إسلام ويب

رحلة الإنسان إلى الخلودللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ميز الله الإنسان بأن جعل فيه حب الشهوات، وجعل له عقلاً مكلفاً به، فإذا فعل التكاليف كلها فإنه يرتقي ليصبح بمنزلة الملائكة، وإذا وقع في الشهوات المحرمة فإنه ينحط لرتبة الأنعام بل أقل، وللإنسان أعمار خمسة: عمر في عالم الذر، وعمر في هذه الحياة الدنيا، وعمر في البرزخ، وعمر في الساهرة في أرض المحشر، وعمر في دار الخلد، إما الجنة وإما النار، وله في حياته الدنيا خمس جبهات معادية له: جبهة الشيطان والنفس والجليس والدنيا وجبهة النعم، فمن يتجاوز الجبهات المعادية وبادر بالأعمال الصالحة، وترك ما حرم الله فإنه يكون من أهل دار النعيم، ومن أعرض عن هذا واتبع هواه فإنه يكون من أهل دار الجحيم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    منزلة البشر بين صنفي الملائكة والحيوان

    فإن الله تعالى خلقنا وهو غني عنا، وقد شرف هذا الجنس البشري بكثير من أنواع التشريف، وكرمه بأنواع التكريم؛ فخلق آدم بيمينه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وجعله خليفته في الأرض، وكرم ذريته بعد بأنواع التكريم؛ فقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا[الإسراء:70].

    وقد أنعم الله علينا في هذه الأمة بنعم لم ينعم بها على من سبقنا من الأمم؛ فاختار لنا أفضل الرسل، وأنزل إلينا أفضل الكتب، وشرع لنا خير شرائع الدين، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، وكل هذا التكريم لا بد في مقابله من تكليف؛ لأن التكليف على قدر التشريف، فلذلك كان هذا الجنس البشري بين الصنفين، صنف أسمى منه وهو الملائكة، وصنف أدنى منه وهو الحيوان البهيمي، فالصنف الأسمى وهو الملائكة محضهم الله لطاعته وعبادته؛ فهم عباد مكرمون، لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم:6]، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ[الأنبياء:20]، كلفهم الله بالتكاليف ولم يسلط عليهم الشهوات.

    والصنف الأدنى وهو الحيوان البهيمي لم يكلفه الله بتكاليف وسلط عليه الشهوات، والإنسان جمع الله له بين الخاصيتين؛ فهو مكلف بالتكاليف ممتحن بالشهوات، فإن هو أدى التكاليف ولم يتبع الشهوات التحق بالصنف الأسمى وهو الملائكة، وإن هو ضيع التكاليف واتبع الشهوات التحق بالصنف الأدنى وهو الحيوان البهيمي؛ ولذلك قال الله تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا[الفرقان:44].

    مثل من أعرض عن الحكمة التي خلق لأجلها

    فلهذا يحتاج الإنسان إلى أن يعرف أنه كائن شريف على الله تعالى كريم، وأنه لم يخلق لما خلق له سائر الحيوان، فإن كثيراً من الناس لا يعرف ذلك؛ فيظن أنه خلق من أجل جمع الرزق؛ كأنواع الحيوانات الأخرى؛ فيشتغل طيلة عمره في جمع الأرزاق، وهذه مهنة وحرفة تتقنها النملة وتتقنها الفأرة، والإنسان مشرف عنها ومكرم؛ فقد ضمن الله له الرزق وكلفه بأداء العبادة التي من أجلها خلقه، وإنما تقويم الإنسان وشرفه باعتبار ما يؤديه من هذه الحكمة التي من أجلها خلق؛ فهذا الجهاز مثلاً صنع من أجل التسجيل، فإذا لم تكن فيه هذه المصلحة لم تكن له قيمة ولم يشتره أحد.

    والإنسان خلق من أجل عبادة الله؛ كما قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ[الذاريات:56-58]، فإذا لم يقم بهذه الحكمة التي من أجلها خلق؛ فإنه لا قيمة له ولا نفع فيه؛ ومن هنا فإن كثيراً من الذين نراهم يمشون على أرجلهم على هذه الأرض وأشكالهم أشكال البشر، ويتكلمون بلغة البشر إنما هم من أمثال البهائم؛ لأنهم ما عرفوا ما من أجله خلقوا ولم يتجهوا إلى ذلك ولم يُدر أمره بَخلَد أحد منهم؛ فلذلك غفلوا عن أنفسهم ونسوا الله تعالى فنسيهم، ولم يرد الله بهم الخير حين لم ينبههم على الحكمة التي من أجلها خلقوا؛ فهم مقبلون مدبرون في معصية الله سبحانه وتعالى، لا يبالون بأمره وطاعته، ويستمرون طيلة أعمارهم في الانشغال بما لم يخلقوا من أجله، وهذا دليل على أن الله لا يقدرهم ولا ينزلهم بالمكان الشريف عنده؛ فإن الله تعالى يصرف الذين لا يرتضي خدمتهم عن عبادته، وكل من لا يرتضي الله خدمته يحول بينه وبين الطاعة والعبادة؛ فيسلطه على نفسه ويتبعه هواه، ويجعله كالبهائم تعيش وهي لا تدري لماذا تعيش.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088618130

    عدد مرات الحفظ

    777651132