إسلام ويب

فقه الاختلافللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله تعالى العباد، وجعلهم مختلفين لحكمة يعلمها، وجعل الخلاف سائراً حتى بين أبناء الملة الواحدة، والدين الواحد والكتاب الواحد؛ وقد وقع حتى في زمن النبوة وهو ممتد إلى يومنا هذا، وسبب الخلاف التفاوت في فهم النصوص الشرعية، ومن ذلك نشأت المذاهب الفقهية التي ينبغي أن نتخذها كوسيلة لفهم النصوص لا ديانات، والتي ينبغي ألا نقف منها موقف المتعصب، الذي يفرق شمل الأمة، وقد حذرنا الله تعالى من ذلك.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فإن الله عز خلق الناس من نفس واحدة، ولكنه حكم على أن يكونوا حزبين:

    الحزب الأعلى وهو حزب الله، والحزب الأدنى حزب الشيطان؛ فأما حزب الله فقد حكم لهم بالغلبة والفلاح، وذكر أوصافهم في كتابه وأثنى عليهم وأشاد بهم.

    وأما الحزب الثاني حزب الشيطان، وقد حكم الله عليهم بالخسران، وذكر أوصافهم، ونفر منهم في كتابه؛ فقال سبحانه وتعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ[البقرة:253]، تجدون أحياناً الشقيقين خرجا من بطن واحد، وتغذيا بغذاء واحد، وتربيا على هيئةٍ واحدة، أحدهما من حزب الله، والآخر من حزب الشيطان؛ بل تجدون أكبر من ذلك، فتجدون أحدهما هو أول من يأخذ كتابه بيمينه، وشقيقه هو أول من يأخذ كتابه بشماله.

    فهذا أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه هو أول من يأخذ كتابه بيمينه، وشقيقه الأسود بن عبد الأسد هو أول من يأخذ كتابه بشماله، وهما أخوان شقيقان من قريش، وتجدون الفرق الشاسع بين العباس بن عبد المطلب ، و أبي لهب بن عبد المطلب ، وهما عمان من أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللذين أدركا البعثة، هذا من خيرة أهل الجنة، ومن أعلى الناس منزلة فيها، والآخر من شر أهل النار، ومن أدناهم منزلة فيها، أجارني الله وإياكم.

    وكذلك تنظرون إلى هذا المستوى أيضاً؛ فتجدونه في كثير من الأشقاء كأبي جهل ، وأخيه الحارث بن هشام ، فـأبو جهل من قادة أهل النار، وأخوه الحارث بن هشام من قادة أهل الجنة.. وهكذا؛ فهذه حكمة بالغة يمحص الله تعالى بها عباده، ويختار جنده وحزبه لا على أساس نسب ولا حسب، وإنما على أساس حكمة واختيار، يختار الله به من شاء، كما قال: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهمْ الْخِيَرَةُ[القصص:68]، وقال: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا[الكهف:51].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088539060

    عدد مرات الحفظ

    777206180