إسلام ويب

مقدمات في العلوم الشرعية [14]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من العلوم الخادمة للسنة علم العلل: وهو العلم الذي يكتشف به ما يرد على الحديث مما ينقص حجيته أو يضعف روايته، ومنه ما يتعلق بالأسانيد، وما يتعلق بالمتون، وهو من العلوم المهمة، التي لا يتجاسر عليها إلا أهل العلم، وقد ظهر في هذا العلم مهارة أقوام هيأهم الله سبحانه وتعالى لتحمل مسئولية الدفاع عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن العلوم أيضاً: علم الرجال، أو علم الجرح والتعديل، وهذا العلم إنما نشأت الحاجة إليه في أيام أتباع التابعين لأن الصحابة جميعاً معدلون بتعديل الله فلا يحتاج إلى البحث في عدالتهم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    أما بعد:

    فلدينا الآن علم العلل، وهو علم كذلك من العلوم الخادمة للسنة، ومن العلوم المهمة، التي لا يتجاسر عليها إلا أهل العلم، ليست لعوام الناس، وقد ظهر في هذا العلم مهارة أقوام هيأهم الله سبحانه وتعالى لتحمل مسئولية الدفاع عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهم الجهابذة.

    وهذا العلم هو أرقى وأدق ما وصل إليه المحدثون في علوم الحديث عموماً، وهو مادة علم التخريج، التخريج كما ذكرنا يقصد به الحكم على الحديث ليعرف هل يبقى في لائحة ما تستنبط منه الأحكام أو يقصر، التخريج نتيجته هي القبول أو الرد، ومادة ذلك العلل.

    وإذا أردنا تعريف علم العلل فإن ذلك مما يشق، فقد سئل عنه عدد من الأئمة، وتعريفه الجامع، فما استطاعوا أن يأتوا بذلك، فسئل أبو حاتم الرازي عن علم العلل ما هو، هذه العلل التي تقولها ما هي؟ فقال: إذا سألتني عن حديث فقلت: هو معلل، فاذهب إلى أبي زرعة فسيقول: هو معلل، ثم اذهب إلى ابن حنبل فسيقول: هو معلل، ثم اذهب إلى يحيى بن معين فسيقول: هو معلل، فإذا رأيت ذلك فاعلم أنه نور يجعله الله في قلب من شاء من عباده، هذا ليس تعريفاً للعلم، لكنه يدلنا على أن علم العلل هو من صيانة الله سبحانه وتعالى لشرعه ودينه، وأنه قناعة تحصل لدى المحدث بضعف في الحديث أو مرض فيه، هذا المرض أنواع متعددة منوعة، هذه القناعة لا تحصل إلا لمن كان متمرساً في الحديث، فالمتمرس للحديث الدارس له، يصل إلى مستوى لا يلتبس عليه أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب غيره، مثل أصحاب الذوق البلاغي إذا تخصص أحدهم بشاعر من الشعراء عرف هل هذه الأبيات من شعره أو ليست من شعره؟ لأنه يعرف قاموسه ولغته وأسلوبه ومعانية التي يتطرق إليها، فكذلك المتخصص في الحديث إذا استوعب كثيراً من الأحاديث وانطبع بها، عرف ما كان من مشكاة النبوة مما كان مروياً بالمعنى، مما كان لا أصل له أصلاً.

    ومن هنا سنجعل الحديث من باب العلل؛ لأنها لا تقصر، الحديث فعلاً مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، معناه ألفاظه من ألفاظ الرسالة، من ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم.

    القسم الثاني: ما هو مشبه، أي: أحكامه صحيحة من أحكام الشرع، أو يمكن أن تكون صحيحة، لكن ألفاظه مروية بمعنى، ليست من ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم، فمعانيه معاني نبوية لكن ألفاظه ليست كذلك.

    القسم الثالث: ما هو بعيد في اللفظ والمعنى جميعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وبهذا التقسيم يتبين أن تعريفنا الذي يمكن أن نصل إليه لعلم العلل أن يقال: هو العلم الذي يكتشف به ما يرد على الحديث مما ينقص حجيته أو يضعف روايته، وينقسم إلى قسمين: إلى ما يتعلق بالأسانيد، وما يتعلق بالمتون، فما يتعلق بالأسانيد الأمر فيه ميسور؛ لأنه من باب علم الرواية، فتعرف مثلاً أن فلاناً حدث بهذا الحديث كثيراً عن فلان، لكنه في مجلس من المجالس أدرج شخصاً بينه وبينه، قال: حدثني فلان عن فلان، تنتبه أنت حيث لم تكن مطمئناً في الأصل لهذا الحديث تماماً، فتقول: فلان هذا الحديث لم يصل فيه فلان، وأسقط فلان بين فلان وفلان.

    ومن ذلك حديث: (واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )، فهذا الحديث اختلف فيه، في عطاء هذا هل هو عطاء الخراساني أو عطاء بن أبي رباح؟ وإذا كان عطاء الخراساني فإنه إنما يتصور أن يرويه عن نافع عن ابن عمر أما عطاء بن أبي رباح فيروي عن ابن عمر مباشرة فإذاً هذه علة هنا، في تسمية الشخص، هل هو عطاء بن أبي رباح أو عطاء الخراساني؟ ومثل هذا ما يقع كثيراً من الالتباس بين الحمادين، بين حماد بن سلمة وحماد بن زيد.

    وأما السفيانان فما فيه إشكال لأن السفيانين كلاهما ثقة على الشرطين، على شرط الصحيحين، ما في إشكال، لكن الحمادين، حماد بن سلمة ليس على شرط البخاري، وإنما على شرطه حماد بن زيد؛ ولذلك يقال: بينهما ما بين جديهما، حماد بن زيد بن دينار وحماد بن سلمة بن درهم، بينهما ما بين جديهما!

    كذلك الإشكال في عمرو بن خالد، فهذا الاسم في طبقة واحدة اثنان، عمرو بن خالد الواسطي، عمرو بن خالد الشامي ضعيف، وعمرو بن خالد الواسطي ثقة، هو الذي يروي عنه البخاري، وكذلك في الطبقة التي فوق هذه عبد الواحد بن زيد وعبد الواحد بن زياد، وهما من طبقة واحدة وفي مكان واحد، التردد بينهما يحصل..

    وكذلك عبد الله بن عمر العمري وعبيد الله بن عمر العمري، فعبيد الله ثقة ثبت من أثبت أصحاب الزهري يقارن بـمالك ومعمر بن راشد ويونس وعبد الله متكلم فيه، وهما في طبقة واحدة، فإذا تردد النقل بينهما يقع الإشكال هنا، تقع العلة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088542687

    عدد مرات الحفظ

    777226537