الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فنصل الآن إلى عمل النقابة؛ فالنقابة مهمتها الأولى كما ذكرنا هي تحقيق العدل والمطالبة بالحقوق، وهذا العدل قامت به السماوات والأرض وقد قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل:90]، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالعدل في الأمر كله ويمارسه، وكان خلفاؤه الراشدون كذلك يأمرون بالعدل في القسمة ويمارسون ذلك.
وهذا العدل هو الذي يقع به الاستقرار، وهو الذي يقع به عدم الاعتداء، فإذا حصل العدل وبسط رداءه على الأرض، واستوى الناس في الفرص والحقوق، وتساووا في ذلك؛ استقرت الأوضاع، ولم تقع القلاقل ولا الحروب الأهلية ولا المشكلات، فالوحدة بين السكان أساسها العدل، إذا عدل بينهم فنالت كل شريحة حظها لم تقع الحروب الأهلية، وكذلك إذا حصل العدل لم تسمعوا بانقلاب عسكري، ولم تسمعوا بمحاولة لإسقاط النظام؛ لأن العدل قد يقتضي الاستقرار والثبات.
وكذلك فإن من نتائج العدل أنه أيضاً سبب لنعم باطنة من عند الله سبحانه وتعالى؛ فقد أخرج ابن ماجه في السنن و أحمد في المسند و الحاكم في المستدرك و ابن حبان و ابن خزيمة في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا معشر المهاجرين! أعيذكم بالله أن تدركوا خمساً؛ فما ظهرت الفاحشة في قوم فأعلنوا بها إلا وظهرت فيهم الأوجاع والأمراض التي لم تكن فيمن مضوا من أسلافهم، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وعسف السلطان ونقص المؤونة، ولا نقض قوم عهد الله وميثاقه إلا سلط الله عليهم عدواً من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم، ولا منع قوة زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وما حكمت أئمة بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم )، فهذا العدل مطلب بشري وهو قبل ذلك أمر رباني أمر الله به، ولا يمكن أن يستقيم حال أهل الأرض إلا بالعدل.
وهذا العدل يقتضي العدل في الفرص والعدل في الحقوق حتى لو كان ذلك على سبيل النقص، فقضية العون في التركات هو عدل؛ لأن النقص الحاصل بالتساوي على كل الورثة؛ فلذلك الاشتراك في الموجود على قدم المساواة هو العدل حتى لو كان في جانب النقص.
وهذا العدل بالإضافة إلى كل فوائده وآثاره أيضاً يربي الناس على المدنية، ويربيهم على النخوة وعدم المذلة والهوان، ولا أزال أتذكر قبل سنوات عدة في مدينة شفيلد في المملكة المتحدة - بريطانيا - رأيت أهل البلدية يخرجون في الشارع فسألت عن سبب ذلك؛ فإذا رجل قد امتنع من أداء ضريبة الطرق في بريطانيا والدول الغربية، الضرائب التي تؤخذ من المواطن كل قرش منها يعلم في أي اتجاه يذهب، إذا أخذ منه مائة وعشرين أوقية فهو يعلم أن عشرين أوقية للتعليم وعشرين أوقية للصحة، وعشرين أوقية للطرق، وعشرين أوقية للماء، وعشرين أوقية للكهرباء؛ فهي موزعة توزيعاً دقيقاً؛ ولذلك يستطيع الامتناع عن بعض الضرائب إذا لم تؤد له الخدمة، ومن حقه ذلك، فإذا هذا المواطن كانت في الشارع أمام بيته حفرة فامتنع عن أداء ضريبة الطرق، فجاءت البلدية تطالبه بذلك فرفعت القضية لدى المحكمة، وحكمت المحكمة لصالحه بالتعويض، وبأن تصلح له الحفرة، وقد امتنع هو من أداء الضرائب؛ لأن لديه نخوة؛ لأنه يشعر بأنه يعيش في ظل أمان وعدالة.
وهذه العدالة التي حصلت لدى الغربيين اليوم نحن أولى بها منهم؛ فديننا جاء بها، وتربيتنا تقتضيها، وما ندرسه في مدارسنا يوجبها علينا بخلاف ما يدرسونه في مدارسهم، وقد نوه النبي صلى الله عليه وسلم بـالنجاشي بالحبشة فقال: ( فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد )، وهذا تنويه نبوي كبير بذلك الملك العادل الذي لا يظلم عنده أحد.
وهذا العدل إذا حصل بين الشعوب سيزول عنها آثار الاستعمار النفسية، ومخلفاته العقلية؛ فنحن الآن ما زلنا نخضع - شئنا أو أبينا - بمخلفات الهزيمة؛ ففي نفوسنا كثير من المذلة والهوان، وإذا سافرت إلى أفريقيا فرأيت بعض أخواني من الأفارقة يلهثون وراء الذين يأتون من أوروبا، وهم يرغبون في صدقاتهم وخدماتهم ويتسابقون إليهم، ويرحبون بهم ترحيباً عجيباً، رأيت آثار هذه الهزيمة وتأذيت بها، فنحن الآن مهزومون أمام الغربيين، وسبب هذه الهزيمة هو ما أحرزوه من التقدم، ولا يمكن أن تزول عنا آثار هذه الهزيمة إلا إذا حصل العدل في بلادنا؛ فيتربى الناس على أخذ حقوقهم وعلى القيام بمصالحهم على الوجه الصحيح؛ ولذلك فإن بني إسرائيل لما تعودوا على جبروت فرعون وملكه بمصر قروناً من الزمن لم يزل عنهم أثر هذا الاستذلال والمهانة حتى فرض عليهم التيه أربعين سنة يتيهون في الأرض، فتعودوا على حياة الشظف، ومات كبار السن الذين تعودوا على فرعون وجنوده وعلى قتل الملوك وخدمتها، ونشأ جيل جديد من أبناء الصحراء استطاعوا أن يجاهدوا في سبيل الله؛ فأولئك الأوائل حين فرض عليهم الجهاد قالوا: إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ[المائدة:22]، والشباب الذين تعودوا على حياة الشظف في التيه كان منهم داود عليه السلام الذي كتب الله له النصر والتمكين، وعلمه من علمه؛ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ[البقرة:251].
ونحن اليوم نحتاج إلى تيه، لكن هذا التيه الذي نحتاج إليه هو تيه العدالة، نحتاج إلى أن ينتشر العدل بيننا؛ حتى تزول عنا آثار الهزيمة النفسية، وحتى نتعود على أننا أمة يمكن أن تنال حقوقها ويمكن أن تطالب بها، وليس في ذلك غضاضة ولا مهانة؛ فكثير من الكبار والحكماء -بل والعلماء في بعض الأحيان- يظنون أن المطالبة بالحقوق هي خروج عن السلطان، أو هي نبذ للتقاليد أو هي إحداث للشغب والفوضى، وهذا سوء تصور وفهم؛ فعلى الناس أن يتعودوا على أن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، وهذا يقتضي أن توضع العدالة في موضعها، وأن يأخذ كل إنسان حقه الذي آتاه الله سبحانه وتعالى من خيرات هذه الأرض؛ فالله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل؛ وقد قال في كتابه: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا[البقرة:29]، وقال: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا[الإسراء:70]، وهذا التفضيل الكبير الذي فضلنا به ربنا جل جلاله -الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون- لا بد أن نقوم به وأن نكون أهلاً له؛ فالبشر ليس مثل البهائم التي تساق بالعصي، وليس مذللاً تذليلاً كما ذللت البهائم: وَذَلَّلْنَاهَا لَهمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ[يس:72]، ولا ينبغي أن يتعود على حياة المذلة والهوان، وقد قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: (والله لولا أبيات بالإطنابة لفررت يوم صفين) و (أبيات من إطنابة) هي:
أبت لي همتي وأبى إبائي وأخذ الحمد بالثمن الربيح
وإذ شاني على المكروه نفسي وضربي هامة البطر المشيح
وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستبيحي
لأدفع عن مآثر صالحات وأحمي بعد عن عرض صريح
فيحتاج الإنسان إلى أن يحدث في نفسه روح النخوة، ويطالب بحقوقه وألا يستحيي منها، فالإنسان الذي يستحيي من المطالبة بحقوقه لن ينالها أبداً.
وهذه المطالبة لها وسائل متنوعة متعددة؛ فمن الوسائل التي يمكن أن تتخذها النقابة للمطالبة بالحقوق:
أولاً: معرفة الحقوق؛ فلا يمكن أن ينطلق الناس من الفوضى ولا من الجهالة بما ينظم علاقاتهم، فما ينظم علاقات الناس -وهو قانونهم الذي اختاروه لتنظيم أمورهم، وأقره الشرع ولم يخالفه- لا بد من الأخذ به ومعرفته، فلا يعذر أحد بجهله بما له من الحقوق؛ لأنه إذا طالب على عِمِّية وعِلِّية فسيطالب بأكثر من حقوقه، أو يتنازل عن بعض حقوقه وهو لا يشعر، فلا بد من معرفتنا لهذه الحقوق وأن يكون ذلك على بصيرة.
ثم بعد هذا لا بد كذلك من الوضوح في الطرح والعرض؛ فالإنسان إذا كان صاحب حق ولكن كان لسانه مقطوعاً عن قول الحق، أو كان ذليلاً في المفاوضة؛ فلا يستطيع الوصول إلى حقه أبداً، وأنتم تعلمون الكلمة التي قالها الشيخ عز الدين القاسمي شيخ المجاهدين في فلسطين، الذي جاء في وقت الحاجة إليه وكانت قيادته للجهاد الإسلامي في فلسطين قيادة حكيمة في وقت تأخر فيه كثير من أمثاله عن القيام بذلك، وقد قال أحد الشعراء في قضيته:
إن الزعامة والطريق مخوفة غير الزعامة والطريق أمان
فهذا الشيخ رحمة الله عليه قال: (إن قوتنا الحق وإن حقهم القوة) اليهود حقهم في فلسطين أن لهم قوة وسلاحاً، والمسلمون قوتهم أنهم أصحاب حق، فلذلك قال: (إن قوتنا الحق وإن حقهم القوة) هم ما لهم حق إلا القوة، أن لديهم قوة، ونحن ما لنا قوة إلا الحق؛ فلذلك علينا أن نأخذ بالحق على وجهه الصحيح؛ فلذلك أن يكون صاحب الحق يعرف كيف يؤدي حقه وكيف يطالب به.
ثم بعد هذا لا بد من السعي للتعاون مع الإدارات في الوصول إلى الحقوق، ويكون ذلك عن طريق التفاوض والمناقشة الجادة بالتي هي أحسن؛ فهذه المناقشة الجادة شرعت حتى مع الكفار، فقد قال الله سبحانه وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[النحل:125]، وقال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[العنكبوت:46]، فإذا كانت مشروعة مع الكفار بالتي هي أحسن فكيف لا تكون مشروعة مع المسلمين! لذلك لا بد أن نكون مستعدين للمناقشة والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن نكون مستعدين للأخذ بأدب الكلام، وأن نستمع للطرف الآخر، وأن نقدم له حجتنا وبيناتنا، وأن يكون ذلك على أساس من العدل والإنصاف.
ثم بعد هذا إذا قدر تأذ وامتناع عن الحقوق؛ فللنقابة عدد من الوسائل للمطالبة بالحقوق، وهذه الوسائل بعضها غير معهود ولا مألوف، ويمكن أن يستنكره بعض الفقهاء الذين يرجعون إلى الكتب المدونة؛ لأنهم يظنون أن جميع الأحكام دونت في هذه الكتب، وأحكام الله لا حصر لها، وهي مستمرة ولله الحكم في كل فرع يتجدد، وقد قال مالك رحمه الله: (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور) فإذا أحدث الناس فجوراً فلا بد من معالجته من أقضية جديدة، غير معهودة؛ فلذلك منها التظاهر، فالمظاهرات السلمية هي تعبير عن الرفض ومطالبة بالحقوق، وإذا كانت منتظمة وقدمت فيها الشعارات المطالبة بالحقوق على الوجه الصحيح فهي وسيلة لا تتلف، وقد أثبتت جدواها وفائدتها في العالم كله، وأصبحت مأخوذاً بها في أنحاء العالم، وليس في الشرع ما يمنعها ولا ما يحجرها، لكن لا بد من ضبطها بأن لا يكون فيها اعتداء ولا ظلم ولا إسراف ولا كذب ولا مماطلة، وأن تكون منتظمة انتظاماً صحيحاً، وليس فيها أية مخالفة شرعية؛ فإذا حصل ذلك كانت سبباً مقبولاً، وقد خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم في تلك المسيرة المباركة إلى بيت الله الحرام، وكانت دار الأرقم على الصفا حين أسلم عمر رضي الله عنه، وخرجوا صفين حتى وصلوا إلى البيت الحرام فطافوا به جميعاً لا يخافون أحداً.
ومن هذه الوسائل كذلك الإضراب عن العمل أو الدراسة عند الحاجة إليه، وهذا قد يستشكله بعض الناس فيقولون: فيه إخلال بالعهد، فيقال: نعم، لكن على أساس إذلال الآخر، فالله تعالى عندما يحكم: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ[النحل:126]، وقد أضرب مالك رحمه الله تعالى عن تدريس العلم بالمدينة عندما امتنع والي المدينة من قتل شاب قتل أخاه غيلة، فالغيلة حق عام وليس لولي الدم العفو عن صاحبها، فلما امتنع الأمير من قتل ذلك الشاب قال مالك : (والله لا أتكلم في العلم حتى يقتل) فتحركت المدينة كلها حتى قتل ذلك، حتى جاء الأمير بذلك الشاب وقتله، فرجع مالك لمهنة التدريس. وهذا الإضراب عن الدراسة كذلك حصل لبعض أصحاب مالك فهذا عبد الملك بن الماجشون ، وهو من أكبر أصحاب مالك ومن خيرته، خالف مالكاً في مسألة فكلمه مالك كلاماً شديداً فغضب، فهجر مجلس مالك سنة - لا يجلس إليه - فبقي مجلسه معطلاً فترة، فتقدم أحد الطلاب فجلس في مجلس عبد الملك ، فقال له مالك : (ما أشد جراءتك! يقوم عنه بالأمس عبد الملك بن الماجشون وتجلس فيه اليوم؟!) فقام عنه ذلك الطالب فلم يزل معطلاً حتى رجع إليه عبد الملك بعد سنة.
فلذلك إذا كان الإضراب على أساس المطالبة بالحقوق، وكان منتظماً، ليس فيه مخالفة شرعية وليس فيه ظلم ولا إصرار؛ فهو وسيلة كذلك تؤدي إلى المقصود، وإذا ضبطت بالضوابط الشرعية فلا حرج فيها كما ذكرنا في إضراب مالك عن التدريس.
وكذلك من هذه الوسائل -التي نسأل الله أن لا يضطر إليها طلابنا فضلاً عن أساتذتنا- الإضراب عن الطعام؛ فهذا من الوسائل التي عرفت في عالمنا اليوم، وليس فيها تعريض النفس للهلاك؛ لأن الإنسان يتغذى عن طريق السوائل، والواجب هو الحفاظ على صحة البدن بما يكفي من الغذاء، والسوائل فيها تغذية كافية وبالأخص إذا كان فيها من الأملاح ما يكفي، فالبدن يحتاج في تقويمه إلى أملاح معينة، وإذا وجدت السوائل فذلك كاف في الحفاظ على بنية البدن، والبدن أمانة لدى الإنسان ويجب عليه الحفاظ عليه، ولا يحل له تعريضه للهلاك ولا لزوال الحواس، ويمكن معالجة ذلك عن طريق التغذية بالوريد أيضاً؛ فالتغذية التي تعلق بالإبرة عن طريق الوريد أيضاً فيها الأملاح الكافية للبدن، لكن هذه الوسيلة ينبغي أن تكون في نطاق ضيق، ولا تكون على أساس المطالبة بالحقوق فقط إلا إذا حصل ظلم كبير؛ فمن المعلوم أن أهل البلاغة يذكرون مقامات التأكيد؛ فلديهم ثلاث مقامات: المقام الابتدائي، ومقام التردد، ومقام الإنكار، وكل يقدم فيه من الأساليب بما يليق به، وقد مثل الله بذلك بقوله: وَاضْرِبْ لَهمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا المُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ المُبِينُ[يس:13-17]، فالتأكيد يزداد كلما ازداد الإنكار؛ فلذلك لا بد من التدرج في هذه الوسائل والأخذ بالأخف والأسفل، ( وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ولا قطيعة رحم )، فإذا كان إثماً أو قطيعة رحم كان أبعد الناس منه، فلذلك لا بد أن لا نحتاج إلى هذه الوسائل - وسائل الضغط الشديدة - إلا عند الظلم الشديد، وحينئذ يجوز التجاوز؛ لأن الله تعالى يقول: لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ[النساء:148]، فمن ظلم له الحق في التعبير عن ظلمه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( دعوه! فإن لصاحب الحق متكلماً )، هذا الأعرابي الذي كان يطالبه بدين قال: ( دعوه فإن لصاحب الحق متكلماً )، صاحب الحق لا بد أن يعبر عن حقه، وله الحق في أن يطالب به، بل إذا مطل فإن ذلك يبيح عرض وعقوبة الماطل؛ كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لي الواجد ظلم يحل عقوبته وعرضه )، وفي رواية: ( مطل الغني ظلم يحل عقوبته وعرضه ).
فلذلك ينبغي التدرج في هذه الوسائل.. وسائل الضغط، وأن لا يزيد فيها الإنسان عن قدر الحاجة، ونحن نعلم أن الطلاب أصحاب حماس، وأنه في بعض الأحيان يتجاوزون بعض المراحل التي هم في غنى في تجاوزها، ولو سلكوا الطريق المعهود بالتدريج لبقي لهم كثير من الأوراق يمكن أن يقدموها في وقت الحاجة، واليوم عالمنا عالم تفاوض، والإنسان يحتاج فيه إلى مهارات التفاوض، فلذلك لا ينبغي أن يقدم كل أوراقه، ولا أن يكشف كل أسراره في وقت واحد، بل لا بد أن يترك بعض الأشياء يلجأ إليها عند الضرورات وتؤخر، وإذا بدأ بها من أول وهلة لم يبق له ملجأ يعود إليه في النهاية.
وهذه وسائل منها كذلك العرائض وتقديم المطالب واستغلال وسائل الإعلام، وكل هذه لا بد فيها من تحري الصدق، فالكذب لا خير فيه، وكل حق أخذ بالكذب فلا فائدة فيه ولن يبارك فيه، فلا بد من أن نحرص على توخي الصدق وتحريه في أمورنا كلها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب؛ حتى يكتب عند الله كذاباً، وإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق؛ حتى يكتب عند الله صديقاً )، والصديقية هي المقام الذي يلي النبوة؛ فلذلك لا بد من تحري الصدق، وعدم الاعتداء؛ فالإنسان إذا اعتدى على الآخرين فإنه قد كافأهم بمثل إساءتهم، وقد قال ابن كمال :
إذا أنت جازيت المسيء بفعله ففعلك من فعل المسيء قريب
على الإنسان أن لا يعتدي في قوله وقد علمنا الله ذلك فقال: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[المائدة:8]، وقبلها: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا[المائدة:2]، فهذه جريمة كبيرة قامت بها قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن المسجد الذي جعله الله للناس سواءً العاكف فيه والباد، ولكن هذه الجريمة لا تبيح الإخلال بميزان العدل؛ فلذلك أمروا أن يعدلوا حتى مع العدو الجائر الذي قام بهذه الفعلة النكراء الشنيعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تسألني قريش خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ).
إن هذه الوسائل التي كنا نتحدث فيها أيضاً كانت سابقة موجودة لدينا في الصدر الأول حتى من أواخر عهد الجاهلية؛ فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف الفضول بمكة؛ فجزيرة العرب لم تكن فيها دولة مركزية، وكان فيها سلطان القبائل، وكل قبيلة لها سيد، وإذا حصل اعتداء من أي طرف من أطراف القبائل فإن إخوان الإنسان ينصرونه ظالماً أو مظلوماً؛ فاحتيج إلى حماية للمظلوم ونصرة له، فقام حلف الفضول بمكة، فتحالف فيه عدد من خيرة الناس إذ ذاك على أن ينصروا المظلومين، وشهده رسول الله صلى الله عليه وسلم وساعد عليه، وبين في الإسلام أنه لو دعي به لأجاب، فذكر أنه شهد حلف الفضول بمكة، وتحالفوا على أن ينصروا المظلوم وأن يردوا الترعة، ( ولو دعيت فيه بالإسلام لأجبت ).
فلذلك عملنا هذا النقابي ينبغي أن يكون مرتبطاً بوثيقة حلف الفضول، وأن يكون أهله منطلقين من الحق لنصرة المظلوم وعدم الاعتداء والصدق في المطالبة بالحقوق.
ونذكر هنا بأمرين من الناحية الشرعية:
الأمر الأول: مشاركة النساء في العمل النقابي والعمل الثقافي؛ فالنساء أكثر من نصف المجتمع الآن، وقد أمرهن الله سبحانه وتعالى بتبليغ الرسالات؛ فقال تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ[الأحزاب:34]، وهذا أمر لأمهات المؤمنين وهن النسوة الصالحات، والقدوة الحسنة لكل النساء، (واذكرن) وقد حذف المفعول الثاني فلم يبين ولم يذكر ذلك، ذكر المفعول الأول وهو: مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ[الأحزاب:34]، لكن لمن يذكر ذلك؟ فلم يبين هذا في القرآن؛ فدل ذلك على العموم؛ لأن الحذف يقتضي العموم، والعمل الثقافي المشاركة فيه مزية وفضل وهي صدقة يتصدقها الإنسان من علمه، وكثيراً ما يثاب بفتوحات ربانية من عند الله إذا تصدق بعلمه.
ثم العمل النقابي كذلك لا شك أن إحقاق العدل وإزهاق الباطل هي من الواجبات التي يشترك فيها الرجال والنساء؛ فعلى النساء المشاركة في العمل النقابي لإظهار الحق وإعلائه ونصرة المظلومين ولإزهاق الباطل، ومشاركتهن في ذلك لا شك أنها خير معين للقيام بهذا، سواءً في الترشيح أو في الترشح أو حتى في شغل المناصب في النقابة، فالنقابة ليست قيادة عليا ولا قيادة للأمة، والقيادة العليا وقيادة الأمة هي التي جاء فيها الحديث: ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )، أما ما دون ذلك من المناصب إذا كان مضبوطاً بالضوابط الشرعية فلا حرج من تولي النساء له.
الأمر الثاني الذي أردت التنبيه عليه هو: أن على الطلاب أن يشاركوا جميعاً في اختيار مندوبيهم؛ فالسلبية ليست مفيدة، والإنسان السلبي الذي هو محسوب من قوم ولكنه لا يفيدهم بشيء هو بلية عليهم، وقد قال الشاعر في هجاء رجل سلبي:
فستة رهط به خمسة وخمسة رهط به أربعة
فبذلك ينبغي للإنسان إذا كان مسجلاً في مؤسسة أن يكون نافعاً في أهلها، وأن يترك بصماته بارزة فيها، فإذا تخرج منها ترك أثراً؛ كما قال أبو فراس الحمداني :
سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ولا بد أن يكون حريصاً على أن يكون من المظهرين للحق والمعينين على إظهاره وعلى نصرة المظلوم ونصفته، فلن يزال الناس بخير ما دام المظلوم يجد من ينتصف له، وقد ذكر ابن جرير الطبري في كتاب التفصيل إجماع المسلمين على أنه يجب على الأمة جميعاً أن تنصر من ظلمه السلطان حتى ينتصف من ظلمه، هذا السلطان سلطان المسلمين يقصد به الخليفة، خليفة رسول الله الذي يقيم الحدود، ويغزو العدو إذا ظلم أي مسلم؛ ذكر ابن جرير إجماع المسلمين على أنه يجب على الأمة أن تقوم معه حتى ينتصف لظلمه؛ ولذلك على الطلاب أن يقبلوا بالمشاركة في النشاط الثقافي والنشاط النقابي، ويكون لهم دور بارز في إظهار الحق وإعلائه ونصرة المظلومين، وأيضاً للرفع من شأن مؤسستهم، فهذه المؤسسة التي تدرسون فيها هي مثل بيوت الآباء والأمهات، مؤسسات عظيمة، نلتم فيها خيراً كثيراً، جلستهم فيها إلى الشيوخ وأفادوكم من علمهم، وقرأتم فيها من الكتب وهم شيوخ آخرون كما قال ابن هلال :
لنا جلساء ما يمل حديثهم أرباء مأمونون غيباً ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم من مضى وعقلاً وتأديباً ورأياً مسددا
فلا ذمة تخشى ولا سوء عشرة ولا نتقي منهم لساناً ولا يدا
فإن قلت أحياء فلست بكاذب وإن قلت أموات فلست مفندا
وقد كنت سألت الشيخ محمد يحيى ولد الشيخ حسين رحمة الله عليه: قلت: من دبت إليه العدوى من طلابك؟ من أعديت من طلابك؟ فقال: أعديت فلاناً في مجال التفسير، وأعديت فلاناً في مجال الأصول، وأعديت فلاناً في مجال الفقه، فسرت منه العدوى إلى بعض طلاب هذه المؤسسة المباركة.
وهذه المزية ينبغي أن تكون حاضرة في أذهاننا، ينبغي أن نعلم أن هذا المعهد أمانة لدينا، وينبغي أن نسعى لتحسينه وتحسين أدائه؛ ولذلك أنا أطالب بأن يكون جامعة إسلامية، وأن يكون فيه كليات متخصصة؛ فالحمد لله الطاقات العلمية موجودة، والطلاب موجودون وهذا محور الدراسة، محور الدراسة هو إذا وجد الأستاذ والطالب فلا عبرة للوسائل بعد ذلك، كان أسلافنا يدرسون على ظهور الإبل كما قال المختار بن بونه رحمة الله عليه، ويدرسون تحت الشجرة كما قال غيره، وقد كان اليعقوبيون يقولون في الصيف لأولادهم: احفظوا المال لا تفتقروا، ويقولون في الحديث: احفظوا العلم لا تكفروا؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الكفر والفقر، فلذلك لا بد أن تكون هذه المؤسسة نواة لمؤسسة كبرى، وهي جامعة تمثل علم شنقيط وتراثها، وأن يكون فيها مختلف التخصصات، وتكون ذات استقلال؛ ولذلك أدعو الخيرين والمحسنين إلى أن يقفوا أوقافاً مستقلة يكون ريعها على هذه المؤسسة النافعة، ويكون تسجيلها تابعاً لإدارتها، فالأزهر الشريف ما أدى دوره إلا عندما كان له أوقاف ذات ريع، وكانت إدارته مستقلة لا تتقيد بأوامر السلطة، وكانت سلطة مستقلة، ولذلك شيخ الأزهر يلقب بمصر الإمام الأكبر، الإمام الأكبر ليس للوزارة سلطاناً عليه ولا لرئاسته أيام كان الأزهر في عزته وأيام كان له من الأوقاف ما يكفيه، وقديماً كانت هذه الفكرة سائرة في بلاد الإسلام كلها، فالمدرسة المستوصلية في بغداد -التي يدكها المستعمرون اليوم، ويقتلون فيها أهل السنة، وتقع عليها المؤامرة في الخذلان في العالم الإسلامي كله، ويسكت الناس عما يحصل فيها-، هي مدرسة عريقة درس فيها عدد كبير من أئمتنا وأعلامنا، وكان يدرس فيها الجبيلي و الغزالي وعدد كبير من الأئمة، وكذلك دار الحديث بدمشق التي درس فيها الإمام النووي و ابن الصلاح وغيرهما من كبار الأئمة، وهكذا فمدارس عظيمة كانت لها أوقافاً مستقلة وأدت دوراً كبيراً، وصارت على مدى القرون وليس لها مضايقة ولا بصاحب السلطان عليها أي أمر؛ فلا يستطيع تغيير مناهجها، ولا يستطيع التدخل لإدارتها ولا طلابها لاستقلالهم وقيامهم بشئونهم، وبريع أوقافهم الكافي. وهناك تجربة حاصلة في بلد مجاور هو المغرب العربي، تجربة كبيرة حصلت في مدينة وجدة، عندما قام أحد الدعاة الصادقين -نحسبه- بإقامة معهد لتكوين الأئمة، ووقف عليه أوقافاً كبيرة، وصار كلما تخرج طالب بنى له مسجداً من ريع تلك الأوقاف، وجعل فيه سوقاً يتقاضى الإمام راتبه من ريعها، فاستقل الأئمة في هذه المدينة ولم يكونوا بحاجة إلى نفقات، ولم يبذلوا ماء وجوههم، واستطاعوا أن يصونوا العلم، وقد قال الشريف الجرجاني :
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أذلوه جهاراً وجهموا محياه بالأطماع حتى تجهما
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لكل خير، وأن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
السؤال: أنا طالبة من أهل النقابة، وأحياناً أرفع صوتي عند الكلام. فما الحكم في ذلك؟
الجواب: صوت المرأة إذا لم يكن نشيداً ليس بعورة، فصوت المرأة ليس بعورة إذا لم يكن إنشاداً؛ فلذلك يجوز للمرأة أن تسمع صوتها بغير الريبة وفي غير الخلوة وفي غير اختلاط، وكلامها في مسمع الصوت لا حرج فيه، وهذا الذي يذكر حديثاً وهو: (لعن الله امرأة رفعت صوتها ... ) حديث موضوع، ليس له أي أساس.
السؤال: ما هو دور النقابات الطلابية في محاربة الصهاينة، نصرة الفلسطينيين ضدهم وطلب المساهمة من الناس في ذلك؟
الجواب: المبادرة الطلابية في محاربة الاختراق الصهيوني تطلب من المسلمين المساهمة وليست الدعم، الدعم إنما هو التطوع، وهذه المساهمة لقضية فلسطين هي واجبة على المسلمين، فقضية المسلمين الأولى اليوم هي قضية فلسطين، واليوم يقوم هذا الحصار الجائر الظالم الذي يشترك فيه العرب والمسلمون؛ تلبية لرغبات الصهاينة الملحدين، ويريدون به إفشال الحكومة التي اتخذها الشعب بشفافية وصدق، ولا شك أن هذا الحصار جائر لن يفك إلا بما يقدمه المسلمون لإخوانهم، وهذا واجب عليهم؛ فيجب عليكم جميعاً أن تشاركوا في تثبيت هذه الحكومة، وأبشركم بأن للمسلمين مؤتمراً دعت إليه هيئة علماء المسلمين، وسيكون في الدوحة بعد أسبوع من الآن، وسيشارك فيه علماء المسلمين من مشارق الأرض ومغربها، لدعم القضية الفلسطينية.
السؤال: ما حكم تمثيل المرأة في القضايا اجتماعية؟
الجواب: بالنسبة للتمثيل من أصله إذا كان لترسيخ خلق حميد ومحاربة خلق ذميم، أو لإظهار بعض الظواهر المحمودة، والقضاء على بعض الظواهر الذميمة فهو وسيلة ثقافية معتبرة، وقد أثبتها الله في كتابه بقوله: وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا المِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ[ص:21-24]، فداود عليه السلام علمه الله القضاء بهذا التمثيل الذي قام به هذان الملكان اللذان تسورا عليه المحراب، أي: دخلا من غير باب، فدخلا عليه المسجد والباب مغلق، وعلماه القضاء، والملائكة ليس لهم نعاج، ولا يظلم بعضهم بعضاً؛ فدل هذا على أن التمثيل ليس بكذب، فالملائكة لا يكذبون؛ ومع ذلك الملك قال: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ[ص:23]، هل هذا صحيح؟ طبعاً لا، فدل هذا على أن التمثيل ليس بكذب فليس حراماً، وإنما يتقيد بفوائده وأهميته، فإذا كان لمجرد الترفيه واللعب، ولم يكن فيه ما هو مقصود شرعاً كان مباحاً، وإذا كان لترسيخ عادة ذميمة كان حراماً، وإذا كان لمحاربة عادة ذميمة وتفسيخ مقابلها كان وسيلة نافعة وإذا تعين وجب، فلذلك لا بد أن يضبط بالضوابط الشرعية.
وهذا التمثيل ثبت كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ( أنه حكى نبياً من الأنبياء دماه قومه فجعل يمسح الدم عن وجهه هكذا ويقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )، ماذا يمسح النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه؟ ليس به دم، ولكنه أراد به تمثيلاً، وكذلك أخرج البخاري في الصحيح قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول الله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ[القيامة:16]، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل الشدة، وكان مما يحرك شفتيه، قال ابن عباس : فأنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، فحرك شفتيه، قال سعيد : فأنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما. فحرك شفتيه؛ فأنزل الله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ[القيامة:16] )، فتحريك الشفتين هو تمثيل، فـسعيد بن جبير كان يحرك شفتيه كما رأى ابن عباس يحركهما، و ابن عباس كان يحرك شفتيه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، وغير ذلك حديث أم زرع - وهو في الصحيحين - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( جلس عندها عشر نسوة تعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً.. ) والحديث محفوظ لديكم معروف، وهو من الأحاديث التي أخذ منها كثير العلم حتى ألف فيه القاضي عياض كتاباً مستقلاً سماه "بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد"، ومن فوائد هذا الحديث قضية التمثيل.
كذلك تمثيل النساء هو مثل تمثيل الرجال؛ فإذا كان هذا التمثيل ليس فيه اختلاط ولا تبرج ولا تكشف ولا إظهار للزينة التي يحرم إبداؤها للأجانب، ولا تعطر، ولا تزين؛ فهو جائز مثل غيره بحسبه، بحسب ما يتوصل به إليه.
السؤال: يقول من هو كفء لإدارة النقابة: لما نشتغل بالعمل الثقافي والنقابي نفرط في واجباتنا الدراسية. فيحجمون عن ترشيح أنفسهم للإدارة. فماذا يكون في هذه الحال؟
الجواب: بالنسبة للاشتغال بالأعمال الثقافية في المؤسسات هي من باب فروض الكفايات، وقد ذكرت ذلك وأصلت له وأقمت عليه الكثير من الأدلة في بداية هذه المحاضرة؛ فلذلك هي فرض كفاية، وإذا لم يكن في الطلاب من يصلح لذلك إلا أفراد قلائل تعين عليهم؛ فأصبح فرض عين في حقهم، ومثل ذلك العمل النقابي فهو من إظهار الحق وتحقيق العدل، وهو فرض كفاية بالأصل لكنه يتعين، وتتعين المشاركة فيه على طلاب المؤسسة في اختيار من يختارونه؛ لأنهم إذا أحدثوا السلبية التي تحدثت عنها فسيبرز المتردية والنطيحة وما أكل السبع، ويتقدم من لا يصلح لهذا الأمر، وحينئذ يتقاعس أهل المسئوليات ويتقدم من سواهم، وما أوتيت هذه الأمة إلا من قبلها.
السؤال: هل تكون النقابة مشتركة بين الرجال والنساء وقيادتها واحدة؟ وما ضابط ذلك؟
الجواب: المعهد نفسه مؤسسة مشتركة بين الرجال والنساء، ولا أحد ينكر ذلك، فلا حرج في وجود رابطة تجمع بين النساق الطلابي، تجمع النساق الطلابي بشقيه الرجال والنساء، لكن لا بد من التقيد بالضوابط الشرعية؛ بعدم الاختلاط والمباعدة بين أنفاس الرجال وأنفاس النساء، وعدم التبرج بالزينة والتستر وعدم الخلوة، هذه الضوابط الشرعية واجبة في كل الأوقات وفي كل المستويات، وإذا أخذ بها فلا حرج.
السؤال: ما هو حكم رصد جائزة في مسابقة للفرق الرياضية أو الثقافية للفائزة منها؟
الجواب: لا حرج في التشجيع على أية مسابقة سواءً كانت رياضية أو ثقافية إذا كان التشجيع ما لم يدفعه طرف آخر غير المتسابقين، فالمتسابقون لا يحل لهم أن يقدموا ذلك لما فيه من القمار، لكن إذا كان الطرف الآخر وهو الذي يسميه الفقهاء بالمحلل يقدم جائزة فلا حرج، ويمكن أن تكون الإدارة تتولى هذه المسئولية وهي ممثلة هنا، فيكون الكأس من قبل الإدارة وهي ليست مشاركة في المسابقة، وهذا ليس تشجيعاً للأساتذة في عدم المشاركة في الرياضة، بل ينبغي أن يشارك الأساتذة في الرياضة وفي ذلك بناء جسم الإنسان، ثم قضية تشجيع الطلاب عليها أمر جيد.
السؤال: قدمت وثائقي للدراسة في المعهد العالي فلم أحصل على المنحة الدراسية، وعلل ذلك بعدم تجاوزي العشرين سنة من عمري. فما الحكم في ذلك؟
الجواب: أنا أريد أن أنبه إلى أن من العادات السيئة التي صارت في مجتمعنا هذا وهي كثيرة، أن كثيراً من الناس عنده أن المكلف في بداية تكليفه هو غير محسوب على المكلفين، فيقولون: (ابن عشرين لا عقل ولا دين) وهذا غير صحيح، بل قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر من ولاه وهو أسامة بن زيد رضي الله عنه وهو في السابعة عشرة من عمره، وقاد محمد بن قاسم الثقفي الجيوش وفتح كثيراً من بلاد السند وهو في السابعة عشرة من عمره، وقد قال في ذلك أحد الشعراء:
قاد الجيوش لسبعة عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدداً من مولد
وكذلك تجد كثيراً من علمائنا تصدروا في هذا السن؛ فقد درس العلامة محمد عالي ولد عدود رحمة الله عليه درس وهو في الثالثة عشرة من عمره، وكذلك عدد من علمائنا الذين اشتهروا بشبابهم؛ كالعلامة المجلي رحمة الله عليه، وقد درس وهو في الخامسة عشرة من عمره.
كذلك أذكر بأن الشباب إذا أحسوا بالمسئولية ستسمو هممهم وترتفع، وقد قالت الخنساء تماضر بنت عمرو بن شريد السلمية رضي الله عنها في مرثيتها لأخيها صخر بن عمرو الشريد:
أعيني جودا ولا تجمدا ألا تبكيان لـصخر الندى
ألا تبكيان الحميد النبيل ألا تبكيان الفتى السيدا
رفيع العماد طويل النجاد ساد عشيرته أمردا
ولكم في عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي عنهما أسوة صالحة؛ فقد قال: ( توفي الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأنا في الثالثة عشرة من عمري، فأتيت إلى لدة لي من الأنصار، فقلت: إن الله قد قبض رسوله صلى الله عليه وسلم وإن العلم في أصحابه، فتعالوا بنا نجمع علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلنا نشيد لأمته يوماً ... تحتاج إليه، فقال: دعنا نلعب، ومتى يحتاج إلينا! ) فذهب ابن عباس وتركه، وفي ابن عباس يقول أحد الشعراء الصحابة:
بلغت لعشر السنين كما يبلغ السيد الأشيب
فهمك فيها جسام الأمور وهم لداتك أن يلعبوا
ويقول فيه حسان بن ثابت رضي الله عنه:
إذا ابن عباس بدا وجهه رأيت له في كل محمدة فضلا
إذا قام لم يترك مقالاً لقائل بمنتظمات لا ترى بينها فصلا
كفى وشفى ما بالنفوس فلم يدع لذي إلفة في القول جد ولا هزءا
وقبل الدعاء أذكر بالسكينة في الانصراف، وأن على الرجال أن لا يقتربوا من النساء، ويترك الباب الشرقي للنساء وحدهن، ويترك الباب الآخر للرجال، فباعدوا بين أنفاس الرجال والنساء، ويحاول الإخوة الذين عند الباب أن ينصرف أولاً حتى يتركوا طريقاً لمن وراءهم، ويكون في ذلك بالهدوء والسكينة.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، اللهم صل على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آله وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء أن تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، لك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً، لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول، ولك الحمد كالذي تقول، لك الحمد أنت أحق من ذكر وأحق من عبد وأنصر من أبتغي وأرأف من ملك وأجود من سئل وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر وتعصى فتغفر، أقرب شهيد وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس وأخذت بالنواصي ونسخت الآثار، وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت والخلق خلقك والعبد عبدك وأنت الله الرءوف الرحيم، نسألك بعزك الذي لا يرام وبنورك الذي أشرقت له السموات والأرض أن تهدي قلوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تكشف كروبنا، وأن تجعل التقى زادنا وأن تحقق مرادنا، وأن تصلح أولادنا.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا واجعل الجنة هي دارنا.
اللهم استعملنا في طاعتك، واجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً ولا تجعلنا أتباعه، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بركنك الذي لا يرام، واجعلنا في جوارك الذي لا يضام، وارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت رجاؤنا، فكم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك بها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قل لك بها صبرنا، فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا، ويا من قل عند بليته صبرنا فلم يخذلنا، ويا من رآنا على الخطايا فلم يفضحنا، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبداً، ويا ذا النعمة التي لا تحصى عدداً، نسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد، وبك ندرأ في نحور الأعداء والجبارين.
اللهم أعنا على ديننا بالدنيا، وعلى آخرتنا بالتقوى، واحفظنا فيما غبنا عنه، ولا تكلنا إلى أنفسنا في ما حضرناه، يا من لا تضره الذنوب ولا ينقصه العفو هب لنا ما لا ينقصك، واغفر لنا ما لا يضرك إنك أنت الوهاب، نسألك فرجاً قريباً، وصبراً جميلاً ورزقاً واسعاً والعافية من البلايا ونسألك تمام العافية، ونسأل دوام العافية ونسألك الشكر على العافية، ونسألك الغنى عن الناس، اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين، لك رهابين أواهين منيبين، اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا وثبت حجتنا وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا، اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه، واجعل وجوهنا من الوجوه الناضرة الناظرة إلى وجهك الكريم، وآتنا كتبنا بأيماننا تلقاء وجوهنا، وجوزنا على الصراط كالبرق الخاطف، وأظلنا في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك، واسقنا من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً، وثبت موازين حسناتنا، اللهم اجعل قبورنا رياضاً من رياض الجنة، ولا تجعلها حفراً من حفر النار، اللهم إن نسألك الثبات عند النزع، والأمن تحت اللحد، والتوفيق عند السؤال، والفرح عند لقائك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ورزقاً طيباً وعملاً صالحاً متقبلاً، اللهم إنا نسألك النجاح لكل الطلاب والطالبات، نسألك أن توفقهم أجمعين بما لديك، وأن تعلي بهم كلمتك، وأن تنصر بهم رسولك صلى الله عليه وسلم، وأن تجعلهم أجمعين من الملتزمين بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من العلم، اللهم ألزمهم التمسك بالسنة عند فساد الأمة، اللهم خذ بنواصيهم إلى الخير أجمعين، وألهمهم السداد والصواب يا أرحم الراحمين، وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، واهدهم إلى سواء الصراط، اللهم حقق رجاءهم واستجب دعاءهم وأصلحهم وأصلح بهم، اللهم اجعلهم هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين، اللهم وفقهم وفوقهم يا أرحم الراحمين، اللهم وفقهم وفوقهم يا أرحم الراحمين.
اللهم بارك على هذه المؤسسة وأسبغ على أهلها نعمك ظاهرها وباطنها، اللهم اجعلها صرحاً لدينك ولإعلاء كلمتك باقياً خالداً؛ تعز به كلمتك ويعلى به دينك يا أرحم الراحمين، اللهم بارك على أساتذتها وامدد أعمارهم وأكثر أموالهم وأولادهم، اللهم وفق طلاب هذه المؤسسة وارفع درجاتهم، اللهم نجحهم وانفع بهم، اللهم انفعهم يا أرحم الراحمين، اللهم انفعهم وانفع بهم يا أرحم الراحمين.
سبحانك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر