إسلام ويب

وساوس الشيطانللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وأعطاه منهجاً من سار عليه احتمى من كيد الشيطان وأعوانه؛ لأن الشيطان قد نصب العداء لبني آدم في إغوائهم والسعي بكل السبل في ذلك، ولذلك كانت له محطات وجبهات من خلالها يوقع الإنسان في شرك المعصية والشرك فكان لا بد من مدافعته بالمنهج النبوي والوحي الرباني لكي يصل الإنسان إلى بر الأمان ورحمة الرحمن سبحانه وتعالى.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بُعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأقامه حُجة على كل من بلغ، فجاء بمنهجٍ ربانيٍ فيه حلول لكل ما ينتاب البشر، فما يحتاج الناس إليه مما ينظم علاقاتهم بربهم فصله رسول الله صلى الله عليه وسلم عقيدةً وعبادة، وما يحتاج الناس إليه مما ينظم علاقاتهم فيما بينهم فصله معاملة وأخلاقاً، وقد كان هو تطبيقاً لهذا المنهج الرباني الذي جاء به من عند الله تعالى، فلذلك وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه ذكر وبأنه قرآن، فقال تعالى في سورة الطلاق: ذِكْرًا[الطلاق:10] رَسُولًا[الطلاق:11]، فجعل الرسول بدلاً من الذكر، فهو ذكر من الله سبحانه وتعالى، أي: كأنما هو قرآن منزل، وكذلك أبدل منه القرآن فقال في سورة الإسراء: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا[الإسراء:106].

    وذلك عطف على ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا * وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الإسراء:104-105] هذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبين الله أنه أرسله للناس لهذه المهمات وختمها بقوله: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا[الإسراء:106].

    وقد وصفت عائشة رضي الله عنها أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن، فكل ما يرضى الله من عباده عقيدة وعبادة ومعاملة وسلوكاً وأخلاقاً فقد مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم بهديه، ومن أراد أن يسلك الطريق المرضي عند الله سبحانه وتعالى فليتبع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طبقه وهو غير مجهول، بل هو معلوم مروي لا يختلف فيه اثنان، ولذلك فهو صراط مستقيم مثله النبي صلى الله عليه وسلم بلاحبٍ بين سورين، وفي السورين أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور، وفي كل بابٍ داعٍ يدعو إليه، وفوق السورين منادي الله ينادي: يا عبد الله! لا تلج الباب فإنك إن تلجه لم تخرج منه.

    فالطريق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم معبد مسهل، وهو سائر بين سورين عظيمين، وهذان السوران كلاهما فيه أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور، وفي كل بابٍ داعٍ يدعو المارين من هذا الصراط أن يدخلوا إليه إلى ذلك الباب لينحرفوا يميناً أو شمالاً في بنيات الطريق، وفوق السورين منادي الله وهو المذكر والمنذر ينادي: يا عبد الله! لا تلج الباب فإنك إن تلجه لم تخرج منه، ولذلك على المسلم أن يسلك هذا الصراط وأن يصبر عليه، سواءً كان ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً، وليعلم أن هذا الصراط هو تمثيل للصراط الأخروي، فالصراط الأخروي جسر منصوب على متن جهنم، أرق من الشعر وأحد من السيف وعليه كلاليب كشوك السعدان، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم، فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والإبل، ومنهم من يمر كالرجل يشتد عدوا، ومنهم من يزحف على مقعدته، فناجٍ مسلّم ومخدوش مرسل، ومكردس على وجهه في نار جهنم.

    وبقدر استقامة الإنسان على الصراط الدنيوي تكون استقامته على الصراط الأخروي، فالذي يثبت على هذا الصراط ويجاهد نفسه وشيطانه وإخوانه وملذاته وشهواته ويجاهد دنياه ويصبر عما يخالف منهج الله حتى يلقى الله سبحانه وتعالى على هذا الطريق، وإذا وقع في زلة تاب وبادر إلى التوبة، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ[الأعراف:201]، فإن الله سبحانه وتعالى يوفقه ويسدده على الصراط الأخروي فيمر عليه ناجياً، ويكون بذلك من أهل الجنة.

    ومن لم يصبر على هذا الصراط فكان عُرضة للسقوط يميناً أو شمالا، فيسقط في الشبهات تارةً وفي الشهوات تارة، فإنه عُرضة للسقوط عن الصراط يوم القيامة، مع ارتفاعه ومع سحق جهنم تحته، فبينه وبين جهنم مسافات شاسعة، وهو مرتفع فوقها، والذي يمر فوق الصراط يرد جهنم فيمر فوقها؛ لأن الله تعالى يقول: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا[مريم:71]، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الورود بالعبور، فبين أن هذا الورود لجهنم الذي لا ينجو منه أحد هو العبور فوق الصراط، لكن إذا حصل هذا العبور فالناس بين ناجٍ وهالك، كما قال الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا[مريم:71-72]، والذي يميل ذات اليمين أو ذات الشمال قد سلك بنيات الطريق ولم يرضَ بمهيع الله ومنهجه، وإنما اتبع شيطانه وهواه، ولذلك هو عُرضة لئلا يرجع أبداً، فالذي يدخل في ذلك الباب لا يستطيع الخروج منه، فأصحاب الشبهات لا يزدادون إلا غياً في شبهتهم. والشبهات قسمان:

    شبهات في التعامل مع الله، وشبهات في التعامل مع الناس.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088463481

    عدد مرات الحفظ

    776875244