إسلام ويب

شرح لامية الأفعال [4]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من القواعد الصرفية أن كل ما ضمت عينه في الماضي ضمت عينه في المضارع، وليس ثمة ما يشذ عن هذه القاعدة سوى كلمة (لبّ)، ومن القواعد أيضاً أن المضارع المبني معناه المصوغ من (فعِل) بالكسر يفتح موضع الكسر فيه، وهي عينه.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فيقول ابن مالك رحمه الله:

    والضم من (فَعُلَ) الزم من المضارع وافـ تح موضع الكسر في المبني من (فَعِلا)

    وقد مهد الحسن رحمه الله في الطرة لهذا البيت بقوله: (إن شرع في التصاريف فقال)، (شرع في التصاريف) معناه: أنه بدأ في الكلام على أبنية المجرد، وعلى معانيه، بدأ في تصاريفه، وأهم التصاريف صياغة المضارع؛ فلذلك أكمل باب المجرد كله بالمضارع فقط، وإنما تذكر الأوصاف والمصادر عرضًا وتنزيلًا في الطرة فقط، لكن الذي يركز عليه هنا هو الفعل المضارع، أما الأمر، فسيعقد له فصل مستقل نجمع فيه أطرافه، وكذلك المصادر- المصادر الثلاثية- كذلك أسماء المصادر الثلاثية، وأسماء الأوصاف أيضًا سيعقد لها باب مستقل.

    بدأ (بفعُل) على عادته، كما ذكرنا في تقديم الأخف: الأقل، قال: (والضم من فعل الزم في المضارع)، فيقول: الزم الضم في المضارع من فعُل بالضم، بلا شذوذ، فلم يشذ منه شيء، فمضارع فعُل بالضم كله بالضم.

    (فموهمة تداخل)، موهمه تداخلًا، معناه: وما يوهم الشذوذ من ذلك فهو من باب التداخل، والتداخل معناه استعمال ماضي لغة مع مضارع لغة أخرى، فيكون للفعل الواحد فيه لغتان، إحداهما بالفتح، والأخرى بالضم... في الماضي، فيستعمل مضارع الضم مع الفتح، ومضارع الفتح مع الضم مثلًا، ولعل ما ذكر القاموس في (لَبَّ) منه، لعل الذي ذكره القاموس من قبل في (لب) أن مضارعها (تلَب) بالفتح، وذكرنا أنها لا نظير لها، لعله من باب التداخل؛ لأننا ذكرنا أنها جاءت أيضًا على وزن (فعِل) بالكسر، قلنا: وجاءك (فرِح)، وهذه الكلمة فيها (تلَب) فقط، لكن (فعُل) بالضم لم يسمع مضارعها؛ لأن مضارع (فعُل) أهمل، وهو (تلُب)، أهمل، واستعمل مكانه مضارع (فعِل) بالكسر، فقيل: تلَب، (التداخل) معناه: أن الفعل الماضي جاء على وزن (فعُل)، وهو (لببُت) بالضم، والمضارع جاء من مضارع (فعِل) بالكسر، قلنا: (تلَب)، فلفقنا بين ماضي هذه ومضارع هذه، نعم. هذا معنى التداخل.

    وهنا التنبيه على أمرين:

    الأول: أن قولنا: وجاءك (فرِح)، وجاءك (ضرَب)، وجاءك (نصَر) ونحوها، هذه هي الأفعال المشهورة المضارع، فإذا ذكرناها، فمعناه: أنها معيار لما يشبه بها، إذا قلنا مع فعل: وجاءك (فرح)، معناه: جاء على وزن (فعِل) بالكسر، ومضارعه (يفعَل) بالفتح على القياس، وإذا قلنا: وجاءك (نصر)، معناه: أنه جاء في لغة من لغات العرب على وزن (فعَل) بالفتح، ومضارعه (يفعُل) بالضم على الشهرة، وإذا قلنا: وجاءك (ضرَب)، معناه: أنه جاء في لغة بعض العرب على وزن (فعَل) بالفتح، ومضارعه (يفعِل) بالكسر على الشهرة، وإذا قلنا: وجاءك (سأل) أو وجاءك (منع) فمعناه: أنه جاء في لغة بعض العرب على وزن (فعَل) بالفتح، ومضارعه يفعل بالفتح على القياس، وإذا قلنا: وجاءك (وعد) أو كـ(وقف) مثلًا، فكذلك معناه: أنه في لغة بعض العرب على وزن (فعَل) بالفتح- واوية الفاء- فمضارعه (يفعِل) بالكسر على القياس، وكذلك في القاموس يستعمل هذه الألفاظ، إلا أن القاموس يستعمل (كتب) مع (نصر)، يقول: وجاءك (كتب) مثلما نقول نحن: وجاءك (نصر)، ومثله: (تصدى)، كما ذكرنا من قبل، إذا قلنا: وجاءك (صد) معناه: جاء على وزن (فعل) في لغة بعض العرب، على وزن (فعَل) بالفتح مضاعفًا، مدغمًا، متعديًا، فمضارعه ...

    التنبيه الثاني: أن قولنا: لا نظير له، معناه: لم يسمع له نظير في لسان العرب، والحسن ينقلها عن القاموس، كلما قال: لا نظير له، معناه: أن ذلك من كلام الفيروزآبادي في القاموس، مثلما قال هنا في (لب).

    وقد جمع الحسن من أمثلة الصرف التي لا نظير لها في الثلاثي في أبيات له يقول:

    يحِب يقسِم مضارع خصَم غلَب في الخصام من له وصَم

    يهَب يابى ويجدن ويلب نظير هذه يعز من طلب

    إلا أبى فمنه أثَّ الشعر وهلك العاتي وعض الصفر

    الأمور التي قال فيها القاموس: لا نظير لها في الثلاثي هي هذه المشهورات، أولها: (يحِب)، فهو (فعَل) بالفتح مضعف لازم، مضارعه بالكسر على القياس، لكن لم يسمع منه إلا هذه الكلمة وحدها.

    (يحِب) هكذا، ما فيه (يحُب)، هو الأصل أن يكون على وزن (يحُب)، قياسه (يحُب) بالضم مضعف متعدي، من (فعَل) بالفتح، مضارعه بالضم- كما سنذكره- مثل: (ردَه، يردُه)، و(شدَه، يشدُه)، و(مدَه، يمدُه).

    هذه الثلاثي أصلها، هي أصلها، فـ(حَبه، يحِبه) ولم يسمع فيها القياس، فهي مضاعف متعد من (فعل) بالفتح، وقياسه الضم، ولم يسمع فيه، وإنما سمع فيه الكسر الشاذ في هذه الكلمة، ولا نظير له، وهذه سنذكرها إن شاء الله عند قول: (فذو التعدي بكسر حبَه)، لم يسمع منه غير هذه الكلمة، وأما (يخصِم) كذلك (خصمه، يخصِمه) بمعنى: غلبه في الخصام، فهي فعل بالفتح؛ للدلالة على بذل الفخر، وقياسها الضم، ومع ذلك سمع فيها الكسر، مع أنها ليس فيها جانب الكسر، وإنما فيها جانب الفتح، وهو الخاء، نعم، فكان القياس أن يقال: (يخصُمه)، الضم، لكن لم تسمع، وإنما سمع (يخصِمه) بالكسر، الخاء يجلب الفتح، لكن جالب الضم أقوى من جالب الكسر، جالب الضم هنا هو بذل الفخر، أنها تدل على بذل الفخر- كما سنذكره- بذل الفخر لما لبذل مفاخر وليس له، بذل الفخر، معناه: الغلبة في التفاخر كما سنذكره.

    وكذلك (يهَب) فهي (فعل) بالفتح، واوية الفاء، حلقية العين، فقياسها أن يغلب جانب الكسر، الذي هو الواو فاءً، كان القياس أن يقال: (يهِب)، لكن لم تسمع، فشذ في (فتح)؛ ولذلك قال:

    فتنش الذود كهَب عن كثرة كما عن ضمت شذت

    (يهَب) بالفتح: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا[الشورى:49]، لكن قياسها (يهِب) ولم تسمع، غير مسموعة، ولم يسمع من هذا الشذوذ إلا هذه الكلمة وحدها.

    كذلك (يأبى) (أبى)، (فعَل) بالفتح، يائية اللام، وقياس مضارعها الكسر كما سنذكره، كان القياس أن يقال: (أبى، يأبي)، لكن لم تسمع في لغة العرب، وإنما سمع (يأبى) على غير القياس، ولا نظير لها إلا أفعال سنذكرها، كان فيها الحرف الأول حلقيًا، ففتح مضارعها، نحن سنذكر في مضارع (فعل) بالفتح أن قياسه له دواع، له عشرة دواعي في الجوالب، فأربعة جوالب الكسر، وأربعة للضم، وجالبان للفتح، سنذكر ذلك قريبًا إن شاء الله.

    (يجدْن) كذلك (وجَد) و(وجِد)، وكلتاهما ستأتينا قريبًا؛ (فوجِد) فعل بالكسر، ومضارعها كان اللازم أن يكون بالفتح، وقد يشذ بالكسر؛ لأن فاءها واو، وأما (وجَد) ففعل بالفتح، فهي واوية الفاء، فمضارعها بالكسر على القياس، وسمع فيها (يجُد) بالضم، وهذا الأصل لا نظير له، (وجَد الضالة، يجدُها)، هذا نادر جدًا، لا نظير له، كذلك (يلَب) هذه ذكرناها، قال: (نظير هذه يعز من طلب)، كلها بفقد النظير، لا نظير له، إلا (أبى)، (أبى) وحدها، فقد سمع بعض الأفعال التي كان الحرف الأول منها حلقيًا، ففتح مضارعها، مثل: (أثَّ الشعر)، فهذه (فعَّل) بالفتح، مضاعف، لازم، وقياس مضارعه بالكسر، كان اللازم أن يقال: (يئِثُّ)، لكن لم يسمع فيها ذلك، وإنما سمع فيها يأَثُّ، فيمكن أن تكون الفاء إذا كانت حلقية جالبًا للفتح؛ لأننا وجدناها في هذه الكلمة، وفي كلمة (يأبى)، وفي كلمة (هلك)، (هلك العاتي)، العاتي معناه: المتجبر، قوله: (هلك العاتي): (فعل) بالفتح، وليس فيها جالب، وكان اللازم أن يكون مضارعها بالشهرة بالكسر، (يهلِك): لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[الأنفال:42]، ولكنها سمعت (يهلَك) فيها بالفتح، لكن هذا من باب التداخل؛ لأنها فيها أيضًا (هلِك، يهلَك)، فهو من باب التداخل، استعمل مضارع (فعِل) لماضي (فعَل).

    كذلك (عضت الصفر)، فهي (فعَّل) بالفتح، مضاعف، لازم، كان قياسه أن يقال: (يعِضُّ)، ولكن مضارعها (يعَضُّ) فلا نظير لها، فهي من هذه الأفعال التي وجد فيها الفتح في المضارع بسبب الحرف الحلقي في الفاء، مع أن الفاء الحلقية ليست جالبة للفتح عند الصرفيين، لكن وجدت مع الفتح في هذه الأفعال التي هي: (أبى) و(أثَّ) و(هلَك)، و(عضَّ)، وعض أيضًا يمكن أن تكون من باب التداخل؛ لأننا سنذكرها قريبًا في باب فعل بالكسر؛ لأنها فيها (عضِض) فتكون من باب التداخل، لكن (أثَّ) و(أبى) لا تداخل فيهما، سنذكرها قريبًا.

    قال: (وموهمه تداخل): ولعل ما ذكر القاموس في لب منه؛ أي: من التداخل.

    انتهينا من مضارع (فعُل) بالضم، ولم نجد فيه نتوءات ولا شذوذًا؛ لأنه لم يشذ منه إلا كلمة واحدة، فلا إشكال فيه، القاعدة: أن كل ما ضمت عينه في الماضي ضمت عينه في المضارع، إلا (لب) وحدها، وأجبنا عما ذكر فيها أنه قد يكون من باب التداخل، بأي نوع من الأنواع كان، سواء كانت (فعُل) صحيحة، أو كانت مثالًا، أو كانت معتلة الوسط، أو كانت معتلة اللام، وسواء كانت واوية أو يائية، فكل ذلك مضارعه بالضم، فمثال (فعُل) الصحيحة (كرُم)، هذه كل حروفها حروف صحيحة، ومضارعها (يكرُم)، ومثال ما اعتل الحرف الأول منها: (وضُؤ)، هذه بالواو، فتقول فيها: (يوضُؤ) بالضم، ومثال ما اعتل أوله بالياء: (يمُن)، فمضارعه بالضم أيضًا، ومثال ما اعتل الحرف الأوسط منه بالواو، (طال)، فمضارعه بالضم أيضًا، ومثال ما الحرف الأوسط منه معتل بالياء في (فعُل) بالضم: هيُؤ، ومثال ما الحرف الأخير منه معتل بالواو: (سرُو)، ومثال ما الحرف الأخير منه معتل بالياء: (رمو)، (رمو) من الرمي، فالواو التي فيها منقلبة عن ياء، ومثال المضعف (لبَّ) وأخواتها؛ فإذًا جميع هذه مضارعها بالضم، جميع هذه الأنواع من (فعُل) بالضم، مضارعها بالضم، كل هذه هي التي ذكرنا لازمًا ومتعديًا مثل رحبكم الدخول، وإن بصرًا قد طلع اليمن، التي قلنا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088462546

    عدد مرات الحفظ

    776870430