إسلام ويب

العدالة الاجتماعيةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله الأرض وما فيها لمصلحة بني آدم، فهيأ لهم وسائل العيش، وجمع فيها أنواع الأرزاق، وسخر فيها لنبي آدم أربعة أمور هي أصول المنافع: المطعم، والمشرب، والمسكن، والملبس، فيجب على المسلم أن يتعامل مع المال بالاعتدال، وعدم الإسراف، وأن يستقر المال في يده لا في قلبه، فيسخره في طاعة الله ولا يكون هو مسخراً يعبد المال.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد:

    فإن الله عز وجل خلق هذه الأرض وما فيها لمصلحة بني آدم، فهيأ لهم وسائل العيش، وجعلها كفاتاً أحياء وأمواتاً، وجمع فيها من أنواع الأرزاق وما تحتاج إليه البشرية، ما لا يمكن أن ينفد حتى تنفد البشرية: (وإن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها).

    ومن أجل هذا: فإن من بدائع لطف الله سبحانه وتعالى حين نشر البشرية في هذه الأرض، وعلم بأعداد البشرية الهائلة التي تزداد على الزمن وتتضاعف، أن خلق الموت ليعين به على نقص هذه الأعداد حتى تتسع الأرض لأهلها، ولو لم يخلق الله الموت لامتلأت الأرض ببني آدم، ولأخذوا ما فيها من الخيرات، واستوعبوا ما فيها من الطاقات، ولم يستطيعوا بذلك الاشتراك في العيش في هذه الحياة الدنيا، ولكن الله خلق الموت لهذه الحكمة البالغة.

    ثم لو أنه أعلمهم بالموت ولم يخلق لهم الأمل لضاقت عليهم الأرض بما رحبت، حتى لو اتسعت وكثرت الأرزاق فيها؛ لأن من علم أن الموت وراءه يرصده، لا يمكن أن يطيب له عيش؛ لكنه خلق لهم الأمل، فلا يزال الإنسان يؤمل الحياة حتى وهو في السياق والنزع، فيؤمل أن يعيش؛ ولذلك يكتسب، ويقدم شيئاً للذين يعيشون على هذه الأرض من بعده.

    الناس ثلاثة أنواع

    وقد جعل الله الناس ثلاثة أنواع:

    النوع الأول: من لا يستطيعون اكتساب أرزاقهم، فهم عاجزون إما عجزاً كاملاً وإما عجزاً ناقصاً، فليس لديهم من الطاقات ما يتحملون به اكتساب أرزاقهم وحاجياتهم.

    النوع الثاني: من ساوى الله تعالى بين ما آتاهم من الطاقات وبين حاجاتهم، فلديهم من الطاقات ما يستوعب حاجاتهم ولا يزيد عليها شيئاً.

    النوع الثالث: من آتاه الله من الطاقات أكثر من حاجاته، فهو ينتج لغيره، وجعل الله سبحانه وتعالى بتدبيره هذا الصنف محتاجاً إلى الأصناف الأخرى، لا يستطيع أن يمنّ عليها، وجعله -بأمله- يفكر التفكير الذي يعيش فيه القرون وراء القرون، فالمنتج لا ينتج لعمره فقط، ولو كان كذلك لما أنتج المبدعون الذين أتوا بإبداعات كان لها ما وراءها في تاريخ البشرية، ولو كانوا كذلك لانتخبوا حسب حاجاتهم فقط؛ ولكن لتدبير الله تعالى خلق الأمل فيهم، فصار هؤلاء يفكرون لزمن غير محدد، ومن هنا ينتجون إنتاجاً غير منقطع.

    ضروريات البشر

    إن الله سبحانه وتعالى ضمن لآدم في الجنة أربعة أمور، وهي أصول المنافع فقال تعالى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى[طه:118-119] ، وهذه أربعة أمور من ضروريات البشر.

    فأولاً قال: (إن لك أن لا تجوع فيها)، فهذا يسد ضرورة الطعام، وثانياً قال: (ولا تعرى)، وهذا يسد ضرورة اللباس، وثالثاً قال: (وإنك لا تظمأ فيها)، وهذا يسد ضرورة المشرب، ورابعاً قال: (ولا تضحى) أي: لا تبرز للشمس، فهذا يسد ضرورة السكن، وهذه الأربع هي أمهات ضروريات البشر مطلقاً.

    وبعد هبوط آدم إلى هذه الأرض وخروجه من الجنة هو وحواء، بعد أن بدت لهما سوآتهما، وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ[الأعراف:22] أضيف إليها حاجة الإنسان إلى جنسه؛ ليكون ذلك مدعاة لاستمرار النسل، فكانت ضرورة خامسة لأهل الأرض.

    هذه هي الضرورات، وما وراءها ينقسم إلى قسمين: حاجيات وتحسينيات (تكميليات)، وكل ذلك يحتاج إليه البشر؛ لكن حاجتهم إلى الضروريات أعظم من حاجتهم إلى الحاجيات، وحاجتهم إلى الحاجيات أعظم من حاجتهم إلى التكميليات.

    ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى جعل الضروريات ميسرة مهيأة في جميع الأزمنة منذ عهد آدم إلى زماننا هذا، فالهواء -الأوكسجين- الذي يتنفسه الناس على الأرض ميسر سهل، ولو أنه كان مثل المعادن النفيسة التي تحتاج إليها البشرية، لكان محتاجاً إلى طاقة وبذل وجهد، فيموت عدد كبير من الناس ممن لا يستطيعون الوصول إلى تلك الطاقة ولا إلى ذلك الضروري، ولكن الله علم حاجة الجميع إليه فيسره لهم فوق الأرض.

    وكذلك الحاجة إلى الماء، جعل الله على الأرض مسطحات مائية تكفي لسقي الناس، وجعل في الصحاري طبقات من الأرض تمسك المياه التي تدخل في أجواف الأرض وتصفيها، وجعل الجبال ذات طاقة لتصفية المياه، وإخراج أملاحها، وإخراج ما فيها من المضار؛ لتكون مهيأة لشرب البشرية، وكذلك أنبت على هذه الأرض من أنواع الأشجار والثمرات والخيرات ما جعل البشرية وغيرها من الحيوانات التي تعيش على هذه الأرض مستغنية بذلك حتى قبل الاختراعات الحديثة، فهذه الضروريات لم تكن محتاجة إلى كبير تفكير ولا إلى كبير اختراع، منذ بدأت البشرية وهي تعرف كيف تبني من الحجارة بيتاً يكنها من الحر والبرد، وهي تعرف كيف تحرث الأرض وتزرع فيها، وهي تعرف كيف تتناول الماء وتستخرجه من الأرض.

    فهذه ضرورات يسرها الله، ولا شك أن كثيراً منكم قد يتعجب إذا علم أن الماء مصنف في جنس المعادن، وهو كغيره من المعادن النفيسة؛ لكنه ما وجد في مكان في أعماق الأرض إلا وقد اكتشفته البشرية فيما مضى، والمعادن الأخرى تحيط به من كل جانب لا ينظر إليها أحد ولا يكتشفها، فكثير من آبائنا وأسلافنا، كانوا يكتشفون المياه في أعماق الأرض، ويعرفون أماكن وجودها، وكان يحيط بهذه المياه أنواع المعادن النفيسة ولا يطلعون عليها، ولا يستطيعون الوصول إليها.

    وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى حين علم حاجة الناس إلى اللحوم وإلى الألبان ومشتقاتها، أنزل ثمانية أزواج من الأنعام من الجنة، فكانت أصول الأنعام في هذه الأرض، ثم أنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، فكان أصل الصناعات كلها، وعلم آدم الزراعة فكان ذلك أصل الفلاحة والزراعة كلها، فكانت هذه الأمور كفيلة بضمان البقاء والعيش على سطح هذه الأرض، ولله تعالى من الكواكب الأخرى -في مجموعتنا الشمسية وفي غيرها- ما هو أضعاف الأرض، ولم يجعل عليها هذه الأرزاق، ولم يضع فيها هذه البركات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088541586

    عدد مرات الحفظ

    777221471