إسلام ويب

دور المرأة في الدعوة والجهاد [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للمرأة في الإسلام مكانة عظيمة، ودور كبير يشمل جميع المجالات، بحسب ما جبلها الله عليه من الخلقة والهيئة، فلها دور في الدعوة إلى الله ولها دور في الجهاد في سبيل الله، ولها دور في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

    1.   

    خلق الله للجنس البشري واستخلافه في الأرض

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى أراد لهذا الجنس البشري الاستخلاف في الأرض، والتكليف بالتكاليف، وأن يجعله أشرف خلائق العالم السفلي كله، ففضله على كثير ممن خلق تفضيلاً، وكان بالإمكان أن يكون هذا الجنس البشري كل فرد منه مستقلاً بذاته، ولكن أراد الله سبحانه وتعالى ربط وشائجه واتصال قرباه، فجعل البشر جميعاً من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، ثم بعد ذلك أهبطهما إلى هذه الأرض واستخلفهما فيها، فقد خلق الله آدم بيمينه من طين، وقد مكث منجدلاً في طينته أربعين سنة، ثم نفخ الله فيه من روحه، وأخرج منه حواء من ضلعه، ثم أهبطهما إلى هذه الأرض ليستخلفا فيها، وليقوما بهذه الوظيفة التي من أجلها خلق الله لهما ما في الأرض جميعاً، وقد بث الله منهما رجالاً كثيراً ونساءً، وامتن على البشر بذلك، فقال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    فأنزل الله تعالى الشرائع، وأرسل بها الرسل، وأنزل الكتب المنزلة من عند الله تعالى لبيان ما يحتاج إليه هذا الجنس الجديد الذي أهبط إلى هذه الأرض، وقد جاء هذا الجنس في الأصل غريباً، جاء من بعيد، فقد أهبط من الجنة، وجاء إلى هذه الأرض وكل احتياجاته مستوردة، فقد أنزل الله له من الأنعام ثمانية أزواج، وأنزل له الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وأنزل له كذلك اللباس: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْر [الأعراف:26].

    ثم بعد هذا سخر الله لهذا الجنس ما في هذه الأرض من أنواع الخيرات، ويسر له استغلال ذلك على الوجه الصحيح، بما جاء من عند الله سبحانه وتعالى، من الأنظمة التي تنظم علاقات العباد فيما بينهم، وتنظم علاقاتهم ببارئهم سبحانه وتعالى، وتشرع لهم ما هم بحاجة إليه من أمور دنياهم ومن أمور دينهم؛ وبذلك تكاملت هذه البشرية ووصلت إلى نضجها بعدما مرت به من الأطوار، وهذه الأطوار كثيرة جداً.

    فالفرد يمر في أصل خلقته بتسعة أطوار بينها الله تعالى بقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:12-16].

    وكذلك التطور العمراني البشري يمر بمراحل متنوعة متعددة، فمنها الرقي والانحطاط، والتقدم والتأخر، والثقافة والتخلف، وكل ذلك مر بالبشرية، حتى إذا وصلت إلى نضجها وأكملت أطوار مسيرتها، بعث الله إليها محمداً صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، واقتراب من الساعة، وجهالة من الناس، فجاء بالحنيفية السمحة ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وهذا الدين الذي جاء به هو الدين الحقيقي عند الله، فكل ما سواه من الأديان كان إعداداً له، وقد كان في مراحل نمو البشرية وتطورها، فهو بمثابة أثواب الصبي تكون على مقاسه في فترة صغره ثم إذا تقدم به العمر خيطت له ملابس أخرى على مقاسه الجديد، وهكذا حتى يصل إلى نضجه وكماله، فجاءت هذه الشريعة الإسلامية كافلة لحقوق أنواع البشر، وبينت حاجتهم، والفرق بين الأطوار التي يمرون بها، فهذه الأطوار منها ما هو ثابت ومنها ما هو متغير؛ فلذلك يشرع من الأحكام ما يوافق الثابت ويشرع منها ما يوافق المتغير، ثم يغير ما يحتاج إلى التغيير من ذلك؛ ولهذا قال الله تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106]، وقال تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل:101].

    1.   

    تقسيم الله تعالى للخلائق في العالمين العلوي والسفلي

    وقد جعل الله سبحانه وتعالى الخلائق كلها مقسومة إلى زوجين متقابلين، وقسم بينهما أنواع الصلاحيات، وأنواع المسئوليات، فكما أن العالم غطاؤه السماء غطاؤه الأرض، وقد قسم الله الخلائق بين السماء والأرض، فجعل في العالم العلوي أربعة أصناف، وفي العالم السفلي أربعة أصناف تقابلها ليقع التوازن، فقال تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ[فصلت:9-10]، فهذه أربعة أصناف هي التي تمثل العالم السفلي، هي: الأرض، والجبال، والبركات التي في الأرض، والأقوات التي فيها بما فيها: الأكسجين والماء والثمرات وغير ذلك، أربعة أصناف، يقابلها أربعة في العالم العلوي.

    ولذلك قال الله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[فصلت:11-12]، فهذه أربعة أجناس أيضاً من الخلق في العالم العلوي بها يقع التوازن بين العالمين، وكذلك البشر لا بد أن يقع التوازن بينهم، فجعل الله تعالى البشر كغيره من سائر الخلائق مقسوماً بين صنفين، بين ذكور وإناث، وجعل لكل واحد من الصنفين اختصاصاته وواجباته، وجعل لكل واحد منهما تشريفه وتكليفه على أساس ذلك.

    تحقيق التوازن بين صنفي الذكور والإناث

    ومن هنا خص الله تعالى الرجال بأشرف ما في المعنويات، وخص النساء بأشرف ما في الماديات؛ لأن الأمور الدنيوية أيضاً كلها مجبولة على الازدواجية، فالله سبحانه وتعالى هو الفرد لا ند له، لكن المخلوقات كلها تنقسم إلى ندين متقابلين دائماً؛ فلذلك ما في الأرض من الخلائق منه ماديات ومنه معنويات، فأشرف ما في الأرض من المعنويات: القيادة والقوامة، وقد خص الله بهما الرجال، وأشرف ما في الأرض من الماديات: الذهب والحرير، وقد خص الله بهما النساء، فوقع التوازن بين القسمين، ولم يعتد أحد القسمين على أحد الصنفين على الآخر؛ لأن كل واحد منهما قد نال ما يرضيه.

    ثم بعد هذا جاءت التكاليف ، فما كان منها من الثوابت المتعلقة بأصل البشرية فالرجال والنساء فيه سواء، وقد بينا من قبل أن الأوامر الشرعية، منها ما هو من الثوابت كأصول الاعتقاد والتعبدات والمعاملات، فهذه الرجال والنساء فيها سواء، عقيدة الرجال وعقيدة النساء سواء، عبادة الرجال وعبادة النساء سواء، المعاملات وما يشرع من البيع والشراء والإجارة وغير ذلك الرجال والنساء فيه سواء، فهذه أحكام مشتركة جعلها الشارع لجميع الخلائق، وهي التي تنظم علاقاتهم ولا يمكن أن يستغنوا عنها، ثم بعد ذلك خص كل طائفة بما يناسبها من الأحكام المتغيرة، والمقصود بتغيرها هنا أنه لا تشمل كل البشر، فيرد الخطاب بها إلى بعضهم دون بعض، فهذه منها الفرائض الكفائية التي إن قام بها بعض البشر سقط الخطاب عن الباقين ولم يطالبوا بأن يفعلوا، كإنقاذ الغريق إذا انغمس في البحر، فإذا أنقذه شخص واحد، ما فائدة انغماس الآخرين لإنقاذه بعد أن أنقذ، فهذا النوع هو الذي يسمى بفروض الكفاية، والمقصد الشرعي تحققها وحصولها بغض النظر عن فاعلها، بخلاف الصلاة والصيام والزكاة والحج، فهذه فرائض عينية، لا يقصد مجرد تحققها ووقوعها، بل يقصد أن يشارك فيها كل أحد وأن يؤدي الحق الذي عليه فيها، فهذا النوع من الخطاب وهو الفرائض الكفائية هي التي يقع فيها هذا التفاضل بحسب نعمة الله على الإنسان وطاقته، فكما أن الإنسان العادم للعقل قد رفعت عنه التكاليف جملة وتفصيلاً، وكما أن الإنسان العادم للسمع أو للبصر أو للمشي رفع عنه بعض التكاليف في مقابل ذلك، كما قال الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [الفتح:17].

    وكما أن الغني جعل عليه من التكاليف ما ليس على الفقير، في مقابل ذلك من كانت لديه قوة وطاقة لا توجد لدى غيره فالتكاليف على مقابل تلك القوة والطاقة تختص به، وليس هذا جوراً ولا ظلماً، ولا نقصاً للطرف الآخر؛ لأن هذا التكليف رتب على نعمة، فهذه النعمة على قدرها يكون التكليف، كما أن الرجلين الذين أحدهما غني والآخر فقير تكاليفهما غير متساوية، فكذلك الرجال والنساء من هذا القبيل، ما أوتي الرجال من الطاقات المختصة عليهم فيه من التكاليف ما ليس على النساء، وما أوتي النساء من الطاقات المختصة عليهن فيه من التكاليف ما ليس على الرجال، ومن هنا تحسم الجدلية التي يراها بعض الناس حين يرون الفرق الفسيولوجي بين الرجال والنساء مؤثراً في الأحكام أو داعياً إلى النزاع والصراع، يرون الآن من هذا الكلام أن هذه الجدلية لا أساس لها، فالجميع لم يشاور أحد منهم في خلقته، لم يشاور الله أحداً من خلقه: كيف أخلقك ذكراً أم أنثى؟ كبيراً أو صغيراً؟ أبيض أو أسود؟ لم يشاور الله أحداً في ذلك، وقد قال الله تعالى: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف:51]، وقال تعالى: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:8]، فكل ذلك بأمر الله وحده لا يمكن أن يتدخل أحد من خلقه، وهو قسمة كما قسم الله الأرزاق والأخلاق بين الناس، كذلك قسم الخلقة على نحو ما أراد، ومن هنا فكما أن السماء لا تبأى بخلقتها على الأرض، وكما أن النبات لا يبأى بعضه بخلقته على بعض، فكذلك هذه الأجناس البشرية، ولا بد أن يدرك أن الفرق الحاصل بينها ليس فرقاً إرادياً واختيارياً، وإنما هو فرق في الخلقة قدره الله سبحانه وتعالى، كما قدر الغنى والفقر، وطول العمر وقصره، والصحة والسقم، كل ذلك من تدبيره لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].

    رضا الإنسان بالهيئة التي خلقه الله عليها

    فعلى كل صنف أن يرضى بالهيئة التي خلق عليها، وأن يباشر صلاحياته ومسؤولياته على وفق ما أوتي، وأن لا تطمح نفسه لما فوق ذلك، فقد قال الله تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:32]، فكل له نصيب مما اكتسب، وبعد ذلك الجميع مطالبون بأن يسألوا الله من فضله، والله يفضل من يشاء، فالتفاضل الدنيوي مدته محصورة يسيرة، وبعده أحوال أهل الدنيا متقاربة وأحوال أهل الآخرة متباعدة، إذا كان الإنسان في هذه الدار مسوداً، فليس معنى ذلك أن يكون مسوداً في الدار الآخرة، قد يكون سيداً في هذه الدار ويكون مسوداً حقيراً ذليلاً في الآخرة، وقد يكون أيضاً حقيراً ذليلاً مسوداً في هذه الدار ثم يكون سيداً عزيزاً في الدار الآخرة يوم القيامة.

    والشرف والعزة إنما تحصل لمن أوتي كتابه بيمينه وبيض الله وجهه، ثم أدخله جنته، ثم جعل وجهه من الوجوه الناضرة الناظرة إلى وجه الله الكريم، ومن وصل إلى هذا المقام ليس عليه من بأس، سواءً كان من قبل ذكراً أو أنثى، سواءً كان غنياً أو فقيراً، سواءً كان صحيحاً أو سقيماً، سواء كان عالماً أو جاهلاً، سواءً كان قوي الجسم أو ضعيف البنية، هذا التفاوت كله مدته محصورة بهذا العمر الدنيوي.

    اعتبار الإنسان بأحوال أهل البرزخ وموقفهم يوم القيامة

    ولذلك لا بد أن ننظر نظرة عجلى إلى أحوال أهل البرزخ، فإننا إذا رأينا المقبورين لم نميز بين قبر الذكر والأنثى، والغني والفقير، والصحيح والضعيف، فقبورهم متساوية، وبذلك يعلم أن التفاوت إنما هو لمدة محصورة يسيرة في هذه الحياة الدنيا، كما ذكرت من قبل أن مثال تفاوت أهل الدنيا وأحوالهم فيها، مثال قوم ركبوا في سيارة، فكان بعضهم في مقدمها وبعضهم في مؤخرها، قطعوا مائة كيلو ثم نزلوا عن السيارة يمشون، فالذين كانوا في المقدم لم تبق تكت معلقة على صدورهم أنهم كانوا في المقدم، والذين كانوا في المؤخر كذلك ليس لهم ما يذلهم ويحقرهم بأنهم كانوا في مؤخر السيارة، فالجميع وصلوا في وقت واحد، وتلاحقوا وتداركوا، فكذلك حال الناس بعثوا إلى هذه الأرض لمهمة ليس بأيديهم الابتعاث فيها، ولم يشاوروا فيها، ثم بعد ذلك يحشرون إلى الله فيحاسبهم على ما كلفهم به، وكل إنسان منهم يأتي فرداً ليس تابعاً لأحد وليس معه أحد يصارع عنه ولا يجادل عنه، وليس له محام ولا شفيع: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [النحل:111].

    حينئذٍ يأتي كل إنسان فرداً كما قال الله تعالى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:95]، وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَينَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تزْعُمُونَ [الأنعام:94].

    1.   

    دعوى ظلم المرأة وقصة تحريرها

    فلهذا لا بد أن نثير هذه الجدلية من أنفسنا، وهذه الجدلية أول من ابتكرها وأشاعها بين الناس هم أصحاب الأهواء، الذين يريدون أن يميل الناس وراء الهوى، وأن يحدث الشرخ، حتى يتكبر الناس على برنامج الله الذي وضعه لعباده، وحتى يتركوا منهجه الذي ارتضاه لخلقه؛ ولذلك فهم يريدون بالناس أن يميلوا ميلاً عظيماً.

    وهم الذين سعوا إلى قصة تحرير المرأة، وهي قصة مزيفة ما أنزل الله بها من سلطان، فالدعوى أن المجتمع الإسلامي فيه نقص لحقوق المرأة أو اعتداء عليها دعوى كاذبة باطلة، ولا شك أن الإنسان العاقل يعلم أن مثل هذا النوع هو من تصدير الواقع الذي هو في بلاد الغرب، ومحاولة فرضه على المسلمين من حيث لا يشعرون.

    إذا كانت المرأة الأوربية في العصور الوسطى تعرضت لبعض أنواع الظلم واسترقت، وجعلت بضاعة تباع وتشترى، فهذا الواقع لم يكن يوماً ما في البلاد الإسلامية، وليس له أثر في نفوس النساء المسلمات، وليس له أيضاً وجود في واقعهن اليوم؛ فلذلك لا معنى لاتباعه والترويج له والبحث فيه، وبالأخص إذا عرفنا أن الذين يرفعون هذه الراية الآن هم الذين يجعلون المرأة أخس وأذل من واقعها، فهم الذين يجعلونها حبالة للشيطان، ووسيلة للإغراء والإغواء، ويخرجونها بذلك عن طور الإنسانية حتى تكون كالآلة يأخذها الإنسان فيصطحبها معه مثل أي جهاز من الأجهزة، فإذا انتهى غرضه منها رماها ككل الأجهزة، فهذا الواقع هو واقع النساء في بلاد الغرب؛ وبذلك ليس هذا أسوة حسنة ولا قدوة صالحة، وستتبين لنا النماذج الإسلامية الناصعة الناصحة التي ترغب كل مؤمنة في الاقتداء بها، وترضى بما كانت عليه، وتريد مجاورتها في الفردوس الأعلى من الجنة.

    انحراف الغرب في أفكارهم تجاه المرأة

    وبذلك يعلم أن السعي وراء موضات الغربيين، سواءً كانت هذه الموضات فكرية أو مادية، إنما هو انهزام وانبطاح أمام قوم قد انهزموا أمام المغريات المادية ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، وجعلهم الله سبحانه وتعالى أخس من جميع الخلائق حتى من فيروس السيدا؛ ولذلك قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، فهم شر ما خلق الله، شر من الخنازير ومن فيروس السيدا وغير ذلك من أنواع الخلائق.

    وبهذا يعلم أيضاً أنهم ليسوا أهلاً لأن يقتدى بهم، أو أن يستن بسنتهم، فهم يشهدون على أنفسهم يوم القيامة بأنهم لا يسمعون ولا يعقلون، فلا يعقلون حتى يستفيدوا من تفكيرهم، ولا يسمعون حتى يستفيدوا من تفكير غيرهم، كما قال الله تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10-11].

    1.   

    دور المرأة المسلمة في نظر الإسلام

    إن المرأة المسلمة شريكة الرجل المسلم في كل ما خلق من أجله، من الاستخلاف في هذه الأرض، والقيام بالمسؤوليات فيها، وفي عبادة الله التي هي أشرف وأنبل وأسمى ما يمكن أن يستغل فيه الإنسان وقته وطاقته، فقد قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ [الذاريات:56-58].

    هذا عامل توحيد بين البشر جميعاً، وحتى الجن يشتركون معهم فيه، فالله تعالى بعث جميع أنبيائه إلى أهل الأرض بأمرين عظيمين، هما: توحيد الله، واجتماع الكلمة، ركنان لم يأت نبي قط إلا بالدعوة إليهما، كما قال الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13].

    دور المرأة المسلمة تجاه توحيد ربها

    أمران ركنان متقابلان هما أعظم ما يشتغل به الجنس البشري في هذه الحياة؛ ولذلك لا بد أن تأخذ المرأة دورها فيهما معاً، فلنبدأ أولاً ببيان ما هو مشترك بين الجميع كما ذكرنا، فتوحيد الله سبحانه وتعالى دور لكل البشر الذين يعيشون على هذه الأرض لا بد أن يوحدوا الله وأن يعلموا أن لهم رباً واحداً هو وحده الذي يستحق العبادة، وهو وحده الذي يستحق أن ترفع إليه أكف الضراعة، وهو وحده الذي يستحق أن يتوكل عليه، وهو وحده الذي يستحق أن يشرع لعباده تحليلاً وتحريماً وإباحةً وغير ذلك، وهو الذي أرسل الرسل، وهو الذي أنعم بالنعم كذلك هو الذي يستحق المحبة الكاملة: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].

    فهذا التوحيد هو من دور جميع البشر وحتى الجن مطالبون به؛ فلذلك لا بد أن يدرك كل إنسان منا ذكراً أو أنثى أن عليه أن يوحد الله توحيداً خالصاً يقتضي منه نبذ الشرك بالكلية، سواءً كان شركاً أكبر مخرجاً من الملة، أو كان شركاً محبطاً لبعض العمل ضاراً في علاقة الإنسان بربه.

    دور المرأة المسلمة في عبادة ربها

    ثم بعد هذا الجانب الثاني هو: العبادة، وهذه العبادة بعد تحقيق التوحيد لا بد أن يستشعر الإنسان أنه جاء إلى هذه الأرض في تأشيرة محدودة المدة، سواءً كان ذكراً أو أنثى مدة تأشيرته محدودة مجهلة لا يدري متى تقبض روحه وهو يعلم أن مدة بقائه في هذه الأرض هي مدة تكليف، وقد جاء لمهمة محددة هي: عبادة الله، فإذا لم يؤديها بهذه التأشيرة كان مغبوناً كالتاجر الذي يقطع تذكرة غالية ويسافر من نواكشوط إلى بانكوك فيستأجر غرفة في الفندق، فيجلس فيها خمسة عشرة يوماً فتنتهي تأشيرته، فيحين وقت المغادرة ولم يؤدِ أي شيء ولم يقم بأية خدمة، ولم يشتر أية بضاعة فهل هذا التاجر رابح أو خاسر؟ لاشك أنه خاسر، فكذلك الإنسان الذي يأتي إلى هذه الأرض في هذه الرحلة الشاقة التي جاء بها من الجنة حتى وصل إلى هذه الأرض، ووجد خطاً واضحاً أمامه هو مثل خط السير، خط السير فيه أنك تركب في الطائرة وقت كذا وتقلع بك من هذا المطار وتنزل ترانزيت في مطار كذا، ثم تقلع في الوقت الفلاني ثم تنزل في الوقت الفلاني للاستقرار مدة معينة، ثم بعد ذلك ترجع من هذا الخط المحدد.

    فكذلك هنا حدد لنا عملاً ومهماتنا في هذه الأرض بتحديد عبادة الله سبحانه وتعالى والرغباء إليه والخوف منه وهذا يقتضي منا أن نعلم أن أهم اهتماماتنا وأولى اعتباراتنا هو ما يتعلق بعبادة ربنا؛ فلذلك لا بد أن يكون من دور الرجل ومن دور المرأة أن يحقق هذه العبادة وأن يحرص عليها، وألا ينظر إلى عمره بكامله فالذي يخطط تخطيطاً عاقلاً لا يمكن أن يؤخر أولوياته واهتماماته لآخر مدة التأشيرة، بل لا بد أن يبادر الآن فيعجل المهمات الأساسية ثم يستغل الوقت، فعمر كل إنسان منا الذي يجزم به هو الوقت الذي هو فيه، ولا يدري لعله آخر ساعة تتاح له: وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ [الأعراف:185].

    فلذلك لا بد أن يستغلها في منجاته بين يدي الله، لا بد أن يستغلها في طاعة وعبادة، وهذه العبادة لا تكون إلا بتعلم ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بتنفيذه على مراد الله، وعلى وفق ما بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يكون الإنسان في عبادته قد رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، فاتبعه فيما جاء به من عند الله، وارتضاه ولم يزد عليه ولم ينقص منه، ولم يبتدع في الدين، فهذا هو سبب بياض الوجه يوم القيامة، والإعراض عنه هو سبب سواد الوجه يوم القيامة، كما قال الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر:60]؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106] قال: تبيض وجوه أهل السنة وتسوّد وجوه أهل البدعة؛ لأن الله تعالى يقول: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ [الزمر:60] وهم أهل البدعة. وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر:60].

    فلهذا لا بد أن يحرص الإنسان على تعلم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم على تطبيقه على وفق ما جاء به قولاً وعملاً واعتقاداً وخلقاً.

    حاجة الرجل والمرأة إلى الازدياد من العلم والعمل

    ومن هنا فالدور المنوط بالإنسان يبدأ أولاً من التعلم، فيتعلم ما جاء به هذا الرسول الكريم؛ لأنه يعلم أن الرب هو الذي أرسله إلى هذه الأرض دون مشورة، فلما جاءها لا بد أن ينفذ ما أمر به، فهذا المأمور به ما لم يتعلمه ويفهمه لا يمكن أن يطبقه، فيحتاج إلى تعلمه وتفهمه، ثم بعد ذلك إلى المبادرة بتطبيقه قبل أن يفوت الأوان، وإذا استطاع الإنسان أن يجعل من وقته قسمة عادلة، فيجعل منه حظاً لتعلم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وحظاً لتعليمه وتحمل أعبائه، وحظاً للعمل به، وحظاً للازدياد منه كل يوم، فلا يزال يزداد من العلم والعمل حتى يلقى الله، فهذا سائر في طريق الحق، ولا يضره الهنوات والهفوات التي تقع بين ذلك، فإن الله تعالى يكفر السيئات باجتناب كبائرها، كما قال الله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً [النساء:31].

    ثم بعد هذا لا شك أن حاجة الإنسان إلى الازدياد في جسمه وعقله وروحه حاجة مطردة، وهذا الازدياد لا يكون إلا بالتربية، فالروح تزداد بالورع والخشية والرقة والإنابة وبحسن الخلق وإتقان العبادة، هذه رياضة الروح، والبدن رياضته تعلمه للخبرات والمهارات التي يحتاج إليها الإنسان، والعقل رياضته وتربيته إنما هي من زيادة العلم، فبهذا يكون الإنسان مزداداً دائماً، يزداد عقله بزيادة العلم، وتزداد روحه بالقرب من الله وخشيته والإنابة إليه وحسن الخلق مع الناس، وتزداد كذلك مهاراته البدنية وخبراته حتى يكون إنساناً منتجاً؛ لأن الإنسان الذي هو مقلد ولد ميلاداً عادياً، وعاش حياة عادية، سيموت موتاً عادياً وينساه التاريخ لا يبقى له أي أثر، بخلاف الإنسان الذي دخل التاريخ من بابه الواسع، فأراد أن يستغل ما لديه من الطاقات، وما أوتي من الخبرات، وأن يؤثر في هذه الدار التي استخلف فيها، فهو حريص كل يوم على أن يكون في جد وتشمير، وانشغال وعمل وإنتاج، هذا لا شك أنه سيترك صخباً وراءه وأثراً كبيراً إذا انتقل من هذه الدار، وسيجد نتيجة ذلك يوم القيامة لا محالة؛ فلهذا لا بد أن يحرص الإنسان على الازدياد فيما يقربه من الله سبحانه وتعالى علماً وتقوى وورعاً، وكذلك الخبرات والمهارات التي تؤهله للاستخلاف في الأرض التي هي مهمته الأساسية.

    1.   

    سنة الصراع بين حزب الله وحزب الشيطان وموقف الإنسان من ذلك

    ثم بعد هذا لا بد أيضاً أن ندرك أن من الدور المستحق علينا جميعاً أن نعلم أن دين الله سبحانه وتعالى عندما أنزله إلى هذه الأرض أنزل في مقابله أيضاً الضلالة، فالله سبحانه وتعالى أنزل إلى هذه الأرض الهدى وابتعث فيها الضلالة، وجعل فيها صراعاً أبدياً مستمراً بين حزب الله وحزب الشيطان، فحزب الله يسعون لهداية الناس، وحزب الشيطان يسعون لإغواء الناس، وهذا الصراع لا يمكن أن يتوقف، فلو توقف لحظة واحدة لفسدت الأرض، كما قال الله تعالى: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض [البقرة:251]، لا بد أن يبقى هذا التدافع موجوداً.

    فلذلك لا بد أن يحدد كل إنسان منا ذكراً كان أو أنثى محله من هذا الصراع، فلا حياد، لا يمكن أن يكون الإنسان محايداً لا له ولا عليه، وهو يعلم أن الصراع قائم محتدم موجود، كل يوم من أيام الدنيا هو يوم معركة من معارك هذا الصراع كيوم بدر وأحد والأحزاب وحنين وفتح مكة.. إلى آخره.

    فلا بد أن يحدد الذكر والأنثى مكانه من هذا الصراع، وهل هو من حزب الله أو من حزب الشيطان؟ ولا ينفعه لا مجرد التمني والتظني، أو الانتساب والتعلق بالماضي، فهذه أمور لا تغني عن الإنسان شيئاً، فالإنسان محله هو المحل الذي اختاره لنفسه لا المحل الذي ولده فيه أبواه؛ ولذلك لا بد أن يضع نفسه في المكان المناسب له إذا اختار أن يكون من حزب الله فليعلم أن لذلك تكاليف شاقة، ومهمات صعبة، وطريقاً محفوفاً بالمخاطر والأشواك ولكن نتيجته مضمونة، هي الجنة، هي رضوان الله.

    وإذا رضي أن يكون من حزب الشيطان فالأمر ميسور سهل، حزب الشيطان مهمته واضحة، وهي السعي لإغواء الناس وإضلالهم، وأمر ذلك ميسور، فالناس مسرعون إلى ذلك بطبعهم، والشيطان معين لأوليائه وحزبه على ما يفعلونه من الإغواء، ونتيجة ذلك موجودة أيضاً حتمية إن حزب الشيطان هم الخاسرون، هي الخسران في الدنيا والهلاك في الآخرة.

    واجبات المؤمن والمؤمنة في حزب الله

    إذا قررنا أن نكون إذاً من النوع الأول من حزب الله، وهذا الذي لا بد أن يحققه كل مؤمن ومؤمنة، فلا بد أن نبحث عن واجباتنا في حزب الله: ماذا سنعمل؟ وهذا هو الدور الذي ينتظر كل إنسان منا في هذا المجال، لا بد أن نعلم أن التكليف ينقسم إلى قسمين:

    إلى تكاليف خاصة، كطهارة الإنسان وصلاته، وحقوق أهله، وقيامه بشئون بيته ونحو ذلك، وهذه التكاليف الإنسان فيها على نفسه بصيرة، وستبلى يوم تبلى السرائر.

    دور المرأة المسلمة في الدعوة إلى الله

    والنوع الثاني: تكاليف عامة، لا بد أن يشارك الإنسان فيها، ليحقق انتماءه وانتسابه، فنحن جميعاً رجالاً ونساءً قد انتسبنا إلى هذا الرسول الكريم، ورضينا به رسولاً من عند الله، وانتسبنا إلى هذا الشرع الذي جاء به ورضينا به تشريعاً من عند الله، وانتسبنا إلى هذا القرآن الذي جاء به ورضينا به إماماً لنا، فهذا يقتضي منا أن نسعى لنشر ذلك ونصره والدفاع عنه، وكل بحسب طاقته وما أوتي، فدور الرجال في ذلك مثل دور النساء فيما يتعلق بالدعوة، فالدعوة دور مشترك بين الجميع ليس للرجال فيها خصوصية على النساء؛ لأن المقصود بها التأثير، والتأثير أمر مشترك، وقد تكون طاقة المرأة في التأثير أبلغ من طاقة الرجل؛ ولذلك كان لعدد من النسوة التأثير في كثير من الجبال الكبار في الإسلام، فـعمر بن الخطاب بكامله وأعماله وفتوحاته وعدله في ميزان امرأة واحدة، وهي فاطمة بنت الخطاب التي كانت سبباً في إسلامه، وهكذا أبو طلحة الأنصاري الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوته في الجيش خير من مائة أو من فئة ) كل أعماله وجهاده في كفة حسنات أم سليم بنت ملحان التي دعته إلى الإسلام، وجعلت صداقها إسلامه، وهكذا.

    فلذلك قد يكون تأثير المرأة في الدعوة أبلغ وأنجح من تأثير الرجل، وهذا الدور لا بد أن تقوم به المرأة المسلمة، وأن تحرص في كل يوم من أيام الدنيا على أن تبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تنصره، وأن تزيد أتباعه بما تستطيع، ولو كان ذلك تأثيراً في أصغر أولادها، أو جيرانها، أو أي إنسان يمكن أن تبلغه شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن تؤثر فيه تأثيراً أياً كان هذا التأثير، تأثيراً لترك منكر، تأثيراً لفعل واجب، تأثيراً لفعل سنة مهجورة، تأثيراً لترك بدعة، تأثيراً لترك مكروه، تأثيراً لفعل مندوب، تأثيراً للمسارعة في الخير: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [المائدة:48]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [الحج:77]، فكل ذلك إذا استطاعت أن تؤثر في أي تأثير، فإنها تكون قد حققت الدور المناط بها، وهو أبلغ وظيفة يمكن أن يشغلها إنسان، وظيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولا شك أن الإنسان الآن الذي تخرج من الجامعة وهو يطلب التوظيف، يبحث في الوظائف الشاغرة، فيقول شغرت الوزارة الفلانية فأنا مستعد أن أشغل مكان هذا الوزير، ويحرص على أن يوظف في هذا المكان؛ لأنه يراه وظيفة مناسبة له، لكن لا بد أن نفكر في أن أكبر وظيفة في الأرض وأسماها هي وظيفة النبيين، وظيفة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الوظيفة ليست حكراً على الرجال، بل هي التبليغ عن الله، وهذا مشترك بين الرجال والنساء، تبليغ كلمات الله، السعي لهداية الناس، السعي لاستقامتهم، السعي لإرشادهم إلى طريق الحق، كل هذا بالإمكان أن يقوم به الرجال وأن يقوم به النساء؛ ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام لما أتاه أبو ذر سأله فقال: يا رسول الله! من تابعك على هذا الأمر؟ قال: ( رجل وامرأة وعبد وصبي )، وليس معنى ذلك أن هؤلاء الأربعة فقط هم الذين اتبعوه إذ ذاك، لكن المقصود أن هؤلاء جميعاً يمثلون شرائح من شرائح المجتمع، وكل إنسان منهم سيبذل جهده في الدعوة في شريحته، فالرجل سعى في الرجال، فـأبو بكر في اليوم الأول الذي أسلم فيه أتى بخمسة قد آمنوا.

    وهم: عبد الرحمن بن عوف و أبو عبيدة بن الجراح و طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و سعد بن أبي وقاص ، خمسة أتى بهم، وكل واحد منهم بالآلاف في يوم واحد.

    دور خديجة بنت خويلد في الدعوة إلى الله

    وكذلك خديجة بنت خويلد لما آمنت وصدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أول يوم من أيام بعثته سعت لهداية من حولها، فبدأت أولاً بشيخ كبير، وهو ابن عمها ورقة بن نوفل ، وقد كان يدرس الكتب السابقة، وقد كان في آخر عمره، فأصابت خديجة هنا هدفاً سامياً، وهو أولاً أن الرجل يسهل التأثير عليه؛ لأنه كان يعلم أن الرسول مبعوث وهو ينتظره، فدلته على هذا الخير.

    الأمر الثاني: أن في ذلك مؤازرة للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيتاً له على هذا الأمر الذي جاءه من عند الله. الأمر الثالث: أنها أدركت ابن عمها قبل أن يموت وهو شيخ كبير قد عمي، فاختارت له حسن الخاتمة وسلوك طريق الحق فأثرت فيه، فكانت هذه المرأة ذات أثر بالغ، فهي في تشجيعها للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم بعد هذا ذهبت به إلى ورقة بن نوفل فقالت: يا ابن عم! اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة : ماذا ترى؟ فقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال: هذا الناموس الذي كان يأتي موسى، أو الذي أنزل الله على موسى، ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك. قال: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، إنه لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ).

    وكانت هذه الكلمات مؤثرة حتى في خديجة نفسها، فقد سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم من الآن فصاعداً عرضة لعداوة البشر، فاستعدت للدفاع عنه ومؤازرته ومساندته، وبذلت كل مالها في سبيل هذه الدعوة، وكذلك أثرت في أقاربها، فـحكيم بن حزام من أغنياء قريش وتجارهم، وكان من أكثر أهل مكة مالاً، وعندما حوصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه في الشعب، لم يكن لهم من ينفق عليهم وهم مئات الأشخاص، حوصروا ثلاث سنوات، لا يبيع إليهم أحد، ولا يشتري منهم ولا يتزوج منهم ولا يزوجهم، ولا يتصدق عليهم ولا يحسن إليهم بأي نوع من أنواع الإحسان، وهم محصورون في مكان واحد، لا يستطيعون نسيجاً، ولا زراعة، ولا صيداً، ليس لهم شيء إلا ما يأتيهم به حكيم بن حزام هذا، لكن خديجة كانت ذات تأثير فأثرت في هذا التاجر الكبير الملياردير، الذي قدم ماله في وقت الحاجة إليه، فجاء فأنفق على أهل الشعب في ذلك الوقت وهم في أشد الحاجة إلى وجوده.

    وكان من حكمة خديجة أن أرته طريقة لا يتأثر هو بها أيضاً، فالإنجليز يقولون: المال جبان أو رأس المال جبان، ومعنى ذلك أن من كان له مال في هذه الحياة الدنيا قل ما يخاطر ويغامر؛ فلذلك لا يستطيع أن يبرز فيكون وجهاً من وجوه الدعوة أو المنافحين المدافعين عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لئلا تتأثر تجارته وأمواله، فأرته خديجة طريقة، وهي أن يحمل الإبل في الليل بالمؤن والملابس فيرسلها فتدخل الشعب، فيأخذها الصحابة، فيأخذون ما عليها وينحرون الإبل، فتكون غذاء لهم، وهي تحمل أزوادهم ومؤنهم، وقام حكيم بهذا على أحسن الوجوه، فأدى هذا الوجه الصحيح والدور الجيد وقام به في الوقت المناسب.

    ثم بعد هذا كان حكيم أيضاً من المسارعين للإنفاق في الغزو في سبيل الله، ومن الذين يبادرون إلى تجهيز الجيوش وكفالة الأيتام، ورعاية المحتاجين والأرامل، وعندما هاجر كان عمره فوق الستين سنة، هاجر إلى المدينة، وعاش بقية عمره فعاش مائة وعشرين سنة، ستون منها في الجاهلية وستون في الإسلام، إلى أن مات وهو من أغنى الناس، كل ما أنفقه من الإنفاق لم يؤثر في ماله، وهذا دليل على أن الإنفاق لا ينقص الرزق، فالإنسان الذي يبذل يعوضه الله، كما قال الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: وأعط ممسكاً تلفاً)، فتوفي حكيم وهو من أغنى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وهذا الدور الذي أقنعته به خديجة كان مهماً للدعوة في ذلك الوقت في غاية الأهمية، وهكذا أيضاً فإن التأثير في النساء وبالأخص في اللواتي لا يخالطن الرجال أمر شاق على الرجال لا يمكن الوصول إليه، فلا يمكن أن يدعوهن إلا بنات جنسهن من النساء، وهن اللواتي يؤثرن فيهن، وبالأخص إذا تذكر الإنسان أن المرأة تأنس بالمرأة وبالأخص إذا كانت معجبة بها، إما لتميزها علمياً، أو لتميزها خلقياً، أو لتميزها اجتماعياً أو اقتصادياً، لها أي تميز عليها، فإنها تحاكيها وتريد الالتحاق بها، وترغب في علاقتها معها، فإذا بذلت ذلك لوجه الله، وجعلته تأثيراً مناسباً فإنه سيكون مؤثراً تأثيراً بالغاً، وبه يزداد عمرها بعد الموت بأعمال كل من أثرت فيه، فتروح عليها الأعمال وتغدو وقد ماتت وانقطعت أعمالها وآمالها من هذه الحياة الدنيا.

    قصة تأثير امرأة مغربية محجبة على امرأة متبرجة على متن طائرة

    ولا أزال أذكر قصة عجيبة شاهدتها بعيني، فقد سافرت في مساء يوم من الأيام من مطار هيزرو بـلندن إلى مطار طنجة في شمال المغرب، فلما أقلعت بنا الطائرة وبدأنا في أذكار السفر إذا امرأة محجبة في المقعد الذي أمامي هي مغربية، وعن يساري شيطانة ماردة متبرجة غاية التبرج، ولا تستر من بدنها إلا أقل القليل، وتعامل النصارى المسافرين معنا معاملة لا تليق بأي أدب ولا بأي منطق، لو كانت إنجليزية لما عاملت الإنجليز بتلك المعاملة، وما كنت أظن في ذلك الوقت إلا أنها إنسان من أهل جهنم يمشي على رجليه بين الناس، فإذا تلك المرأة التي أمامي مؤمنة عندما استوت الطائرة في الجو تلتفت إليها بابتسامة وتدعوها للجلوس في المقعد المجاور لها، فقعدت حولها، فكلمتها بلطف كلاماً لم يطل كثيراً، ولم أستوعب كل جزئياته، وكان باللهجة المغربية، لهجة شمال المغرب وفيها بعض الخفاء، لكن فهمت منه أن قالت لها: إنها فتاة جميلة، وخلقتها على أحسن ما يكون، فكيف تتصدق بنفسها على النصارى؟ فأقنعتها بهذه الكلمات، ففعلاً تأثرت، وسألتها عن أسرتها، فذكرت أسرتها، فقالت: هذه أسرة كريمة وفيها علماء، فقالت: نعم، وأنا قاعدة يوم من الأيام شفت الجامع، ذكرت أنها رأت مسجداً يوماً من الأيام، تستدل بهذا على أنها من أسرة متدينة.

    ثم بعد هذا استمر الكلام قليلاً، فأخرجت لها جلباباً سابغاً من شنطة لديها، فقالت: ما رأيك لو لبست هذا؟ فلبسته، فمكثت تتحدث معها ساعة، فقالت: لو أخذت هذا أيضاً وأخرجت لها ميسوراً يجعل على الرأس، وحكامة تمسكه أسفل الذقن، فوضعته، فقالت: ما شاء الله ازددت جمالاً وبهاءً فاذهبي إلى المرآة في داخل الحمام، فذهبت إلى مرآة الحمام في داخل الطائرة، فجاءت تضحك وقالت: إن شخصيتها تغيرت، وأن حالها الآن أجمل وأحسن، ثم بعد هذا أخرجت مصحفها وبدأت تقرأ عليها الفاتحة، وتعلمها قراءة القرآن، وأخرجت لها شريطاً ووضعت السماعة إحدى السماعتين في أذنها والأخرى في أذن هذه المعلمة، وما وصلنا إلى مطار طنجة حتى أصبحت هذه المرأة إنساناً آخر غير الإنسان الأول تماماً، وقد أخذت عنوانها وأعطتها عنوانها، ونزلتا وهي تحمل لها الشنطة التي أخرجت لها منها الملابس والمصحف والشريط.

    فتعجبت أنا من هذه الإيجابية لدى المرأة التي لا يستطيع رجل أن يقوم بها، هذا العمل لا يمكن أن يقوم به رجل، ولا يمكن أن يفكر فيه أصلاً، ومع ذلك قامت به هذه المرأة بأتم نجاح، وأدته على الوجه الصحيح، وأنا متأكد أنها ليست المرة الأولى، إذ هذا النجاح السريع لا يمكن أن يكون إلا بعد تدريب وعمل، وبعد اهتمام أيضاً فهي اختارت شر فريسة وأقواها.

    ونحن نعلم وقد تعودنا من قبل في تكوين الشخصية أن الحجاج سئل عن شجاعته المشهورة بين الناس ما سببها؟ فقال: إذا التقيت مع صف العدو نظرت إلى أضعف إنسان فيه فحملت عليه فضربته بشدة وقوة، فيظن القوي أن ضربي للقوي كضربي للضعيف.

    وهنا نرى أن هذه المرأة عكست القاعدة، فهي هنا تسلطت على أعتى أهل الفجور، فنقلته إلى إنسان آخر في عشية واحدة، في ساعات محصورة، وهذا التأثير العجيب بالإمكان أن تقوم به كل امرأة في محيطها وفي بيئتها، وبالإمكان أن تبدأ أولاً بأهل بيتها، ثم بعد ذلك تصل إلى جيرانها، ثم إلى ما سوى ذلك، ويمتد نورها يميناً وشمالاً، حتى تكون كالمظلة التي يرفع الله بها البلاء عن أهل حي بكامله، فكثير من الأفراد من الرجال والنساء هم مظلات يرفع الله بها البلاء.

    كلام القرطبي: أن أربعة ترفع البلاء عن المدن

    وقد ذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره: أن أربعة ترفع البلاء عن المدن: إمام عادل على طريقة الهدى لا يلين في الحق ولا يجامل فيه. ومشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ونساء قائمات بأمر الله، ساترات ما أوجب الله عليهن ستره، وسلطان عادل على طريق الحق. هؤلاء الأربعة كل مدينة جمعتهم أو قرية جمعتهم فهي معصومة من البلاء لا يأخذها الله بذنوب المسرفين من أهلها.

    فلذلك لا بد أن يحرص كل إنسان منا أن يكون مظلة يرفع الله بها البلاء ولو على الأقل عن أسرة أو أسرتين أو أهل محلة، أو غير ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767962971