إسلام ويب

فقه الأسرة [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله الإنسان وكرمه، واستخلفه على أرضه، وشرع له شرائع متنوعة، بعضها يتعلق بالأسرة، وذلك يأتي لبيان أهمية صلاح الأسرة في إصلاح المجتمع، وأول حجر أساس في تكوين الأسرة الصالحة هو حسن اختيار المرأة للزوج، وحسن اختيار الرجل للزوجة.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فقد خلق الله عز وجل آدم عليه السلام وجعله خليفته في الأرض، وكرمه على الملائكة وفضله عليهم بما علمه من أسماء الأشياء كلها: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ [البقرة:31].

    فحكم الله تعالى لصالح آدم في تلك المسابقة العلمية، وبذلك شرف هذا الجنس البشري بالعلم على غيره من سائر الأجناس، وقد كرم الله ذرية آدم بعده بأنواع التكريم فقال: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء:70].

    وهذا التكريم الذي كرم الله به هذا الجنس البشري يقتضي أنه نكتة هذا العالم، ومن أجله خلقت الأرض وما فيها، ومن أجله شرعت الأحكام لتحقيق مصالح هذا الجنس البشري؛ فقد شرع الله تعالى الأحكام لمصلحة البشر، وهو غني عنهم وعما يعملون، فإذا أحل أو حرم فإنما ذلك لصالح البشر, ولقد كلف الله الإنسان بهذا الاستخلاف، وأصله الإصلاح والقيام بمصالح أهل الأرض، ويبدأ ذلك بإصلاح الإنسان نفسه أولاً, فالإنسان ما لم يكن لبنة صالحة في بناء المجتمع، وما لم يؤدِّ المهمة التي من أجلها ابتعث إلى الأرض ومن أجل ما سبق -فإنه لا يمكن أن يكون طرفاً في إصلاح؛ لأن البسيط مقدم عن المركب، فالإنسان الصالح في نفسه يمكن أن يكون جزءاً من مركب صالح، والإنسان الفاسد إذا كان في مركب لا بد أن يأتي إليه الفساد من قبل ذلك الجزء الفاسد فيه.

    فاحتيج أولاً إلى إصلاح الإنسان لنفسه، وإصلاحه لنفسه لا يتم إلا بأربعة أمور هي:

    أولاً: تعلم ما أمر الله به، ثم العمل بما تعلمه من أمر الله، ثم الدعوة إلى ما تعلمه وعمل به، ثم الصبر على طريق الحق حتى يلقى الله, فهذه الأربع هي التي تضمنتها سورة العصر التي قال فيها الشافعي رحمه الله: (لو لم ينزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سورة العصر لكفت حجة على الناس), يقول الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا[العصر:1-3]، وهذا تعلم ما أمر الله به؛ لأن الإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بتعلم الإنسان لما أمر الله بتعلمه من أمور الإيمان. وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3]، وهذا العمل، (( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ )), وهذه دعوة، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3]، وهذا الصبر على الطريق، وهو أيضاً وصية لقمان لابنه كما قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وهذا تعليم ثم قال بعد هذا التعليم: (( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ )), وهذا العمل، ثم قال: وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ [لقمان:17]، وهذه الدعوة، ثم قال: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17] وهذا الصبر على طريق الحق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522601

    عدد مرات الحفظ

    777112225