الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأقول للأخوات: إن ما تقدمن به من الأسئلة بين يدي، وما لا أعلمه فسيكون الجواب فيه بلا أدري، وما أعلمه أيضاً فإنما الإفتاء فيه من باب قول الشاعر:
لعمر أبيك ما نسب المعلا إلى كرم وفي الدنيا كريم
ولكن البلاد إذا اقشعرت وصوح نبتها رعي الهشيم
السؤال: هل يجوز لشخص عنده عيال خياطة الرقيق من الثياب مع العلم أنه محتاج إلى ثمنه ولا يوجد سوى الرقيق يخيطه؟
الجواب: ورد عن عمرو بن مرة أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! حرمت فما أُراني أرزق إلا من دفي بكفي فهل تأذن لي في ذلك؟ فقال: لا آذن لك ولا كرامة، ولو كنت تقدمت إليك لأوجعتك ضرباً ولحلقت رأسك مثلة، ولأبحت مالك لأهل المدينة)، فإن الله عز وجل قد وسع في الأرزاق من الحلال، ووسع السبل إلى ذلك، ومن أراد أن يوسع الله عليه في رزقه فلا يعمد إلى ما حرم الله عليه، فإن خياطة الرقيق من الثياب وبيعه لمن يستعمله استعمالاً لا يجوز من التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه.
السؤال: ما هي المداهنة، وما هي حدودها في الأمر والنهي؟
الجواب: المداهنة هي بذل الدين لإصلاح الدنيا، أي: أن يبذل الشخص جزءاً من دينه لإصلاح الدنيا، وليس من ذلك ما كان الشخص مكرهاً عليه، فإنه إذا أكره بما يخاف عقوبته لا يعتبر مداهناً، لقول الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[النحل:106] ، فلذلك ينبغي أن نعرف أن المداهنة هي بذل الدين لإصلاح الدنيا، كمن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل أن لا يستثقل، ومن أجل أن لا يقال إنه ثقيل، أو من أجل أن لا يوصف بأوصاف بذيئة، فكثير من الناس يريد أن يتخلص من الأوصاف القبيحة لدى الآخرين بأن يترك جزءاً من دينه فيترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لئلا يقال فيه كذا من الأوصاف الذميمة، والواقع أن ديان السماوات والأرض ذا العزة والجلال الذي خلق الناس وأنعم عليهم وسواهم ومع ذلك زعموا أن له صاحبةً وولداً تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً: وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا[المائدة:64] ، لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181] .
وكذلك الأنبياء الذين هم خيرة الله من خلقه فإن الناس قالوا فيهم: كذاب، وساحر، ومجنون، وكاهن، وطالب سلطة، وطالب مال .. إلى آخر ما قالوه.
وقد برأ الله الأنبياء من ذلك، ومن كان يريد أن ينجو مما نجا منه الأنبياء فمعناه: أنه لا يريد أن يسلك طريقهم، وهذا الطريق الموصل إلى الجنة محفوف بالمكاره، فإن الله حين خلق الجنة أرسل إليها جبريل وزينها قبل أن يصل إليها بأنواع الزينة، فلما رآها ورجع إليه سأله قال: هل رأيتها؟
قال: نعم، وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم أمر بالنار فأعدت، فأرسله إليها، فلما رآها، قال: أرأيتها؟
قال: نعم، وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بالجنة فحفت بالمكاره وأمر بالنار فحفت بالشهوات، فأرسل جبريل فنظر إلى الجنة فرجع فقال: وعزتك وجلالك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد، ورأى النار فقال: وعزتك وجلالك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد، وذلك حين حفت بالشهوات.
فلذلك لابد أن يدرك الشخص أن هذا الطريق لابد فيه من كثير من العقبات والمشكلات، وأنه لا يمكن أن يصبر على دينه، فيجمع بين العافية العاجلة والعاقبة الآجلة، ولابد أن يجد بعض الأذى الذي توعد الله به في كتابه، في قوله تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ[آل عمران:186] .
السؤال: امرأة تقدم إليها رجل ليتزوجها فظهر أنه محرم لها، فهل يجوز لها أن تصافحه بعد ذلك وأن تتخذه محرماً؟
الجواب: إذا كانت تخشى الريبة من ذلك أو الفتنة فلا يحل لها مصافحته، وإن كانت لا تخشى الريبة ولا الفتنة من ذلك فإن هذا من الجائز، فهو محرم مثل غيره من المحارم.
السؤال: بعض الفتيات إذا تزوجت إحداهن أتتها كل صديقاتها بعد الزواج يسألنها عن دخول زوجها بها وكل شيء جرى بينهما، فتجيب بكل صراحة، فهل هذا جائز؟
الجواب: لا، بل حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وبالغ في نكيره، وذكر أن من فعله إنما هو شيطان، وهذا يكفي في المبالغة في التحذير، فهذه الأمور التي بين الأزواج ينبغي أن تكون سراً من الأسرار لا يطلع عليها أحد، وهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حصلت بينه وبين زوجته صفية بنت أبي عبيد مشكلة اجتماعية، فجاء أصدقاؤه وأخته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين يسألونه عن هذه المشكلة التي بينه وبين زوجته، فقال: سبحان الله! كيف أفضي بسر امرأة هي أقرب الناس إلي، فلم يفض إليهم بشيء من سرها، ثم إنه طلقها فأتوه يسألونه عن السبب، فقال: سبحان الله! كيف أفضي بسر امرأة أجنبية لا علاقة بيني وبينها.
إذاً: فهذا من الأسرار التي لا يمكن إفشاؤها بحال من الأحوال، ومع ذلك فما كان من وصف حميد فيه ثناء، أو تشك وتظلم في بعض القضايا فإنه لا يدخل في النهي، فمثلاً: إذا كان الزوج يحسن إلى زوجته وكانت تجد منه المعاشرة الحسنة فأرادت بذلك الدعوة وتأليف القلوب وذكر نعمة الله تعالى، حيث تشعر أن كثيراً من النساء مهانة في بيتها، وأنها لا تجد في بيتها الألفة ولا الرحمة والرأفة المطلوبة في الزواج وإنما وجدت فيه خلاف ذلك، فأرادت أن تبين نعمة الله تعالى عليها؛ فإن الله يحب أن تظهر نعمته على عباده، والتحدث بالنعمة شكر لها.
وكذلك إذا كانت تشكو من سوء المعاملة إلى من يمكن أن يغير، أو تشكو إلى من يمكن أن يتوسط في التغيير، فهذا أيضاً لا يعد من الغيبة بل هو من الأمور الستة التي يجوز فيها ذكر الأخ بما يكره، وكذلك ذكر الزوج في تعامله مع الزوجة ومن هذا: حديث أم زرع المعروف لديكن، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أقر فيه قصة أم زرع حين أثنت على زوجها فإنها قالت: زوجي أبو زرع وما أبو زرع ، وأثنت عليه بأنواع الثناء، وعلى أمه وعلى بنته وعلى ولده وعلى خادمه.
السؤال: امرأة طهرت من الحيض وأرادت أن تغتسل إلا أن شعرها مضفور بدقة، وهي متأكدة من وصول الماء إليه؛ فهل لها أن تغتسل كما هي أم تنقض شعرها، الرجاء التوضيح؟
الجواب: بالنسبة للشعر المضفور فإنه ينقسم إلى قسمين:
مضفور بنفسه، ومضفور بخيوط من غيره، مثل الذي فيه أسلاك أو حديد.
فالقسم الأول المضفور بنفسه ينقسم إلى قسمين:
شديد، ورخو، فالشديد يجب نقضه في الغسل، ولا يجب ذلك في الوضوء، بل تمسح فوقه في الوضوء وتدخل يدها تحت الضفائر فقط، أما في الغسل فيجب نكثه مطلقاً، وتنقض الضفر كله، وأما ما كان رخواً من الضفر من غير خيوط، فإنها لا تنقضه بل تهيئه لدخول الماء فيه حتى توقن أن الماء دخل في داخله وتغلغل فيه.
إذاً: الرخو الذي ليس ضفره دقيقاً ولا محكماً فهذا تلينه حتى يدخل فيه الماء، وأما ما كان مضفوراً بالخيوط فإن الخيوط تنقسم إلى قسمين: كثيرة، وقليلة، فالكثيرة إذا كانت رابية عليه فإنها تنقض في الغسل وفي الوضوء معاً، وإذا كانت قليلةً أو كانت مختفية في داخله فإنها لا تنقض في الوضوء ولكنها تنقض في الغسل.
السؤال: هل يجوز للزوج أن يعطي زوجته الإذن دائماً في الخروج، وهل يجوز لها أن تخرج بدون إذنه إذا كان قد أعطاها الإذن سابقاً مثل قوله: أعطيتك الإذن في كل وقت فلا داعي لطلب الإذن؟
الجواب: هذا الخروج يرجع حكمه إلى حكم المخروج إليه وإلى هيأته، فإن كانت تخرج إلى واجب أو إلى جائز فيجوز لها الخروج، وعلى الزوج أن يأذن لها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن إذا خرجن تفلات) ومعنى ( تفلات ): غير متطيبات ولا متزينات.
ويجوز لها حينئذ الخروج بغير إذنه في الواجبات، واختلف العلماء في خروجها بغير إذنه في المندوبات، والراجح أنه إذا كان سيغضب إذا علم بخروجها ولا تستطيع أن ترضيه بسهولة فإنها لا تخرج في المندوبات، وإن كان لن يغضب إذا خرجت فيجوز لها الخروج بغير إذنه في المندوبات.
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تمتنع من زوجها إذا كان لديهما ولد يخافان عليه؟
الجواب: إذا كان المقصود هنا أن المرأة إذا خافت على رضيعها من الحمل لما عرفت فيه من الضرر البين عليه، فإنها ينبغي أن تذكر الزوج بمصلحة ولده، ولكن لا يحل لها منعه من الفراش حينئذ، لكن عليها أن تنصحه وأن تذكره بمصلحة الولد، وبأنه يضر به أن تحمل فينقطع اللبن عنه وهو في سن الإرضاع.
السؤال: الصوت أو الريح اللذان يخرجان من قبل المرأة لا يبطلان الوضوء.. فما الدليل على ذلك؟
الجواب: إن الذي ينقض من الصوت أو الريح هو ما كان من الدبر؛ لأنه الذي وردت فيه الأحاديث الصحيحة، والنقض ليس أمراً اجتهادياً إنما يؤخذ من الأدلة فقط، وما كان كذلك فإنه غير مألوف ولا معهود بل هو من قبيل المرض غير المعتاد لدى كل النساء، وما كان كذلك فإن غير المعهود لا ينقض؛ لأنه مخالف لفطرة الإنسان وطبيعته الأصلية، وهذا راجع لقاعدة فقهية معروفة وهي: المشقة تجلب التيسير، فما كان معروفاً مألوفاً لدى كل الناس فهو الذي ينقض وما كان نادراً قليلاً فإنه لا ينقض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجعل في السلس نقضاً، والسلس غير معتاد ولا معهود لدى أكثر الناس.
السؤال: ما نوع الثياب التي يحل خروج المرأة فيها؟
الجواب: الثياب التي يحل خروج المرأة فيها هي ما ليس لافتاً برائحة ولا لون، وليس محدداً لأعضاء الجسم، ولا يشف عن البشرة، فما اجتمعت فيه هذه القيود يحل لها الخروج فيه.
إذاً: إذا كان غير لافت للنظر بلون أو برائحة، وليس حسناً يلفت الانتباه إليه، وليست فيه رائحة تدعو إلى الانتباه، وليس محدداً لجسم المرأة ولأعضائها إلا بالريح -أي: إذا برزت في الريح تحددت أعضاؤها فهذا لا يضر-فيجوز خروجها في ذلك الثوب ولا حرج، لكن الثوب الذي يشف عما تحته فيبدي لون البشرة، أو يحدد الأعضاء مثل بعض القمصان التي تخاط على قدرها وتكون محددة لها يتضح من خلالها حجم هذه الأعضاء فهذا لا يجوز الخروج به، ولا يختص هذا بلون من الألوان بل المهم أن لا يكون اللون ملفتاً.
السؤال: ما معنى (تفلات)؟
الجواب: ( تفلات ) في حديث ابن عمر في صحيح البخاري المقصود بها: غير متعطرات أو متزينات، (وليخرجن إذا خرجن تفلات) معناه: غير متعطرات ولا متزينات، والتفلة معناه: المرأة التي لا تتعطر ولا تتزين.
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تسافر في ثوب الزينة وهو ثوب حسن صقيل أو جديد؟
الجواب: خروجها من بيتها لا يجوز في ثوب لافت أياً كان، ولا عبرة بغلاء ثمنه مثلاً أو بكوته جديداً، فهذه الأمور قد لا يدركها بعض الناس، وقد لا تلفت الانتباه، إنما الذي يلفت الانتباه ما كان حسناً للونه أو لرائحته.
السؤال: ماذا تقولون في ذكر من يخاف على الإسلام والمسلمين منه؟ وهل يجوز ذكره لمن لا يعرفه؟
الجواب: من كان معروفاً لدى المتكلِّم فيه بسوء ويعرف أنه غير مأمون على دين الله تعالى؛ فإن الكلام فيه لا يدخل في حد الغيبة، وهو من الست المستثنيات من الغيبة، فالغيبة لا تحل إلا في ست فقط:
الأول: ما ذكرناه وهو التحذير.
الثاني: النصيحة: كمن يريد التعامل مع شخص فينبه على ما فيه، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـفاطمة بنت قيس حين خطبها أبو الجهم و معاوية بن أبي سفيان فقال: (أما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فرجل صعلوك لا ملك له، ولكن انكحي أسامة بن زيد)، فهذا يحل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بينه، ومن علم شيئاً من هذا النوع فكتمه فهو غاش، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من غشنا فليس منا) .
الثالث: التظلم والشكاية: كمن يشكو من شخص معين لمن سيرفع عنه الظلم أو يشارك في رفعه، فيبين له بعض ما فيه من الصفات، فهذا أيضاً ليس من الغيبة.
الرابع: ذكر الفاسق الذي جاهر بأمر فأعلنه: فذكره به ليس غيبةً له؛ لأنه أعلنه على الملأ، ومن هذا الذنوب الظاهرة، مثلاً: المتبرجة من النساء، أو التي تخالط الرجال في كل مكان، أو الرجل الحليق مثلاً، فهذه كلها من الذنوب البارزة التي يجاهر بها صاحبها ولا ينكرها، فلذلك إذا تكلم في الشخص بهذا أو ذكر به فلا يعد هذا من الغيبة.
الخامس: الاستفتاء: كمن يذكر شخصاً بصفة من صفاته ويستفتي في أمره فإن ذلك لا يدخل في الغيبة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاه رجل من كندة فشكا إليه رجلاً حضرمياً يخاصمه في أرض له، فأخبره أن عليه البينة أو يمينه، فقال: يا رسول الله! إنه لا يمين له، إنه رجل فاجر لا يبالي على ما حلف)، فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا ولم ينكر عليه.
السادس: ذكر بعض الصفات التي فيها ذم أو عيب بقصد التنفير من تلك الصفات، كمن اتصف بفعلة مشهورة عنه، وقصد تنفير الناس من ذلك، فينبهون بهذه الصفة، وهذه هي الأمور المستثناة من الغيبة.
السؤال: إذا اشتد غضب الله على قوم تناءت عنهم الضيفان، هل هذا حديث؟
الجواب: لا أظنه حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه كلام مشهور يقوله بعض الناس، وذلك أن من نعمة الله تعالى على الإنسان أن يجعل تحت يده رزق بعض عباده، فإن لم يجعل الله تحت يده رزق أحد من عباده فمعناه أنه محروم.
السؤال: ما هي حدود الزينة عند الخروج؟
الجواب: كل ما يلفت الانتباه في الظاهر فهو زينة، فيمكن أن تخرج المرأة وفي رقبتها عقد غير ظاهر مثلاً ولا حرج في ذلك، وقد سافرت عائشة رضي الله عنها وفي رقبتها عقد من جزع ظفار، فكل ما هو مستور يجوز الخروج به، وأما ما كان بارزاً بادياً فلا يجوز الخروج به، ومن ذلك الضرب بالأرجل ليسمع وسواس الحلي، والوسواس معناه: صوت الحلي، فهذا ممنوع؛ لقول الله تعالى: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ[النور:31] ، ولذلك تسمعه نفوس الناس فيؤدي إلى الفتنة، كما قال الشاعر:
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
وكما قال الآخر:
وإذا مشت تركت بقلبك ضعف ما بحليها من كثرة الوسواس
السؤال: هل يجوز للمرأة إذا كان لها صبي يقول الأطباء إن فيه مرضاً يحتاج إلى أن يذهب به إلى الخارج للعلاج، ويريدون الذهاب به وحده وهو صغير لم يبلغ الفطام، فهل هذا يجوز؟ وهل هو من فسخ الحضانة؟
الجواب: الصبي أمانة لدى الشخص فلا يحل له أن يفرط في أمانته، ولا يحل له أن يسلمه إلى غير مأمون، وهذه الجهات كما جاء في السؤال أهلها غير مأمونين على تربية الأولاد، فالذي يطلب من ذهابه إلى سويسرا هو علاجه من مرض بدني، والذي يخاف هو فساد دينه من أصله، والمرض الديني أعظم من المرض البدني.
السؤال: هل نحن مطالبون بقضاء الصلوات الماضية التي تركناها، وهل نترك النوافل في أثناء القضاء؟
الجواب: من ترك الصلاة وهو يشك في وجوبها في فترة من فترات حياته ويرى أنها غير واجبه، أو يشك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو صدقها أو يشك في المعاد، والبعث بعد الموت فإنه كافر بالإجماع، ولا يجب عليه قضاء شيء مما مضى من صلاته لكن عليه أن يحسن في المستقبل.
وأما من ترك الصلاة تكاسلاً أو تهاوناً فإن مذهب جمهور العلماء أنه لا يكفر بذلك، وذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الملك بن حبيب من المالكية إلى أنه يكفر بذلك، وعلى هذا فلا يجب عليه قضاء شيء مما مضى من صلاته.
وأما من لم يتركها ولم يعلم أنه تركها، ولكنه كان لا يتقنها كمن لا يتقن قراءتها أو ركوعها أو سجودها، أو لا يحافظ على طهارته دائماً في كل الأوقات، كمن يتيمم وهو يظن أنه قادر على الوضوء مثلاً أو الغسل أو نحو هذا، فإن الذي يبدو أنه لا يجب عليه القضاء، وهذا إن شاء الله أرجح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: (حين أتاه المسيء صلاته صلى ركعتين لم يقم فيهما صلبه، فسلم عليه، فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فجعل هذا غير صلاة، فلما أتاه مرة أخرى وقد أعاد ما صنع قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى كان في الثالثة فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمنيها)، فمع ذلك لم يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بقضاء شيء مما مضى من صلاته، وهذا صريح في أن ما كان يصليه لا يسمى صلاة، والرسول صلى الله عليه سلم لم يأمره بقضاء شيء منها، فدل هذا على أن ما مضى من صلوات الأعمار لا يجب قضاؤها إذا كان الشخص لم يتأكد أنه تركها يوماً من الأيام.
وأما إن تركها تكاسلاً فتذكر تلك الصلاة، أو تلك الصلوات، أو تذكر أنه في السنة الفلانية أو الشهر الفلاني ترك الصلاة تكاسلاً فإنه يعيد تلك الصلاة ويقضيها، وهو قضاء المنسيات، وهذا تجب المبادرة فيه، وأن يفعل الشخص كل ما استطاع إليه سبيلاً، وإن كثر عليه فإنه يقدمه على صلوات النوافل ويترك صلاة النوافل مطلقاً.
وأما ما يسميه الفقهاء صلاة الأغمار أو صلاة الأعمار وهي: قضاء الصلوات التي لم يتقنها الشخص فيما مضى من شبابه، فلا أرى أن دليله قوي، فلذلك على الشخص أن يحسن في المستقبل، وأن يعلم أن بقية العمر ليس لها ثمن، ولهذا يقول الحكماء: إن عمراً ضيع أوله لجدير أن يحفظ آخره.
ولذلك يقول الحكيم :
بقية العمر عندي ما لها ثمن ولو غدا غير محبوب من الزمن
يستدرك المرء فيها كل فائتة من الزمان ويمحو السوء بالحسن
السؤال: ما تقول في أكل مال من يتكسب ببيع الرقيق والتصوير -أي: ما يفعله على الثوب- وتارة يأكل السحت؟
الجواب: من يتكسب بالحرام عموماً وكان له كسب غير الحرام فيجوز أكل ما تبرع به ، وإن كان ليس له من الكسب إلا الحرام فلا يجوز أكل ما تبرع به، لكن تجوز معاملته بالمقابل، كمن كان بينك وبينه بيع أو معاطاة تأخذ منه وتعطيه فهذا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل اليهود، وقد حكم الله عليهم في كتابه بأنهم يأكلون السحت والربا، ومع ذلك توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في عشرين مداً من الشعير، وكذلك عاملهم على مساقاة خيبر فكانوا يشتغلون بثلث الثمر، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والحال كذلك، واستمر كذلك مدة خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر .
السؤال: ما يجوز للرجل أن يرى من زوجته؟
الجواب: يجوز له أن يرى منها كل شيء، لكن من الأفضل والأحسن أن لا يرى ما يستحيا من رؤيته، فهذا يخالف الخلق الحسن والوصف الحميد، ولكن لم يحرم الله تعالى النظر إلى شيء من الزوجة بالنسبة للزوج.
السؤال: ضرب لنا الصحابيات في صدر الإسلام خير مثل في الدعوة إلى الله تعالى، فما هي الأدوار التي لعبتها الداعيات في هذا العصر، نريد نماذج حية، وذلك مع ما أمكن من التفصيل؟
الجواب: إن الله عز وجل يسخر لنصرة دينه والقيام به من شاء من عباده ولا يختص هذا بعصر من العصور، ففي كل عصر ينزل الله تعالى لائحة من عباده يكلفهم بنصرة دينه لا خيار لهم في ذلك، ولو أراد أحد منهم أن يصرف نفسه عن خدمة الدين لما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وفي المقابل نجد آخرين أقوى أجساماً وأفرغ بالاً وأكثر أموالاً فلا ييسر الله لهم خدمة دينهم، بل يجعل في وجوههم العقبات ويصدهم عن نصرة دين الله تعالى، وهذا ما صرح الله به في كتابه في قوله: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً[الأعراف:146] ، وكذلك في قول الله تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ[الذاريات:9] ، وفي قوله تعالى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ[التوبة:46-47].
فيضع الله تعالى العراقيل في وجوه من شاء من عباده حين لا يرتضي خدمتهم لدينه، فهم غير مرضيين عنده فلا يرتضي خدمتهم لدينه فيصرفهم بالصوارف، وأما من ارتضاهم لخدمة دينه فيهيئ لهم الأسباب حتى ولو كانوا مشغولين أو كانوا ضعاف الأبدان أو ضعاف العلم أو مقلين من المال أو غير ذلك، فييسر الله لهم أسباب نصرة دينه والبذل في سبيله.
وأذكر في واقعنا المعاصر قصة امرأة عاشت في أول بلد من بلاد الإسلام اشتهر فيه انخلاع المرأة من لباسها وحيائها، وقد عاشت في أعقاب ثورة النساء المشهورة التي قادتها هدى شعراوي أول امرأة خلعت لباس رأسها ورقبتها في العالم الإسلامي، فعاشت هذه المرأة في أعقاب هذه الفترة، ومع ذلك نذرت نفسها لله تعالى فضحت في سبيل الله بكل ما تستطيع، فكانت تجمع الشباب في بيتها ليتعلموا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وتقول: أنا لا أستطيع أن أعلم أحداً ولا أن أتعلم كثيراً مما ينبغي أن أتعلم، ولكنني سأكون خادمة لعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوفر لكم المكان وأوفر لكم ما أستطيع من الغذاء، وأوفر لكم التغطية المناسبة، فأريد أجركم فقط؛ تريد المشاركة بالأجر.
فسعت بهذا، ولكن الله فتح لها كثيراً من العلم، مع أنها امرأة كبيرة في السن، ويسر الله لها تعلم كثير من العلم فقرأت عدة من تفاسير كتاب الله تعالى وأحاطت بما فيها، ثم قرأت عدة من كتب السنة وأدركت كثيراً مما فيها، ثم حاولت أن تعيش لله تعالى فأوذيت في سبيل الله بأنواع الإيذاء، فسجنت مدة سنتين وثمانية أشهر تحت التعذيب، ومكثت ثلاثة أيام بلياليهن لا تجد ماءً ولا مأكلاً، ورميت في بركة من الماء البارد في الشتاء فلما خرجت جلدت خمسمائة سوط وأعيدت إلى الماء البارد فلم ترجع، وصبرت على أنواع الإيذاء في ذات الله، ولكنها خرجت من السجن وهي شامخة الأنف، بطلة من أبطال الإسلام، حامية لثغر من ثغور هذا الدين.
وكذلك: أعرف أخرى في عصرنا هذا ما زالت حية، وكان من أمرها أنها تزوج بها أحد الدعاة إلى الله عز وجل، فسعت في مؤازرته في دعوته متأسية بـخديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فكانت في خدمته ومواساته والسعي معه في نصرة دين الله، فتعرض لبعض الإيذاء وأخذ إلى السجون، فلما أخذ إلى السجون كانت هذه المرأة عند حسن الظن بها، فأخذت كل ما بحوزة زوجها مما تعلم أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد فوضعته في أكياس خاصة وأخفتها في أخفى مكان، وأخذت الأولاد واعتنت بهم وعلمتهم ما كان يحب أن يتعلموه، وربتهم على الشهامة وحسن الخلق، وأن يبذلوا نفوسهم نصرة للدين، وأن يكونوا مثل أبيهم مضحين في سبيل الله.
وكثرت الضغوط على هذا الرجل في السجن، حتى إنه عرض له فلم فيه صورة واجهة بيته وكأن امرأة تخرج يدها لأهل الشارع تطلب منهم المساعدة، يريدون أنها زوجته، وكل هذا دبلجة غير صحيحة، وأخرجوا له صورة بعض الأولاد وهم في أرث ملابس وفي أشد حال، يريدون الضغط عليه نفسياً، وقالوا: أنت المسئول عن هؤلاء، فأنت يمكن أن تصبر على ما شئت؛ لكن هؤلاء ما ذنبهم؟ هذه المرأة المسكينة التي أخذتها من بيت أهلها، وهؤلاء الأولاد الذين كنت سبباً في شقائهم عليك أن ترحمهم، ولكن الرجل كان محقاً فصبر وصمد.
ثم أرادوا الذهاب إلى بيته لتفتيشه فجاءوا يطلبون تفتيش البيت فامتنعت المرأة أن تفتح لهم وسبتهم سباً يظهر فيه كثير من الجراءة والشجاعة، ثم أتوا به هو فسلم عليها فعرفت صوته فرحبت به ترحيباً كبيراً وجعلته بطلاً عظيماً وفتحت له الأبواب وأدخلته وقامت في خدمته، ثم قالت: أما هؤلاء الكلاب الذين معك فإني لا أخدمهم فإن شئت فناولهم الضيافة وإلا فدعهم فهم كلاب يخدمون أنفسهم، ثم أدخلت الأولاد في المغتسل فنظفتهم وألبستهم أحسن الملابس وأتت بهم واحداً بعد الآخر يقبلون رأس أبيهم ويقرءون عليه ما حفظوه بعده من القرآن والسنة، ويشجعونه على ما هو فيه، وكل واحد ينشد أنشودة فيها بطولة وشجاعة.. وهكذا؛ فأدرك الرجل أن وراءه شخصاً يوثق به، وأن وراءه من لا يتضعضع ولا يلين في كل الخطوب، وبذلك استفاد كثيراً وازداد ثباتاً في سجنه، حتى إنه حين رجع إلى السجن قال: لا أبالي حتى ولو دام السجن حتى نهاية العمر فإن خلفي من أثق به.
ولهذا يقول أحد الشعراء في تخليد هذا النوع من النساء:
ما غاب من خلّف في الدار من ترعاه في مقامه والمسير
كأنها إياه في كل ما تفعل في غيبته تستشير
تأتي الذي يرضى وتأبى الذي يأبى عليها دينها والضمير
السؤال: ما هو مفهوم الحريات في الإسلام؟
الجواب: الحريات جمع حرية، والحرية معناها الإذن في التصرف، والإذن في التصرف أنواع عديدة، فمنه: الإذن في التصرف في المال، والإذن في التصرف في السفر... ونحو ذلك.
وهذه الحريات متاحة مكفولة، ولكن ليس معنى ذلك الخروج عن العبودية لله تعالى، بل الناس جميعاً عباد خلقهم الله تعالى لحكمة بينها وهي عبادته، وليس من حقوقهم أن يتخلصوا من دين الله تعالى ولا من شرعه ولا مما بينه لهم، فليس هذا من الحرية، بل الحرية أن يكونوا عباداً لله تعالى، وأن يتخلصوا من هواهم ومن طاعة شياطينهم، فهذه هي الحرية الحقيقية.
وكثير من الناس يُعبِّد نفسه للهوى والشيطان بحجة الحرية، ويرى أنه نال حريته حين تخلص من دين الله، والواقع أنه ارتكس في أدران العبودية للمخلوق، حين عجز أن يحقق العبادة لله تعالى التي تشرف صاحبها، وارتكس في أدران العبودية للمخلوق وأصبح عبداً للهوى والشيطان، وعبداً للنفس الأمارة بالسوء، فازدادت عبودياته وازدادت القيود عليه.
ولذلك فإن فكرة الوجودية وهي نظرية سارتر المعروفة، وهو فيلسوف فرنسي، تدعو هذه النظرية إلى تخليص الإنسان من كل الأديان والأخلاق وكل ما كان لديه من تراث، وتدعو أن يخرج الناس عراة في الشوارع كما تخرج الحمر والبهائم، وهذا غاية في السخافة والمذلة والهوان، وهو ليس من الحرية في شيء، إنما هو من العبودية للهوى والشيطان، ولذلك تسمعون اليوم عن عباد الشيطان الذين ظهروا في مصر والكويت وفي غيرها، وهم قوم محضوا أنفسهم لعبادة الشيطان، وسموا أنفسهم عباد الشيطان، واتبعوا أهواءهم وما زينت لهم شياطينهم، فكانوا في غاية العبودية للشياطين ولمن هم أدنى منهم وأقل منزلة وأدنى حالاً، فحين عجزوا عن عبادة الله تعالى عبدوا أنفسهم للشيطان؛ نعوذ بالله.
السؤال: ما هو نص الحديث الذي جاء فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لـعائشة : (ما عوضني الله خيراً منها)؟
الجواب: نص هذا الحديث أن عائشة رضي الله عنها ذكر عندها الرسول صلى الله عليه وسلم خديجة فأثنى عليها خيراً، فقالت: (يا رسول الله! ما تذكر من عجوز ماتت في سالف الزمن قد عوضك الله خيراً منها، فقال: لا والله ما عوضني الله خيراً منها، فقد رزقني الله منها الولد) وهذا بيان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما عوضني الله خيراً منها) يقصد في جهة واحدة وهي: أن الله رزقه منها الولد، وليس الحديث نصاً في أن خديجة أفضل النساء، وأفضل أزواج رسول صلى الله عليه وسلم، بل الراجح أن عائشة أفضل منها، ولكن قوله: (لا والله ما عوضني الله خيراً منها فقد رزقني الله منها الولد) مبين أن وجه كونها خيراً أن الله رزقه منها الولد فقط.
السؤال: ما اسم الرسول الذي أرسل إلى مسيلمة الكذاب ، وما اسم والدته، وهل هو الذي قام مسيلمة بتقطيعه إرباً إرباً؟
الجواب: هو حبيب بن زيد ، وأمه هي نسيبة رضي الله عنها، فهو الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة فكان إذا سأله: هل تشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ يقول: نعم.
فإذا قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إني أصم لا أسمع.
السؤال: ما حكم صبغ الرأس باللون الأسود أو بالألوان كلها؟
الجواب: صبغ الرأس باللون الأسود محرم على الراجح، لما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته جيء بـ أبي قحافة كأن رأسه ثغامة، فقال: (غيروا عنه هذا الشيب؛ فإن شدة بياض الشيب من الشيطان، وجنبوه السواد) فهذا نهي من الرسول صلى الله عليه وسلم عن السواد.
وقد ورد في هذا أحاديث أخرى منها: ما أخرجه ابن ماجه وأحمد في المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أقواماً يأتون في آخر الزمان يسودون لحاهم حتى تكون كحواصل الطير، لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها)، فهذا يدلنا على حرمة الصبغ بالسواد، ولذلك يحرم الصبغ بالسواد مطلقاً للرجال والنساء.
أما الألوان الأخرى فإن تغيير الشيب بها من السنة كما قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (غيروا عنه هذا الشيب فإن شدة بياض الشيب من الشيطان)، وذلك ينبغي أن يكون بالحناء كما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بالكتم، والكتم يشبه الحناء إلا أن في لونه غبرة، وهو صبغ أحمر، وكذلك غيرهما من الألوان فكلها يجوز تغيير الشيب بها.
أما صبغ الشعر الأسود ليتغير لونه من أجل التحسن فقط فإن هذا لا يجوز؛ لأنه من تغيير خلق الله، وقد جاء في حديث ابن مسعود في صحيح البخاري أنه قال: (لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله)، مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، فجاءته امرأة وقالت: لقد قرأت المصحف من الدفة إلى الدفة فما وجدت فيه لعن من تقول، فقال: إن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت قول الله تعالى: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[الحشر:7] .
ولذلك فتغيير لون الشعر من أجل محاكاة جنس من البشر كمن يصبغه بالصبغ الأصفر الذهبي ليكون مثل الأوروبيين، أو نحو ذلك محرم؛ لأنه مثل التفلج للحسن، وهذا تغيير لخلق الله تعالى بمحرم.
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تتوضأ وفي رأسها آلة حكامة، أو لابد أن تنزعها؟
الجواب: هذه الحكامة إذا كانت صغيرة مثل الأصبع مثلاً فإنه يجوز أن تمسح على رأسها في الوضوء وأن لا تنزعها، وإن كانت أكبر من ذلك فإن الأحوط أن تنزعها، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، وسبب هذا الخلاف الاختلاف في تفسير قول الله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ[المائدة:6] : هل الباء للتبعيض أو الإلصاق، فإن كانت الباء للإلصاق اقتضى هذا مسح جميع الرأس، وإن كانت الباء للتبعيض فإنها مقتضية لوجوب مسح بعض الرأس فقط، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الناصية وكمل على العمامة، لكن هذا إنما كان لضرر ومرض، والحكّامة لا تشبه هذا، فإن كانت كبيرة تغطي جزءاً كبيراً من الرأس فإن الأحوط أن تنزعها المرأة وأن تمسح على رأسها مباشرة، وإن كانت صغيرة كالإصبع فيجوز المسح على الرأس وتركها فيه؛ لأن العبرة بالأغلب.
السؤال: ما حكم خلوة المرأة مع السائق، وهل هي خلوة أم لا إذا علمت أن الطريق مزدحم بالمارة؟
الجواب: ركوب المرأة في سيارة مع السائق إذا كانت في الخلف وليست قريبة منه، وكان هذا في وقت ليس وقت خلو الشوارع من الناس -كآخر الليل مثلاً- لا يعتبر خلوة، وأما ركوبها بجنبه فلا ينبغي مطلقاً، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تحققن الطريق)، فكان نساء المؤمنات -أي: نساء الصحابة- إذا سرن في الطريق ألصقن أعضادهن بالحيطان امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهاهن أن يحققن الطريق، وكذلك أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطفن من وراء الرجال، وكذلك جاء عنه: (باعدوا بين أنفاس الرجال وأنفاس النساء)، لكن إذا كانت تركب في الخلف وكان الوقت ليس وقت ريبة فلا يعتبر هذا خلوة.
السؤال: ما حكم استماع المرأة للأناشيد الإسلامية إذا علمت أنها تجد وجداً؟
الجواب: استماع المرأة للأناشيد الإسلامية جائز مطلقاً، وقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه في الصحيحين: (أنه في سفر من أسفاره أمر أنجشة وكان عبداً حبشياً حسن الصوت أن ينشد، فأنشد حتى حرك الإبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفقاً بالقوارير يا أنجشة) ويقصد بالقوارير النساء، وكذلك ثبت عنه في الصحيحين: (أنه أمر عامر بن الأكوع أن ينشد، فأنشد حتى حرك الإبل في غزوة خيبر) وكان معه صلى الله عليه وسلم عدد كبير من النساء.
فسماع النساء للأناشيد لا حرج فيه، لكن لا ينبغي ولا يجوز أن تنشد المرأة فيسمع الرجال صوت نشيدها، إلا إذا كانت صغيرة لم تبلغ بعد فيجوز؛ لما ثبت في صحيح البخاري : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى قوماً من الأنصار، فأتوا بفتيات ينشدن فكان مما قلن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعي هذه، دعي هذه) فأنكر عليها هذا؛ لأن فيه تعدياً على حقوق الألوهية حين ذهبت إلى أنه يعلم علم الغيب، وليس ذلك صحيحاً.
السؤال: امرأة معها مجموعة من الرجال ليس فيهم أحد من محارمها، هل يعتبر ذلك خلوة أم لا؟
الجواب: لا، ليس هذا بخلوة، لكن لا ينبغي إذا أدى إلى الريبة، وما لم يؤد إلى ريبة فلا حرج فيه، فقد ثبت في صحيح البخاري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج بـزينب بنت جحش رضي الله عنها تخلف بعض الرجال يتحدثون في بيتها -ثلاثة رجال- فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع فوجدهم يتحدثون، ثم خرج فرجع فوجدهم يتحدثون، فأنزل الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ[الأحزاب:53] ) .
السؤال: ما حكم زيارة القبور للنساء إذا علمت أنها تزور والديها وتسافر من مكان بعيد؟
الجواب: زيارة القبور نهى عنها الرسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام حين تكاثر الناس بموتاهم وكانوا يعدونهم فيفخرون بهم، ثم بعد ذلك بعد أن أنزلت سورة: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ[التكاثر:1-2]، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة) ، وفي رواية: (فزوروها ولا تقولوا هجراً)، والهجر الكلام القبيح، وهذا الحديث عام في الرجال والنساء، والدليل على ذلك ما ثبت من حديث عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تقول إذا زارت الأموات؟ فعلمها أن تقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، آمن الله روعتكم، وآنس وحشتكم، وجعل الجنة موعداً بيننا وبينكم، يرحم الله المتقدمين منا والمستأخرين).
وكذلك فإن عائشة رضي الله عنها فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عندها، فخرجت تبحث عنه فوجدته واقفاً تلقاء رءوس المقبرة وهو يدعو لهم، فوقفت خلفه ودعت بما دعا به، ثم رجعت فسبقته، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها خرجت تبحث عنه، فسألها فقصت عليه الخبر.
وعلى هذا فإن المرأة إذا كان بقربها أموات فإنه لا حرج في زيارتها لهم لكن لا تقف على كل قبر، بل تقف أمام المقبرة وتتذكر الآخرة وتدعو لهم بما علم الرسول صلى الله عليه وسلم عائشة أن تدعو به، وحينئذ تستفيد المرأة من ثلاثة أوجه ينبغي ترتيبها:
الوجه الأول: أن تتذكر أن القبر حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة، وأن صاحبه قد انقطع خبره عن أهل الدنيا، وأن أهل القبور مسجونون في قبورهم، فهم أسارى ذنوب لا ينفكون، وأهل قرب لا يتزاورون، وأنهم هنا في هذا الحال إما أن يكونوا في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار، والقبر أول منازل الآخرة وهو أعظم من كل ما قبله، وأعظم منه كل ما بعده، هذه الموعظة الأولى.
الموعظة الثانية: أن تتذكر حال هؤلاء الذين دفنوا في هذه القبور فانقطعت أخبارهم عن الناس، وقد كانوا يظن أنهم من المؤثرين، ومن الذين يوثق بهم وتوكل إليهم الأعمال والأمور، ومع ذلك أصبح أهلوهم يتصرفون في أمتعتهم من بعدهم، فالشخص الذي كان شحيحاً بخيلاً أصبح ماله يتقاسمه الناس، والشخص الذي كان يحرص على أسراره وأموره المختصة به أصبحت صناديقه مقسمة بين الناس ومفاتيحه في أيديهم، وهكذا فملابسه الخاصة يلبسها من سواه، قد انتقل عن هذه الدنيا فأصبح بعد أن كان يخاف من كل شيء في أوحش المنازل وأشدها خوفاً، كما قال الشاعر يرثي زوجته:
أنى حللت وكنت جد فروقة بلداً يمر به الشجاع فيفزع
ولقد تركت صغيرة مرحومة لم تدر ما جزع عليك فتجزع
فإذا سمعت أنينها في ليلها طفقت عليك شئون عيني تدمع
فهنا يقول: (أنى حللت وكنت جد فروقة بلداً يمر به الشجاع فيفزع)
(كانت جد فروقة) أي: تحذر أن تبقى وحدها في الغرفة، تحذر من الظلام، تحذر من كل الأمور، ومع ذلك أصبحت تعيش في هذه الحفرة الموحشة. فهذا هو القسم الثاني من الموعظة التي تحصل لزائر القبور، وهذا القسم هو الذي حصل في أيام معاوية رضي الله عنه؛ فإن رجلاً جاء إلى الشام فرأى جنازة تحمل، فخرج مع أهلها، فلما دفنوها وقف يبكي، وأنشد قول الشاعر:
يا قلب إنك في أسماء مغرور فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير
فبينما المرء في الأحياء مغتبط إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه وذو قرابته في الحي مسرور
فقال له رجل ممن كان يحمل الجنازة: أتعرف قائل هذه الأبيات؟
فقال: لا والله.
فقال: قائلها صاحب هذا القبر وأنت الغريب الذي يبكي عليه، وهو الذي كان مغبوطاً في الأحياء، فإذا هو في الرمس تعفوه الأعاصير، فكان هذا من المواعظ العجيبة.
الموعظة الثالثة: أن يتذكر الشخص حال هذا الميت بعد انتقاله من السرور والحبور إلى القبور، يتذكر حال أهل هذا الميت بعد انتقاله عنهم، فإنه كان ينظر إليهم على أنهم يعيشون في كنفه، وأنه هو الذي يتولى أمورهم ويقوم بمصالحهم، وقد انتقل عنهم فلم يتغير شيء في حياتهم، وكانوا يظنون أنه المدبر والمنفق عليهم، وأنه لا يأتيهم رزق إلا من قبله، فانتقل فلم يتغير شيء من أمورهم البتة، كما قال الشاعر:
تقلبت الدنيا كأن ليس حادث وما اختل من صرف الزمان نظام
أي: لم يختل أي شيء مما كان، وهذا يدل على أن الله وحده هو المدبر الحي القيوم الخالق الرازق.
بعد هذا تأتي موعظة الختام وهي: أن يتذكر الزائر للقبور أن أحسن أحواله أن يدفن كما دفنوا، وأن يموت بين المسلمين فيصلى عليه وينقطع خبره، فلا يصل منه اتصال هاتفي ولا رسالة ولا أي خبر إلى أهل الدنيا، فهذه الموعظة الأخيرة، وهذا لا يقتضي التجول بين الأجداث والمرور عليها والوقوف عليها والجلوس عليها، فهذه أمور محظورة شرعاً.
وإنما تكون زيارة القبور الشرعية بأن يقف الشخص أمام القبور حتى يراها ويتعظ بحال أهلها ولا ينبغي أن يتدخل بينهم، وأن يمر على القبور ويجلس على بعضها، فقد جاء في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يجلس أحدكم على جمر فيحرق ثوبه فيصل إلى جسده، خير له من أن يجلس على قبر).
وكذلك المرور على القبور والخروج من فوقها كل هذا مما لا ينبغي، فعلى الشخص أن يقف لقصد الموعظة وقصد الدعاء، فأصحاب القبور إذا كانوا مؤمنين ينتفعون بدعاء من دعا لهم، والزائر هو المنتفع بهذه المواعظ التي ذكرناها، وليس بينه وبين الأموات أية صلة غير هذا، ولا يمكن أن يستفيد منهم أي منفعة ولا أن يوصل إليهم أي خبر، ولا أن يعرف من أمورهم أي شيء، إنما يستفيد فقط من هذه المواعظ.
السؤال: ما حكم السفر بقصد زيارة الأموات حتى من بعيد؟
الجواب: السفر إلى الأموات لقصد الزيارة محل خلاف بين أهل العلم، والذي يبدو لي أنه إذا كان للوالدين مثلاً، أو كان الشخص يجد قسوة شديدة في قلبه ويحتاج إلى أن يتذكر أنه سيدفن في هذه التربة على الغالب وإلا فهو لا يدري أين يدفن: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ[لقمان:34] ، فإذا كان كذلك فلا أرى بأساً في خروجه مسافراً لهذا الغرض، لكن ينبغي أن ينوي بذلك سياحة في سبيل الله تعالى وتفكراً في عجائب خلق الله تعالى، وموعظة، وأن لا يطلب شيئاً -من هذه الزيارة- من الأمور التي يسافر لها الناس، إذ كثير من الناس يسافرون إلى أصحاب القبور والذين لا يدرى هل هم في جنة أو في نار ويطلبون منهم ما لا يقدرون عليه في حياتهم فكيف بهم بعد موتهم؟ والله تعالى يقول: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[فاطر:14] .
ولو قال قائل: إنه ثبت مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم للأموات وسماعهم لكلامه، فنقول: قد جاء في كتاب الله تعالى قول الله مخاطباً محمداً صلى الله عليه وسلم الذي هو خيرة الله في خلقه: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ[النمل:80] ، وجاء فيه قول الله تعالى: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ[الأنبياء:45] ، وجاء فيه قول الله تعالى: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ[فاطر:22-23]، فكل هذا يقتضي عدم الاتصال بين الأحياء والأموات نهائياً.
وكذلك قول الله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ[المؤمنون:101] ، وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[المؤمنون:100] ، ( من ورائهم برزخ )، أي: من دونهم حاجز يحول بينهم وبين الحياة الدنيا وما فيها إلى يوم يبعثون: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ[المؤمنون:100-103].
وأما الاستدلال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب أهل القليب يوم بدر، فهذا ليس حجة في الموضوع؛ لأنه إنما علم عن طريق الوحي أنهم يسمعون، وأن هذا من تعذيبهم، وهو تعذيب لهم لا مسرة تدخل عليهم، فهو مما يزيد عذابهم، ولذلك قال: (ما أنتم بأسمع منهم بما أقول)، فهذا من جنس عذابهم ولا يستدل به في النعيم.
وعلى كل فحتى لو قدر أن الأموات يسمعون فإنهم لا ينتفعون بسماع شيء مما يصل إليهم أبداً، وهذا محل إجماع: أنهم لا ينتفعون بالسماع.
لكن هل يسمعون أم لا؟ هذا محل خلاف. وهل ينتفعون بالسماع؟ لم يقل أحد بانتفاعهم به، فلا ينتفعون بشيء مما يسمعون.
السؤال: ما حكم قص الشعر للنساء إذا علمت أنه للزينة وليس لضرورة؟
الجواب: الأخذ من شعر المرأة إذا كان لزينة وكانت ستستره ولا تبديه ولم يكن بقصد التشبه بالكافرات أو الفاجرات فلا حرج فيه، وقد كان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذن من رءوسهن، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم في كتاب الحيض أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يأخذن من رءوسهن حتى تصير كالوفرة، والوفرة هي ما جاوزت شحمة الأذنين من شعر الرأس.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر