بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى هو العليم الحكيم الخبير، يعلم السر وأخفى ، لا تحجب عنه السماء سماءً، ولا أرضٌ أرضاً، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره، وقد دبر الكون كله فأحسن تدبيره، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ[الزمر:5]، وجعل من تدبيره لهذا الكون تقسيمه للأرزاق، فقد خلق أرزاق أهل الأرض في الأيام الأولى من خلق العالم، وقال في ذلك: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ [فصلت:9] وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ [فصلت:10]، ولم يشأ أن يجعل أمر العالم سدى، بل نظم هذا الكون تنظيماً دقيقاً عجيباً، فجعل بعض الناس محتاجاً إلى بعض، وجعل هذا الإنسان نكتة هذا العالم ومصدر نمائه وتطوره، وكان قادراً على أن يجعل العالم منقسماً إلى عوالم كما تتعايش الوحوش في الغابات ولكنه أراد أن يجعل في الأرض خليفة، فخلق آدم بيمينه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وكرمه بالعلم، وجعله خليفة في الأرض؛ ولذلك قال: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً[البقرة:30].
وهذا الاستخلاف يقتضي تقييض كل ما في الأرض من أنواع الخلائق للإنسان، فأكبر الحيوانات و أقواها مذلل له، كما قال الله تعالى: وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ [يس:72]، وذلل له الأرض فأجرى له فيها الأنهار التي يمكن أن يزرع بها، وأقام فيها البحار التي تحمل له الأرزاق والمؤن في السفن، وسخر له الأمطار التي تسقي وتروي الآبار وتروي الزروع، ثم بعد ذلك هداه النجدين وعلمه المصالح، وبعد كل ذلك إذا كان الإنسان محتاجاً إلى تنظيم ينظم علاقاته بالله جل جلاله، وينظم علاقاته فيما بينه فأرسل الرسل وأنزل معهم الكتب التي هي من علم الله ووحيه وكلامه، فجاء الرسل بكل ما ينظم علاقات البشر، وجاءوا بنظام أساسه المحافظة على استخلاف الإنسان في الأرض وقيامه بشئون أهلها، فقد قال الله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29].
فكل ما في الأرض خلق لمصلحة ابن آدم إما انتفاعاً وإما اعتباراً وإما اختباراً، فلم يبق من حاجته بعد الأمور الكونية إلا الأمور التشريعية، فشرّع الله هذه الأمور، ولما كان البشر يمرون بأطوار متعددة، عُبّر عنها في نذارة نوح بقوله: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح:14]، وفي نذارة محمد صلى الله عليه وسلم لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ [الانشقاق:19]، احتيج إلى ألا يأتي التشريع دفعة واحدة، فلو جاء التشريع دفعة واحدة في الطور الأول أو الطور الثاني أو الطور الثالث لتوقف نمائه، ولاحتاج البشر إلى أن يعدلوه ويغيروه كما تسمعون في القوانين الأرضية، يوضع قانون ثم يعدل فيقال المعدل بالقانون رقم كذا بتاريخ كذا، وأصل ذلك أن علم البشر قاصر وأن علم الله تعالى كامل، فالله تعالى يقول في علم البشر: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].
أما علم الله تعالى فيقول: إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما من عموم إلا تحته خصوص إلا قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]، ومعنى ذلك أن جميع عمومات القرآن مخصوصة إلا هذا العموم، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ[الزمر:62]هذا عموم لكنه مخصوص فلا يدخل فيه ذات الله وصفاته وكلامه، فالقرآن غير مخلوق وهكذا، وكذلك ((إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، المقصود ما تتعلق به القدرة، فلا تتعلق القدرة مثلاً بإفناء صفاته أو كلامه أو غير ذلك مما هو مستحيل عليه، لكن إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7]، لا استثناء فيها فهو عليم بذاته وعليم بصفاته وعليم بمخلوقاته، وعليم بأفعاله، فهذا العموم شامل لكل ذلك، ومن هنا قال الله تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].
فلما كان علمه محيطاً بأطوار البشرية، وبمصالحها وبأعراضها وأمراضها، وبكل ما ينشأ بينها من الخلافات والمشكلات، كان التشريع الذي ينزله حاكماً، قاضياً على كل ما سواه، وهو الفصل بين الناس فلا يمكن أن يجدوا ما هو أحسن مما أنزل الله، ولا يمكن أن يجدوا ما هو مساوِ له، ولا يمكن أن يجدوا ما هو مقارب له، بل المصلحة كل المصلحة هي فيما شرعه الله جل جلاله لعباده؛ فلذلك نزل الشرائع من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، كلما خاضت البشرية تجربة ومرت بطور تأتيها شريعة مناسبة لذلك الطور، ثم تنسخ وتبدل بشريعة أخرى إذا تغيرت حياة البشرية ومرت بطور جديد، حتى إذا أكملت البشرية تجاربها ووصلت إلى النضج وخاضت جميع التجارب أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة التي هي الدين عند الله، فكل الأديان السابقة ليست هي الدين عند الله، هي دين مؤقت لمدة محددة، وهي حق.
ولذلك ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى مطبق لما بين يديه من الحق، فالتوراة التي كتب الله بيمينه لموسى في الألواح حق من عند الله، لكن علم الله أنها لا تصلح للتطبيق المستمر إلا لمدة محصورة فنسخها، والإنجيل الذي أنزل الله على عيسى بن مريم عليه السلام من كلام الله ووحيه وهو حق، لكن علم الله أنه لا يصلح للتطبيق المستمر إلا مدة محددة فنسخه، لكن هذا القرآن الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم علم الله أنه صالح للتطبيق في كل زمان ومكان وأن البشرية لا يمكن أن تتطور إلى وقت تستغني فيه عن القرآن، أو تكون فيه محتاجة إلى تشريع آخر، أو تكون فيه يلائمها تشريع أعدل منه، فهو أعدل التشريعات كلها.
ولذلك بين الله سبحانه وتعالى إحكامه له فقال: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود:1]، فهذا كتاب أحكمت آياته، والإحكام هنا هو الإحكام العام وهو الإتقان، أحكمت آياته، ثم فصلت فجاء بيانها بالسنة القولية والفعلية، من لدن حكيم لا يتصرف عن الغرض ولا الأهواء وإنما يتصرف بالحكمة البالغة، خبير: فهو المحيط علماً بكل ما في هذا الكون.
فلذلك لو علم الله أن البشرية ستصل إلى وقت تستغني فيه عن القرآن لأنزل بعد محمد صلى الله عليه وسلم كتباً أخرى، ولو علم أنها تمر بطور يصلح لها فيه غير القرآن لأنزل عليها كتاباً آخر، فهو الحكيم الخبير علمه لا ينقص، كل ما أنزل في الكتب السماوية من علم الله لم ينقص من علم الله تعالى قدر ذرة، بل علمه جل جلاله في وفرته وكماله محيط بجميع الأشياء على التفصيل والإجمال، لا تخفى عنه خافية جل جلاله.
وقد علم الله أن البشر فيهم كثير من الأمراض، منها الظلم، فهو من طباع البشر، ومن طباع الحيوانات كلها إلا ما هذب منها، فالحيوان غير المهذب ـ معناه المتروك على أصله ـ لا بد أن يصدر منه الظلم، وقد قال الحكيم:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
ولذلك فمن تمام المخالفة أن الله سبحانه وتعالى نفى الظلم عن نفسه جملة وتفصيلاً فقال: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44]، أما البشر فهم مخالفون لله جل جلاله في صفاتهم؛ فلذلك شاع فيهم الظلم وانتشر، إلا من هذبت نفسه فهو الذي يستطيع التغلب على هذه الغريزة، وهذا الظلم ضرر بين؛ لأنه إفساد في هذه الأرض التي بناها الله على العدل، ودبر أمورها هذا التدبير الدقيق؛ لأن الظلم يغير الوضع الأصلي الذي وضعه الإله جل جلاله عما هو عليه؛ ولذلك كان مقيتاً، وكان إفساداً كبيراً في الأرض، أرأيتم لو أن البشر سلطوا على ذرات الشمس الكثيرة النافعة للعالم؟ فإنهم حينئذٍ لا بد أن يحجبوا نفعها عن أهل الأرض ما استطاعوا، ولو جعلت قسمة الأرزاق تحت أيديهم لمنعوا كثيراً من الناس، ولو جعلت قسمة الأمطار إليهم لمنعوا كثيراً من الناس، وهذا معروف في لغات البشر، فلا نزال نذكر قول زياد بن حمل في الجاهلية:
إذا سقى الله أرضاً صوب غادية فلا سقاهن إلا النار تضطرم
فالبشر لو جعل شيء من الأمور تحت أيديهم لمنعوه، حتى لو كان ذا وفرة كبيرة كالهواء والماء وغير ذلك، لا يمكن أن يجعل تحت أيديهم شيء من ذلك إلا منعوه.
كذلك فإن الإنسان إذا أحس بالغنى أو بالقوة فيتصف بوصف آخر نضير للظلم وهو الطغيان، والطغيان يقتضي منه التكبر والفسوق، والفسوق معناه: الخروج عن الطاعة، يقال: فسقت البيضة إذا خرج الفرخ منها، فالفسق معناه: الخروج عن طاعة المولى جل جلاله، فكل ذلك ينتشر في البشر إذا أحسوا بالقوة والغنى ولم يجدوا ضغطاً عليهم.
وكذلك داء آخر هو داء الغفلة، يصاب به الإنسان فيغفل عن المحاسبة، وينسى أنه مستخلف فيما تحت يده، فهو خليفة، تكريماً وتشريفاً له، لكنه مستخلف ويده يد وكيل ينتظر العزل في كل حين، كما قال الله تعالى: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ[الحديد:7].
ثم إن الله سبحانه وتعالى بتدبيره جعل أملاك الناس تنقسم إلى قسمين :
إلى أملاك خصوصية ، وإلى أملاك عمومية.
فالأملاك العمومية عادة تتصف بصفتين:
الصفة الأولى: الوفرة، لا بد أن تكون كثيرة، فالشيء اليسير لا يمكن أن يتحاص الناس فيه بالعدل؛ فلذلك جعل الله الأملاك العمومية ذات وفرة وكثرة.
الخاصية الثانية: هي الحاجة، أن يكون محتاجاً إليه حاجة كبيرة، فالشيء الذي لا يحتاج إليه إلا عدد يسير من الناس لماذا يقسم بين الناس على السوية وكثير منهم غير محتاج إليه؟ فلذلك كانت الأملاك العمومية محل حاجة لدى الجميع.
من هنا ترتب على هذا ما يتعلق بنشأة الناس، فالإنسان يولد صغيراً ضعيفاً، محتاجاً إلى من يقوم بشئونه، ويغذي بدنه ويغذي عقله بزيادة المعلومات، ويدربه على أساليب حياته حتى يبلغ أشده، وكثير من الذين يبلغون أشدهم يبلغون وهم عاجزون عن الكسب والانتاج وفيهم كثير من الضعف، ثم بعد ذلك يصل الإنسان بعد تمام أشده إلى قوته إلى الضعف فيكون محتاجاً إلى من يرعاه ويقوم بشئونه كلها، كما قال أمية بن الأسكر رضي عنه:
يا أم هيثم! ماذا قلت أبلاني ريب المنون وهذان الجديدان
إما تري حجري قد رَكَّ جانبه فقد يسرك صلباً غير كَذَّان
أو ما تريني لا أمضي إلى سفر إلا معي واحد منكم أو اثنان
ولست أهدي بلاداً كنت أسكنها قد كنت أهدي بها نفسي وصحباني
أمسيت هُزْءاً لراعي الضأن أعجبه ماذا يريبك مني راعي الضان
انعق بضأنك في نجم تحفره من المواضع واحبسها بجمدان
إن ترع ضأناً فإني قد رعيتهمُ بيض الوجوه بني عمي وإخواني
يا ابني أمية! إني عنكما غانٍ وما الغنى غير أني مرعش فانٍ
يا ابني أمية! إلا تشهدا كبري فإن نأيكما والثكل مثلان
إذ يحمل الفرس الأحوى ثلاثتنا وإذ فراقكما والنأي سيان
فالإنسان إذا تقدم به العمر لا بد أن يعود إلى الضعف والشيبة فيحتاج إلى من يقوم بشئونه ويرعاه، فإذا كان الحال كذلك عرفنا أن مدة الإنتاج في البشر مدة محصورة هي بين الصغر والكبر، هي مدة التوسط بين الصغر والكبر، عندما يتم عقل الإنسان ويتم بدنه وتتكامل قواه، وسرعان ما يعود إلى النقص والانمحاق، فالله تعالى خلقه من ضعف ثم بعد ذلك جاء إلى القوة، ثم يعود إلى الضعف والشيبة؛ فلذلك يحتاج إلى من يرعاه ويقوم بشئونه في مرحلتين: مرحلة صغره، ومرحلة كبره، وكثير من الناس يحتاج إلى الرعاية المطلقة، إما لضعف في العقل أو لضعف في البدن، أو لضعف في التدبير والركن، وكل ذلك هو من عوارض الأهلية فالأصل أن الإنسان مؤهل لهذا الاستخلاف، لكنه يعرض له عوارض تمنعه أهليته كالصغر، وكضعف العقل وكالمرض، وغير ذلك من العوارض التي تمنع الإنسان أهليته للتصرف في ماله أو في بدنه، فاحتاج الإنسان إذاً إلى ولاية عليه، وهذه الولاية هي لمصلحته في الواقع، ليست إهانة له ولا إذلالاً كما يتصوره بعض الناس أن ولاية الرجل على ابنته أو على أخته هو من باب الإذلال والإهانة، وتجدون أهل القوانين الوضعية اليوم يبحثون هذه المسألة، هذا غاية في عدم الفهم وعدم الإدراك، فالمرأة كرمت وشرفت بأن أضيف إليها عقل إلى عقلها، زيادة في التمكين والتدبير والاختيار، والصغير احتاج إلى أن يضرب عليه الحجر لمصلحته هو؛ لأنه يخفى عليه كثير من الأمور؛ ولذلك إذا تقدم به العمر يقول: يا ليتني لم أهمل سنوات مضت! ويا ليتني فعلت! ويا ليتني فعلت! والكبير كذلك مقر بعجزه عن التصرف فيحتاج إلى أن يقوم أحد بشئونه.
فلذلك كانت الولاية شرعاً للمصلحة، وهذه الولاية إما أن تكون على مال خاص وبدن خاص، أو أن تكون عمومية.. عامة.
فالولاية الخصوصية يشترط لها الرشد وكمال التدبير، لكن لا يشترط لها أكثر من ذلك من تمام الصلاح والعلم والاستقامة؛ لأنه لو شرط ذلك لما وجد من يقوم بشئون اليتامى والفقراء والضعفة والكبار والصغار، وهم ذووا عدد كبير، ولا يمكن أن يكون في البشر من يتولى شئون جميع هؤلاء من الصالحين الذين تشترط فيهم الشرط الكثيرة.
أما الولاية على الملك العام والتصرف العام فهي السلطان، وهذه لا بد أن يشترط لصاحبها كثير من الصفات؛ لأنه ستجعل تحت يده الأرزاق، وستجعل تحت يده الأسلحة والجيوش، وستجعل تحت يده القسمة إما أن يعدل فيها وإما أن يجور؛ فلذلك لا بد أن يشترط له كثير من الصفات، فاختار الله الرسل لقيادة البشر، وهم معصومون لا يمكن أن يتهموا، ولا يمكن أن يجوروا في حكمهم، ولا بد أن يعدلوا، وبين الله تعالى أنه امتحن إبراهيم بكثير من الامتحانات فنجح إبراهيم في جميعها، فجميع المواد يحرز فيها مائة على مائة، وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ[البقرة:124]، أتمهن: العلامة كاملة ليس فيها نقص، فما هي الجائزة؟ قال: قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124]، إمامة عامة على البشر جميعاً، قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [البقرة:124]، أراد أن تكون الإمامة في ذريته فاشترط الله عليه شرطاً قَالَ [البقرة:124]، من كان من أهل الظلم لا يناله هذا العهد بالإمامة؛ لأن الإمامة يقصد بها انتظام أمور البشر ورعاية دينهم ودنياهم، وإحسان التصرف في مالهم العام الذي هم شركاء فيه؛ ولذلك اشترط الله هذا الشرط: لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124].
ثم بعد هذا جاءت ذريته فكان بنو إسرائيل يسوسهم الأنبياء كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى عهد بني إسرائيل ووصلت البشرية إلى نضجها، أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم وولاه على شئون الناس، سواء منها ما كان عمومياً وما كان خصوصياً، فقال الله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ[الأحزاب:6]، وبين أن هذه الولاية أيضاً هي لمصلحة المؤمنين فقال: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، حتى نرى تمام القرب وتمام الرحمة والرأفة، فالمؤمنون جميعاً كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً، أقوياء وضعفاء كأنهم عيال النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أولى بهم من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم، وهذا تمليك من الله جل جلاله للنبي صلى الله عليه وسلم للسلطان والتصرف، لا يستطيع أحد أن يتعقبه ولا أن يعقب عليه، فالله تعالى يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[الأحزاب:36].
فليس للبشر الخيار بعد حكم الله جل جلاله، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أرسل والأمر غير ممهد، لم يسلمه الله مفاتيح الدنيا عياناً بياناً، ولم يهيئ له الناس فيأمرهم بطاعته جميعاً أمراً كونياً حتى ينقادوا له، بل جعل الله ذلك جهاداً واستعداداً عظيماً لا يمكن أن يصل إليه النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكثير من المجاهدة والتكوين؛ فلذلك طهره الله من البداية فشق صدره وأخرجت منه المضغة السوداء، التي هي قابلية أمراض القلوب، وغسل قلبه بماء زمزم، ثم بعد ذلك شق مرة ثانية للإسراء والمعراج، وأنزل إليه الوحي، وهيئ نفسياً (فما من نبي إلا وقد رعى الغنم)، قيل: ولا أنت يا رسول الله! قال: ( كنت أرعى غنماً لقريش على قراريط).
وكذلك فإنه درب على تحمل المشاق والأعباء، وعلى تحمل الطعن والذم والشتم، فأنتم تعلمون أنه هو أكرم الناس، وأنه أجمل الناس وأكملهم، وأحسنهم خلقاً، ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان لا يواجه ما يكره فستكون شخصيته ضعيفة، لا يستطيع الصمود ولا اتخاذ القرارات الحاسمة؛ فلذلك سلط الله المشركين على أنفسهم فعادوا النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الحكمة، والرسول صلى الله عليه وسلم منتفع بعداوتهم ومنتفع بذمهم وشتمهم؛ لأن هذا مما يقوي شخصيته ويزيد تمام رجولته، وخلقه، فدعا الناس إلى سبيل الله ، وشاء الله أن يختلفوا كما بين الله أن سره في الكون كله، أن يكون الناس أمة واحدة فيبعث الله فيهم نبياً فيفترقوا على أساس ذلك: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ[البقرة:213].
فبعثة الرسل هي التي تفرق الناس، لا بد أن يفترق الناس بين مصدق ومكذب كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14]، فسنة الله أن يصدق بعض الناس ويكذب بعضهم، فحصل هذا ومكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لا يدعو إلا من يثق إليه.
وكان يقسم الناس إذ ذاك بحسب مستواهم وإدراكهم فقسمهم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الاختيار الاستراتيجي.. الرواحل الذين يستطيعون تحمل الأعباء والمشاق، وسيجاهدون جهاداً مريراً يضحون فيه بأرواحهم وأجسامهم وأهليهم وأوطانهم، وهم مستعدون لذلك استعداداً كاملاً، وهؤلاء المستعدون الذين هم الرواحل جعلهم في دار الأرقم، فليس لديهم أي نقص يمنعهم من تحمل الأعباء، وليس عليهم ضغوط للمجتمع من حولهم، وليس لديهم نقص في شخصياتهم وإدراكهم فكانوا أهلاً لتحمل الأعباء، ولحمل هذه الرسالة والتضحية من أجلها، وهؤلاء جعلهم في دار الأرقم ورباهم تربية مريرة، مكثوا فيها ثلاث عشرة سنة، لكن كل سنة جاءت بقرن كامل من عمر السياسة في الإسلام، من عمر دولة الإسلام، فدامت هذه الدولة ثلاثة عشر قرناً، كل قرن يقابل سنة من سنوات العهد المكي.
القسم الثاني: ليسوا أقل شأناً من السابقين من ناحية استعدادهم وتحملهم المشاق والأعباء، فليس لديهم نقص في أنفسهم ولكن عليهم ضغوط للمجتمع من حولهم، فلو التحقوا بالمجموعة الأولى لاكتشفت وعرفت، وكان ذلك ضرراً ماحقاً فمن سنة الأنبياء أن تبدأ دعوتهم بالسرية، كما قال نوح: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا [نوح:5]، فبدأ بالليل قبل النهار وهذا إشارة إلى السري، قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا [نوح:5-9]، وكذلك إبراهيم قال: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء:57]، وكذلك لوط قال الله له: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ [الحجر:65]، وكذلك موسى قال الله له: فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ [الدخان:23]، وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ [الدخان:24]، و يعقوب قال لابنه يوسف عليه السلام: يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا[يوسف:5]، وَقَالَ يَا بَنِيَ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ[يوسف:67]، و يوسف قال الله عنه: فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ[يوسف:77]، وأصحاب الكهف قال الله حكاية عنهم: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا [الكهف:19] إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف:20].
فلذلك كان هؤلاء القوم عليهم ضغوط للمجتمع فجعل النبي صلى الله عليه وسلم محضناً آخر غير دار الأرقم، وهو دار سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وزوجته فاطمة بنت الخطاب، وهؤلاء منهم مثلاً عبد الله بن مسعود وكان راعياً يرعى الغنم على الناس، فلو أضل قوم شاة من الليل وجاءوا يطلبون ابن مسعود فوجدوه في دار الأرقم لا كتشف العمل، ومنهم خباب بن الأرت وكان حداداً يصلح للناس الأبواب والنوافذ فلو جاء قوم يطلبونه من الليل فوجدوه بدار الأرقم أيضاً لا كتشف العمل، ومنهم عمار بن ياسر وكان تاجراً يبيع للناس ... فلو جاء قوم يطلبونه من الليل فوجدوه بدار الأرقم أيضاً لا كتشف العمل، فجعل لهم داراً مستقلة، وانظروا إلى الحكمة التي اختار بها رسول الله صلى الله عليه وسلم البيتين العظيمين، فقريش أهل مكة كانوا منقسمين في الجاهلية إلى قسمين:
تحالف قسم يسمى: حلف المطيبين، وقادتهم بنو هاشم، والحلف الثاني اسمه: حلف لعقة الدم وقادته بنو مخزوم وبنو عدي، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما اختار هذا المحضن السري جعله في حلف لعقة الدم ولم يجعله في دور المطيبين، فلو كانت تربيته لهؤلاء القوم في دار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في دار رجل من بني هاشم أو من بني المطلب أو أحد حلف المطيبين لا كتشف الأمر؛ لأن هذه الدور مراقبة؛ فلذلك اختار دار الأرقم بن أبي الأرقم وهو شاب من بني مخزوم الذين كانوا أصلاً أعداء لبني هاشم في الجاهلية، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم كان منهم أيضاً قادة أعداء الدعوة كالوليد بن المغيرة، وابن أخيه أبي جهل ، وغيرهما من الذين ناصبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العداء، وبنو عدي بن كعب أيضاً إذ ذاك يقودهم عمر بن الخطاب وكان معادياً لهذه الدعوة في بداية نشأتها، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم هذين البيتين، وأيضاً فدار الأرقم كانت على الصفا فلا يستغرب خروج الناس منها ودخولهم إليها في أية ساعة من ليل أو نهار، فالناس يطوفون بين الصفاء والمروة دائماً؛ فلذلك إذا خرج إنسان من دار الأرقم فرأى من يتابعه يمكن أن يجعلها طوافاً سعياً بين الصفا والمروة فلا يكتشف، وهكذا.
والقسم الثالث: علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يصلحون لتحمل هذه الأعباء والمشاق ولكنهم مع ذلك يؤازرون، وهم مد للجسور والعروق في داخل المجتمع، ورفع للأشرعة الخارجية، وهؤلاء قبل منهم الإسلام وبايعهم عليه، لكنه لم يقبل منهم الالتحاق بهذا العمل التربوي الذي كان يقوده صلى الله عليه وسلم إذ ذاك، ومن هؤلاء أبو ذر رضي الله عنه، فقد كان من أفاضل الصحابة ومن أصدق الناس لهجة لكنه لم يكن يتحمل كتمان السر، وليس ذلك نقصاً في فضله ولا مزيته بل هو من أفاضل الصحابة رضوان الله عليه، وقد حدثنا عن نفسه فذكر أنه لم يزل يسمع بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فلما كثر عليه ذلك قال: أرسلت أخي فقلت: ائتني بجلية أمر هذا الرجل، فذهب إلى مكة فعاد، فقال: وجدته وقومه عليه جرآء والناس فيه مختلفون بين مصدق له ومكذب. فقلت: لم تشف لي غليلاً، فصعدت على راحلتي فأتيت مكة، فاستقبلوني الملأ من قريش عند البيت، قالوا: لعلك غريب بهذا الوادي، قلت: أجل. قالوا: إن في هذا الوادي رجلاً هو أسحر خلق الله، فحذار أن تسمع شيئاً من كلامه لئلا يسحرك. فجعلت القطن في أذني لئلا أسمع شيئاً من كلامه ـــ انظروا إلى التأثر الشديد، مجرد السماع، فهو جاء لطلب الحق ومع ذلك يسمع من طرف فيتأثر به ـــ قال: فجلست عند الكعبة.
حتى إذا تعالى النهار أتاني علي بن أبي طالب وهو شاب فتى صغير، فقال: هل لك فيمن يضيفك؟ قلت: لوددت ذلك، فقال: اتبعني! فكنت أتبعه، فإذا رأى من ينظر إليه تشاغل بإصلاح نعله، حتى أدخلني على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت وجهه علمت أنه ليس وجه كذاب، فجعل أبو ذر ينتزع القطن من أذنيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثه ويكرمه فعرض عليه الإسلام فأسلم، ثم قال: ( ارجع إلى قومك فكن فيهم، فإذا علمت أن الله أظهرني فالحق بي، واكتم إيمانك عن قريش فإني أخافهم عليك )، قلت: والذي بعثك بالحق! لأرمين بها بين أظهرهم، لا يستطيع كتمان إسلامه، فذهبت إلى الملأ حول الكعبة، فقلت: ألا إني أسلمت وبايعت محمداً، فقاموا إلي فضربوني حتى أدموني وأسقطوني على الأرض، فجاء العباس بن عبد المطلب فمنعهم أن يقتلوني، فلما كان في المساء، وقفت بينهم فصحت فيهم ألا إني أسلمت وبايعت محمداً فقاموا إلي حتى كادوا يقتلونني فجاء أبو بكر الصديق فحال بيني وبينهم، وقال: اخرج إلى قومك، وقال لهم: أتقتلون رجلاً من غفار وتجارتكم تمر على غفار.
وقد عرفتم من هذه القصة لماذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر أن يدخل في دار الأرقم، أو أن يذهب إلى دار سعيد بن زيد ؟ ونظير ذلك أيضاً ما تجدون في الصحيحين في حديث إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي، فإنه لما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( ارجع إلى قومك فكن فيهم فإذا علمت أن الله أظهرني فالحق بي، قال: فأتيت قومي من الليل فاستقبلني أبي فقلت إليك عني فلست منك ولست مني! قال: ولم يا بني؟ قلت: تابعت محمداً ودخلت في دينه. قال: ديني دينك. فاستقبلتني أمي فقلت: إليك عني ولست مني! قالت: ولم يا بني ؟ قلت: تابعت محمداً و دخلت في دينه. قالت: ديني دينك. فاستقبلتني صاحبتي، فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني! قالت: ولمه؟ قلت: تابعت محمداً ودخلت في دينه. قالت: ديني دينك ).
فقد عرفتم من هذه القصة أيضاً أن الرجل لا يتحمل العمل الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به ويأمر به أصحابه بالصبر والصفح وعدم ردات الأفعال، فإن الله أنزل عليه إذ ذاك: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الجاثية:14]، فكان أحدهم يضرب حتى يسقط، وتوضع الحجارة المحماة على بطنه، ويقرن الرجلان القويان كأبي بكر و طلحة قرنهما نوفل بسدية قوسه لكنهم يصبرون؛ لأن المرحلة مرحلة صبر، وهم يعدون ويدربون على الصبر، والصبر هو الامتحان الشاق الذي يعرف به الإنسان هل هو متحكم في أعصابه، ويعرف به مدى ثباته وقوته، وهذه المشاق لا يستطيعها هؤلاء الذين لم يأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الالتحاق به إذ ذاك الصبر عليها أبداً، كما هو واضح من شخصياتهم، الأمر الآخر أنهم أيضاً سيندمجون اندماجاً كاملاً ويتربون تربية مخالفة لما كان عليه الجاهلية بالكلية، فأهل الجاهلية ينظرون إلى التفاوت في الأجسام والمال على أنه ذو أهمية كبيرة وقيمة، ففلان إذا كان ابن فلان من الأسرة الفلانية، فهذا قيمته كبيرة لدى أهل الجاهلية، وهذا مخالف لقيم الإسلام، فالإسلام قيمته قول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى، الناس سواسية كأسنان المشط)، وقال: (الناس لآدم وآدم من تراب).
فلذلك هذا المعيار، وهذه القيمة التي يرسخها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوبهم إذ ذاك يصعب على أولئك تحملها؛ ولهذا قال أبو ذر للرجل: إليك عني يا ابن السوداء! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية)، فهذا من فعل الجاهلية وليس من قيم الإسلام، فالإسلام قيمته أن الأسود والأبيض سيان أمام الوحي المنزل من عند الله، فالجميع خلقه الله ولم نخلقه نحن، والجميع رزقه الله ولم نرزقه نحن، والجميع كلفه الله ولم نكلفه نحن، فمن أطاع الله فقد نجح ووصل إلى الغايات، ومن عصى الله فلا خير فيه أيضاً سواء كان ابن أسرة كريمة، سواء كان ملكاً، فإذا هذا التفاوت الدنيوي مدته محصورة يسيرة، وقد بينت لكم مثالاً له، وينقطع بمجرد الموت، أنت إذا وقفت على المقبرة أتحداك هل تستطيع التمييز بين قبر الأبيض والأسود، أو بين قبر الغني والفقير، أو بين قبر العالم والجاهل، أو بين قبر الرجل والمرأة، لا تستطيع أبداً أن تميز بين هذه القبور، فكيف لو اطلعت عليهم وهم مبعوثون من قبورهم يوم الحشر، وكيف لو اطلعت عليهم وهم في الجنة وقد تغيرت هيئاتهم وأشكالهم؟ أو اطلعت على من دخل منهم النار وقد تغيرت هيئاتهم وأشكالهم أيضاً، فالمعايير متباينة.
ربى النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء هذه التربية الشاقة، فصبروا وصمدوا، وأوذوا وعذبوا، وهم مع ذلك صابرون، وكان يمر على بلال وهو توضع الحجارة المحماة على ظهره وبطنه ويقلب على الرمضاء، وهو يقول: أحد.. أحد.. لا يتراجع أبداً عن توحيده، ويمر على آل ياسر وهم يعذبون فيقول: (اصبروا! آل ياسر فإن موعدكم الجنة)، وقد عذبوا جميعاً وأوذوا، حتى كانت أم جميل بنت حرب تحمل الأقذار والأشواك فتضعها عند باب النبي صلى الله عليه وسلم فتحفر له الحفر لذلك، وقد اتخذت حبلاً تجمع فيه الأشواك وتأتي بها إلى باب داره في الليل، فكان إذا خرج يقول: يا بني عبد مناف! ما هذا الجوار؟ هذا الجوار سيء جداً للغاية، ولكن كان الجزاء في قول الله تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [المسد:2] سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:3] وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [المسد:4] فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:5].
بعد هذا أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة، ومهد لذلك ببيعة العقبة، فأقام أول دولة أقيمت في هذا العهد الجديد، وأقامها بالمدينة المنورة، وقد بسط ظلالها فأمن الناس وتساووا في الحقوق والواجبات، واتسعت هذه الدولة ليدخل تحت ظلالها من هو مخالف لهذا الدين، فكان عدد من اليهود يقيمون في المدينة من رعايا هذه الدولة، وعقد معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عقداً على حمايتهم ورعاية مصالحهم وأن يكونوا من رعايا هذه الدولة وأفرادها، وعقد عهداً مع القبائل المحيطة بالمدينة كبني مدلج وبني ضمرة على نضير ذلك فكان لهم من الحقوق ما يشبه حق المواطنة اليوم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم اشتراك الناس في الأمور العامة، فقال: (الناس شركاء في ثلاثة: الماء والنار والمرعى)، فهذه أمور ثلاثة يشترك فيها جميع الناس.. المسلم والكافر والبر والفاجر شركاء فيها، لا يمنع أحدُ أحداً نصيبه منها.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاثة الذين هم خصوم الله يوم القيامة، ومن كان الله خصمه خصمه، (رجل على فضل ماء بفلاة من الأرض يحميه ويمنعه)، فهذا يخاصمه الله جل جلاله يوم القيامة، فنعم المسلمون في هذه الدولة وظلالها، وقادها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي الله فاستقامت أمور الناس ، لا ظلم ولا طغيان ولا بغي ولا حرص على الدنيا، ولا تنافس فيها، كان التنافس في الشهادة في سبيل الله وفي الاستبسال في الجهاد، وفي حفظ القرآن وفي العلم، وفي القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أهل الجاهلية يتنافسون على الدينار والدرهم فلما قامت هذه الدولة انعكست الموازين، فأصبح تنافس الشباب ما هو؟ مثل ما سمعتم يوم بدر، أبناء عفراء يقولون لـ عبد الرحمن بن عوف : إذا رأيت عمرو بن هشام فأرناه.
فأصبح التنافس إذاً على أمور الخير، وتغيرت الأخلاق بالكلية، فقامت هذه الدولة وطبق فيها الشرع المنزل، وكثير من الناس يظن أن هذه الدولة إنما طبقت فقط الحدود، ينظر إلى الشرع على أنه الحدود، وهذه غفلة كبرة وجهالة عظيمة بشأن الدين، كم أقيم من الحدود في دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عشر سنوات، لكن لم يرجم إلا خمسة أشخاص طيلة عشر سنوات، ولم يجلد في الزنا إلا قدر ذلك تقريباً، ولم يقطع في السرقة إلا أربعة أشخاص تقريباً، والجلد في الخمر أيضاً كان يسيراً جداً قليل جداً الذين روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلدهم، ثلاثة تقريباً كما قال ابن حزم .
فإذاً كان العدد يسيراً جداً، فالخمسة الذين رجموا هم اليهودي واليهودية اللذان أراد اليهود أن يحكموا عليهما بتسخيم الوجوه، فتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم بينهم بما أنزل الله في التوراة على موسى من الرجم، فرجمهما، وصاحبة العسيف، وحديثه في الصحيحين، عندما جاء رجلان يختصمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: احكم بيننا بكتاب الله! فقال: نعم! فقال أحدهما: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وفي هذا الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واغدوا يا أنيس ! إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها)، وكذلك ماعز بن مالك فقد اعترف أربعاً فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الغامدية التي (تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له).
فهؤلاء الخمسة فقط هم من رجمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه المدة الطويلة عشر سنوات لم يقع من الحدود إلا ما سمعت، وذلك أن أمور الرعية قد استقامت، فحالات وجود الزنا نادرة جداً، حالات شرب الخمر نادرة جداً، وحالات السرقة نادرة جداً، وهكذا، وإذا حصلت فصاحبها سيؤنبه ضميره ويتوب توبة خالصة، كتوبة ماعز، وتوبة الغامدية ، فلذلك في ذلك كان أمر الرعية مستقيماً على وفق ما أنزل الله من الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس معنى هذا أنهم جميعاً كانوا معصومين، بل كانوا خطائين كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، لكنهم يخطئون ويتوبون، وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخطأوا أن يستروا على أنفسهم، وألا يفضحوا أنفسهم وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وقال: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فأيما حد وصل إلي فقد وجب).
بعد هذا توفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد أن درب أصحابه ثلاث عشرة سنة بمكة قبل التمكين، وعشر سنوات بالمدينة بعد التمكين توفاه الله، وكان ذلك امتحاناً شاقاً لهذه الأمة، وامتحاناً شاقاً للصحابة لكنهم نجحوا في الامتحان.
فهذا أبو بكر الصديق يأتيه فيكشف عن وجهه وهو مسجى بثوب فيقول: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها)، ثم يقرأ قول الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ[آل عمران:144]، وفق الله المؤمنين إذ ذاك فبايعوا أبو بكر الصديق، ليست عن رضية عامة ولا مشورة تامة، بل جاء هو وعمر و أبو عبيدة إلى عدد يسير من رجال الأنصار في سقيفة بني ساعدة فتناقشوا في الأمر العام، فاقترح عمر و أبو عبيدة أن يبايع أبو بكر فبايعاه فبايعه الأنصار، ثم بعد ذلك بايعه الناس في المسجد بيعة عامة، وحصل الإجماع بين الجميع على أن الأمر لا يترك سدى؛ لأنه لا بد أن يكون من البشر من يسوس الناس ويتولى شئونهم، ويرعى ضعفاءهم، ويقوم في التصرف في مالهم العام، وشئونهم العامة.
وكانت بيعة أبي بكر رضي الله عنه فلتة وقى الله المؤمنين شرها، فحمدوا غبها، وضاعف أبو بكر الرقعة، وجيش الجيوش ودبر الأمر أحسن تدبير، ومكث سنة لا يأخذ شيئاً من بيت المال، وهو يتولى كل أمور المسلمين، ثم بعد ذلك قال : أيها الناس! إني كنت أمرأً تاجراً أنفق على عيالي من ريع تجارتي، وقد شغلتموني بأموركم عن تجارتي، فاجعلوا لي رزقاً من بيت ماله، فجعل أهل المسجد يتفاوضون كم يجعلون لأبي بكر ..كم الراتب المناسب له، فاتفقوا على راتب إذا نظرنا بمنظورنا الحالي يعتبر زهيداً جداً، فرضي به أبو بكر وأخذه، فمكث سنة أخرى وستة أشهر وتوفاه الله.
وعندما مرض رشح للأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يكون خليفة بعده، وهو يعلم أن ذلك ليس مجبراً للأمة، فمجرد ترشيح أبي بكر لا يقتضي أن تجبر الأمة على السماع والطاعة لعمر ؛ لأن الطاعة عقد بين الراعي والرعية، وهذا العقد لا يمكن أن يكون بالإكراه، بل لا يكون إلا بالتراضي؛ فلذلك انعقدت إمامة عمر وخلافته ببيعة المسلمين له، فبايعه المسلمون في المسجد النبوي، فانعقدت له البيعة، فدبر الأمر عشر سنين و أشهراً على أحسن تدبير، واستمرت الدولة كما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر لم يقع فيها أي خلل، بل زادت وانتشرت، كما كان تعبيراً لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ثبتت في الصحيحين أنه قال: (رأيت كأني على فم بير وبيدي دلو بكر فانتزعت بها ما شاء الله أن أنزع، ثم تناولها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يرحمه، ثم تناولها ابن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن)، تضاعفت واردة بيت المال حتى اقترح عمر أن يجعل جميع المسلمين موظفين في بيت المال، لا يبقى أحد من الناس إلا وهو يتقاضى راتباً، لكنه جعل الرواتب متفاوتة بحسب السبق في الإسلام، فبدأ بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين رضي الله عنهم ونوه بشأنهم في الكتاب، وجعل لكل واحد منهم ألفين وستمائة، وكان يبدأ بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤخر حفصة ، فإن كان نقص كان في نصيب حفصة ابنته، ومنع ابنه عبد الله بن عمر أن يكون من أولئك مع مزيته في الإسلام وحبه للنبي صلى الله عليه وسلم وعلمه فأخره فقال: لم يهاجر وإنما هاجر به أبوه.
ثم جعل لمن دون المهاجرين والأنصار راتباً آخر أقل من هذا، وهكذا إلى أن أصبح بيت المال موزعاً في الرواتب على الناس، بل إنه فكر في استمرارية هذا الأمر فوقف سواد العراق وأرض الشام وأرض مصر على المسلمين، جعلها وقفاً عاماً على المسلمين حتى تقوم الساعة، قال: لو قسمت بين الغزاة لملكوها، فماذا يبقى للفقراء الذين لا يستطيعون الغزو والجهاد؟ فجعلها وقفاً لجميع المسلمين، وقد قال قبل موته بثلاثة أيام على المنبر: قد رأيت رأياً لو خير لي أن أفعله لا تحتاج بعدي امرأة إلى رجل. رأى تدبيراً لو قدر له أن نفذه لم تحتج أرملة بعده إلى رجل، سيصل إليها رزقها في بيتها، لكن الله قبضه فطعن رضي الله عنه، فرشح ستة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فهؤلاء الستة هم أفضل الناس وأكثر استعداداً إذ ذاك للقيام بالشأن العام، فمن ناحية العلم هم جميعاً من السابقين الأولين من المهاجرين، ومن ناحية الفضل كلهم قد رضي الله عنهم وأحل عليهم رضوانه الأكبر الذي لا سخط بعده، وقد قيل لهم افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم. اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فذنوبهم لا تقع إلا مغفورة سبقتها المغفرة، وهم قد عرفوا وجربوا بالصلاح والاستقامة ورضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، ولم يكن ليرضى إلا عمن هو في تمام الاستقامة.
وقد شهد عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض، هؤلاء الستة انحصر فيهم إذا ذاك الترشيح، فتنازل ثلاثة منهم لصالح ثلاثة، فانحصر الترشيح في ثلاثة، تنازل واحد من الثلاثة لاثنين، وهو عبد الرحمن بن عوف تنازل لعلي و عثمان، بشرط أن يكون إليه الاختيار للسابق منهما، فذهب يستشر المسلمين، ومكث ثلاث ليال، لم يترك أحداً للاستشارة، وحتى كان يدخل على العذراء في خدرها، يستشير الرجال والنساء والكبار والصغار، وسأل أمراء الأجناد، وكانوا إذ ذاك حجوا مع عمر فبقوا في أطراف المدينة، لكن ليس لدى عبد الرحمن دفاتر فيها أسماء الناس وإحصاء دقيق للمؤمنين، وليس لديه وسائل اتصال حتى يتصل بأهل مكة أو أهل العراق أو أهل اليمن أو أهل مصر أو أهل الشام وهم جميعاً مؤمنون إذ ذاك حتى يستشيرهم، بل اقتصرت استشارته على من كان بالمدينة فقط إذ ذاك، فاستشارهم فرأى أنهم لم يعدلوا بعثمان ، أن أكثريتهم كانت مع عثمان ، فبعد أن صلى الصبح بالناس، في صباح اليوم الرابع، دعا عثمان فأعلن النتيجة وقال ابسط يمينك أبايعك فبايعه.
ثم كان علي ثاني رجل بايع عثمان، فقام عثمان بالأمر على منهج الخليفتين من قبله، ودعا الناس وقال: أيها الناس! إن الله قد أغناني عن بيت مالكم، فلم يأخذ شيئاً من بيت المال قط؛ لأنه غني، فرد عليهم كل بيت مالهم، وكان يقسمه بالعدل والسوية بينهم، حتى إن الناس في زمانه كانوا يجمعون الضوال، الإبل الضالة والحيوانات الضالة فيرتب لها الخليفة رعاة يرعونها، وينفق عليه من بيت المال حتى يأتي أصحابها، ومكث عثمان كذلك والأمر مستقيم ست سنوات، ثم مكث ست سنوات أخرى حصل فيها خلل، في شأن الرعية؛ لأن الناس قد اتسعت أموالهم وأمنوا، وكثر الجدل فيما بينهم، وفتحت عليهم الدنيا أبوابها؛ فلذلك نقم الناس عليه، وقد قال علي رضي الله عنه لرجل من الخوارج، قال له: يا أمير المؤمنين! مالك وما لعثمان ، فقد اتفق الناس على أبي بكر و عمر ، واختلفوا عليك وعلى عثمان ؟ فقال: اتفق الناس على أبي بكر و عمر حين كان الناس أنا و عثمان وأمثالنا، واختلف الناس عليّ وعلى عثمان حين كان الناس أنت وأمثالك.
علي على منهج عثمان و عمر و أبي بكر بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وكان يقسم كل ما في بيت المال بين المستحقين، فإذا نفد ما فيه وقد أشهد عدلين على كل من يأخذ نصيبه منه، ينضحه بالماء ويقمه بردائه ويصلي فيه ركعتين، قتل علي مظلوماً رضي الله عنه أيضاً، فحينئذٍ انتهى عهد الخلافة التي وعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال: (الخلافة بعدي ثلاثون)، فمضت ثلاثون سنة.
فكان عمر الدولة إذ ذاك أربعين سنة، عشر سنوات من العهد النبوي، وثلاثون سنة من عهد الخلافة على منهاج النبوة، ثم بدأ الخلل يدب إلى هذه الدولة، ولكن بقيت دولة إسلامية، فالحاكم فيها هو يعتبر نفسه خليفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقائماً بأمره، ومطبقاً لشرعه على نفسه وعلى غيره، ولو حصل شيء من الفسق والتقصير في بعض الجوانب فإن في مقابله كثيراً من الإحسان أيضاً والجهاد وإعلاء كلمة الله ونصرة الدين، واستمر الأمر على ذلك عهد بني أمية، ثم عهد بني العباس ثم عهد بني عثمان ، حتى سقط آخر رمز من رموز هذه الخلافة بمجيء الاستعمار الغاشم وتقاسمه لبلاد المسلمين، يسمونها تركة الرجل المريض، فانتهبت الدولة الإسلامية وميراثها، ووزعت البلاد الإسلامية بين الدول الكافرة، فسيطرت على أنحائها، وقطّعت هذه الشعوب وملكتها وانتهبت خيراتها، وسمت هذا الغزو استعماراً وهو في الواقع استغلال لا استعمار، فأبدت دول الكفر عن حقدها الدفين، وتداعت إلى الأمة الإسلامية كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فأكلت خيرات هذه الأمة ونهبتها نهباً، وأقل هذه الأمة خيرات في عهد الاستعمار مثلاً، بلادنا كانت بلاداً صحراوية سائبة ليس فيها عمارة ولا شيء من المشاكل الدنيوية.
ومع ذلك انظروا إلى النهج العميق العظيم الذي عمله النصارى هنا في نهب ثروات الحديد، حيث أفسدوا فيها إفساداً لا يستطيع الناس إصلاحه، وكثير من المعدن الآن في منطقة كريت الجلد بعد أن نهب منه الفرنسيون ما نهبوا، هو موجود لكن لا يستطاع الوصول إليه، لأنهم أخذوه بطريقة تمنع استغلاله فيما بعد، وكذلك ما فعلوا من الإفساد في الأسماك في البحر، وإفساد الزراعة على النهر، وقد خرجوا من البلاد ولم يتركوا فيها شارعاً ولا مستشفى ولا جامعة ولا أي أثر، بل إعلان الاستقلال أعلن تحت خيمة، مما يدل على أنهم نهبوا الخيرات ولم يعوضوا هذا الشعب شيئاً، وكذلك في كل البلدان الأخرى، لما جاء المستعمر رأى المؤمنون أنهم يجب عليهم أن يجاهدوا الأعداء الكفار الذين دهموهم في دارهم، فقامت حركات جهادية في العالم الإسلامي تريد إجلاء الكفار عن بلاد المسلمين وإقامة دولة الإسلام.
وخالفهم بعض العلماء وبعض الصالحين الذين رأوا أن هذا الجهاد لا يمكن أن يترتب عليه أثره؛ لأنهم ليس لديهم عدد ولا عدة، ولا مستوى في التربية والإيمان يستطيعون به مواجهة العدو، والجميع اجتهدوا، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، ولكن النتيجة أن الجهاد إذ ذاك كان متفقاً على أنه جهاد، حتى الذين يرون أنه غير واجب يرون أنه جهاد، هم يرون أنه غير واجب لأن الناس عاجزون عنه، لكن يعلمون قطعاً أنه جهاد للكافر المحتل الغاصب، وبعد أن قضى المحتلون مآربهم من بلاد الإسلام وكانوا طيلة فترة الاستعمار قد أخذوا نخباً من بلاد المسلمين فربوهم في بلادهم وعلى مناهجهم وفي مدارسهم، وضربوا بينهم وبين ثقافة المجتمع ودينه وتراثه سياجاً حصيناً، فتشبعوا بحضارة المستعمر، وأعجبتهم وانبهروا لها، فجاءوا وقد ملئت أسماعهم وأبصارهم بحضارة المستعمر، فلا يرون إلا ببصره ولا يسمعون إلا بسمعه، على حد قول الشاعر:
رأت قمر السماء فأذكرتني ليالي وصلنا بالرقمتين
كلانا ناظر قمراً ولكن رأيت بعينها ورأت بعيني
فامتلأت قلوبهم محبة لقوانين المستعمر وأنظمته على حد قول الشاعر:
محا حبها حب الأُلى كن قبلها وحلت مكاناً لم يكن حُلّ من قبل
أو على قول الآخر:
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
فهم لم يدرسوا البدائل، لم يدرسوا الفقه حتى يعرفوا ما لدى أسلافهم وأجدادهم، إنما درسوا القانون فأعجبوا به وظنوا أنه الوحيد الموجود؛ فلذلك تشبعوا به وامتلأت به أفكارهم، ثم لعب الاستعمار على التناقضات، فرأى أن المسلمين بينهم خلافات كبيرة، وآثاراً بالغة للفتن الماضية، فنفخوا فيها وأرادوا إحياءها، فباعدوا بين السنة والشيعة، حتى بين المذاهب الفقهية، وحتى بين من كان على طريقة السلف الصالح ومن كان من أهل التربية والتصوف، باعدوا بين هذه الطوائف، ليستغلوا الخلاف فيما بينها.
فجاءت هذه النخب فاستولت على الحكم، وهذه النخب هي خلفاء للاستعمار وليست خلفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاءت وبسطت نفوذها على الدول وسيطرت على أملاكها وخيراتها، وأصبحت جيوشها تابعة لها، وأصبح قرارها بأيديها اختلف الناس، فالناس هنها أقصد بهم من كان ولاؤه لله ورسوله محباً لقيام هذه الدولة وبقائها، فهؤلاء اختلفوا فمنهم من رأى أن هؤلاء مثل المستعمر تماماً فيجب قتالهم وجهادهم؛ فلذلك استباحوا دماء المسلمين واستباحوا أموالهم بسبب أن هؤلاء المسلمين قد جلسوا في ديار المغضوب عليهم، جلسوا في ديار الكافرين وطبقوا نظير ما كانوا يطبقونه، وتساهل هؤلاء حتى وصلوا إلى حد تفكيرهم؛ لأنهم لا يستطيعون الاعتداء على النفس المؤمنة وهم يعلمون خطر ذلك، فأرادوا أن يدخلوا أي مدخل فوجدوا مدخل التكفير فدخلوا منه، فكفروهم ليستبيحوا دماءهم، ولو لم يكفروهم لما استباحوا دماءهم حينئذٍ، إذاً: هذا قسم من هذه الأمة.
القسم الثاني: الذين قالوا ندخل معهم فنحاول إصلاح الدولة من داخلها، فنحن عاجزون عن تغييرهم، وليس بأيدينا إصلاح لكل ما هنالك، فعلينا أن نصلح المستطاع فقط، فما لا يدرك كله لا يترك المتيسر منه، وهؤلاء لا شك في اجتهادهم ونظرهم أقرب إلى مقتضيات الفقه، فالفقه الإسلامي فيه مأخذ لهؤلاء؛ لأن هذا الإصلاح التدريجي سنة من سنن الله ، ولأنه ممكن ولا يثير ضجيجاً وليس فيه استباحة للدماء، وليس فيه استباحة لتكفير المسلم، وليس فيه إثارة للفوضى؛ ولذلك فلهم مأخذ من الفقه، فقد قال العز بن عبد السلام في قواعده الكبرى: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، قال: فسق الأئمة يتفاوت فمن كان فسقه بالاعتداء على الأنفس فهو أعظم ممن فسقه في الاعتداء على الأبضاع، ومن كان فسقه في الاعتداء على الأبضاع فهو أعظم ممن فسقه في الاعتداء على الأموال، فيرتكب أخف الحرامين وأدنى المفسدتين.
ونظير هذا ما قاله العضد الإيجي في كتابه حيث ذكر أن الخليفة إنما بويع وأقيم باستقامة أمور الرعية، فإذا اختلت أمور الرعية، فيوجب عزله ما يوجب تنصيبه.
والأولون اعتمدوا على بعض النصوص أيضاً لبعض السابقين، فـسحنون رحمه الله وهو من أئمة المالكية يقول: إذا كان الإمام غير عدل فخرج عليه عدل وجب الخروج ليظهر دين الله.
و مالك سئل فقيل له: أرأيت لو جاء رجل يقاتل إمامنا ليأخذ ما في يده أندفع عن إمامنا؟ قال: إن كان مثل عمر بن عبد العزيز ، فادفع عنه، وإن لم يكن مثله فدعه وما يطلب منه ينتقم الله بالظالم من الظالم ثم ينتقم من كليهما.
الطائفة الثالثة: هي السواد الأعظم والكثرة الكاثرة كانت سلبية كأنها لم تشعر بشيء، فغفلت عن أن هؤلاء قد بسطوا أيديهم على أملاك المسلمين العامة، وأرادوا أن يمسخوا دولة الإسلام التي شيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، وأرادوا أن يغيروا هذا الميراث الذي نفخر به جميعاً، وما منا أحد إلا وهو يعتز بميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عثمان و علي، وحتى بميراث من بعدهم من الأمويين والعباسيين والعثمانيين، فغفل السواد الأعظم أو تغافلوا فبقوا محايدين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وكأن الأمر ليس يعنيهم، وبذلك أصبحوا عوناً للظالم الحاكم على ظلمه وعلى بقائه على كرسيه مطلقاً.
أما الطائفة الرابعة فقد وقفت معارضة، تقول: لا ندخل معه في نظامه حتى لا يضفي ذلك مصداقية لهذا النظام، ولا نستطيع مجاهدته بالسنان لما في ذلك من الفوضى والاعتداء على المحرمات، ولا نترك الأمر فنكون محايدين لما في ذلك من السلبية، بل نقف معارضين منكرين للباطل والظلم حتى يجعل الله لنا مخرجاً، ولو طال الزمان.
ولا شك أن هذه الطوائف كلها قد اجتهدت، ولكن رأيتم أن أولاها بالصواب إما الطائفة الأخيرة التي اتخذت موقف المعارضة، وإما الطائفة الوسطى التي اتخذت موقف الإصلاح من الوسط والمشاركة، أما الطائفة السلبية، وكذلك طائفة السيف، فهاتان لا شك ضرر تصرفهما أكبر من نفعه، وتجارب الأمة شاهدة بذلك في مختلف العصور وفي كل الأوقات.
لذلك كان الناس اليوم على هذه الأقسام، من خلفاء الاستعمار، فهم يعلمون أن كل حاكم في أي بلد من البلدان في العادة لا يصل إلى هذه المرتبة إلا وهو مشبق بثقافة الغربيين وأنظمتهم، ولا بد أن يكون صورة من نظامهم وحكمهم، وهو خليفة لهم يطبق قوانينهم وأحكامهم، وأغلبهم أيضاً ليسوا من أهل العدالة والنزاهة وقد بسطوا أيديهم على البرص فلم يقسموا بالسوية ولم يعدلوا بين الرعية، وكان هذا ظلماً سافراً لا يمكن السكوت عليه.
فكان الموقف إذاً إما محاولة الإصلاح، والإنسان لا يكلف إلا وسعه، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286] لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7]، فيشارك كما دخل يوسف عليه السلام مشاركاً في نظام مصر والحاكم كافر، لكن سعى للإصلاح بما يستطيعه، فقال: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55]، وكما كان في تاريخ الأمة في عهد الأمويين والعباسيين والعثمانيين كثير من العلماء الجهابذة والمجاهدين الأبطال دخلوا في الدولة فأصلحوا ما استطاعوا، ولا يعنيهم ما كان فيها من أخطاء لا تدخل تحت طوقهم ولا يستطيعون إصلاحها، فهم ما قدروا عليه مسئولون عنه وما عجزوا عنه لا يدخل في طوقهم وتكليفهم، وإما المعارضة بإعلان أن الأمر باطل، وأنه لا بد من البديل، لكن مع ذلك لا بد من ضبط تلك المعارضة؛ لأنها قد تكون معارضة مطلقاً كالحال في الغرب، فتكون معارضة للصواب والخطأ معاً، مع أن المفروض في المسلمين إذا كانوا معارضة ان يعارضوا الخطأ فقط، وألا يعارضوا الصواب، ينبغي أن يفرحوا به فرحاً كبيراً وأن يساعدوا عليه ويوافقوا فيه، والخطأ ينبغي أن ينكروه ويرفضوه جميعاً، مع ذلك إذا أتيحت فرصة لوصول من هو كفؤ أو أهل للقيام بالأمر العام ممن يرجى فيه أن يكون عدلاً، فنحن نعلم أننا بعيدون جداً من دولة الإسلام التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر و عمر و عثمان و علي .
فانظروا إلى الفرق الشاسع بين حالنا اليوم وحالهم في العهد الذي كان أبو بكر يعرض على الناس أن يجعلوا له راتباً من بيت المال، أو حال عمر لما طعن وأنتم تعلمون أن بيت المال قد تضاعف أضعافاً مضاعفة في زمنه، ومع ذلك يقول لابنه عبد الله : إن المسلمين لم يعطوني هذا المال وإنما أعطوه أبا بكر ، فأخاف ألا أكون قد قمت بما كان يقوم به أبو بكر ، فانظر إلى كل شيء أخذته من بيت المال فأرجعه إليه، الراتب الذي كان يأخذه أبو بكر رضي به عمر ولم يأخذ زيادة عليه، ومع ذلك أوصى أن يرد إلى بيت المال ورعاً؛ لأنه يخاف ألا يكون قام بما كان أبو بكر يقوم به، والناس قد أعطوا هذا الراتب لأبي بكر ولم يعطوه لعمر .
وانظروا إلى الحال.. حالنا اليوم وحال عثمان الذي يقول: ما كان في بيت مالكم فهو رد عليكم، فأما أنا فقد أغناني الله عنه، وحال علي أيضاً وهو يقسمه ويشهد عدلين على كل من أخذ نصيبه، ثم يقمه بردائه وينضح فيه الماء ويصلي فيه ركعتين، فالبون شاسع والحال متباعد جداً، فإذا أتيحت فرصة للتغيير والإصلاح ولم يكن فيها تكلف ولا عناء، ولم يقع فيها إراقة للدماء ولا إهدار للممتلكات العامة أو الخاصة فهذه فرصة للمسلمين لا تعوض فينبغي ألا يضيعوها، وحينئذٍ يجب عليهم أن يختاروا الأكفأ والأعدل، ونحن نعلم أن أسلوب التصويت ووضع الأوراق في الصناديق، لم يكن أسلوباً معروفاً لدى الصحابة، وليس هو الأسلوب الذي اختير به أبو بكر ، ولا الأسلوب الذي اختير به عمر ، ولا الأسلوب الذي اختير به علي ، ولا أحد من بني أمية ولا أحد من بني العباس، ولا أحد من بني عثمان، لكن تلك الأساليب التي اختيروا بها غير متيسرة في زماننا الآن، فالرسول صلى الله عليه وسلم اختير بالوحي المنزل من عند الله خالق السموات والأرض فلا اعتراض لأحد عليه، وأبو بكر كان اختياره فلتة وقى الله المسلمين شرها، فوفق الله وجمع الشمل، وقد قال أحد شعراء قريش إذ ذاك، لما بويع أبو بكر ، يقول:
حمداً لمن هو في الثناء خليق ذهب اللجاج وبويع الصديق
كنا نقول لها علي والرضا عمر وأولاهم بتلك عتيق
والطريقة التي اختير بها عمر غير متيسرة الآن، كما أن طريقة عبد الرحمن بن عوف في الاختيار بين عثمان و علي غير متيسرة، لأننا ليس لدينا الآن شخص مساوٍ لعبد الرحمن بن عوف مرضي لدى الجميع، لو حكمنا الشيخ الناجي الآن هل ترضون بحكمه، كثير من الناس لا يعرفه، وكثير من الذين يعرفونه لن يرضوا بحكمه وسينتقدونه ويقولون: ليس لديه إحصاءات دقيقة لكل الناس حتى يشاورهم، وليس لديه معلومات دقيقة حتى يعرف من رضي ممن رفض، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من الناس عرفاء يستشيرهم في أمرهم، ويرجع العرفاء إلى أقوامهم ويكون ذي الرأي منهم؛ ولذلك قال يوم أوطاس: (إني لم أعرف من رضي منكم ممن لم يرض، فاذهبوا حتى يأتي إلي عرفاؤكم)،فجاءه العرفاء، فأخبروه أن الناس رضوا.
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العرافة حق، ولا يستقيم الناس إلا بعرفائهم)، فالعرفاء هم الممثلون بمثابة النواب الذين ينوبون عن الناس ويعبرون عن رأيهم فيما يختارونه من أمرهم المشترك.
عبد الرحمن بن عوف كان مرضياً لكل الجهات، فقد رضي الله عنه وأنزل فيه القرآن، ونوه بشأنه، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان لنبي أن يموت حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته)، فكان عبد الرحمن بن عوف، ولذلك لم ينتقد أحد اختياره لعثمان .
ليس لدينا اليوم وسيلة مع أن الله حرم الاستبداد ومنعه، والمقابل لهذه الوسيلة التي هي الصناديق ..صناديق الاقتراع ـ لا يقابلها إلا أحد أمرين، إما السلبية، وألا نشارك أصلاً فيمن يدير أمرنا، ولا في الأسلوب الذي تدار به شئوننا، وهذا لا يرضاه عاقل، ولم يكن مقبولاً في الشرع أبداً، أو أسلوب ثاني: وهو المنابذة وأن نتحاكم إلى القوة فكل إنسان منا يقدر على شيء فعله بالقوة، وهذه منافية للشرع والعقل وهي غير مقبولة أصلاً.
ونحن اليوم نستورد حتى من أعدائنا ما أنتجته عقولهم وأيديهم من الماديات التي نحن بحاجة إليها، فهذه الكهرباء ليست نتاجاً إسلامياً، وتكبير الصوت ليس إنتاجاً إسلامياً، والتسجيل ليس إنتاجاً إسلامياً، بل لباس الكعبة التي نصلي إليها ليس إنتاجاً إسلاميا في الأصل، فنحن محتاجون إلى الاستيراد، وهذا قدرنا، وإذا احتجنا إلى الاستيراد فما الفرق بين استيراد الأمور المادية والأمور المعنوية؟ لا فرق! فكل ما هو نافع يمكن استيراده والانتفاع به، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استورد من حضارة فارس فكرة الخندق، ومن حضارة الروم فكرة الخاتم، ومن حضارة الحبشة فكرة المنبر؛ فلذلك إذا كان الغربيون سبقونا وجعلوا فكرة التداول على الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، وأن يترشح من رأى أهلاً لذلك ويزكى بطريقة للتزكية، وهذه تختلف باختلاف البلدان، نحن مثلاً يكفي للتزكية توقيع خمسين مستشاراً بلدياً، لكن في بعض البلدان يشترطون أكثر من هذا، فإذا كان الإنسان مزكى مثلاً يمكن أن يترشح، وإذا ترشح كيف نعرف أنه مقبول لدى الناس؛ لأن الإكراه ممنوع، والأمر شورى كما قال الله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38]، وقال: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:159].
فلا يمكن أن يقع ذلك اليوم إلا بوسائل دقيقة للإحصاء، أولاً أن يكون عدد الذين يستحقون التصويت معدوداً معروفاً، ثم بعد ذلك يعرف عدد الذين صوتوا لكل مترشح على حدة، وينظر إلى من نال ثقة أكثر فيكون أهلاً لأن يقوم بهذا الأمر، فنحن نعلم أن هذا الأمر يعترض عليه كثير من الناس، فمن الشباب من يعترضون على هذا الأمر بالكلية، ويقولون هذه ديموقراطية، وهي حكم بغير ما أنزل الله، وهي حكم الشعب بالشعب للشعب ذاته، والجواب أن هذا غير صحيح، فالديموقراطية هنا اسم ليس على مسماه، بل المقصود بها مجرد الآلة ولا يقصد بها الأيدولوجية، فالأيدولوجية دعوها لأهلها وقد أغناكم الله عنها، فأنتم عندكم فيما يتعلق بأساليب الحكم وترتيبه أدق الأنظمة وأعدلها وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الوحي المنزل، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]، فلا تحتاجون إلى تشريع الناس ولا إلى انتاجاتهم العقلية في هذا المجال، فإذاً: خذوا الآلة والوسيلة فقط التي يعرف بها عدد الأصوات وعدد المصوتين؛ لأن هذا الذي يمنع الخلاف فيما بينكم ويقطع الاعتداء، ولا مانع حينئذٍ من مشاركة الجميع فنحن نعلم أن المال العام وكذلك ما يدار به المال العام من الأمور المشتركة المملوكة للجميع، والرعية في ذلك سواء برهم وفاجرهم، البر يملك والفاجر يملك، وما يملكه الفاجر لا يحق لك أنت أيها البر! أن تنزعه من تحت يده، أو أن تتولى عنه التصرف بالزيادة فيه، بل قد جعله الله مالكاً لما تحت يده وهو يتصرف فيه، فكذلك حقه في التصويت والاختيار، حق مملوك له كما يملك ماله وبيته وثيابه وملابسه وكل ما لديه، فلا يمكن الاعتراض على هذا. كذلك من الناس من يعترض فيقول: إن هذا الأسلوب يقتضي أن يكون صوت العالم والصالح كصوت الجاهل والفاسق، والله تعالى فرق بين الطائفتين، فقد قال الله تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36]، ويقول تعالى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18].
والجواب أن الآيتين جاءتا فيا يتعلق بالثواب الأخروي فالمؤمنون والكافرون لا يستوون في الآخرة، لكن في الدنيا قد يكون حال الكفار أرفع من حال المسلمين، قد يكون معاشهم في الدنيا أكبر، كما قال الله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[الزخرف:33-35]، فالآيتان لا تقتضيان عدم المساوة مطلقاً في التملك أو في الإنسانية أو في حق الاختيار أو في العقول بين المسلم والكافر، فقد يكون الكافر يوفق لاكتشاف أمر دنيوي لم يوفق له المسلم، كما وفقوا في التكنولوجيا بأمور لم نوفق نحن لها، فالذين اكتشفوا هذه الأنظمة من الكفار عاصرهم كثير من الصالحين والعلماء من المسلمين، ولم يهدهم الله لما هدى له أولئك، فليس معنى هذا أنه فضل لأولئك الكفار على هؤلاء المسلمين، بل القضية هي بالنسبة لهم تقسيم أرزاق فقط، رزق الله هؤلاء ما لم يرزق هؤلاء، كما أنهم رزقهم من البيئة وصلاحية الأرض وحضارتها ما لم يرزق أولئك، وهكذا فصحة الأبدان وطول الأعمار وكثرة الأولاد وغير ذلك هذا قسمة للأرزاق يقسمها الله سبحانه وتعالى ويفاضل بين الناس فيها، لكن لا يقسمها على أساس الاستقامة والصلاح والدين، ولو كان الحال كذلك لكنتم الآن أغنى بكثير من الأمريكان والفرنسيين والألمان والبريطانيين؛ فلذلك جعل الله لأولئك حظهم عاجلاً في هذه الحياة الدنيا ولم يجعل لهم حظاً في الآخرة، كما قال الله تعال: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [الإسراء:18].
ومن هنا فلا مانع بين المساواة في الملك مثلاً بين المسلم والكافر، أو بين البر والفاجر، فالبر يملك ما تحت يده والفاجر يملك ما تحت يده، البر له الرأي الكامل في التصرف في ماله والفاجر له الرأي الكامل في التصرف في ماله، وكذلك المسلم والكافر، فالمسلم له حق التصرف الكامل في ماله، والكافر له حق التصرف الكامل في ماله، ومن هنا فإن هذه المساواة ليست منافية لما ذكر في الآيات، وليس معناها ما يفهمه كثير من أصحاب الفهم السطحي؛ فلذلك إنما تجعل الأصوات راجعة إلى الملك والتصرف، فهي حق واختصاص، كالملكية تماماً.
بهذا آتي على بعض ما كنت أريد أن أقوله في مسألة الإسلام والسياسة، وبه تفهمون أن الإسلام أتى بالنظريات العامة والأمور المرنة التي فيها ضبط لأحوال الرعية، ولم يأت بالأمور التفصيلية بل أحال ذلك إلى اجتهادات الناس وإلى عقولهم، والاجتهاد في هذا الأمر يختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان.
وبقي فقط كلمة أخيرة، وهي أن الذين يتولون قيادة الدول في زماننا هذا ـ الدول الإسلاميةـ ليسوا خلفاء وليس لهم أحكام الخلافة، وهذا فيه رد على طائفتين من الناس:
طائفة هم أنصار الظلمة الذين جعلوا أنفسهم مدافعين عن الحاكم أياً كان، لا يهمهم هل هو صالح أو فاسق، عدل أو جائر، يدافعون عنه وعن قراراته وآرائه مطلقاً، ومهمتهم في الحياة أن يجدوا له أي شيء يستند إليه من الفقه، أو من التراث، أي : يبحثون له عن أي دليل يعتمد عليه في أي تصرف قاله، وذلك أنهم يرونه خليفة رسول الله وهو خليفة المستعمر، وقياسه على خليفة رسول الله هو قياس خمر على لبن، والفرق شاسع والحال متباين بين الطائفتين.
الطائفة الثانية: يرون أن الذين يتولون الآن القيام برئاسة الدول الإسلامية أو حكمها ليس أحد منهم تتوافر فيه شروط الإمامة، وبالتالي يجب الخروج عليهم جميعاً.
والجواب أن هؤلاء ليسوا أئمة أصلاً وإنما هم ولاة كولاة الأمصار وقادة الجيوش، ولا يشترط لهم ما يشترط للخليفة أبداً، ولو كان رئيس الدولة في أي بلد من البلدان الآن يشترط له عشرة شروط كما يشترط للخليفة لما وجدتم أصلاً من يتولى هذا المنصب، فيكون نادر جداً من يتولى؛ لأن من هذه الشروط العشرة مثلاً: أن يكون مجتهداً في دين الله، مجتهد إن وجد وإلا فأمثل مقلد، ولا أحد؛ فلذلك لا يشترط للرئيس اليوم شروط الخلافة، وليس خليفة للمسلمين، وليس له من الحقوق ما للخليفة، كالسمع والطاعة.. إلخ من حقوق الخليفة، بل هو رئيس فقط، كقائد الجيش أو أمير البلدة؛ ولذلك يمكن أن تحدد له مدة يكون رئيساً فيها ثم إذا انتهت عزل، أما الخليفة العام للمسلمين فالأصل أن يبايع مدة حياته وقدرته، وتعرفون أن بعض المعترضين قد اعترض على هذه المسألة فقال: وعجيب أمركم أيها الإسلاميون! تريدون الآن أن تحدد مدة في الدستور لمأمورية الرئيس، فإذا رجعنا إلى التاريخ وجدنا الخلفاء الراشدين قد بويعوا ليس إلى مدة محددة، وأنتم تريدون حصرها في خمس سنوات أو أربع سنوات، والجواب عن هذا أن هؤلاء ليسوا خلفاء، وإنما هم أمراء بلدان، وفي وصية عمر ألا يترك أمير على بلد أكثر من أربع سنوات قال: لأنه سيمله الرعية، فحتى لو كان صالحاً يمله الرعية، فإذا زاد على أربع سنوات مله الرعية حتى لو كان صالحاً؛ ولذلك عزل عمر سعد بن أبي وقاص مع صلاحه عن أهل العراق، وعزل المغيرة بن شعبة ، وعزل المثنى بن حارثة ، وعزل خالد بن الوليد ، عزل كثيراً من الأئمة من الصحابة؛ لأنه يخاف أن يملهم الرعية فتفسد أمور الرعية.
نقتصر إذاً: على هذا الحد وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحب أن تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، لك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً، لك الحمد كالذي نقول، وخيراً مما نقول، ولك الحمد كالذي تقول، لك الحمد أنت أحق من ذكر وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك والفرد لا ند لك وكل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، ونسخت الآثار، وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية.
الحلال ما أحللت والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك والعبد عبدك، وأنت الله الرءوف الرحيم، نسألك بعزك الذي لا يرام وبنورك الذي أشرقت له السموات والأرض أن تهدي قلوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تكشف كروبنا، وأن تجعل التقى زادنا، وأن تحقق مرادنا، وأن تصلح أولادنا.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا، اللهم املأ قلوبنا من الإيمان وأجسادنا من الصحة، وجوارحنا من الطاعة، وأيدينا من الخير، وأغننا عمن أغنيته عنا من خلقك.
اللهم إنك أعلم بنا منا فاقض ما في علمك من حوائجنا، اللهم هؤلاء عبادك وإماؤك قد اجتمعوا في بيت من بيوتك يرفعون إليك أيدي الضراعة فلا تردهم خائبين، ولا تجعلهم عن رحمتك من المطرودين، وهب المسيئين منهم للمحسنين يا أرحم الراحمين، اللهم لا تخرج أحداً منا من هذا المكان إلا وقد غفرت له ما قدم وما أخر، وما أعلن وما أسر.
اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولأشياخنا ولإخواننا وأخواتنا، ولمن أوصانا على الدعاء وعاهدنا عليه، ولأزواجنا وذرياتنا يا أرحم الراحمين، اللهم ما أنت قاسمه في هذه الليلة من خيري الدنيا والآخرة فاجعل لنا منه أوفر حظ ونصيب.
اللهم استرنا بسترك الجميل، اللهم استرنا فوق الأرض واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض، اللهم إن الأمور مرجعها إليك فلا تفضحنا بين يديك، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك واجعل المال في أيدي أصفيائنا، اللهم اجعل هذ البلد آمنا مطمئناً رخاء سخاء سعة وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين وفك أسرى المأسورين من المسلمين أجمعين يا أرحم الراحمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا أرحم الراحمين.
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واختم بالحسنات آجالنا، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر