إسلام ويب

متن ابن عاشر [9]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصلاة عبادة مخصوصة ذات شروط وفرائض، فمن شروط وجوبها: الإسلام والبلوغ والعقل وبلوغ الدعوة والتمكن من أدائها، ومن فرائضها: تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع والرفع منه، والسجود والرفع منه، والسلام والجلوس له، والاعتدال والاطمئنان.

    1.   

    المراد بالصلاة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

    فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الصلاة].

    الكتاب في الأصل فعال للآلة من (كتب الشيء) إذا خاطه، فهو من الكتابة بمعنى الخياطة، ولما كانت الصحف التي يرسم عليها الخط تخاط عادة لتجمع سميت تلك الصحف كتابة، وسمي العمل الذي هو الرسم كتابة، ومن ذلك قول الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ المُبْطِلُونَ[العنكبوت:48]، ومنه قول الشاعر:

    تخطه من بوادي المصر كاتبة قد طال ما ضربت باللام والألف

    الصلاة في اللغة

    والصلاة في اللغة تطلق على الدعاء، ومن ذلك قول الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهمْ[التوبة:103]، أي: ادع لهم.

    وتطلق على العبادة مطلقاً؛ فيقال: (صلى) بمعنى (عبد)، ومن ذلك قول الله تعالى: فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ[آل عمران:39]، أي: يتعبد؛ لأن لهم عبادة مخصوصة ليس مثل عبادتنا، وهو زكريا عليه السلام.

    وتطلق الصلاة على الدين مطلقاً؛ ومن ذلك قول الله تعالى: قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا[هود:87]، معناه: أدينك يأمرك بذلك.

    وتطلق على البركة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم صل على آل أبي أوفى )، أي: بارك، ومنه قول الشاعر:

    صل على عزة الرحمن وابنتها ليلى وصل على جاراتها الأخر

    هن الحرائر لا ربات أحمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور

    وتطلق الصلاة على الرحمة، ومن ذلك قول الله تعالى: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56]، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي الرحمة المقرونة بتبجيل.

    ما يدخل ويخرج في اسم الصلاة

    وقد اختلف في اشتقاق الصلاة في الاصطلاح؛ لأن الصلاة في الاصطلاح هي العبادة المخصوصة، أو هي قربة ذات إحرام وسلام أو سجود فقط؛ فقربة هذا الجنس يشمل كل القرب، وقولنا: (ذات إحرام) أي: دخول في حريمها، وهذا مدخل للصلاة ومدخل للحج؛ فكلاهما في إحرام، ومدخل للعمرة ففيها إحرام أيضاً، ولكن قولنا: (وسلام) مخرج للحج والعمرة ومدخل للصلاة، فغير الصلاة من القرب ليس لها سلام، والسلام هو الخروج من حريم الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تحريمها التكبير، وتحليلها السلام ).

    قولنا: (أو سجود فقط) إنما أضيفت هذه الزيادة إلى التعريف ليدخل سجود التلاوة وسجود الشجر وسجود الزلزلة، وقد اختلف أهل العلم فيها هل هي صلاة أم لا؟ فالذين يرون أنها صلاة أرادوا إدخالها في التعريف، وهم يشترطون لها الاستقبال والطهرين وستر العورة، أي: يشترطون لها شروط الصلاة، والذين لا يرون دخولها لا يشترطون لها ذلك؛ فيرون أنه بالإمكان أن يسجد الإنسان إلى غير القبلة، وأن يسجد من غير طهارة وهكذا، وقد روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.

    ومنهم من يفرق بين سجود التلاوة وغيره فيرى أن سجود الشكر وسجود الزلزلة إنما هو خضوع لله جل جلاله؛ فيمكن أن يقع إلى أية جهة، فإذا كان الإنسان في اتجاه معين وحصلت زلزلة أو آية أو حدث بنعمة فإنه يخر ساجداً شكراً لله سبحانه وتعالى كما هو على الوجه الذي هو عليه، وذلك تواضع لله.

    واختلف في دخول الصلاة على الجنائز في الصلاة؛ فذهب الجمهور إلى أنها صلاة؛ لأن فيها إحراماً وسلاماً، وذهب الحنفية إلى أنها ليست صلاة؛ لأنها ليس فيها ركوع ولا سجود؛ ولذلك يرى الحنفية أنها دعاء، فيمكن أن تقام أيضاً من غير طهارة وإلى غير القبلة؛ لأنها ليست صلاة، وبما أنه ثبت في النصوص إطلاق لفظ الصلاة عليها والأصل الحقيقة لا المجاز فالأصل أنها صلاة، ولكن مع ذلك تختلف أحكامها عن أحكام الصلاة؛ فلو سها فيها فسلم عن ثلاث تكبيرات مثلاً لا يلزمه سجود السهو؛ لأنها في الأصل لا سجود فيها، ولا يمكن أن يسجد فيها؛ لأن السجود الواجب أصلاً في الصلاة ليس فيها؛ فلذلك يأتي بتكبيرة أخرى ثم يسلم دون سجود.

    اشتقاق اسم الصلاة

    واختلف في اشتقاق الصلاة؛ فذهب بعضهم إلى أنها مشتقة من (الصلا) وهو عرق في ظاهر الفخذ، ينحني عند الركوع والسجود، وينتصب في القيام والجلوس، ومنه قول الشاعر:

    حذاني بعدما خذمت نعالي دبية إنه نعم الخليل

    مقابلتين من صلوي مشب من الثيران وصلهما جميل

    (مقابلتين) أي: نعلين مقابلتين من ناحية الحجم.

    وقيل: اشتقت الصلاة من التصلية، وهي تسخين العود ليستقيم، فالعود إذا كان أعوج يسخن على النار ليقوم، وكذلك الإنسان فالصلاة تقوم بتقويمه؛ لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ كما قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ[العنكبوت:45].

    وأهل العلم ذكروا ستة أوجه من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر:

    الوجه الأول: ما فيها من القرآن، ففيه الزجر عن الفحشاء والمنكر، والقرآن يقرأ فيها.

    الوجه الثاني: ما فيها من السجود لله والخضوع له بما يقتضي الرضا بحكمه، وهو يقتضي امتناعاً عن مخالفته، كما قال الحكيم:

    تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا محال في القياس شنيع

    لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع

    الوجه الثالث: ما فيها من الجماعة؛ لأن اجتماع الناس مؤذن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح؛ والإنسان إذا كان مع إخوانه في الصف إذا خالف الشرع فإنه إذا كان ذلك عن جهل علموه، وإذا كان عن غفلة ذكروه، وإذا كان عن معصية أدبوه، وذلك من تغيير المنكر الذي يلزم.

    الوجه الرابع: أن الصلاة فيها تكفير للخطايا والسيئات؛ كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ألا أخبركم بما يكفر الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط.. فذلكم الرباط.. فذلكم الرباط )، وهذا الحديث يقتضي أن الصلاة تكفر السيئات؛ فالخطا إليها قبل الوصول مكفرة، ووضوءها كذلك مكفر لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر: ( أن العبد إذا غسل وجهه خرجت خطايا وجهه حتى تخرج من أشفار عينيه وحتى تخرج من أنفه، وإذا غسل يديه خرجت خطايا يديه حتى تخرج من تحت أظافره )، وكذلك الحديث الآخر الذي فيه: ( إن العبد إذا توضأ فأحسن الوضوء تساقطت خطايا مع الماء أو مع آخر قطر الماء )، والحديثان يدلان على تكفير الذنوب والسيئات بالوضوء.

    وكذلك فإن المذكورات الأخرى مثل انتظار الصلاة بعد الصلاة وإسباغ الوضوء على المكاره وغيرها كلها من المكفرات التي تكفر الذنوب، وتكفير الذنوب هو تخفيف منها مما يقتضي اندفاعاً وانطلاقاً في الحسنات، وذلك زاجر عن السيئات؛ لأن الإنسان إذا كان يشكو مرضاً وعرف سببه، وعرف أن هذا المرض مثلاً يزيده عليه أكل معين أو فعل معين فسيتركه لا محالة، وكذلك من كان مبتلىً ومكبلاً بالذنوب فإذا امتن الله عليه بالمغفرة فوجد خفة ووجد نوراً في قلبه واستقامة في جوارحه فإنه سيحرص على الاستمرار على الاستقامة، ويكره العود إلى الذنوب؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح: ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب العبد لا يحبه إلا لله، ومن كره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار )، فالمؤمن يكره أن يعود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، والمعاصي هي من عمل الكفر ومن عمل الجاهلية، فالفواحش كلها من عمل الكفر ومن عمل الجاهلية؛ ولذلك اجتنابها هو من الإيمان.

    الوجه الخامس من أوجه نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر: الحياء من الله سبحانه وتعالى الذي يزداد بالصلاة؛ فالإنسان في خشوعه لله سبحانه وتعالى كأنما يعاهده على ألا يعصيه؛ فهو يستحيي منه حين يعثر له أشرف ما فيه، وهما وجهه وكفاه بين يديه، وذلك يقتضي منه أن يخاف معصيته.

    الوجه السادس: أن الإنسان إذا كان في جماعة المسجد فإنما يحبس نفسه عن المعصية، فدواعي المعصية منها الشيطان، وهو يجتنب المصلي؛ لأنه إذا أذن المؤذن أدبر، فإذا سكت أقبل، فإذا أقيمت الصلاة أدبر، وهكذا، ويغتم للصلاة غماً شديداً؛ لأنه إذا سجد ابن آدم يقول الشيطان: (يا ويلتاه! أمرت بالسجود فلم أسجد، وأمر ابن آدم بالسجود فسجد)، فلذلك يغتم الشيطان كثيراً للصلاة، ففي الصلاة تضييق عليه وقطع للباب عليه، وإن كان عمله مستمراً في الصلاة فوسواسه يبقى مع المصلين وسعيه للذهاب بهم باق.

    وشيطان الصلاة المكلف بها يسمى خنزب، والخاء والزاي مثلثان، يقال فيه: (خنزَب) و(خنزِب) و(خُنزب) وهكذا بتثليث الوترين، أي: الحرف الأول والحرف الثالث، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه: ( أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقلت: يا رسول الله! إن الشيطان كاد يفتنني عن صلاتي وقراءتي، فقال: ذلك شيطان اسمه خنزب، إذا وجدت ذلك فانفث عن يسارك ثلاثاً وقل: أعوذ بالله من خنزب ). وهذا الشيطان باقي مع المصلي في صلاته، ولا شك أن صلاة المصلي في الجماعة مما يقلل فرصه في التأثير على الإنسان، وبالأخص إذا عرفنا أن روح الصلاة هو الخشوع، وأن الإنسان إذا كان في جماعة فصلاتهم كتلة واحدة وعبادة واحدة؛ ولذلك جاء أن الصلاة ترفع على أتقى قلب رجل في الجماعة، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما زاد فهو أزكى عند الله )، فإذا سها هذا انتبه جاره، وإذا سها هذا انتبه الآخر، وهكذا؛ فلا تخلو الصلاة من وقت فيه انتباه، وكلما ازداد العدد ازدادت فرص الانتباه وعدم الذهول في الصلاة، أما إذا كان الإنسان وحده فكثيراً ما يسهو ويغفل في أركان شتى من الصلاة، ولذلك فإن من السنة للإمام أن يرفع صوته للتكبير تنبيهاً للمصلين على الرجوع إلى الصلاة؛ لأن المصلي إذا وقف في الصف وكبر فهو حاضر البال في وقت تكبيره؛ لأنه ينوي الدخول في الصلاة، لكن كثيراً ما يسهو في وقت قراءته أو في وقت استماعه للقراءة؛ فيذهب الشيطان بعقله، فإذا سمع تكبير الإمام للركوع: الله أكبر، هذا مقتضٍ ألا يقبل إلا على الله؛ لأنه وحده الذي يقتضي ويستحق الإقبال عليه، وهكذا في الرفع من الركوع وهكذا في السجود، وهكذا في جميع أركان الصلاة يرفع الإمام صوته بالتكبير؛ ليرد الساهي والغافل إلى الصلاة. فهذه الأوجه تقتضي أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

    والوجه الثالث في اشتقاقها أنها مشتقة من (المصلي) وهو ثاني حلبة السباق؛ فالعرب كانوا يسابقون بين الخيل، فالسابق منها يسمى بـ(المجلي) والثاني يسمى بـ(المصلي) وهكذا؛ وذلك أن الصلاة هي ثانية الدعائم بعد الشهادتين، فالمجلي في أركان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والمصلي في الدعائم الصلاة؛ ولذلك سميت صلاة من المصلي.

    والوجه الرابع في اشتقاقها أنها مشتقة من الصلة؛ لأنها صلة بين العبد وربه؛ (فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)، فهذه هي أوجه اشتقاقها.

    والكلام في الصلاة منه كلام في شروطها وكلام في أركانها، وكلام في سننها وكلام في مندوباتها، وكلام في مكروهاتها وكلام في مبطلاتها، وكلام في ترقيعها، وكلام في أقسامها بين الفرض والنفل، وأقسام لكل واحد منهما، فهذه هي أبحاث الصلاة، وقد بدأ المؤلف رحمه الله بفرائض الصلاة، وقد سبق تعريف الفرائض؛ فقال:

    [فرائض الصلاة ست عشرة شروطها أربعة مقتفرة ]

    هنا يقول: إن فرائض الصلاة على مقتضى المذهب المالكي ست عشرة فريضة، وحذف التاء لضرورة الوزن، أو ست عشرة فريضة إذا كان من باب التأنيث.

    1.   

    شروط الصلاة

    قوله: (شروطها أربعة) والمقصود بشروطها هنا شروط الصحة لا شروط الوجوب؛ فالصلاة لها شروط وجوب وشروط صحة.

    تعريف الشرط

    الشرط بالإسكان في الأصل هو العلامة، ومنه اشتقاق الشرطة؛ لأنه توضع عليهم علامة، والشرَط بالتحريك يطلق على العلامة، ويطلق الشرْط بالإسكان على الربط فيقال: شرط الشيء بكذا إذا ربطه به، ومنه الشرط في الاصطلاح فهو ربط شيء بشيء، كقولك: إن فعلت كذا فعلي كذا، أو إن قام زيد قام عمرو، فهذا ربط بين فعل الشرط وفعل الجواب.

    والشرط في الاصطلاح هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، وهذا تعريف القرافي له.

    وسبق الكلام على تعريف الصلاة، وقلنا: هي قربة فعلية، و(فعلية) المقصود بها أنها مما يفعله المكلف بخلاف القرب التركية، فالصلاة قربة فعلية، وهذا يشمل الأفعال القلبية والأفعال الحسية والأفعال اللسانية؛ فكلها فعل، ومن اعتد كلامه من عمله قل كلامه فيما لا يعنيه.

    إذاً أقوال وأفعال الجسم وأفعال القلب كلها أفعال.

    والقربة إما أن تكون فعلية، وإما أن تكون تركية؛ فالقربة تركية كالصيام؛ فهو ترك لتناول شهوتي البطن والفرج أو ما يقوم مقامهما، والصلاة قربة فعلية، ذات إحرام وسلام وسجود فقط كما ذكرنا.

    شروط وجوب الصلاة

    (شروطها أربعة) يقصد شروط الصحة لا شروط الوجوب.

    أما شروط الوجوب فمنها: الإسلام، على الراجح لدى المالكية، ولهم قولان في هذه المسألة: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ فذهب بعضهم إلى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وفائدة ذلك أن يزيد عقابهم؛ لأنهم يعاقبون على كل مخالفة خالفوا فيها الشرع، ودليل هذا القول قول الله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ[المدثر:42-45]، أي: نكذب، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ[المدثر:46-47]، فظاهر هذه الآية أنهم يعذبون على ترك هذه الفرائض وعلى فعل هذه المحرمات.

    والقول بعدم تكليفهم بفروع الشريعة يستدل أصحابه بأنهم لو كلفوا بها وهي لا تقبل منهم لكان ذلك جوراً عليهم، والتكليف لا يكون إلا بما يطاق، فالشرع حكم ببطلانها منهم؛ فمن لم يؤمن بالله لا تنفعه صلاة ولا صيام ولا حج ولا غير ذلك، بل يحال بينه وبين الحج ويمنع منه؛ كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا[التوبة:28]، فكيف يكون مكلفاً به وهو يمنع منه؟!

    ويحملون الآية على أن المعنى أنهم لم يكونوا من المسلمين؛ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ[المدثر:43]، أي: لم نكن من المسلمين الذين يفعلون ذلك، ولذلك عدوا بعض أفعال الكفر: وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ[المدثر:45-46]، وهذه أفعال المشركين.

    الشرط الثاني من شروط الوجوب: البلوغ، فالصبي قبل بلوغه لا تجب عليه الصلاة ولا غيرها، وإن كان مخاطباً بها على وجه الندب؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع )، والراجح لدى الأصوليين أن الأمر بالأمر بالشيء أمر به؛ ولذلك قال ابن العربي رحمه الله: (الصواب أن الصبي والولي مأموران مأجوران)، فالصبي والولي كلاهما مأمور مأجور، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما مر بفج الروحاء استقبله ركب فقال: من أنتم؟ فقالوا: المسلمون، فقالوا: ومن أنت؟ فقال: رسول الله، فرفعت إليه امرأة صبياً في خرقة فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر )، فقوله: (نعم) إثبات لحج الصبي، وقوله: (ولك أجر) هذا عطف، والعطف يقتضي المغايرة؛ فمعناه أن لها أجراً آخر غير أجر الصبي؛ وهذا يقتضي أن لكل واحد منهما أجر، فـ(نعم) جواب لما قبلها، وهو إثبات لما سئل عنه وقد سئل: (ألهذا حج؟) وإذا كان له حج فله أجره لا محالة؛ لأن الله لا يظلم الناس شيئاً، (ولك أجر) هذا عطف، وهو يقتضي المغايرة، فإذا أمر الصبي بها قبل بلوغه فيكون مأجوراً في أدائه، ويكون له رصيد من الأجر يحصل له لو بلغ، ولوليه وآمره بالصلاة أجر آخر غير أجره هو.

    وطبعاً البلوغ قد سبق للمؤلف في ما تجاوزنا نحن من مقدماته تعريف البلوغ، حيث قال:

    وكل تكليف بشرط العقل مع البلوغ بدم أو حمل

    أو بمني أو بإنبات الشعر أو بثمان عشرة حولاً ظهر

    الشرط الثالث من شروط الوجوب: العقل؛ فالمجنون والمعتوه الذي لا عقل له غير مكلف، فلا تجب عليه الصلاة، والقلم مرفوع عنه حتى يرجع إليه عقله، وكذلك المغمى عليه، فإن القلم مرفوع عنه حتى يرجع إليه عقله.

    الشرط الرابع من شروط الوجوب: بلوغ الدعوة؛ فمن لم تبلغه الدعوة أصلاً فهو معذور ما لم تبلغه؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا[الإسراء:15]، فلو كان مكلفاً بوجوب الصلاة لعذب عليها لأنه لم يفعل؛ وهذا يدل على أن من لم تبلغه الدعوة غير مكلف حتى تبلغه.

    وهنا بحث عقدي وهو: ما المقصود ببلوغ الدعوة؟ هل المقصود مجرد السماع أو المقصود أن تبلغه على وجهها الصحيح؟ مثلاً كثير من الكفار اليوم لم يسمعوا بهذا الدين ولا بهذه الدعوة، لم يسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا كما سمعوا ببوذا، وبلغهم ذكره وسمعوا به، لكن على وجه مشوش، فشوه لهم هذا الدين؛ فهل قامت عليهم الحجة بذلك أم لا؟ هذا محل البحث، ولا شك أن من بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل، وأنه لا نبي بعده، وأن شرعه ناسخ لكل الشرائع السابقة، وأنه هو الدين الوحيد المرضي الآن عند الله سبحانه وتعالى فقد قامت عليه الحجة وهو غير معذور، لكن من لم يبلغه هذا فظن أنه بالخيار بين أن يسلم وألا يسلم، هل قامت عليه الحجة أم لا؟ هذا بحث.

    وهذا البحث أصله أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر السماع في الحديث الذي أخرجه مسلم في الصحيح فقال: ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، لا يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بي إلا أدخله الله النار )، فهذا الحديث فيه مجرد السماع (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة)، ولذلك اعتمد عليه جمهور أهل العلم فقالوا: المقصود ببلوغ الدعوة مجرد السماع به؛ لأنه يجب عليه أن يبحث وأن يسأل. وقال آخرون: المقصود بالسماع السماع به على حقيقته، وحملوا ذلك على ما عرف لدى أهل الحديث من تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي )، فأهل الحديث قالوا: لو رأى شيخاً كبير السن أو رجلاً أعور أو أعمى أو أعرج، ورأى في المنام أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فليست رؤيا صحيحة؛ لأنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، فليس هو بهذه الصورة، وهو قال: (من رآني) فلا بد أن يكون ذلك على صورته الحقيقية، وكذلك إقامة الحجة في العلم به لا بد أن يكون ذلك على صورته الحقيقية.

    الشرط الخامس من شروط الوجوب: التمكن من أدائها، فمن بلغ غير متمكن من أدائها، لا يستطيع الأداء فهو غير مكلف بها، ولا تجب عليه؛ لأن الله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286].

    إذاً هذه شروط وجوبها. أما شروط صحتها فهي أربعة كما ذكر المؤلف، وسيذكرها إن شاء الله تعالى.

    قوله: (مقتفرة) أي: متبعة، وذلك أنها محل اتفاق بين أهل العلم تقريباً، وسنذكر الخلاف في بعضها إن شاء الله. والصورة المكتوبة لديكم هنا وهي (مفتقرة) يمكن أن يكون لها وجه من الصحة؛ فيكون من فقرات الظهر، أي: كأنها متتبعة، أي: واحدة تلو الأخرى كالفقرات.

    1.   

    فرائض الصلاة

    قال المصنف رحمه الله:

    [تكبيرة الإحرام والقيام لها ونية بها ترام

    فاتحة مع القيام والركوع والرفع منه والسجود والخضوع

    والرفع منه والسلام والجلوس له وترتيب أداء في الأسوس

    والاعتدال مطمئناً بالتزام تبع مأموم بإحرام سلام

    نيته اقتدا كذا الإمام في خوف وجمع جمعة مستخلف]

    تكبيرة الإحرام

    (تكبيرة الإحرام) تكبيرة الإحرام مبتدأ وخبره (منها) أي: من فرائض الصلاة. والتكبيرة واحدة من مصدر (تكبير) وهي النطق بهذا اللفظ وهو (الله أكبر)، ونسبت إلى الإحرام وهو الدخول في حريم الصلاة.

    وقد اختلف في هذه الإضافة هل هي إضافة حقيقية أو إضافة لفظية؛ فالإضافة الحقيقية هي التي تعرف أو تخصص كما يقال: كتاب زيد، ويقال: عبد الله، وكتاب الله، فهذه إضافة حقيقية؛ لأنها تعرف وتخصص.

    أما الإضافة اللفظية فهي التي لا تزيد تعريفاً ولا تخصيصاً؛ كما يقال: (مسجد الجامع) فالمسجد هو الجامع نفسه، وكما يقال: (ضارب زيد) فمعناه: من أوقع الضرب على زيد.

    فإذا كان الإحرام هو التكبير فيقال: (أحرم الإمام) معناه: كبر، فيكون هذا من باب إضافة الشيء إلى نفسه، فالتكبيرة هي الإحرام، وإضافة الشيء إلى نفسه مستعملة في اللغة، ومن ذلك قول الشاعر:

    فقلت انجلوا عنها نجا الجلد إنه سيرضيكما منها سنام وغاربه

    (فقلت انجلوا) أي: اسلخا (عنها نجا الجلد) النجا هو الجلد (إنه سيرضيكما منها سنام وغاربه).

    ويقال: (سحق عمامة) أي: عمامة هي سحق، والسحق هو الثوب البالي الخلق؛ فالعمامة القديمة تسمى (سحق عمامة) معناه: عمامة هي سحق، أي: مسحوقة.

    ومن ذلك قول الشاعر:

    ذهب الزمان فلا زمان جمان وكأنما قد كان لم يك كانا

    يا من لشيخ قد تطاول عهده أفنى ثلاث عمائم ألوانا

    سوداء حالكة وسحق مفوف وأجد لوباً بعد ذاك هجانا

    والموت يأتي بعد ذلك كله وكأنما يعني بذاك سوانا

    (سوداء حالكة) يقصد شعره، عندما كان الشعر أسود، (وسحق مفوف) عندما اختلط السواد بالبياض في الشعر، فأصبح كالعمامة البالية الخلقة، (وأجد لوناً بعد ذاك هجانا) أي: أجد بياضاً، لوناً أبيض.

    والموت يأتي بعد ذلك كله وكأنما يعني بذاك سوانا

    أي: كأننا لا نستشعر ذلك.

    ومن هذا مسجد الجامع ويوم الجمعة ويوم الإثنين ويوم الأحد؛ فهو من إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن اليوم هو الأحد، واليوم هو الإثنين.

    وقالت طائفة: بل الإحرام هو النية، والتكبيرة هي مصاحبة له، وإضافتها إليه من إضافة الشيء إلى مقارنه ومصاحبه، فيكون هذا من الإضافة الحقيقية لا من الإضافة اللفظية، لكن يشكل على هذا أننا عددنا التكبيرة من فرائض الصلاة، وسنعد النية أيضاً من فرائض الصلاة، ويجاب عن ذلك بأنه لا مانع من تعريف التكبيرة بالنية؛ لأن التكبيرة المحاذية لنية دخول الصلاة هي الواجبة، وما سواها من التكبير سيأتينا أنه في المذهب المالكي سنة.

    القيام لتكبيرة الإحرام

    (والقيام لها) هذا الواجب الثاني من الواجبات حسب عده (القيام لها) أي: القيام لتكبيرة الأحرام، فالقيام في أول الصلاة واجب، فمن كان قادراً على القيام استقلالاً وجب عليه، فإن عجز عنه وجب عليه القيام استناداً، فإن عجز عنه وجب عليه الجلوس استقلالاً، فإن عجز عنه وجب عليه الجلوس استناداً، وهذه أربع مراتب، والترتيب بينها واجب، وبعدها ثلاث مراتب الترتيب بينها سنة، وهي أن يضطجع على شقه الأيمن ويستقبل القبلة، فإن عجز عن ذلك اضطجع على شقه الأيسر واستقبل القبلة، فإن عجز عن ذلك استلقى على ظهره ورجلاه إلى القبلة، وهذه الترتيب بينها مندوب فقط.

    إذاً المراتب سبع، أربع يجب الترتيب بينها، وثلاث يندب الترتيب بينها؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم )، والتفريق إنما يحصل فيما يتعلق بالقيام والقعود، أما في الاضطجاع فهو اضطجاع على كل حال، لكن أفضله ما كان على اليمين، ثم يليه ما كان على الشق الأيسر؛ لأن اليمين هو الذي يضجع عليه الميت في قبره، وهو الذي يضطجع عليه النائم إذا أراد أن يؤدي السنة، واليسار كذلك تضجع عليه النسيكة عند ذبحها، أي: الشاة إذا أريد ذبحها إنما تضجع على يسارها، ثم بعد ذلك الاستلقاء على الظهر، ولا شك أنه أفضل من الانكباب؛ لأن الانكباب فيه كراهة ونهي.

    النية

    (ونية بها ترام) هذا الواجب الثالث وهو النية، وهي قصد الصلاة وتوجه القلب إليها.

    والنية الواجبة في الصلاة متعددة؛ فمنها:

    النية الأولى: نية الصلاة المعينة، أي: أن ينوي الإنسان أنه سيصلي الفجر مثلاً، أو أنه سيصلي الظهر أو سيصلي العصر، فنية الصلاة المعينة هي التي يتعين بها الفعل، ولا وجود للفعل بدونها؛ لأنه إذا صلى من غير تعيين لها لم يؤد ما أمر به؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ).

    النية الثانية: نية اقتداء المأموم، فالمأموم إذا لم ينو الاقتداء بالإمام فإنه لا يحصل له فضل الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، ولأنه أمر بمتابعة الإمام وقال: ( أما يخشى الرافع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟ )، وهذا يقتضي متابعة الإمام، ولا يكون ذلك إلا بالنية؛ لأنه عمل، والعمل شرطه النية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات ).

    النية الثالثة: نية الإمام الإمامة؛ فالإمام لا بد أن ينوي أنه إمام للناس؛ لأنه تعهد بصلاتهم، فالإمام ضامن، وإذا حصل نقص فعليه هو؛ ولذلك المعتبر في الصلاة فيما يتعلق بالسهو سهو الإمام فقط، فإذا سها جميع الصف أو جميع المصلين فقاموا بالسجود بدل الجلوس، ولكن الإمام جلس ولم يسجد فلا جبر لسهوهم، ولكن إذا قام الإمام وحده ولم يتبعه أحد ثم رجع، فإن سجود السهو لازم للجميع؛ لأن الإمام ضامن، وهذا يقتضي أن ينوي الإمامة، وذلك شرط لصحة الصلاة؛ فالصلاة التي لا يصليها الفذ وهي صلاة الجمعة والجمع والاستخلاف، فهذه الصلوات لا يصليها الفذ؛ فالجمع لا تصح إلا في جماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الجمعة فرض واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة )، ولقوله كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: ( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم )، وقد قال عبد الحق الإشبيلي رحمه الله: هذا عام في الجمعة وفي غيرها، ولا مخصص له من الشرع.

    وكذلك الجمع؛ فالجمع بين الصلاتين إنما يقصد به حصول الجماعة؛ ولذلك يجمع ليلة المطر، وهذا مستثنىً منه الجمع من أجل المرض والجمع من أجل السفر، فهي أعذار خصوصية؛ فالمسافر ولو كان وحده له الحق في الجمع، والمريض كذلك ولو كان وحده له الحق في الجمع، لكن الجمع من أجل وقوف عرفة والجمع من أجل المبيت بمزدلفة، والجمع كذلك من أجل المطر هذه صلوات لا يصليها الفذ، فالفذ لا يجمع؛ لأنه إذا كان سيصلي المغرب في وقتها والعشاء في وقتها ما ينتظر جماعة، فلماذا لا يصليها في وقتها وقد قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا[النساء:103].

    وكذلك الاستخلاف؛ فإذا طرأ عارض على الإمام فتذكر أنه غير متطهر مثلاً واستخلف مأموماً لإتمام الصلاة، فلا بد أن ينوي المأموم الإمامة؛ لأنه كان مأموماً والمأموم لا يحل الاقتداء به؛ فمن اقتدى بمأموم قد انسحبت عليه المأمومية فصلاته باطلة؛ لأنه مقتد بمقتد؛ ولذلك لا بد أن ينوي المستخلف نية الإمامة من جديد؛ لأنه ضامن أيضاً وهو مكمل لصلاة الإمام.

    ومثل ذلك صلاة الخوف؛ فإنها ما شرعت إلا للحفاظ على الجماعة؛ ولذلك يصلي الإمام الركعة الأولى بالطائفة الأولى والركعة الثانية بالطائفة الأخرى إذا كانت صلاته ثنائية، ولا يمكن أن تقع إلا بنية الإمامة، وإذا لم ينو الإمام في غير الصلوات المذكورة نية الإمامة فصلاته صحيحة، ولكن لا يحصل له فضل الجماعة.

    ومن نيات الصلاة نيات أخرى إذا نواها الإنسان ففيها مزيد فضل، وإذا لم ينوها فإنها لا تجب، لكن إنما يذكرها الفقهاء لأنها قد تتعارض مع الفعل أو مع الواقع، فإذا تعارضت معه فالعبرة به لا بها، فمن ذلك مثلاً نية عدد الركعات، أن ينوي الإنسان أنه سيصلي الصبح ركعتين مثلاً، ونية الاستقبال ونية الأداء أو القضاء، وكذلك نية اليوم المعين، لكن في هذه الأخيرة إذا نوى يوماً فتبين بخلافه فصلاته باطلة، ولو لم ينو أصلاً صلاته صحيحة، فأنت تعتقد أن هذا اليوم مثلاً يوم الخميس، والواقع أنه يوم الأربعاء، فنويت أنت أنك تصلي الفجر يوم الخميس فصلاتك باطلة؛ لأنها صلاة لغير هذا اليوم، لكن إذا لم تنو شيئاً، ولم تنو اليوم، فأنت تعتقد أنه الخميس، لكن لم تنو في الصلاة أنها صلاة يوم الخميس صلاتك صحيحة؛ لأن هذه النية غير واجبة أصلاً، نية اليوم لا تجب، وهذه من المسائل التي يذكرها الفقهاء، ويسميها الفقهاء مسائل التنطؤ، وهي مسائل يتجاوز فيها الإنسان ما أمر به، فإذا حصل خلل فهو مسؤوليته.

    ومن مسائل التنطؤ عندهم من غسل رأسه في الوضوء بعد المسح، فهل يجزئه ذلك أم لا؟

    هذا محل خلاف؛ لأنه خالف الأمر؛ فهو مأمور بالمسح فقط وقد غسل، والراجح في المذهب المالكي الإجزاء في غسل الرأس، وكذلك في هذه المسألة في نية اليوم.. إلى آخره.

    (بها ترام) أي: تقصد بها الصلاة.

    قراءة الفاتحة والقيام لها

    (فاتحة) هذه الفريضة الرابعة من هذه الفرائض وهي قراءة الفاتحة، وهي هذه السورة التي هي أم القرآن، وقد عرفها النبي صلى الله عليه وسلم أنها أم القرآن، وأنها السبع المثاني والقرآن الذي أوتيه، وهي أفضل سورة في كتاب الله، وقد جمعت علوم القرآن كلها؛ فكل ما في القرآن من العلوم تلخيصه في الفاتحة؛ ففيها: الإيمان بإلاهية الله، وفيها الإيمان بربوبيته، وفيها الإيمان بأسمائه وصفاته، وفيها كذلك الإيمان باليوم الآخر وما اشتمل عليه، وفيها العبادات وفيها المعاملات، وفيها ما يتعلق بتخصيص هذا الدين من بين الأديان؛ فقولنا: الْحَمْدُ للهِ[الفاتحة:2] هذا إيمان بألوهيته، وقولنا: رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2] هذا إيمان بربوبيته، وقولنا: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ[الفاتحة:3] هذا إيمان بأسمائه وصفاته، وقولنا: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[الفاتحة:4] هذا إيمان باليوم الآخر وما اشتمل عليه، إِيَّاكَ نَعْبُدُ[الفاتحة:5] هذه العبادات كلها، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة:5] هذه المعاملات كلها، ويدخل فيها الأخلاق والسلوك، اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ[الفاتحة:6]، هذا يدخل فيه الدعاء والطلب، وهو محتوٍ على ما يتعلق بذلك جميعاً، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[الفاتحة:7]؛ تخصيص هذا الدين عن غيره من الأديان، وفيه ذكر القصص وأخبار الماضين؛ فكل ما جاء في القرآن من ذلك محوي هنا؛ لقوله: غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[الفاتحة:7]، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[الفاتحة:7]؛ لأنه شامل لكل من هداهم الله، مخرج لليهود والنصارى، ومخرج لما وراء ذلك من الديانات؛ فاحتوت الفاتحة بهذا على علوم القرآن جميعاً.

    وهي فرض في كل صلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج.. فهي خداج.. فهي خداج، غير تمام )، والخداج الأجنة التي ترمى قبل نفخ الروح فيها أو قبل تمام خلقتها.

    والفاتحة قد اختلف فيها هل هي واجبة في كل ركعة أو واجبة في الصلاة مرة واحدة أو تجب في أكثر الركعات وتسن في باقيها، أو تسن في أكثرها وتجب في أقلها، أو تسن فيها جميعاً؟ وهذه أربعة أقوال للمالكية، وقد نظمها أحدهم فقال:

    فاتحة في الكل أوجب الإمام ولابن شبلون تسن بالتمام

    (فاتحة في الكل أوجب الإمام) الإمام مالك أوجب الفاتحة في الكل، أي: في كل الركعات.

    (ولـابن شبلون تسن بالتمام) ابن شبلون رأى أنها ليست واجبة في الصلاة وهذا موافق لمذهب الحنفية؛ لأنها لم تذكر في حديث المسيء في صلاته، والعلماء رأوا أن حديث المسيء في صلاته هو المفرق بين الواجب في الصلاة، أي: ما لا تصح الصلاة إلا به وما ليس كذلك؛ فكل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فيه فإن ذكره فيه يقتضي أن لا تجزئ الصلاة بدونه على الأصل.

    تسن في الأقل لابن عسكر لكنه أوجبها في الأكثر

    وعكس ذا نموه للمغيرة والكل يسجد لترك الآية

    وعلى القول بوجوبها في كل ركعة فقد اختلف في إدراك الركعة بالركوع، إذا فاتت الإنسان الفاتحة فأدرك الإمام راكعاً وكبر تكبيرة الإحرام قائماً، وكبر تكبيرة الانحناء للركوع فركع فهل يدرك هذه الركعة في الركوع أم لا؟ مذهب جمهور أهل العلم أن الركعة تدرك بالركوع، وهو مذهب المذاهب الأربعة، ومذهب البخاري وإسحاق بن راهويه وعدد من أهل الحديث أن الركعة لا تدرك إلا بالفاتحة، والجمهور يستدلون بالآثار الثابتة عن الصحابة؛ فقد ثبت في الموطأ عن ثلاثة من الصحابة وهم: عبد الله بن عمر وأبو هريرة وزيد بن ثابت: (أن من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، ومن فاتته الركعة فقد فاتته السجدة)، ويستدل البخاري ومن معه على وجوبها في كل ركعة بهذا الحديث: ( كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن.. )، ولكن يجاب عن ذلك بأن الحديث: (كل ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن)، وإنما فيه: (كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن) وأنت إذا قرأتها بركعة أخرى فلم تخل الصلاة منها.

    (مع القيام) هذا فرض آخر من فرائض الصلاة، وهو القيام للفاتحة؛ فوقت قراءتها القيام فرض؛ لأنه ظرف، وحكم الظرف حكم مظروفه، ومظروفه واجب فوجب هو.

    الركوع للصلاة والرفع منه

    (والركوع) كذلك من فرائض الصلاة الركوع، وتعريفه هو: انحناء تقرب راحتاه فيه من ركبتيه، وهو في الأصل انحناء الظهر، هذا معنى الركوع في اللغة انحناء الظهر، ومنه قول الشاعر:

    أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الأصابع

    أخبر أخبار القرون التي مضت أدب كأني كلما قمت راكع

    (أدب كأني كلما قمت راكع) فهذا انحناء في الظهر، وهو تقوس فيه، هذا للبيد بن ربيعة العامري رضي الله عنه.

    وهو في الاصطلاح كما ذكرنا: انحناء تقرب راحتاه فيه، أي: كفاه من ركبتيه.

    وهذا الركوع لا بد من استقامة الظهر فيه، ولا بد من الاطمئنان فيه كما سيأتينا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة لمن لم يسو ظهره في الركوع ).

    (والرفع منه) كذلك من فرائض الصلاة الرفع من الركوع، وذلك حتى يطمئن الإنسان قائماً، حتى يعتدل الإنسان قائماً.

    السجود

    (والسجود) كذلك من فرائض الصلاة السجود، وهو في اللغة الانكباب، فالانكباب على الوجه يسمى سجوداً، ومنه قول الشاعر:

    بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم منه سجداً للحوافر

    (ترى الأكم) جمع أكمة وهي الحجارة، (سجداً للحوافر) أي: تضربها حوافر الخيل حتى تنكب.

    وهو في الاصطلاح: وضع الجبهة والكفين على الأرض كما في تعريف ابن عرفة .

    ويعرفه غيره بأنه: الاعتماد على الأعضاء السبعة على الأرض وما اتصل بها، أي: أن يعتمد الإنسان على أعضائه السبعة المذكورة في الحديث على الأرض وما اتصل بها، والأعضاء السبعة هي: الجبهة واليدان والركبتان والرجلان، أي: أطراف القدمين.

    ولكن مذهب المالكية أن الواجب من ذلك الوجه والكفان فقط، وأنه يسن على ركبتيه وعلى أطراف قدميه، سنة فقط؛ لأن الفعل لا يقتضي الوجوب في الأصل.

    الخشوع في الصلاة

    وبعد ذلك قال: (والخضوع) يشير هنا إلى أن الخشوع أيضاً فرض من فرائض الصلاة، والخشوع عملي قلبي، وأعمال القلب في الصلاة ثلاثة، وكلها على سبيل الوجوب: العمل الأول: النية، وقد سبق، والعمل الثاني: الحضور، والحضور معناه: الانتباه لما يفعله الإنسان؛ فالإنسان إذا كان غائباً عن صلاته فهو ساه عنها، وقد ذم الله من يفعل ذلك؛ فقال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ[الماعون:4-5]، فالمقصود الذين لا ينتبهون في شيء منها أصلاً، أو الذين يضيعونها في وقتها، وهذا محل خلاف بين أهل التفسير، فإذا كان الإنسان لم ينتبه في صلاته أصلاً ولم يستشعر القربة فيها، وإنما أداها كرياضة من رياضات البدن فليست صلاة في الواقع، والصلاة لا بد لها من روح، وهي بدون الروح جيفة، والجيفة قذر لا يجلب إلى المسجد.

    وهذا الحضور هو الذي يتعلق به الثواب في الصلاة لما أخرج أبو داود في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الرجل ليصلي الصلاة وما كتب له نصفها ثلثها ربعها.. حتى انتهى إلى العشر )، فلا يكتب للإنسان من صلاته إلا ما حضر، ما سوى ذلك لا يكتب له؛ ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان قد يصلي الصلاة الطويلة، وما كتب له إلا عشرها فقط.

    ومع هذا فلا شك أن الحضور في بعض الصلاة كالحضور للأركان، الحضور عند الإحرام والحضور عند كل ركن من الأركان يدرك الإنسان أنه يفعل هذه القربة فهو كاف ولو غاب الذهن في أثناء الركن؛ لأن حضور الإنسان في الصلاة من أولها إلى آخرها صعب جداً، وإنما يكون للخاشعين المدربين على أداء الصلاة، والذين جاهدوا أنفسهم عليها حتى استقامت لهم، أما من سواهم فيشق عليهم الحضور من أول الصلاة إلى آخرها، ومع هذا فإن الالتفات عنها إنما هو انصراف، وقد جاء في الحديث: ( ولا يزال الله مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه وقال: يا ابن آدم، إلى من تلفت؟ أنا خير مما التفت إليه )، وثبت: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الالتفات في الصلاة فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم )، (اختلاس) أي: سرقة.

    أما الفعل الثالث من أفعال القلب في الصلاة فهو الخشوع، والخشوع مصدر (خشع) أي: ذل، فالخاشع: الذليل، وذلك أن الخشوع هو التذلل لله جل جلاله؛ ولذلك عرف ابن رشد الخشوع بأنه: الخوف باستشعار الوقوف بين يدي الخالق، فيستشعر الإنسان أنه الآن يناجي الله جل جلاله وأنه قائم بين يديه يخاطبه كفاحاً دون ترجمان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تقدم إلى الصلاة يقول: ( إن المصلي يناجي ربه؛ فلينظر أحدكم بم يناجيه )، أي: ينبه الناس على الخشوع، وقد أخرج ذلك مالك في الموطأ وغيره.

    وهذا الخشوع لا يلزم في كل الصلاة؛ لأنه متعذر، أي: يتعذر على الإنسان الخشوع في كل الصلاة؛ فلذلك إذا حصل في أي ركن من أركانها أجزأ؛ كما قال محمد مولود في الكفاف:

    والخوف باستشعارك الوقوفا بين يدي خالقك الرءوفا

    به ابن رشد الخشوع عرفا وأي الأركان به كان كفى

    أي: في أي ركن كان أجزأ.

    والخشوع له علامات، فمنها قشعريرة الجسد، ومنها فيضان الدموع، ومنها الارتعاشة والانتفاضة، ومنها انقطاع الأصوات عن الإنسان، قطع عنه ما حوله، وهذا أبلغه، فمن أبلغ الخشوع أن ينقطع الإنسان عن أهل الدنيا؛ كما كان عدد من السلف؛ وقد كان عروة بن الزبير إذا دخل الصلاة لم يستشعر أي شيء، وقد ذكر أنه لما أراد الأطباء قطع رجله نصحتهم ابنته أن يتركوه حتى يدخل في الصلاة؛ لأنه إذا أحرم لم يشعر بشيء، فأحرم فجاءوا فقطعوا رجله وغمسوه بالزفت، فلما سلم قال: ما لي أشم رائحة الزفت؟! فقيل له: إن رجلك قد قطعت، فرفع يديه وقال: (ليمنك لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت)، وهذا ثناء على الله سبحانه وتعالى حتى في وقت المصيبة.

    وكان عدد من السلف إذا كانوا في الصلاة ينزل الحمام على ظهورهم في الركوع، وعلى عمائهم في الصلاة، بل قد يبيض الحمام على عمائهم، فلا يشعر بأية حركة لتمام خشوعه، وقد ثبت ذلك عن عامر بن عبد الله بن الزبير ؛ يبيض الحمام على عمامته لطول قيامه وثبات رجليه، لا يتحرك.

    الرفع من السجود

    (والرفع منه) أي: من فرائض الصلاة الرفع من السجود، والمقصود به الجلوس حتى يطمئن الإنسان جالساً.

    السلام والجلوس له

    (والسلام) كذلك من فرائض الصلاة تسليمة التحليل، وهي التسليمة التي يخرج بها الإنسان من صلاته، وهي بهذا اللفظ (السلام عليكم)، وهذا القدر الواجب، وإذا زاد (ورحمة الله) فقد ثبت ذلك، فإذا زاد (وبركاته) فكذلك.

    وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم خمس صيغ للسلام:

    الصيغة الأولى: السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله عن شماله، وهذه هي أشهر الصيغ.

    الصيغة الثانية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن يمينه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن شماله.

    الصيغة الثالثة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله عن شماله.

    الصيغة الرابعة: السلام عليكم عن يمينه، والسلام عليكم عن شماله.

    الصيغة الخامسة: السلام عليكم عن يمينه فقط.

    فهذه خمس صيغ هي منتهى ما وصلت إليه الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم في السلام.

    والقدر الواجب من ذلك تسليمة واحدة، وما زاد عليها فهو سنة؛ ولذلك يتحلل الإنسان أن يخرج من الصلاة بالتسليمة الأولى، فإذا عرض ناقض للوضوء بعد التسليمة الأولى فإنه لا يبطل الصلاة؛ لأن التسليمة الثانية سنة فقط.

    (والجلوس له) أي: من واجبات الصلاة الجلوس للسلام؛ لأن السلام واجب، والظرف حكمه حكم المظروف؛ ولذلك حكم الجلوس حكم السلام.

    ترتيب الأداء

    (وترتيب أداء في الأسوس) كذلك من فرائض الصلاة ترتيب أدائك، أي: ترتيب أدائها؛ فمن سجد قبل الركوع لم يرتب، فتلك الركعة تلغى، فلا بد أن يكون الأداء مرتباً؛ فالقيام أولاً ثم الركوع ثم الرفع منه، ثم السجود ثم الرفع منه ثم السجدة الثانية، وهكذا حتى يأتي على ترتيبها كما علم النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته، وهذا الذي علمه جبريل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الصلاة فرضت ليلة المعراج، وقد فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم فوق السماوات السبع؛ ففرضت عليه خمسين صلاة، (فلما مر بموسى وهو في السماء السادسة سأله: كم فرض عليه ربه من الصلاة؟ فقال: خمسين صلاة. فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك لا يطيقون ذلك)، وفي رواية أنه قال: ( قد خبرت بني إسرائيل وكانوا أطول أعماراً وأقوى أبداناً فلم يستطيعوا، فرجع إلى ربه، فاسأله التخفيف فخفف عنه)، وفي رواية: ( أنه وضع عنه الشطر )، أي: النصف، وهو خمس وعشرون صلاة، فأتى موسى فنصحه أن يرجع إلى ربه فيسأله التخفيف، فرجع إليه فطرح عنه الشطر أيضاً، وشطر الخمس والعشرين المقصود به ثلاث عشرة صلاة؛ لأنه بتكميل النصف الباقي، ثم أتاه وقد بقي اثنتا عشرة صلاة فأمره أن يرجع إلى ربه فيسأله التخفيف،فرجع إليه فحط عنه سبعاً فبقي خمس، فأتاه فأمره أن يرجع إلى ربه فيسأله التخفيف فقال: ( استحييت من ربي )، وقد ذكر ابن بطال وجه الحياء من الله هنا قال: قد علم أن الطرح إنما هو بمجزئ، سواءً كان على هذه الطريقة التي ذكرنا، أو أنه كلما يضع عنه خمساً فعلم أنه لم يبق إلا خمس، فإذا طلب التخفيف معناه يطلب إلغاءها، وهذا اعتذار عن الصلاة، ولم يكن ليعتذر عنها؛ ولذلك استحيا من الله من هذا الوجه.

    لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح عندما رجع إلى الأرض، بل قد كان من قبل يصلي ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، فصلى على نحو ما كان يفعل حتى أتاه جبريل في وقت الظهر عند الزوال، فصلى به صلاة الظهر، فكانت أول صلاة ظهرت في الإسلام، وعلمه أداءها وهيئتها وعدد ركعاتها، فلم يبين له ذلك في السماء، وإنما بين له في الأرض بفعل جبريل؛ ولذلك ثبت في سنن الترمذي وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أمني جبريل عند البيت مرتين؛ فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين صار الفيء مثل الشراك، وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله، وصلى بي المغرب حين وجبت الشمس، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الصبح حين بزق الفجر، وصلى بي الظهر في الثانية منهما حين صار ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، وصلى بي المغرب حين وجبت الشمس لوقتها الأول، وصلى بي العشاء حين ذهب ثلث الليل، وصلى بي الصبح حين أسفر، ثم التفت إلي وقال: يا محمد! هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين )، وأول حديث في الموطأ وهو كذلك في صحيح مسلم وغيره هو حديث مالك عن ابن شهاب (أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوماً وهو بالمدينة، فدخل عليه عروة بن الزبير رضي الله عنهما فقال: إن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوماً وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود البدري فقال: ما هذا يا مغيرة ؟! أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أعلم ما تحدث به يا عروة، أو إن جبريل هو الذي أقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الصلاة؟ فقال عروة: هكذا كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه، ولقد حدثتني عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر ). ومالك في الموطأ اختصر هذا الحديث، فذكر فيه خمس صلوات فقط، والحديث في صحيح مسلم فيه عشر صلوات: ( أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وهذا الموافق لحديث ابن عباس والذي فيه: ( أنه أمه عند البيت مرتين )، أي: في يومين؛ فكانت صلاة يومين، وهي عشر صلوات.

    وعلى هذا فترتيب الأداء على نحو ما علم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو واجب من واجبات الصلاة، ومن خالفه فلم يؤد الصلاة على هيئتها، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وهذا يقتضي أن من خالف جميع هيئات الصلاة المروية فإن صلاته لا تصح، ولا يقتضي ذلك الالتزام بأدائها جميعاً على كل هيئة رويت، فالنبي صلى الله عليه وسلم روي عنه في هيئات الصلاة تنويع، وقد ذكرنا التنويع في السلام، وجاء التنويع في هيئة الجلوس، وكذلك بين التورك والافتراش والإقعاء، وجاء كذلك التنويع فيما يتعلق بوضع اليدين؛ فجاء وضعهما على الفخذين، وجاء تمكينهما من الركبتين في الجلوس، وجاء في التشهد الإشارة بالإصبع المسبحة دون قبض الأصابع الأخرى، وجاء قبض الأصابع كلها ما عدا المسبحة، وجاء التحليق بهاتين وقبض هاتين مع الإشارة بالمسبحة، وجاء وضع هذه تحت هذه، وجاء بسط هذه مع هذه.

    إذاً هذه خمس هيئات فيما يتعلق بوضع اليد في جلوس التشهد.

    وأيضاً الإشارة التي جاءت في الصحيح مختلف في معناها: هل معناها التحريك أو معناها مجرد الإشارة هكذا؟ وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الإشارة بالإصبع لا بد فيها من تحريك؛ لأن الإصبع إذا كانت على وضعها وهيئتها دون تحريك فليس في ذلك إشارة، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بها، والفعل يقتضي تكرراً؛ لأن الجملة الاسمية تفيد الدوام والاستمرار، والجملة الفعلية تفيد التكرر والحدوث، ومن مجيء الجملة الاسمية للدوام والاستمرار قول الشاعر:

    قالت أمامة ما تبقى دراهمنا وما لنا سرف فيها ولا خرق

    إنا إذا اجتمعت يوماً دراهمنا ظلت إلى طرق المعروف تستبق

    لا يألف الدرهم المضروب صرتنا لكن يمر عليها وهو منطلق

    حتى يصير إلى نذل يخلده يكاد من صدره إياه يمزق

    فهنا قال: (وهو منطلق) فهذه جملة اسمية، وهي تفيد الدوام والاستمرار، والجملة الفعلية تفيد التكرر والحدوث، ومن ذلك قول النابغة:

    أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلي عريفهم يتوسم

    هذا تجدد وحدوث؛ فيشير بها، وهذا اللفظ الذي جاء في الحديث في الصحيحين يدل على التجدد الحدوث، فإذا كانت الإصبع ثابتة هكذا فإنه لا يشير بها؛ لأن هذه الجملة فعلية وهي تفيد التجدد والحدوث، ويفسر ذلك الزيادة في الحديث (وهو يحركها) وهي زيادة ثقة، وقد انفرد بها زائدة بن قدامة وهو ثقة؛ ولذلك ينبغي أن تحرك الإصبع في التشهد تفسيراً للإشارة وعملاً بزيادة الثقة.

    الاعتدال في الصلاة

    (والاعتدال) كذلك من فرائض الصلاة الاعتدال فيها، والمقصود بالاعتدال الاعتدال في القيام والاعتدال في الركوع والاعتدال في السجود؛ فلكل اعتداله.

    ولذلك لا يكون الإنسان مستوياً في القيام إلا إذا كانت قامته على الوضع الطبيعي، وكذلك الركوع يقتضي أن يثني شقه الأعلى مقبلاً على جبينه فقط، ويبقى النصف الثاني على هيئته، وكذلك في هيئة الجلوس، وجلوس النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاث هيئات:

    الأولى هي أن ينصب رجله اليمنى ويجلس على رجله اليسرى.

    الثانية: التورك، وهو أن يقدم رجله اليمنى فيخرجها من تحت رجله اليسرى أو من فوقها.

    الثالثة: أن يجلس على عقبيه وركبتاه في الأرض، وهذا في الجلسة الخفيفة كجلوس الأوتار أو الجلوس بين السجدتين.

    أما جلوس التشهد فلا بد فيه من أن يتورك الإنسان أو أن يفترش؛ فالافتراش في التشهد الأول، والتورك في التشهد الأخير الذي فيه السلام.

    والمذهب المالكي لا تجدون لدى المتأخرين فيه تفريقاً بين هيئات الجلوس، فيذكرون أن هيئة الجلوس هي التورك دائماً، وهذا غلط في الفهم؛ وأصله أن مالكاً روى في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعلمهم الجلوس على المنبر، أي: جلوس الصلاة على المنبر؛ فكان يثني رجله اليسرى فيخرجها من تحت رجله اليمنى، وهذا هو التورك، لكن عمر إنما كان يعلمهم جلوس التشهد في الصلاة، وهذا اللفظ الذي في الموطأ، والمتأخرون من المالكية ظنوا أن الجلوس كله كذلك؛ ولهذا قال خليل: (والجلوس كله بإفضاء اليسرى للأرض واليمنى عليها) الجلوس كله.

    والواقع أن الثابت في السنة الافتراش بين السجدتين، والافتراش كذلك في التشهد الأول الذي ليس فيه سلام، فإذا كانت الصلاة ركعتين فقط فلا تورك فيها، وإذا كانت ثلاثية ورباعية ففيها الافتراش في التشهد الأول، والتورك في التشهد الأخير الذي فيه السلام.

    الطمأنينة في الصلاة

    (مطمئناً) هذا فرض آخر من فرائض الصلاة، وهو الطمأنينة، والطمأنينة معناها استقرار الأعضاء زمناً ما، فكثير من الناس لا يطمئن، فإذا ركع نقر، وهكذا في القيام وهكذا في السجود، ونحن نأسف أن كثيراً من الأئمة لا تستطيع تكمل معهم التشهد،ولا تستطيع أن تأتي بثلاث تسبيحات في السجود ولا دعاء، ولا تسبيحات الركوع، فهم يجتهدون فيما يتعلق بتحسين القراءة وتحسين الصوت فيها، ويهملون فيما يتعلق بتحسين الأركان، وهي أهم بكثير، وقد أخرج أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( في آخر الزمان يقدم القوم الرجل ليس بأفقههم ولا بأفضلهم، ما قدموه إلا ليغني لهم )، صوته يطربهم ويعجبهم، فقدموه من أجلس حسن صوته فقط، ليس بأفضلهم ولا بأفقههم.

    وحسن الصوت مزية لا شك وبالأخص إذا كان مع حسن الأداء وتقويم الحروف، ولكن الأئمة أربعة أقسام في القراءة:

    القسم الأول: صوته حسن وأداؤه صحيح، وهذا اشدد يدك عليه.

    القسم الثاني: أداؤه صحيح وصوته خشن وليس حسناً.

    القسم الثالث: صوته حسن وأداؤه فاسد.

    القسم الرابع: لا الصوت ولا الأداء؛ ولذلك لا بد أن يحرص الإمام على الطمأنينة في الأداء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم صلاته فصلاته متقاربة، فإذا أطال القراءة أطال الركوع، فركوعه قريب من قيامه، وسجوده قريب من ركوعه؛ فصلاته متناسبة، ولذلك فالركعتان الأوليان من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الرباعية والثلاثية دائماً أطول من غيرهما، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال: (والله إني لأصلي لهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أركد في الأوليين، وأخف في الأخريين)، الركود هو الثبات والاستقرار، ومنه: ركد الماء، أي: استقر في مكانه، (أركد في الأوليين) أي: في الركعتين الأوليين، وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه (أنه صلى وراء عمر بن عبد العزيز فقال: ما صليت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء أحد أشبه به صلاة من هذا الفتى، كان يتم الركوع والسجود، ويقصر القيام والجلوس)، (يتم الركوع والسجود) والمقصود بذلك إطالتهما؛ فلذلك لا بد من إطالة الركوع والسجود، ولا بد من العناية بالأركان كلها، وأن تكون الصلاة متناسبة.

    وفي حديث أنس في صحيح مسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فصلى في الركعة الأولى بالفاتحة وثلاثين آية، وفي الركعة الثانية بالفاتحة وثلاثين آية، وفي الركعة الثالثة بالفاتحة وخمس عشرة آية، وفي الركعة الرابعة بالفاتحة وخمس عشرة آية، وصلى بهم العصر؛ فصلى في الركعة الأولى بالفاتحة وخمس عشرة آية، وفي الركعة الثانية بالفاتحة وخمس عشرة آية، وفي الثالثة بالفاتحة وسبع آيات، وفي الرابعة بالفاتحة وسبع آيات )، انظروا إلى التساوي بين كل ركعتين! حتى في القراءة!

    لذلك لا بد من الطمأنينة في الصلاة وأدائها على هذا الوجه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث المسيء في صلاته قال: ( حتى تطمئن )، معناه: تثبت وتستقر الأعضاء.

    اتباع المأموم للإمام

    (بالتزام تبع) أي: بالتزام اتباع المأموم للإمام؛ فالمأموم لا بد أن يلتزم اتباع الإمام في الصلاة؛ ففي تكبيرة الإحرام للمأموم ثلاث صور:

    الصورة الأولى: متابعة الإمام، وهذا معناه: أن يترك الإمام حتى يكمل تكبيره فيكبر هو، فإذا انتهى الإمام من التكبير كبر المأموم، وهذا هو الواجب.

    الصورة الثانية: المساوقة، وهذا معناه: أن يعطيه السبق قليلاً، فإذا قال الإمام: الله، قال المأموم: الله، فإذا قال: أكبر، قال: أكبر، فينتهي بعده بقليل، ويبدأ بعده بقليل، لكن قبل أن يكمل الإمام تكبيره يبدأ المأموم في التكبير؛ فهذه فيها كراهة.

    الصورة الثالثة: المسابقة، أي: أن يسابقه؛ وهذه حرام.

    إذاً الصور ثلاث: المتابعة وهي الواجب، والمساوقة وهي مكروهة، والمسابقة، وهي حرام.

    (مأموم بإحرام سلام) أي: في الإحرام والسلام، فلا بد أن يكون وراءه في إحرامه، ولا بد أن يكون وراءه في سلامه، وذلك أن الصلاة هي تنظيم يتدرب فيه الناس على الانتظام والانضباط؛ فلهم إمام لا يكبرون قبل تكبيره، ولا يسلمون قبل سلامه، ولا يخالفون ولا يرفعون رؤوسهم قبل رفعه؛ وفي الحديث: ( أما يخشى الرافع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار ).

    وكذلك الصف الأول هو أفضل المصلين؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )، فيختار أهل الفضل ورجاحة العقل والفقه في الدين فيلون الإمام، وهم أولى بذلك إذا خاصموا، وهكذا فالصف الأول أفضل من الثاني، والثاني أفضل من الثالث، والثالث أفضل من الرابع.. إلى نهاية الصفوف بالنسبة للرجال؛ وفي الحديث: ( خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها )، فتبنى الصلاة على هذا الوجه، ويتعود الناس على الانتظام، ولا يدعون فرجة للشيطان ولا خللاً فيما بينهم، وبهذا يتعودون على الانتظام في شؤونهم كلها.

    وقوله: (تبع) مضاف إليه ما قبله، والتزام) مصدر، أي: بالتزام المأموم متابعة الإمام بالإحرام والسلام.

    نية المأموم

    (نيته) أي: من واجبات الصلاة نية المأموم، (اقتدا) أي: اقتداء بالإمام، فنية الاقتداء واجبة، وهي النية الثانية من النيات الواجبة؛ لأنه سبق لنا نية الصلاة المعينة.

    (كذا الإمام) أي: تجب عليه نية الإمامة أيضاً في الصلوات التي لا يصليها الفذ، وهي صلاة الخوف وصلاة الجمع وصلاة الجمعة، وكذلك إذا كان مستخلفاً؛ فهذه الصلوات الأربع لا يصليها الفذ وقد سبق شرح ذلك، فالإمام فيها لا بد أن ينوي بنية الإمامة.

    نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على النبي محمد، وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768236150