إسلام ويب

الإيمان وأثره في الحياةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الله الإيمان سبباً لدخول الجنة، ولا يكون ذلك حتى تتحقق آثاره على أصحابه كي يؤهلهم لهذه المنزلة العظيمة، وللإيمان أثر كبير في الفرد والمجتمع في كل نواحي الحياة، ومن آثاره على الفرد، آثار روحية تتسم بحسن الصلة بالله، والثبات في المواقف والشجاعة والعزيمة والعزة المتناهية، وكذا آثاره في المال، حيث يعود المؤمن على البذل والتضحية بكل شيء.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله شرط لدخول الجنة الإيمان، فلا يمكن أن ينجو أحد من النار ولا أن يلج الجنة إلا إذا آمن، والإيمان هو ما أرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم، من الأقوال والأعمال والاعتقادات، وقد طبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وفي حياة من رباهم، فجاءت نتائجه باهرة، فحققت مصالح الناس في هذه الدنيا قبل الآخرة.

    وموضوعنا الآن أحد جوانب هذا الإيمان، وهو آثاره المترتبة عليه.

    لا شك أن هذا الإيمان الذي يغير حياة الناس، ويغير عقلياتهم وتوجهاتهم، لا بد أن يكون مؤثراً في هذه الحياة، وتاركاً للمساته في جميعها، وذلك أن محله بشاشة القلوب، فإذا خالط بشاشة القلوب أثر هذا الأثر البالغ في الجوارح، وفي العقليات، والأخلاق، وغير ذلك.

    فمن هذه الآثار: آثار روحية، ومنها آثار بدنية، ومنها آثار مالية، ومنها آثار خلقية.

    الصلة بالله تعالى

    فأما الآثار الروحية: فمنها أن الإيمان يؤدي بصاحبه إلى الصلة بالله تعالى، والترفع عما سواه، وإن القلب إذا اشتغل بالله سبحانه وتعالى، وتوجه إليه، علم أن الله أكبر، وإذا آمن الشخص بهذه الكلمة المختصرة: الله أكبر! التي يفتتح بها صلاته ومناجاته لله، وحققها في حياته، علم أن هذا الجلال العظيم، وهذه الكبرياء التي هي رداء الله تعالى، لا يمكن أن تجتمع في هذا القلب الصغير مع العبودية لمن سواه، فهذه بداية التحرر من الأغيار، وهؤلاء الأغيار متعددون، فمن الناس من يعبد الأصنام من دون الله، ومنهم من يعبد هواه، ومنهم من يعبد مصالحه الآنية المؤقتة، ومنهم من يعبد الرأي العام وما يتحدث الناس فيه، ومنهم من يعبد الشهرة والظهور، ومنهم من يعبد المال، فإذا حقق الشخص معنى الإيمان بالله تعالى تحرر من كل هذه العبوديات، فكان حراً في نفسه عبداً لله خالصاً.

    وهذه العبودية هي أشرف وصف يتصف به ابن آدم ، ولذلك لاحظوا أن الله تعالى عندما أراد الثناء على محمد صلى الله عليه وسلم، اختار له هذه العبارة، فقال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى [الإسراء:1]، لم يقل برسوله ولا بنبيه ولا بخليله، مع أن هذه الأوصاف من أوصاف المدح لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الله اختار له وصفاً أسمى منها، وهو العبودية المحضة لله، فمحمد صلى الله عليه وسلم بإيمانه بالله، وهو أول من آمن من هذه الأمة، كما قال الله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:285]، فهو مقدمة المؤمنين وأولهم، ولذلك يسيرون على طريقه، كما قال تعالى مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

    فالرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من آمن، فكان هذا الإيمان مقتضى منه لأن يتحرر من كل هذه العبوديات للأغيار، فمن ذلك تحرره من العبودية لهواه، فكان المرء الذي هو حديث عهد بجاهلية، والذي يعيش بين ظهراني الناس وما هم فيه من التفاخر وحب الملك ونحو ذلك، عندما يتحرر من كل هذه الأمور، يجد قوةً في شخصيته عجيبة، فحين عرض عليه قريش أن يملكوه، وأن يكف عن سب آلهتهم، وعرض عليه ذلك عمه أبو طالب الذي كان يؤويه وينافح عنه، فروي أنه أجابه بقوله: ( يا عم! لو جعلوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أتراجع قدر أنملة عما أرسلني الله به، لن أتراجع ). وسواء ثبت هذا الحديث أو لم يثبت، فهكذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت حياته كلها، فخرج من عز بني هاشم في مكة مهاجراً إلى الله تعالى، وخرج من ماله وداره، وخرج من أهله وأقاربه، كل ذلك لإعلاء كلمة الله تعالى، وللتخلص من العبودية للأغيار، لم يتقيد بسلطان المجتمع الذي يفرض عليه كثيراً من الضرائب الاجتماعية، ولم يتقيد بالموروث الذي كان سائداً بمكة، ولم يتقيد بالعادات الاجتماعية التي كانت مألوفة في جزيرة العرب، تخلص من كل هذه الأمور، واستطاع أن يكون عبداً لله تعالى، ولذلك أثنى عليه بهذا: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء:1].

    ثم تحققت هذه الحرية أيضاً للذين رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فنجد أثر هذا الإيمان في حريتهم بالغاً جداً، فالمؤمن عندما يقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم راغباً في الإسلام، يبايعه على نصرة دين الله تعالى، معنى ذلك أنه يتخلص من كل ما فيه، وينبذ كل هذه السلاطين والعبوديات التي كانت سائدةً في المجتمع، يتخلص من سلطان القبيلة، ومن سلطان الجاه والمال وحظوظ النفوس والأهواء، والعادات، وكل هذه الأمور ينبذها وراء ظهره، ويتخلص منها، ولذلك لا يمكن أن يجتمع سلطان الإيمان في قلب عبد وسلطان هذه العبوديات، فالذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بيعتهم واضحة جداً في نبذهم لكل ما كانوا عليه.

    ولهذا لاحظ أعداؤه من المشركين أنه إنما يدعوهم إلى التخلص مما كانوا عليه، وعندما جادلوه بما كان أعداء الرسل يجادلونهم به، من أن هذا الذي يدعوهم إلى تركه هو ما أدركوا عليه آباءهم، إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [الزخرف:22]، فكانوا جميعاً يعرضون هذه الشبهة على الرسل، ومهمة الرسل هنا هي تخليصهم من أسر هذه العبودية لغير الله.

    الشجاعة وقوة الشخصية

    ثم أن الأثر الثاني من الآثار النفسية لهذا الإيمان: هو الشجاعة، وقوة الشخصية، فإن الإنسان بطبعه جبان، صاحب هلع وطمع، ولكنه عندما يؤمن ويصلي فسيزول عنه هذا، إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا المُصَلِّينَ [المعارج:19-22]، فالمصلون هم المؤمنون، وهم الذين يعلمون أنه لا يمكن أن يصيبهم إلا ما كتب الله عليهم، ولا يمكن أن يصلهم إلا ما كتب الله لهم، وبذلك يجدون هذا الأثر البالغ للإيمان في نفوسهم، فلا يتأخرون خوفاً، ولا يتقدمون طمعاً، بل يدركون أنه قد رفعت الأقلام، وجفت الصحف عما هو كائن إلى يوم القيامة، وأن الأسباب لا تؤخر شيئاً من قدر الله ولا تعجله، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء خروجه من بيته: ( بسم الله على نفسي وأهلي ومالي وديني، بسم الله على كل شيء أعطانيه ربي، اللهم رضني بقضائك وبارك لي فيما قدر لي، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518933

    عدد مرات الحفظ

    777082886