من أمثلة هذا الضابط المخدر اليسير الذي يستعمل في الأدوية إذا كان شيئًا قليلًا، فهو معفو عنه لقلته.
وكذلك أثر الذباب من العذرة أو نحو ذلك، هذا معفو عنه، وأهل العلم ذكروا أمثلة كثيرة.
يقول خليل رحمه الله: [وثوب مرضعة تجتهد، وندب لها ثوب للصلاة، ودون درهم من دم مطلقًا، وقيح وصديد وبول فرس لغاز بأرض حرب، وموضع حجامة مسح، فإذا برئ غسل وإلا أعاد في الوقت، وأول بالنسيان أو بالإطلاق، وكطين مطر، وإن اختلطت العذرة بالمصيب لا إن غلبت، وظاهرها العفو ولا إن أصاب عينها، وذيل امرأة مطال للستر، ورجل بلت يمران بنجس يبس يطهران بما بعده، وخف ونعل من روث دواب وبولها إن دلكا لا غيره، فيخلعه الماسح لا ماء معه ويتيمم، واختار اللخمي إلحاق رِجل الفقير، وفي غيره للمتأخرين قولان، وواقع على مار، وإن سأل صدق المسلم، وكسيف صقيل لإفساده من دم مباح، وأثر دمل لم ينك، وندب إن تفاحش كدم البراغيث إلا في صلاة].
كذلك من فروع هذه المسألة: الدم اليسير الذي يخالط اللبن، فاللبن أخرج مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ[النحل:66]، ولكنه يندر أن يسلم من نقطة قليلة جدًّا، فإذا كانت فوق الرغوة وحذفها الإنسان دون أن تخالط اللبن، فهذا النوع معفو عنه، ومثل ذلك: الفأرة إذا ماتت في السمن، فالقدر الذي يتسرب إليه النجس يؤخذ، وما سواه يبقى طاهرًا.
ومثل ذلك: المائع، مثل الماء، إذا مات فيه ذو نفس سائلة، فإنه ينزح منه بقدره، وتبقى طهارته، وهكذا، فكل ما هو يسير من هذا النوع في حياة الناس هو معفو عنه، ويدخل في هذا التلفزيون تعرض فيه بعض المشاهد التي لا تخلو من صور لا يجوز النظر إليها، لكن إذا كان ذلك في ريبورتاج عن خبر مهم، وأنت لابد أن يقع نظرك على بعض المشاهد التي فيها بعض المحرمات، لكن إذا كانت خفيفة هكذا تمر، مثل: بعض الجثث المقطعة التي فيها كشف عورات، ونحو هذا، فتمر مرورًا سريعًا، فهذا النوع من الخفيف اليسير الذي يعفى عنه للقلة.
وكذلك النظرة الواحدة بالنسبة للأجنبية، (يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك النظرة الأولى).
الضابط الثاني: الكثرة، ومن الأمثلة لذلك جمع الصلاة من أجل المطر، هذا فيه مشقة راجحة؛ لأن الناس يشق عليهم الذهاب والرجوع؛ لذلك يجمعون بين العشاءين ليلة المطر، ومن هذا القبيل من الكثرة مثلًا الذي يسكن في أوروبا، أو في بلاد ينتشر فيها كشف النساء عن شعورهن وأبدانهن، لو غض بصره عن كل ذلك، لما استطاع المشي ولا التحرك، ولا بإنفاذ أي عمل من أعماله، فهذا لكثرته يعفى عنه، فيعاملهن مثلما يعامل الإماء، فتكون النساء الكفار والسافرات مطلقًا إذا كثر السفور، يعاملن مثلما يعامل الإماء؛ لكثرة ذلك.
ومثل ذلك: الزحام في الحج والعمرة، فالشيء الذي لا يستطيع الإنسان التخلص منه، يكون لكثرته معفوًّا عنه.
وكذلك انتشار ما يتعلق باللحوم المستوردة، فأنتم تعرفون أن الله سبحانه وتعالى أباح لنا ذكاة أهل الكتاب، فقال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ[المائدة:5]، ونزلت هذه الآية بعد أن حرفوا وبدلوا، فيدل هذا على بقاء الحكم حتى مع التحريف والتبديل، نحن نعلم أن أهل الكتاب جميعًا من المشركين، اليهود والنصارى كلهم من المشركين، لكن مع كل تحريفهم وتبديلهم أحل الله نساءهم وذبائحهم للمسلمين، ليس ذلك لشفوف أهل الكتاب، ولا مزيتهم؛ بل هو للتخفيف عن المسلمين، وتفضيل المسلمين، وفي حديث عائشة قالت: (كان أهل الكتاب يزعمون أن لهم شفوفًا على المشركين حتى نزلت سورة البينة، وفيها قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[البينة:6]، فقال أبو بكر: استوت أكتافهم ورب الكعبة).
فهذه الذبائح في الأصل: إذا ذبح اليهودي أو النصراني ذبحًا على الوجه الشرعي، والذبح يبحث فيه من خمسة أوجه:
الوجه الأول: في المذكى، فالمذكى لابد أن يكون من مباح اللحم الذي ينتفع بذكاته، فإذا ذبح حمارًا أهليًّا، أو أسدًا، أو كلبًا، هذا لا ينتفع بذكاته، فلا عبرة بالذكاة حينئذ، لابد من البحث في المذكى نفسه، ما هو؟ فلا يحل كل ذي مخلب من الطير، ولا كل ذي ناب من السباع، ومثل ذلك الحمر الأهلية.
الجهة الثانية التي يبحث فيها هي: المذكي، فالمذكي لابد أن يكون مسلمًا، أو يهوديًّا، أو نصرانيًّا، فلا تحل ذكاة المجوس، ولا ذكاة أهل الديانات الأخرى جميعًا، لكن لا يلزم التزامه، فالمسلم غير الملتزم تؤكل ذكاته، واليهودي غير الملتزم بيهوديته تؤكل ذكاته، والنصراني غير الملتزم بنصرانيته تؤكل ذكاته، والرجال والنساء والأحرار والعبيد منهم، كل ذلك يسري فيه هذا الحكم في الأصل، لكن اليوم في زماننا من المعلوم أن قاعدة النصارى: دعوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وما لقيصر غير محدد لديهم، وما لله محدد، وضبطهم الأخير الذي استقر عليه العمل لديهم، أن ما لقيصر هو ما غلبت عليه الدولة فهو من اختصاص قيصر، وليس لله به حكم، هذا الذي جرى به العمل الآن في أوروبا وأمريكا، ولدى النصارى كلهم.
فالأصل كانت صلاحيات الكنيسة كبيرة جدًّا، تتدخل في كل شيء، ثم لم تزل الدولة تضايقها، وتأخذ من صلاحياتها، حتى لم يبق للكنيسة إلا أشياء قليلة محصورة، والذكاة كانت في الأصل من اختصاص الكنيسة، ولكن أخذتها الكانسل الآن فأصبحت تبعًا للبلديات، فلا علاقة للكنيسة الآن بالذكاة، والبابا يأكل الجيف ولا يبالي؛ لأنه يرى أن هذا من مال قيصر، فأخذه قيصر، فأصبحوا لا يبالون بالذكاة؛ فلذلك لم تعد المذكيات التي تأتي منهم على طريقتهم الشرعية، هذا ما يتعلق بالمذكي.
الأمر الثالث: هو ما يتعلق بآلة الذكاة، فآلة الذكاة لابد فيها مما ينفذ في البدن مما له أمور، كالمحدد الذي ينفذ في البدن، سواء كان حديدًا، أو عودًا، أو حجرًا، لكن لابد أن يكون شيئاً يقطع، ينفذ في البدن، (ما أنهر الدم فكلوه، إلا السن والظفر)، فالسن والظفر لا يذكى بهما، وما سوى ذلك من كل ما له ظفر يذكى به، فالآن الصعق الكهربائي أو القتل بالمثقل، الضرب مثلًا بالعصا أو نحو ذلك هذا لا يذكى به في أية ملة؛ فلذلك الذكاة به تعتبر باطلة.
الوجه الرابع من أوجه التذكية هو: ما يتعلق بمقارنات الذكاة، فالذكاة في الأصل من شرطها: ذكر اسم الله؛ لقول الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ[الأنعام:121]، فإذا كان المذكي يذكر اسم الله عند الذكاة، فبها ونعمت، وإلا فعلى المسلم عند أكله أن يذكر اسم الله عليه، كما في حديث عبد الرحمن بن أبزى: (أنه كان يأتيهم نبيط من نبيط الشام بلحمان وقديد، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: إنهم لا يذكرون اسم الله، فقال: اذكروا اسم الله عليه أنتم، وكلوه)، فهذا يقتضي أن يذكر الإنسان اسم الله عليه؛ ليستبيحه بذلك.
الأمر الخامس: هو هيئة الذكاة، فهيئة الذكاة لدى المسلمين أربعة أقسام، هي: النحر والعقر والذبح، وما يموت به نحو الجراد، أربعة أمور هي الذكاة في الشريعة الإسلامية:
النحر هو: الطعن باللبة.
والذبح هو: قطع الودجين والحلقوم من المقدم بلا رفع قبل التمام.
والعقر: هو الذي يموت به الشارد، أو الذي لا يمكن إمساكه باليد، كالغزال مثلًا يضرب بالرصاص أو بالسهم، فإذا أنفذت مقاتله، فذلك عقر له فيستباح به، والرصاص وإن كان في الأصل غير محدد- هو نفس الرصاصة غير محددة- لكن بما أن ضربتها تنفذ بها نفوذًا شديدًا فكأنها كالمحدد، وهذا الذي أفتى به عبد القادر الفاسي؛ وابن غازي في نظمه لنظائر الرسالة يقول:
كل صيد مسلم صحيح الذبح غير مفرط بنحو الرمح
أو جارح مكلب ومرسلِ من يده بصيده مشتغلِ
يصيد مرئيًا أخا امتناع يموت من جرح بلا نزاع
ومحمد بن عبد القادر الفاسي يقول:
وما ببندق الرصاص صيدا جواز أكله قد استفيدا
أفتى به والدنا الأواه وانعقد الإجماع من فتواه
فأصبح اليوم محل إجماع ما يصاد بالرصاص.
الأمر الرابع هو: ما يموت به نحو الجراد، الجراد ميتة، كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر عند ابن ماجه: (أحل لنا ميتتان ودمان)، فبأي شيء يموت فإنه يباح، فإذا مات بقطع رأسه، أو بقطع أطرافه، أو بالحرق، أو بغير ذلك؛ فإنه يستباح بذلك، هذه هي الذكاة لدى المسلمين بأنواعها الأربعة.
الذكاة لدى النصارى، والذكاة لدى اليهود أيضًا محددة، فإذا ذبح اليهودي على غير الطريقة المعروفة للذبح لدى اليهود، أو ذبح النصراني على غير الطريقة المعهودة للذبح لدى النصارى، فلا عبرة بما ذبحه، فهو غير مذكى، إذًا هذه خمسة أمور تبحث.
الآن أصبح كثير من المسلمين يستوردون اللحوم من بلاد النصارى، وكثرت في بلاد المسلمين كثرة فاحشة، أغلب المطاعم لا تستورد إلا هذه، وكثير من الشركات المنتجة للحوم أيضًا الذين يمارسون العمل فيها إما هندوس، أو بوذيون، أو على الأقل فيهم أولئك، أو لا دينيون، فهذه اللحوم هي جيف كلها؛ لأن ما كان منها مذكى على الطريقة الإسلامية وقد ذكاه مسلم قد اختلط بغيره، فغلب عليه غير المذكى، والحكم للأغلب والأكثر.
فاللحوم المستوردة تعتبر كلها جيفًا.
وبالنسبة لوجود لجنة شراء لا يوجد، أنا ذهبت إلى بعض المجازر، ذهبت إلى مجزرة في فرنسا، وأخرى في هولندا، ووجدت أن الرقابة إنما تأتي في وقت مجيء الشراء، ووقت مجيء التفتيش من بلاد المسلمين، يستأجرون أي واحد من المغاربة في الشارع، يقولون له: أنت مسلم تعال راقب على الذكاة هنا، وأد الذكاة على الطرق الشرعية، ويأخذون إفادته فقط، وهم يوظفونه لمدة شهر واحد، وينتهي الأمر.
الضابط الثالث من ضوابط المشقة المرض، فهناك فروع في التيسير في المرض، منها قضية الدم، للإنسان المصاب بفقر الدم تغذيته في الوريد بالدم، فهذا محتاج إليه بسبب المرض، ومثل ذلك: ما ذكرنا من زراعة الأعضاء، إذا دبت فيها الحياة، فهو من هذا القبيل، ومثل ذلك: شراء الدم، وشراء الأعضاء، فذكرنا أنه للمشتري جائز، إذا اضطر إليه، وللبائع حرام، البائع لا يجوز له أن يبيعه، هذا ليس مما يجوز بيعه، لكن المشتري يجوز له؛ لأنه مضطر إليه، فلا يكون هذا بمثابة البيع، وإنما يكون بمثابة الفداء، كأنما يفدي هذا العضو الذي هو غير مملوك.
ونظير هذا: بيع الأراضي غير المملوكة التي يحوزها الناس في المدن، وهذا عندنا مثلًا.
فهذه الأراضي غير المملوكة التي يحوزها الإنسان فيبيعها، هذا البيع ليس في الواقع بيعًا، وإنما هو من باب الفداء في الاختصاص فقط، هو مختص بالحيازة، فيفتدى منه الاختصاص.
ومنها الطبيب له أن يترخص في الجمع بين الصلاتين من أجل العملية الجراحية، وكذلك يخفف عنه من الأنجاس؛ لمخالطته، إذا كان جراحًا بالخصوص، ومثل ذلك: ما يتعلق بالقيء أيضًا، تكراره، نعم كذلك ما له علاقة بالمريض.
وكذلك يقابل الأجنبية وهكذا.
الضابط الرابع: السفر، ومن الرخص التي تتعلق بالسفر الصلاة في الطائرة أو في القطار، إذا اتجه الإنسان إلى القبلة في البداية في الفريضة، وعرف جهة القبلة وأحرم إليها، هي لا شك أنها تنحرف، وقد لا يشعر الإنسان بالانحراف في أثناء السير، وإذا كان القطار تحت الأرض فإنه لا يحس بانحرافه والتواءاته، وإذا كانت السفينة في البحر كذلك وكان هذا النهار يصعب عليه المراقبة إلا إذا كانت الشمس بادية، أما إذا كان الليل، فهي تمكن المراقبة عن طريق النجوم وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ[النحل:16].
وكان أنس رضي الله عنه إذا صلى في السفينة في البحر، فإذا جرت صلى جالسًا، وإذا رست صلى قائمًا، ويحرم إلى جهة القبلة، فإذا استدارت استدار معها إلى جهة القبلة، يستدير كلما استدارت السفينة.
فإن قيل إن الصلاة في الطائرة تؤدي إلى ترك ركن من أركانها؛ فنقول: لا، لأنك إنما تجب عليك الصلاة بعد دخول وقتها، ولا تجب قبل دخول وقتها، فإذا دخل الوقت صلها كما أنت على القدر الواجب عليك، والحج يجب قبل دخول وقته، الحج واجب مرة في العمر، فيجب قبل دخول وقته؛ لأنه يجب السفر إليه، والصلاة لا تجب إلا بعد دخول الوقت؛ لأنه سبب وجوبها، فالصلاة لا تناقش وجوبها ولا أركانها قبل دخول وقتها، لأنها لا تجب قبل دخول الوقت، والحج يجب قبل دخول وقته، فهذا الفرق.
بعض الناس يتعللون بأنهم إذا سافروا من بلادنا مثلًا للحج، أو من بلاد نائية، سيضطرون للجلوس في الصلاة في بعض الأحيان، هذا ليس دائمًا، وأيضًا فإن الصلاة حينئذ إنما وجبت بعد دخول وقتها، فيجب عليك أداؤها على نحو ما تستطيع، (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)، والحج يجب قبل وقته، هذا الفرق، بالإضافة إلى أن الإنسان في كثير من الأحيان يستطيع أداءها قائمًا على الوجه الصحيح، كما قال الشيخ محمد عالي رحمة الله عليه:
أرى صلاة الفرض فوق الطائر صحيحة ليس بها من ضائر
لأنه في غاية الإمكان توفر الشروط والأركان
فصل ما سمعته وشاهد فليس من يسمع مثل الشاهد
(وحيث ما كنتم فولوا) الآية نص به أو ظاهر في الغاية
ولفظ الارض في الحدود مدرجًا ليس لفقيد ولكن خرجا
لغالب كالوصف للربائب بكونهن في الحجور الغالب
فكان عندي قائما مكان مقام من يقوم أين كان
فذاك عندي حاصل النصوص على العموم وعلى الخصوص
فالعبرة بوقت الأداء في الصلاة.
وهنا بالنسبة للحج لا يكون نفلًا، الحج دائمًا إما أن تؤديه بنية الفرض العيني، وإما أن تؤديه بنية الفرض الكفائي؛ لأن الله تعالى يقول: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[آل عمران:97]، فـ (مَن) باختلاف إعرابها يكون الحكم، إما فرض عين أو فرض كفاية.
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[آل عمران:97]، إذا كانت بدلاً من الناس، يكون هذا فرض عين، وإذا كانت فاعل (حج البيت) فاعل لمصدر، يكون هذا فرض كفاية، فـ(من) إما أن تكون مجرورة؛ أي: في محل جر، وإما أن تكون في محل رفع، فإن كانت في محل رفع، فهي فاعل (حج البيت)، وإن كانت في محل جر، فهي بدل لقوله: (على الناس)، واختلاف الإعراب يختلف به الحكم.
وقد ذكر لي أحد الأشخاص أنه سافر من أمريكا لليابان، وسافر من الناحية الثانية؛ فضاع عليه يوم، يسأل هل عليه أن يقضي صلواته؟ نقول: لا، ليس عليه أن يقضيه، وهذا نظيره: الذين يسكنون في الدول الإسكندنافية فليس لديهم وقت لصلاة العشاء في بعض الأحيان، أنا أتيت هناك فوجدت أن الشمس تغرب ويبقى الشفق أحمر إلى أن يطلع الفجر، شفق أحمر شديد الحمرة حتى يطلع الفجر من جهة الشرق، وهكذا بعض الدول، الشمس لا تغيب ستة أشهر، وتغيب ستة أشهر.
أي أن الشمس تمكث ستة أشهر ما تظهر، حينئذ يقدرون مثل أيام المسيح الدجال، ومثل الأيام الثلاثة التي قبل طلوع الشمس من مغربها، يقدرون لها قدرها، وبعض أهل العلم يرى أنها تسقط عنهم صلاة العشاء دائمًا؛ لأن السبب هو للوجوب، ولم يدخل السبب أصلًا، وهذا الذي أفتى به عدد من المشايخ في هذا العصر، والذي أراه أنهم يجزئون الليل ولو كان ساعة واحدة، فيأخذون ثلث الليل، فيصلون صلاة العشاء عند ذهاب الثلث، ولو كان ساعة واحدة.
ولو ذهب أحد من أمريكا لليابان فلا عبرة بذلك اليوم الذي ذهب فيه، فهذا اليوم ذهب في فرق التوقيت، فلا عبرة به، هو في الواقع ليس يومًا كاملًا، الذي يذهب هو فرق التوقيت، أربع عشرة ساعة، وبعض الأحيان يقع الأشياء من نظير هذا.
أنا أذكر مرة كنت في الأسكا، وأحد الإخوة كان معي، أرجعني من صلاة الفجر إلى البيت، قال لي: سأسافر اليوم إلى المشرق، وأعود إليك صلاة الظهر، يسافر إلى اليابان ويعود، لكنه يسافر من المشرق إلى المغرب، يذهب مغربًا في المغرب، ثم يعود إلى جهة اليابان، وهذه المسألة منها الأمر الحاصل الآن في سان فرانسيسكو، ففيها ثلاثة مساجد كبيرة: أحد المساجد: أهله يصلون إلى جهة الغرب، وأحد المساجد: أهله يصلون إلى الجنوب الشرقي، وأحد المساجد: أهله يصلون إلى الشمال الشرقي.
وأنا سألت الجميع، فالذين يصلون إلى الغرب يقولون: مكة من هذه الجهة أقرب إلينا، والذين يصلون إلى الجنوب الشرقي يقولون: نحن نصلي على الخريطة المسطحة، لو وضعنا خريطة مسطحة، كانت هذه جهة مكة منا، والذين يصلون إلى الشمال الشرقي يقولون: نحن نصلي على الخريطة المكورة، لو أخذنا خريطة على شكل بيضوي أو كروي، لكانت خطوط العرض كلها مائلة، وكانت هذه جهة مكة منا، وكل له وجه في الاجتهاد، وأنا أردت أن أجمع بينهم فقلت: أريد أن تشكلوا مجلسًا من بين المساجد الثلاثة للمسلمين، فيتفقون على جهة واحدة من هذه الجهات، فتصبح هي جهة الصلاة في هذا البلد، تكون إجماع الموجودين من المسلمين، فيمضي على بقيتهم؛ لأنها مثل جماعة المسلمين، إذا رأت أي أمر فهي تنوب مقام السلطان عند فقده، كما قال القاضي عياض: أجمع المسلمون أنه إذا كان الإمام غير عدل، أو يضيع الحدود، أو كان البلد ليس فيه إمام، فإن الجماعة التي تسند إليها الأمور تقوم مقام السلطان في كل شيء.
وكذلك عن أبي عمران الفاسي رحمه الله، سئل عن بلد المصامدة ليس لهم إمام، فقال: إن جماعة أهل الحل والعقد من المسلمين تقوم مقام السلطان في رعاية أموال اليتامى والغيّب، وغير ذلك من كل ما يمضي فيه أمر السلطان إجماعًا.
وذكر هذا الإجماع أيضًا ابن الهمام في فتح القدير، وابن الحنفية، فهذا إجماع أن جماعة أهل الحل والعقد من المسلمين في البلد الذي لا سلطان فيه، أو السلطان غير عدل، أو يضيع الحدود، فأمر جماعة المسلمين نافذ في كل ما ينفذ فيه أمر السلطان، وتنوب منابه، وهم جميعًا حكوا الإجماع على هذا دون مخالف.
الضابط الخامس: الفقر.
ومن أمثلة التخفيف بسبب الفقر إسقاط الحج عن العاجز؛ فإن الله شرط فيه الاستطاعة، فقال: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[آل عمران:97]، فالاستطاعة شرط، وهي: الزاد والراحلة والسبيل السابلة، فإذا عجز الإنسان عن الزاد والراحلة، لم يجب عليه الحج.
كذلك النفقات على من تجب النفقة عليه، كالنفقة على الزوجة، والنفقة على الأولاد، وعلى الوالدين، وعلى الرقيق، وعلى الدواب والبهائم.
وكذلك الكفارات، كل هذا من هذا القبيل، إلا الكفارات التي لها بديل؛ لأن الكفارات منها ما يكون واجبًا مخيرًا، فالواجب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
ينقسم باعتبار نفسه إلى: واجب معين، وواجب مخير.
وينقسم باعتبار فاعله إلى: فرض عين، وفرض كفاية.
وينقسم باعتبار وقته إلى: موسع، ومضيق.
فإذًا: الواجب له ثلاثة تقسيمات لدى الأصوليين، باعتبار الوقت ينقسم الواجب إلى: موسع ومضيق، فالموسع: هو الذي قدر له الشارع وقتًا أكثر منه، والمضيق هو الذي قدر له الشارع وقتًا على قدره، وينقسم باعتبار فاعله إلى: عيني وكفائي، فالعيني: هو الذي طلب الشارع حصوله من كل أحد، والكفائي: هو الذي طلب الشارع حصوله، بغض النظر عمن حصل منه.
وينقسم باعتبار ذاته إلى: معين، ومبهم، وهو المخير، مثل: كفارة اليمين، فقد ذكر الله ثلاثة أنواع للتخيير، ثم ذكر نوعًا آخر للترتيب، قال: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ[المائدة:89]، فيكون الواجب المتعين بالنسبة للفقر هو صيام ثلاثة أيام، لكن من هذه المسائل أيضًا قضية الصداق في النكاح، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: (التمس ولو خاتمًا من حديد، فلم يجد، فقال: لم أجد إلا إزاري، فقال: إن أصدقتها إياه جلست بلا إزار، فقال: هل تحفظ شيئًا من القرآن؟ وفي رواية: هل معك شيء من القرآن؟ فقال: نعم، لسور جعل يعددها، فقال: أنكحتكها على ما معك من القرآن)، فهذا النوع يعتبر أيضًا فيما يتعلق بالفقر، وإلا فالأصل أن النكاح لا يصح إلا بالمال؛ لقول الله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ[النساء:24]، ولقوله: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[النساء:34].
النقص، مثل نقص الأطراف، نقص الكمال، نقص الذمة، النقص أنواع مختلفة، نحن ذكرنا منه نقص الأطراف، ونقص الحواس، لكن مثله أيضًا نقص العقل وهو إدراك التكليف كله؛ لأن الإنسان أقصد غير العاقل يسقط عنه التكليف جملة.
كذلك في النطق، الإنسان الذي لا يستطيع النطق ببعض الحروف تسقط عنه القراءة، مثلًا الذي لا ينطق بالكاف في التكبير، فقد رأى بعض أهل العلم أنه يقتصر على آخر الكلمة؛ لأن لها معنًى، فيقول: (الله بر) فقط؛ لأن هذا المقدور عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)، وذلك إذا كان ما يقدر عليه له معنى، أما إذا كان الذي يقدر عليه لا معنى له، مثل الذي لا ينطق بالراء أصلًا، لا يجب عليه أن يقول: (أك) فقط، أو (أكب) فقط.
والألثغ الذي يبدل الراء حرفًا آخر، كالذي يبدلها غينًا، أو نحو ذلك، فإنه ينطقها على نحو ما ينطقها في كلامه، هذا الذي يخاطب به.
وكذلك العجز في قراءة الفاتحة، فالذي هو في أول إسلامه ولا يحفظ الفاتحة، يجب عليه أن يكون مأمومًا دائمًا إن استطاع؛ لأن قراءة الإمام قراءة لمن خلفه، وكثير من أهل العلم يرى أن الفاتحة تسقط عن المأموم خلف الإمام.
وكذلك في النقص، من هو أصم وأعمى لا تصح صلاته مأمومًا، وتصح صلاته إمامًا، وتصح صلاته فذًا، فصلاته فذًا ما فيها إشكال، وتصح صلاته إمامًا كذلك، لكن لا تصح صلاته مأمومًا؛ لأنه لا يمكن أن يسمع شيئًا من صلاة الإمام ولا يراه، وشهادته مردودة في كل شيء، ولو كان مبرزًا، لو كان أعدل الناس لا تقبل شهادته، وقد خاطبني جدي رحمة الله عليه بالصبا باللغز في هذه المسألة، يقول:
أحاجيك من شخص تصح صلاته إمامًا وفذًّا لا إذا أُمَّ فاعلما
فكملت أنا اللغز، فقلت:
شهادته مردودة لو مبرزًا وذلك شخص ضم للصمم العمى
فإذا كان أصم وأعمى، فتصح صلاته إمامًا وفذًّا، ولا تصح صلاته مأمومًا، ولا تقبل شهادته بشيء؛ لأن الشهادة لا يمكن أن يشهد إلا على شيء تلقاه عن طريق السمع، أو عن طريق البصر، فقد فقدهما معًا، وإذا كان الإنسان أعمى فقط، فقد اختلف في إمامته، فقال بعض أهل العلم: إمامته أفضل من إمامة المبصر؛ لأنه لا يتلهى ولا ينشغل عن الصلاة.
وقالت طائفة أخرى: بل المبصر أفضل؛ لأنه كامل تام، والحنفية يبالغون في التمام في هذه المسألة حتى يرون حسن الصورة وتمام الخلقة، وأشياء أخرى.
والمالكية أيضًا يرون حسن الملابس إذا كان من زيادة الكمال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم سنًّا- وفي رواية: أقدمهم هجرة- فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًّا أو سلمًا).
وهذا الخلاف ذكره أحد الفقهاء بقوله:
وجاز أعمى والبصير أفضل وقيل: سيان وقيل: الأول
أي: قيل: الأعمى أفضل، وقيل: هما سيان، هذا إذا كانوا جميعًا حفاظًا لكتاب الله، يقرءون، و(أقرؤهم) المقصود به: أحسنهم أداء وقراءة وأحفظهم، وليس المقصود به أحسنهم صوتًا، وقد جاء في حديث: (أنه في آخر الزمان يقدم القوم الرجل ليس بأفقههم، ولا بأفضلهم، ما قدموه إلا ليغني لهم)، الناس يتأثرون بالأصوات الجميلة، فيقدمون الشخص من أجل جمال صوته فقط، ولا يراعون أي شيء آخر من المعايير الشرعية المنصوصة.
وإذا تعارض الأقرأ والأفقه، فالعبرة بالأفقه؛ لأنه هو الأقرأ في الواقع، إذا كان الفقه معناه إحسان الأداء، والفهم لما يقرؤه؛ لأن الإنسان إذا كان يقرأ شيئًا ولا يفهمه (فرب حامل فقه ليس بفقيه)، و(رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
السؤال: وهنا مسألة تتكرر في إنزال المسائل المطروحة الآن؛ وهي أن بعض الشباب لا يحسنون القراءة، يعني: يقلد الأداء، من ناحية الأصوات، منهم من يقلد الحصري، ومنهم من يقلد المنشاوي، فيجتمعون يوماً في الأسبوع في مسجد من المساجد، يتناوبون في القراءة، ثم يكون موعظة أو كذا، يرغبون الشباب؛ يعني في القرآن الكريم، فهناك من أفتى ببدعية ذلك؟
الجواب: لا، ليس هذا بدعة، إلا إذا قصد به تعيين يوماً معين، كما إذا جعلوه عيدًا ليوم معين، أو التزموا به يوم الخميس، أو يوم الجمعة، فهذا الذي نص عليه مالك في المدونة، قال: يقام القارئ يوم الخميس من المسجد؛ ليسمع الناس حسن تلاوته، وإذا كان هذا للتعليم، فلا حرج فيه شرعًا، والمحاكاة التي نهي عنها في حديث عائشة: (ما أحب أن أحاكي رجلًا ولا امرأة)، إنما هي المحاكاة بقصد الاستهزاء، أما محاكاة القراء المتقنين من غير أن يغير الإنسان نطقه ولا هيئته، نحن نعلم أن بعض الناس يحاكي بعض القراء في بعض أخطاء يقعون فيها؛ لأنه يحب جمال صوته، بعض القراء مثلًا يفخم اللام دائمًا، وبالأخص إذا جاورتها الخاء، مثل بعض القراء من أهل القصيم عندهم اللام إذا كانت في كلمة فيها الخاء يفخمون اللام، مثل يقولون: خلف، أخواله، هذه لغتهم، لهجتهم، فبعض الناس يعجب بقارئ، فيقلده حتى في أخطائه، ونظير هذا: تفخيم الراء الساكنة بعد الكسر، أو بعد الياء، مثل: بعض الناس إذا قرأ خواتم سورة البقرة يقول: (المصير) بالتفخيم.
وهذا خلاف للقراءات كلها، كما قال الشاطبي رحمه الله:
ولا خلف في ترقيقها بعد كسرة إذا سكنت يا صاحب السبعة الملا
بل هو لغة العرب كلها، ما فيه خلاف في القراءات كلها، فهذا النوع إذا قلد فيه الإنسان إنسانًا، الإنسان الأول قد يكون معذورًا، مثلًا: شخص يقلد شيخاً من أهل بورما، ولديه عجمة، ولا يستطيع ترقيق الراء مثلًا، إذا قلده الإنسان في حسن صوته، لا بأس، لكن إذا قلده في خطئه، هذه مشكلة، لابد أن ينتبه الناس لأخطاء القراء حتى لا يقلدوهم فيها.
السؤال: بالنسبة لعموم البلوى، بعض الفقهاء يقولون: هل تدخل في الضابط الثاني الذي هو الكثرة وما معناها؟
الجواب: نعم لا شك في هذا.
وعموم البلوى هي أن يكون الشيء قد كثر وانتشر، بحيث لا يمكن الاحتراز منه، مثل: طين الشوارع، مثل: الغبار بالنسبة للصائم، ومثل: غبار الذي يعمل في المطاحن وهو صائم، مثل: الذباب إذا كثر فابتلعه الصائم، فهذا النوع هو عموم البلوى: الشيء الذي يكثر الذي لا يستطيع الإنسان التحرز منه، فالأنف ليس مثل الفم الذي يستطيع الإنسان ضمه، الأنف مفتوح، وتنفس الإنسان ضرورة؛ فلذلك يمكن أن ينتشق الإنسان غبارًا، فإذا امتخط جاء لون الغبار في مخاطه، فهمت؟ وكذلك يصل إلى جوفه بعضه، ومثل هذا: الطباخ أيضًا، ذوقه للملح ونحو هذا، فهو من الأمور.. وكذلك الدخان في إفساده للصوم، الحنفية ما عندهم مشكلة في هذا الباب؛ لأنهم يرون أن المفسد للصوم هو ما ينفع في التغذية، الشيء الذي له فائدة في التغذية هو الذي يضر الصوم، أما إذا ابتلع الإنسان حجرًا، فلا يبطل صومه عند الحنفية؛ لأنه لا ينتفع به، والجمهور عندهم أن الصوم يبطل بذلك؛ لأن الحجر على الأقل يسكن المعدة، وكثير من الإنزيمات سيذهب في معالجة إذابة هذا الحجر؛ فلذلك الدخان مثلًا إذا كان دخان طيب، أو بخار الطعام فاستنشقه الإنسان عامدًا فوصل إلى جوفه، فهو مبطل للصوم بالاستنشاق بقصده، وإن وصل بدون استنشاق فلا حرج، والحطب، دخانه- ومثله دخان السجائر ونحوها- إذا وصل من غير استنشاق، فلا ضرر فيه، وإذا وصل باستنشاق، فإن كان الإنسان يتشهاه فاستنشقه، فهو مبطل كدخان العطر، وإن كان لا يتشهاه واستنشقه، فهو غير مبطل أيضًا، وهذا الذي يقول فيه جدي الددو رحمة الله عليه:
دخان قدر وبخور إن وصل للحلق باستنشاقه الصوم بطل
وإن يكن بدون الاستنشاق وصوله فالصوم معه باق
وليس في استنشاق دخان الحطب من ضرر لا في الدسوقي...
السؤال: هل يدخل في هذا يا شيخ قضية المسك الموضوع على الكعبة بالنسبة للمحرم؟
الجواب: نعم، بالنسبة للشيء اليسير منه، الكعبة في أيام الحج لا تخلق، لا يوضع عليها الطيب الذي يبقى فيها، والبيت في الموسم لا يخلق، لكن مع ذلك إذا لصق بيد الإنسان أو بثوبه شيء يسير من عطر الكعبة، فلا حرج فيه، لا يلزمه به فدية.
السؤال: بالنسبة لحد سفر المرأة، فالحد المعتبر المكث يومًا وليلة، هل هذا في الرجوع أو في الإقامة، فإذا سافرت إلى مكان، ثم أقامت ليلة أو يومين في فندق مثلاً هل يحسب؟
الجواب: إذا كانت ستنزل في البحرين فتقيم فيها ثمان ساعات، أو اثنا عشر ساعة، ثم تسافر منها، فيكون جميع ذلك بالسفر والإقامة في أثناء السفر يومًا وليلة، فلا يحل لها ذلك إلا مع محرم، لكن إذا كانت تسافر في طائرة ثمان ساعات كلها من الدوحة إلى الجزائر، مثلًا تمر بدبي ومن دبي إلى الجزائر، فهذا أقل من يوم وليلة، والمقام في أثناء السفر معتبر، الوقت الذي تمكثه في المطار محسوب عليها، وأيضًا العلماء عدوا فروقًا بين المرأة والرجل في السفر في الحج، قد نظمها الشيخ محمد سالم حفظه الله بقوله:
خليل قال: تردد، هو غلط؛ لأنها ليست على اصطلاحه، أو اشتراط أن يضم العدد جنسيه (الرجال والنساء) تأويلان لا تردد.
وامرأة كرجل وزيدا ألا يكون مشيها بعيدا
وأن تخص بمكان في السفن للنوم والقضاء للحاج يكن
وأن يكون معها زوج حضن أو محرم كذا فريق مؤتمن
في الفرض قومًا ونساءً شملا وفي اكتفاء بعُلى أو بألى
أو اشتراط أن يضم العدد جنسيه تأويلان لا تردد
السؤال: مشاهدة النساء بلا خمار مثلًا إذا كانت في البرامج الإخبارية كثير، هل هناك حد؟
الجواب: إذا كانت المذيعات أكثر من المذيعين ولم يستطع الإنسان إلا النظر، فليكف، ليغض، كلما نظر غض، وكلما تذكر غض، وما لم تتحرك شهوته فهو غير آثم بذلك، لكن ينبغي أن يكون كلما وقع نظره على امرأة سافرة غض، ثم إذا سمع خبرًا مهمًا فشده الخبر فنظر فوقع بصره على الصورة، أيضًا غض وهكذا.
السؤال: [ برامج التلفزيون والبرامج الإذاعية والإخبارية والثقافية بعضها يصاحبها بعض الموسيقى والمنكرات والملاهي فما حكمها؟ ]
الجواب: نعم، بالنسبة لبعض الموسيقى التي تكون فواصل في الإذاعات، أو حتى رنات الهواتف إذا كانت شيئًا يسيرًا ولم تكن تحرك، فتكون من هذا القبيل المعفو عنه، ولا تكون من المنهي عنه، أما إذا كان الشيء مقصودًا وفيه أغنية، أو فيه نشيد، أو فيه صوت مقصود لذاته، هذا لا يجوز.
وهي في بعض الأحيان تكون الفواصل مزعجة أكثر من أن تكون ملهية.
السؤال: بالنسبة لقضية البخار والدخان وما شابه ذلك، هل نسوي بين ما يدخل الجوف إلى الرئة مع ما يدخل الجوف إلى المعدة؟
الجواب: لا، بالنسبة لهذا العبرة هو بما يصل إلى الجوف عن طريق المريء، أما ما يسيل مع قصبة الهواء إلى الرئة فلا منفذ له على الجوف أصلًا، هذا سيتردد في داخل الشعيبات الهوائية، الشعب الهوائية في الرئتين، ثم يرجع، أو يترسب في الرئة.
وبالنسبة لما يستنشق من بخار وما شابه ذلك بعضه يدخل، إذا كانت شهية الإنسان مفتوحة، فيدخل إلى بطنه، والآن عندك الفانتولين الذي يستعمله من لديه ضيق الشعب الهوائية، فإذا كان يتقن استعماله فبخه فسار مع القصبة الهوائية إلى الرئة، لا يبطل الصوم، وإذا كان لا يحسن بخه فبخه إلى الخلف فذاق طعمه ووصل بعضه إلى المريء؛ فهذا مبطل للصوم.
والجوف المقصود به: الجهاز الهضمي الذي يبدأ من المريء وينتهي بالمستقيم، فهذا الجهاز كله مشارك في الهضم، فالمستقيم يهضم المواد الدسمة، وبعد ذلك الأمعاء، هذه كلها لها جزء من الهضم تهضمه، فالجهاز الهضمي هو المقصود هنا بالبطن.
والإنسان لا يستطيع رد شيء إذا دخل في المريء، ما يستطيع الإنسان إمساكه بعد ذلك، ما في شيء يمنعه عن الدخول.
وبالنسبة للذوق يتفق المالكية والشافعية بأن الذوق يستمر إلى آخر اللسان، منبت اللسان، وما وراء مخرج حروف الحلق فهو يعتبر من الجوف.
السؤال: [ تحديد القصر لعله عند الشافعية بالقولين التي ذكرت لا مطلق السفر وكذلك قدروا السفر الطويل بأربعة وثمانين ميلاً؟ ]
الجواب: بالنسبة لهذا، لعلك تقصد بعض الشافعية.
لكن السفر هم لم يكونوا يحددون بهذه المسافة، المهم أن هذه المسافة ثمانية وأربعون ميلًا هاشمية، هذه لم يحددوها هذا التحديد، ورأي شيخ الإسلام ابن تيمية يرجح مذهب الشافعية في هذا.
السؤال: عندما يقولون: العرف، هل إذا تغير العرف يتغير الحكم؟ مثلًا الآن بعض الناس يسافر لعمله أو يخرج لعمله يوميًّا مائة وعشرين كيلومتراً ولا يسمى عندهم سفرًا؟
الجواب: إذا كان في داخل مدينة، مثل طوكيو، وفيها شارع واحد، وداخل المدينة مائة وعشرين كيلو، هذا لا.
وإذا كان سيخرج من المدينة وينقطع عنه البنيان، فإذا كان في الطريق بين عمله وسكنه فحان عليه وقت الصلاة، فهذا المكان يقصر فيه، فإذا وصل إلى مكان عمله، فهو غير مسافر، وإذا دخل بلده الذي يقيم فيه، فهو غير مسافر، فهو مسافر فقط في الطريق، في الوسط بينهما، ولو كان لا يسمى سفرًا في عرف الناس.
السؤال: هل جمع الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب والعشاء في المطر؟
الجواب: نعم، بالنسبة لجمع العشاءين ليلة المطر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس، لكن لم يصح عنه جمع الظهرين لأجل المطر، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الظهرين؛ ولذلك لم ير ذلك جمهور أهل العلم، وإنما هو رواية للحنابلة، ذكرها ابن قدامة في المغني.
السؤال: [ هل يحمل الطائف في الطواف كحمله في السعي؛ لأنه في زمننا الآن لعل الطواف يكون أشق وأكثر من السعي؟ ]
الجواب: لا، لكن الآن في زمننا وجدت أيضًا العربات، فلم يعد الحمل محتاجاً إليه فيضعه في عربة.
ولو كان طفلاً صغيراً وحمله، فالاحتياط أن يطوف به طوافين، والسعي هو الذي فيه هذا التخفيف.
السؤال: [ ما ذكرتم في الضابط الثاني وهو الكثرة، بالنسبة لما يجري من عوام المسلمين من الاستغاثة بالمخلوق هل هذا يعتبر من هذا الضابط، أو من باب العذر بالجهل؟ ]
الجواب: كلاهما يدخل فيه، هو في الأصل العذر بالجهل، لكن ما عذر به إلا لكثرته وجريانه على ألسنتهم؛ وإلا لو كان حالةً نادرة، يقام فيها على الإنسان الحجة.
السؤال: هل تصح صلاة المفترض خلف المتنفل؟
الجواب: بالنسبة لارتباط صلاة المأموم بالإمام، هو محل خلاف بين أهل العلم، فمن أهل العلم من يرى ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، ومنهم من يرى عدم الارتباط، فيرى أن الإمام يمكن أن يكون متنفلًا ويكون المأموم مفترضًا، ويستدلون بحديث معاذ: (كان يشهد العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم العشاء)، ويرد أصحاب القول الأول: بأن معاذاً كان موظفًا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فتجب عليه الصلاة بأصحابه، فهي فرض أيضًا، فهم لا يصلون وراء متنفلٍ، وإنما يصلون وراء مفترض، وأيضًا قد لا يكون فيهم من يصلح للإمامة إذ ذاك سواه، فيتعين عليه، يعني: كان في وقت فيه قليل من يصلح للإمامة.
وهذه المسألة أيضًا تشمل قضايا أخرى أكبر من هذه، مثل التفريق بين الظهرين مثلًا، إذا وجدت شخصًا يجمع وقد صلى الظهر وأنت لم تصل الظهر، وهو يصلي العصر، هل تقتدي به بنية الظهر وهو يصلي العصر؟ فيقع الاختلاف في النية بين الصلاتين.. وهكذا، هذا كله يرجع إلى هذه المسألة.
ونفس الشيء بالنسبة للمغرب والعشاء، فتكمل، تختلف هيئة الصلاة أيضًا.
السؤال: بالنسبة لإمامة المسبوق؟
الجواب: إمامة المسبوق، إذا كان أدرك أقل من ركعة، فالمشهور أنه يصلح إمامًا، وهذه فيها ثلاث مسائل، كلها فيها مشهور، فلا يحصل له إلا فضل ما أدرك على المشهور، ولا يلزمه سجود السهو مع الإمام على المشهور، ويصح إمامًا على المشهور، هذه كلها مسألة خلاف.
فيها مسألة رابعة، هي كون التكبير على المشهور أيضًا.
والمدرك أكثر من ركعة لا يكون إمامًا؛ لأنه ما يمكن أن يجمع بين المأمومية والإمامية، وما زالت منسحبة عليه المأمومية.
وإذا اقتدى به إنسان وهو يعلم أنه مأموم ما تصح صلاته.
السؤال: صلاة المنفرد خلف الصف، ما الراجح فيها؟
الجواب: المنفرد خلف الصف، الراجح أن النهي الوارد في ذلك هو على سبيل الكراهة؛ فإذا كان الإنسان يجد مكانًا في الصف، أو يستطيع أن يصف مع الإمام، أو يستطيع أن يجذب شخصًا من الصف فينجذب له، فليس له أن ينفرد، وإلا فلا حرج.
السؤال: [ ما حكم الصلاة في جماعة ثانية؟ ]
الجواب: كان النهي قديمًا -في العهد الأول- عندما كان الأمراء هم الذين يؤمون الناس، فكان الإنسان إذا تخلف عن الصلاة فجاء فصلى بجماعة في المسجد، كان هذا طعنًا في الأئمة، واليوم الأمراء لم يعد أكثرهم أئمة للمساجد، فإذا جئت أنت فصليت إماماً لمجموعة من المسلمين، فلا يعد طعناً فيه؛ لأنه هو ليس خليفة للمسلمين، ولا أميراً للبلدة، فليس هذا طعنًا في إمامته، وهذه المسألة فيها خلاف مشهور، كان ابن مسعود إذا فاتته الصلاة، رجع إلى أقرب مسجد فجمع فيه، كذلك حذيفة بن اليمان، وهذا في أيام الصحابة، والذي يظهر من كلام عدد من الأئمة الحرمة، وقد ذكر أشهب الجواز، وأشهب من أصحاب مالك، وذهب بعضهم إلى الكراهة، وقد نظم ذلك الشيخ محمد عالي رحمة الله عليه، فقال:
جماعة بعد صلاة الملتزم أبو المودة بكرهها جزم
وذهب اللخمي فيما دونه للمنع وهو ظاهر المدونة
وبعضهم إلى الجواز ذهب وهذا له يدل قول أشهب
الذي يبدو الآن أن العلة مفقودة، ما عاد يوجد الآن خليفة أو إمام يكون هذا طعنًا في صلاته.
السؤال: [ ما هو ضابط الاختلاط المحرم بين الرجال والنساء؟ ]
الجواب: الاختلاط بين الرجال والنساء: هو التماس أو التقارب جدًّا، بحيث يحس الإنسان بشهوة، أما مجرد أن يكونوا تحت سقف واحد مثلًا، أو مكانًا في الجامعات فهذا ليس اختلاطًا، الاختلاط: هو أن يقع التقارب، (باعِدوا بين أنفاس الرجال وأنفاس النساء)، الشيء الذي تحصل به الشهوة من القرب، أو المس، هذا هو المنهي عنه، فالله سبحانه وتعالى ذكر في سورة النور حدين: أحدهما: هو أشد شيء في المخالطة، والآخر: هو أخف شيء في المخالطة، وحرمهما، فدل ذلك على تحريم ما بينهما، فقال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ[النور:30].
فأخف شيء في المخالطة، هو مخالطة البصر، وقد حرمت، وأشد شيء فيها، مخالطة الفروج، وقد حرمت، فدل ذلك على أن ما بينهما من المصافحة والمس، والاقتراب الذي تحصل به الشهوة كل ذلك محرم، وهذا من باب قياس الأولى أو من باب مفهوم الموافقة.
وكذلك الخلوة محرمة لوحدها، حتى لو كان من غير اختلاط؛ إذا كان في غرفة واسعة أو صالة عرض كبيرة جدًّا وهو في طرف وهي في طرف، ولكن لا يراهما أحد، فهذه الخلوة حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما)، قال: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: والحمو يا رسول الله؟ قال: الحمو الموت).
ومن هذا ما يحصل الآن في المكاتب، فمن المؤامرات العالمية أن شغل السكرتارية عادة لا يتولاه إلا النساء، فيقصد بذلك انتشار الفواحش، والاختلاط المذموم والخلوة، تدخل على المدير ورئيسها في كل الأوقات فتخلو به؛ لأنها لابد أن ترد الباب، هي سكرتيرته.
السؤال: [ ما معنى الحجاب في قوله تعالى: مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ[الأحزاب:53]؟ ]
الجواب: هذا الحجاب الذي في سورة الأحزاب وهو المذكور في النصوص الشرعية، هو المختص بأمهات المؤمنين، وهو ساتر يكون بينهن وبين الرجال، ليس المقصود به اللباس، بل زيادة على اللباس، ساتر يكون بينهن وبين الرجال.
وهذا خاص بأمهات المؤمنين، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ[الأحزاب:53]، ليس في القرآن ذكر للحجاب غير هذا، فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا[الأحزاب:53].
إذًا: واضح جدًّا أن الآية مختصة بأمهات المؤمنين، وأن الخطاب لهن، والعلة المذكورة مع ذلك وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا[الأحزاب:53].
وقوله: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ[الأحزاب:53] هذه فيما يتعلق بمجرد التفكير في الزواج، يعني: هذا صيانة للجناب النبوي صيانةً كاملة، أما من سوى أمهات المؤمنين من النساء الأجنبيات، فيمكن أن يفكر الإنسان أنه يمكن أن يتزوجها؛ فلذلك يمكن أن يراها إذا كانت مستورة بلباسها، ولو ليس دونها حجاب، ليس دونها جدار، وليس دونها ستر.
السؤال: الواقع مثلًا الآن في الجامعات، الاختلاط في الجامعات، الواقع الآن أن هناك كرسياً للبنت وكرسياً للولد، وإن كان عندنا في موريتانيا النساء يكن في الخلف، لكن وضع الجامعات غير ذلك؟
الجواب: بالنسبة للتقارب، إذا لم يكن فيه مس ولا تحريك شهوة، فليس من الاختلاط، لكن إذا كان فيه مس أو اقتراب، مثل الكراسي المتجاورة جدًّا، فهذا لا يجوز.
وإذا كان مع طول المدة يؤدي إلى حصول الاقتراب فمثل هذا النوع يكون محرمًا.
السؤال: هل يجوز لجماعة المسجد أن تمنع جماعة أخرى من إلقاء الدروس على اعتقاد أنهم مبتدعون، أو أشباه ذلك؟
الجواب: لا، بالنسبة للمسجد غير مملوك لأحد من الناس، وهو بني لإقامة الصلاة وإقامة ذكر الله، فكل من قرأ فيه كتاب الله وسنة رسوله، أو علم فيه شيئًا من الدين، فقد فعل فيه ما بني من أجله، ولا يحل منعه منه، حتى ولو كان يعتقد أنه بدعيًا في مثل هذا النوع، هو يقرأ قرآناً، أو يقرأ سنة، أو يبين حكماً شرعياً، يستمع له، فإن سمعه وقال: بدعة، أو قال: حرامًا، رد عليه، لكن لا يحل له منعه منه.
السؤال: [ شيخ! ذكرتم أن البخاري قال: إن الامتحان للعقائد بدعة، والنبي صلى الله عليه وسلم امتحن الجارية كما في الحديث؟ ]
الجواب: هذا استثناء امتحانين:
الامتحان الأول: هو الذي ذكره الله في سورة الممتحنة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ[الممتحنة:10]، فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والأمر الثاني: إذا كان الشخص مشركًا وهو رقيق، وزعم الدخول في الإسلام، فأردت عتقه في الكفارة التي لا تجزئ فيها إلا الرقبة المؤمنة، فلك أن تمتحنه حتى تعلمه، كحديث الجارية، لكن ما سوى هاتين الحالتين لا يجوز، فالأصل عدم الامتحان.
السؤال: شيخ! ما دام أن الحرمة تتعلق بالشهوة؛ فهل يفتح الباب لكل شخص يقول ما يشتهيه أو ما يعتقده؟
الجواب: لا، لكن هو يسأل نفسه، استفت قلبك، فإذا كان هو تتحرك شهوته بمجرد النظر -ولو من فوق اللباس- وجب عليه غض البصر؛ وإذا كان لا تتحرك شهوته، فهناك أشياء محرمة في الأصل.
حتى ولو قال: أنا أنظر إلى المتبرجة من غير شهوة، لا يصدق في هذا؛ لأن هذا حرام النظر إليه مطلقًا، بشهوة وبدون شهوة، فإذا كانت متبرجة فالنظر إليها حرام مطلقًا بشهوة وبدون شهوة، وإذا كانت متحجبةً متسترة فالنظر إليها بشهوة حرام ولكن بغير شهوة ليس حرامًا.
وقضية النظر إليها في التلفاز ليس نظرًا إليها مباشرة، هو نظر إلى صورة في الواقع، وهذه الصورة قد تكون غير كاملة تمامًا، وهذا الموضوع حصل فيه بحث قديم عندما طلع مجرد صوت المرأة في المذياع، بحث فيه الفقهاء حتى قال أحدهم:
صوت الخريرة في المذياع قد فضلا ما لم تكن أمة أو زوجة نقلا
ورد عليه آخر:
إقرار صاحبة اللحيين نقرؤها ونقرأ الشعر يحوي الهجر والغزلا
وقد يحرك ذا ما لا يحركه شدو الخريرة في المذياع إن حصلا
فيقول:
إذ ليس ثم انكشاف لا لظاهرها ولا لباطنها أو مشيها الخيلاء
فهذا تعليل في ذلك الوقت، أيام كانت القضية في المذياع، واليوم أصبحت الصورة مع الصوت، فزاد الطين بلة.
فبالنسبة للمتبرجة يحرم النظر إليها، وكل ما لا يجوز النظر إليه بالمباشرة لا يجوز النظر إليه في الصورة.
والمقصود بغض البصر حتى لا يحصل للشخص ما لا يحمد عقباه ليس أن يغض بصره كله، وإنما أوجب الله عليه الغض من بصره، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النور:30]، و(من) تبعيضية.
السؤال: [ كيفية التعامل مع المريض في حال كونه مقعداً وكان رجلاً ليس عنده إلا نساء أو العكس؟ ]
الجواب: صحيح، بالنسبة للقائم على المريض هناك أمور تختص بالزوجين، قيام أحد الزوجين على الآخر إذا وجد، لكن إذا لم يوجد، كان لك والد كبير السن وليس لك أم أو لا تستطيع القيام عليه أو ليس له زوجة، لابد أن تباشر أنت الأمر بيدك، كما لو كنت تغسل جنازته وهو متوفى.
ويبدأ بالرجال قبل النساء بالنسبة للرجال، والنساء يبدأن بالنساء قبل الرجال، بالنسبة لهن.
فإن لم يوجد كأن يكون عنده والدة ضعيفة عاجزة فلا يحل له الكشف عما لا يحل الكشف عنه من جسدها؛ بمعنى أنه يحل له ما فوق موضع القلادة، وما يغسل من الأطراف في الوضوء، هذا مذهب الجمهور، والشافعية يوسعون في هذا، يرون أنه يمكن أن يكشف أكثر من ذلك، لكن يجب عليه ستر عورتها جميعًا، ولا يمس شيئًا من داخل بدنها، وإذا لم يكن لها من يخدمها، وكانت عاجزة عن إزالة الأذى عن بدنها، أو عن تبديل ملابسها مثلًا، هي عاجزة، ولا أحد ليس لديه امرأة يمكن أن تقوم بهذا، يضطر هو للقيام به، كما يحصل في حق المتوفاة لو توفيت.
السؤال: بالنسبة لقاعدة المشقة تجلب التيسير، قضية المرور أمام المصلين في الحرم، وهذا يقع فيها خلاف كثير، فما الحكم؟
الجواب: نعم، هذه من الكثرة، ونفس الشيء بالنسبة أيضًا لصلاة النساء إلى جنب الرجال، بالنسبة للمذهب الحنفي: أن الإنسان إذا صفت معه امرأة، أو كانت بينه وبين القبلة واشتركت معه في الصلاة؛ فصلاته باطلة، فتبطل صلاته بمجرد أن تصف معه امرأة، أو تكون بينه وبين القبلة، وترددوا فيما إذا غلب النساء على الكعبة فأحطن بها من كل وجه، هل تبطل صلاة العالم كله، أو لا، بحثوا في هذه المسائل.
إذًا: فالقضية هنا قضية الكثرة الحاصلة، فالحرم لا يزال فيه مصلون، ولا تستطيع التوقف؛ ولذلك للمار بين يدي المصلي والمصلي أربع صور:
الصورة الأولى: يأثمان معًا، وهي إذا كان المصلي متعرضًا، وكان المار يجد مندوحة أخرى غير التي بين يدي المصلي.
الصورة الثانية: لا يأثم واحد منهما، إذا كان المار لا يجد مندوحة إلا التي بين يدي المصلي، والمصلي غير متعرض، أحرم مستترًا بعمود، أو بجدار، أو نحو ذلك؛ فلا يأثم واحد منهما.
الصورة الثالثة: يأثم فيها المار، ولا يأثم المصلي، وهي ما إذا كان المار يجد مندوحة، والمصلي غير متعرض.
والصورة الرابعة: يأثم فيها المصلي، ولا يأثم فيها المار، وهي إذا كان المصلي متعرضًا، والمار لا يجد مندوحة.
وهذه القضية أيضًا القدر الذي يحجزه المصلي من المكان هو محل بحث؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وليدن منها)، أي: السترة، وقال: (فإن أراد أحد أن يمر بين يديه، فليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله؛ فإنما هو شيطان)، والقتال لدى العرب: يكون بالسيف، وطوله ثلاث أذرع وإصبع، وإما بالرمح وهو اثنا عشر شبرًا من الوسط، وإما بالقوس ورميته أطول من ذلك، قاب قوس، فالقوس إذًا: غير معتبر، فمن الفقهاء من اعتبر له الرمح أي: اثني عشر شبرًا قال: هذا حريم المصلي، ومنهم من اعتبر له السيف، قالوا: ثلاثة أذرع فقط هي حريم المصلي، وابن العربي قال: بالله الذي لا إله إلا هو لقد زلت أقدام العلماء في هذه المسألة، ولا يملك المصلي من الحريم إلا موضع سجوده وركوعه، وما سوى ذلك لا يملكه.
ولو مرت المرأة في الحرم فإذا أحرمت وأنت متعرض غير مستتر فمرت بين يديك فأنت آثم، لكن إذا كنت مستترًا، غير متعرض فمرت بين يديك، لا تقطع عليك ولا تأثم.
وأيضًا القطع في حديث المرأة والكلب الأسود والحمار، المقصود به: قطع نور الصلاة، لا إبطالها، نور كان بينك وبين القبلة.
مداخلة: بالنسبة للحرم عندما تجد ... في الصحن مثلًا؟
الشيخ: صحن، ابحث عن شخص جالس، أو عن كرسي، أو عن..
مداخلة: يقوم؟
الشيخ: لا، لينتظر، نبهه، ضع نعليك أو عمامتك أو شيئاً أمامك حتى..
السؤال: [ هل هناك تفريق بين سماع القرآن في الصلاة إذا كان يقرأ الفاتحة أو كان لا يقرؤها؟ ]
الجواب: نعم، بالنسبة للمأموم يقرأ الفاتحة إذا لم يسكت الإمام وبدأ يقرأ سورة، ثم يستمع إلى باقي السورة، قال أبو هريرة لما سئل عن هذا: اقرأ بها في نفسك يا فارسي. الحديث في الموطأ وغيره.
السؤال: [ في شأن النظر الشخص له النظرة الأولى، فإذا سمع أغاني مثلاً هل له الأولى؟ ]
الجواب: نعم، نفس الشيء بالنسبة لما لا يستطيع الإنسان رده، طبعًا المرة الأولى له قطعًا، ابن عمر كان إذا سمع الغناء وضع إصبعيه في أذنيه، لكن لابد أن يسمع أولًا حتى يتأكد أنه يوجد غناء.
فيكون المحرم هنا الاستماع وليس السماع العابر.
السؤال: (ليس من امبر امصيام في امسفر)، هل هذه الرواية في الصحيحين؟
الجواب: هذه لغة حمير، والرسول صلى الله عليه وسلم رد على السائل بنفس لغته، وهي رواية موجودة ليست في الصحيح، لكنها رواية موجودة.
السؤال: عندما ينتظر الشخص صلاة الصبح ويغيب عقله كثيرًا بسبب النوم، فما هو مقدار الحد في ذلك؟
الجواب: هذه قضية ضابط النوم الناقض للوضوء يوجد خلاف في ضبطه، فمن العلماء من اعتبر حال النائم، ومنهم من اعتبر حال النوم، فمنهم من قال: الناقض هو النوم؛ لحديث صفوان بن عسال، قال: (لكن من غائط، وبول وريح ونوم)، فعد النوم من النواقض، فالنوم نفسه هو الناقض، فعلى هذا إذا كان النوم ثقيلًا فهو الناقض، وإذا كان خفيفًا لا ينقض، والفرق بين الخفيف والثقيل: أن الثقيل: هو الذي تسقط سبحته ولا يشعر، وتحل حبوته ولا يشعر، ويسيل ريقه ولا يشعر، وبعض الأحيان يرى رؤيا، هذا الثقيل، والخفيف: ما ينتبه معه إذا حصل له شيء من هذا، والذي لا ينقطع عنه الأصوات نومه خفيف، فلا ينقض ولو طال، ولكن يندب له الوضوء إذا طال ذلك، والآخرون رأوا أن العبرة بحال النائم، قالوا: العلة لابد أن تكون وصفًا ظاهرًا منضبطًا، والنوم أمر خفي، ليس وصفًا ظاهرًا منضبطًا، ورأوا أن العبرة بحاله، فقالوا: إذا كان مضطجعًا أو ساجدًا أو مرتفقًا نقض عليه نومه، سواء كان ثقيلًا أو خفيفًا، وإن كان قائمًا أو راكعًا، أو جالسًا لم ينقض عليه نومه ولو كان ثقيلًا؛ لأن هذه الهيئة ليست هيئة المتمكن.
السؤال: [ استدلال بعض العلماء في فتاوى الترك للفعل بعدم فعل الصحابة رضي الله عنهم أو عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما هو ضابط ذلك، ومتى يمكن أن يستدل بذلك ومتى لا يستدل به؟ ]
الجواب: بالنسبة للتروك إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل فعلًا، أو كان أهل الجاهلية يفعلونه فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ترَكه، مثل: التختم بالذهب فعله ثم تركه، فهذا دليل على النسخ، ودليل على الحرمة في الأصل.
وإذا كان الترك غير مسبوق بفعل، معناه: شيء لم يرد أنهم فعلوه أصلًا، هذا لم يتركوه، فهذا ينظر فيه، فإن كانت الحاجة داعية إليه في الصدر الأول فلم يفعلوه، كان من قبيل البدع، وهذا النوع يسمى: البدع الإضافية، وإن كانت الحاجة غير داعية إليه في العصر النبوي، فدعت الحاجة إليه من جديد، فهذا من قبيل المصالح المرسلة، مثل: كتابة المصحف، ومثل: نقطه وضبطه، ومثل: بناء المحاريب والمنائر، ومثل: كتابة السنة وتدوينها، وهكذا بناء المدارس كلها فهذا النوع كله لم تكن الحاجة داعية إليه، فهو من قبيل المصالح المرسلة، لا من قبيل البدع؛ ولذلك فالتقسيم الذي سلكه القرافي، وتبعه عليه عدد من المؤلفين، ومنهم علي الأجهوري في تقسيم البدع أن البدعة تنقسم إلى: واجبة، وسنة، ومندوبة، ومكروهة، ومحرمة، هذا التقسيم غير صحيح؛ لأن هذه بدع لغوية فقط، لكن ليست بدعًا شرعية، علي الأجهوري يقول:
كن تابعًا ووافقن من اتبع مقسمًا لخمسة هذي البدع
واجبة كمثل كتب العلم ونقط مصحف لأجل الفهم
ومستحبة كمثل الكانس والجسر والمحراب والمدارس
ثم مباحة كمثل المنخل وذات كره كخوان المأكل
ثم حرام كاغتسال بالفتات وكاسيات عاريات مائلات
هذا التقسيم الذي ذكره إنما هو للبدعة اللغوية، لا للبدعة الشرعية، أما البدعة الشرعية فما لم تكن الحاجة داعية إليه في العهد النبوي، ثم دعت الحاجة إليه فيما بعد، فلا يدخل في قبيل البدع، وإنما هو من قبيل المصالح المرسلة، وهذا الضابط واضح جدًّا في التفريق بين البدع الإضافية والمصالح المرسلة، كل ما دعت الحاجة إليه في العهد النبوي فلم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا دليل على أن فعله بدعة، وكل ما لم تدع الحاجة إليه في العهد النبوي ثم تجددت الحاجة إليه؛ فهو من قبيل المصالح المرسلة.
وشيخ الإسلام ابن تيمية هو الذي ذكر هذا الضابط، وذكره بعده عدد كبير من الأئمة والعلماء.
السؤال: [ بالنسبة الاحتفال بالمولد النبوي هل هو بدعة؟ ]
الجواب: نعم، بالنسبة للاحتفال إذا كان ذلك بجعله عيدًا، فهذا بدعة قطعًا، وليست أيضًا بدعة إضافية؛ بل هي بدعة حقيقية؛ لأن هذا فيه تشريع بما لم يأذن به الله، وقد قال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ[الشورى:21].
وقال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالًا قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ[يونس:59].
فإذا جعله عيدًا، فهذا قطعًا ابتداع، لكن إذا لم يجعله عيدًا وخصه بعبادات مخصوصة، فيكون من باب البدع الإضافية.
ومن خفي البدع الإضافي وهو مذموم بلا خلاف
وهو نصبك لبعض القرب سببًا الشرع له لم ينصب.
القسم الثالث: إذا جعله مناسبة سارة لتذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وشكر الله على نعمة بعثته، ونعمة رسالته، ونعمة مولده، فهذا لا حرج فيه، لكن ليس عيدًا، ولا عبادة مخصوصة، وإنما هو مجرد مناسبة للتذكر، هي مثل المناسبات السارة.
السؤال: [ إذا كانت أصول الشريعة ونصوص القرآن ثابتة، والآن بعض الناس في الفتوى يأخذ بالعزيمة وبعضهم بالرخصة وبعضهم بالمذهب، فما هو الضابط في هذا الأمر؟ ]
الجواب: بالنسبة لصور الفتوى ثلاثة:
الصورة الأولى: أن يفتي المفتي بما يترجح لديه، أفتِ الناس بما ترجح لديك؛ لأن العمل بالراجح واجب لا راجح، وأنت مقتنع بأن هذا هو الأقرب لرضوان الله فتفتي به، وأنت المتحمل للمسئولية، وإذا أفتيت بالراجح لديك، فأنت المسئول عن تبعة ذلك؛ للحديث الذي أخرجه أبو داود في السنن: (من أُفتي على غير ثبت؛ فإثمه على مفتيه).
الصورة الثانية: أن تبين أقوال أهل العلم وأدلتهم في المسألة، ولا تتخذ أنت موقفًا، المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فيها قول بكذا، وقول بكذا، القول الأول دليله كذا، والقول الثاني دليله كذا، هذا تدريس وليس عليك أي تبعة، لو تبعه وارتكب أي واحد من القولين، ما عليك أي تبعة؛ لأنك أنت معلم ومدرس، ولست مفتيًا في هذه المسألة.
الصورة الثالثة: أن تفتيه على مقتضى مذهبه؛ ضبطًا لتصرفات الناس، أو على مقتضى مذهبك أنت، فتسأله عن مذهبه، فتفتيه على مقتضى ذلك المذهب، كما لو سألك إنسان عن مذهب الشافعية في مسألة كذا، أو عن مذهب المالكية في مسألة كذا، فأفتيت فيها، فهذا نوع من أوجه الفتوى، والأصل أن المفتي ينبغي أن يأخذ الناس بالرخص، وينبغي أن يأخذ لنفسه بالشدة، ففي عمل نفسه يحتاط، وفي فتوى الناس ليس الفقه بالتشديد، إنما هو بالأخذ للناس بالرخص.
السؤال: ما صحة حديث افتراق الأمة؟
الجواب: بالنسبة لحديث: (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقةً، وافترقت النصارى إلى ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة) هذا الحد من هذا الحديث صحيح في مستدرك الحاكم وغيره، والزيادة: (كلها في النار إلا واحدة)، أو (كلها في الجنة إلا واحدة)، (ومن كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) هذه الزيادات لا يصح منها شيء، كلها غير صحيحة، الثلاثة كلها غير صحيحة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر