إسلام ويب

شرح الورقات في أصول الفقه [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن لعلم أصول الفقه مكانة عظيمة بين العلوم الشرعية، فهو العلم الذي تعرف به مدارك الأحكام، وكيفية الاستنباط، فكان خير زاد لطالب العلم حتى ينفع نفسه ودينه وأمته. ومن المعلوم أن على طالب العلم أن يسلك سلم التدرج في شتى الفنون، لذا كانت رسالة الورقات للإمام الجويني من خير ما يبدأ به المبتدئون في هذا الفن، وقد بدأ المؤلف رحمه الله بذكر تعريف أصول الفقه لفظاً ولقباً، ثم شرع في ذكر الأحكام الشرعية وشرحها.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    هذا شرح ورقات إمام الحرمين في أصول الفقه، وهو تأليف صغير مختصر للتعريفات المبدئية في أصول الفقه، وضعه إمام الشافعية: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني نسبة إلى جوينة من نيسابور، وقد ولد رحمه الله سنة (419هـ)، وتوفي سنة (478هـ)، وكان من مشاهير المتكلمين، والفقهاء الأصوليين، وقد ألف هذه الورقات لتكون مبدأً لطلاب العلم يعرفون به بعض مصطلحات أصول الفقه.

    الكتاب والسنة يبحث فيهما من جهتين

    أصول الفقه علم من أهم العلوم الشرعية؛ لأنه علم يتوصل به إلى فهم الكتاب والسنة وأخذ الأحكام منهما؛ وذلك أن الكتاب والسنة يبحث فيهما من جهتين:

    جهة الورود، وجهة الدلالة:

    أما جهة الورود فهي النقل، بمعنى: التحقق من ثبوت نسبة القرآن إلى الله، والتحقق من ثبوت الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بالرواية والإسناد.

    وأما جهة الدلالة، فمعناها: ما يراد بهذا الكلام، أي: ما يريده الله من عباده بهذا اللفظ، وما يريده النبي صلى الله عليه وسلم من أمته بهذا اللفظ، وهاتان الجهتان لم يحتج الصحابة رضوان الله عليهم إلى بحثهما، أما جهة الورود فلسماعهم من النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم مباشرة، وأما جهة الدلالة فلأنهم أهل اللسان العربي على وجه السليقة، وكذلك لم تشتد حاجة التابعين إلى البحث فيهما.

    أما جهة الورود فلسماعهم من الصحابة المعدلين بتعديل الله تعالى لهم؛ لأن الله تعالى يقول: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[التوبة:100] ، ويقول: فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[التوبة:96] ، فنفى عنهم الفسق بحلول الرضوان عليهم، وإذا انتفى عنهم الفسق وجب لهم ضده وهو العدالة؛ لأن المحل القابل للصفة لا يخلو منها أو من ضدها، ولم يحتج التابعون كذلك إلى البحث كثيراً في جهة الدلالة؛ لأنهم ما زالوا أهل اللسان العربي على وجه السليقة، ولم تختلط الحضارة العربية بعد بالحضارات الأخرى اختلاطاً مؤثراً، لكن حين جاء أتباع التابعين احتاجوا إلى البحث في الجهتين: أما جهة الورود فلأنهم لم يلقوا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولم يلقوا الصحابة المعدلين بتعديل الله، وإنما لقوا التابعين وفيهم العدول وغير العدول، فاحتاجوا إلى البحث في جهة الورود، واحتاجوا كذلك إلى البحث في جهة الدلالة؛ لأن الحضارة العربية قد اختلطت بغيرها من حضارات أهل الأرض، وتغيرت الأوضاع عما كانت عليه، فانتقلت المدنية التي كانت في الحضارات الأخرى إلى جزيرة العرب، وانتقلت العرب أيضاً عن جزيرتهم، وتغيرت لغتهم، وداخلها كثير من المجاز ومن اللغات الأخرى، فاحتيج -إذاً- إلى البحث في الدلالة.

    ومن هنالك جاءت نشأة المذاهب، فليس للصحابة مذاهب ولا للتابعين مذاهب، وإنما بدأت المذاهب مع أتباع التابعين؛ للحاجة إلى البحث في هاتين الجهتين.

    وعلم أصول الفقه: هو علم اقتصاد الشريعة، فعلم الاقتصاد في علوم الدنيا: هو العلم الذي يمكن من خلاله تغطية الحاجيات غير المحصورة من الموارد المحصورة، وعلم أصول الفقه: هو العلم الذي يمكن من خلاله تغطية النوازل والوقائع غير المحصورة من النصوص المحصورة، فآيات القرآن الكريم بالعد الكوفي: (6214) آية، وبالعد المدني: (6234) آية.

    وآيات الأحكام منها خمسمائة آية، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي وصلت إلينا بالنقل لا تتجاوز ثلاثمائة ألف حديث، وأحاديث الأحكام منها لا تتجاوز أحد عشر ألف حديث، ومواقع الإجماع محصورة قليلة، ومع هذا فالنوازل والوقائع لا حصر لها، فكل يوم يتجدد منها الكثير، ولله تعالى حكم في كل مسألة، وإنما يؤخذ ذلك بالاجتهاد على طرق الاستدلال المعروفة والفهم، وإنما يتم ذلك بأصول الفقه، فلما كان هذا العلم بهذه المثابة؛ احتيج إلى وضع مؤلفات فيه تبين مصطلحات أصحابه، وتبين مرادهم بكثير من الأمور التي تخفى على من سواهم، وأول من جمع كتاباً مستقلاً في هذا العلم هو محمد بن إدريس الشافعي المطلبي القرشي رحمه الله، وقد ولد سنة (150هـ) وتوفي سنة (204هـ)، وقد ألف فيه رسالته المشهورة، ثم بعده تتابع الناس على التأليف على هذا العلم.

    مدرستا العلماء في أصول الفقه

    وقد اشتهر فيه مدرستان: إحداهما تسمى بمدرسة الفقهاء، وهي التي أخذ بها فقهاء الحنفية، وتنطلق من الفتاوي والمسائل التي تروى عن الأئمة، فيجمعون منها حشداً كبيراً فيجعلون منه قاعدة.

    والمدرسة الثانية: هي التي اشتهرت بمدرسة المتكلمين، وعليها سار فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة، وهي تنطلق من أصل القاعدة، فتمثل لها ببعض الفروع، ولا تذكر من الفروع إلا ما كان مثالاً للقاعدة فقط، وهذه الطريقة هي التي كثرت التآليف عليها، وقد حاول بعض المتأخرين الجمع بين الطريقتين فألفوا بعض الكتب التي تجمع بين طريقة المتكلمين وطريقة الحنفية، وكثرت التآليف في أصول الفقه ما بين مطول ومختصر، ونظم ونثر، وهذه الورقات قد وضع الله لها القبول، فلاقت شهرة ورواجاً منذ عصر المؤلف إلى وقتنا هذا، ولم يزل الناس يشرحونها وينظمونها ويدرسونها ويحفظونها لأولادهم الصغار.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088524024

    عدد مرات الحفظ

    777121875