إسلام ويب

إن ربك لبالمرصادللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله الإنسان لعبادته، وجعل عليه رقابات كثيرة لإحصاء أقواله وأفعاله، فيجازى عليها يوم القيامة؛ فأولها رقابة الله ثم الملائكة والأنبياء والمؤمنين، ورقابته على نفسه، ومع كل هذا يتعرض الإنسان للغفلة عما هو قادم إليه من موت وقبر وحشر وعرض على الله، وهذا كله فيه دعوة للتوبة والمراجعة قبل فوات الأوان.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى خلقنا وهو غني عنا، وقد بين أنه خلقنا لحكمتين عظيمتين؛ إحداهما مختصة بهذا الجنس البشري والأخرى مشتركة بين الإنس والجن.

    أما التي نختص بها فهي الاستخلاف في هذه الأرض؛ فقد قال الله لملائكته: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً[البقرة:30]، والاستخلاف يقتضي العدالة فيها والسعي لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه والتمكين لهذا الدين في الأرض.

    والمهمة الثانية المشتركة بين الإنس والجن هي تحقيق عبادة الله، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ[الذاريات:56-58]، وكل جهاز عرفت حكمة خلقه وصنعته فقيمته تابعة لذلك؛ فجهاز التسجيل صنع من أجل التسجيل، فإذا فقدت منه هذه الحكمة لم يشتره أحد ولم يكن له ثمن، والساعة صنعت من أجل معرفة الوقت، فإذا فقدت منها هذه الحكمة لم يكن لها قيمة ولم يشترها أحد، والإنسان إذاً خلق لهذه المهمة فإذا لم يؤدها لم تكن له قيمة، بل كان كالبهائم والأنعام، بل هو شر منها؛ لأن الحجة القائمة على الإنسان أكبر من الحجة القائمة على الحيوان؛ فالإنسان بين نوعين من أنواع الخلائق:

    نوع أسمى منه وأشرف وهو الملائكة، محضهم الله لطاعته وعبادته، فهم: عباد مكرمون، لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم:6]، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ[الأنبياء:20].

    والصنف الثاني أدنى منه وهو الحيوان؛ فقد سلط الله عليه الشهوات ولم يمتحنه بالتكاليف، والملائكة كلفهم الله بالتكاليف ولم يمتحنهم بالشهوات، والإنسان جمع الله له بين الخاصيتين؛ فهو مكلف بتكاليف ممتحن بالشهوات؛ فإذا أدى التكاليف ولم يتبع الشهوات التحق بالصنف الأسمى وهو الملائكة، وإذا ضيع التكاليف فاتبع الشهوات التحق بالصنف الأدنى وهو البهائم، بل يكون أدنى منها لقول الله تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا[الفرقان:44]، وقال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَهمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ[الأعراف:175-177]، وقال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ[الجمعة:5]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[البينة:6]، شر البرية أي: هم شر ما خلق الله؛ فهم شر من الكلاب الذين ضرب بهم المثل أولاً، ومن الحمير الذين ضرب بهم المثل ثانياً، بل هم شر الخلائق جميعاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088478682

    عدد مرات الحفظ

    776927511