إسلام ويب

وحدة الأمة الإسلامية بين الواقع والمأمولللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أمر الله عباده بالوحدة والألفة فيما بينهم، ونهى عن التفرق والاختلاف، وأقام هذه الرابطة على أساس عقدي، بحيث لا ينفك عراها، وواقع الأمة الإسلامية اليوم يبكي الصديق وفرح العدو، وقد تركت عزها بالجهاد في سبيل الله، فسلط الله عدوها عليها، فأسامها سوء العذاب، فواجب عليها أن تراجع دينها، وأن تعود لكتابها وسنة نبيها وتكون كالجسد الواحد.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد: فإن سر اتحاد المسلمين، والتئامهم، وعدم فرقتهم هو إيمانهم الذي يدعوهم إلى ذلك، وإن الله سبحانه وتعالى جعل المبدأ العقدي أساساً للعمل كله، وجعل الاتحاد والالتئام جارياً على هذا المبدأ، فقال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13]، فالمبدأ الأول: (أن أقيموا الدين)، والمبدأ الثاني: (ولا تتفرقوا فيه).

    التحذير من الفرقة بين المؤمنين والأمر بالاجتماع على طاعة الله عز وجل

    وقد حذر الله سبحانه وتعالى المؤمنين من الفرقة، وبين ضررها، وأمرهم بالاجتماع على طاعته، ولذلك قال سبحانه وتعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:103-105].

    وبين براءة النبي صلى الله عليه وسلم من المختلفين، فقال: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159].

    وجعل الفرقة والخلاف مظهراً من مظاهر الشرك في قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:30-32].

    وجعل الفرقة نوعاً من أنواع العذاب، فقال تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65].

    وحذر من الأضرار الوخيمة المترتبة عليه، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:45-46].

    وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أخرجها البخاري في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ).

    أثر المبدأ العقدي في القيام بحقوق المسلم لأخيه المسلم

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يترتب على هذا التآخي في الله من الحقوق، فقال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، ولا يكذبه، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاثاً، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه ).

    وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بعض الحقوق التي يغفل عنها كثير من الناس، فقال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، ولا يكذبه ).

    هذه الحقوق كلها منطلقة من هذا المبدأ العقدي، وهو قوامها، وبه التئامها، ولا يمكن أن تتراجع هذه الحقوق إلا بنقص في المبدأ الذي هو الأصل، فإذا انتقص الإيمان حصلت القطيعة بين الناس؛ ولهذا قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

    وأولى الأرحام بالصلة رحيم الدين؛ لأنه الذي يقطع ما سواه، وهو مستمر في الدنيا، مستمر يوم القيامة، فلا يقطعه في الدنيا الظلم والبغي؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:9-10].

    وهو مستمر كذلك يوم القيامة؛ لقول الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، فهذا الإخاء الدنيوي مستمر يوم القيامة في جنات النعيم، لا يقطعه أي سبب من أسباب الدنيا، ولا ينقطع يوم القيامة عندما تنقطع الأنساب؛ ولذلك قال الله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، ومع هذا قال: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم:85-86].

    فالمؤمنون يحشرون وفداً، ومن المعلوم أن الوفد كلمته على لسان رجل واحد، وأنه يتعاون في سيره، ويشترك في رواحله وزاده، ومهمته واحدة، أما الذين كفروا فإنهم يساقون إلى النار ورداً، نسأل الله السلامة والعافية، والورد ليس بينه أي تآلف ولا تآخ، ولا تراحم، ولا ترابط، بل هو يساق سوقاً كما تساق غرائب الإبل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518764

    عدد مرات الحفظ

    777081616