إسلام ويب

الإحسان [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإحسان: هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وهذا يتضمن إحسان التعامل مع الله، وإحسان التعامل مع الخلق، وإحسان التعامل مع الله يكون بمعرفة قدرته وجبروته ومعرفة آياته الكونية وآياته المسطورة في القرآن، ومعرفة تشريعه وكذلك تزكية النفس وتربيتها. وإحسان التعامل مع الناس يكون بالاقتداء برسول الله في ذلك وحسن الخلق وغيرها.

    1.   

    الإحسان في التعامل مع الله تعالى

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فحديثنا إن شاء الله تعالى في العنصر الثالث من عناصر الدين الذي هو الإحسان، وهذا العنصر يتضمن جانبين هما: إحسان التعامل مع الله، وإحسان التعامل مع الناس.

    أما إحسان التعامل مع الله سبحانه وتعالى فهو مقتضٍ لمعرفته حق المعرفة؛ لأن من لا يعرفه لا يمكن أن يقدره حق قدره، ولهذا قال جل ذكره: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[الزمر:67]، فمن عرف قدرة الله تعالى عمل بمقتضاها فيزداد إيمانه ويزداد أجره، ولذا لا بد من التخلق بلوازم هذه المعرفة كمعرفة جبروت الله وكبريائه، يلزم الإنسان منها أن يتخلق بما تقتضيه، وما تقتضيه صفة الجبروت وصفة الكبرياء هو التواضع لله والمذلة بين يديه وإجلاله وتعظيمه، وكذلك معرفة ما يمكن التحلي به بمسماه من هذه الصفات، كالرحمة مثلاً، فإن الله كتبها على نفسه: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[الأنعام:54]، وأمر بها خلقه، فأمرهم أن يتراحموا في ما بينهم، وأخبرهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (أن الراحمين يرحمهم الرحمن، وأن أحب الناس إليه الرحماء، إنما يرحم الله من عباده الرحماء).

    هذه الصفات التي اتصف الله سبحانه وتعالى بها هي مبلغ الكمال، والإنسان مطالب بأن يثني على ربه وأن يحمده، ولا يمكن أن يحمده بوصف ينتجه عقله، ولا يمكن أن يتصور الكمال الحقيقي لنقصه هو، فالإنسان قاصر، ولذلك يتمنى درجةً لنفسه يظنها أعلى الكمال، فإذا وصل إليها تمنى درجةً فوقها، ومن هنا عُلم أن الإنسان لا يمكن أن يتصور الكمال، فكماله ناقص دائماً، وكمال الله سبحانه وتعالى تام، لا يمكن أن يزداد، فلم يكتسب من خلق الخلق صفةً، فهو على ما كان عليه قبل أن يخلق كل ما كان، فلم يكتسب صفة الخالق من الخلق، ولا صفة الرازق من الرزق، ولا غير ذلك من أنواع الصفات.

    إن معرفته بهذه الصفة تقتضي الرجوع إلى وحيه من كتاب وسنة، وتدبر ذلك، ثم الانطلاق بعد ذلك من قاعدة الكمال المطلق لله، فيعتقد الإنسان أن كل كمال أياً كان فهو ثابت له، وأن كل نقص أياً كان فهو مستحيل عليه، ثم بعد هذا التعرف عليه بآياته.

    أنواع الآيات التي تقود إلى حسن التعامل مع الله

    وهذه الآيات نوعان:

    النوع الأول: الآيات الكونية، وهي الآيات المنظورة، كخلق السماوات وخلق الأرض وخلق ما بينهما، وشئون هذا الكون كله:

    ففي كل شيءٍ له آية تدل على أنه واحدُ

    وأقرب ذلك النفس التي بين جنبي الإنسان وحياته كلها كما قال تعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ[الذاريات:21]، فهذه الآيات العجيبة التي نبهنا الله تعالى على التدبر فيها والتعرف عليها معينة على معرفة الله سبحانه وتعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[آل عمران:190-191]، فالذين يتعرفون على هذه الآيات الكونية العجيبة تمتلئ قلوبهم من الإيمان بالله تعالى، فيكون هذا وسيلة للتعرف عليه ومعرفته.

    ومن هنا فإن الإعراض عنها مقتضٍ للشرك، فمن أعرض عن تدبر الآيات الكونية لا بد أن يصل به ذلك إلى الشرك، كما قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ[يوسف:105-106].

    النوع الثاني: الآيات المسطورة، وهي آيات الله في كتابه، فهذا القرآن المعجز الذي لا يشبه كلام المخلوقين، تكلم الله عز وجل به، وضمنه كثيراً من علمه وإعجازه، فهو معجز للبشر، وتدبره معين على معرفة الله سبحانه وتعالى، وكلما ازداد الإنسان فهماً للقرآن ازداد معرفةً لله سبحانه وتعالى.

    ثم الوجه الثالث: تشريعه، فإن من عبد الله بهذه التشريعات التي شرعها وهذه الأحكام التي فرضها وهذه الحدود التي حددها، فذلك معين على معرفته؛ لأن الله يقذف في قلبه الهداية، فهذه الهداية ومنطلق الإيمان لا يمكن أن تتم عن طريق القناعة العقلية فقط، بل لا بد معها من العناية القدسية؛ فعناية الله سبحانه وتعالى لمن شاء من عباده هي سبيل الهداية الأول، ثم بعد ذلك يدلهم على الطريق، إما أن تكون عن طريق العقل، وإما أن تكون عن طريق الفطرة، وإما أن تكون عن طريق العاطفة، وكل هذه تقوي تلك العناية التي يقذفها الله في قلب من شاء من عباده إلى الهداية، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ[الأنعام:109-111].

    ومن هنا فإن الذي يظن أنه سيعرف الله تعالى عن طريق عقله فقط، أو عن طريق عاطفته فقط، أو عن طريق فطرته فقط لا بد أن يهوي في مزالق لا حصر لها، أما الذي يستنير بالوحي في التعرف على الله وبامتثال الشرع في التعرف على الله سبحانه وتعالى فهذا هو المحق، والذين طلبوا معرفته بما يسمونه بالحقيقة دون الشريعة وفصلوا بين الأمرين فجعلوا معرفته بالعاطفة فقط، وهذا الذي يسمونه بالوجدان العاطفي أخطئوا فهذا وحده لا يكفي في التعرف على الله؛ لأن الوجدان العاطفي إذا التهب واشتد فإن صاحبه ما لم يتنور بنور الشريعة، لا بد أن ينزلق وتهوي به غواية شيطان، ويذهب كل مذهب، فمن هنا كان لا بد أن يكون التعرف على الله تعالى متوازناً في هذه الأمور الثلاثة: والتعرف إليه من خلال صفاته، التعرف إليه من خلال آياته، والتعرف إليه من خلال شرائعه وأحكامه.

    فإذا تعاضدت هذه كلها حصلت المعرفة المطلوبة، وهذه المعرفة المطلوبة مقتضية لأن يعرف الإنسان جهله به؛ لأنه إذا عرف قصور نفسه، وعرف ما فيه من صفات النقص فسيعرف الله تعالى بمقابل تلك الصفات، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه؛ لأنه إذا عرف نفسه بالجهل وعرف نفسه بالفقر، وعرف نفسه بالحاجة، عرف الله تعالى بالعلم والغنى، وعرفه بالكرم، وعرفه بصفاته المختلفة.

    كذلك فإن هذا الإحسان الذي يقع في التعامل مع الله سبحانه وتعالى مقتضٍ لتزكية النفس وتربيتها؛ لأن هذه النفس هي محل التعرف إلى الله، والمكان المؤلم الموحش لا يصلح للنور المضيء، ولهذا فإن النور يُختار له النجفُ الصقيل ولا يُوضع في المكان المتسخ، وإذا وضع فيه فإنه سينتقصُ نوره، فيختار للنور اللون الأبيض، والمكان الناصع الصقيل، فذلك القلوب التي يراد فيها أن يقذف فيها نور الهداية والتعرف إلى الله لا بد أن تصقل، وأن تكون سليمةً، وأن تتخلى عن صفات النقص والعيب.

    مراحل تربية الإنسان على الإحسان مع الله

    ومن هنا شُرع أن يتربى الإنسان، وتربيته تمر بثلاث مراتب:

    المرتبة الأولى: تربية الوالدين، وهي أول ما يتربى عليه الإنسان، فإن الإنسان يولد على الفطرة، ثم بعد ذلك يربيه أبواه، وتربيتهما ستؤثر فيه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فالوالدان لهما دور مهم في تربية الإنسان في بدء نشأته، وهذه التربية يتعلم منها الإنسان الكثير، وتطبع فيه طابعاً يستمر معه، فإما أن يحببا إليه الهداية، وإما أن يحببا إليه الغواية، وإما أن يهملاه فتجتاله الشياطين وكل ذلك ممكن.

    ومن هنا كان الولد من عمل والده، فإن أحسن في تربيته كان ولداً صالحاً يدعو له، وإن أساء في تربيته كان على العكس من ذلك، أجارني الله وإياكم، وكان يفر منه يوم القيامة : يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ[عبس:34-37].

    وبعدها المرتبة الثانية من مراتب التربية: وهي تربية الإنسان لنفسه بعد أن يعقل ويصبح مسئولاً عن تطوير ذاته، وعن تعلم ما أمره الله بتعلمه، يبدأ طوراً جديداً، هو الوجه الذي يختاره في الحياة بعد أن ينفصم عن محضن والديه وعن التربية التي بدأها سيختار طريقه، وقد أعانه الله على ذلك فأراه النجدين: طريق الهداية وطريق الحق، ويختار الإنسان حينئذٍ لنفسه الصحبة الصالحة أو صحبة السوء وقرناء السوء، يختار لنفسه طريق العلم أو يختار لنفسه طريق الجهل، يختار طريق التعبد والتحنث أو يختار طريق الانزلاق، كل ذلك من مسئولية هو.

    ثم بعد هذا تأتي المرتبة الثالثة من مراتب التربية: وهي تربية المجتمع، أي: الجماعة التي يعيش فيها الإنسان، فالإنسان لا يمكن أن يبصر عيوبه بنفسه، ولا يمكن أن يطلع على ما فيه من الأخطاء، بل هو مفطور على التماس العذر لنفسه، وأن يظن الكمال بنفسه في أغلب الأحيان، لكنه إذا عاشر غيره وخالطه، فسيكتشف كثيراً من صفات النقص فيه، وسيكتشف كثيراً من أخطائه، إما عن طريق النصيحة بأن يبين له خطأُه، وإما عن طريق الإعجاب بالآخرين فيرى من ينافسه متصفاً بصفاته يعيا هو دونها، فيحاول اللحاق به والاتصال بالركب، وإما أن يرى صفات النقص في الغير فيستشعر أنها موجودة فيه، فإذا رأى عدم الإنصاف من غيره استشعر أنه هو ينبغي أن يكون منصفاً؛ لأنه لا يمكن أن يكره صفةً موجودة فيه.

    فالذي يكره في الناس صفة البخل لا بد أن يكون هو غير بخيل، حتى يكون صادقاً في كراهته لهذه الصفة، والذي يكره في الناس التطلع وكثرة الأسئلة لا بد أن يراجع نفسه هل هو متصف بهذه الصفة التي يكرهها أم لا؟ فليس من الإنصاف أن يطلب لدى الآخرين ما لا يجده في نفسه.

    ومن هنا كانت تربية الآخرين للإنسان أخطر أنواع التربية، وهي المرتبة الثالثة، فالبيئة والمحيط الذي يحيط بالإنسان ينطبع انطباعاً كاملاً، فإن خالط أهل الخير لا بد أن يؤثروا فيه، وإن خالط أهل الشر لا بد أن يؤثروا فيه كذلك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير)، فالجليس الصالح كحامل المسك، إما أن تشتري منه وإما أن يحذيك، وإما أن تنال منه رائحة طيبة، وجليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك بما يتطاير من شرره، وإما أن تتسخ ثيابك من دخانه وغباره، وإما أن تتأذى بالرائحة الكريهة منه، فلا بد أن يؤثر فيك من إحدى هذه الجهات.

    ومن هنا احتاج الإنسان إلى صحبة أهل الخير الذين يعينونه على عبادة الله سبحانه وتعالى والتعرف عليه والتزام أوامره واجتناب نواهيه، فاحتاج إلى أن يتجنب قرناء السوء الذين يصرفونه عن طريق الحق، ويحولون بينه وبين الهداية بين كثير من الأعمال، يندم يوم القيامة على أنه قد تركها، كما قال تعالى: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ[الزخرف:67]، وكما قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا[الفرقان:27-29]، فيتندم الإنسان على صحبته لبعض الناس حين يقطع عليه طريق الهداية ويحول بينه وبين بعض الأعمال التي كان بالإمكان أن يؤديها، فلديه الفرص المتاحة لاستكمال إيمانه وللقيام بهذه الأعمال، فإن تركها بسبب هؤلاء القرناء فإنهم سيكونون ندامة عليه يوم القيامة، وسيستاء جداً؛ لأنه صحبهم وسلك طريقهم.

    وهذا النوع من التربية وهو المرتبة الثالثة يحتاج فيه الإنسان إلى اختيارٍ، ويحتاج كذلك إلى متابعة ومراقبة، وتلك المتابعة والمراقبة شرطها أن يكون بين القرناء إخلاص وصراحة حتى لا يلبس بعضهم على بعض، وحتى لا يكتم عنه الحقيقة، ولذلك قال عمر بن عبد العزيز : رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي. وكثير من الناس لا يحتاج إلى التنبيه بلسانه، وإنما ينبه على تلك العيوب بحاله، فلسان حاله أبلغ من لسان مقاله، إذا رأيت عمله ذكرك الله عز وجل فنافسته، ولهذا كان من الحكم: (لا تصحب من لا ينبهك حاله، ولا يدلك على الله مقاله)، من لا ينهبك حاله فتنافسه في طاعة الله ومرضاته، ولا يدلك على الله مقاله فيحجزك على طاعة الله تعالى وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، هذا لا خير لك في صحبته أبداً، إذاً هذا فيما يتعلق بالتربية.

    وتطبيق هذه التربية: أن يلتمس له الإنسان العيوب ذات الخطر في مجال تربيته فيحاول إزالتها.

    تأثير العجب والكبر على الإحسان

    وهذه العيوب من أخطرها العجب والكبر، فالإنسان المعجب بنفسه المتكبر على غيره لا يمكن أن يستفيد من المرتبة الثالثة من مراتب التربية، وسيقف عند المرتبتين الأولين فقط، فيقتصر على تربية الوالدين وتربية النفس، ولا ينتفع بالمرتبة الثالثة من مراتب التربية الذي هو تربية المجتمع والجماعة والمحيط الذي يحيط به.

    ومن هنا فيكون قد نقصت تربيته بالثلث، ولذلك فإن أخطر أمراض القلوب الكبر والعجب، وبهما انتقل إبليس إلى لعنة الله حين أعجب بنفسه، وقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ[الأعراف:12]، لعنه الله تعالى هذه اللعنة المستمرة التي هي طرد له عن رحمة الله عز وجل، وابن آدم إذا تكبر يزداد بعداً من الله سبحانه وتعالى، وكلما ازداد كبراً لصق به بعض العيوب والأمراض الأخرى؛ لأن هذا الكبر هو مغناطيس العيوب، من وجد فيه لا بد أن يجتمع إليه الرياء والسمعة والخيلاء والغضب وغير ذلك من الأمراض، فهو المغناطيس الذي يجلب أمراض القلوب كلها، وأول ما على الإنسان أن يراجعه من أمراض نفسه: الكبر والعجب، فإذا وجد نفسه متكبراً معجباً بنفسه فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، وليبدأ من بداية مشواره تصحيح هذه الصفة الذميمة، وإذا أزالها فقد قطع خطراً كثيراً، واستطاع أن يتجنب مغناطيس الأمراض القلبية.

    تأثير حب الدنيا على الإحسان وكيفية علاجه

    ثم بعد ذلك ينتقل إلى المرض الذي يلي ذلك وهو حب الدنيا، فحب الدنيا هو الذي يلي الكبر والعجب، فالمحب للدنيا لا بد أن يكون مرائياً، ولا بد وأن يكون مسمعاً، ولا بد وأن يكون بخيلاً، ولا بد أن يكون سريع الغضب، وكل هذه أمراض من أمراض القلوب، فحب الدنيا داعي للكسل في أمور الآخرة، ولإيثار الدنيا على الآخرة، وللبخل في هذه الدنيا عن النفس، وكذلك داعٍ للرياء، فيرائي الناس ليحصل على ثقتهم، لعل ذلك يكون وسيلة إلى مكسب مادي أو مكسب دنيوي، وكذلك يسمّع؛ لأنه يريد أن يحمد، فيتوصل بذلك إلى بعض أمور الدنيا.

    ومن هنا فإن حب الدنيا هو الدرجة الثانية في الخطر في أمراض القلوب، فهو سرطان أمراض القلوب، ويحتاج الإنسان إلى أن يراجع نفسه دائماً، كلما رأى شيئاً من دنياه يعجبه تذكر تربية الأنبياء، وتذكر حال سليمان حينما قال: رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ[ص:33]، فعندما عرضت عليه الجياد الصافنات فرآها انشغل بها حتى توارت الشمس قبل أن يصلي، فتذكر الله سبحانه وتعالى واتهم نفسه في محبة الدنيا، فقال: رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ[ص:33]، فخلص منها جميعاً.

    وكذلك تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فقد ثبت أن رجلاً من الأنصار كان له بستان بالمدينة، وكان هذا البستان زاهياً جداً، تداخلت أغصان النخل فيه وتنوعت أرضه بأنواع الزراعات الأخرى، فكان يصلي فيه نافلته في وقت الضحى، فطار طائر فأراد الخروج فلم يستطع أن يخرج من بين أغصان النخل لالتفافها وكثرة ما تحمله من الثمر، فجعل يتردد بينها فاشتغل به وهو ينظر إليه بصلاته، فلما سلم تذكر أنه أخذ جزءاً من آخرته بالانشغال بأمور الدنيا، فتخلص من هذا البستان وجاء، وقال: قد فتنت في بستاني هذا فجعله في سبيل الله.

    وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأعظم، كان في صلاته يلبس ثوباً فوقع نظره على علمه، والعلم اللون المتميز الذي يكون في الثوب فيميز جيبه أو مدخل الكم فيه أو غير ذلك، فنظر إلى هذا اللون، فلما سلم خلعه، وقال: (احملوا هذه إلى أبي جهم وأتوني بإنبجانيته، فإني نظرت إلى علمها فكاد يفتنني عن صلاتي)، فعلى الإنسان أن يراقب انشغاله بهذه الدنيا، فإذا وجد شيئاً منها قد دخل إلى قلبه وخرج من يده بادر إلى التخلص منه؛ لأن ضرره أكثر من نفعه، وبذلك يكون فتنةً عليه، فيشغل به ويأخذ كثيراً من وقته في متابعته ومحبته والنظر إليه، فينشغل جانب من جوانب قلبه عن الاتصال بالله ومحبته والارتباط به، ومن هنا قال الله تعالى: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ[التغابن:15]، فعلى الإنسان أن يراجع نفسه بالتعامل مع الأموال والأولاد حتى لا ينشغل جانب من تفكيره، وجانب من علاقته بالله بهذه الفتنة الموجودة.

    تأثير الرياء على إحسان عمل الإنسان

    ثم بعد هذا تأتي الأمراض الأخرى التي تتفاوت في الخطورة، ومن أعظمها الرياء أو السمعة، فإن الإنسان بذلك مشرك شركاً أصغر بالله تعالى حين يعمل عملاً مما يبتغى به وجه الله، يريد به التقرب إلى عبدٍ مسكينٍ فقير لا يملك لنفسه نفعاً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشوراً، ويترك ديان السماوات والأرض الذي ينظر إليه ويراقبه، ومن هنا سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرياء: الشرك الأصغر، وعلى الإنسان أن يراجع نيته في كل عملٍ يقوم به، فإن كانت صالحةً من بداية الأمر وجب عليه أن يتابعها حتى يستمر على ذلك، وإن كانت فاسدةً من بداية الأمر تدارك ما بقي منه وأصلحها ولو في الأثناء، فإنه بذلك قد يتدارك عمله فيكتب بكامله له.

    وكان كثير من السلف إذا أراد الخروج في أمرٍ من أمور الدين فخطا خطواتٍ من غير أن يستحضر نية ذلك الخروج، رجع وأعاد تلك الخطوات حتى يكون ذلك العمل كله خالصاً لوجه الله قد صحبته النية التي هي إكسير العمل، التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى )، ومع هذا فإن الإنسان في غمرة شئون الحياة كثيراً ما يدخل عملاً دون أن يصلح نيته، لكنه ينبغي أن يبادر إلى ذلك متى تذكره، وينبغي أن يكون الانشغال بأمور النية وإصلاحها شغله الشاغل في أوساط العمل، إذا بادر إلى أية مبادرة، أو أراد أي عملٍ، أو خرج في الصباح من بيته ينوي ألا يفعل هذا اليوم معصية لله تعالى، فإذا لبس ثوباً جديداً ينوي ألا يعصي الله ما دام يلبس هذا الثوب؛ لأنه نعمة من نعم الله، لا ينبغي أن يستعان بها على معصية الله، وإذا استجد أي جديدٍ من أي خير تذكر أنه نعمة من عند الله، وأنه لا ينبغي أن يستغلها في معصية الله، فيتعاهد مع نفسه على ذلك.

    ومن هنا فإن كثيراً من الأعمال قد يبدأها الإنسان بنية سيئة ثم يُصلح نيته بعد ذلك، ولهذا قال سفيان بن عيينة رحمه الله: (طلبنا العلم أن يكون لغير الله فأبى أن يكون إلا لله)، يبدأ الإنسان طلب العلم من غير اختياره ومن غير توجهه الشخصي، ولكنه إذا فهم معنى العلم وعرف أنه سلعة غالية وثمن كبير لم يستطع أن يجعله للناس، حاول أن يجعله لوجه الله، فيستفيد من هذا العلم حتى لا يكون حجةً عليه وحتى لا يكون كـ: الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ[الجمعة:5].

    تأثير الغضب على إحسان الإنسان

    ثم بعد هذا يأتي إلى الأمراض الأخرى التي هي دون هذا كالغضب، فالغضبُ مرض من أمراض القلوب ينطبع به الجسم ويظهر عليه، والمرض الذي يكون في الباطن فتظهر أعراضه على الخارج، هذا دليل على خطورته، فالمرض الذي يقتضي ورماً في الجسم هذا دليل على أنه ذو خطر، والغضب في كثيرٍ من الأحيان يظهر على وجه الإنسان باحمراره وانتفاخ أوداجه، وكذلك بتصرفاته، فيكون كأنه يتخبطه الشيطان من المس، فلهذا كان من أخطر أمراض القلوب، وقد ثبت في صحيح البخاري ( أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أريد سفراً فأوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً قال: لا تغضب)، فالغضب يقتضي من الإنسان أن يقول قولاً لا يبالي له باله، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة الواحدة من سخط الله لا يلقي لها بالاً، يهوي بها سبعين خريفاً في قعر جهنم ).

    فالمغضب لا يستطيع التملك لنفسه ولا التملك لأعضائه كلسانه وجوارحه، ومن هنا يتصرف تصرفاتٍ يندم عليها في ما بعد، وهو قد جعل للشيطان سبيلاً على نفسه، فملك رقبته ورقه للشيطان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما رأى رجلاً مغضباً قال: (أما إني لأعرف كلمةً لو قالها لذهب ما به، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب ما به، فأتاه رجل فقال: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك لو قلت ذلك لذهب ما بك، فقال: أبي جنون؟)، فهذا واضح جداً أن عمل الشيطان هو الذي أوصله إلى هذا المستوى، فقد ملك نفسه للشيطان، والنفس إذا لم يملكها الإنسان بالخير تملكها الشيطان بالباطل وقادها إليه، ومن هنا كان الغضب سبباً للقتل وسبباً للقذف، أي: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وسبباً نعوذ بالله للردة في كثير من الأحيان، وسبب لقطيعة الرحم، وسبباً لعقوق الآباء والأمهات، وسبباً كذلك للأيمان الفاجرة والغموس، فكثير من المعاصي الكبرى سببها الغضب، فإذا استطاع الإنسان أن يتغلب على نفسه، وأن يتجنب هذا الغضب فقد نجا من هذه الأمور كلها.

    أنواع الشح وخطره على أعمال القلب

    كذلك بعد هذا من أخطر أمراض القلوب: الشح، والشح هو البخل، وأخطره أن يبخل الإنسان على نفسه، فالذي يقدمه من الصالحات إنما يقدمه لنفسه يجده وقت الحاجة إليه، (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، فالإنسان مكن الله له في هذه الدنيا، وأعطاه من الوقت والعقل والمال وأوجه التصرف الشيء الكثير، فإذا لم يقدم شيئاً لنفسه من هذا، فإنه قد خسر صفقته وغبن فيها، كذلك إذا كان شحيحاً عن نفسه فبخل عليها بما جعل الله تحت يده وأبقاه للوارثين، فإنه كان مال غيره أحب إليه من ماله، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أبقى)، فما أخره هو مال وارثه، تعب فيه وتلقى فيه كثيراً من الأخطار، وتعرض فيه لسخط الناس، وتعرض فيه لكثير من المخاطرات المختلفة، ثم تركه لينعم به من سواه، وانتقل هو وحيداً إلى الآخرة.

    ومن هنا فإن البخل على النفس هو أخطر أنواع البخل.

    ويشمل هذا كذلك أن يبخل على نفسه من نعم الله التي تحت يده في هذه الدنيا، فإن الله يحب إذا أنعم على عبدٍ أن يرى آثار نعمته عليه، وهي من تمام الشكر، ولذلك ذكر العلماء أن من البخل على النفس: لباس الغني لباس الفقير، فهو بخل:

    لباس موسرٍ لباس معسرٍ شح وضده ثوب السري على الدني

    خيلا والضد مهانةٌ والمستجاد بالقصدِ

    ثم إن من ذلك أن يبخل على نفسه في وقته، فيجعل وقته كله في خدمة الدنيا أو في خدمة الآخرين، ويغفل عن أن لنفسه عليه حقاً، وأن هذا الوقت طويل الذي هو رأس ماله، أربع وعشرون ساعةً تمضي، فإذا لم يجعل منها شيئاً لنفسه يختص به يحاسب فيه نفسه، يقدم فيه ذخراً لآخرته، يقبل به على الله فسيضيع، ويكون هذا الوقت ملكاً لغيره، فبدل أن تكون الدنيا تخدمه يكون هو خادماً للدنيا، وهذه هي المشكلة، فمن كان حراً ووجد نفسه حراً وهيأ الله له أسباب الراحة والطمأنينة في هذه الدنيا، فجاء هو فعبد نفسه للدنيا، وجعل نفسه خادماً للدنيا يقلبها ويخدمها ويشتغل بها حتى يتعب نفسه في خدمتها، ولن ينال منها إلا ما كتب له، لو أنه عبد نفسه للدنيا فنال ما لم يكتب لكان هذا معقولاً، لكن الواقع أنه لم ينال بكل جهدٍ يبذله إلا ما كُتب له، ومن هنا فإن عليه أن يتزن وأن يجمل في الطلب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب).

    ثم بعد هذا الشح في التعامل مع الله سبحانه وتعالى، فالله الذي خلقك وسواك وأنعم عليك بأنواع النعم طلب منك تضحيةً في سبيله، وبايعك على ذلك وهي لا تنفعه شيئاً، فتضحيتك لا تنفع الله شيئاً وتركك لها لا يضر الله شيئاً، وقد طلب منك أن تبذل شيئاً في سبيله، فإن بخلت بذلك فقد بخلت على ربك الذي أنعم عليك بكل هذه النعم، كما قال تعالى: هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[محمد:38]، ومن هنا فإن البخل على الله تعالى من شر أنواع البخل، وصاحبه ذميم لئيم؛ لأن أمارة اللؤم أن يأكل الإنسان نعمة الغير، ويستفيد من أنواع الفوائد التي يقدمها له، ثم لا يقدم شيئاً في مقابلها، ولا يجد أن عليه حقاً في المقابل، فهذا غاية اللؤم.

    ثم بعد هذا البخل على الناس، وشره البخل في الواجبات كالذي يبخل في الزكاة فلا يؤديها بطيبة نفسٍ أو يبخل في النفقات الواجبة على أهله وأولاده ووالديه، أو يبخل بحقوق الجيران، أو يبخل بقضاء الديون، وهذا من شر أنواع البخل؛ لأنه يبيح غيبته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد ظلم يحل عقوبته وعرضه)، وفي رواية أخرى: (مطل الغني ظلم يحل عقوبته وعرضه)، فالمطل: هو الليُ، والواجد: هو الغني، لي الواجد ظلم يحل عقوبته لأخذ ذلك المال من ماله، وعرضه فأكل غيبته بأنه مطل مباح، و(مطل) معناه: لم يقض الدين وهو قادر على قضائه.

    كذلك البخل على الجيران وبخل الثري شر من بخل الفقير، وبخل العالم شر من بخل الجاهل، وبخل كبير السن شر من بخل الشاب، والناس يتفاوتون في هذا.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767985360