إسلام ويب

معاناة فلسطينللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المتقرر لدى المسلمين أن الشام أرض مباركة، وهي مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد هاجر إليها كثير من الصحابة والمرابطين. وقد تمكن اليهود بعد كيد ومكر كبار من إقامة دولة لهم في فلسطين، وأكثروا فيها الفساد، إلا أن الله أبقى لهم من يسومهم سوء العذاب، غير أن الخلاص من شرهم لا بد له من رفع راية الجهاد.

    1.   

    فضائل ومناقب الشام

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى فطر هذا الجنس البشري على الألفة، وجعله كائناً أليفاً، يألف أماكن من الأرض، ويألف أنواعاً من النبات وأنواعاً من الحيوانات ويتعلق بها، كل ذلك راجع إلى أصل فطرته، وإذا فسدت الفطرة اختل ذلك، وقد فطر الله الجنس البشري من بدايته على محبة الأوطان وبالأخص إذا تضمنت ذكريات نافعة في التاريخ، وإن هذه الأرض المقدسة التي هي بلاد الشام واكبت نشأة البشر وتطور حياتهم على هذه الأرض؛ فهي مبعث أكثر رسل الله، وما من رسالة سماوية جاء ذكرها في القرآن إلا وجاء الحديث عنها في بلاد الشام، وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث عن رسل الله الذين استقروا في بلاد الشام فأكثر الحديث عنهم، وذكر الحضارات التي دامت في أرض الشام، وبين أنها مهاجر أبينا إبراهيم عليه السلام وأنها خير مهاجرنا في آخر الزمان.

    وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه أنه بارك حول بيت المقدس، وبين أن بيت المقدس كذلك مقدس لأنه أضافه إلى المقدس أي: التعظيم والتقديس، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلق صلاح هذه الأمة بساكني تلك المنطقة؛ فقد أخرج الترمذي في السنن بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم )، فخير هذه الأمة في صلاح أهل الشام، وفسادها في فساد أهل الشام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الملاحم في آخر الزمان وأنها ستكون ببلاد الشام، فإن المسيح الدجال يخرج خلة بين العراق والشام فعاث يميناً وعاث شمالاً، وينزل المسيح بن مريم آخر الليل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق وقد أقيمت الصلاة، يمينه على ملك وشماله على ملك كأنما خرج من ديماس، إذا طأطأ رأسه تحدر منه مثل الجمان، وإذا رفعه تقاطر، فيدخل المسجد فلا يشك أحد أنه نبي الله؛ فيقولون: يا نبي الله، تقدم فصل، فيقول: (ما أقيمت لي) وإمامكم يومئذ منكم، وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المسيح بن مريم سيدرك المسيح الدجال عند باب لد فيقتله هنالك، وبين كذلك صلى الله عليه وسلم أن الملحمة التي ستكون مع اليهود في آخر الزمان ستكون في تلك المنطقة؛ فإنه بين أنه ستكون ملاحم في آخر الزمان مع اليهود، وآخرها الملحمة التي يتكلم فيها الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود، وكذلك أخرج البزار بإسناد فيه ضعيف ولكن له بعض الشواهد من حديث نهيك السكوني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لتقاتلن اليهود؛ فلتقتلنهم وأنتم شرقي نهر الأردن وهم غربيه )، قال: (ولا أدري ما الأردن يوم إذ) لم يكن يعرف الأردن يومئذ، وإنما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أن المسلمين عند قتالهم اليهود سيكنون شرقي نهر الأردن واليهود غربي نهر الأردن.

    الشام مسرى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام

    وقد خلد الله ذكر هذه الأرض بمسرى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد أسرى به من مكة في الثلث الأخير من الليل، في شهر رجب، فجيء بدابة فوق الحمار ودون الفرس، تضع حافرها حيث يبلغ بصرها، يقودها جبريل ، فركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقادها جبريل فأتى الشام فأدرك صلاة الفجر فصلى بالأنبياء هنالك، وقد أنزلت أرواحهم للصلاة وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو إمامهم في الدنيا والآخرة، وربط جبريل البراق عند باب من أبواب المسجد، ثم بعد أن انتهت الصلاة عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم ففتحت له أبواب السماوات السبع حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، وفرضت عيه الصلاة ليلة إذ ورجع إلى أهل مكة فأخبرهم بما أخبر به فصدقه أبو بكر رضي الله عنه وكذبه المشركون من أهل مكة؛ فكان ذلك تخليداً لذكرى بيت المقدس ولذكر الشام عموماً.

    الدلالة من كتب السابقين على انتشار المسلمين بالشام

    وقد كان في رسالات الرسل السابقين ما يدل على انتشار أتباع محمد صلى الله عليه وسلم بالشام، وحين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي بكتابه إلى هرقل سلمه لصاحب بصرى فأرسل به صاحب بصرى إلى هرقل ففتح خزائنه فأخرج صور الأنبياء، فكان يعرض عليه صورة بعد صورة، كلما عرض عليه صورة قال: هذه صورة صاحبك؟ فيقول: لا، حتى أخرج له صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فأكب على صورته يقبلها، فأخبره أنهم سيفتحون ذلك المكان وسيملكون موضع قدميه.

    معرفة نصارى الشام نعت عمر وفتحه بيت المقدس

    وكذلك فإن نصارى الشام كانوا يعرفون اسم عمر بن الخطاب ويعرفون صورته وأنه هو الذي سيفتح الشام على يديه، وعندما حاصر أبو عبيدة بن الجراح بيت المقدس ومدينة إيلياء خرج له أسقفها فقال: إنا لنعلم أن أتباع محمد هم يفتحونها، ولكني لا أرى صاحبي الذي ذكر عندنا، فقال: ما اسم صاحبك؟ فقال: اسمعه عمر ، فقال: وما وصفه؟ فوصف له عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: لن نسلم المفتاح إلا لهذا الرجل المكتوب عندنا، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فنادى مولاه بالجهاز فأخذ له سويقاً وماءً، وأخذ بعيراً؛ فكانا يقودانه فإذا تعب مولاه ركب وقاد به عمر وإذا تعب عمر ركب وقاد به مولاه، وليس لهما من الزاد إلا ذلك السويق والماء، حتى أتيا الجابية فخطب بها عمر خطبته المشهورة، وموضع خطبته معروف بالأردن، وقد حضرها عدد كبير من التابعين مع من شهدها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتواترت عن عمر خطبته بالجابية، وقد عرف فيها المسلمين فضل المرابطين في سبيل الله والمجاهدين فيه، وما ينتظرهم من الأجر يوم القيامة، وبين لهم عزة الإسلام وأهله، وبين لهم مكارم خلق المسلمين وما ينبغي أن يعاملوا به أعداءهم إذا ظفروا بهم وتغلبوا عليهم.

    مسيرة عمر إلى بيت المقدس وفتحه لها

    ثم انطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة والتابعون معه إلى بيت المقدس فهيئوا له لباساً جديداً فلبسه فلما لبسه لم يعجبه، وقال: ردوا إلي مرقعتي، وكان يلبس ثوباً قديماً قد رقع، فردوا إليه مرقعته فلبسها، ثم أتوه ببغل يركبه، فلما ركبه دار به فلم يعجبه ذلك، فقال: ما هذه الرفاهية! أين أنت يا ابن الخطاب من بعيرك! فدعا ببعيره فأتي به فركبه، فاستقبله أسقف النصارى فسلمه مفاتيح بيت المقدس، وعقد معه الصلح وكتب لهم وثيقة بالأمان على ديارهم وأموالهم وأهليهم، وعلى بيوت صلاتهم، وعلى الضيافة للمسلمين ثلاثة أيام وعلى حمايتهم، أن ترعاهم الدولة الإسلامية وتحميهم، وعلى أن يخلوا بين المسلمين وبين المسجد الأقصى وما حوله، وهذه الوثيقة ما زالت قائمة، وقد أشهد عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشهود من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتبوا توقيعهم بعد كتابة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، ومن أولئك أبو عبيدة بن الجراح و يزيد بين أبي سفيان بن حرب و شرحبيل بن حسنة و عمرو بن سعيد و عمرو بن العاص وعدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ثم كر عمر راجعاً إلى المدينة بعد أن أسس المسجد الأقصى على تأسيس سليمان بن داود عليهما السلام، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسجد الأقصى بني بعد مسجد مكة بأربعين سنة؛ فأول بيت وضع للناس هو المسجد الحرام الذي ببكة، والمسجد الأقصى بني بعده بأربعين سنة، وهذا يدلنا على قدم التاريخ هنالك، فأول حضارة البشرية كانت بمكة؛ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ[آل عمران:96]، بعد ذلك بأربعين سنة بني بيت المقدس، وهذا يدل على أن الملائكة بنته أيضاً لآدم كما بنت المسجد الحرام، وقد جدده الأنبياء من بعده؛ فبناه إبراهيم خليل الله ومنه انطلق إلى تجديد الكعبة، ثم بناه سليمان بن داود عليهما السلام، ثم بعد هذا جدده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعندما أراد تجديده أراد توسعته ليشمل المسلمين من الغزاة ومن يؤمن من أهل تلك البلاد؛ فسأل كعب الأحبار وكان معه: أين أجعل الصخرة من المسجد؟ فقال: اجعلها في قبلته، فقال: تلك من بقية الكتاب الأول، فجعلها عمر عند ظهر المسجد، ولم يجعلها في قبلته، وذلك مخالفة لليهود والنصارى، فإنهم يقدسونها، فجعلها عمر في مؤخرة المسجد، وجدد عبد الملك بن مروان هذا المسجد وأقام قبابه، وكذلك وسعه الوليد بن عبد الملك بعده، ووسعه المهدي ثالث خلفاء بني العباس.

    عناية ملوك المسلمين ببيت المقدس والفتح الثاني لصلاح الدين

    ولم تزل خلائف المسلمين في كل زمان تعتني به وتجدده وتدافع عنه، وقد وقع في أسر الصليبيين فاحتلوه في القرن الخامس الهجري، واستمر في أيديهم قرناً كاملاً حتى أخرجهم منه صلاح الدين الأيوبي ، وعندما أخرجهم منه سأل عن كتاب عمر بن الخطاب فطبقه عليهم مع ما عاثوا من الفساد ومع نكايتهم في المسلمين لم يؤاخذهم بشيء من ذلك، وإنما فرض عليهم الجزية أربعة دراهم على كل حالم أو كسوة، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاهدهم عليه، ورد عليهم كنائسهم وأملاكهم، وعندما صالحوه رد عليهم الأسرى والسبي أيضاً، وكانت معاملة المسلمين حسنة لهم، مع أنهم من الغزاة الذين أتوا من بلدان شتى، والحملة الصليبية التي احتلت بيت المقدس إنما خرجت من مدينة آخم في ألمانيا، وقد اجتمعت فيها جيوش أوروبا كلها للجهاد المقدس عندهم لاحتلال بيت المقدس، وقد احتلوا مناطق شتى من الشام وبقي فيها نصارى من تلك المناطق إلى الآن مثل عكا وغيرها من المناطق التي على ساحل الشام.

    إن الذين تركهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من النصارى ببيت المقدس قد أسلموا جميعاً على مر الزمان، حتى إن والي عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إليه: إن بيت المال قد أفلس لأن أهل الجزية قد أسلموا، فقلب عمر الورقة وكتب عليها: (بسم الله الرحمن الرحيم.

    أما بعد:

    فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم هادياً ولم يبعثه جابياً) فإسلام أولئك الذين كانوا يدفعون الجزية إلى المسلمين هو المقصد، فلم يسؤ أمير المؤمنين إسلام أولئك وما حصل لميزانية الدولة من النقص والتأخر والعجز في مقابل إسلام أولئك القوم.

    1.   

    الذكريات الإسلامية في أرض الشام

    استقرار الصحابة بالشام وانتشار المدارس الإسلامية فيها

    إن هذه الأرض ذات ذكريات كثيرة؛ فالذين استقروا فيها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد كبير؛ فقد أخرج إليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا الدرداء قاضياً ومفتياً، ثم أرسل قبيصة بن معبد بعده، وأرسل كذلك أبا إدريس الخولاني وعدداً كبيراً من المفتين والقضاة الذين أمرهم أن يظهروا العلم وأن يجلسوا لتعليم الناس، فاستقروا بتلك المناطق وكان الناس يأوون إليهم، وكانوا يعلمون الناس كلام الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، فاشتهرت المدرسة الشامية من مدارس الإسلام الراقية، التي تجمع صنوفاً شتى من أنواع العلم، واستمر ذلك طيلة الصدر الأول من تاريخ هذه الأمة، وشجعه خلفاء هذه الأمة، وبذلوا الأموال لطلاب العلم ووقفوا المدارس والأربطة في تلك المناطق كلها، وما زالت أوقافهم إلى الآن داثرة باقية، ثم استمر الحال في عهد التابعين أيضاً؛ فقد كان مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم منتجعاً علمياً للمسلمين من شتى أصقاع العالم، يتجهون إليه لدراسة العلم الشرعي.

    استمرار الرحلات بعد الصحابة إلى الشام

    وقد استقر في تلك المنطقة عدد كبير من أئمة التابعين مثل عبد الرحمن بن غنم و أبي إدريس الخولاني و سليم بن عتر وغيرهم من أئمة علماء الشام، ثم جاء بعدهم أتباع التابعين فاشتهر منهم عدد كبير من الذين استقروا بتلك المنطقة؛ فمنهم الإمام الأوزاعي ، ومنهم كذلك الوليد بن مسلم و عمرو بن خالد و إسماعيل بن عياش وعدد كبير من الأئمة، ثم بعدهم من أتباعهم عدد كبير كذلك، واستمرت حلقات هذه الأمة مستمرة في الشام وفي البلاد المقدسة، وسيستمر ذلك إلى نهاية الدنيا؛ فقد أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس )، وهذا دليل من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله قبض رسوله صلى الله عليه وسلم قبل فتح بيت المقدس بثلاث سنوات، ومع ذلك فقد أخبر بفتحه وباستقرار المسلمين فيه، وبما يشهدون من الفتوح، وقد صح عنه في الصحيحين أنه قال: ( تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون فيخرجون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيخرجون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيخرجون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون )، وقد اجتهد عدد من كبار الصحابة في الرباط في الشام، ومنهم بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اجتهد في أن يكون من المرابطين بالشام لما سمع من الفضل في الرباط في سبيل الله حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن المرابط في سبيل الله لا يختم على عمله ويأمن الفتان )، فكل إنسان إذا مات ختم على عمله لأنه تطوى صحائفه، إلا من مات مرابطاً في سبيل الله؛ فإنه لا يختم على عمله، بل تكتب له الملائكة ما كان يفعل، ويأمن الفتان؛ فلا يخاف فتنة الموت ولا فتنة القبر ولا عذاب القبر.

    انطلاق الفتوحات الإسلامية من الشام

    إن هذه الأرض التي تحوي هذه الذكريات كلها هي قلب الأمة الإسلامية النابض ووسطها الحي المتحرك؛ ولذلك انطلقت منها الفتوح الإسلامية إلى أماكن شتى من العالم؛ فهذا المكان الذي أنتم فيه إنما دخله الجيش الشامي تحت إمرة عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه عام 66 من الهجرة، وقد خرج عقبة من دمشق حين أمره الوليد بن عبد الملك على جيشه المتجه إلى جهة الغرب، ومن ذلك المكان أيضاً انطلق فتح مصر، ومنه انطلق فتح قبرص الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ناس من أمتي ملوك على الأسرة.. )، أو: ( كالملوك على الأسرة يركبون ثبج هذا البحر، هم في الجنة، فقالت أم حرام بنت ملحان : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم نام فاستيقظ يضحك فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما يضحكك؟ قال: ناس من أمتي ملوك على الأسرة.. )، أو: ( كالملوك على الأسرة يركبون ثبج هذا البحر، هم بالجنة، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين )، فكانت غزوتان على ثبج البحر إلى قبرص، أولاهما يقودها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وفيها أم حرام بنت ملحان ، ووقعت عن دابتها بقبرص فماتت شهيدة في سبيل الله، ودفنت في قبرص، ومن ذلك المكان انطلق جيش محمد الفاتح ، الذي فتح القسطنطينية، وهي مدينة هرقل التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تفتح أولاً، أي: قبل رومية، قال: ( فلنعم الجيش جيشها ولنعم الأمير أميره )، وفي رواية: ( فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش جيشه )، فذلك الجيش انطلق من الشام وحاصر القسطنطينية حتى فتحها، وكانت الجيوش الشامية تحاصرها من قبل؛ فقد حاصرها الجيش الذي فيه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ومات هنالك فأوصى قائد الجيش يزيد بن معاوية إذا هو مات أن يحمله على فرسه وأن يدعها تستن يوماً في أرض العدو، فإذا غربت الشمس دفنه؛ فإن المسلمين سيقاتلون حتى تطأ سنابكهم الموضع الذي دفن فيه، فدفنه عند سور القسطنطينية وإلى الآن مسجده وقبره هنالك بإسطنبول.

    كذلك من ذلك الموقع انطلقت الجيوش الفاتحة إلى النوبة وإلى برقة، ومنه انطلق جيش ذات السواري، وهو أول غزو بحري ظفر فيه المسلمون بقيادة عبد الله بن أبي سرح أخي عثمان بن عفان لأمه، أمه بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب توأمة عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الشام أيضاً كانت بعد هذا معارك كبيرة؛ ففي ذلك المكان صد التتار في المعركة الفاصلة، وفيه كانت معركة عين جالوت، والمواقع التي جاءت بعدها؛ فكلها كانت بذلك الجيش الشامي ومن تلك المنطقة المباركة.

    استقرار خلافة آخر الزمان ونزول المسيح بن مريم فيها

    ويكفي ذلك المكان شرفاً أن خلافة آخر الزمان ستسقر فيه، وينزل فيه المسيح بن مريم ويجتمع عليه أهل الإيمان، ومع هذا فإن هذه الأمة لابد أن تبتلى على دينها وتمتحن، وقد خلق الله اليهود للأذى والشر؛ فجعلهم سرطاناً في جسم البشرية، وجبلهم على الشرور، وأجراها على أيديهم، ومع ذلك تعهد لهم بمن يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ[الأعراف:167].

    1.   

    الصراع مع اليهود في أرض الشام وحشرهم إليها

    وقد جعل الله أرض الشام مأوىً لليهود في آخر الزمان، يجتمعون إليها من مختلف أصقاع الأرض، يحشرون إليها لتكون المعركة الفاصلة بينهم وبين المسلمين فيها؛ ولذلك قال الله تعالى عندما أخرج بني قينقاع من المدينة: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ[الحشر:2]، أي: لأول حشر اليهود إلى الشام، وكذلك فإنه قال في خواتيم سورة الإسراء: وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ[الإسراء:104]، وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ[الإسراء:104]، أي: من بعد موسى ، لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ[الإسراء:104]، أي: تفرقوا في مشارقها ومغاربها، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا[الإسراء:104]، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ[الإسراء:104]، أي: إذا اقترب أوان قيام الساعة، جِئْنَا بِكُمْ[الإسراء:104] أي: باليهود، لَفِيفًا[الإسراء:104]، فجمعناكم إلى الشام من كل مكان.

    الوعد الإلهي بقيام دولتين لليهود في الشام

    وقد وعد الله اليهود بالوعد الذي سمعتم في آيات سورة الإسراء بقيام دولتين لهم.

    قيام الدولة الأولى لليهود

    وقد قامت الدولة الأولى عندما فرض الله عليهم دخول أريحا مع موسى و هارون فامتنعوا من دخولها وقالوا: إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ[المائدة:22]، ولما راجعهم موسى عليه السلام قالوا له: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[المائدة:24]؛ فكتب الله عليهم التيه أربعين سنة يتيهون في الأرض، ثم بعد ذلك أذن لهم في دخول الأرض المقدسة التي كتب الله لهم؛ فقامت دولتهم الأولى عندما بعث الله داود عليه السلام نبياً ملكاً، وقام بالأمر بعده ابنه سليمان ، ثم بعده أيوب و ذو الكفل ثم عندما بغى ملوك بني إسرائيل في الأرض وأفسدوا فيها سلط الله عليهم عباداً من عنده أولي بأس شديد؛ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا[الإسراء:5]، فأسقطوا دولة بني إسرائيل وأذلوهم بأنواع المذلة والهوان، وكتبت عليهم الذلة والمسكنة، وأخرجوا من الشام وتفرقوا في أصقاع البلاد.

    قيام الدولة الثانية لليهود وطريقة قيامها

    ثم بعد ذلك قامت دولتهم الثانية في زماننا هذا، وهي التي شهدتم قيامها، ولم تقم إلا بمؤامرات وكيد من كيد اليهود؛ فهم قوم بهت، وقد خططوا لقيامها وعقدوا كثيراً من المؤتمرات من أجلها، وعرفوا أنه لا يمكن أن تقوم لهم دولة في الشام في الأرض المقدسة إلا بعد سقوط الخلافة الإسلامية؛ فما دام للمسلمين رمز يلتفون حوله ويحمي بيضتهم ويتولى القيام بأمور دينهم، ويعلم الناس أنه النائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حماية الدين وسياسة الدنيا به لا يمكن أن يسلم بيت المقدس لليهود؛ فاليهود يعلمون جداً أنه مادامت للإسلام دولة لا يمكن أن يصلوا إلى ما يريدونه، فلذلك بدءوا في البداية بالتسلل إلى الدولة العثمانية؛ فاستقر يهود الدونمة في الأستانة، وكانوا خدماً في البداية في قصور العثمانيين، وعندما انشغل بنو عثمان بأمور الدنيا والملاهي استطاع اليهود الوصول إلى قصورهم والتغلغل في أحكامهم، حتى كان منهم مصطفى كمال أتاتورك الذي أسقط الخلافة بانقلاب عسكري وسعى لتحطيم الأسطول الإسلامي الذي كان يغزو مشارق الأرض ومغاربها؛ فحطم الجيش الإسلامي كله في معركة تحطيم الأسطول، التي كانت بألبانيا، وقد قتل فيها عدد كبير من مقاتلة المسلمين، وأخذ ثمانية آلاف فذبحوا بالسكاكين كما تذبح الشياه، وأدبرت الخلافة عن شرق أوروبا، ووقع شرق أوروبا وغربها في أيدي ملوك أوروبا، ثم كانت الهزيمة شاملة في الحرب العالمية التي أدت إلى قوة الغربيين على الدولة الإسلامية وضعف هذه الدولة، وضعف سلطانها على البلاد الإسلامية التابعة لها، وحينئذ انقض هؤلاء على الخلافة فأسقطوها بانقلاب عسكري وغيروا كل شيء حتى الأذان، حتى أذان الصلاة جعلوه باللغة التركية بدل العربية، ولو استطاعوا أن يمنعوا المسلمين من الصلاة لفعلوا، وأقاموا المدارس في المساجد فلم يستطيعوا أن يجعلوها كنائس أو بيع في البداية، بل جعلوها مدارس نظامية ثم حولوها إلى مراقص وملاه، وما زال كثير منها كذلك إلى وقتنا هذا.

    تسليم بيت المقدس لليهود بعد سقوط الخلافة العثمانية

    وبعد أن سقطت هذه الخلافة كان الغربيون بالمرصاد لتحقيق وعودهم لليهود بأن يسلموا إليهم بيت المقدس، وفي مذكرات السلطان عبد الحميد أنه عرض عليه بيع بيت المقدس أو أي موضع من الشام تقوم فيه دولة لليهود، فقال: لو أعطيتموني كل ما في خزائن أوروبا لم أكن لأتنازل عن شبر واحد من الأرض المقدسة، فقالوا له: ولو كان ثمن ذلك خروجك من الحكم؟ قال: نعم، أخرج من الدنيا كلها ولم أخن المسلمين، وعندما انعقد مؤتمر "يالتا" واتفق فيه الغربيون على توزيع تركة الرجل المريض ويطلقون هذا الاسم على الدولة العثمانية كان بيت المقدس من حظ البريطانيين، وكان وزير خارجيتهم المسمى بلفور قد عاهد اليهود على أن يقيم لهم دولة هنالك، ولم يكن ليقيمها حتى يشتت المسلمين؛ فكان أول من دعا للقومية العربية، فأول من دعا لإقامة القومية العربية ولإقامة الجامعة العربية هو بلفور ، وهذا ثابت في التاريخ لا يستطيع أحد إنكاره، فدعاهم إلى أن يكون للعرب مملكة مختصة ووعد بأنه سيولي عليها عبد الله بن الحسين دعاه إلى الشام فأمره إمارة زائفة، ثم سرعان ما اغتيل الرجل وولى أخاه فيصلاً على العراق أيضاً، وزرع بينهما العداوة والبغضاء وهما أخوان شقيقان؛ فكانت الحرب بينهما، وكذلك سعى لحصول الحرب بين عبد الله وبين حكام مصر وهم من بقية العثمانيين من آل محمد علي باشا ، ثم استطاع القناصلة الغربيون السيطرة على البلاد الإسلامية تباعاً؛ فكان القنصل الفرنسي هو الحاكم الحقيقي في تونس، وكان الباي يأتيه في الليل فيأخذ منه أوامر الغد، ما سيفعله غداً يأخذه من قنصل فرنسا في الليل، وكذلك كان الدايات في الجزائر في أيدي القناصلة الغربيين أيضاً حتى قررت فرنسا ضم الجزائر إليها بالكلية في عام1830م، فكان الاحتلال الحقيقي الذي أرادت منه فرنسا أن تستمر الجزائر جزءً لا يتجزأ من فرنسا وأن يبدل دين أهلها، وسعوا لذلك بمختلف الوسائل، ومن أعظمها الوسيلة الاجتماعية، حيث قالوا: خالطوهم الدم بالدم والهدم بالهدم، فحاولوا أن لا يكون بيت جزائري خالصاً، بل تكون أمه جزائرية أو أبوه جزائرياً والشق الثاني منه فرنسياً، وهذه الحيلة هي التي حاولوا تطبيقها عندنا في بعض المناطق، وبالأخص في بعض المدن الشمالية، حاولوا أن ينتشر المهجنون الذين آباؤهم من فرنسا وأمهاتهم من موريتانيا أو العكس؛ حتى يكون أولئك من لحمة الشعب ومن جنسه، ثم يسعون بعد ذلك للتمكين من خلال هؤلاء، لكن حفظ الله لدينه ضل مانعاً من تحقيق ما يريدون في مناطق شتى من الأرض؛ فالجزائر قام فيها اثنان وخمسون ثورة ضد فرنسا، وآخرها الثورة التي قادها الشيخ عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء؛ فقد كان الشيخ رحمه الله يقول دائماً في دروسه:

    شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب

    من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب

    وكان رحمه الله يحض الناس على التمسك بما كان لديهم حتى في الملابس والمآكل، وأن لا يلبسوا لباس الفرنسيين وأن لا يأكلوا طعامهم، وكذلك الحال بالنسبة للثعالبي في تونس، و للخطابي ومن معه في المغرب، ولعدد من الذين وقفوا ضد الاحتلال الغربي في البلدان المختلفة، واستطاع اليهود الوصول إلى الشام في البداية على شكل بعثات تجارية تقيم محلات تجارية، ثم يشتري أصحابها الأراضي الشاسعة من ضعفة النفوس، أصحاب المطامع، فيشترون منهم المزارع، وفي المزارع يقيمون القلاع والمعسكرات ويأتون بذويهم للاستقرار من غير رجعة، حتى اشتروا أرضاً واسعة سميت فيما بعد بــ(تل أبيب) واشتروا أراضي كثيرة كانت من الأوقاف الإسلامية، وقد باعها بعض المشيخة الذين وقعوا في مطامع الدنيا وحبها؛ فباعوا أوقاف الصحابة لليهود، نسأل الله السلامة والعافية! فاستطاع اليهود أن يجمعوا شملهم في تلك الأرض المقدسة، في البداية كانوا تجاراً ورعايا من رعايا الدولة، ثم بعد ذلك انقضوا عليها، وكانت هزيمة الجيوش العربية أمامهم سهلة؛ لاستقرارهم في الأرض ولضعف النفوس إذ ذاك فالجيوش العربية لم تقم على أساس الدين وإنما قامت على أساس قومية زائفة، فلذلك حصلت فيها الهزيمة بعد الهزيمة حتى تمكنوا من إقامة دولة كاملة في فلسطين.

    حدود مطامع اليهود

    لكن مطامع اليهود أكبر من هذا؛ فهم يريدون إقامة دولة إسرائيل الكبرى، التي هي ما بين النهرين، ما بين نيل مصر والفرات شرقاً، فيريدون أن تحتوي على نصف مصر ونصف العراق وعلى الشام كله في البقعة التي سيخرج فيها المسيح الدجال ، ويريدون أن تستمر جنوباً حتى تصل إلى المدينة المطهرة، مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسعون بمختلف الحيل والوسائل لذلك؛ فالحيلة العسكرية وأذى الناس ومضايقتهم والكيد لهم، والانتشار في شكل البعثات المتنوعة، كل ذلك من مكايدهم التي يريدون بها الوصول إلى أهدافهم.

    1.   

    المعاناة الفلسطينية من اليهود

    إنهم سعوا لمضايقة المسلمين في فلسطين حتى يهجروها ويتركوها، وقالوا: هؤلاء قوم لا يمكن أن يخرجوا من هذه البلاد إلا بعد كثير من أنواع الأذى؛ فسلطوا عليهم الكلاب المسعورة ووضعوا لهم السجون التي تفننوا فيها في أنواع التعذيب، وقتلوا مقاتلتهم ورجالهم وسبوا النساء، وذللوا الشيوخ والعجزة، وآذوا الناس بأنواع الأذى، فمن المعلوم أن سكان فلسطين يعتمدون في اقتصادهم على الزراعة وأغلبها على شجر الزيتون، فعادى اليهود شجر الزيتون وسعوا لقلعه بالكلية وجرفه بالجرافات، فيحرقون الغابة تلو الغابة من شجر الزيتون حتى يصبح الذي كان غنياً بالأمس فقيراً لا يستطيع أن يوفر لعياله معاشاً فيخرج من فلسطين إلى غيرها.

    أذية المرابطين في المسجد الأقصى

    وكذلك فإن أذاهم شمل كل من أتى إلى المسجد الأقصى بقصد التعبد فيه؛ فقد كان الناس من مختلف البلدان يأوون إلى المسجد الأقصى بقصد الرباط في سبيل الله في الثغر، والاستقرار في ذلك المسجد الذي هو أحد المساجد الثلاثة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى )، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة فيه خير من خمسمائة صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد المدينة ومسجد مكة، فكان كثير من فقراء المسلمين وزهادهم وعبادهم يستقرون بالمسجد الأقصى للعبادة، وقد اشتهر من أولئك إبراهيم بن أدهم الذي استقر واعظاً ومذكراً بالمسجد الأقصى زماناً طويلاً، وغيره من الزهاد كثير الذين كانوا من سكان بيت المقدس ومن المستقرين فيه، فسعى اليهود لأذى الناس والحيلولة بينهم وبين الوصول إلى المسجد الأقصى حتى يهجره الناس وحتى يترك بالكلية، ثم سعوا لإحراقه، وقد شب فيه الحريق المشهور في عام1967م ثم أقاموا تحته سلسلة من الأنفاق وصلت الآن إلى ستة، ويريدون زيادتها، ويريدون بذلك تصديع المباني القديمة حتى تسقط ويريدون إقامة هيكل مزعوم سيبنونه مكان المسجد الأقصى.

    وقد كان سكان تلك الأرض قوماً جبارين من ناحية القوة والشجاعة؛ فلذلك لا يمكن أن يستسلموا بحال من الأحوال؛ فعندما دخل اليهود المسجد الأقصى في عام 1967م وانهزمت الجيوش العربية شكل الشباب المسلم من طلاب الثانويات كتائب للدفاع عن المسجد الأقصى وكانوا إذ ذاك ثلاثمائة وخمسين شاباً، يتعاقبون على المسجد الأقصى لحمايته من اليهود، ففيه مائة في كل الأوقات تحامي عنه، فإذا جاء اليهود يريدون إحراقه قاتلوهم ونضوحهم عنه حتى يتراجعوا، فإذا انتهت فترة أولئك جاءت مائة أخرى، وهكذا استمروا بالحفاظ عليه حتى أيس اليهود منه في ذلك العصر، وقد كان الشيخ عز الدين القسام رحمه الله تعالى مثالاً يحتذى لدى الشباب المسلم في فلسطين؛ فقد دعا لإعلان الجهاد في سبيل الله ومقاومة اليهود، وأفتى بأن الكنائس التي يبنيها اليهود من جديد لا يحل إقامتها، وأن من باع لهم أرضاً فإنما يأخذه من السحت الحرام، وأفتى المسلمين بعدم جواز التعاون معهم بأي وجه من الوجوه؛ فاغتاله اليهود، ولما قتلوه كان ذلك سبباً لإشاعة دعوته وإعلاء ذكره، فالتف الناس حول اسمه وأصبح رمزاً للجهاد في سبيل الله والصمود في وجه الكافرين، وقد شكل المهتمون بالدفاع عن المسجد الأقصى كتائب سموها باسمه هو من ذلك العصر ولم تزل قائمة تقوى حيناً وتضعف حيناً إلى زماننا هذا، وقد قد سميت باسم عز الدين القسام .

    وكذلك فقد كان لعدد من العلماء والدعاة في تلك المنطقة مشاركات باهرة في الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حرمات المسلمين، فلم تزل المساجد محفوفة بعدد كبير من المصلين يمنعون اليهود من تدنيسها، ولما أراد اليهود إيقاع صلح مع المسلمين ليكون لهم مكان ضيق في مسجد الخليل، الذي في مدينة الخليل وفيه قبر إبراهيم عليه السلام، قالوا: دعوا لنا مكاناً ضيقاً نصلي فيه ويبقى المسجد للمسلمين، لم يقبل المسلمون ذلك وقالوا: هذا المسجد بيت الله، ولا يحل إسلام شيء منه لأعداء الله، ولا يمكن أن نترك اليهود يدخلونه؛ فنقم عليهم اليهود، وقد سمعتم قبل سنوات بالمذبحة التي كانت فيه عندما دخله أحد المتطرفين اليهود في وقت صلاة الفجر فرش الناس بالرصاص وقتل منهم مائة وسبعة وستين مصلياً في المسجد، ولا يزال عدوانهم مستمراً على هذا الحال.

    الإفساد الديني والخلقي لبنات المسلمين

    لكن أعظم عدوانهم في نفوس الفلسطينيين وأعظم ما يعانونه من كيد اليهود هو ما يتعلق بالإفساد الخلقي والديني؛ فإن اليهود سعوا لأخذ بنات المسلمين وإدخالهم في مدارس خاصة لتعليم مهنة السياحة كما يسمونها، وهي العمل في الفنادق والتدرب على البغاء والإفساد، وشكلوا نوادي لإفساد بنات المسلمين، ومع الأسف فقد بدءوا يصدرون ذلك إلى البلدان الأخرى، ومن كل بلد يأخذون طائفة من النساء اللواتي ليس لهن دين ولا خلق؛ فيدخلونهن في تلك المدارس لتعويدهن على البغاء والفساد، ومن المعلوم أن اليهود هم سادة ذلك وقادته وأساتذته في العالم، ولذلك سمعتم في العام الماضي أن وفداً منهم هنا سعى لإغواء مجموعة من الفتيات وكتب أسماءهن وأخرج لهن تآشير للذهاب بهن إلى هنالك، وقد ذهب بعضهن بالفعل، نسأل الله السلامة والعافية!

    زرع العملاء في الوسط الفلسطيني

    كذلك فإن معاناة الفلسطينيين أيضاً في الجانب الديني عظيمة؛ فإنهم يحاولون إفساد الناس من خلال شراء ضمائرهم، وقد وضعوا خطة لئلا يبقى بيت من المسلمين إلا واخترقه اليهود بإنسان عميل لهم فيه، ولذلك عانى المسلمون كثيراً من هؤلاء الجواسيس الذين يزرعهم اليهود في بيوتهم، حتى استصدروا فتاوي من عدد من العلماء بإباحة قتل أولئك والتخلص منهم حتى لو أظهروا الإسلام وهم غير مسلمين؛ لأنهم من الموالين لليهود، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَهمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[المائدة:51].

    الوحشية في سجونهم

    كذلك من معاناتهم سجونهم، كما معروف في العالم لا يشبهها شيء من سجون العالم؛ فالسجناء كل يوم يخضعون لأنواع التجارب، تجرب عليهم الأمصال والميكروبات والفيروسات تزرع في أجسامهم، ويزرع في أجسامهم الأجهزة؛ فكم من إنسان منهم نوم وأقيمت له عملية جراحية وزرع بداخل جسمه جهاز للتصنت، وكم إنسان منهم سرق بعض أعضاء جسمه؛ فيعطى طعاماً فيه بانجو مخدر، فإذا نام نقل إلى مستشفى وأجريت له عملية جراحية وسرقت كليته أو جزء آخر من أجزاء بدنه؛ فهذا النوع من المعاناة كثير منتشر، بالإضافة إلى انتشار الرذائل كلها؛ فهم يحقنون السجناء وطلاب المدارس بفيروس السيدا، مثل ما يحقن الناس بالحقن التي هي ضد الأمراض هم يحقنون بالحقن التي تتضمن هذه الفيروسات وهذه الأمراض.

    مصادرة اليهود للأوقاف والمدارس الإسلامية وتهجير الفلسطينيين

    كذلك فمن معاناة هؤلاء مصادرة اليهود لكل الأوقاف الإسلامية ولكل المدارس وسعيهم لإغلاقها جميعاً، وحيلولتهم بين الفلسطينيين وبين أي إنتاج مادي؛ فإذا نجح فلسطيني في محل تجاري فلابد أن يغلق ذلك المحل، وإذا كان له مصنع فلابد أن يغلق ذلك المصنع؛ ومضايقتهم في معاشهم بكل أوجه ذلك، لعلهم يخرجون من تلك البلاد ويتركونها لليهود؛ ولذلك خرج من فلسطين أعداد كبيرة من سكانها، وتفرقوا أيادي سبأ في أنحاء الأرض، وما من شيء أشد على الإنسان بعد الموت من الجلاء، فالجلاء أخو الموت، واليوم لا توجد دولة من أنحاء العالم إلا وفيها عدد من الذين أجلوا من فلسطين من سكانها، تشرذموا في الأرض وتفرقوا فيها أيادي سبأ، وأعرف أسراً فلسطينية لم تجتمع قط، لم يجتمع شملها منذ خرجت من بلادها؛ فقد تفرقت في مشارق الأرض ومغاربها، وتمكث السنوات ولا يدري أفراد الأسرة أين بقيتهم، هذا بالإضافة إلى الدعايات المغرضة والأفلام المشوهة للإسلام، وتسليط وسائل الإعلام عليهم، كل ذلك من الكيد والمعاناة التي يعانونها هنالك.

    1.   

    صمود الشعب الفلسطيني في وجه اليهود

    ومع كل هذه الأنواع من أنواع الكيد والمعاناة ما زال هذا الشعب أبياً إلى يومنا هذا الذي وقع فيه عمليتان سمعتم بهما، فهذا الشعب لا يستسلم للمصائب والمحن؛ بل يبقى صامداً، لا يضره من خالفه ولا من خذله حتى يأتي أمر الله إن شاء الله، وذلك انطلاقاً من عقيدته؛ فالذين كانوا من قبل يقاتلون تحت شعار المقاومة وتحت الشعارات الوطنية والعرقية قد أثبتوا فشلهم وأصبحوا يرتمون في أحضان اليهود ويبحثون عن السلام الذي هو الاستسلام ولم يكن لهم أي دور في هذا الجهاد وهذه الانتفاضة، وإنما أثبت أولئك المؤمنون الذين لا ينطلقون إلا من عقيدة الإسلام ولا يجاهدون إلا تحت لواء محمد صلى الله عليه وسلم مصداقية في جهاد اليهود؛ فهذا الشيخ الكبير المشلول الذي لا يتحرك منه إلا لسانه مع ذلك ما زال يرعب اليهود بكلامه، وإذا تكلم كلمة واحدة قام لها أعداد كبيرة من الشباب المسلم فنفذوها، وهو يحمل إلى الصلاة ولا يستطيع أن يوجه نفسه حتى في الصلاة، ويخافه أعداء الله الذين يملكون كل وسائل القوة، وكذلك كثير من إخوانه الذين لا يعرفون، فهم من الأخفياء الذين نذروا بقية أعمارهم للجهاد في سبيل الله والمرابطة في تلك البلاد والصبر والمصابرة حتى يفتح الله بينهم وبين أعدائهم، وقد أخبرنا الشيخ صلاح الدين أنهم هنالك عندما بحثوا عن العلماء والذين يوكل إليهم تعليم الشباب والحفاظ على الدين وجدوا أعداداً هائلة من المختفين الذين لا يريدون أن يعلم بهم في الإعلام ولا أن تشتهر أسماؤهم ولا أن يعرفوا، وإنما نذورا أنفسهم للمرابطة في سبيل الله وتعليم الناس هنالك.

    استمرار المواجهة وابتكار العمليات الاستشهادية

    إن هؤلاء القوم الذين يعانون كل هذه المعاناة مع هذا ما زال يخرج منهم الفتيان الذين هم في مقتبل العمر ويفجرون أنفسهم في العدو بما وقفت البشرية كلها دونه؛ فالحروب التي قامت في تاريخ البشرية إنما تعرف بالمواجهات بين الجيوش أو بحروب العصابات والقناصة، أما حروب التفجير بالعمليات الاستشهادية فأول من ابتكرها هذا الشعب الفلسطيني؛ ولذلك فإن انتفاضتهم الأولى هزت كيان اليهود حتى قبلوا بالانسحاب من بعض المدن الفلسطينية، لكن تلك الانتفاضة كان سلاحها الرمي بالحجارة فقط؛ ولذلك سرق آثارها وثمارها أدعياء السلام ودعاة الاستسلام، ثم جاءت هذه الانتفاضة الأخيرة وسلاحها العمليات الاستشهادية، وستستمر إن شاء الله تعالى هذه العمليات لأنها مصداق لوعد الله فقد قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ[الأعراف:167]، ولا يخلف الله وعده.

    1.   

    الحروب مع اليهود التي دلت عليها النصوص

    إننا نؤمن بأن المؤمنين لا يمكن أن تكون لهم قوة ولا مكان إلا بالجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وقد أخرج أبو داود في السنن و أحمد في المسند من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رضيتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر، وتبايعتم بالعينة، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )، والمقصود بالدين الذي يرجع إليه هو ما ترك وهو ما ذكره صلى الله عليه وسلم في قوله: ( وتركتم الجهاد )، وعزة المسلمين هي بالجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ولا ينظر في ذلك إلى العدد والعدد، بل النظر فيه إلى الإيمان؛ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[البقرة:249]، وباستقراء النصوص تبين أنه سيقوم في فلسطين حربان عظيمتان:

    الحرب الأولى عند توسع اليهود إلى المدينة

    أولاهما: عندما يريد اليهود احتلال الشام كله والخروج إلى المدينة، وتدل النصوص على أنهم ربما ضربوا المدينة بالغازات السامة التي لا تهدم المنازل ولا تهلك الشجر والزرع، ولكنها تهلك الأحياء؛ لحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لتتركن المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي )، قيل: وما العوافي يا أبا هريرة ؟ قال: السباع، ( حتى يأتي ذئب أبيض لا يرده أحد حتى يغذي على المنبر )، أي: حتى يبول على المنبر، وآخر من يدخلها راعيان من مزينة ينعقان بغنميهما حتى إذا بلغا ثنية الوداع انكبا على وجوههما، وفي الحديث الآخر: ( خراب المدينة فتح بيت المقدس )، وفي رواية: ( خراب يثرب فتح بيت المقدس، وفتح بيت المقدس فتح رومية، ويخرج الدجال في السابعة )، وفي رواية: ( في الثامنة )، فإذا خرج اليهود في مخرجهم هذا لا يمكن أن يقف في وجوههم إلا الخلافة الإسلامية التي ستبدأ أولاً من الحجاز عندما يجتمع أهل الحجاز على رجل منهم فيبايعونه فيقاتل اليهود، وسيظفر بهم، ويأتي بعده ذو العصب وهو الذي تأتيه عصائب من الشام، يأتيه عصائب من العراق والشام، ومن مشارق الأرض ومغاربها، فيفتح بيت المقدس، ثم يستمر الخلفاء وهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، وفي آخرهم عهداً ستفتح رومة وهي روما، ولا ندري ما يفتح معها من البلاد فلم يخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الحرب الثانية عند التفافهم حول الدجال

    إذا فتحت روما فسيمكث المسلمون بعد ذلك سبع سنوات ثم يخرج المسيح الدجال ؛ فيجتمع عليه فلول اليهود من جديد، وإذا اجتمعوا عليه بدأت الحرب الثانية مع اليهود، وهي التي ينزل فيها المسيح بن مريم ولا يحل لكافر أن يجد ريح نفسه إلا ذاب كما يذوب الملح في الماء، وإن نفسه ليبلغ حيث يبلغ بصره، وسيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقتل اليهود ويتكلم الشجر والحجر في أيامه: يا عبدالله يا مسلم، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، وحينئذ ستطهر الأرض من رجز اليهود جميعاً، ولن تبقى لهم بقية بعد ذلك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا فيما أخرج البخاري و مسلم في الصحيحين في قوله صلى الله عليه وسلم: ( لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الشجر والحجر: يا عبد الله يا مسلم، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود )، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تفسير آيات الإسراء عن دولتي اليهود

    إن هذا الوعد واضح جداً في الآيات التي سمعتم في سورة الإسراء؛ فقد قال الله تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ[الإسراء:4]، وذلك بإقامة دولتين لليهود، وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا[الإسراء:4]، وقد بين أنهما ليستا في زمان واحد حيث قال: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا[الإسراء:5] أي: وعد انقراض أولاهما، أي: دولة اليهود الأولى، بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ[الإسراء:5]، وهذا يشمل بختنصر ومن معه من الذين كانوا سبباً في إسقاط دولة اليهود الأولى، فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ[الإسراء:5-6]، والخطاب هنا للمسلمين، ثم رددنا لكم معاشر المسلمين الكرة عليهم، على أولئك القوم وهم البيزنطيون الذين جاءوا بعد اليهود في الشام، وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا[الإسراء:6]، وهذا حال المسلمين في الشام قبل مجيء اليهود، وخاطبهم الله بقوله: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا[الإسراء:7]، وقد كان تاريخ الإسلام مليئاً بذلك، كلما جاء الإحسان جاءت القوة والنصرة، وكلما جاءت الإساءة جاءت الهزائم، ومن ذلك مجيء هولاكو ومن معه من التتار، ثم مجيء جنكيز خان ، ثم ما بعد ذلك من الوقائع ومنها الطواعين الكثيرة؛ كطاعون عمواس وما وراءه من الطواعين، حتى مجيء اليهود، إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ[الإسراء:7]، أي: دولة اليهود الثانية، لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ[الإسراء:7]، أي: ليسوء اليهود وجوهكم معاشر المسلمين، وهذا ما حصل؛ فقد ساءونا والله، وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ[الإسراء:7]، أي: ليدخلوا المسجد الأقصى بالاحتلال كما دخلوه أول مرة في دولتهم الأولى، وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا[الإسراء:7]، أي: ليفسدوا ويهلكوا ما علوه من الأرض أو ما علوا أي: مدة علوهم تتبيراً، ثم رجع الخطاب إلينا معاشر المسلمين: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا[الإسراء:8]، أي: إن عدتم إلى الجهاد في سبيل الله عدنا إلى ما عودناكم من التمكين والنصرة، وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا[الإسراء:8].

    إن العاقبة محسومة، وما من كتاب من الكتب السماوية إلا وقد ذكرت فيه العاقبة والنهاية، وقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ[الأنبياء:105-106]، وبين الله سبحانه وتعالى ذلك في القرآن في كثير من آياته؛ حيث يقول الله تعالى: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[النور:55]؛ فلابد أن يحقق الله وعده ولابد أن يقع ما وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، لكن لا يمكن أن يكون التمكين إلا للأجيال التي تستحق التمكين، التي تتصف بصفات الذين يستحقون التمكين، وقد بين الله هذه الصفات في كتابه بقوله: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ[الحج:41]، وقد أخبرني قديماً أحد الأخوة من فلسطين أن يهودياً قال له: (إننا لا يمكن أن نخافكم ما دمتم كما نرى، فقال: ولم؟ قال: الذين سيتغلبون علينا نجد في وصفهم أنهم يملئون المساجد في صلاة الفجر كما تملأ يوم الجمعة)، وفي هذا الحج جاء أحد الإخوة من داخل فلسطين شهد معنا الحج فأخبرنا أن المساجد في كثير من المناطق أصبحت تمتلئ في صلاة الفجر كما يكون في الجمعة، وأن كثيراً منها يجلس الناس فيها بعد صلاة الفجر لاستماع الدرس إلى ظهور الشمس، فكان ذلك من المبشرات ولله الحمد.

    التمحيص قبل التمكين

    كذلك فإن التمكين الذي سيقع لابد قبله من كثير من التمحيص، فمتى فتحت الأمصار وهل فتحت إلا على الأشلاء وبعد قتل الرجال، ولذلك قال الله تعالى في سورة آل عمران: مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ[آل عمران:179]، وبين كذلك في تقويم غزوة أحد شيئاً عجيباً جداً لا يزال يتكرر في كل المشاهد؛ فالغزوات المشهودة في الإسلام تقوم في القرآن ويأتي بيان تقويمها من عند الله عز وجل؛ فقد قال الله تعالى في تقويم غزوة أحد: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ[آل عمران:139-140]، وهنا جاءت جملة اعتراضية غريبة وهي قوله: وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ[آل عمران:140]، لماذا جاءت هذه الجملة هنا؟ جواباً لسؤال قد ينقدح في الأذهان فيقال: جاء هنا ليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء معناه: أننا سيقتل بعضنا، وهذا تمكين من الله تعالى لأعدائنا فينا؛ فأجاب عن هذا التساؤل فقال: وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ[آل عمران:140]، حتى لو مكنوا من رقاب المسلمين، ولو قتلوا منهم ما قتلوا فلا يدل ذلك على محبة الله لهم، فلن ينصروا، وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا[آل عمران:140-141]، رجع السياق إلى ما كان عليه قبل مجيء الجملة الاعتراضية، وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ[آل عمران:141] في الأخير، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ[آل عمران:142-143]، وقد أخبرنا الأخ خالد مشعل عندما أرسل إليه اليهود من يريد اغتياله بأمر مصنع بدقة فائقة وأرادوا به قطع النخاع، فبمجرد ملامسة الشعاع لجسمه سينقطع النخاع، وإذا قطع قطعاً سيموت الإنسان في وقته، فلما جاء الرجلان وهما في صورة سائحين من كندا، بجوازين كنديين إلى عمان، ولقيا الشيخ وأطلقا عليه الشعاع أصاب طرف أذنه وطرف رأسه ولم يصل إلى مقتل منه ولله الحمد، لكنه أغمي عليه من حينه؛ فقام حارسه فطاردهما حتى أمسكهما بالقوة، وكاد الناس يفصلوه عنهما؛ لأنهم لا يظنون أنهما من اليهود المعتدين، فلما تمكن منهما وأمسك بهما أخذ الجهاز الذي معهما فأقرا بكل المؤامرة، فلقيناه بعد هذا فسألناه عن الواقعة؛ فقال: لم أصل بعد إلى مقام الشهادة، وهذه كلمة بليغة، فالرجل يطلب الشهادة ويتمناها في كل أوقاته، لكنه يظن أن مقامه في الإيمان لم يصل بعد إلى المقام الذي ينال به الشهادة في سبيل الله، وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ[آل عمران:140-143].

    إن هذا التقويم العجيب لغزوة أحد لا يزال يتكرر كذلك فيما يأتي من المصائب التي تشبهها، التي يقتل فيها عدد كبير من المجاهدين في سبيل الله وتشتد النكاية فيها بالمسلمين، ويشتد حرب أعداء الدين، وكلبهم على المسلمين، وتزداد قوتهم، في كل ذلك تأتي حكمة الله سبحانه وتعالى كما كانت يوم أحد، وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ[آل عمران:140-141]، لابد أن يتكرر هذا التقويم في كل الأوقات.

    1.   

    إفساد اليهود في الأرض قبل سقوط دولتهم

    إن اليهود يعلمون كغيرهم عاقبة الأمر ومآله، ويتوقعون سقوط دولتهم في سنة 2028م، وكثير منهم يتكلم في ذلك ويكتبه، لكنهم يقولون: قبل أن تسقط دولتنا لابد أن نفسد هذه الأرض وأهلها، وهذا مصداق لقول الله تعالى: وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا[الإسراء:7]، إن السعي للفساد لم يقتصروا به على فلسطين وحدها بل أرادوا به أن ينطلق في مشارق البلاد الإسلامية ومغاربها، وأغرب ما سمعت من ذلك كنت قبل أسبوع في القاهرة، فلقيت أحد العلماء فأخبرني أن قريباً له من المهندسين الكبار في مصر كان يريد شراء أرض زراعية فاتصل بوزارة الزراعة؛ فطلب خبيراً يقوم له الأرض حتى يعلم هل تصلح له أو لا، ففوجئ أن الخبير الذي أتاه هو قائد المدفعية الإسرائيلية في حرب أكتوبر1973م حرب رمضان، وكان قائد المدفعية قد أسر في كتيبته كاملة، أسره المصريون إذ ذاك، ومكث فترة لدى أهل مصر وهم يعرفونه جيداً، فسأله فقال: أنت فلان؟ ما جاء بك هنا وأنت قائد عسكري إسرائيلي، قال: تركت تلك المهنة واشتغلت بالزراعة، وأن الآن خبير فيها ومعي خبراء نعمل هنا في مصر، وقد نصحه أن لا يشتري تلك الأرض ودله على أرض أخرى وأعطاه عنوانه، وهو يعرف مكانه ويعرفه كما يعرف أصابعه، وأخبر أن الخبراء الزراعيين الصهاينة في مصر قد تفرقوا في جنوبها وشمالها ومشارقها ومغاربها، وأغلبهم من قادة الجيوش أو من المجندين السابقين.

    المسميات والأغطية التي يفسدون باسمها

    ومثل ذلك البعثات الطبية التي ترسل في أنحاء العالم أغلبها من الجيش الإسرائيلي، لا من الأطباء ولا من الخبراء، والاستشاريون في مجال الزراعة وغيره هم من العسكريين لا من الخبراء؛ فالذين أتوا إلى هذه البلاد من أطباء العيون لا يحمل أحدهم شهادة في الطب، بل هم من أفراد الجيش أو الأمن، وكذلك الخبراء الزراعيون هم نظير أولئك أيضاً، هم من أفراد الجيش أو الشرطة، وليس هذا مختصاً بالبعثات التي تتجه إلينا، بل البعثات التي اتجهت إلى أماكن مختلفة من العالم كان فيها هذا، بل الأغرب والأنكى أن رجلاً فلسطينياً كان قبل سنوات أسيراً لدى اليهود في أحد السجون، فكان يعذبه أحد القادة صباح مساء؛ فكان يعرفه جيداً، خرج هذا الفلسطيني من السجن وخرج من فلسطين وذهب إلى المدينة النبوية وكان يعمل فيها، فوجئ ذات يوم بخبير يعمل معه في المؤسسة التي يعمل فيها، فنظر إليه وردد إليه النظر فعرفه فقال: أنت فلان؟ فقال: أجل، فتذكر أنه القائد الذي كان يعذبه في السجن قبل سنوات، فصاح به فرفعت القضية إلى الحكام فأخرجوه من البلاد وإذا هو قد انتحل جنسية أخرى وجاء بجنسية غربية ليعمل في السعودية، وهو قائد من قادة الشرطة الذين كانوا يعذبون الفلسطينيين في السجون، وما عرفه إلا أحد ضحاياه الذين كان يعذبهم من قبل، وهذا يدلكم على مكر هؤلاء القوم وكيدهم، وانتشاره في كل الأنحاء.

    سرقة اليهود من الفنادق التي ينزلونها

    بل من الغريب أيضاً أن السواح منهم الذين استقروا في الفنادق في عمان أخبرني بعض الإخوة الصادقين المعروفين أنهم سرقوا اللوحات من الفنادق، وسرقوا بعض التجهيزات التي توجد في غرف الفنادق، وخرجوا بها، فأصحاب الفنادق الآن في عمان وغيرها من البلدان في الأردن لا يؤجرون لمن عرفوا أنه إسرائيلي، ليس خوفاً على الدين ولا على العرض ولكن خوفاً من السرقة؛ لأنهم مفسدون، وقد حصل نظير هذا أيضاً في الدوحة لوفد من تجارهم الكبار الذين هم من رجال الأعمال والأغنياء الذين لا يظن بهم سرقة توافه الأمور عندما حضروا مؤتمر الاقتصاد العالمي في الدوحة نزلوا في فندق - وهم من كبار التجار ورجال الأعمال - فإذا هم يسرقون أدوات الفندق، ولا يقصدون بذلك إلا الإفساد في الأرض.

    1.   

    انخداع بعض المسلمين باليهود والموقف الصحيح منهم

    إن هذا لا يستغرب من قتلة الأنبياء ومن أعداء الله ورسله ومن أعداء كتب الله ومن أعداء البشرية كلها، لكن الذي يستغرب أن ينخدع بهم قومنا من المسلمين الموحدين الذين يرجون أن يبعثوا تحت لواء محمد صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ[الإسراء:71]، ولا يرجون بديلاً عن ذلك أبداً، ومع هذا يخدعون بهؤلاء الكفرة الفجرة، أعداء الله ورسله، إن هذا هو الذي يستغرب، وما كان لولا خديعة وسائل الإعلام وتركيز المناهج التي تبناها اليهود ونشروها في المدارس، فصنائعها وأبناؤها هم الذين ينخدعون بزخارف اليهود وبكيدهم، ولولا وسائل الإعلام التي يسيطر عليها اليهود لما انتشر هذا الكيد ولما استجاب له أحد؛ فأنتم تعرفون الناس قبل سنوات كيف كان القائد والمقود وجميع الناس يرون أن ما فعله السادات حين ذهب إلى اليهود فضيحة لا يمكن أن تغتفر بوجه من الوجوه، أليس كذلك؟ ألا تذكرون ذلك الأوان ما كان حاصلاً.

    دور وسائل الإعلام في التقريب بين اليهود والمسلمين

    الواقع أن وسائل الإعلام هي التي ما زالت تقرب الفجوة؛ فقديماً تربيتم أيها الكبار على التحدث عن الكيان الصهيوني، العدو الصهيوني، ثم بعد هذا ما زالت وسائل الإعلام تخفف العبارة حتى أصبحت اليوم دولة إسرائيل بعد أن كان يتحدث عنها بالكيان الصهيوني أو العدو الصهيوني أصبحت الآن دولة إسرائيل، ونسبت إلى نبي من أنبياء الله؛ فوسائل الإعلام دورها خطير جداً في إزالة العداوة والبغضاء التي هي من أصل الإيمان؛ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ[البقرة:120]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَهمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ[المائدة:51-52]، وهذا الذي يسميه الناس بالهرولة، يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ[المائدة:52]، يخافون من الضغوط، من ضغوط البنك الدولي، من ضغوط مؤسسة النقد الدولي، من الحصار الاقتصادي، هذه الدوائر التي يخافون منها، نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ[المائدة:52-53]، وبعد هذا يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[المائدة:57]، ويقول بعد هذا: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا[المائدة:78-82]، فهذه سنة الله الماضية، ومن يعرف هذا لا يمكن أن يرضخ لتلك الضغوط، لكن الذين لا يعرفون هذا ولا يدرسونه ولا يتدبرونه ولا يطلبون المأخذ من الوحي ولا من كلام الله ولا من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم سيتلقفون ما يلقيه الإعلام المأجور الذي يملكه الكفرة، وحينئذ سيفعل بهم الأفاعيل، ولهذا قال الشاعر أحمد مطر عندما ذهب السادات إلى اليهود في كامب ديفد، قال:

    الثور فر من حضيرة البقر

    فقائل لقد كفر وقائل إلى سقر وقائل قال: قضاء وقدر

    وقائل: اعطوه فرصة أخيرة لعله يرجع إلى الحضيرة

    وشكلت على الأثر محكمة ومؤتمر

    فهجروا مربضه واقتسموا شعيره

    وبعد عام حصلت حادثة مثيرة

    لم يرجع الثور ولكن خرجت في إثره الحضيرة

    فعلاً خرجت في إثره الحضيرة، فهذا لا يستنكر لمن لا يأخذ إلا من خلال الإعلام الذي يملكه هؤلاء، وقد رأيت لائحة بأسماء الصحف فقط التي يملكها اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها؛ فإذا هي عدد يفوت الحصر، وهذه الصحف هي التي تغذي الشارع وتكون الرأي العام، وهي التي ينخدع بها الذين ينخدعون بالحضارة الغربية، ويجعلونها مصادر معصومة للتلقي كما تأخذون أنتم من الوحي يأخذ هؤلاء من تلك الصحف التي يملكها اليهود، فمصداقية ما تنشره أية جريدة من جرائد اليهود أو مجلة من مجلاتهم أو وكالة إعلام تابعة لهم لدى أولئك القوم المهزومين هو مثل مصداقية ما أخرجه البخاري و مسلم في الصحيحين عندكم أنتم، إن هؤلاء القوم مهزومون فعلاً؛ ولذلك يأخذون ويتلقون من مصادر لا تصلح للتلقي فالذين يأخذون عنهم هم الكذبة الكفرة الذين قالوا: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا[المائدة:64]، وهم الذين قالوا: إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا[آل عمران:181]، وهم الذين ادعوا على الأنبياء وآذوهم حتى قال لهم موسى كليم الله: يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ[الصف:5]، وهم الذين اتخذوا العجل وعبدوه من دون الله وما زالت ثيابهم مبللة من آثار عبور البحر بعد أن أنجاهم الله من فرعون وجنوده، فأولئك القوم هم مصدر التلقي عند طائفة من قومنا مع الأسف! والغريب أنهم يشهدون على أنفسهم يوم القيامة أنهم لا يسمعون ولا يعقلون، ومع ذلك يقلدهم الذين يدعون أنهم يسمعون ويعقلون؛ فقد قال الله تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ[الملك:10]، فهم يقولون عن أنفسهم: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ[الملك:10]، كيف يرضى العاقل المؤمن الموحد الذي ينتمي لخير أمة أخرجت للناس أن يكون تابعاً لمن يشهد على نفسه أنه لا يعقل ولا يسمع وهو من أصحاب السعير، نسأل الله السلامة والعافية!

    تباين مواقف الناس مما يجري في فلسطين

    ما كنا نقوله من معاناة إخواننا في فلسطين ومن مكايد أعدائنا اليهود ليس تاريخاً يسمع لمجرد السماع ولا كلاماً إعلامياً تتناقله وسائل الإعلام، وإنما هو دروس وعبر وامتحانات من الله تعالى لكم، وسيكون الناس فيها على أربعة أقسام:

    القسم الأول: أهل الإيمان والاستسلام والتصديق، الذين يقولون: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا[الأحزاب:22-23].

    القسم الثاني: المخذلون، الذين ضعف إيمانهم فأرادوا أن يحولوا بين المؤمنين وبين إعلاء كلمة الله، وهؤلاء بين الله تعالى موقفهم بقوله: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا[الأحزاب:13]، وقال: قَدْ يَعْلَمُ اللهُ المُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا[الأحزاب:18-19].

    الموقف الثالث: موقف ضعفة الإيمان الذين انكفأوا على مصالحهم وتركوا مصالح الدين، رجعوا لإصلاح بيوتهم وأعمالهم ومتاجرهم ومزارعهم وتركوا إصلاح دين الله، وأحسن هؤلاء حالاً هو الذي يقول: (أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه) هؤلاء بين الله موقفهم بقوله: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْئُولًا[الأحزاب:13-15].

    الموقف الرابع: موقف الصرحاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض، الذين يقولون: مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا[الأحزاب:12]، وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا[الأحزاب:12]، فيزعمون أن هذا الدين لا يمكن أن تقوم له قائمة ولا أن يرتفع له لواء، وهؤلاء هم الظانون بالله ظن السوء، عليهم دائرة السوء؛ كما قال الله تعالى: وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ[الفتح:6]، وقد بين الله ظن السوء في قوله: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا[الفتح:12]، فأولئك يظنون أنه لا يمكن أن تقوم لهذا الدين دولة ولا أن يمكن له بوجه من الوجوه وأن الأمر لا يزداد إلا شدة، وذلك لانهزامهم أمام انتفاشة الباطل وانتفاخته، لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وللباطل صولة فيضمحل، وهي السنن، سنة الله الماضية.

    إن ما نقوله ونسمعه في هذا المجال ينبغي أن يكون دروساً وعبراً لنا؛ ليكون زاداً لنا على الصبر والمصابرة وزيادة في اليقين وتمكيناً للدين وتعاهداً على إعلاء كلمة الله ونصرته، وحذراً من موالاة اليهود والنصارى وحذراً من مكايدهم، وبراءة منهم بالكلية؛ كما كان أبونا إبراهيم عليه السلام، وقد جعلها كلمة باقية في عقبه وهي البراءة من أعداء الله؛ فهذه الكلمة الباقية في ذرية إبراهيم عليكم أن تأخذوا بها جميعاً؛ فهو أبوكم كما قال الله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ[الحج:78]، فهو أبو المسلمين جميعاً، من كان منهم من العرب فهو من ذريته، ومن لم يكن منهم كان نسبه إلى إبراهيم من ناحية الدين، ونسب الدين مقدم على نسب الطين.

    الدعوة إلى الموقف الإبراهيمي من اليهود

    فلذلك علينا أن نأخذ بملة إبراهيم في البراء من أعداء الله، وأن نحذر مكايدهم وأن ندرك ما يعانيه إخواننا وأن نتذكر حقوقهم علينا، وأن نعلم أن هذه الأمة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )، وقال: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، فلذلك لابد أن تتعاونوا مع إخوانكم المسلمين في فلسطين ولو بالدعاء والنصرة والتحدث بشأنهم والعناية بهم، وإن إخوانكم المجاهدين مما يثبتهم كلمة واحدة تصل إليهم من عندك، فبمجرد أن يعلموا أن لهم إخواناً يهتمون بشؤونهم ويدعون لهم ويسألون عن أنبائهم يشجعهم ذلك على التضحيات في سبيل الله؛ ولهذا فإن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: (ما ثبتني في الفتنة إلا شيخ كبير أتاني وأنا في الحديد تحت السياط؛ فقال لي: (يا أحمد ، إنك اليوم رأس؛ فإن صبرت على هذا الأمر قام أمر الدين وإن تراجعت تحت السياط وخفت خاف الناس وراءك؛ فاصبر لله) قال: (فثبتني الله بتلك الكلمات فلم أتراجع).

    1.   

    الدعاء للمجاهدين واستبشارهم به

    كذلك فإن إخوانكم المجاهدين في كل مكان يثبتهم الله تعالى بدعائكم واستنصاركم لهم، وبسؤالكم عن أحوالهم، ويفرحون فرحاً شديداً إذا علموا أن أهل مسجد في مشار الأرض أو مغاربها يدعون لهم، أو يسألون عن أنبائهم؛ ولذلك من الغريب الرسائل التي تصل منهم في الهواتف، وهذه إلى الآن بين أيديكم يأخذونها في الهواتف فيرسلونها تتحدث عن حالهم ويستوصون فيها بالدعاء؛ ولذلك أعرض عليكم رسالة جاءت هنا في هذا الجهاز من طرف أحد الناس، ما أدري أين وجد الرقم، وهو في الاتحاد السوفيتي، ما أدري في أية مدينة ولا في أية دولة، لكنه يذكركم بالدعاء لإخوانكم في الشيشان، هذه رسالة لكنها باللغة الإنجليزية من إخوانكم في أندويسيا، وكتبوا فيها معناها: (الدعاء لإخوانكم) وكتبوا فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقط هذا الذي كتبوه، ونحن لا نعرفهم ولا يعرفوننا، ولا نعرف أسماءهم ولا ندري من أين أتت، لكن رقم الهاتف الذي جاءت منه هي إندونيسيا، كذلك هذه الرسالة الأخرى التي فيها هذا، ولفظها: ( الله الله في الدعاء للمجاهدين في الشيشان! فأحد القادة محاصر الآن) هذه الرسالة جاءت في الجهاز، ولا ندري من أين أتت ولا من كتبها، وقد لا يعرف اسم صاحب الهاتف ولا يعرف من هو ولا في أي بلاد، لكنهم يرسلونها لكل هاتف وجدوه لاستشعار المسلمين للمسؤولية وللدعاء لهم، فهذا الحق لله عليكم ولابد أن تقوموا به، لاحظوا هذه الرسالة التي من إندونيسيا، مكتوب فيها: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ثم بعدها: (الدعاء لإخوانكم) لا إله إلا الله محمد رسول الله مكتوبة بالعربية، وما سواها مكتوب بالإنجليزية.

    إذاً إخوانكم لهم حق عظيم عليكم، وهم ينتظرون دعاءكم ومواساتكم ونصرتكم بما تستطيعون نصرتهم به، وهذا من حق الإيمان ومن حق هذه الكلمة التي تقولونها، من حق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

    نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا، وأن ينصر إخواننا المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها وأن يثبت أقدامهم ويسدد سهامهم، وأن يجمع قلوبهم على الحق، وأن يجعلنا من المناصرين لدين الله، الساعين لإعلاء كلمة الله، وأن يحفظنا من كيد الكائدين، وأن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يخرجهم صاغرين من بلاد المسلمين، وأن لا يرفع لههم راية وأن لا يحقق لههم غاية، وأن يجعلهم لمن خلفهم آية.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أدعية وابتهالات

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول ولك الحمد كالذي تقول، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحب أن تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، لك الحمد أنت أحق من ذكر وأحق من عبد وأنصر من ابتغي وأرأف من ملك وأجود من سأل وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك له والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر وتعصى فتغفر، أقرب شهيد وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس وأخذت بالنواصي ونسخت الآثار وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت والحرام ما حرمت والدين ما شرعت والأمر ما قضيت والخلق خلقك والعبد عبدك، وأنت الله الرؤوف الرحيم، نسألك بعزك الذي لا يرام وبنورك الذي أشرقت له السماوات والأرض أن تهدي قلوبنا وأن تستر عيوبنا وأن تكشف كروبنا وأن تجعل التقى زادنا وأن تصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين، اللهم فك أسر المأسورين من المسلمين، اللهم نفس هم المهمومين وفرج كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين، وفك أسرى المسلمين يا أرحم الراحمين.

    اللهم لا تدع لنا في ساعتنا هذه ذبناً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا ميتاً إلا رحمته ولا ضالاً إلا هديته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضىً وفيها لنا صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأوهن كيد الكافرين وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم أظهر دينك على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم عليك بكفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك ويصدون عن سبيلك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أنزل بهم المثلات، اللهم اجعل تدبيرهم تدميرهم، اللهم رد كيدهم في نحورهم، اللهم أخرجهم من ديار المسلمين صاغرين يا ذا القوة المتين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم اجمع على الحق قلوبهم، اللهم وفقهم لما يرضيك يا أرحم الراحمين.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767944823