إسلام ويب

نواقض الإيمان [2]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من نواقض الإيمان: التوكل على غير الله، فمن توكل على غير الله وجعله حسبه واعتمد عليه في أمره وعلق به حوائجه ودعاه من دون الله، فإنه بذلك قد انتقض إيمانه، وخرج من الإيمان بهذا الاعتقاد، و كذلك من شرع فأحل أو حرم أو قنن ما لم يأت به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، فقد نقض إيمانه بذلك، وكذلك اعتقاد أن غير شرع الله أكمل من شرع الله، وكذلك تكذيب الرسول فمن كذبه في خبر واحد أخبر به، فقد كفر وخرج من الملة، ومن النواقض أيضاً: موالاة أعداء الله عز وجل.

    1.   

    نواقض الشهادتين

    الشرك بالله

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    اللوازم السبعة التي سبق ذكرها كل واحد منها مخالفته ناقض من نواقض الإيمان، فاللازم الأول هو ما يتعلق بالعبادة، فمن صرف شيئاً من العبادة لغير الله، فسجد لغير الله أو صلى له أو صام له فإن ذلك نقض للإيمان، ومحل ذلك عندما يفرده بتلك العبادة.

    أما إذا حصل إشراك فيها بأن راءى أو سمَّع فلا يكون ذلك ناقضاً من نواقض الإيمان، وإنما هو شرك دون شرك فهو الشرك الأصغر، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا أفرده به فلم يعمله لله وإنما عمله لمخلوق، فهذا الشرك الأكبر الناقض الذي ينقض الإيمان ويبطله.

    التوكل على غير الله أو دعاؤه

    كذلك اللازم الثاني من لوازم شهادة أن لا إله إلا لله، وهو دعاء الله سبحانه وتعالى، إفراده بالدعاء والتوكل فهذا نقضه أيضاً ناقض من نواقض الإيمان، فمن توكل على غير الله وجعله حسبه واعتمد عليه في أمره وعلق به حوائجه ودعاه من دون الله، فإنه بذلك قد انتقض إيمانه، وخرج من الإيمان بهذا الاعتقاد حين اعتقد أن غير الله ينفع أو يضر أو يرزق، أو يحيي أو يميت، فكل ذلك من خصائص الألوهية.

    ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن عباس : ( إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ).

    فمن مقتضيات إيمانك بألوهية الله ومن مقتضيات إيمانك بقدر الله أن لا تتكل على غيره، وأن لا ترفع حوائجك التي لا يقدر عليها إلا الله إلا إلى الله، فالذي يريد أن يرزق ولداً فيرفع هذه الحاجة إلى مخلوق أو يريد أن يرزق مالاً فيرفع هذه الحاجة إلى مخلوق، أو يريد أن يشفى من مرض فيرفع هذه الحاجة إلى مخلوق، فهو بذلك ناقض لإيمانه بفعله هذا، والمقصود هنا أن يلتمس تلك الحاجة من المخلوق بالكلية، أما إن كان يريد منه الدعاء في حصولها مثلاً أو يريد منه مساعدة فيما يقدر عليه المخلوق من وجاهة أو مال يبذله له أو سبب كأن يلتمس من الطبيب العلاج، لكنه يعلم أن الطبيب لا يشفي، فهذا غير ناقض، إنما الناقض هو أن يلتمس تلك الحاجة من المخلوق ويعلقها به مما لا يقدر عليه إلا الخالق سبحانه وتعالى فهذا ناقض من نواقض الإيمان.

    الإتيان بشرع غير شرع الله أو اتباعه

    كذلك المقتضى الثالث من مقتضيات شهادة أن لا إله إلا لله وهو: التشريع:

    كل من شرع فأحل أو حرم أو قنن ما لم يأت به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله، فقد نقض إيمانه بذلك، وخرج منه وهذا من الكفر الأكبر المخرج من الملة، فقد سمى الله تعالى قوانين أهل الأرض ديناً غير دينه، فقال في قصة يوسف : مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ[يوسف:76]، والمقصود بدين الملك قانونه، فقانون الملك مخالف للشريعة التي جاء بها يعقوب من عند الله تعالى، فشريعة يعقوب تقتضي أن السارق يملك في مقابل ما سرق، وقانون الملك يقتضي أنه يقتل و يوسف لا يريد أن يقتل أخاه، فلذلك كاد الله له هذه المكيدة العجيبة التي فيها تغيير لهذا القانون الأرضي واستبدال له بشرع الله.

    فلذلك نادى مناديه في العير: إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ [يوسف:70-74].

    سألهم عن قانونهم وعن شرعهم ما جزاء السارق فيهم، ما جزاؤه إن كنتم كاذبين؟ قالو: جزاؤه من وجد في رحله: من وجد المسروق في رحله فهو السارق جزاؤه، فيملك بدل المسروق، من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين.

    فإذاً كل تشريع يحل به أو يحرم من دون إذن الله تعالى فهو ناقض من نواقض الإيمان، وقد صرح الله بذلك في سورة النساء إذ قال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65]، وهذه الآية أصرح شيء في هذا.

    كذلك جاء التصريح به في كثير من الآيات في القرآن، ومن ذلك الآيات التي في سورة الأنعام وفيها تقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام إلى: ألوهية، وربوبية، وما يتعلق بالأسماء والصفات، ويشملها هذا التقسم: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ[الأنعام:164]، أَبْتَغِي حَكَماً[الأنعام:114]، قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً[الأنعام:14].

    فهي آتية على هذه الأقسام كلها.

    كذلك فإنه تعالى نفى الحكم عن غير نفسه في القرآن في عدد من الآيات، ففي سورة يوسف جاء التصريح بذلك في موضعين: أحدهما ما يتعلق بالحكم التشريعي، والآخر يتعلق بالحكم القدري، ففي خطاب يعقوب لأولاده قال: إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ[يوسف:67]، فهذا المربوط بالتوكل يقتضي الحكم القدري النافذ.

    الفرق بين الحكم التشريعي والقدري

    وفي قصة يوسف في خطابه لصاحبي السجن قال: إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ [يوسف:40]، فالحكم المرتبط بالأمر هو الحكم التشريعي، والحكم المرتبط بالتوكل هو الحكم القدري ولا بد من معرفة الفرق بينهما، فالحكم التشريعي هو من كلمات الله تعالى التشريعية التي فيها الأمر والنهي.

    والحكم القدري هو من كلمات الله تعالى القدرية، والفرق بينهما أن كلمات الله التشريعية هي ما يوحيه الله تعالى وينزله وحياً على من اصطفاه من خلقه، وهذه الكلمات التشريعية قد ختمت بالقرآن.

    أما الكلمات القدرية فلا نهاية لها، وهي التي يكون الله بها الخلائق جميعاً، فهي الكلمات التكوينية: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40]، إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59].

    فالكلمات التشريعية يقف عندها البر ويتعداها الفاجر، إذا قال للبر: صلِ يصلي، وإذا قال للفاجر: صلِ يمتنع، أما الكلمات الكونية لا يتعداها بر ولا فاجر، إذا قال للبر: مت، فسيموت من حينه، وإذا قال للفاجر: مت، فسيموت من حينه كذلك، لا يستطيع واحد منهما الممانعة.

    فإذاً هذا الفرق بين النوعين، بين نوعي الكلمات.

    كذلك الكلمات الكونية هي التي لا تبديل فيها ولا يقع فيها النسخ، والكلمات التشريعية فيها التبديل ويقع فيها النسخ، ولذلك فإن الله تعالى يقول: ولا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ[الأنعام:34]، أي: الكلمات الكونية القدرية، ويقول في الكلمات الأخرى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل:101]، ويقول: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا[البقرة:106]. فهذا النسخ والتبديل إنما هو في الكلمات التشريعية لا في الكلمات الكونية، فالكلمات الكونية ليس فيها تبديل ولا مبدل لكمات الله، والكلمات الكونية غير محصورة، ولذلك قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف:109]، وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ[لقمان:27]، فهذه الكلمات الكونية القدرية.

    ومن هنا فإن تشريع ما لم يأذن به الله ناقض من نواقض الإسلام إذا كان ذلك عن اعتقاد، وهذا الاعتقاد أنواع: منه أن يعتقد الإنسان أن شرع الله غير كافٍ، كمن اعتقد أن حدود الله غير مصيبة في علاج الجريمة، وأنها غير زاجرة عنها فهذا كفر ناقض مخرج من الملة.

    وكذلك اعتقاد أن غير شرع الله أكمل من شرع الله، كأن يعتقد الإنسان أن تشريعاً آخر أياً كان، هو أفضل وأعدل من شرع الله، كمن ظن أن قطع الأيدي فيه قسوة على السراق، أو أن الرجم فيه قسوة على الزناة مثلاً، فهذا ناقض من نواقض الإسلام؛ لأنه تبديل لشرع الله سبحانه وتعالى واعتقاد أن غيره أكمل منه وأعدل، فهذا ناقض من نواقض الإيمان.

    محبة غير الله

    ثم بعدها المقتضى الرابع من مقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله: هو المحبة، أن يحب الإنسان الله حباً شديداً وهذا مقابله ناقض من نواقض الإيمان، فالإنسان الذي لا يحب الله أو يؤثر حب المخلوق على حب الله، فيؤثر التقرب إلى المخلوق بمعصية الخالق سبحانه وتعالى، فهذا ناقض من نواقض الإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف )، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فما أمر به الخالق يطاع ولا يمكن أن يطاع مخلوق في مقابله؛ لأن الطاعة سببها الألوهية، والألوهية من خصائص الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.

    تكذيب النبي في خبر من الأخبار

    أما مقتضيات شهادة أن محمداً رسول الله فمقابلها أيضا ًناقض من نواقض الإيمان:

    فالمقتضى الأول من مقتضيات شهادة أن محمداً رسول الله: هو تصديقه في كل ما أمر به، فمن كذبه في خبر واحد أخبر به، فقد كفر وخرج من الملة، ولذلك لا بد من الاستسلام لكل ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم، فكل ما صح عنه لا بد من الانقياد له بالكلية، ولذلك قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[الحشر:7]، فلا بد من الانقياد لأمره بالكلية.

    مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ورده

    ثم بعد هذا اللازم الثاني من لوازم شهادة أن محمداً رسول الله: هو طاعته في كل ما أمر به، فمن رد عليه شيئاً من أمره، وقال: نعم صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكني أخالفه، فهذا ناقض من نواقض الإيمان؛ لأنه رد على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه، وقد قال مالك رحمه الله: (ما منا أحد إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم).

    فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون مردوداً عليه بوجه من الوجوه، ولذلك قال الله تعالى في وصف المنافقين: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:48-52].

    فلا بد إذاً من طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به، ومن قصد مخالفته ورد عليه شيئاً من ذلك ولو كان أمراً واحدا فذلك ناقض من نواقض الإيمان وتكذيب له صلى الله عليه وسلم، وتكذيبه تكذيب لعامة الرسل، فمن كذب رسولاً واحداً من الرسل في أمر واحد فقد كذب الرسل جميعاً، ولذلك قال الله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105]، فقوم نوح كانوا قبل المرسلين؛ لأن نوحاً أول الرسل إلى أهل الأرض، ومع ذلك تكذيبهم كان تكذيباً لكافة المرسلين، وكذلك من بعده من الأنبياء: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:123]، كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:176]، جميع المكذبين كذبوا جميع الرسل؛ لأن تكذيب نبي واحد تكذيب للأنبياء جميعاً.

    فلذلك لا بد من الانقياد لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].

    ومن هنا فليس لأحد أن يقول: صح هذ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قال فلان بمخالفته، فهذا لا يمكن أن يقبله عقل، فلا أحد من المجتهدين يستطيع أن يخالف ما صح لديه عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر به بوجه من الوجوه.

    قد يخفى عليه ما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد لا يصح عنده، وقد يأخذ بما يراه أرجح منه من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فيراه متأخراً عنه ناسخاً له مثلاً، لكن لا يمكن أن يقول أحد من المجتهدين ولا أحد من العلماء: صح الحديث في هذه المسألة، ولكني أعدل عنه فلا آخذ به وآخذ بمقابله من غير دليل، هذا غير صحيح، ولا متصور، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: (والله ليوشكن أن ترجمكم الملائكة بالنجوم من السماء، أقول: قال رسول الله عليه وسلم فتقولون: قال أبو بكر و عمر )، وهذا في رده على الخوارج الذين كانوا يتظاهرون بالتمسك بسنة الخليفتين أبي بكر و عمر ، ويبرؤون من علي و عثمان رضي الله عنهما، وكانوا يمتحنون الناس بذلك فيقولون: ما تقول في إمامة أبي بكر و عمر وفي عثمان ست سنين وفي علي قبل التحكيم.

    فهذه كانت محنة الخوارج .. امتحان الخوارج الذي يمتحنون به الناس هو هذا اللفظ، فلذلك برئ منهم ابن عباس ، وذكر أن عقوبة هذا هو الرجم من السماء حين أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقولون: قال أبو بكر و عمر ، فكيف بمن دون أبي بكر و عمر ، لا يمكن أن يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس كائناً من كان.

    ولذلك قال لعمر : (فلو أن موسى بن عمران حي ما وسعه إلا اتباعي ).

    وقد قال خليل رحمه الله في جامعه: ( ولا يجوز أن تعارض السنن برأي ولا قياس)، لا يجوز فهو ناقض من نواقض الإسلام أن تعارض السنن أي الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم برأي، أي: اجتهاد ولا قياس، فلا يمكن أن يعارض شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم برأي ولا بقياس، هذا غير مقبول بوجه من الوجوه.

    اعتقاد هدي غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم

    ثم بعد هذا المقتضى السابع من مقتضيات الشهادتين: هو أن لا يعبد الله إلا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فمن اعتقد طريقاً للهداية أو طريقاً للوصول إلى معرفة مراد الله غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك ناقض من نواقض الإيمان مكفر مخرج من الملة.

    من اعتقد أن لديه وحياً أو طريقاً لمعرفة الوحي، أو أنه يتلقى الأمر عن الله تعالى مباشرةً، أو أنه يتلقاه بأية طريق غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر خارج من الملة.

    فلا طريق لمعرفة مراد الله من عباده في هذه الأمة إلا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله، ولا يمكن أن يعرف أن شيئاً شرعه الله لعباده إحلالاً أو تحريماً، إلا عن طريق إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ[الشورى:51].

    فلا يمكن أن يدعي أحد اليوم أو بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه شيء من عند الله تعالى، فالإلهام والمرائي وغير ذلك ليست من مصادر التشريع، ولا يمكن أن يؤخذ منها حكم من أحكام التشريع أبداً.

    فالتشريع مقتصر على ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وما سوى ذلك ليس تشريعاً من عند الله، حتى لو كان أحلاماً، ولو قامت عليه بعض البراهين الواقعية، فهذا فتنة يفتن بها الإنسان، وعليه أن يجتنبها.

    فإذا عرفنا إذاً أن هذه النواقض مقابل لوازم الشهادتين وهي سبع، فإنه يضاف إليها بعض النواقض الأخرى المكملة.

    موالاة أعداء الله

    فمن هذه النواقض: موالاة أعداء الله عز وجل، فإن الله عز وجل شرع للمؤمنين أن يوالوه، وأن يوالوا رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يوالوا المؤمنين، فحدد ولاءهم، وحصره في هذه فقال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56].

    فموالاة غير الله سبحانه وتعالى ولو كان والداً أو ولداً أو زوجاً أو قريباً ناقضة من نواقض الإسلام، ولذلك قال الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:144]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [التوبة:23]، وقال تعالى: لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28].

    فقد حذر الله سبحانه وتعالى من اتخاذ الكفار أولياء من دون المؤمنين، ونص بالخصوص على اليهود والنصارى كما في آية المائدة قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:51-52]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:57]، وقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:78-81].

    قال أهل العلم: صرح بالخروج من الملة بالتكفير المخرج من الملة في هذه الآية مرتين:

    فالمرة الأولى: الخلود في العذاب؛ فالخلود في العذاب لا يكون إلا للكافر الذي خرج من الملة، أما من سواه فيخرج من النار بإيمانه، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن قوماً يخرجون من النار وقد اسودوا وامتحشوا، فيلقون في نهر الحياة، فتنبت أجسامهم كما تنبت الحبة في حميل السل ).

    فإذا ثبت الخلود لإنسان، فهذا تصريح بكفره فلذلك قال: وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ [المائدة:80].

    الموضع الثاني: هو قوله: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ [المائدة:81]، فإن (لو) تقتضي الامتناع، وهنا قال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ[المائدة:81].

    فهذان موضعان صرح فيهما بكفر هؤلاء كفراً أكبر مخرجاً من الملة.

    مساعدة الكافرين ومناصرتهم على المؤمنين

    كذلك من هذه النواقض المخرجة من الملة: ممالأتهم على المؤمنين، فهي من ولائهم، فمن ساعد الكفار على المؤمنين، فذلك مخرج له من الملة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ).

    فالترك للدين لا يكون إلا نقضاً، فمؤازرة الكفار ومناصرتهم على المؤمنين ناقض من نواقض الإيمان مخرج من الملة، وذلك أنها أبلغ شيء في الولاء، فأبلغ شيء في الموالاة أن يكون الإنسان مع قوم يموت معهم ويحيا معهم، فهو معهم فيما هم فيه، فهذا أبلغ شيء في الولاء.

    وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من ذلك فأنزل فيه سورة الممتحنة بسبب كتابة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه كتابه إلى قريش يخبرهم فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سيغزوهم بمن لا قبل لهم به، ويدعوهم فيه إلى أن يسلموا فيحتاطوا لأنفسهم قبل أن يبغتهم في دارهم، وهذا الكتاب كان مخالفة للأمر النبوي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن لا يبلغ أحد منهم أحداً من قريش ذلك.

    فأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على الكتاب، وأخبره أنه أرسله مع ظعينة من قريش وأنها نزلت بروضة خاخٍ، وأن الكتاب في شعر رأسها، قد ضفرت عليه ضفيرتها، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً و الزبير و المقداد في إثر الظعينة وأخبرهم أنهم سيجدونها قائلة بروضة خاخٍ، فأتوها فوجدوها بالمكان الذي حدد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها علي : (أخرجي الكتاب الذي أعطاك حاطب ، فقالت: ما أعطاني كتاباً، فهددها فقال: لتخرجن الكتاب أو لتنزعن الثياب؟ فأخرجت لهم الكتاب، فرجعوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما عرضه على حاطب أقر به، فقال عمر : دعني أضرب عنقه؟ فقال حاطب : والله يا رسول الله ما نافقت منذ أسلمت ولا شككت في شيء من أمر ديني، وإنما وقعت في ذلك؛ لأنه ليس لي بمكة من يرعى حريمي، ولكل أصحابك أهل بمكة يدافعون عنهم غيري) فعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل من عمر ما قال وقال: ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ).

    فـحاطب لا تقع ذنوبه إلا مغفورة، ولم يقع منه هذا التصرف عن نقص في الاعتقاد، وقد أقسم على ذلك، وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم فهو غير شاك ولا منافق، فوقع منه هذا الذنب وقد سبقته المغفرة.

    فالذين رضي الله عنهم رضاه الأكبر الذي لا سخط بعده لا تقع ذنوبهم إلا مغفورة سبقتها المغفرة، و حاطب من أولئك فقد شهد بدراً، ثم قد بايع تحت الشجرة، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن عبداً لـحاطب أتاه فقال: يا رسول الله! ليدخلن حاطب النار، فقال: كذبت والذي نفس محمد به لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة)، فأنزل الله في ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ [الممتحنة:1].. إلى آخر السورة.

    وضرب لنا فيها مثلاً عجيباً في الولاء والبراء، ألا وهو إبراهيم عليه السلام، فإبراهيم عليه السلام من تمام توحيده ما حققه من الولاء لله تعالى والبراء من أعداء الله جميعا، وقد أخبر الله أن عقيدة الولاء والبراء بقيت كلمة باقية في عقب إبراهيم بعده.

    فلذلك قال لقومه: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ [الزخرف:26-28].

    فهذا البراء الذي تركه إبراهيم كلمة باقية في عقبه هو: تشريع لهذه الأمة أيضاً، فهذه الأمة جميعاً من ذرية إبراهيم ، من كان منهم من ذريته من النسب الطيني فذاك وإلا فهم جميعاً من ذريته بالنسب الديني، ولهذا قال الله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ[الحج:78]، فجعله أباً للمسلمين جميعاً، مثلما جعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين جميعا: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ[الأحزاب:6]، فذلك النسب الديني لا الطيني، وقد يتأكد ذلك في حق من جمع الأمرين فكثير من المؤمنين هم من ذرية إبراهيم يجمعون بين النسب الديني والطيني ومن سواهم هم من ذريته بالنسب الديني.

    فضربه الله مثلاً للمؤمنين هو ومن آمن معه، وشرع لنا الاقتداء به إلا أمراً واحدا: إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [الممتحنة:4]، فهذا الأمر وحده لا يشرع لنا الاقتداء بإبراهيم فيه، وقد عذر الله إبراهيم فيه: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ[التوبة:114].

    فبين أن إبراهيم ما فعل ذلك إلا ظناً أنه سينفعه استغفاره له لعل الله يهديه، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، فلذلك من نواقض الإيمان موالاة الكافرين وهي تشمل نصرتهم في دينهم، والركون إليهم، فكل من فعل فعلاً يختص بدين غير الإسلام، أو قال قولاً يختص بدين غير الإسلام فذلك ناقض من نواقض الإيمان.

    فإذا كان للكفار شعار يميزهم كقبعة اليهود مثلاً وكلباس رجال الكنيسة، فمن لبس ذلك فقد خرج من ربقة الإسلام؛ لأنه بذلك قد والاهم موالاةً خاصة بالدين ولبس ما يميزهم عن غيرهم، ومنه شد الزنار، وقد كان هذا في صدر الإسلام ولم يعد اليوم موجوداً.

    فشد الزنار على وسط الإنسان وهو لباس خاص بأهل الذمة في الصدر الأول، من فعله فقد رضي بتلك الملة، ومثل ذلك الأقوال فمن ذكر أنه كاثلوكي، أو أنه نصراني أو أنه يهودي فهو على ما قال، وقد خرج من الملة، سواء قال ذلك في رضاً أو غضب.

    وهنا يلزم الانتباه إلى أن كثيراً من الناس قد يقول هذا الكلام في حال الغضب ويظن أنه يعذر به، كثير من الناس يقول إنه يهودي أو إنه نصراني أو إنه كافر في حال الغضب، ويظن أنه بذلك يعذر بسبب غضبه، وهذا غير صحيح فهو كما قال نسأل الله السلامة والعافية.

    ومن هنا على الإنسان أن يحذر الوقوع في مثل هذا النوع، وأن يجتنبه في الكلية حتى لو كان ذلك في القسم، فمن أقسم بملة غير الإسلام فهو كما قال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من أراد بذلك التأكيد مجرد التأكيد في القسم فهو كما قال -نسأل الله السلامة والعافية-.

    إذاً هذه هي أهم النواقض المخرجة من الملة.

    وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يختم بالصالحات أعمالنا وبالحسنات آجالنا، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال والاعتقادات والنيات، وأن يجنبنا الفتن مما ظهر منها، وما بطن، وأن يمتعنا بإيماننا حتى نلقاه، وأن يبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وأن يعطينا كتبنا بأيماننا تلقاء وجوهنا، وأن يحشرنا تحت لواء نبينا محمد صلى لله عليه وسلم.

    والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767964822