إسلام ويب

نصرة الإسلام الوسائل والغايات [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أراد الله بحكمته البالغة أن يجعل الحياة الدنيا امتحاناً للناس وابتلاءً لهم، ثم جعل الناس فيها على حزبين: حزب الله وحزب الشيطان، ومن ثم فقد أوجب على حزبه دعوة غيرهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولما كانت وسائل الدعوة غير توقيفية فإن وسائلها لا تحصى كثرة، والقول بأنها توقيفية غير سديد

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، وعلى من اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن لله الحجة البالغة على عباده جل شأنه، وإنه جل وعلا يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة؛ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ[الأنبياء:23]، وقد أراد بحكمته البالغة أن يجعل الموت والحياة امتحاناً للناس وابتلاءً لهم؛ فجعل هذه الدار دار عمل ولا جزاء، وجعل بعدها الدار الآخرة دار جزاء ولا عمل، وجعل هذه الدنيا مسرحاً للصراع بين الحق والباطل، ولو شاء ما خلق إبليس وما خلق الشر كله، ولو شاء لما كفر به أحد من خلقه، فالبشر لا يمثلون من خلق الله إلا نسبة ضئيلة يسيرة، وما أهون الأرض وأهلها إذا عصوه وكفروا به، فالأرض ومن عليها لا تساوي شيئاً من ملكوت الله جل جلاله.

    ولذلك أخرج مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله قيوم لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه أمر الليل قبل النهار، وأمر النهار قبل الليل، حجابه النور )، وفي رواية: ( حجابه النار لو كشف الحجاب عن وجهه لحظة لأحرقت سبحات وجهه ما وصل إليه بصره من خلقه )، فلذلك لو شاء الله لآمن كل من في الأرض، ولو شاء لجعل الناس كالدواب والشجر وغيرها من الخلائق التي هي مفطورة على أصل الدين.

    فالله تعالى يقول في سورة الحج: أَلَمْ تَرَ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ[الحج:18]، وهذه الآية صريحة في أن الأصناف الأخرى غير الإنس والجن كلها موحدة وكلها ساجدة عابدة لله ليس فيها هذا الصراع الذي وجد في الإنس والجن، وهذا يدل على حكمة الله البالغة؛ فلو شاء لجعل الناس جميعاً كما سبق من الأصناف المسخرين للعبادة والطاعة ولكنه أراد بحكمته البالغة أن يجعل هذه الدنيا مسرحاً للحق والباطل يتصارعان فيها، وله في ذلك حكمه التي لا تحصى.

    ولذلك قال جل من قائل: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ[يونس:99-100]، وقال تعالى في الآيات التي سمعتم من سورة محمد: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ[محمد:4]، فهذا امتحان وابتلاء في هذه الدار فقد خلق الله إبليس للشر وحكمة الله في خلقه هي الإغواء والشر، وخلق حزب الشيطان ذرأهم للنار؛ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ[الأعراف:179]، خلقهم الله ليكفروا به وليعصوه، وله الحكمة البالغة في ذلك.

    إذا عرفنا هذا عرفنا أن هذه الدار ليست دار قرار، وإنما هي دار امتحان وعمل، وأنها بنيت على سنن من عند الله سبحانه وتعالى ماضية، ومن هذه السنن سنة التدافع بين الحق والباطل، وهذه السنة لا يمكن أن تتوقف لحظة، فلو توقفت لحظة لفسدت الأرض لو توقفت سنة الدفع فتمحض الحق على الأرض ولم يبق للباطل وجود لاستحق أهل الحق أن ينقلوا إلى الجنة لأنهم نجحوا في الامتحان والجنة هي دار الجزاء، ولو تمحض الباطل على الأرض فلم يبق للحق وجود ولم يبق منكر لهذا الباطل ولا راد له فإن أهل الأرض حينئذ لابد أن يحل عليهم سخط الله، ( إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله )، وذلك حين لا يبقى على الأرض من يقول الله.

    سنة التدافع في الأرض

    ولهذا بين الله أهمية هذه السنة للأرض وما عليها؛ فقال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ[البقرة:251]، لولا هذه السنة لفسدت الأرض، وهذه السنة تقوم على الصراع بين حزب الله وحزب الشيطان، فحزب الله هم أهل الهداية الذين خلقهم الله ليكرمهم خلقهم لجنته كما قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ[هود:118-119]، وبين حزب الشيطان الذين خلقهم الله لناره ومعصيته ومخالفته؛ فهم مفطورون على ذلك، واللوائح منزلة من عند الله؛ فلان ابن فلان مستغل في حزب الله لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، وفلان بن فلان مستغل في حزب الشيطان لإغواء الناس والصرف والصد عن سبيل الله، ولا يستطيع الإنسان التدخل في هذه اللوائح فليست على أساس مستوى الإنسان الثقافي ولا مستواه العلمي ولا مستواه الاجتماعي ولا مستواه الاقتصادي، بل هو اختيار من عند الله ولذلك قال الله تعالى: اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ[الأنعام:124]، فلذلك لا معقب لحكمه جل جلاله.

    وقد ذكر أهل العلم أن أول من يأخذ كتابه بيمينه يوم القيامة أبو سلمة بن عبد الأسد وأن أول من يأخذ كتابه بشماله يوم القيامة شقيقه الأسود بن عبد الأسد خرجا من بطن واحدة، لكن أحدهما سجله الله في حزب الله واختاره لأن يكون من ناصري كلمة الله، والآخر سجله الله في حزب الشيطان وخذله فكان من ناصري دعوة الشيطان والساعين لتحقيق يمينه؛ فحزب الله يسعون لهداية الناس إلى الله، يسعون لتمهيد الطريق أمام الناس ليعرفوا ربهم وليعبدوه ولأن لا يشركوا به شيئاً وليفوا له ببيعته معهم، وعهده المؤكد في أعناقهم الذي أخذه في عالم الذر عندما مسح بيمينه ظهر آدم فأخرج منه ذرية فقال آدم : أي ربي! من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره أخرى فأخرج منه ذرية فقال آدم : أي ربي! من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للنار وبعمل أهل النار يعملون، ثم خلطهم حتى ما يتميزون فناداهم فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، قالها مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم كلهم جميعاً أقروا بذلك، قالوا: بلى، شهدنا؛ فأقام الله عليهم الحجة وأخذ عليهم العهد أن يعبدوه وأن لا يعبدوا الشيطان قال الله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ[يس:60-61].

    لكن علم الله بحكمته البالغة أن حزب الشيطان يسعون لتحقيق يمين إبليس بإغواء الناس وقد أقسم بعزة الله ليغوين أكثر الناس عن سبيل الله؛ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ[ص:82-83]، وقد أخبرنا الله أن هذه اليمين صدقت على أكثر الناس، قال: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ[سبأ:20]، (إلا فريقاً من المؤمنين) و (من) هنا بيانية أي: هذا الفريق هم المؤمنون، وقيل: (من) تبعيضية، فبعض المؤمنين أيضاً اتبعوا إبليس بالفسق فهم مع ذلك بإيمانهم لا يخرجون من أصل الإيمان، ولكن بفسقهم دخلوا في حزب الشيطان، فـ(من) فيها خلاف هل هي بيانية أو تبعيضية.

    استمرار الصراع بين الحق والباطل

    وبهذا يعلم أن هذا الصراع موجود مستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها فما من إنسان ترونه على وجه الأرض إلا وهو من حزب الله أو من حزب الشيطان، على كل إنسان أن يبحث عن نفسه ما محله من الإعراب وما موقعه وفي أي الحزبين سجل ومن أي الحزبين هو؟ وما العمل الذي ينبغي أن يقوم به لتحقيق انتمائه للحزب الذي هو منه؟ فهذا من واجبات الإنسان، والإنسان إذا عرف أنه من حزب الله واختار طريق الهداية فإن ذلك يقتضي منه عملاً ونصرة لدين الله وإعلاءً لكلمته ووفاء ببيعة مؤكدة أكدها الله بالتوراة والإنجيل والقرآن؛ إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:111].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537882

    عدد مرات الحفظ

    777199412