السؤال: [فضيلة الشيخ! كيف يستطيع طالب العلم أن يرجح بين أقوال أهل العلم في المسائل الخلافية؟]
الجواب: ينبغي أولاً أن يعرف أقوال أهل العلم, وأن يعرف أدلتهم، ثم بعد ذلك يرجح هو لنفسه في إفتائه ما قوي لديه دليله، وإذا رجحت أنا أحد القولين فسيزداد أحد القولين بصوت واحد، فمثلاً: تصوروا أن المسألة التي فيها خلاف بين الصحابة وبين التابعين وبين أتباع التابعين إلى أن وصل الخلاف إلينا الآن، إذا قلت: أنا الراجح كذا، ففائدة الترجيح أنه ازداد أحد القولين بصوت واحد فقط، وهذا لا يحسم الخلاف في المسائل.
السؤال: شيخ بارك الله فيك! من المعلوم أن مذهب الجمهور في الماء المتغير بطاهر في أحد أوصافه دون أن يسلبه اسم الماء أنه طاهر غير مطهر، ورجح بعض المحققين كـابن تيمية أنه مطهر لغيره؛ لأنه لا دليل على أنه سلب هذه الخاصية طالما أنه يطلق عليه اسم ماء دون إضافة, فيدخل في عموم نصوص الماء. ما توجيهكم؟
الجواب: ما ذكر هنا هو ترجيح لشيخ الإسلام ابن تيمية للمذهب الحنفي، وهذا الترجيح أيضاً لم يحسم الخلاف, بل ازداد المذهب الحنفي بصوت واحد، وهو صوت شيخ الإسلام ابن تيمية، فلم يحسم الخلاف، وقولك: (لأنه لا دليل)، هذه كلمة كبيرة لا يقولها طلاب العلم؛ لأنها تحتاج إلى إحاطة بجميع الأدلة، وهذا طبعاً غير صحيح، وقد ذكرنا أن هناك أدلة تدل على أنه قد سلب طهوريته؛ لأن الطهورية إنما هي الإطلاق أي: أن يكون الماء مطلقاً غير مضاف ولا منسوب إلى شيء، فإذا أضيف أو نسب إلى شيء فإن ذلك مؤثر فيه على الأصل، ومذهب الحنفية يعتمدون فيه على حديث ضعيف؛ وهو حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( ثمرة طيبة, وماء طهور )، والحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج.
السؤال: فضيلة الشيخ! لدي شك في الإخلاص, فأرجو أن تذكرنا بإخلاص العمل؟
الجواب: نحن سبق أن بينا أن الشهادتين -شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله- هما أصل كل عمل، فشهادة أن لا إله إلا الله مقتضاها في العمل: الإخلاص فيه لله، وشهادة أن محمداً رسول الله مقتضاها في العمل: المتابعة فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
والعمل على أربعة أقسام:
القسم الأول: عمل ينفع في الدنيا والآخرة، وهو العمل الذي تحقق فيه مقتضى الشهادتين, فأخلص فيه صاحبه لله, وتابع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو نافع له في الدنيا؛ لأنه رافع للتكليف، ونافع له في الآخرة؛ لأنه يثاب عليه.
القسم الثاني: العمل الذي لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة، وهو ما خلا من مقتضى الشهادتين، فلم يخلص فيه صاحبه لله, ولا تابع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا العمل باطل لا نفع فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
القسم الثالث: ما هو نافع في الدنيا دون الآخرة، وهو العمل الذي حصل فيه مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله, ولم يحصل فيه مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، فلم يخلص فيه صاحبه لله، ولكنه أداه على وفق السنة، فهذا العمل ينفع في الدنيا؛ لأنه يمنع الحد, فلا يقام عليه حد ترك الصلاة مثلاً، ولا تلزمه الإعادة في الدنيا، لكن لا يكتب له في الآخرة أي شيء.
القسم الرابع: العمل الذي ينفع في الآخرة ولا ينفع في الدينا، وهو العمل الذي تحقق فيه مقتضى شهادة لا إله إلا الله ونقصت فيه المتابعة، كالصلاة بغير طهارة ناسياً, فهذه الصلاة باطلة في الدينا, ولا تنفع الإنسان، بل يلزمه إعادتها، ولكنها نافعة له في الآخرة.
ومن الآيات التي تدل على أهمية الإخلاص قول الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، وقوله تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ [الزمر:11-12]. وحديث أبي هريرة القدسي الذي في صحيح مسلم: ( من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
السؤال: ما معنى قوله تعالى: بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة:14]؟
الجواب: معناها: أن الإنسان شاهد على نفسه؛ لأن كل أعضائه ستشهد عليه يوم القيامة, والآيات الدالة على ذلك كثيرة, منها: قوله تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]، وقوله: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:24] وقوله: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ [فصلت:21-22].
فالإنسان تشهد عليه جوارحه وأطرافه وأعضاؤه، فهو على نفسه بصيرة أي: شاهد على نفسه يوم القيامة.
السؤال: ما تفسير قوله تعالى: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه:40]؟
الجواب: هذا خطاب لموسى بن عمران عليه السلام, يخاطبه ربه جل جلاله فيبين له مسيرته وقصته، وأنه قد فتنه فتوناً أي: امتحنه امتحانات، وهذا شأن الأنبياء جميعاً، فإن الله يمتحنهم وينجحون في الامتحان دائماً، كما قال الله تعالى في إبراهيم عليه السلام: وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ[البقرة:124]، أي: نجح في جميع الامتحانات، وكذلك موسى عليه السلام امتحنه الله سبحانه وتعالى امتحانات كثيرة فنجح في الامتحان, ولذلك قال: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه:40].
السؤال: بالنسبة لدخول الغاية في المغيا. هل هناك تفريق بحسب نوع الغاية؛ بمعنى: إذا كانت من جنس المغيا دخلت, وإذا لم تكن من جنسه خرجت؟
الجواب: هذا قول لبعض الأصوليين؛ أن التفريق بين النوع وغيره، لكن الذي نتكلم فيه هو ما إذا كانت الغاية من جنس المغيا، فهذا محل البحث، أما إذا كانت ليست من جنسه فإنها خارجة منه دائماً على الراجح، كمن باع حائطاً من نخل إلى شجرة من كرم، فقال: بعتك هذا الحائط إلى شجرة الكرم، فإن الراجح عدم دخولها فيما بيع؛ لأنها ليست من جنسه.
السؤال: فضيلة الشيخ! تضيف هيئة المياه بعض الكيماويات من أجل الوقاية من الأمراض فيتغير طعم الماء, فما حكم الطهارة به؟
الجواب: ذكرنا أن هذا لا يضره؛ أن الشيء اليسير من ذلك لا يضره؛ لأنه مصلح له.
السؤال: قلت: إن قوله: (إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه) هذا إجماع, فما هو مستند هذا الإجماع؟
الجواب: ذكرنا أن مستنده حديث ضعيف أخرجه البيهقي وغيره، وأن مداره على رشدين بن سعد، وقد ذكر أهل العلم أيضاً أن له رواية أخرى من طريق أخي رشدين وهو راشد بن سعد، وهما ضعيفان؛ رشدين وراشد كلاهما متكلم فيه، فمستند الإجماع قد يكون حديثاً ضعيفاً؛ لأنه وصل إليه من طريق صحيح فانعقد الإجماع عليه، وبعد حصول الإجماع لا يسأل عن مستنده.
السؤال: ما صحة حديث: ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر)؟
الجواب: هذا الحديث حسن إن شاء الله كما قال ابن حجر، وقد سكت عنه أبو داود في سننه، وأبو داود قال في رسالته إلى أهل مكة: (هذا كتاب السنن جمعت لكم فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث, كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلها بالأحكام، فما سكت عنه فهو صالح إن شاء الله, وما كان ضعيفاً بينته). فبين أن ما سكت عنه فهو صالح عنده.
السؤال: فضيلة الشيخ! قرأت أن الحنفية والمالكية يؤثمون في ترك السنن المؤكدة كترك صلاة الجماعة أو الوتر، فهل في المسألة تفصيل؟
الجواب: هذا المصطلح وهو تسمية السنن هو اصطلاح, وهو يختلف باختلاف المصطلحين، فسنن الصلاة المؤكدة يؤثم المالكية والحنفية بتركها، وهي السنن الغير المنفصلة، فمثلاً: من ترك السورة في صلاة الصبح عامداً, فعندهم يأثم وتبطل صلاته، ومن ترك التشهد عامداً -أي: ترك الجلسة الوسطى عامداً- أو من أسر في حال الجهر عامداً أو من جهر في حال السر عامداً، فهذا يبطلون صلاته بالعمد في ذلك، وهي ثمان سنن عندهم ستأتينا إن شاء الله في الكتاب ويجمعها: ( تاءان، وجيمان، وشينان، وسينان), وقد ذكرها بعضهم يقول:
سينان شينان كذا جيمان تاءان عد السنن الثمان
فالسينان هما: السر, والسورة، والجيمان هما: الجهر, والجلوس الأوسط، والشينان هما: التشهد الأول, والتشهد الثاني، والتاءان: التكبير, والتسميع ما عدا تكبيرة الإحرام، فهذه هي السنن الثمان, فمن ترك واحدة منها عامداً بطلت صلاته، ومن ترك اثنتين منها ساهياً لزمه السجود إلا السر والجهر فإنه يلزم السجود بأحدهما فقط.
أما السنن المنفصلة كالوتر وغيره فلا يؤثمون تاركها، لكن يرون أن المداوم على ذلك مجروح الشهادة، فالذي لا يصلي الوتر أبداً أو يترك السنن المنفصلة دائماً يرون أنه مسقوط الشهادة؛ لأن هذه السنن سياج الفريضة، فمن تركها سهل عليه ترك بعض الفرائض، وهم يرتبون ذلك فيقولون: المندوبات هي سياج السنن، والسنن هي سياج الفرائض، ولذلك يقولون: إن من ترك آداب الطعام والشراب لابد أن يترك بعض السنن، ومن ترك بعض السنن لابد أن يترك بعض الفرائض، وهذا من البلاء في الدين، ولذلك يقول العلامة محمد مولود رحمة الله عليه:
فالمتهاون بها يبلى بأن يئول أمره إلى ترك السنن
(فالمتهاون بها أي: بآداب الطعام والشراب.
والمستخف بأداء السنن عمداً بإهمال الفرائض مني
(مني) أي: بلي.
السؤال: فضيلة الشيخ! لقد حسنتم حديث: ( كل أمر ذي بال )، وقد رأيت بعض العلماء ضعفوه، بل قالوا: إنه موضوع لا أصل له، وذلك في سلسلة الأحاديث الضعيفة؟
الجواب: الحكم عليه بالوضع غريب جداً، وقد حسنه الحافظ ابن حجر وسكت عنه أبو داود ولا وجه لوضعه، أما تضعيفه فليس له طريق واحدة صحيحة خالية من كل العلل، لكن مع ذلك له طرق مختلفة في الطريق، ولو حصل فيها اضطراب، فمثلاً: طريق (أبتر), وطريق (أجذم), وطريق (أقطع)، الاضطراب فيها معقول؛ لأن المعنى واحد، وهو الاجتماع في النقص، لكن الاضطراب الآخر في رواية: (بسم الله)، ورواية: (الحمد لله)، وأيضاً يمكن الجمع بينه بأن (بسم الله) للابتداء الحقيقي، وأن (الحمد لله) للابتداء النسبي، فيكون الاضطراب محكوماً حينئذٍ بزواله.
السؤال: فضيلة الشيخ! نرجو أن توضح لنا فرائض الوضوء وسنن الوضوء؟
الجواب: يبدو أن السائل لم يحضر الدرس أو لم يحفظ المتن، وأنا أرجو من الإخوة أن يحفظوه، فالكتاب لم يختر على أساس غير أساس الحفظ، فأهميته سهلة حفظه، وأيضاً نحن نشرح منه الشيء اليسير، فقد شرحنا ثلاثة عشر بيتاً, واليوم ثمانية عشر بيتاً، وهذا أمر يسير جداً، والمفروض أن يحفظ طالب العلم مثل هذا العدد في ربع ساعة فقط.
السؤال: إذا كان السواك بالإصبع يجوز فلماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لولا أن أشق على أمتي )؟
الجواب: الحديث فيه تأكيد على السواك، وإذا لم يجد الإنسان آلة له كعود أو وسيلة أخرى فالإصبع قطعاً مزيل لبعض الوسخ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم )، وهذا المستطاع.
السؤال: ما وجه الفرق بين تارك الفرض بقرب أو بطول؟ وما الدليل على هذا التفريق؟
الجواب: تارك الفرض بقرب هو لم يرتب أعضاء الوضوء، فهو جالس في مكان الوضوء ولم يرتب أعضاء الوضوء، وأعضاء الوضوء جاءت مرتبة في القرآن: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ[المائدة:6]. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، بل كل أحاديث وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فيها هذا الترتيب، فدل ذلك على أن الترتيب مشروع سواء قلنا بالوجوب أو بالسنية، لكنه مطلوب قطعاً.
أما إذا كان قد رأى لمعة أو تذكر عضواً وقد خرج من مكانه، فقد ثبت في حديث ابن مسعود أنه رأى لمعة فعصر لحيته، فأخذ ما فيها من الماء فغسل به تلك اللمعة, وهو خارج من المسجد ولم يعد شيئاً من وضوئه. والإنسان حينئذٍ غير مخل بترتيب أعضاء الوضوء.
السؤال: فضيلة الشيخ! نريد أن تسمعنا حديثاً بالإسناد؟
الجواب: أحدثكم بما حدثني به جدي محمد علي بن عبد الودود عن يحظيه بن عبد الودود عن محمد بن محمد سالم المجلسي عن حامد بن عمر، عن الفقيه الخطاط، عن القاضي ابن عليم أم السباعي، عن شيخ الشيوخ الحسني، عن علي الأجهوري، عن البرهان العلقمي، عن جلال الدين السيوطي، عن زكريا الأنصاري، عن الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، عن إبراهيم التنوخي، عن أحمد بن أبي طالب الحجار، عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي، عن الحسين بن المبارك عن عبد الرحمن بن محمد الداودي، عن عبد الله بن أحمد السرخسي، عن محمد بن يوسف بن مطر الفربري، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري، قال في أول صحيحه: حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال: أخبرنا سفيان قال: حدثني يحيى عن محمد بن إبراهيم التيمي أنه أخبره أن علقمة بن وقاص الليثي أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، وبالإسناد السابق إلى البخاري رحمه الله قال في الصحيح أيضاً: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد الأنصاري،عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: ( الأعمال بالنية، وإنما لك امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
ولكم الحق أن ترووا هذا الحديث بالإسناد المتصل إلى البخاري، وبيني وبينه في هذا السند بالسماع تسعة عشر رجلاً بيني وبين البخاري، وبينكم وبين البخاري عشرون رجلاً الآن، ولي أسانيد أقصر في هذا الحديث وغيره؛ لكنها بالإجازات وليست بالسماع، وهذا الحديث أخرجه البخاري في سبعة مواضع, فأخرجه في موضعين من حديث سفيان بن عيينة، وفي موضعين من حديث مالك بن أنس، وفي موضعين من حديث حماد بن زيد، وفي موضع واحد من حديث عبد الوهاب الثقفي .
السؤال: فضيلة الشيخ! نرجو أن تتكرموا علينا بمنع هذا التصوير؛ لأننا ندين الله عز وجل بحرمته؟
الجواب: هذا رأي شخصي لقائله, ولا يقتضي ذلك إيجابه على الجميع، فالتصوير الذي ورد في الأحاديث النهي عنه هو ما كان موجوداً في العهد النبوي، وهذا التصوير الموجود الآن الفوتوغرافي والتصوير الفيديو لم يكن قطعاً موجوداً في العهد النبوي، ولا يستطيع كاتب السؤال دعوى ذلك، فإذاً هو يفسر النصوص بأمر تجدد بعد النصوص، كالذي يفسر قول الله: وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ[يوسف:20]، فيقول: كامري أو لاند روفر مثلاً، وهذا تفسير غير معقول؛ لأنه حمل للنصوص على معنىً تجدد، فدلالة النص في وقت وروده كان على معنىً وتجدد معنىً آخر.
فالتصوير في العهد النبوي هو ما كان بالرسم أي: رسم يرسمه الإنسان بيده أو ينحته من حجارة أو من طين أو من خشب، فينسب لمهارة صاحبه, ويكون مضاهاة لخلق الله.
والحكم تعللي, وعلته: مضاهاة خلق الله؛ لأنه قال: ( أين المضاهون لخلقي فليخلقوا ذرة.. فليخلقوا شعيرة )، وهذا صريح في العلة والتعليل، وإذا كان الحكم معللاً، وكانت علته نصية فلا يمكن أن يقاس عليه إلا ما حصلت فيه نفس العلة، والتصوير الحديث لا تحصل فيه العلة قطعاً, فلا ينسب إلى مهارة صاحبه, وليس مضاهاة لخلق الله، بل هذا فلان نفسه الذي تعرفه, وليس صورة محاكية له.
وهذا الموجود هنا في الجهاز هو أنت بذاتك, وليس صورة مضاهية لك، لكن الرسم الذي يرسمه الرسام هو صورة مضاهية لك، وهو إبداع من الرسام، فلذلك كان حراماً لما فيه من مضاهاة خلق الله، والحديث صريح في العلية؛ أن هذه هي العلة، فإذاً لا يمكن أن تكون دلالة الحديث على هذا التصوير باللفظ؛ لأنه جاء بعد الحديث، ولم يحصل في العهد النبوي، ولا يمكن أن تكون دلالته بالقياس عليه أيضاً؛ لأن العلة مخالفة تماماً للواقع والقياس, فإذا لم يجتمع الأصل والفرع في علة واحدة فهو قياس باطل بالإجماع.
فإذاً: الرجاء الذي قدمه السائل نحن في مقابله نرجو منه ألا يضيق ذرعاً بهذه الأمور، وأن يسأل أولاً عن الحكم ثم بعد ذلك لا بأس في المناقشة.
السؤال: ما النظم الذي ترشحون لحفظه في أصول المذهب المالكي وفي الفقه المالكي لمن كان له أساس فيه؟
الجواب: غالباً أن المالكية والشافعية والحنابلة مدرستهم واحدة في الأصول، فإذا أخذ الإنسان أي كتاب، سواء كان من أصول الشافعية أو الحنابلة أو المالكية فسيجد نفس المسائل لا فرق فيه، فمدرسة المتكلمين-والمتكلمون هم من المالكية والشافعية والحنابلة- مدرستهم في الأصول واحدة، أما الحنفية فمدرستهم مدرسة الفقهاء، ولها طريقة أخرى في التأليف، فلذلك إذا حفظ الإنسان كتاب منتقى الوصول لـابن عاصم الأندلسي في أصول المذهب المالكي، فهو نفس الشيء للمذهب الشافعي والحنبلي، وكذلك إذا حفظ الكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع للسيوطي في أصول المذهب الشافعي، فهو كذلك نافع في المذهب المالكي، وكذلك إذا حفظ مراقي السعود فهو أيضاً نافع في المذهب المالكي والشافعي والحنبلي.
أما الفقه المالكي عموماً لمن أراد حفظ كتاب طويل فيه نظم, فمن أحسن منظوماته نظم التسهيل والتكميل لفقه مختصر خليل للشيخ محمد سالم بن عبد الودود الشنقيطي، وهو نظم طويل حوالي سبعة عشر ألف بيت، ويذكر الأدلة إذا خالف في المذهب، فإذا خالف المذهب دليلاً صحيحاً صريحاً يذكره.
السؤال: تخليل أصابع اليد هل يبدأ فيه من ظهر اليد أو من بطنها؟
الجواب: تخليل أصابع اليدين يكون من أعلاها, كما قال أحد العلماء:
خلل أصابع اليدين من عل والرجل من أسفلها تخلل
(خلل أصابع اليدين من عل): هكذا من ظهرها، (والرجل من أسفلها تخلل)؛ لأن فتحة الأصابع في اليدين هي هكذا، وفتحة الأصابع في الرجلين على العكس من ذلك.
السؤال: ما حكم التثنية والتثليث في الوضوء؟
الجواب: في الوضوء ذكرنا أن التثنية والتثليث كلاهما مندوب.
السؤال: الإحساس بنزول شيء من الذكر, وقد يلاقي شيئاً وقد لا يلاقيه، فما توجيهكم؟
الجواب: عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتاه رجل فذكر أنه كلما توضأ أحس بقطر ينزل من ذكره، فقال: إذا توضأت فانضح على إزارك من الماء، فإذا وجدت شيئاً فقل: هو الماء. لأن هذا الذي يقطع الوسواس على الإنسان, والوسواس هو من خطوات الشيطان، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ[النور:21].
والطهارة المطلقة متعذرة, فالإنسان في كل جزء من أجزائه نجاسة؛ ففي الدم وفي أمعائه وفي كل أطرافه نجاسة، وما دامت بداخل البدن فهي لم تتنجس, فنجسها بخروجها من البدن، والشيء اليسير دائماً معفو عنه؛ لأن القاعدة الكبرى أن المشقة تجلب التيسير، وهذه القاعدة دليلها قول الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[الحج:78], وهذه القاعدة لها ضوابط, وهي ضوابط المشقة السبعة لدى أهل العلم, وهي: القلة، والكثرة، والمرض، والسفر، والحاجة أي: الفقر، والتكرر؛ أي: أنها من الطوافين عليكم والطوافات, كما في الحديث: ( إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات )، وكذلك عموم البلوى، فهذه هي ضوابط المشقة.
السؤال: ما المنهج الذي تنصحون به للراغب في علوم اللغة والأدب والبلاغة، علماً أنني قد درست قطر الندى وكتاب البلاغة الواضحة، فهل تنصحون بحفظ شيء من المنظومات؟
الجواب: من المعلوم أن علوم اللغة أربعة عشر علماً، وكل علم من هذه العلوم لابد من دراسة كتاب فيه يكون أصلاً لدى الإنسان يحفظه، فما درس في ذلك العلم من الكتب الأخرى يكون شرحاً لذلك الأصل الأول لديه، فمثلاً: إذا درس الإنسان في النحو ألفية ابن مالك وحفظها وأتقنها، فكل كتب النحو الأخرى ستكون شرحاً للألفية، وكذلك إذا درس عقود الجمان للسيوطي في البلاغة فكل كتاب يدرسه في البلاغة سيكون شرحاً لهذا النظم، وهكذا في بقية علوم اللغة, فمثلاً: مفردات اللغة إذا حفظ الإنسان موطئة الفصيح لـمالك المرحل مثلاً، فسيكون لديه رصيد لا بأس به من مفردات اللغة، وكذلك إذا حفظ أشعاراً مثل: الأشعار الستة الجاهلين أو المعلقات أو غيرها، مع أن أرجوزة مالك بن المرحل فيها المعاني الجميلة الحسنة الموافقة للشرع، وأشعار الجاهليين فيها معان سيئة مخالفة للشرع، ولكن مع ذلك حفظها لا يقصد به حفظ المعنى، وإنما يقصد به حفظ القوالب والألفاظ مجردة عن معانيها وقيمها.
السؤال: قول الناظم: (وفي القرب الموالي يكمله), هل يغسل العضو الذي بعد المنسي أو يواصل حتى إلى الرجلين؟
الجواب: يغسل كل ما بعد ذلك العضو، فإذا كان نسي غسل وجهه فإنه يغسل وجهه ويديه ويمسح برأسه ويمسح أذنيه ويغسل رجليه، وإذا كان ترك إحدى يديه مثلاً: اليد اليمنى, فيغسل اليد اليمنى ثم اليد اليسرى، ثم يمسح برأسه وأذنيه ثم يغسل رجليه.. وهكذا.
السؤال: مقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله أربعة: الأول: ألا يصرف شيء من العبادة لغير الله، والثاني: ألا يدعى ولا يستغاث إلا بالله، أليس المقتضى الثاني داخلاً في الأول؟
الجواب: لا، فرق بينهما؛ فالأول فيما يتعلق بحق الله, والثاني فيما يتعلق بحاجتك أنت، ففرق بين الأمرين، فالدعاء وإن كان داخلاً في العبادة باسمها العام، فكذلك كل التكاليف تدخل في العبادة: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، وفي الأثر: (إني لأحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي), وفي الحديث: ( حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك صدقة )، ( وفي بضع أحدكم صدقة )، لكن المقصود هنا في الاصطلاح، ففي الاصطلاح العبادة المخصوصة هذا المقتضى الأول، كالصلاة والصيام والنذر والذبح وغير ذلك، أما الدعاء والاستغاثة والتوكل فهو أمر مستقل عقدي راجع إلى عقيدتك وشهادتك أن لا إله إلا الله.
السؤال: المقتضى الثالث من مقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله: ألا يشرع إلا الله, أليس هو داخلاً في الأول؟
الجواب: لا, هو مستقل, كذلك فيما يتعلق بالتحليل والتحريم وعدم الأخذ إلا منه، فهو مستقل، وقد سم الله سبحانه وتعالى القانون ديناً, فقال في قصة يوسف: مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [يوسف:76]، أي: في قانونه.
السؤال: شخص وجد بعد الانتهاء من صلاته نجاسة في ثيابه الداخلية, فهل تلزمه إعادة الصلاة؟
الجواب: النجاسة إذا كانت قديمة بما يدل على أنها سابقة على الصلاة، وكانت الصلاة باقية الوقت فإنه يعيدها، أما إذا كان مثلاً في صلاة الفجر ولم يجد ذلك إلا بعد المغرب وقد خرج وقت الصلاة فلا تلزمه إعادة، فإذاً إنما تلزم الإعادة للنجاسة إذا كان الوقت باقياً، أما إذا خرج الوقت فلا تلزم الإعادة.
السؤال: هل نية استباحة الممنوع تختلف عن نية رفع الحدث؟ وكيف ذلك؟
الجواب: نعم، النيات مؤداها واحد في النهاية، لكن عند عقد النية في القلب إذا نويت أداء ما افترض الله عليك من الوضوء فذلك كافٍ، وإذا نويت أنك ستستبيح به ما منعت منه فذلك كاف، وإذا نويت إزالة الحدث الذي هو حاصل على أعضائك فذلك كاف، فهي مؤداها واحد, وهي مختلفة فيما يتعلق بالمنوي.
السؤال: ما حكم جمع الاستنشاق والاستنثار مع غسل الوجه؟
الجواب: هذا على القول بأن داخل الأنف من الوجه، فيمكن أن يفعله الإنسان معه، وأيضاً حتى المضمضة والاستنشاق يمكن جمعهما أيضاً بأن يأخذ الإنسان غرفة واحدة فيأخذ منها بفيه وبأنفه، ثم يستنثر ثم يفعل مرة أخرى, وهكذا حتى يأتي بكل ذلك، ويمكن أن يجمع جميع الاستنشاق والمضمضة من غرفة واحدة، ويمكن أن يجعل المضمضة ثلاث غرفات، ويمكن أن يجعل للاستنشاق ثلاث غرفات، ويمكن أن يجعل غرفة واحدة يتمضمض بها ثلاثاً ويستنشق بها ثلاثاً.. وهكذا.
لكن يندب لغير الصائم المبالغة في الاستنشاق؛ لأن الشيطان ينفخ في أنفه إذا كان نائماً، وإذا كان الإنسان صائماً فلا يبالغ في الاستنشاق؛ لئلا يبتلع شيئاً منه.
السؤال: ما هو المرفق والكوع؟
الجواب: المرفق هو هذا المفصل، والكوع هو هذا المفصل.
السؤال: هل قول القائل: (وعظم يلي الإبهام كوع) صحيح؟
الجواب: هذا العظم هو الذي يسمى كوعاً، وهذا يسمى كرسوعاً، وهذا في اللغة فقط، لكن الجميع يسمى بالكوع.
السؤال: كثير من الناس لا يفرقون بين الكوع والمرفق؟
الجواب: هذا خطأ؛ كيف لا يفرقون بين الكوع والمرفق وقد فرق الله بينهما بالساعد الطويل.
السؤال: هل يستحب تجديد الماء لمسح الأذنين أو يكفي مسحهما مع الرأس؟
الجواب: الراجح إن شاء الله الاكتفاء بمسحهما إذا بقي في يديه بلل، أما إذا يبست يداه كمن له شعر فلم يبق في يده أي بلل فلا فائدة في مسح أذنيه بيبس، فيجدد الماء حينئذٍ لمسحه.
السؤال: ما هي الطريقة المثلى التي ينصح بها لحفظ القرآن الكريم؟
الجواب: القرآن في حفظه لا يمكن أن يؤخذ جملة واحدة، بل لابد فيه من التدريج، فقد أنزله الله تعالى مدرجاً في ثلاث وعشرين سنة، وقال: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً [الإسراء:106]، وبعض الناس يستعلجون فيه؛ فيريدون حفظه في وقت يسير، وهؤلاء لا يتقنون الحفظ، فلذلك على الإنسان أن يتدرج ويتأنى، فحفظ الشيء اليسير المتقن خير من المرور بالكثير دون إتقان، وأيضاً لابد فيه من وقت، ولابد فيه من مراجعة دائمة، فهو أشد تفلتاً من صدور الرجال من الإبل في عقلها.
السؤال: الماء المستعمل هل يجوز في الغسل أن يستعمل مرة أخرى؟
الجواب: هذه المسألة طويلة من مسائل الفقه المعقدة؛ لأن فيها خمساً وعشرين صورة؛ لأن الماء إما أن يستعمل أولاً في حدث أو في حكم خبث أو في سنة أو في مندوب أو في عادة، ثم يستعمل ثانياً إما في حدث أو حكم خبث أو سنة أو مندوب أو عادة، فخمس في مضروبة في خمس يساوي خمساً وعشرين صورة، وبحثها أنه إذا استعمل أولاً في حدث أو في حكم خبث فيكره استعماله ثانياً في حدث أو في حكم خبث أو سنة أو مندوب, ويجوز في عادة، وإذا استعمل أولاً فهذه عشر صور، فإذا استعمل أولاً في سنة أو في مندوب فيجوز استعماله ثانياً في سنة أو في مندوب أو في عادة، ويكره في حدث أو حكم خبث، تلك أيضاً عشر صور.
أما إذا استعمل أولاً في عادة فالراجح أنه يكره استعماله ثانياً في حدث أو حكم خبث أو سنة أو مندوب, يكره مطلقاً, فالجميع خمس وعشرون صورة، وحكمها مختلف على ما ذكرنا.
السؤال: هل يكره الوضوء في الحمام؟
الجواب: الحمام إذا كان نظيفاً ليس فيه نجس ظاهر فلا يكره الوضوء فيه، كما إذا كانت له بالوعة تذهب بالأنجاس، أما إذا كان غير نظيف فيكره الوضوء فيه, وهو سبب للوسوسة؛ فكثير من الوسوسة سببها دخول الحمام من غير ذكر، أو الوضوء في داخله إذا كان غير طاهر وغير نظيف.
السؤال: هذا يسأل عن كتب يستدل بها عندما يدرس المذهب المالكي؟
الجواب: أدلة الفقه موجودة في كتب التفسير، فمثلاً: أدلة المالكية موجودة في تفسير القرطبي وهو مخصص لها، وفي تفسير ابن العربي، وفي تفسير ابن الفرس، وكذلك في كتب الحديث، ومن أهمها: كتاب الاستذكار لـأبي عمر بن عبد البر، فهو كتاب الاستذكار لما سطره مالك في موطئه من مذاهب أئمة الأمصار في جميع الأعصار، وأدلتها من الآيات والأخبار والآثار.
والكتب المتخصصة في أدلة الأحكام أيضاً هي أدلة للمالكية وغيرهم، كبلوغ المرام، ومنتقى الأخبار، والأحكام الصغرى والوسطى والكبرى لـعبد الحق الإشبيلي، والمنتقى لـابن الجارود وغيرها من الكتب المتخصصة في أدلة الأحكام كالمحرر لـابن عبد الهادي .
السؤال: ما حكم مياه أهل البادية التي لابد لهم من استعمالها وهي مشوبة بأرواث البهائم وأبوالها، وهم لا يجدون غيرها, فهل يجوز لهم استعمالها في الطهارة؟
الجواب: نعم يستعملونها في الطهارة، وذلك لعدم وجود الغير، أما إذا وجد الغير الذي ليس فيه أبوال البهائم ولا أرواثها فإنه يتعين استعماله, ويترك الماء المتغير بذلك، وهذا محله في البهائم المأكولة اللحم كالأنعام، أما الحمر الأهلية مثلاً ونحوها فأرواثها وأبوالها تنجس, فإذا غلبت على الماء فغيرته فإنه ينجس.
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تكون والياً؟
الجواب: بالنسبة للمرأة لا يجوز أن تتولى الإمامة العظمى, وهي إمارة المؤمنين؛ لما ثبت في الصحيح من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )، أما ما دون ذلك كولاية مصر من الأمصار أو دولة من الدول المعاصرة أو نحو ذلك فهو أيضاً من الأمور التي لا ينبغي أن تتولاها النساء أبداً؛ لما في ذلك من المسبة والضعف والهوان، وأما توليتها على أمر دون هذا من الأعمال التي يصلح لها النساء فلا حرج في ذلك, فليس بإمامة عامة ولا ولاية عظمى، والدليل على ذلك ما ذكرناه من حديث أبي بكرة، وعموم الأدلة الأخرى كإمامة الصلاة وغيرها فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحققن الطرق, وليطفن من وراء الرجال) فهذا دليل على عدم مزاحمتهن للرجال، وكثير من الأعمال تقتضي مزاحمتهم.
السؤال: إذا فقد الإنسان الماء والصعيد, فهل يصلي بغير وضوء؟ وما الدليل على ذلك؟
الجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم, وفي المذهب المالكي أقوال في المسألة:
القول الأول: أنه تسقط عنه الصلاة، وهذا مذهب مالك رحمه الله قال: تسقط الصلاة أداء وقضاء بعدم الماء والصعيد؛ لأن الماء والصعيد شرط لوجوب الصلاة عنده فإذا لم يجده سقطت صلاته.
القول الثاني: أنه تلزمه الصلاة أداءً وقضاءً، فتلزمه أداء على هيئته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم )، وهو لا يستطيع إلا أداءها على هذا الوجه فإذا وجد ماء أو صعيداً قضاها.
القول الثالث: أنه يؤدي ولا يقضي؛ عملاً بالحديث السابق.
القول الرابع: أنه يقضي فقط ولا يؤدي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث ما لم يتوضأ )، وهو الآن غير متوضأ فإذا وجد الماء وتوضأ قضى.
وبعضهم رأى أنه إن كان صاعداً في شجرة وتحته أسد وهو لا يستطيع الوصول إلى الأرض فإنه يشير إلى الأرض بيديه فيتيمم كالراكب على الدابة، فإنه يومئ للسجود والركوع، فكذلك قاسوا الإيماء للطهارة على الإيماء للصلاة، قالوا: يومئ إلى الأرض بيديه فيمسح بهما وجهه وكفيه.
وذكر بعض أهل العلم من المتأخرين أنه إذا كان فوق نهر فيمكن أن يومئ للماء أيضاً، فيتوضأ بالإيماء؛ لأنه ليس أولى من التراب في ذلك.
وهذه الأقوال تجدونها منظومة في قول بعضهم:
ومن لم يجد ماء ولا متيمماً فأربعة الأقوال يحكين مذهبا
يؤدي ويقضي عكس ما قال مالك وأصبغ يقضى والأداء لـأشهبا
أرى الطهر شرطاً في الوجوب لمسقط وشرط أداء عند من بعد أوجبا
ويحتاط باقيهم ومن قال إنه لـأصبغ شرط دون عذر قد أغربا
وقد رد عليه أحدهم فقال:
هو الحق لا إغراب فيه ولا ازدراء فعنه أبو بكر أبان وأعربا
أبو بكر هو ابن العربي .
ويقول آخر:
وللقابسي بالربط يومي لأرضه بوجه وكف للتيمم مطلبا
ويقول أحد شيوخنا:
وإماؤه للماء أولى لأنه يرى الكل معدوماً فصيره هباء
السؤال: قال المصنف رحمه الله:
اصحب شيخاً عارفاً المسالك يقيه في طريقه المهالك
يذكره الله إذا رأه ويوصل العبد إلى مولاه
ما المراد بالشيخ العارف؟
الجواب: ذلك مما ندرسه من هذا النظم، وهو اقتراح منه هو فيما يتعلق بالتربية أن يصحب الإنسان أهل الالتزام والسلوك الحسن، وذلك لا شك مطلوب, فمصاحبة الإنسان للأبرار مما يسمو به ويعينه على نفسه وعلى شيطانه، وقد قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28]، ويقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] فصحبة الأخيار لا شك أن فيها نفعاً للإنسان، وانظروا إلى أثر الصحبة على الصحابة رضوان الله عليهم فهم أفضل الأمة، فقد أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم ).
أما ما يتعلق بلزوم شيخ واحد بعينه أو بطريقة معينة للعبادة فهذا ليس عليه دليل، وهو مخالف للأدلة الصريحة الأخرى، فلذلك المهم فيما يتعلق بتربية صحبة الأخيار وأهل الالتزام، فالإنسان إذا كان معهم استحيا فلم يقع في لحرام، فكف نظره عن الحرام؛ لأنهم سينهونه عنه وينصحونه، وأيضاً مجرد الصحبة والمخالطة تسمو به وترتفع به، وكم من إنسان كان مستواه متدنياً في الإيمان, وكان مستواه متدنياً في الالتزام، فصحب الأخيار فارتفع لصحبتهم, ولذلك يقول أحد الحكماء:
عدوى البليد إلى الجليد سريعة والجمر يوضع في الرماد فيخمد
لا تصحب الكسلان في حاجاته كم صالح لفساد آخر يفسد
وطرفة بن العبد يقول:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
فلذلك يحتاج الإنسان إلى صحبة الأخيار، وهذا الذي يحقق ما ذكره، ولا شك أن بعض الناس يذكر بالله سبحانه وتعالى فهو مشتغل بالله دائماً، وقد سمعتم ما حدث به الشيخ سلمان العودة أنه قال له الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه: إنه منذ بلغ لم يفعل فعلاً لا يريد به وجه الله. فهذا من الأمور الشاقة جداً والصعبة النادرة إذا حصلت، فكثير من أهل العلم ومن الذين جاهدوا أنفسهم فترات طويلة يقولون: نفعل الفعل في البداية ثم نتذكر النية فنرجع، فأحدهم يخرج من بيته لطلب العلم فيخطو خطوة أو خطوتين ثم يرجع حتى يجدد النية.
وحتى الصحابة لم يقع من كثير منهم هذا الحال، بل قد قال الله تعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ[آل عمران:152].
فلذلك لا شك أن صحبة من هو مشتغل بالله دائماً مما يحيي موات القلوب، وقد قال ابن عطاء الله: لا تصحب من لا ينهضك حاله, ولا يدلك على الله مقاله. فـ (من لا ينهضك حاله) تسمو بك همته ويرتفع بك مستواه.
(ولا يدلك على الله مقاله): فكثير من الناس مقالاتهم إنما هي في أمور الدنيا, والحث على شأنها, وهذا مخالف لتربية الله، فقد قال الله تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:131-132]، ومن هنا فالإنسان إذا راجع مسيرته وجد في نفسه قصوراً في كثير من الفترات، ووجد في نفسه سمواً وارتفاعاً بإيمانه بحسب المستويات، فينبغي أن يحافظ على ذلك المستوى, ويزيد عليه دائماً، كما قال ابن الجوزي رحمه الله: (إن من الصفوة أقواماً منذ استيقظوا ما ناموا، ومنذ قاموا ما وقفوا، فهم في صعود وترقٍ كلما قطعوا شوطاً نظروا فرأوا قصور ما كانوا فيه فاستغفروا).
السؤال: ما تعليقكم على العقيدة من أول متن ابن عاشر ؟ وكيف نثبت لله صفاته جل وعلا؟
الجواب: ابن عاشر رحمه الله ذكر أنه يتقيد بمذهب الأشعرية في العقيدة، وما ذكره هنا في نظمه لا غبار عليه؛ لأنه عقيدة كل المسلمين, فليس فيه إشكال إلا في كلمة واحدة، وهي قوله: (صمات) في عدم المستحيل على الله.
والصفات التي ذكر أنها واجبة لله فعلاً هي واجبة لله، والصفات التي ذكر أنها مستحيلة على الله هي مستحيلة على الله إلا صفة واحدة، وهي (صمات)، قال: (عمى صمات)، ويستحيل ضد هذه الصفات، فذكر منها الصمات وهو السكوت، وقد ورد السكوت عن الله سبحانه وتعالى في أحاديث منها: ( وما سكت عنه فهو مما عفا عنه )، ومنها: ( وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها)، وهما حديثان كلاهما فيه علة، ولكن يشهد أحدهما للآخر، وطريقته في الإثبات بالاعتماد على الأدلة العقلية هي مذهب الأشاعرة، والمذهب ليس معناه أنه باطل أو أنه مردود 100%؛ لكنه مدرسة لطريقة تدريس القضية، وهذه القضية نحن لا نسلكها في إثبات العقيدة، بل نبدأ بالنصوص أولاً، ولا مانع عندنا من الاستدلال بالأدلة العقلية بعد ذلك، لكن نبدأ أولاً بنصوص الوحي في إثبات العقيدة ثم بعد ذلك لا مانع من مناقشة الأدلة العقلية.
فإذاً: ما ذكره من عقيدة الأشعرية صحيح ليس فيه خطأ إلا كلمة واحدة فقط، واستدلاله بالأدلة العقلية استدلال صحيح، لكن ليس هو طريقتنا ولا مذهبنا، بل نحن نبدأ بالأدلة الوحيية قبل الأدلة العقلية.
السؤال: هل يمكن الجمع بين هاتين القاعدتين: عمل الراوي بخلاف ما روى يدل على جواز أو تخصيص أو نسخ، والعبرة بما روى لا بما رأى؟
الجواب: نعم، لا تخالف بين القاعدتين أصلاً؛ لأن الراوي إذا كان فقيهاً فعمل وهو متذكر لما رواه فحدث به في نفس الوقت ثم طبقه، كحديث عبد الله بن عمرو بن عاصم في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، أو غير ذلك من الأحاديث، فهذا يكون تطبيقه تقييداً أو تخصيصاً لما رواه، أما لو كان ناسياً لما رواه فحدث بحديث ثم نسيه، كحديث أنس في البسملة، فقد سئل: هل تحفظ شيئاً في البسملة؟ فقال: لا. ونحو ذلك فلا عبرة بذلك، فالعبرة بما روى لا بما رأى.
أستغفر الله.. أستغفر الله.. أستغفر الله
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحب أن تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، لك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً، لك الحمد كالذي نقول وخيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر