إسلام ويب

أسباب عذاب القبرللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الله سبحانه وتعالى القبر مرحلة بين الحياة الدنيا والآخرة، وجعل لها عالم آخر من النعيم والعذاب، وكشف لأهلها أهوالها وأحوالها، ومن الله على عباده بأن جعل أسباباً وأعمالاً للنجاة من عذابها، وأعمالاً للفوز بنعيمها

    1.   

    القبر وأحوال أهله

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد:

    فإن العاقل إذا كان يعلم أنه سيقطع مسافةً شاسعةً في سفر له، وفيها مفازة ليس فيها ماء ولا غذاء فلا بد أن يصطحب الزاد معه، ومن علم أنه سيقطع هذه المسافة فترك زاده وشرابه في بيته يتمتع به وينعم به من سواه وخرج هو منه، لا يجد ما يرفع به ظمأه ولا ما يزيل به جوعه في تلك المفازة هل هو عاقل؟

    القبر أول منازل الآخرة

    إننا جميعاً سائرون في طريق موحش وأمامنا موقع لا بد من الحلول به، ألا وهو القبر الذي هو أول منازل الآخرة، وهو أعظم من كل ما قبله وأعظم منه كل ما بعده، أول ضجعةً فيه تنسي الإنسان كل ما مر عليه من النعيم والعذاب، فإذا عاش الإنسان في حياته منعما ًمرفهاً طيلة سنواته، ثم بعد ذلك وجد ضغطة القبر لحظةً واحدة، فإنه لا يتذكر شيئاً مما مضى في حياته فوق الأرض، وإذا عاش فوق الأرض كذلك في هوان وأذىً ومذلة، فإنه بضغطة القبر وضمته ينسى كل ما مر به في حياته، ولو عاش فوق هذه الأرض مائة سنة أو أكثر، فإنه باللحظة الأولى في القبر ينسى كل ما مر عليه من الأيام والليالي: إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا[طه:104]، قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ[المؤمنون:112-116].

    مقومات الإنسان في القبر

    إن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة، وإما أن يكون حفرةً من حفر النار، وقد عجل الله فيه العذاب الأدنى قبل العذاب الأقصى وهو عذاب الآخرة، ولذلك قال تعالى في وعيده للمشركين: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَهمْ يَرْجِعُونَ[السجدة:21]، فهذا العذاب الأدنى هو عذاب القبر، وفيه حياة تختلف عن الحياة فوق الأرض، ومقوماتها غير مقومات هذه الحياة، فالحياة فوق الأرض مقوماتها الهواء الذي يتنفس الإنسان به، والغذاء الذي يسد به رمقه، والشراب الذي هو رطوبة بدنه.

    ومنها كذلك: صحته وسلامة جسمه، والحياة البرزخية تخلو من هذه المقومات جميعاً، فما يحتاج إليه الإنسان من الهواء ليس في القبر، لا ينال منه حظاً ولا نصيباً في القبر، وما يحتاج إليه من الغذاء وما يحتاج إليه من الماء لا يجد شيئاً من ذلك، والصحة معدومة فيه، فالبدن يبلى: (كل ابن آدم يبلى إلا عظماً واحداً منه خلق ومنه يركب وهو عجب الذنب).

    تأكل عظامه الأرض فيبلى بالكلية إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب عجب الذنب هو العصص، منه خلق ومنه يركب.

    وبذلك يعدم مقومات الحياة الدنيا، لكنه يحيى حياةً برزخية تخالفها.

    الفرق بين روح الإنسان في الدنيا والقبر

    فالحياة الدنيا يغلب فيها البدن على الروح، والحياة البرزخية تغلب فيها الروح على البدن، والحياة الأخروية يستوي فيها الأمران معاً، فالروح والبدن على حد السواء، ولذلك كانت الحياة الحقيقية، كما قال الله تعالى: وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64].

    في الحياة الدنيا روح الإنسان محجوبةً عنه، وهو مؤمن بها حتى لو كان ملحداً لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر يعلم أن له روحاً، وأنها تعرج وتصعد وتنزل، ويحس بها باللذة والألم، ويؤمن بها وهو لا يعرف لها وصفاً ولا يتصور لهاه تصوراً، ولم يرَ لها مثيلاً ولا جنساً، وقد جعلها الله تعالى شاهداً من شواهد وحدانيته، ودليلاً من أدلة ربانيته، فكما تؤمن بروحك التي بين جنبيك وتعلم أنها موجودة وأنت لا تعرف لها مثالاً ولا تعرف لها وصفاً ولم ترها قط، فكذلك إيمانك بالله سبحانه وتعالى وأنت تعلم أنه: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الأنعام:103]، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11].

    إذا كنت تؤمن بنفسك التي بين جنبيك فمن باب أولى إيمانك بالله سبحانه وتعالى.

    كشف أمور الغيب للميت بعد ضجعه ومقر أرواح المؤمنين والكافرين

    كذلك فإن الحياة البرزخية في القبر يحس فيها الإنسان باللذة والألم بروحه لا ببدنه؛ لأن الروح تزايل البدن عند النزع منه، وتعود إليه في القبر عند السؤال، ولكنها تفارقه بعد ذلك، فأرواح أهل السعادة في حواصل طير خضر تتفيأ من ظلال الجنة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأرواح أهل الشقاوة محبوسة في سجين في الأرض السابعة.

    وبذلك يعلم أن الحياة البرزخية تختلف عن الحياة الدنيا وتغايرها بالكلية، وهذه الحياة البرزخية بدايتها من ضجعة الإنسان الأولى في قبره، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه خرج في جنازة فلما وضع الميت في قبره أشار بيده أن كفوا فنظر ساعةً ثم قال: (أي إخواني أعدوا لمثل هذه الضجعة)، فتلك الضجعة يبدو فيها للإنسان من الله ما لم يكن يحتسب، وتزول عنه الغشاوة فيرى كثيراً مما كان محجوباً عنه، فنحن الآن نمر على القبور فلا نرى شيئاً مما بداخلها، ولا نتصوره، ونرى الموت فنظن أن الأمر هين، وأنه مجرد مزايلة الروح للبدن، ولكن هيهات هيهات فذلك بداية عهد جديد، وانتقال عظيم جداً من حال إلى حال ومن دار إلى دار، ولذلك سمى الله الموت مصيبة، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ[المائدة:106]، فالموت مصيبة لكل أحد، فإن كان محسناً فتقطعه عن إحسانه والزيادة فيه، وإن كان مسيئاً فتعجله إلى جزاء عمله السيء.

    فلذلك الموت مصيبة لكل أحد على كل حال، ومن هنا فأول ما يلقى الإنسان في قبره بعد هذه الضجعة أن يكشف عنه الغطاء، فيرى ما كان مخفياً عنه، كما قال تعالى: وَبَدَا لَهمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ[الزمر:47]، وقد قال تعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ[ق:19-22]، يكشف الغطاء عن الإنسان فيبدوا له ما وراء هذا البرزخ العظيم، وما وراء هذا الحائل الكبير يراه رأي العين وهو منه قريب.

    ضمة القبر وشدتها

    ثم بعد ذلك ضمة القبر التي تختلف منها الأضلاع وتزول منها الحمائل، وهي تهيئة لسؤال الملكين؛ لأن الإنسان العادي لا يتحمل كلام الملائكة، ولا يستطيع محاورتهم ولا جوابهم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان أقوى الناس لم يستطع سماع ومحاورة جبريل إلا بعد ثلاث ضغطات، قال: (فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ[العلق:1-3]).

    سؤال منكر ونكير وصفاتهما

    فكذلك ضمة القبر هي استعداد لسؤال الملكين، وسيأتيان في صورة مروعة، وهما منكر ونكير، صوتهما كالرعد القاصف ونظرهما كالبرق الخاطف، يجلسانه فيقولان: ما ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: ربي الله، ديني الإسلام، الرجل المبعوث فينا محمد صلى الله عليه وسلم هو محمد هو محمد هو محمد ثلاثاً، جاءنا بالبيات والهدى فأمنا به واتبعناه، فيقولان له: صدقت وبررت قد علمنا إن كنت لموقناً، نم نومة عروس ويملئان عليه قبره خضراً ونوراً.

    وأما المنافق أو المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري، كنت سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته فيقولان له: لا دريت ولا تليت، ويضربانه بمرزبة معهما لو اجتمعا عليها أهل منىً ما أقلوها، فيصيح صيحةً يسمعها من يليه إلا الإنس والجن.

    عرض الأعمال في القبر على هيئة صورة

    ثم بعد ذلك يأتي مشهد آخر وهو عرض العمل على الإنسان في قبره، فإن كان محسناً جاءه عمله في أحسن صورة وأطيب رائحة، فيقول: أبشر بخير، فيقول: وجهك الوجه الذي يبشر بخير فمن أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح وأنا أنيسك في غربتك، وإن كان مسيئاً، جاءه في أقبح صورة وأنتن رائحة فيقول: أبشر بسوء، فيقول: وجهك الوجه الذي يبشر بسوء فمن أنت؟ فيقول: أنا عملك السيء وأنا صاحبك في غربتك.

    صور النعيم والعذاب في القبر

    ثم بعد ذلك نعيم القبر أو عذابه، فنعيمه يعرض على الإنسان فيه مقعده من الجنة ويصل إليه من روح الجنة وريحانها، ويملأ عليه قبره بالخضر والنور ويفسح له فيه ويمد إلى مد البصر، حتى لو أكلت عظامه التراب فنعيمه روحي في قبره، وتكون روحه في حواصل تلك الطير الخضر تتفيأ من ظلال الجنة وتأكل من ثمارها، وهو ينتظر البعث ويعلم مصيره إذ ذاك وسينساه عندما ينشق عنه القبر، فكل مرحلة تنسي ما قبلها، كما أن القبر ينسيه أمور الدنيا، فكذلك انشقاق القبر ينسي الإنسان أيضاً ما بشر به في قبره، فينسى ذلك بالكلية، ثم إذا تجاوز أي مرحلة فكل مرحلة تنسي التي قبلها، إذا أخذ كتابه بيمينه فإنه سينسى ذلك الفرح الذي حصل له بمجرد رؤية الصراط منصوباً على متن جهنم.

    وكذلك بوقوفه على الصراط وتجاوزه ينسى ما مر به من قبل، من الأزمات والمشكلات جميعاً، فإذا كان الإنسان مؤمناً بأنه لا محالة صائر إلى القبر، والقبر هنا مستقر الإنسان بعد موته مطلقاً، سواء كان أرضاً يدفن فيها أو أجواف سباع أو غير ذلك، فمستقره هو قبره أياً كان هذا القبر، وهذا القبر كتب للإنسان فهو محدد سلفاً لا يمكن أن يتغير مكان الإنسان وتربته، فهي مكتوبة معه وهو جنين في بطن أمه، قد حدد له تربته ومكان موته، ووقت موته وأجله وعمله وشقي أو سعيد، كل ذلك قد كتب من قبل، فرفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن من ذلك.

    فإذا كان مؤمناً بذلك وهو يعلم أنه صائر إليه لا محاله، فليعلم البون الشاسع بين حال المنعمين والمعذبين في القبر، فنعيم القبر صاحبه في لذة دائمة، وقد بشر بهذه البشارة وانقطع عنه الأذى وانقطعت عنه المسائلة، وبشر بعمله الطيب وأنيسه في غربته، وإن كان من أهل نوع من العبادة راح عليه ذلك النوع وأمسى، وإن كان مرابطاً في سبيل الله لم يختم على عمله، بل يبقى عمله مستمراً، الوقت الذي كان يقوم فيه يكتب أنه قام، والوقت الذي كان يصلي فيه يكتب أنه صلى، واليوم الذي كان يصوم فيه يكتب أنه صام.

    حال المرابط في سبيل الله عند الموت

    فكل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله وحده، فعمله لا يختم عليه يبقى مع الزمن كأنه فعله لا ينقطع منه شيء، ويأمن الفتان كذلك، فالمرابط في سبيل الله يأمن الفتان لا يفتن بفتنة الموت، لا يأتيه الفتان عند الموت فلا يقول له: مت على دين اليهودية، مت على دين النصرانية، وغيره من الناس عند الموت يتعرض لهم الفتان، فيقول: مت على دين اليهودية، مت على دين النصرانية، اعتقد كذا قل كذا، فيفتنه ويلقنه تلك الفتنة، والمرابط في سبيل الله لا يجرؤ عليه الفتان فلا يفتنه.

    كذلك إن كان معذباً في قبره-نسأل الله السلامة والعافية-فعذاب القبر فيه من الأذى والهوان الشيء الكثير، فصاحبه لا يجد راحةً ولا قرارا، فالموت الذي ننتظره إما أن يكون راحةً وإما أن يكون شغلاً، فهو راحة لأهل السعادة، ويرتاحون به من عناء الدنيا وما كانوا يخشونه من الأمراض والأعراض والمشكلات يخرجون من كل ذلك، وهو عناء وتبعة لأهل الشقاء، فهم مشغولون فيه قد بدأوا شغلاً جديداً، كانوا في الحياة الدنيا ينامون ويستيقظون ويصيحون ويمرضون، وهم في القبر في عناء مستمر لا انقطاع له: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ[غافر:46]، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا[غافر:46]، أي: أن من عذاب القبر أن يعرض المشركون على النار غدواً وعشياً، فيرون هولها فيرتاعون لها، وهم يرونها رأي العين، ويسمعون حسيسها ويصل إليهم من نتنها وشدة بردها وشدة حرها ما يتأذون به غاية الأذى.

    أنواع عذاب القبر

    ثم بعد ذلك ما في القبر من الحيات والتنانين، فمانع الزكاة في قبره شجاع أقرع له لهزمتان يعضه في خديه وأنفه ولسانه وشفتيه حتى يبعث.

    كذلك فإن من أوجه عذاب القبر: العطش الشديد الذي يظمأ به الإنسان، فهو يستسقي في كل أوقاته ولا يسقى، يمنع الشراب، ومن عذاب القبر كذلك: السلاسل التي يسلسل بها الإنسان من نار جهنم-نسأل الله السلامة والعافية-تستجلب له السلاسل من النار فيسلسل بها في قبره.

    ومن عذاب القبر كذلك: نتنه نسأل الله السلامة والعافية، نتن القبر أن يملأ على الإنسان من النتن والرائحة الكريهة، ومن عذاب القبر ضيقه أن يضيق على الإنسان فيه ضيقاً شديداً، فهذه من أوجه العذاب التي يجدها الإنسان في قبره.

    وإذا كان الإنسان يعلم البون الشاسع بين هذا النعيم وذلك العذاب، فعليه أن يسعى للنجاة من عذاب القبر، والنجاة من أي أمر إنما تكون بمعرفته قبل الإقدام عليه؛ لأن المجهول لا يمكن أن يهرب منه في أي وجه من الوجوه، ولذلك قال لبيد بن ربيعة العامري :

    وغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها

    فهذه الظبية سمعت صوت القناص فلم تدرِ هل هو من أمامها أو من خلفها، فلم تستطع الهرب، الخوف من أمامها ومن خلفها فهي مترددة، كذلك الإنسان الذي لا يعرف ما يخافه يبقى متردداً؛ لأنه لا مهرب له، أما إذا كان يعرف وجه الخوف فإنه سيحاول النجاة بنفسه من ذلك الذي يخافه، فعلينا أن نستوعب أسباب عذاب القبر، وأسباب النجاة من عذاب القبر، وأسباب نعيم القبر.

    1.   

    أسباب عذاب القبر

    صور وكيفية التنزه من البول

    أما أسباب عذاب القبر: فقد جاء فيها عدد من النصوص الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: أنه صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم بالمدينة فمر على قبرين جديدين فقال: (أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير)، ثم قال: (بلى أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)، سببان من أسباب عذاب القبر أحدهما: نقص الطهارة، أن لا يكون الإنسان من المتطهرين، فالمتطهرون كما تعلمون يحبهم الله عز وجل: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ[البقرة:222]، ومحبة الله سبحانه وتعالى قاضية على كل الآفات، من أحبه الله فلا بأس عليه، فلذلك لا بد أن نحرص على التنزه من البول ومن الأخباث مطلقاً، وأن نحرص على طهارة الخبث كحرصنا على طهارة الحدث.

    ولذلك أخرج البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه )، ( فإن عامة عذاب القبر )، أي: جمهوره وغلبه منه، فالإنسان الذي لا يستتر من البول، أي: لا يتنظف منه فيبول كما تيسر، لا يسأل عن أحكام الاستطابة ولا ينفذها في نفسه، ولا يهتم بها، لا يمكن أن ينجو من البول، بل لا بد أن يصيبه بعض هذا النجس، فلذلك لا بد أن يتعلم الإنسان آداب الخلاء وأحكام الاستطابة، وقد ورد فيها الكثير من النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تأتنا من عند الله تعالى لنهملها ونتركها، بل ما جاءت إلا لنتعلم ونعمل بها، فمن ذلك أن يكون الإنسان في حال بوله يرتاد له حتى لا يتطاير عليه منه شيء، كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتاد لبوله.

    وكذلك منها: أن يكون الإنسان في مكانه وأن لا يقوم حتى ينتهي الخارج، فما دام يحس بشيء يمكن أن يخرج فلا يحل له أن يتحرك، بل يجب عليه انتظار ذلك الخارج والسعي لإخراجه، فالاستبراء واجب، ليس مثل آداب الخلاء الأخرى، بل هو واجب ليس مثل غيره.

    وكذلك من الاستتار من البول: الحرص على طهارة البدن من الثوب والمكان والتنظف من ذلك كله.

    ومنها كذلك: الحرص على الاستنجاء، أن يكون الإنسان مصاحباً للماء في كل أحواله، فقد ورد أن الله سبحانه وتعالى لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ[التوبة:108]، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أهل قباء عن طهارتهم؟ فقالوا: كنا نتبع الماء الحجر، فقال: (هو ذاكم فعليكموه)، (هو ذاكم)، أي: هذه هي الطهارة التي تحبونها وأثنى الله عليكم بها، (فعليكموه)، أي: ألزموه.

    مخاطر النميمة وجزاء فاعلها

    كذلك السبب الثاني: هو قوله: ( وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة )، والنميمة نقل الكلام على وجه الإفساد، أن ينقل الإنسان كلاماً على وجه الإفساد، فيقول: فلان يقول فيك كذا وكذا، أو فلان يفعل كذا وكذا، فنقل الكلام على وجه الإفساد منافٍ للمصلحة التي كتبها الله على الناس في توحدهم واجتماع كلمتهم على الحق، والنميمة تقتضي الفرقة والنزاع والخلاف، فالساعي بها لا يمكن أن يكون من أهل الجنة.

    ولذلك أخرج مسلم في الصحيح من حديث معاذ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة قتات)، والقتات هو النمام الذي يتجسس لنقل الأخبار فينقلها لأجل الإفساد، فهذا لا يدخل الجنة، وإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة)، وكان الإنسان مؤمناً فمعنى ذلك أنه ستسوء خاتمته فيموت على الكفر، نسأل الله السلامة والعافية.

    فالمشي بالنميمة من أسباب سوء الخاتمة، وسبب للموت على الكفر حتى لا يدخل الإنسال الجنة، وهو سبب لعذاب القبر كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة)، والمشي بالنميمة وصف ذميم ذم الله به الوليد بن المغيرة فيما سمعتم من آيات سورة نون.

    وهو كذلك سعي للإفساد في الأرض، والإنسان الذي يمشي بالنميمة يرضى أن يكون آلةً للأذى والفساد، فهو أخس لدى نفسه من البهائم والدواب؛ لأنه ذلل نفسه لأن تكون وسيلةً للفساد وأذى الناس وإهانتهم، فما هو إلا كالسوط أو أدنى منه؛ لأنه من المفسدين.

    عاقبة الكذاب

    كذلك من أسباب عذاب القبر نسأل الله السلامة والعافية: الكذب، فالكذب على الناس بقصد تضليلهم من أسباب عذاب القبر، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً كان على الطريق يمر به الظمآن يسأله الماء، فينفخ القرب فيعقدها على الطريق فإذا أتاه ظمآن، قال: اذهب إلى ذلك الشن فاشرب منه، فلا يجد فيه إلا الهواء، فلما مات كان يعذب في قبره فكان يقول: شن وما شن بول وما بول وهو في ذلك أبداً، يعذب بهذا العذاب أبداً على ما كان يفعله من كذبه على الناس وغروره لهم، فكل من يغر الناس بالكذب ويسعى لإضلالهم فقد تعرض لعذاب القبر نسأل الله السلامة والعافية.

    جزاء من خالف قوله فعله

    ومن ذلك أنواع كثيرة، فمنها: الغرور في النصيحة، أن لا يكون الإنسان ناصحاً للمؤمنين، فيرشدهم إلى ما يخالفهم إليه، فذلك من أسباب عذاب القبر فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن رجلاً كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فألقي في النار فاندلقت أقتابه فدار بها كما يدور الحمار بالرحى، فتأذى به أهل النار، فقالوا: يا فلان ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! فقال: كنت آمر بالمعروف فلا آتيه، وكنت أنهى عن المنكر فآتيه )، فهو مخالف لاعتقاده وعمله، وهذا سبب لمقت الله، أي: كراهته، ومن مقته الله وكرهه لا يمكن أن يوفقه للخير، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ[الصف:2-3]، وخطيب الأنبياء شعيب عليه السلام قال فيما حكى الله عنه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[هود:88]، وقد قال أبو الأسود الدؤلي رحمه الله تعالى وهو من علماء التابعين:

    يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم

    تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيم

    وأراك تلقح بالرشاد عقولنا أبداً وأنت من الرشاد عقيم

    ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

    فهناك يسمع ما تقول ويشتفى بالقول منك وينفع التعليم

    لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم

    القول والإفتاء بغير حق

    ومثل ذلك القول على الله بغير علم، كإفتاء الجاهل وإفتائه بغير الحق طلباً للدنيا أو تزلفاً إلى أهلها، فكل ذلك سبب من أسباب عذاب القبر وهو من الغرور للناس، وقد توعد الله صاحبه بكتابه فقال: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[الأنعام:144]، ومعنى الآية: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم، فهو أشد الناس ظلماً؛ لأنه ظلم نفسه وظلم الآخرين حين غرهم ودلهم على غير طريق الحق، وأخذ بذلك ثمناً قليلاً في هذه الحياة الدنيا.

    التحري من الحلف الكاذب في البيع

    كذلك من أنواع الغرور أيضاً: ما يروج به الإنسان سلعته بالأيمان، ومثل ذلك النجش وهو أن يعطي في السلعة ثمناً لا يشتريها به، ولكنه يزيد فيه ليغر الآخرين، فذلك من الغرور الذي هو داخل في أسباب عذاب القبر، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم النجش وقال: ( لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يحقره ولا يسلمه ولا يكذبه، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاثاً، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ).

    التهاون في الصلاة صفة للمنافق

    كذلك من أسباب عذاب القبر عائذاً بالله: ما يتعلق بالتفريط في الصلاة، فإن المفرط فيها تعرض عليه أعماله في قبره، فأول ما يبدأ به صلاته فإن سلمت له لم يضره ما سواها، وإن لم تسلم له طويت كما يطوى الثوب الهدمل أي: الخلق البالي، فيلطم بها على وجهه وترد عليه، فلا ينفعه ما سواها، ولذلك فإن هذه الصلاة هي عمود الدين، وهي الصلة بين العبد وربه، وهي أهم أعمال الإنسان كما كتب عمر إلى عماله: إن أهم أموركم عند الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع وأضيع، فيحتاج الإنسان إلى المحافظة عليها غاية المحافظة، فالذي يستيقظ إذا حان وقت الذهاب إلى العمل، وقد نام عن صلاة الفجر ولم يشهدها مع الناس، فمعنى هذا: أن العمل الدنيوي أهم عنده من العمل الأخروي؛ إذ لو كان العمل الأخروي أهم عنده لاستيقظ على صلاة الفجر، فهي صلاة المنافقين وهي المشهودة، هي صلاة المنافقين التي لا يشهدونها، وهي المشهودة أي: يشهدها الملائكة، كما قال الله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[الإسراء:78].

    ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في سدف الليل إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، (بشر المشائين في سدف الليل)، أي: ظلمه: ( إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)، فهؤلاء ينورهم الله النور التام يوم القيامة، والنور التام يمشي فيه الإنسان خمسمائة عام أمامه، فالتفريط في الصلاة سبب لعذاب القبر؛ لأنه سترد عليه صلاته ويلطم بها على وجهه.

    عاقبة من ساء خلقه

    كذلك من أسباب عذاب القبر: إساءة الإنسان لعشرة عشيره، أي: إساءته إلى من جعل تحت يده من الناس، فعقوق الإنسان لوالديه، وإساءة المرأة إلى زوجها، وإساءة الرجل إلى امرأته، وإساءة الوالد إلى ولده، وإساءه الجار إلى جاره، كل ذلك تفريط في حق عشير الإنسان، والإساءة إلى العشير سبب من أسباب عذاب القبر، فإنه حينئذٍ يعرض عليه عمله مع جيرانه ومع ذويه، ولذلك إذا بعث هرب منهم جميعاً لما عرض عليه في القبر من الأذى بسبب التفريط فيهم: يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ[عبس:34-37].

    ومن ذلك: التطرق إلى أعراض الناس والكلام فيهم، سواء تعلق ذلك بأنسابهم أو بخلقتهم وذواتهم، فأكل غيبتهم ومرتع في أعراضهم سبب لعذاب القبر، والإنسان الراتع في أعراض الناس في هذه الحياة كالذي يأكل جثث الموتى بعد موتهم، فقد ضرب الله له المثل في ذلك فقال تعالى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ[الحجرات:12].

    والطعن في أنساب الناس أولوي بالنسبة لهذا، وهو من عمل الجاهلية، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه باقٍ في هذه الأمة، وصاحبه يسأل عنه في قبره، وهكذا التطلع إلى أحوالهم التي يكتمونها وتتبع زلاتهم، فكل ذلك من أسباب عذاب القبر.

    قصة المرأة التي كانت تهتك ستر الناس

    وقد ذكر لي عدد من العدول الثقات في عصرنا هذا: أن امرأة كانت جارةً للشيخ يحيى بن الدفال وكانت حاملةً لكتاب الله تعالى كانت تصوم النهار وتقوم الليل، ولها أخت لها نظيرتها في العبادة والتقوى بحسب الظاهر، فلما كان عام الشدة وهو عام الحرب العالمية عندما نقصت الملابس والمطاعم في هذه البلاد ماتت هذه المرأة، وكان ذلك في عصر يوم من الأيام، فخرج الشيخ يحيى ومن معه في جنازتها، فلما حفروا قبرها نزل رجل من أقاربها، وهو محرم لها من الرضاعة ليسويها في القبر فوقعت عمامته، وقد صر في طرفها نقوداً، فلما واروها بالتراب تذكر عمامته فطلب منهم إخراجها، فأعرض الشيخ عن ذلك، ولكن الرجل أصر على إخراج عمامته لما فيها من النقود، فلما حفروا تلقفتهم ألسنة اللهب من قبر تلك المرأة، فهربوا وتركوها وجاءوا إلى أهليهم، فلما كان من الليل جاء الشيخ يحيى إلى تلك المرأة فسألها عن اختها التي ماتت، قالت: أما إنها لصوامة قوامة تحفظ كتاب الله وتعلمه الناس، ولكنها كانت تتطلع إلى أسرار الناس وما فيهم من العيوب، فلم تذكر عيباً من العيوب ولا إثماً كانت تأتيه هذه المرأة إلا هذا الأمر وحده: أنها كانت تتطلع إلى أسرار الناس وعيوبهم، وتتقصى ذلك.

    إن عيوب الإنسان مستورة بستر الله سبحانه وتعالى، وإذا دخل فيه حيز الإيمان فإنه قد دخل في حيز عظيم، ولذلك ينبغي أن يستر المؤمن حتى لو رأيت منه عيباً ينبغي أن تستره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه).

    فلذلك ينبغي أن يكون الإنسان مسالماً للمسلمين بيده ولسانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه).

    طريق النجاة من عذاب القبر

    إن هذه الذنوب كلها وغيرها هي من أسباب عذاب القبر، وإن النجاة من هذا النوع من أنواع العذاب إنما تكون باجتناب أسبابه ثم بعد ذلك بالتوبة النصوح مما وقع فيه الإنسان من هذه الأسباب، فالإنسان عرضة للوقع في بعض ما ذكر، فعليه أن يكون من التائبين إلى الله تعالى المنيبين، كلما وقع في أمر استزله الشيطان إليه بادر إلى التوبة قبل أن يسخط الله عليه، والله سبحانه وتعالى يقبل توبة التائبين: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25]، وهو ( يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ).

    فلذلك على الإنسان إذا استزله الشيطان فوقع في بعض أسباب عذاب القبر وهو يعلم أنها تؤدي إلى أمر عظيم وخطر جسيم أن يتوب إلى الله وأن يبادر إليه قبل أن يفوت الأوان، وبالأخص إذا علم أن القبر الواحد يجتمع فيه من هو في غاية النعيم ومن هو في غاية العذاب، فتختلط عظامهما وذراتهما، فلا هذا يحس بشيء من نعيم هذا، ولا هذا يحس بشيء من عذاب هذا، كالرجلين يلبسان لحافاً واحداً فينامان، فيرى أحدهما رؤيا في غاية اللذة ويرى الآخر رؤيا في غاية فزع، فلا يحس هذا بشيء من لذة هذا، ولا هذا بشيء من فزع هذا.

    فإذا كان الإنسان كذلك فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يجتهد في ذلك في بقية حياته، ولهذا فإن زيارة القبور تزيد الإنسان ابتعاداً من أسباب عذاب القبر، فهي تذكره الآخرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها فإنها تذكركم الآخرة)، قال: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجراً )، والهجر: الكلام القبيح، والمقصود به: ما نهي عنه شرعاً، فكل منهي عنه شرعاً فهو داخل في الهجر.

    1.   

    أسباب نعيم القبر

    كذلك فإن نعيم القبر من أسبابه الإحسان، فالإنسان المحسن في الحياة الدنيا الموقن الذي هو على الحق ويدور معه حيث دار منعم في قبره؛ لأن الملائكة يقولون له: قد علمنا إن كنت لموقناً، قد علمنا إن كنت لموقناً أي: كنت صاحب يقين لست من المذبذبين أصحاب الشكوك والأوهام، فهذا سبب من أسباب نعيم القبر.

    الصدقة عن الميت سبب لنعيم القبر

    وكذلك من أسبابه: إحسان الإنسان إلى غيره، فإحسان الإنسان إلى الآخرين صدقةً، وغير ذلك مما هو سبب من أسباب نعيم القبر، ومثل ذلك الصدقة عن الميت بعد موته فإنها سبب لرفع العذاب عنه في قبره، وكذلك الصلاة عليه والدعاء له، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن هذه القبور مظلمة على أهلها، وإن الله ينورها عليهم بصلاتي ودعائي).

    والصدقة كذلك ترفع عنهم البلاء، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً أتاه فقال: إن أمي افتلتت نفسها وإني أرى أنها لو ماتت وهي تعقل لتصدقت أفأتصدق عنها؟ قال: (نعم تصدق عن أمك)، فتصدق عن أمه بحديقة من نخل فيها بئر في المدينة، فجعلها في الفقراء والمساكين وفي سبيل الله، فكان ذلك صدقةً عن تلك المرأة الميتة، وقد جاء الأمر بالصدقة عن الموتى، ففي ذلك تخفيف عنهم، ومثل ذلك الدعاء لهم والذكر عند قبورهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر على المعذبين أخذ سعفة من سعف النخل وهي خضراء فقسمها فغرز عند كل واحد منهما طرفاً منها، فقيل: ولمَ؟ قال: (إنه ليخفف عنهما ما لم تيبسا)، وذلك أن تلك السعفة تسبح، فتسبيحها صدقة تصدق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الميتين فيخفف عنهما ما لم تيبسا.

    ومثل ذلك كل صدقة واصلة، فإنه يخفف عن الميت بها، وقد ذكر ابن أبي الدنيا كثيراً من مرائي السلف الصالح فيما يتعلق بتخفيف عذاب القبر عن أهله بسبب الصدقات.

    قصة المرأة التي كانت تؤذي خادمها

    وقد أخبرني أحد العلماء من تلامذة الشيخ عبد العزيز بن باز وهو الشيخ عبد الرحمن الجلالي : أن أمه كانت تؤذي خادماً لها، ولم يكن هو يعلم بذلك فلما ماتت أمه وكان براً بها، جاءته امرأة صالحة وقت صلاة الفجر فطرقت عليه الباب، فقالت: يا عبد الرحمن رأيت أمك البارحة فذكرت لي أنها في حال حسن ولا تشكو شيئاً إلا فلانة فإنها كانت أخطأت عليها وأساءت إليها فتأمرك أن تجازيها عنها، قال: فذهب إلى تلك المرأة العجوز، فلاينتها حتى سألتها هل لها من حق على أمي، فقالت: أبداً، وأثنت عليها خيراً فعرفت أنها لم تصدقني فما زلت ألاينها وأسألها حتى ذكرت أنها أخطأت عليها يوماً وأساءت إليها، وأنها أدى بها ذلك إلى الغضب ووقع منها موقعاً، فانكمش قلبها عليها في تلك الساعة، قال: فسألتها ما يرضيك عليها فذكرت شيئاً من أمور الدنيا فضاعفه لها حتى رضيت.

    ثم بعد ذلك جاءت إليه تلك العجوز لا أذكر أنا هل كان في الصباح الموالي أو بعد يوم فهي لا تعرف أنه تصرف هذا التصرف، فجاءت فقالت: رأيت أمك البارحة في النوم، فأرسلت لي إليك برسالة: أي جزاك الله خيراً وأنك قد جازيت عنها غريمتها، وأن ما قدمته قد وصل إليها.

    فهذا الرجل وهو من الصالحين نحسبه والله حسيبه، ومن الصادقين، وقد حدثني بهذه القصة ثلاث مرات في ثلاث سنوات كلها في رمضان وهو صائم عند الكعبة، فهي من مضنة الصدق دائماً.

    وهذا النوع من حقوق الآدميين لا شك أنها تعرض على الإنسان في القبر ومجازاتها عنه في الحياة الدنيا أولى من المجازاة يوم القيامة، فالإنسان يقدم يوم القيامة ليس معه مال ولا عرض من أعراض الدنيا، فعليه أن يحاسب أهل الحقوق قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (تعافوا في الحدود فيما بينكم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم).

    وقد أمر الله بالإنفاق فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ[البقرة:254]، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ[البقرة:254]، أي: ليس الإنسان مفاوضاً معداً بأن يبايع ليس ليديه شيء يشتري به ولا شيء يبيعه: وَلا خُلَّةٌ[البقرة:254]، أي: ليس له صديق يدافع عنه: وَلا شَفَاعَةٌ[البقرة:254]، ليس له جاه ولا شفيع يشفع فيه، فكل ذلك سينقطع في ذلك اليوم.

    العفو عن الحقوق سبب للنعيم في القبر

    كذلك فإن من أسباب نعيم القبر: عفو ذوي الحقوق عنها، حتى لو كان ذلك صدقةً منهم، وهم مطلوبون أن يتصدقوا على الأموات بعفو الحقوق التي لهم، فإذا عفا صاحب الحق عن حقه، فإن الله سبحانه وتعالى يرفع العقوبة عن ذلك الميت حين عفي له عن ذلك الحق، وحقوق العباد هي من الذنوب التي لا تترك، فالذنوب ثلاثة أقسام: ذنب لا يغفر وهو الشرك بالله، وذنب لا يترك وهو حقوق العباد، وذنب في المشيئة إن شاء الله عذبه به، وإن شاء عفا عنه وهي حقوق الله المتمحضة، فالله تعالى غني عن حقوقه والعباد فقراء إلى حقوقهم، وهذه الذنوب الثلاثة ذكر الله لها ثلاثة أمثلة في آية واحدة فقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ[الفرقان:68]، وهذا الذنب هو الذي لا يغفر وهو الشرك بالله، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ[الفرقان:68]، وهذا الذنب هو الذي لا يترك وهو حقوق العباد، وَلا يَزْنُونَ[الفرقان:68]، وهذا الذنب هو حق الله المتمحض وهو في المشيئة إن شاء الله عذب به وإن شاء عفا عنه.

    فحقوق العباد إذاً، إذا عفوها فذلك مخفف عن الإنسان ورافع لهذه العقوبة عنه.

    عذاب القبر مكفر للذنوب

    ثم إن عذاب القبر أيضاً هو من مكفرات الذنوب؛ لأن الإنسان إذا عوقب بذنب من الذنوب بعذاب القبر يبعث يوم القيامة وقد نال عقوبته التي يستحقها، فتكفر عنه ذلك السيء الذي كان قد اقترفه، عائذاً بالله من ذلك كله.

    كذلك فإن معرفة الإنسان بأحوال القبور وأهلها ودراسته لهدي السلف في ذلك وما يتعلق به، كل هذه الأمور تزيده عملاً لإنقاذ نفسه من عذاب القبر والنجاة من تلك الأهوال التي ينتظرها الإنسان، فالعلماء قد ألفوا كتباً في أحوال أهل القبور، من قرأ فيها كان ذلك مدعاة منه لأن يحرص على أن يكون من الناجين من عذاب القبر، فلذلك ينصح طلبة العلم بالمراجعة في هذه الكتب ككتاب الأهوال لـابن أبي الدنيا ، وكتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي ، وغير ذلك من الكتب التي ألفت في هذا الباب ككتب الرقائق عموماً.

    1.   

    كرامات الأنبياء والشهداء في القبور

    ثم إن من نعيم القبر كذلك: نجاة الإنسان من التعفن فيه ونجاته من أن تأكل لحمه أو عظامه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء).

    كرامة شهداء أحد

    وكذلك فإن من الشهداء من لا تأكلهم الأرض، وقد أخرج معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ستة عشر من شهداء أحد عندما حفر ليأتي بالماء الذي كان يجتمع في المهراس في جبل أحد ليأتي به إلى المدينة، فمر الحفير بشهداء أحد فاستخرج منهم ستة عشر من الأنصار، قال جابر بن عبد الله : كنت في المسجد فقيل: إن أباك قد أخرج فخرجت أشتد عدواً إليه، فوجدته وقد أخرج فكشفت عن وجهه، فلم أرى أي تغير فيه إلا شعرات كن على شامة في لحيته فكن أطول منها فصرنَ على قدر لحيته.

    وذكر أن عدداً من الذين أخرجوا كانوا يضعون أيديهم على جراحهم، فإذا رفعت الأيدي عن الجراح سال منها الدم وإذا أعيدت سكن الدم، وقد حدثني الشيخ محمد محمود الصواف رحمة الله عليه: أنه كان في المدينة في فترة مضت فجاء سيل عظيم فأخرج أربعة من الشهداء من شهداء أحد، وكان هو من الذين تولوا دفنهم وهؤلاء الأربعة هم من شهداء المهاجرين وقد عرفهم، قال: عرفنا حمزة بن عبد المطلب بتمام خلقته وطوله وضخامته، وعرفنا مصعب بن عمير بحسنه وبهائه، قد كان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ما رأيت رجلاً أحسن منه قط، وعرفنا عبد الله بن جحش بأنه مجدع الأنف والأذنين، قد قطعت أذناه وأنفه في سبيل الله، وعرفنا شماس بن عثمان بحسب المذكور؛ لأنه دفن حولهم، وكان شاباً صغيراً، قال: ليس في وجهه شعر، ما زال صغيراً جداً ليس في وجهه شيء من الشعر، فأعادوا دفنهم وهم الآن متميزون لا يعرف قبر أحد غير الستة عشر الذين أخرجهم معاوية وهم في حائط في غرب الشهداء، أو قبرين كبيرين لهؤلاء الأربعة من المهاجرين الذين دفنوا بعد أن أخرجهم السيل.

    كرامة نبي الله أرمياء بحفظ جسده

    وقد حصل نظير هذا كثيراً في كثير من العصور، ففي أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه افتتح المسلمون بلداً من بلاد الموصل فوجدوا فيه عند كنيسة من كنائس النصارى جثة نبي الله أرمياء على هيئته، وكان النصارى يستسقون به إذا جاء القحط وأخرجوا وجهه فيسقون به، تعودوا على ذلك فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري أن يحفر ثلاثة عشر قبراً في النهار في تلك المدينة فإذا كان الليل دفنه في أحد هذه القبور ودفنها جميعاً حتى لا يعرف في أيها قبره، ففعل ذلك أبو موسى صيانةً لجسد هذا النبي عليه السلام، وأيضاً منعاً للناس من مظاهر الشرك ونحو ذلك.

    كرامة النفس الزكية

    وكذلك ففي عصرنا هذا قد أخرج محمد النفس الزكية وهو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وقد قتل بالمدينة في أيام مالك بن أنس ، وقطع رأسه وحمل إلى العراق، ودفنت جثته عن ثنية الوداع الشمالية، وعند ما أقيم هذا الشارع الذي يسمى بشارع سيد الشهداء مر على قبره فاستخرجت جثته ولم تتغير يعرق، كأنه يوم دفن لا ينقصه إلا رأسه، قد نقل فدفن بالبقيع.

    قصة جثث الجبيلة في الرياض وكرامتهم

    وكذلك أخبرني بعض المشايخ بالرياض وهو من أهل العلم والصلاح أحسبه والله حسيبه: أنه دعي قبل عامين إلى جثث الذين أخرجوا في منطقة تسمى الجبيلة حول الرياض، وهي في مكان اليمامة، وقد كانت الآلات تسوي الأرض فأخرجت خمسة أجساد لرجال طوال كبار أقوياء الأجسام لم يتأثروا ولم يتغير شيء من أمورهم، وفي إخراج الآلات لهم جرح أحدهم فخرج منه دم يسير، فأعادوا دفنهم وحرمت تلك المنطقة، حرم النبش فيها فيما بعد، هي منطقة من مناطق الشهداء.

    وهكذا في بلادنا هذه كثيراً ما يحصل هذا، فتسفي السوافي عن أصحاب القبور فيخرجون وأجسادهم كاملة، وبعضهم أيضاً كفنه لا يتآكل، فأعرف رجلاً بعد تسع سنوات هو سيدي محمد السيديا رحمة الله عليه بعد تسع سنوات من دفنه سفت السوافي عنه فبقي كأنه وضع في ذلك المكان في كفنه لم يتأثر، بعد تسع سنوات.

    فهذا كله من نعيم القبر ودليل على خير لصاحبه، فعلينا إخواني جميعاً أن نعلم أن هذا المورد والطريق الذي أمامنا ونحن واردون إليه لا محالة، وهو بهذا الحال إما أن يكون روضة من رياض الجنة، وإما أن يكون حفرة من حفر النار، وأن نعلم أن من كان من أهل الإيمان والتقوى والإخلاص، فإن الله تعالى سينجيه من عذاب القبر ومن عذاب النار، ومن كان من أهل الريب والنفاق، فهو عرضة لعذاب القبر نسأل الله السلامة والعافية، وأن كثيراً من أهل الإيمان يعذبون في قبورهم بمعاصيهم أيضاً، فإذا كان الحال كذلك فعلينا أن نجتهد في النجاة من عذاب القبر، وأن نجتهد في الابتعاد من أساب عذاب القبر، وأن نحرص على ما ينال به نعيم القبر من الأعمال الصالحة والقربات الفاضلة.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وأن يجعلنا أجمعين في قرة عين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا التمسك بسنته عند فساد أمته، وأن يجعلنا أجمعين هداة مهديين، غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765744545