إسلام ويب

منهجية السلفللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • استحقت الأمة العز لما كانت على المنهج الذي تركها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بعدت عنه استحقت الذل والهوان، ومن قوام منهج السلف تمسكهم بالوحي إجمالاً وبعدهم عن التنطع والتفصيل، والأمة مطالبة اليوم بالتخلص من براثن التقليد والعودة إلى جمع كلمة الأمة على اتباع الدليل والعمل به.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    نحمد الله تعالى على ما من به من الهداية، ونسأله المزيد من فضله.

    أما بعد: فإن كل سالك في طريق لا بد أن يعتاد في سيره على منهج محدد يتخذه حتى يصل إلى نهاية ذلك الطريق المقصود في سفره القاصد، وإن السالك في حيات هذه الدنيا التي هي منتهية لا محالة لا بد أن يحدد منهجاً يسير عليه في سلوكه لعلمه أن هذا الطريق منته إلى نهاية حتمية، وإن أهل الدنيا قد سلكوا مسالك متعددة، وهي متفاوتة طولاً وقصراً، ومتفاوتة كذلك استقامةً وتعرجاً، وإن أصوب المناهج وأرضاها وأحسنها وأعدلها لهو المنهج الذي أرسل الله به رسله عليهم الصلاة والسلام، وختمهم وقفا على آثارهم بنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن المنهج الذي جاء به قد رضيه الله تعالى لعباده، ولم يرض لهم سواه، ولذلك لا يقبل الله تعالى من أحد سلوكاً على طريق إلى الله إلا إذا كان سالكاً على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء به من عند الله، وإن هذا من المسلمات لدى عموم الناس، لا يكاد يختلف فيه اثنان، ولكن موضع الخلاف ومحله هو تحديد ذلك المنهج الذي تركنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي سماه المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

    فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا الطريق محفوف بالمخاطر، وأن على جنباته بنيات الطريق، وأبواباً مفتحةً عليها ستور، على كل باب منها داع يدعو إليه، ولذلك كان الخطر شديداً، وكان الطريق مما يصعب التمسك به والصبر عليه، ولا شك أن المؤثرات في سلوك المناهج متعددة، ومن أعظمها: ما يتعلق بالحضارات والقيم التي تسود، والأعراف التي تنتشر، وكذلك ما يتعلق بالأحكام التي توجه الناس وتقودهم، فلا شك أن منهاج الناس في أيام عزة الإسلام ورفعة رايته وقوته كانت أقرب إلى ما تركهم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بكثير من مناهجهم في أيام التدني والانحطاط والضعف والمذلة، ولذلك قال الحكماء: الناس على دين ملوكهم، وقالوا: كما تكونوا يولى عليكم، قد روي ذلك أثراً عن بعض السلف الصالح، فبحسب حال الناس وبحسب ما يسود فيهم من الحضارة، وما يقتنعون به من الأعراف يتفاوت سلوكهم في المناهج، وتتأثر مناهجهم بذلك، فأصفى المناهج وأعدلها هو المنهج الذي ترك الرسول صلى الله عليه وسلم الناس عندما أعز الله دينه وأظهره على الدين كله، وقامت تلك الحقبة الزمنية التي ساد فيها العدل وانتشر، وعلت فيها كلمة الله في هذه الأرض في عصر الخلافة الراشدة، ولم يزل الأمر يتطور بحسب ما يتجدد من الحضارات وما ينقل، وبحسب انبهار الناس بالحضارات الأخرى التي ينفتحون عليها من خلال الترجمات، ومن خلال الاختلاط والاحتكاك بالأمم الأخرى، حتى وصل الأمر إلى قمته عندما سقطت آثار الخلافة الإسلامية وبقاياها في بداية القرن المنصرم.

    ثم بعد ذلك نشأت هذه الصحوة المباركة التي تطالب بالعودة إلى ما كان عليه ذلك الصدر الأول، وإلى ذلك المنهج الذي سلكوه فأداهم إلى مرضات الله، وأوصلهم إلى محبته وطاعته، لا شك أن المنهج المسلوك في هذا الدين تتنوع عناصره بحسب عناصر الدين نفسه، وأنتم تعلمون أن عناصر الدين ثلاثة، هي: الإيمان، والإسلام، والإحسان، التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل حين سأله، وتعلمون أن هذه العناصر الثلاثة متكاملة، وأن توزيعها بحسب عناصر ابن آدم نفسه في خلقه، فابن آدم مؤلف من ثلاثة عناصر هي: العقل، والبدن، والروح، وهذه العناصر الثلاثة على أساس تنوعها جاء تنوع عناصر الدين، فالإيمان لمصلحة العقل، والإسلام لمصلحة البدن، والإحسان لمصلحة الروح، وإذا غلا بعض الناس في بعض هذه الجوانب فإن ذلك لا بد أن يؤثر في الاتزان، ولا بد أن يؤدي إلى نتائج وخيمة، لما في الميل الدائم الذي هو مع حركة ومرور من الانحراف، فأنتم تعلمون أن العربة المستقيمة إذا سلكت خطاً وليكن مثلاً سكة حديد فإنها ستستمر عليها ما دامت معتدلةً في جوانبها، أما إذا كان أحد الجانبين أثقل من الآخر، أو كان أحدهما أرفع من الآخر فإن الانحراف سيكون وبالأخص مع سرعة السير وطول الطريق؛ ولذلك فإن هذه الأمة عرفت مناهج متعددة، سمي أقدمها بمنهج السلف الصالح، والسلف اسم يطلق على من سلف ومضى، ومنه الصالحون الذين رضيتهم هذه الأمة وشهدت لهم بالخير، ومنه قوم دون ذلك، والتفاوت الحاصل في سلوك طريقهم ناشئ عما ذكرناه من العوامل، فعصر الخلافة الراشدة وبالأخص في أيام أبي بكر و عمر وست سنوات من خلافة عثمان كان زمن اتفاق، لم يحصل فيه اختلاف بين المسلمين، وإنما نشأ الخلاف بعد مضي ست سنوات من خلافة عثمان ، أي: بعد مضي عشرين سنةً من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما تمت العشرون ونشأت خلوف لم تترب كما تربى السابقون، وعاشت حياة الراحة والدعة، وتوقف كثير من الناس عما كانوا ربوا عليه من الجهاد والعمل الصالح والاستقامة، بدأ هؤلاء في سلوك مناهج بدأت في الانحراف، وكان الانحراف صغيراً قليلاً من بدايته، ولم يزل يتسع ويزداد حتى اتسع الخرق على الراقع، ولذلك كان الخوارج يمتحنون الناس، فيقولون: ما رأيك في أبي بكر و عمر و في عثمان ست سنين وفي علي قبل التحكيم؟ وهذا امتحانهم الذي يمتحنون الناس عليه بالاعتقاد.

    وكذلك قال أحدهم لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! ما بال الناس اتفقوا على أبي بكر و عمر واختلفوا عليك وعلى عثمان ؟ فقال: اتفق الناس على أبي بكر و عمر حين كان الناس أنا و عثمان ، واختلفوا علي وعلى عثمان حين كان الناس أنت وأمثالك.

    ما دام الناس على تربية صحيحة، وعلى منهج مستقيم لا يحصل الخلاف بينهم، وتستقيم الأمور وتأخذ مجراها المعتاد.

    نلحظ أن حياة هذا الصدر الأول ومنهجهم الذي سلكوه ليس فيه ميل ولا انحراف، بل كان متزناً في مختلف جوانبه، عادلاً في تقسيم الوقت بين عناصره، فعناصر الدين كانت جميعاً يقام بها على وجهها الصحيح، ولننظر إلى حياة بعض النماذج من هذا الصدر الأول، فنجدهم في مجال الاعتقاد قدوةً يقتدى بهم، وفي مجال إصلاح القلوب وتربية النفوس قدوةً يقتدى بهم، وفي مجال العلم والتفكير والعقل قدوةً يقتدى بهم، وفي مجال إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله والدعوة إليه قدوةً يقتدى بهم، ولذلك لا نحتاج إذا أخذنا نموذجاً منهم أن نذهب إلى التخصصات المختلفة ونصنفه في خانة تخصص محدد، بل إنما نشأت هذه التخصصات في الخلوف اللاحقة، أما الصدر الأول فما عرفوا التخصص، ولذلك كان الشخص الواحد يقوم بمسئوليات مختلفة.

    خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس

    فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم والقائد الأعلى، وهو قائد الجيش الذي يرتب الناس في الصف، وهو القاضي الذي يحكم بين الناس، وهو المفتي الذي يفتي في النوازل، وهو المعلم الذي يدرس، وهو منظم حياة الناس البلدية المتعلقة بحياتهم المدنية، فهو الذي يغرس النخل بيده، ويوزع الأرض بين أهلها، حتى يوزع مياه السيول بين أهلها ويأمر رجلاً فيقف حتى يصل الماء إلى كعبه، ثم يأمر الرجل أن يرسل ما وراء ذلك من الماء، هو الذي يهتم بكل الأمور، ولذلك تجد هذا في الأحاديث المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم: ( أنه كانت الأمة تأتيه فتأخذ بيده حتى يقضي لها حاجتها، ويأتيه الأعرابي فيجذبه بثوبه حتى يؤثر في صفحة عنقه -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- فيقول: يا رسول الله! مر لي بشيء من مال الله الذي تحت يدك، فيبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقضي له حاجته ).

    يقول أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة المرأة التي كانت تبكي عند قبر: ( فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أمة الله! اتق الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمثل مصيبتي، فقيل لها: ويلك! إنه رسول الله، فذهبت إليه فجاءت إلى بيته فلم تجد حارساً ولا بواباً، فخرج إليها وأزرار قميصه محلولة، فكلمته فقالت: يا رسول الله! إني تائبة فوالله ما عرفتك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى ).

    كان الباحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى عناء كبير، ولا إلى مواعيد، ولا إلى تقديم وثائق وأوراق، بل إذا أراد الذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طرق باب إحدى حجره أو دخل عليه في المسجد، أو أتاه عند أي بيت من أصحابه حتى إنه يمكن أن يجده في بيوت أهل الذمة من اليهود الخاضعين لدين الله، فإنه كان يعود مرضاهم، ويزورهم في بيوتهم، أجاب دعوة أحدهم إلى خبز ناس -معناه: ناشف- وإهالة -معناه: زبدة- سنخة -معناه: متغيرة اللون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530076

    عدد مرات الحفظ

    777153881