إسلام ويب

دور العلماء في استنهاض الأمةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فضل الله العلماء العاملين وجعلهم ورثة أنبيائه وقرنهم بشهادته وشهادة الملائكة، ورفع درجتهم فجعلهم مرجع الناس في أمورهم، وأصبح دورهم كبيراً في استنهاض الأمة، فجعلت المسؤولية على عاتقهم، بنشر العلم، وإقامة الحق، وردع أهل الباطل، والبدع، والكفر، ومجاهدتهم، وإقامة الحدود، والصدع بالحق.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى يختار من خلقه ما شاء لما شاء، وقد عظّم شأن أهل العلم، فأشهدهم على أعظم شهادة بعد أن شهد بها، وأشهد بها ملائكته، فقال تعالى: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ[آل عمران:18]، وحكم لصالحهم على من سواهم في قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[الزمر:9]، أخبر أنهم وحدهم الذين يخشونه حق خشيته، فقال: إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[فاطر:28]، وأخبر أنهم وحدهم المؤهلون لفهم كتابه، فقال: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ[العنكبوت:43].

    وأخبر أنه يرفع درجاتهم في الدنيا والآخرة فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[المجادلة:11]، ولم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء من الدنيا إلا من العلم، فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[طه:114].

    منزلة العلماء العاملين

    وقد نوه النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلتهم في كثير من الأحاديث الصحيحة عنه، فقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وأخرج البخاري في الصحيح كذلك من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).

    وأخرج البخاري في الصحيح من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضاً، فكان منها طائفة نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وأصاب منها طائفةً أخرى أمسكت الماء على الناس فسقوا ورعوا وزرعوا، وأصاب منها طائفةً أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت عشباً، فذلك مثل من نفعه الله بما جئت به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم ينفعه هدى الله الذي أرسلت به).

    وأخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ومن سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ).

    وأخرج أصحاب السنن و أحمد في المسند، و ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، إلا عالماً أو متعلماً، وإن العالم ليستغفر له كل شيء حتى الحيتان في الماء، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع).

    ذكر أمنة الوحي وعدوله

    وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم التنويه بشأن علماء هذه الأمة، وما حمّلوا من هذا الوحي العظيم، وهذا التنويه أصله في القرآن فإن الله تعالى يقول: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا[فاطر:32]، وهذا الاصطفاء الرباني لا معقب له؛ لأنه من أحكام الله عز وجل، ولذلك فإن الذين يأتمنهم الله على الوحي هم خيرته من كل عصر من العصور، وقد أخرج أبو عمر بن عبد البر في مقدمة التمهيد والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث، عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين )، فهؤلاء الذين يحملون العلم في كل عصر من العصور، هم عدول الله عز وجل، في شهادته على عباده، يختارهم لذلك اختياراً وينتقيهم انتقاء، ولم يكن الله ليأتمن على وحيه المفلسين، فالوحي هو أشرف ما أنزل الله في هذه الأرض، فاختار له أهل الثقة والأمانة، وعندما أختارهم الله لذلك فإنه لا معقب لحكمه، ولا لاختياره.

    ومن هنا فهم الموقعون عن رب العالمين، ومنزلتهم في هذه الأمة كمنزلة الأنبياء في بني اسرائيل، (فإن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء، كلما مات نبي بعث فيهم نبي آخر)، وهذه الأمة بعث فيها خاتم الأنبياء ولا نبي بعده، ولكن الله تعهد لهذا النبي الكريم بالعلماء المجددين الذين يجددون ما أفسد الناس من سنته، وشرعته، ولذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم في كثير من الطرق أنه قال: ( إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لأمتي من يجدد لهم أمر دينهم ).

    و(من) هنا موصول مشترك تشمل الواحد والاثنين والجمع، وغالب الإطلاق مما يدل عليه هذا الحديث الجمع، أن يكون ذلك في عدد، فهم الذين تقوم بهم الحجة لله سبحانه وتعالى.

    فريضة طلب العلم

    وقد أمر الله بخروج الطائفة في طلب العلم، فقال: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَهمْ يَحْذَرُونَ[التوبة:122]، وائتمان الله سبحانه وتعالى لهؤلاء لا يقتضي عصمتهم، ولا يقتضي أن تكون زلاتهم كلها مغفورة، ولكنه يقتضي أن يكونوا أقرب إلى المغفرة ممن سواهم، إذا قاموا بالحق الذي عليهم، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: زلات العلماء أقذار، وهم بحار، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، فما يقعون فيه من الأخطاء وتقصير يكفره ما يعملونه من الحسنات أيضاً، التي لا يستطيعها من سواهم، وأيضاً دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم، فقد أخرج أصحاب السنن، و الحاكم في المستدرك و أحمد في المسند، و ابن حبان و ابن خزيمة في صحيحيهما من حديث ابن مسعود وغيره أن البني صلى الله عليه وسلم قال: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).

    ذكر ورثة الأنبياء

    وقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الأمة تتوارث هذا العلم جيلاً بعد جيل، يتحمله خيرة كل جيل، ويؤدونه إلى من سواهم، فيحمله عنهم خيرة ذلك الجيل، ولا يتعلق هذا بنسب ولا باختيار شخصي، ولذلك فإن الإمام مالك بن أنس رحمه الله، كان الناس يزدحمون على مجلسه كلما انقطع صوت مستملٍ يسمع مستملٍ آخر، ويأتيه الناس من خراسان ومن الأندلس يضربون إليه أباط الإبل في طلب العلم.

    وكان من زينة الدنيا أن يقول الرجل: أخبرنا مالك ، ومع ذلك رأى حين تزاحم الناس على سماع درسه وولده يحيى يلعب بالحمام، فقال مالك : أبى الله أن يكون هذا الشأن بالوراثة، أبى الله أن يكون هذا الشأن بالوراثة، فهذا العلم لا يورث، إنما يرثه ورثة الأنبياء، ولذلك فإن العلماء ورثة الأنبياء، قد أخرج البخاري ذلك تعليقاً في الصحيح، وأسنده غيره بأسانيد صحيحة، (العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا هذا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر).

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم انحصاره أيضاً في من تعلمه، فقد أخرج البخاري تعليقاً في الصحيح ووصله أبو بكر بن أبي عاصم في السنة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم )، وإنما أداة حصر تقتضي أن العلم لا ينال بالتمني، ولا بالتظني، ولا بالميراث، وإنما ينال بالتعلم، فلذلك قال: ( إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088465204

    عدد مرات الحفظ

    776888031