إسلام ويب

فقه المعاملات [5]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله سبحانه وتعالى لعباده ما ينظم علاقاتهم ومعاملاتهم، فشرع لهم العقود المختلفة في البيع والشراء، ولكن الناس في معاملاتهم يتوسعون في التعامل بهذه العقود، فيجمعون بين أكثر من عقد في الصفقة الواحدة؛ ولذلك جعل الشارع الحكيم ضوابط لهذا التعامل، وبالجملة فقد حرم ما يتوصل به إلى غرر أو ربا أو جهالة أو غش أو غير ذلك.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فقد سبق تقسيم العقود باعتبار موضوعها إلى ثلاثة أقسام: إلى عقود تبرعات، وعقود معاوضات، وعقود توثقات، وسبق تقسيمها كذلك باعتبار حال العاقدين إلى أربعة أقسام، وباعتبار الزمن كذلك إلى ستة أقسام، كل تلك العقود التي سبق شرحها وذكر أركانها كان الكلام الماضي عليها إذا كانت مفردة، وسنتحدث الليلة في جمع العقود في صفقة واحدة، وهذا أمر مهم لحاجة الناس إليه اليوم؛ ولأن أكثر العقود التي تجرى في عالمنا اليوم يقل فيها العقود المفردة، فأكثرها جامعة بين اتفاقيات متنوعة.

    فأقول: إن الأصل في العقود الجواز، وهي غير محصورة في هذه التي وردت تسويتها بالنص، بل الأصل الجواز فيها؛ لأن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده ما ينظم علاقاتهم، وبين ما هم بحاجة إليه من الأمور، والفرق واضح بين التعبدات والمعاملات، فالتعبدات يقصد بها التقرب إلى الله تعالى وطلب مرضاته، والله تعالى لا يمكن أن يصل إليه عباده بنفع ولا بضرر؛ ولذلك جاء في الحديث القدسي الصحيح: ( يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني )، فلا يمكن أن يتقرب إنسان إلى الله تعالى إلا بما شرع وبين وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فكل عبادة لم يبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي باطلة مردودة على صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وفي رواية: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).

    وكذلك العقائد، فإن الإنسان لا يمكن أن يرى الله تعالى جهرة، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103]، ولا يمكن أن يكون له مثل فهو سبحانه وتعالى قال عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فلا يمكن إذاً أن يثبت له، ولا أن يعتقد إلا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، إذ لا دخل للعقل في مثل هذه الأمور؛ لأن العقل إنما يتعلق بالمحسوس الذي تدركه الحواس، أو بما يعرف الإنسان له نظيراً ومثلاً حتى يقيسه عليه، والله تعالى لا مثل له ولا تدركه الأبصار، فلم يبق إذاً إلا الاستسلام للنصوص في هذا الباب، وعدم تعديها وتجاوزها.

    أما ما يتعلق بالمعاملات فإن كل إنسان أعطاه الله تعالى من العقل ما يطلب به مصالحه، ويسعى به للوصول إلى رغباته، وهم في ذلك متفاوتون تفاوتاً كبيراً، وما من أحد إلا وهو راض عن الله في عقله وأقلهم عقلاً أرضاهم به، وبهذا يطلب كل إنسان مصالحه ويدفع المضار عن نفسه ما استطاع، وبذلك يستطيع الإنسان أن يدرك ما هو في صالحه من المعاملات، وما ليس في صالحه، إلا أنه لا بد من تقييد ذلك بدفع المضرة العامة عن الناس؛ لئلا يطلب من هو أقوى مصالح نفسه، ويهدر مصالح الآخرين، فلا يمكن أن تستغل الفرص في الفقراء حتى يشترط عليهم في العقود، أو يوضع لهم فيها ما هو مناف لمصلحتهم من أجل المبالغة في مصالح الأغنياء؛ لما في ذلك من إهدار كرامة الإنسان، وانتهاز الفرص للتضييق عليه، فاحتيج إذاً إلى وضع ضوابط شرعية للتعامل، وهذه الضوابط بعد الأصل الذي ذكرناه، فالأصل في العقود والمعاملات كلها الجواز، إلا ما فصله الشارع كما قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ [الأنعام:119]، فما فصله الشارع وجاءت النصوص فيه بتحريم أو نهي فهو على ذلك، ولا شك أن المصلحة فيه هي ما ذكر من مراعاة حقوق الجانب الأضعف وحمايتها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534350

    عدد مرات الحفظ

    777182931