقيبهم اليوم قد يكونون نقباء غداً، فيحتاجون إلى أن يتحلوا بهذا الخلق الرفيع، وأن يتصفوا بصفة الشورى، ولا بد أن يتحلوا بذلك.
وكذلك من فوائد الشورى أيضاً أنها سبب للوصول إلى الرأي الصواب؛ فإن الله سبحانه وتعالى ودع الركون ولم يساو بين أهلها، ويمكن أن ينال الأدنى في المستوى والثقافة والعقل رأياً لم ينله من سواه، وقد قال العلامة محمد مولود رحمة الله عليهما:
لكن تطفلاً على سخيلة فكم وكم من عامر في بلدي
وعامر لمثله لم يهتد
فـسخيلة اهتدت إلى ما لم يهتد إليه عامر بن الظرب ، وهذا يدل على أن الآراء محجوبة بحجاب الغيب، وأنه إذا تزاحمت العقول خرج الصواب.
كذلك فإن من فوائد الشورى أيضاً: أنها سبب للتسلية عند الإخفاق، فإذا كان القرار المتخذ مخطئاً غير مصيب ولكن اتخذ عن شورى؛ فذلك تعزية لمتخذ القرار أنه لم يتخذه وحدة فليست المسئولية عليه، بل قد شاور عليه الآخرين فشاركوه الرأي، وقديماً قيل: (ما ندم من استخار ولا خاب من استشار).
وأيضاً إن من فوائد الشورى: أنها تقتضي التحفيز على الامتثال؛ فإذا كان القرار اتخذ بالشورى فلم يمتنع أحد من القيام به والطاعة له، أما إذا كان اتخذ بالاستبداد فسيحاول كل إنسان التخلص منه؛ لأنه لم يشاور عليه.
فكل هذه الفوائد نجنيها من الشورى في أمورنا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر