إسلام ويب

شرح متن الرحبية [8]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الفروض المقدرة في كتاب الله ستة، والفرض الباقي ليس في كتاب الله، لكنه من اجتهاد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثلث الباقي، ويرثه صنفان هما: الأم في العمريتين، والجد في بعض مسائله مع الإخوة. وأما أصحاب النصف فهم خمسة أفراد: الزوج والبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب. وأصحاب الربع: الزوج والزوجة، وأصحاب الثمن: الزوجة، وأصحاب الثلثين: البنات وبنات الابن والأخوات الشقائق والأخوات لأب، ولكل واحد منهم شروط، فإذا تحققت الشروط ورث نصيبه.

    1.   

    أبواب الفروض المقدرة وأصحابها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    الفروض المقدرة في كتاب الله ستة، والفرض الباقي ليس في كتاب الله، لكنه من اجتهاد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثلث الباقي، ويرثه صنفان هما: الأم في العمريتين، والجد في بعض مسائله مع الإخوة، الأم في العمريتين، معناها: الأم في مسألتين قضى فيهما عمر رضي الله عنه بأن الأم ترث ثلث الباقي، وهاتان المسألتان بالإمكان أن تكتبهما على السبورة: العمريتان: زوج وأب وأم.

    1.   

    مسألة العمريتين

    هذه هالكة ماتت فتركت زوجاً وأباً وأماً من غير أن يكون لها ولد، فهذه المسألة الزوج فيها يرث النصف، وما بقي بين الأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين، معناه: أن الأم ترث فيه ثلث الباقي، فالزوج له واحد على اثنين، النصف، والأب له اثنان من ستة، والأم لها واحد من ستة، فالآن الأم ورثت ثلث الباقي؛ لأن المسألة بما أن فيها السدس في الأصل، هذا السدس مقدر، هي أصلها الحقيقي في الأصل من اثنين، لكنها إنما تصح من ستة، فللزوج ثلاثة هذا النصف، وللأب اثنان، وللأم واحد، فهذا الواحد ليس ثلث المسألة أصلاً، ولكنه ثلث ما بقي بعد الزوج، هذه المسألة العمرية الأولى.

    المسألة العمرية الثانية: زوجة وأب وأم، رجل هلك عن زوجة، وليس له فرع وارث، فهي ترث الربع، ومعها أبوان؛ أي: أب وأم، فلو أخذنا بنص كتاب الله لكان حظ الأم أكثر من حظ الأب؛ لأن الله قال: وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، (( فلأمه الثلث )) لو أخذت أمه الثلث من أصل المسألة لزاد نصيبها على نصيب الأب، أو لساوته في المسألتين، فقضى عمر للأم بثلث الباقي في المسألتين، فالزوجة لها الربع، واحد على أربعة، والأب له اثنان على أربعة، والأم لها واحد على أربعة، وهو ثلث الباقي؛ لأن الباقي ثلاثة: اثنان للأب وواحد للأم، هذا ثلث الباقي، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم: فالمذاهب الأربعة أخذت بمذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن الأم ترث ثلث الباقي في المسألتين العمريتين، وذهب عبد الله بن عباس -وهو مذهب الظاهرية- أنها ترث الثلث في المسألتين، فالأم مثلاً إذا ورثت الثلث في المسألة الأولى تأخذ اثنين من ستة، ويكون الزوج يرث واحد من ستة، فيكون نصيب الأم ضعف نصيب الأب في المسألة الأولى، ويكون الأب له واحد من ستة؛ لأنه يرث ما بقي، فهو أولى رجل ذكر، وفي العمرية الثانية: تكون الأم ترث الثلث من أصل المسألة، وأصل المسألة من أربعة، وإذا اجتمع الربع والثلث في المسألة فهي من اثني عشرة، فللزوجة الربع من اثني عشر، وهو ثلاثة، وللأم الثلث من اثني عشرة، وهو أربعة، وما بقي فهو للأب، وهو خمسة.

    فمذهب الظاهرية إذاً موافق لمذهب ابن عباس على هذه القسمة الثانية، أن الأم ترث الثلث دائماً، فهي ترث الثلث في العمريتين.

    المذهب الثالث في المسألة هو مذهب محمد بن سيرين: أنها في العمرية الثانية ترث الثلث، وفي العمرية الأولى ترث ثلث الباقي، فرق بين العمريتين في مسألة الزوج ومسألة الزوجة، فقال في مسألة الزوجة: لو ورثت الثلث لزادت على الأب، وهذا ظلم له، فرأى محمد بن سيرين أنها في المسألة العمرية الأولى التي فيها الزوج ترث ثلث الباقي، وفي المسألة العمرية الثانية التي فيها الزوجة ترث الثلث، ثلث المال، ثلث أصل المسألة.

    إذاً هذه ثلاثة أقوال في قضية ميراث الأم لثلث ما بقي، وهو الفرض السابع من الفروض.

    1.   

    أصحاب النصف

    قال المؤلف رحمه الله:

    (والنصف فرض خمسة أفراد الزوج والأنثى من الأولاد)

    النصف هو أول فرض من الفروض الستة التي جاء تقديرها في كتاب الله، (فرض خمسة أفراد)، معناه: أن الذين يرثونه خمسة، وقوله: أفراد لا مفهوم له؛ لأن الخمسة الذين يرثون النصف منهم مثلاً بنات الابن قد يتعددن، لكن الأربعة الباقية لا تتعدد، لو تعددت لم ترث النصف، وكذلك الأخوات لأب مع الأخت الشقيقة، فإذاً النصف يرثه خمسة: الزوج بشرط واحد وهو ألا يكون للميتة فرع وارث.

    نحن لدينا خمسة هم الذين يرثون النصف:

    الأول: يرث النصف بشرط واحد.

    الثاني: يرث النصف بشرطين.

    الثالث: يرث النصف بثلاثة شروط.

    الرابع: يرث النصف بأربعة شروط.

    الخامس: يرث النصف بخمسة شروط.

    أول من يرث النصف: الزوج، يرثه بشرط واحد عدم الفرع الوارث وهم الأبناء والبنات بشرط أن يكونوا وارثين، معناه: إذا اتصفوا بمانع يمنع الإرث فإنهم لا يحجبونه حجب نقصان، ما مثال ذلك؟ لو ماتت المرأة فتركت ولداً رقيقاً مملوكاً، وهي حرة، فهذا لا يحجب زوجها عن ميراث النصف، أو ماتت وتركت ولدها الذي قتلها خطأً مثلاً، أو عمداً عائذاً بالله، فهذا الولد لا يرث، فلا يحجب، وسيأتينا أن الإخوة لهم باب مختص، وهو أنهم يرثون ويحجبون؛ أي: أنهم يُمنعون ويحجبون، يُحجبون ويَحجبون، فالعدد من الإخوة يحجبون الأم حجب نقصان من الثلث إلى السدس، وهم محجوبون بالأب، سواءً كانوا إخوةً أشقاء أو لأب، وكذلك الإخوة لأم، العدد منهم يحجبون الأم حجب نقصان من الثلث إلى السدس، مع أنهم محجوبون بالجد مثلاً، أو بواحد، بنت، أو بأي فرع وارث.

    فالفرع الوارث لا ترث معه الأم إلا السدس، لكن أقصد الجد مثلاً، فالجد يحجب الإخوة لأم؛ لأنه أصل وارث، وهم يحجبون أمهم حجب نقصان، فينقصونها من الثلث إلى السدس.

    1.   

    شروط ميراث البنت للنصف

    الثاني: البنت؛ أي: بنت الصلب، وهي ترث النصف بشرطين:

    الشرط الأول: عدم التعدد، فإذا كانتا اثنتين فإن فرضهما ليس النصف، سيأتينا إن شاء الله أنهما ترثان الثلثين.

    الشرط الثاني: عدم وجود المعصب، معناه: ألا يكون لها أخ، فإن كان لها أخ لم ترث هذا الفرض الذي هو النصف، بل عصبها، فورثا للذكر مثل حظ الأنثيين.

    الثالث: بنت الابن ترث النصف بثلاثة شروط:

    الشرط الأول: عدم وجود من يحجبها من الأولاد، فإذا كان للميت ولد أو بنت مباشرةً، فإن بنت الابن لا ترثه، لا ترث النصف، سنذكر أنها ترث مع بنت الصلب السدس المكمل للثلثين.

    الشرط الثاني: كذلك عدم وجود المعصب، فإذا كان لها أخ أو ابن عم في درجتها فمات الميت وترك ابن ابن وبنت ابن آخر، فهذا الولد الذي هو في درجتها -ابن الابن الذي هو في درجتها- معصب لها، فيرثان للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا ترث النصف.

    الشرط الثالث: عدم التعدد، فإذا كانت بنات الابن عدداً، وورثن جدهن فإنهن يرثن الثلثين لا النصف.

    الرابع: الأخت الشقيقة، وهي ترث النصف بأربعة شروط:

    الشرط الأول: عدم وجود الفرع الوارث، فإذا كان للميت ابن، أو ابن ابن، أو بنت، أو بنت ابن، فإن الأخت الشقيقة لا ترث النصف، فهي مع البنت معصبة مع الغير، وهي مع بنت الابن كذلك معصبة مع الغير.

    الشرط الثاني: عدم التعدد، فإذا تعددت الأخوات الشقيقات فلهن الثلثان.

    الشرط الثالث: عدم وجود المعصب، فإذا كان لها أخ وارث فإنه يعصبها، فيكون ميراثهما للذكر مثل حظ الأنثيين، فلا ترث النصف.

    الشرط الرابع: عدم وجود الأصل الوارث، الأصل الوارث إذا كان أباً فإجماعاً، وإذا كان جداً فيستثنى من ذلك مسألة واحدة، وهي الأكدرية، وسيأتينا الخلاف في قضية توريث الأخت الشقيقة أو لأب مع الجد، فهذه المسألة لن نفصلها الآن؛ لأنها ستأتي، المسألة الأكدرية ستأتينا إن شاء الله، لكن المهم أنه يشترط عدم وجود الأصل الوارث، نمثل له هنا بالأب؛ لأنه محل إجماع، فإذا مات الميت عن أب وأخت شقيقة فالميراث لأبيه لا لأخته.

    الخامس: الأخت لأب، وهي ترثه بخمسة شروط:

    الشرط الأول: عدم وجود الفرع الوارث.

    الشرط الثاني: عدم وجود الأصل الوارث، وقد ذكرنا الخلاف في الجد، وسيأتي تفصيله، لكن الأب قطعاً مانع إجماعاً.

    عدم وجود الأصل الوارث من الذكور، فالأصل الوارث في هذه المسألة والتي قبلها من الذكور. وهذا إجماع في الأب، وخلاف في الجد، وسيأتي الكلام في المسألة الأكدرية إن شاء الله قريباً.

    الشرط الثالث: عدم التعدد، فإن كن عدداً ورثن الثلثين، إجماعاً بالأب، معناه: إذا مات ميت عن أب وأخت لأب، فالأب يرث كل شيء، والأخت لأب ليس لها شيء، لكن الجد إذا مات عن جد وأخت لأب، هذا محل خلاف، سيأتينا إن شاء الله، وسنذكر أن الراجح أنه لا يفرض للأخت مع الجد إلا في المسألة الأكدرية، وسيأتي الخلاف في المسألة.

    الشرط الرابع: عدم المعصب، فإذا كانت الأخت لأب معها أخ لأب فإنهما يرثان للذكر مثل حظ الأنثيين، فلا ترث النصف.

    الشرط الخامس: عدم وجود الأخت الشقيقة، فإذا كان له أخت شقيقة فإن الأخت لأب لا ترث النصف بل ترث السدس مكمل الثلثين.

    إذاً هؤلاء ورثة النصف؛ ولذلك قال:

    (والنصف فرض خمسة أفراد الزوج والأنثى من الأولاد)

    أي: البنت بنت الصلب، (وبنت الابن عند فقد البنت)؛ أي: عند عدمها، وهذا شرط واحد من الشروط التي يشترط لها الثلاثة، (والأخت في مذهب كل مفتي)، والمقصود بها: الأخت الشقيقة، (وبعدها الأخت التي من الأب)، هذا من الصنف الخامس الأخت لأب، (عند انفرادها عن المعصب)، مكتوب: عند انفرادهن عن معصب، لكن الواقع أن الضمير ليس ضمير جمع، فإما أن يقصد الأخت الشقيقة والأخت لأب، فهما اثنتان، وإما أن يقصد الأخت لأب فقط، فيقول: عند انفرادها، وهذا الأولى في الوزن، أن تقول: عند انفرادها عن المعصب.

    1.   

    أصحاب الربع

    ثم ذكر الذين يرثون الربع، فقال:

    (والربع فرض الزوج إن كان معه من ولد الزوجة من قد منعه)

    تنبيه فقط فيما يتعلق ببنات الابن والأخوات لأب، إذا تعددن في تكملة السدس المكمل للثلثين، كما سيأتي فإن نصيبهن لا يتغير، إذا كان للميت بنت وثلاث بنات ابن فبنات الابن نصيبهن السدس ولو تعددن، إذا كان له أخت شقيقة وخمس أخوات لأب فالأخوات لأب نصيبهن السدس مكمل الثلثين ولو تعددن، وهذا أيضاً نظيره في ثلاث مسائل في التركة، هذا في الأخوات لأب، وفي بنات الابن، وفي الزوجات، إذا تعددن فإنهن لا يرثن إلا حظهن، لا يتغير ميراثهن بالتعدد، إذا كن أربع زوجات وكان للميت فرع وارث فلهن الثمن، وإذا لم يكن له فرع وارث فلهن الربع، وإذا كانت زوجة واحدة فلها ذلك الربع أو الثمن أيضاً، وكذلك الجدة فإذا كانت واحدةً فلها السدس، وإذا كنا جدات فلهن جميعاً السدس، يشتركن فيه، كما سيأتي بيانه وسنذكر من يرث من الجدات ومن لا يرث والخلاف في المسألة، فالربع يرثه صنفان: الزوج عند وجود الفرع الوارث يرث الربع، معناه: إذا هلكت هالكة، فتركت زوجاً فإن الزوج يرث الربع بشرط واحد وهو وجود الفرع الوارث، عكس شرط النصف، فالزوج ميراثه للنصف له شرط واحد وهو عدم وجود الفرع الوارث، وميراثه للربع شرطه أيضاً واحد وهو وجود الفرع الوارث.

    والفرع الوارث يشمل الذكر والأنثى، والمتعدد وغيره، سواءً كان منه أو من غيره، معناه: إذا كانت المرأة لها ولد من غيره، فإن ذلك الولد يحجبه حجب نقصان، أي: يحجبه من النصف إلى الربع، إذا كان لها ولد منه هو، فإنه كذلك يحجبه حجب نقصان، سواءً كان الولد متعدداً أو منفرداً، ذكراً أو أنثى، منه أو من غيره، هذا الفرع الوارث؛ فلذلك قال:

    (والربع فرض الزوج إن كان معه من ولد الزوجة من قد منعه)

    أي: إن كان للزوجة فرع وارث، وهذا معنى قوله: من قد منعه؛ ليخرج من هو متصف بمانع من موانع الإرث، كمن هو رقيق، أو من قتلها فلا يرثها، أو من ارتد عن الإسلام عائذاً بالله، على القول بأن الردة مانعة من الإرث، وقد سبق تفصيل ذلك، قد سبق أن ذكرنا أن المالكية يفصلون بين المستسر والمعلن، وأن الحنفية يفصلون بين الذكر والأنثى.

    (وهو لكل زوجة أو أكثرا مع عدم الأولاد فيما قدرا )

    (وهو لكل زوجة فأكثرا)، معناه: أن الربع يرثه صنفان:

    الصنف الأول: الزوج بشرط واحد: وهو وجود الفرع الوارث.

    الصنف الثاني: الزوجة بشرط واحد أيضاً: وهو عدم وجود الفرع الوارث، فالزوجة ترث الربع إذا لم يكن للميت فرع وارث، سواءً تعددت أو انفردت، إذا كن أربع زوجات أو كن زوجتين أو ثلاثاً أو واحدة، فإن فرضها المقدر هو الربع، انفردت، أو تعددت؛ فلذلك قال: (وهو لكل زوجة)، معناه: وهو لزوجة واحدة (أو أكثرا مع عدم الأولاد)، معناه: بشرط عدم الفرع الوارث، (فيما قدرا)؛ أي: فيما قدره الشارع.

    (وذكر أولاد البنين يعتمد حيث اعتمدنا القول في ذكر الولد)

    معناه: أن الفرع الوارث لا يختص بأولاد الصلب وبناته، بل يشمل أولاد البنات الوارثين، وهم غير المفصولين بأنثى، فأولاد الأولاد الوارثون: هم من ليس مفصولاً بأنثى، سواءً كان هو ذكراً أو أنثى وإن نزل، فإذا توفيت الزوجة فتركت بنت ابن وزوجاً، فإن لها فرعاً وارثاً، فالزوج لا يرث إلا الربع.

    إذا توفي الرجل وترك زوجةً وبنت ابن ابن ابن مثلاً، فالزوجة لا ترث إلا الثمن؛ لأن للميت فرع وارث، وهو بنت ابن ابن ابن ابن، نعم، وإن نزل.

    1.   

    أصحاب الثمن

    الفرض الثالث: الثمن، ويرثه صنف واحد، وهو الزوجة، بشرط واحد: وهو وجود الفرع الوارث، فالثمن لا يرثه إلا صنف واحد، وهو الزوجة أو العدد من الزوجات، بشرط واحد: وهو وجود الفرع الوارث، فإن كان للميت فرع غير وارث كالفرع المتصف بمانع من موانع الإرث: الكافر، أو الرقيق، أو القاتل، فإن الزوجة ترث الربع.

    الربع إذا كان متصفاً بمانع، إذا كان له فرع متصف بمانع، قلنا: إذا كان له ولد كافر، أو قاتل له هو، أو رقيق (مملوك)، فالزوجة حينئذ ترث الربع؛ لأن الميت له فرع لكنه غير وارث، فلهذا قال: ( والثمن للزوجة والزوجات )، معناه: سواءً انفردت أو تعددت، ( مع البنين أو مع البنات )، معناه: إذا كان للميت فرع وارث.

    أو مع أولاد البنين فاعلم ولا تظن الجمع شرطاً فافهم

    معناه: لا يشترط لذلك التعدد، فحجب الزوجة من الربع إلى الثمن شرطه الفرع الوارث دون تعدد، لا يشترط له تعدد الفرع الوارث، بخلاف حجب الأم من الثلث إلى السدس فيشترط له تعدد الإخوة كما سيأتي، وهذا معنى قوله: (ولا تظن الجمع شرطاً فافهم)، فلا يشترط أن يكون الفرع الوارث متعدداً، بل يجوز أن يحصل الحجب -حجب النقصان- للزوجة ببنت ابن، أو بابن ابن، أو ببنت صلب، أو ابن صلب دون تعدد.

    1.   

    أصحاب الثلثين

    ثم قال:

    (والثلثان للبنات جمعا ما زاد عن واحدة فسمعا)

    (والثلثان للبنات جمعا)، الثلثان، هذا الفرض الرابع، وهذا الفرض يرثه أربعة أصناف:

    الصنف الأول: بنات الصلب، ويرثنه بشرطين.

    والصنف الثاني: بنات الابن، ويرثنه بثلاثة شروط سيأتي تفصيلها.

    والصنف الثالث: الأخوات الشقائق، ويرثنه بأربعة شروط.

    والصنف الرابع: الأخوات لأب، ويرثنه بخمسة شروط.

    الثلثان فرض لا يورث إلا مع التعدد، فلا يمكن أن يكون وارث واحد يرث هذا الفرض، بخلاف بقية الفروض، فكل الفروض الأخرى يرثها فرد، إلا هذا الفرض وهو الثلثان، فلا يرثهما إلا العدد، ولذلك ورثة الثلثين هم ورثة النصف إذا تعددوا، البنت إذا تعددت فهي وارثة للثلثين، وبنت الابن إذا تعددت فهي وارثة للثلثين، والأخت الشقيقة إذا تعددت فهي وارثة للثلثين، والأخت لأب إذا تعددت فهي وارثة للثلثين، إذاً الثلثان تكرار لما قلناه بالنصف، فلذلك حذفنا الزوج؛ لأنه لا يقبل التعدد أصلاً، لا يمكن أن يرث الزوجان امرأةً واحدة، يمكن أن ترث امرأة زوجين كما ذكرنا في المذهب المالكي، لكن لا يمكن أن يرث المرأة زوجان في وقت واحد؛ لأن قطعاً نكاح أحدهما باطل، هذه المسألة مثلاً تسمى مسألة ذات الوليين، امرأة لها وليان أخوان مثلاً، وزوجاها في وقت واحد، عقدها هذا لرجل وعقدها هذا لرجل، فهذه تسمى ذات الوليين، فإذا ماتت ولم يدخل بها واحد منهما، وثبت أن أحد العقدين سابق للآخر ولو بدقيقة واحدة، فهي لأولهما، إذا دخل بها أحدهما فهي له ولو كان الأخير، إذا لم يعرف أولهما، ولم يدخل بها أحد فإن النكاح باطل لا يورث به؛ لأنه نكاح ممنوع بنص كتاب الله، قال تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ [النساء:24]، قد ذكر الله خمس عشرة امرأةً لا يحل نكاحها بالترتيب، فقال: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً [النساء:22]، فكل من عقد عليها من له ولادة عليك سواءً كان أباً مباشراً، أو جداً من جهة الأب أو من جهة الأم، فإنها حرام تأبيداً، كذلك قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ [النساء:23-24]، (المحصنات)، معناها: المتزوجات من النساء (إلا ما ملكت أيمانكم) بالسبي، فالسبي يهدم النكاح، إذا كانت المرأة متزوجةً في دار الكفر، فغزا المسلمون فغنموا وسبوا، فالمرأة التي كانت زوجةً في دار الكفر، فسبيت فسباؤها هادم لنكاحها، إلا إذا أسلمت هي وزوجها معاً، أو أسلم زوجها وهي في عدتها منه، ولم يفرق بينهما مالكها (من وقعت في سهمه)، فلذلك السباء يهدم النكاح، فلهذا قال: إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، معناه: بالسبي، فإنه هادم للنكاح السابق عليه بالكفر، وهذا يتفق عليه الفقهاء سواء منهم من يرى أن أنكحة الكفار صحيحة، ومن يرى أن أنكحتهم باطلة، فمذهب الجمهور أن أنكحة الكفار صحيحة؛ لأنها يثبت بها النسب، ويحاز بها الملك، ويحصل بها الإرث، وقد نسب النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من الناس لآبائهم بحسب ما كان في الجاهلية، وقد سأله عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي فقال: ( من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك حذافة بن قيس )، وأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنساب أهل الجاهلية بأنكحتهم، فدل هذا على أن نكاح الكفار صحيح؛ لأنه رتب الشارع عليه النسب، ورتب عليه الإرث.

    ذهب المالكية إلى أن أنكحة الكفار فاسدة جميعاً، ولكن مع ذلك يثبت بها النسب، ويحاز بها الإرث، ويحاز بها الملك على فسادها ترغيباً لهم في الإسلام عند المالكية، قالوا: إنما أقروا على أنكحتهم الفاسدة ترغيباً لهم في الإسلام، واستدلوا على ذلك بأن المرأة لو أسلمت قبل زوجها فرق الإسلام بينهما، فإذا انتهت عدتها ولم يسلم زوجها، فلا يمكن أن ترجع إليه لو أسلم إلا بنكاح جديد، وإذا أسلم وهي في عدتها فإنها ترد إليه بالنكاح الأول ترغيباً له في الإسلام، ومما يستدل به في المسألة قضية إرجاع النبي صلى الله عليه وسلم لـزينب ابنته إلى أبي العاص بن الربيع بن حبيب بن عبد شمس، فقد اختلف الصحابة: هل كان بالعقد الأول أو بعقد جديد؟ وابن عباس أثبت أنه بالعقد الأول، أن النبي صلى الله عليه وسلم رد زينب إلى أبي العاص بالعقد الأول.

    إذاً الصنف الأول ممن يرثون الثلثين: البنات -بنات الصلب- ويرثنه بشرطين:

    الشرط الأول: التعدد، والتعدد مختلف فيه، فلا خلاف أن البنات إذا كن فوق اثنتين يرثن الثلثين؛ لأن هذا نص كتاب الله، يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11]، إذاً هذا نص كتاب الله، لا يختلف فيه إذا كانتا فوق اثنتين، لكن اختلف في الاثنتين من البنات، هل ترثان النصف أو ترثان الثلثين؟ فذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن البنتين كالبنات، فترثان الثلثين، وذهب ابن عباس إلى أن البنتين لا ترثان إلا النصف، وخالف ابن عباس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة، فـابن عباس استدل بظاهر الآية؛ لأن الله قال: يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11]، فسكت عن الاثنتين، فعلى هذا يكون حكمهما حكم الواحدة، وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11].

    وجمهور الصحابة والتابعين وأتباعهم استدلوا بالقياس، فإن الله جعل للعدد للأختين الثلثين، فما الفرق بين الأختين والبنتين؟ فقد قال تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [النساء:176]، قالوا: لا فرق بين الأختين والبنتين، وأيضاً لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن الذي أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه؛ أي: الخمسة إلا النسائي، من حديث جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنهما: ( أن امرأة سعد بن الربيع جاءت بابنتيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، هاتان بنتا سعد بن الربيع، قتل معك يوم أحد شهيداً، فجاء أخوه فأخذ مالهما كله ولم يترك لهما شيئاً، ولا ينكحان إلا بمال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقضي الله في ذلك ما يشاء، أو: يقضي الله في ذلك، فأنزل الله آية المواريث، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أخي سعد أن يعطي ابنتيه الثلثين، وأن يعطي زوجه الثمن، وأن يأخذ ما بقي )، فهذا الحديث صريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ابنتي سعد بن الربيع الثلثين، وهو نص في محل الخلاف، فهو حاسم للنزاع، وقد حسنه الترمذي وغيره.

    الشرط الثاني: عدم وجود المعصب، فإذا كانت البنات معهن أخ لهن ابن للميت، فهذا الابن يعصب البنات للذكر مثل حظ الأنثيين.

    الصنف الثاني ممن يرث الثلثين: بنات الابن ويرثنه بثلاثة شروط:

    الشرط الأول: عدم وجود البنات، عدم وجود بنت أو بنات، فإذا كان للميت بنت أو بنات فإن بنت الابن أو بنات الابن لا يرثن الثلثين، بل إذا كان له بنت واحدة فبنات الابن يرثن السدس المكمل للثلثين، وإذا كان له بنات لا يرث بنات الابن شيئاً.

    الشرط الثاني: عدم وجود المعصب، فإن كان لبنات الابن أخ أو ابن عم في درجتهن فإنه يعصبهن، فيرثون على قاعدة الميراث: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].

    الشرط الثالث: التعدد، فإذا كان للميت بنت ابن منفردة فإنها ترث النصف ولا ترث الثلثين.

    الصنف الثالث: الأخوات الشقائق ويرثن الثلثين بأربعة شروط:

    الشرط الأول: عدم وجود الفرع الوارث، فإذا كان للميت ابن أو بنت، فالأخوات لا يرثن الثلثين، إذا كان له ابن فهو حاجب لأخواته، وإذا كان له بنت أو بنات، فالأخوات معصبات مع الغير.

    والأخوات قد يصرن عاصبات إن كان للميت بنت أو بنات

    الشرط الثاني: عدم وجود الأصل الوارث، والأصل الوارث إذا كان أباً فإجماعاً، وإذا كان جداً ففيه خلاف.

    الشرط الثالث: التعدد، فإذا كان للميت أخت واحدة شقيقة فإنها ترث النصف، ولا ترث الثلثين.

    الشرط الرابع: عدم وجود المعصب، والمعصب يشمل الأخ، فالأخ الشقيق معصب لأخته الشقيقة، والجد على القول الثاني في المسألة: أنه غير حاجب لها فيعصبها، (والجد والأخريان الأوليين)، إذاً هذه شروط ميراث الأخوات الشقائق للثلثين.

    الصنف الرابع: الأخوات لأب، ويرثن الثلثين بخمسة شروط:

    الشرط الأول: عدم وجود الفرع الوارث.

    الشرط الثاني: عدم وجود الأصل الوارث من الذكور أيضاً، وجود الأصل الوارث من الذكور، الأب إجماعاً، والجد على الخلاف.

    الشرط الثالث: التعدد.

    الشرط الرابع: عدم وجود المعصب.

    الخامس: عدم وجود الشقيقة أو الشقائق؛ لأن الأخوات يعصبن إذا كان للميت بنت أو بنات، فإذا كان عدم وجود الشقيقة أو الشقائق فالشقائق تحجب اللواتي لأب، إذا كان للميت أخت شقيقة فإنها تحجب أخواته لأب، وكذلك إذا كن عدداً.

    لهذا قال:

    (والثلثان للبنات جمعا ما زاد عن واحدة فسمعا)

    معناه: إذا كن فوق اثنتين فسمعا، معناه: بنص كتاب الله، وإذا كن اثنتين فقط فبالقياس، وبحديث جابر الذي ذكرناه. فسمعاً، معناه: فاسمع سمعاً، هذا مصدر نائب عن فعله، معناه: فاسمع ذلك سمعاً.

    (وهو كذاك لبنات الابن) فبنات الابن كالبنات عند عدمهن للشروط التي ذكرنا، ( فافهم مقالي فهم صافي الذهن )، فافهم مقالي: افهم هذا المقال، فهم صافي الذهن، أي: الذي لا يكدر ذهنه زيغ، ولا لوثة في عقله، وهو للأختين فما يزيد، وهو أي: هذا الفرض وهو الثلثان، للأختين؛ أي: للعدد من الشقائق سواءً كن اثنتين أو أكثر؛ فما يزيد، هذا البيت شطر واحد، الشطر الثاني لا معنى له.

    (وهو للأختين فما يزيد قضى به المهيمن الرشيد)

    أو المهيمن المجيد، قضى به المهيمن المجيد، فهذا حكم الله جل جلاله، (هذا إذا كن لأب وأب)، معناه: كن شقائق، أو لأب معناه: كن أخوات لأب، فاعمل بهذا تصب، وفي الطبعة التي لديكم إسكان الباء وهو خطأ.

    (هذا إذا كن لأم وأب أو لأب فاعمل بهذا تصب)

    معناه: أن الأخوات لأم لا يرثن الثلثين؛ لأنهن إذا تعددن فميراثهن الثلث، وإذا انفردن فلكل واحدة السدس.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا إيماناً ويقيناً وصدقاً وإخلاصاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954563