إسلام ويب

المسابقة إلى الخيراتللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الله هذه الدار دار ابتلاء وامتحان، وجعل الآخرة دار جزاء وثواب، وأمرنا في هذه الدار بالمبادرة إلى الطاعات والمسابقة إلى الخيرات، وأن نستغل أعمارنا بما يرضي الله سبحانه وتعالى حتى نثقل موازيننا بالأعمال الصالحة، وحذرنا سبحانه وتعالى من الشيطان ومشاغله ومكائده، فهو عدو لدود للمؤمنين، وأمرنا باتخاذه عدواً.

    1.   

    ضرورة المبادرة إلى الطاعات واغتنام الأوقات

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الوقت هو الحياة، وإن عمر الإنسان قصير، وإن هذه الحياة هي دار الامتحان، فعلى الإنسان أن يبادر فيها للطاعات ما دامت الفرصة مواتية وسانحة، فإن هذه الدنيا دار انتقال، وبقاء الحال من المحال، ولذلك سرعان ما ينتقل عنها الإنسان ولم يشف منها غله، بل إن الذين انتقلوا من هذه الدار يتمنون الرجوع إليها ولو لحظة واحدة، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[المنافقون:9-11].

    وقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالمبادرة إلى الطاعات والمسارعة فيها، فقال تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ[البقرة:148]، وقال تعالى: سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ[آل عمران:133-135]، وقال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ[الحديد:21].

    إن هذه الدنيا مجال للمسابقة، والناس فيها كل يوم في مسابقة جديدة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)، فيغدو الإنسان في صباحه بعمر جديد؛ لأنه عند نومه طويت صحائف أمسه، وختم عليها، ولا تنشر إلا عندما توضع الموازين بالقسط ليوم القيامة، في كل يوم ينادي المنادي: يا ابن آدم! أنا يوم جديد، عليك فيه لله خطاب أكيد، فلا تضيع الفرصة ثم إذا غربت شمس ذلك اليوم ذكر الموت الإنسان مرة أخرى بالليل: (فالله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها).

    ولهذا فإن عمل الشيطان يتركز في هذه الحياة الدنيا على شغل الإنسان عن المبادرة إلى الطاعة، فيحاول معه تطويل الأمل، وهو الداء الأول للبشر، يقول له: إن أمامك عمراً طويلاً. كما يقول للنائم عندما يعقد ثلاث عقد على قفاه: إن عليك ليلاً طويلاً فنم. يضرب بذلك في كل عقدة، فكذلك يقول للإنسان: إن أمامك عمراً طويلاً، فما لم تفعله في هذا اليوم ستفعله غداً، وما لم تفعله في هذا الشهر ستفعله في الشهر القادم وما لم تفعله في الشهر القادم. ستفعله في السنة القادمة، وهكذا فيطول الأمل، وقبل أن ينتبه يأتي الأجل، فالأمل أتى به الله سبحانه وتعالى ليعمل الناس في الدنيا، لا ليطيلوا الأمل فيغتروا به، وقد ورد في حديثٍ فيه ضعف (إن الله عز وجل لما أخرج ذرية آدم من ظهره رآهم فأعجبته كثرتهم، فقال: أي رب! كيف يعيش هؤلاء في هذه الأرض؟ فقال: إني خالق موتاً. فقال: إذاً لا ينعم لهم بال عليها. قال: إني خالقٌ أملاً).

    فبالموت ينتقصون حتى تحملهم الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً، وبالأمل تهدأ قلوبهم في هذه الدنيا، ويطمئنون إليها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه: (أنه خط خطاً مربعاً، وخط في داخله خطاً، ثم أخرج منه خطاً طويلاً، ثم خط خطوطاً صغيرة في الأطراف، فوضع إصبعه على الخط الذي في داخل المربع فقال: هذا الإنسان، ثم وضع إصبعه على المربع فقال: وهذا أجله. ثم وضع إصبعه على الخط الخامس فقال: وهذا أمله، ثم وضع إصبعه على الخطوط الصغيرة فقال: وهذه الأعراض إن أخطأه هذا أصابه هذا)، فما يعرض للإنسان من الأمراض والآفات هي مقدرة عند الله سبحانه وتعالى، فإن أخطأه هذا أصابه الذي يليه، وهكذا.

    1.   

    حقيقة الأعمار التي تمر بالإنسان وكيفية استغلاله لها

    العمر الأول: عمر الدنيا نفسها

    ومن هنا فإن للإنسان في هذه الدار ثلاثة أعمار:

    فهي دار عمل ولا جزاء، والناس بخروجهم منها سيندمون جميعاً، فالمحسن يندم على أن لا يكون زاد، والمسيء يندم على إساءته، وفي ذلك فما من إنسان إلا وهو يتمنى الرجوع إليها، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه في الصحيحين أنه قال: (ولوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقاتل فأقتل، ثم أحيا فأقاتل فأقتل)، وكذلك فإن الشهداء يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليقاتلوا فيقتلوا مرة أخرى في سبيل الله، وكذلك كل من أحسن في عمله يتمنى أن يرجع إلى الدنيا حتى يزيد من الطاعات؛ لما يراه من تفاوت أحوال أهل الآخرة، فأحوال أهل الدنيا متقاربة، وأحوال أهل الآخرة متباعدة، فأهل الجنة يتراءون الغرف كما يتراءى أهل الأرض الكوكب الدري في السماء، وهذه الكواكب التي نراها يصل إلينا نورها وضوؤها وهو من ملايين السنين يتجه إلينا، فلا تظن أن الضوء الذي نراه هو ابن وقته، بل هو من ملايين السنين يتجه إلينا، فهذا الفرق الشاسع بين أحوال أهل الآخرة، وهذا في حق أهل الجنة فكيف بمن سواهم؟!

    أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حجراً صلباً ألقي في جهنم فمكث سبعين خريفاً يهوي حتى وصل إلى قعرها، فلذلك على الإنسان أن يعلم أن هذا العمر الأول الذي هو عمر هذه الدنيا منقضٍ لا محالة، وأن نهايته حتمية، فهذه الدنيا غير باقية، ولذلك فإن اسمها إما أن يكون مشتقاً من الدنو أو أن يكون مشتقاً من الدناءة، فالدنيا إما أن تكون من الدنوِ لقربها من الآخرة، أو أن تكون من الدناءة لأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فلو كانت تساوي عنده جناح بعوضة، ما سقى منها كافراً شربة ماء، وهذه الدنيا نهايتها لا تأتي إلا بغتة، فإنما نهايتها بأن يأذن الله للملك بأن ينفخ في الصور، فينفخ فيه نفخة الفزع فيصعق الناس جميعاً لها، ويمكثون أربعين سنة، ثم ينفخ النفخة الأخرى فإذا هم قيام ينظرون، وتنبت أجسامهم من جديد، فيخرجون يلبون نداء الله عندما ينادي: هلموا إلى ربكم. فيخرجون حفاة، عراة، غرلاً كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ[الأنبياء:104]، كما ولدتهم أمهاتهم يبعثون، فيحشرون إلى الساهرة يجتمعون فيها جميعاً مثلما يجتمعون في المقابر، فالذي مات اليوم ودفن في المقبرة تساوت المعلومات التي لدينا عنه مع المعلومات التي لدينا عمن دفن قبل ألف سنة، فإن من ورائهم ذلك البرزخ الذي لا يمكن أن يخترق وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ[المؤمنون:100-104] .

    فمن علم هذا الحال علم أن هذه الدنيا ينبغي أن تنتهز، وقد صح في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أخوف ما أخافه عليكم ما ستجدون بعدي من زهرة الدنيا، فإنها خضرة حلوة، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم، إلا آكلة الخضر فإنها رتعت حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت، ولنعم صاحب المسلم هي إن أطعم منها الفقير، والمسكين وابن السبيل). إنك تشاهد التقلب في هذه الدنيا، وهو مؤذنٌ بالزوال، فتشاهد الفقير ينتقل إلى غني، وتشاهد الغني ينتقل إلى فقير، وتشاهد الصغير ينتقل إلى كبير، وتشاهد الضعيف يصبح قوياً والقوي يصبح ضعيفاً، وكل هذا مؤذنٌ بانتقال هذه الدنيا كلها، فالتغير دليل الفناء، وما كان كذلك فعلينا فيه أن ننتهزه.

    لاحظ أن العامل الحريص الذي وقته ضيق، فإنه إذا رأى الشمس تدنو للغروب وقد تضيفت له فإنه لا يفسد شيئاً من وقته، بل يكابد العمل غاية المكابدة ليتمه قبل أن تغرب الشمس.

    فالآن لم يبق من هذه الدنيا التي هي دار العمل إلا مثلما يبقى من النهار عندما تتضيف الشمس للغروب، فنحن آخر الأمم، ونحن أيضاً في آخر هذه الأمة، ثم إن الذي ينتقل من هذه الدار سيرى الذين سبقوه في الأعمال، سيرى كل إنسان يستظل بظل صدقته يوم القيامة بين مستكثر أو مستقل، ويرى أولئك الذين ترجح كفة حسناتهم رجحاناً بيناً عظيماً فيفرحون عند لقاء الله فرحاً عجيباً، ويرى آخرين دون ذلك، حتى يرى ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: (من أن رجلاً أتى به، فلما عرض على الله عز وجل قال: هل لك من عمل صالح؟ قال: لا يا رب. فأمر الله ملائكته فجاؤوا بصحائفه، فإذا سجلات قدر مد البصر تبلغ الأفق من السيئات، وإذا بطاقة قدر الظفر كتب فيها: (لا إله إلا الله)، فقال الرجل: يارب! ما تغني هذه البطاقة عن هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تظلم شيئاً. فوضعت السجلات في كفة السيئات، ووضعت البطاقة في كفة الحسنات، فرجحت (لا إله إلا الله) وطاشت السجلات)، وقد ذكر أحد الشعراء وصية النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه للناس فنظم ما قال فقال:

    أجِدك لم تسمع وصاة محمدٍ رسول الإله حين أوصى وأشهدا

    إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا

    ندمت على أن لا تكون كمثله فترصد للموت الذي كان أرصدا

    إن التقلبات التي نشاهدها في هذه الحياة تقتضي منا المبادرة، فما من إنسان منا إلا وقد كان يجد فراغاً وصحةً، وقد عدم ذلك إلى غير رجعة، وقد علم أنه لن يعود إلى قوته التي فقدها، ولن يعود إلى شبابه الذي فقده، ولن يعود إلى الفراغ الذي كان فيه، يعلم أن تلك النعمة قد ذهبت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، فالصحة نعمة عظيمة لا يقدرها إلا من ابتلي بالمرض، عندما تؤلمه عينه أو أذنه أو ضرسه أو أي عضو منه فيبيت يتقلب لا يستطيع النوم، يتذكر حال الصحة وما كان عليه من قبل، فيتذكر أنها النعمة العظيمة، وكذلك إذا رأى بلاء الآخرين، فرأى من فقد البصر، أو من فقد السمع، أو من فقد الحركة، أو من فقد العقل، نسأل الله السلامة والعافية.

    وشرٌ من ذلك البلاء في الدين، فمن فقد دينه بالكلية فهو أعظم الناس بلاءً، ثم من فقد جزءاً من أجزاء دينه كذلك فهو أعظم بلاء من الذي فقد بعض بدنه.

    العمر الثاني: عمر الإنسان الشخصي

    هذا العمر الذي بدأ بالنفخ فيه وهو جنين في بطن أمه، وينتهي بنزع الروح منه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا كان في منقطع من الدنيا وإقبال من الآخرة أتاه ملك الموت، فجلس عند رأسه، فإن كانت نفسه طيبة قال لها: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي[الفجر:27-30]، فتخرج نفسه كما تسل القطرة من في السقاء، فلا تمكث في يد ملك الموت طرفة، بل يتناولها ملائكةٌ كأن وجوههم الشموس قد جلسوا مد البصر وهم باسطو أيديهم، فيجعلونها في كفن من أكفان الجنة، ويطيبونها من طيب الجنة، و يرتفعون بها إلى السماء، فيستأذنون فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة، فيؤذن لها حتى تخر ساجدةً تحت العرش، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت لسؤال الملكين.

    وإن كانت النفس الخبيثة قال لها ملك الموت: يا أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وعقوبة. فتتفرق في البدن فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول -والسفود: مسمار فيه عوجٌ والتواء-، فينتزعها بشدة وقوة فلا تمكث في يده طرفة عين، بل يتناولها أولئك الملائكة الذين قال الله تعالى في حقهم: والملائكة بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ[الأنعام:93]

    فيأخذون تلك النفس الخبيثة، فيجعلونها في سفط من أسفاط النار، ويغطونها من قطران النار، ويرتفعون بها فيستأذنون، فلا يؤذن لها، وقرأ صلى الله عليه وسلم: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ[الأعراف:40] ، فترد النفس من حيث أتت خائبةً خاسرة.

    ومن علم أن نهايته هكذا وهو لا يدري إلى أي الحالين ٍيصير، وعلم كذلك أن انتقاله بعد الموت إلى القبر، وبه تقوم قيامته، فإذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته، يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب، وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ[الزمر:47] ، ولهذا قال الله تعالى: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ[ق:19-22].

    يتصور الإنسان المقابر عندما يقف عليها أمراً سهلاً، وأنها كما نرى ظاهرها، ولكن هناك فرق بين ظاهرها وباطنها، بل هناك أمر لا يمكن أن نتصوره، فالقبر أول منازل الآخرة، واعلم أنه أول شيء من الآخرة العظيمة التي وصفها الله بما نعلم من الأوصاف، فهي القارعة، وهي الصاخة، وهي الطامة، وهي الآزفة، إن أول منازلها لا بد أن يكون مفظعاً مروعاً، ولذلك فأول ما يلقاه الإنسان بعد تلك الضجعة ضمة القبر، التي تختلف منها الأضلاع، وتزول منها الحمائل، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في جنازة، فلما وضع الميت في لحده نظر إلى أصحابه، فقال: (أعدوا لمثل هذه الضجعة).

    كذلك بعد هذا مجيء منكر ونكير اللذين يأتيان في أبشع صورة، يأتيان المرء فيقولان له بكل عنفٍ: (من ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تقول في هذا الرجل؟

    فأما المؤمن فيوفقه الله ويثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، والرجل الذي بعث إلينا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هو محمد، هو محمد، هو محمد -ثلاثاً- جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه. فيقولان له: صدقت وبررت، نم نومة عروس ويملآن عليه قبره خضراً ونوراً، وأما المنافق أو المرتاب فيقول: هاه هاه. لا أدري! سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيقولان له: لا دريت ولا تليت. ويملآن عليه قبره بالثعابين والحيات والعقارب، وتفتح له نافذةٌ إلى مقعده من النار، ويضربانه بمرزبة معهما لو اجتمع عليها أهل منى ما أقلوها، فيصيح صيحة يسمعه من يليه إلا الإنس والجن، وبذلك تنقطع أخبار الإنسان الذي حل في القبر، فلا يصل إلينا شيء من أخباره: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] .

    تختلط بالقبر الواحد عظام من هو في غاية النعيم، ومن هو في غاية العذاب، فلا هذا يحس بشيء من نعيم هذا، ولا هذا يحس شيئاً من عذاب هذا، وقد اختلطت عظامهما وتحللت أجسادهما في تربة واحدة، لكن ذلك الاختلاط لا يمكن أن يخفي شيئاً من حالهما على الله عز وجل، فلهذا لا يصل إلى أحدهما شيءٌ من حال الآخر، لا هذا يحس بنعيم الآخر، ولا الآخر يحس بعذاب هذا، فمن علم هذا الحال كذلك ولم يدر متى يموت، كما قال سبحانه: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ[لقمان:34] ، وهو يعلم أن كل يوم من الأيام ينطلق فيه وفدٌ من أهل الدنيا إلى الآخرة، ولا يشاور من سيخرج اليوم في وفد الآخرة، فلا يدري: وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ[الأعراف:185]، فيمكن أن ينتقل كل واحد إلى الآخرة اليوم أو غداً، وهكذا، فمن كان كذلك فعليه أن يجتهد في الفرصة الباقية، وهو يعلم هول ما أمامه وشدته.

    العمر الثالث: ما مكن الله الإنسان من النعم وكيفية استغلالها

    ثم إن الفرصة الثالثة والعمر الثالث هو ما مكن الله للإنسان في هذه الدار من المنافع والخيرات والنعم الكثيرة، وهي امتحان له، ولكل نعمة منها أجل مسمى.

    فهذا اللسان يمكن أن يقول الآن: (لا إله إلا الله)، وسيحال بينه وبين ذلك، وهذه الأرجل يمكن أن تحمل الإنسان الآن إلى طاعة الله، كالصلاة في المسجد، أو سماع درس أو غير ذلك، وسيحال بين الإنسان وبين ذلك، وكذلك السمع، وكذلك البصر، وهكذا كل النعم التي عند الإنسان لها آجال محددة في علم الله، فأهل الإنسان وماله وديعة، ولذلك قال لبيد بن ربيعة رضي الله عنه:

    وما المال والأهلون إلا وديعة ولا بد يوماً أن ترد الودائع

    فلا بد أن ترد تلك الودائع، وعلى هذا فتمتع الإنسان بها له أجل محدد في علم الله تعالى لا يمكن أن يتجاوزه، ومن كان هكذا فعليه أن ينتهز الفرصة وأن يبادر، فما هي إلا مثل عاريةٍ، فإذا أعارك إنسانٌ آلةً لتستخدمها لمدة محددة فإنك ستبادر لاستغلالها قبل فوات الأوان، من أعارك سيارته لتبلغ عليها مكاناً معيناً وتعلم أنه سيأخذها عند وقت محدد فإنك لن تتركها قائمةً واقفة، بل لا بد أن تستغلها قبل أن يأتي الأوان، ولذلك فكل ما عندك من النعم هو مثل السيارة المستعارة، أعارك الله هذه النعم ولها آجال محددة يقبضها ويأخذها.

    1.   

    الحث على استغلال الأعمار الثلاثة للإنسان

    فهذه الأعمار الثلاثة على الإنسان أن يجتهد في استغلالها، وأن يكون رشيداً، وأن لا يكون سفيهاً، فالسفيه هو المبذر الذي يجمع بالتعب ويفرق في غير طائل، فكذلك الذي لا يستغل هذه النعم ويبذرها في غير طائل فهو سفيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع -وذكر منها-: وعن شبابه فيما أبلاه)، إن كل من مضى عليه عمر الشباب ووقته فهو يتذكر ضياعاً كثيراً فيما مضى من عمره، ولذلك لا يسره أن تعرض عليه أعماله في شبابه، ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله: إن عُمراً ضيع أوله لجدير أن يحفظ آخره.

    السؤال الثاني: (وعن عمره فيما أفناه)، فإن كثيراً من الناس يقطع العمر بالحكايات التي لا طائل من ورائها، فيجلس مع مجموعة ساعةٍ كاملة تخلو غالباً من ذكر الله، وإن كثيراً من الناس يحسن الثناء على الناس ولا يحسن الثناء على الله، فلو عرضت عليه صحيفته لوجد فيها كثيرٌ من مدح الناس، لكن كم فيها من الثناء على الله؟! الشيء اليسير، ولا يحسن ذلك إلا إذا قرأ الفاتحة في الصلاة، وهكذا فالأوقات تمضي فيما لا طائل من ورائه.

    السؤال الثالث: قال: (وعن علمه فيما عمل به)، فكل من بلغته كلمةٌ واحدةٌ مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فيسأل عنها، ولهذا قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (إن أخوف ما أخافه كتاب الله، أن لا تبقى آية آمرةٌ إلا جاءتني فقالت: يا أبا الدرداء! قد أتيتك آمرةً فلم تأتمر بي. ولا آية زاجرةٌ إلا جاءتني فقالت: يا أبا الدرداء! قد أتيتك زاجرة فلم تنزجر بي).

    إننا نحفظ القرآن كاملاً، ونسمعه ونقرؤه، لكن علينا أن نتذكر أن هذا القرآن يلعن أقواماً وهم يقرؤونه، فرب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، فإذا كنت تخالف ما تقرأ فكنت تقرأ قول الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ[الأنعام:162-163]، وتخالف ذلك فلا تجعل حياتك لله، ولا صلاتك خالصةً لله، ولا عبادتك خالصةً لله، ولا تريد أن يكون موتك في سبيل الله، فكيف تكذب على الله وتشهده على ما ليس بحق وهو علام الغيوب؟

    كذلك إذا قرأت قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[التوبة:111].

    فأنت تعلم أن هذه الآية ناطقةٌ عليك، وأن هذا القرآن ينطق يوم القيامة، فإما أن يشفع وإما أن يمحل، فهو شافعٌ لا يرد، أو ماحل مصدق، يقود أقواماً حتى يدخلهم الجنة، ويسوق آخرين حتى يكبهم على وجوههم في النار، ويأتي يوم القيامة تتقدمه البقرة وآل عمران في صورة غمامتين يحاجان عن صاحبهما، ثم إنك إذا تعلمت ولو جزءاً يسيراً فاعلم أن فيه لله سبحانه وتعالى كثيراً من الحقوق، منها حق العمل به، ومنها حق تدبره وتفهمه، ومنها حق الاتعاظ به.

    السؤال الرابع: قال: (وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)، فيسأل في المال سؤالين: السؤال الأول: يقال له: من أين لك هذا؟ هل أخذته من حله أم لا؟ فإن كان أخذه من حله فإنه سيبارك له فيه، وإذا وفق لصرفه في محله فإنه سيكون ستراً له من النار، وإن أخذه من غير حله فإنه سيندم عليه، فيقول: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ[الحاقة:28-29].

    السؤال الثاني في المال: هو قوله: (فيمَ أنفقه؟) بعد أن اكتسبه وجمعه، فهل يكفي مجرد الجمع؟ لا. بل المال يجمعه الإنسان فيتعب فيه، ثم بعد ذلك ينفقه ويفرقه، ففيمَ أنفقه؟ هذا السؤال على كل إنسان أن يطرحه على نفسه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مكائد الشيطان في الحرص، فقال صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو قدمت لآخرتك). وقال كذلك فيما صح عنه: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه. قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر).

    فلذلك على الإنسان أن يستحضر هذه الأسئلة الأربعة، ويعلم أنه سيواجه بها بين يدي الله، (لن تزول قدما عبد) أي: لن تتحرك واحدةٌ منهما من مكانها حتى يجيب عن هذه الأسئلة.

    1.   

    التحذير من غرور الشيطان ومشاغله وخدعه وأوهامه

    إن غرور الشيطان في هذه الحياة الدنيا كثير، كما ذكرناه من الغرور في الوقت، إنما نشاهده بعد مضي الزمن، ينظر الإنسان فيما مضى من عمره فيجد السنة والسنتين والثلاث والأربع وتقدمه في الإيمان فيها بطيء، لكن إسراعه إلى الموت سريع.

    فهو يسرع سرعة هائلة إلى الموت، يطوي المسافات، فكل يوم يقطع فيه مسافة طويلة إلى الموت، ومع ذلك فإن تقدمه في الإيمان والعمل الصالح يسير وقليل لا يرضاه إلا إذا كان منافقاً، فالمنافق يغتر بذلك، ويظن أن ما عمله كافٍ، والغرور ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق.

    ثم من مشاغل الشيطان كذلك التي يشغل بها الإنسان في هذه الحياة الدنيا أن ينسى لماذا أتى إلى هذه الدار، وما هي مهمته فيها، فهل جاء من أجل تقوية بدنه وتحسين سمعته؟ وهل جاء من أجل جمع ماله؟ وهل جاء من أجل التمتع بالشهوات والملذات؟ لماذا جاء إلى هنا؟ لماذا خلقنا الله؟

    فنحن ما خلقنا أنفسنا، ولا اُستشرنا بالخلق في الخلق: فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ[الانفطار:8] يخلقنا الله في أي صورة شاء، فمنا الطويل، ومنا القصير، ومنا الوسط، ومنا الأبيض، ومنا الأسود، ومنا الحسن، ومنا القبيح، فليس لنا مشورة في ذلك، وقد قال الله تعالى: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا[الكهف:51] ،

    فمن كان كذلك يعلم أنه ما استشير في خلقه عليه أن يسأل: لماذا خلقت؟

    وجواب ذلك قول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[الذاريات:56-58].

    إن كل شيء قيمته هي ما من أجله خلق، وما من أجله صُنع، فمكبر الصوت ما قيمته ولماذا صنع؟ لقد صنع لتسميع الصوت وتكبيره، فإذا لم يكن فيه هذه المنفعة هل سيُشترى بأغلى الأثمان؟ وهل له قيمة؟ ما له قيمة، بل يرمى في القمامات؛ لأنه لا فائدة فيه، ولذلك فمشاغل الشيطان التي يشغل بها الإنسان في هذه الحياة الدنيا عن عبادة الله منها ما هو معصية لله، فهو يستغله تماماً على عكس الاتجاه، فالاتجاه السليم أن يتجه إلى العبادة، فإذا اشتغل في المعصية فقد عكس الاتجاه وانصرف إلى الخلف، نسأل الله السلامة والعافية.

    ثم إذا لم يستجب له في ذلك حاول صرفه إلى الأطراف وبنيات الطريق، فيشتغل باللغو الذي لا ينفع، ويمضي العمر في ذلك اللغو دون طائل، فإذا لم يستجب له في ذلك حاول شغله بالمفضول عن الفاضل، يشتغل بعبادةٍ مفضولة عن عبادةٍ هي أفضل منها، فإن لم يستطع ذلك خيل له التعارض بين العبادات، وأنه لا يمكن أن يجمع بينها، فيقتصر على بعضها دون بعض، وهكذا فلا يزال مخادعاً له، فهو لصٌ يجوس حول الديار يريد ثغرةً يدخل منها، كاللص الذي يجوس حول الديار، يريد أي ثغرةٍ يدخل منها، ولهذا علينا أن ندرك مخاطره وغواياته، وأن نعلم أننا إذا لم نتخذه عدواً فلم نستجب ما أمرنا الله به، فقد قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا[فاطر:6] ، وهذه الآية جمعت بين خبر وأمر، فالخبر صدق، والأمر لابد أن يحقق، الأمر يقتضي التصديق، والخبر يقتضي التصديق، فلذلك علينا بعد أن صدقنا الخبر أن نبادر لتصديق الأمر، ولا يمكن أن تعلم أن فلاناً من الناس عدواً لك، فتسالمه أنت ولا تفعل أي شيء يوصل إليه ضرراً، لن تطيعه فيما يأمر به وتنقاد له، فمن كان هكذا فهو في غاية المذلة والهوان، فلهذا علينا أن نتخذ الشيطان عدواً، وأن نعلم أنه يسعى لغواية الناس بحبائله المختلفة، فمنها ما يزينه للناس من بعض المكاسب المحرمة، فإن الله سبحانه وتعالى جعل في الأرض كثيراً من أنواع الحلال التي يمكن أن يعيش بها بنو آدم.

    لكن يأتي الشيطان فيخيل للإنسان أنه لا يمكن أن يعيش في هذه الحياة الدنيا إلا بكسب خبيث، كالمشي بالنميمة، فيجعله قتاتاً يمشي بالنميمة بين الناس، وهذا شر كسب على الأرض، وقد صح في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة قتات)، والقتات: هو النمام المتجسس. ثم يمكن أن يخيل إليه الشيطان أنه لن يرزق إلا من الربا، والربا يترتب عليه حرب الله ورسوله، يقول عز وجل: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ[البقرة:279] ، ويمكن أن يخيل إليه أنه لن يُرزق إلا بأن يذل نفسه للبشر، وينسى رب البشر، الكريم الذي ينادي عباده فيقول: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ[النساء:32]، ويقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[البقرة:186] ، ويقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[غافر:60] ، فهو الذي يعطي قبل المسألة، ويعطي إذا سئل، ويدخر بعد ذلك الكثير، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ[النمل:62]، فهو الذي يرضى لعباده أن يسألوه، وغيره ليس كذلك.

    فالمذلة كل المذلة أن يذل الإنسان لعبد مثله فقير مسكين بخيل لا يملك لنفسه ولا لغيره حياةً ولا موتاً ولا نشوراً، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ[الحج:73]، فالله سبحانه وتعالى أحق أن يرغب فيما عنده، وهو الذي يعطي وحده، وقديماً قال الحكيم:

    إذا عرضت لي في زماني حاجةٌ وقد أشكلت عليّ فيها المقاصد

    وقفت باب الله وقفة ضارع وقلت إلهي إني لك قاصدُ

    ولست تراني واقفاً عند باب من يقول فتاه سيدي اليوم راقد.

    وكذلك يقول الآخر:

    لا تسألن بُني آدم حاجةً وسل الذي أبوابه التي لا تحجب

    فالله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضب

    فلابد أن تبادر إلى مسألة الله عز وجل الذي رضي لك أن تسأله، وليس في مسألته مذلة، كل إنسان سألته حتى ولو كان أباك ففي مسألته مذلة، فإن السؤال في حد ذاته مذلة إلا مسألة الله فهي عز، فالعبد إذا تضرع لله بين يديه فهذا غاية عزه، غاية ما يصل إليه من العلم والضراعة إلى الله، فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأنعام:43].

    إنما ذكرناه فيما يتعلق بالتفريط في الأوقات، والمبادرة عامة في هذه الحياة كلها، لكن لكل زمان ومكان خصوصيات، فنحن الآن في نهاية هذه الدنيا، وقد خاطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (بادروا بالأعمال ستاً: فهل تنتظرون إلا غنىً مطغياً، أو فقراً منسياً أو مرضاً مجهزاً، أو هرماً مفنداً، أو الدجال فالدجال شر غائبٍ ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر).

    إن هذه الأمور الستة آتية، فعلينا أن نبادرها بالأعمال الصالحة قبل أن تهاجم وتدهم، ثم علينا أن نعلم كذلك أن أوقات المصائب في الدين والتكالب عليه الوقت فيها أشح وأضيق، فأنت تعلم الآن ما يشاهده دينك من كيد أعدائه، ففعل الجاهلية في داخل الأمة الإسلامية من حصول الشقاق والنفاق والعداوات والتمزق والتشرذم يكفي وحده لضعف الدين، فكيف بالهجوم الشرس القادم من الخارج من هذه الهجمة الصليبية واليهودية والإلحادية التي لا تريد خيراً للمسلمين، ولا تريد إلا غوايتهم، فهم من جنود إبليس الذين سيكثرون في النار يوم القيامة؟!

    فلذلك علينا أن نبادر هذه الأوقات وأن نستغلها في الحفاظ على ديننا، فإنه إذا ذهب فلا خير في العيش بعده، لا خير في العيش في هذه الأرض بعد ذهاب الدين، ولهذا علينا أن نتمسك به وأن نعض عليه بالنواجذ قبل أن يفارقنا، وأن نعلم أن حقوق أمتنا تقتضي منا كذلك المبادرة للقيام بها، فهذه الحقوق الضائعة التي هي لهذه الأمة المشرفة العظيمة عند الله عز وجل لابد من أدائها والحفاظ عليها، فإن الإنسان يكد لينفق على أهل بيته لترتب حقوقهم عليه، فليتذكر كذلك حقوق الأمة، وليكد من أجل أداء حقوق الأمة، وتذكر قول الشاعر الحكيم:

    فبعد بلوغي خمس عشرة ألعب وألهو بلذات الحياة وأطرب

    ولي نظر عال ونفسٌ أبيةُ مقام على هذه المجرة تطلب

    وعندي آمال أريد بلوغها تضيع إذا لاعبت دهري وتذهب

    ولي أمة منكودة الحظ لم تجد سبيلاً إلى العيش الذي تتطلب

    على أمرها أنفقت دهري تحسراً فما طاب لي طعمُ ولا لذ مشرب

    ولا راق لي نومُ وإن نمت ساعةً فإني على جمر الغضى تقلب

    نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يجنبنا غوايات الشيطان، وأن يجعلنا في قرة عين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    اللهم! إنا نعوذ بجلال وجهك أن تجدنا حيث نهيتنا، ونعوذ بجلال وجهك أن تفقدنا حيث أمرتنا، ونسألك أن تستعملنا في طاعتك، وأن تجعلنا أجمعين هداةً مهديين غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    ما يجب على المسلم معرفته وتعلمه من أمور الدين

    السؤال: ما حد فرض العين الذي يجب على كل مسلم تعلمه؟

    الجواب: على كل مسلم أن لا يعرض عما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يزداد منه يومياً، فقد جاء في الحديث (أي يوم لا أزداد فيه علماً فلا بورك في طلوع شمس ذلك اليوم).

    والله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[طه:114] ، فما يعبد الإنسان به ربه، ويعرفه به، ويجتنب به نواهيه، ويمتثل به أوامره، ويحقق به الاستخلاف في الأرض، ويكون به من القوامين بالقسط لله فهذا هو فرض العين عليه، وما زاد على ذلك من علوم الدنيا أو من علوم الآلات فهو فرض كفايةٍ، لكن يكون فيه ممن قال الله عنهم: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ[المطففين:26] ، ولا يرضى الإنسان بالاقتصار فقط على أقل ما يمكن، فلذلك لا بد أن تعلو الهمم، وأن تتعلق بمعالي الأمور، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى من الجنة) هذا إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لنا، فلا نسأل الله -فقط- وأن تكون من أصحاب اليمين، بل نسأله أن نكون من المقربين، أن نكون من أصحاب الفردوس الأعلى من الجنة تحت عرش الرحمن.

    حكم تعليم الأجنبي للنساء في المساجد أمور الدين

    السؤال: هل يجوز تعليم الأجنبي النساء في المساجد؟

    الجواب: ذلك واجب، وهو فرض كفاية، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله، فقد صح: (أن وافدة النساء أتته فقالت: يا رسول الله! إن إخواننا من الرجال غلبونا عليك، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فأعطاهن يوم الخميس، فكن يجتمعن له فيعلمهن ويذكرهن)، وكذلك فإنه أمر بخروجهن إلى مصلى العيد، كما في حديث أم عطية رضي الله عنها: (كنا نؤمر بإخراج العواتق والحيض وربات الخدور ليشهدن الخير ويكثرن سواد المسلمين، غير أن لا تدخل الحائض المصلى)، ثم بعد ذلك في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما خطب الرجال ظن أنه لم يسمع النساء، فتوكأ على بلال حتى وقف على النساء، فوعظهن وذكرهن وقال: يا معشر النساء! تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقامت امرأة من سطة النساء -أي: من أواسطهن- في وجهها سعفة -أي: تغير في لون ما تحت العينين- فقالت: لم يا رسول الله؟ أيكفرن بالله؟! قال: يكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط. فبسط بلال ثوبه، فجعل النساء يرمين فيه بالخواتم والأخراص يهوين إلى حلوقهن وآذانهن فتصدقن، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم لتصدقهن) والمساجد هي مكان التعليم، فهي مدارس الدين عندنا معاشر المسلمين، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن له مدرسةٌ إلا المسجد، وكان يعلم فيه، ولذلك فإن من تعطيله أن تُمنع أي فئة من فئات المجتمع من التعلم فيه، علينا أن نوزع الوقت في المسجد، فنجل وقتاً للرجال، ووقتاً للنساء، ووقتاً للصبيان، ووقتاً للأميين، فيستغل المسجد في كل ذلك، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح البخاري ، من حديث ابن عمر- : (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، بل يخرجن إذا خرجن تفلات، ومعنى تفلات: غير متعطرات ولا متزينات. فهن أيضاً لهن الحق في استقبال الملائكة، وكتابة أسمائهن عند أبواب المساجد، ولهن الحق في دخول أشرف الأماكن والبقاع، فهذا المكان هو أشرف مكان في البلد، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البقاع إلى الله أسواقها).

    والذي يذنب ذنباً عليه أن يبادر إلى أحب البقاع إلى الله، لعله يصادف رحمةً فيتعرض لنفحات الله فيغفر له، فلذلك لا يمكن أن يمنع أحدٌ جاء تائباً إلى المسجد، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني عبد المطلب -أو يا بني عبد مناف-! لا تمنعوا أحداً أراد أن يطوف بهذا البيت في أي ساعة شاء من ليل أو نهار)، وقد بين الله سبحانه وتعالى عموم المسجد، وأنه ليس بالكلمات، فقال: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ[الجن:18]، وقال تعالى في المسجد الحرام: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ[الحج:25]، فالمسجد للناس كلهم، فلذلك لا يمنع منه أحد.

    شروط جواز خروج النساء من البيوت

    السؤال: هل من شرط في جواز خروج النساء؟

    الجواب: لا بد أن يخرجن بثياب غير لافتةٍ للانتباه من ناحية الحسن، فلا يخرجن بأثواب الزينة، ولا يخرجن كذلك بالرائحة الطيبة، فقد أخرج مالك في الموطأ (أن عمر خرج إلى العيد فمر حول النساء، فشم رائحةً طيبةً من رأس إحداهن، فقال: من صاحبة هذا الطيب؟ فلو عرفتها لفعلت بها وفعلت. فزعم النساء أنها قامت عن حدث لروعتها مما قال عمر )، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أيما امرأةٍ تعطرت فخرجت من بيتها فهي زانية).

    فلذلك على النساء أن يتقين الله وأن لا يخرجن بثياب الزينة، ولا بشيءٍ منها، فقد حرم الله عليهن إبداء الزينة إلا لمن أذن لهن في إبداء الزينة له.

    بيان كون التذكرة والموعظة من وظائف المسجد

    السؤال: هل التذكرة وظيفة من وظائف المسجد، يمنع منعها؟

    الجواب: إن التذكرة من وظائف المسجد، ولذلك أخرج البخاري و مسلم في الصحيحين من حديث ابن مسعود : (أنه كان يذكر الناس كل يوم خميس في المسجد، فقال له أبو وائل -أو غيره-: يا أبا عبد الرحمن! وددنا لو ذكرتنا كل يوم. فقال: أما إني لأتخولكم بالموعظة مخافة السآمة عليكم، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا) والسآمة: الملل.

    كيفية إقناع الوالدين بالسماح لأبنائهم بمزاولة الدعوة

    السؤال: كيف نقنع والدينا بعدم منعنا عما نحن فيه من توجيه الناس ودعوتهم، مع علمنا أنه ليس لهم في ذلك نية سيئة؟

    الجواب: الإقناع بهذا سهل جداً؛ لكثرة النصوص المتواترة فيه، ولأن الوالد دائماً شفيق، ويحب أن يكون ولده أفضل منه، فما من أحد يرضى أن يكون هناك أحد خير منه غير ولده، ولدك تريده أن يكون أعلم منك، وأن يكون أقوى منك وأحسن منك، لكن لا ترضى ذلك لأخيك، ولا لأحد آخر، فلذلك الوالد يرضى لولده دائماً أن يكون خيراً منه، ولهذا يريد له أن يتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن يفعل ما كان يفعله، فعليه أن يعرض على نفسه عمل النبي صلى الله عليه وسلم، فكم عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ رسالات ربه إليه؟ عاش ثلاثاً وعشرين سنة، وعلينا أن ننظر إلى العمل الغالب فيها، فما العمل الغالب في هذه الفترة من عمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ إننا نجزم ونوقن بأن العمل الغالب فيها تبليغ رسالة ربه إلى الناس وحملها وتوجيه الناس إليها، هذا أغلب عمله، فلم يكن يشتغل بالتجارة، ولم يكن يشتغل باللعب، ولا بالبناء وتشييد المنازل.

    بل قال: (ما أمرت بتشييد المساجد)، وكان يدخل في بيت فراشه حصير يبقى أثره في جنبه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وإذا وقف الواقف فيه مس سقفه، ولذلك عندما بنى المسجد قيل له: (ألست تريد أن نبني لك بيتاً من حجارة؟ قال: لا، ولكن عريش كعريش أخي موسى)، فكان يقول عليه الصلاة والسلام: (مالي وما للدنيا، إنما أنا كراكب استظل تحت ظل شجرة)، فلذلك علينا أن نصرف أوقاتنا فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرف فيه وقته، وإقناع الوالد بذلك أمر ميسور، وبالأخص إذا عرف أن خير العمل ما اختاره الله لنبيه، فمن يختار لولده أن يكون تاجراً أو أن يكون منغمساً في أمرٍ من أمور الدنيا وهو ويعلم أن عمل النبي صلى الله عليه وسلم أشرف من ذلك؟ وليس هذا منعاً من التجارة، بل إنما تمنع التجارة إذا ألهت عن ذكر الله، وعن الصلاة في المسجد، كما قال الله تعالى: لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ[النور:37]، أما غير ذلك فلا حرج فيه إذا أخذها الإنسان كلها ووضعها في محلها، ويمكن الجمع بينها وبين تجارة الآخرة، يمكن أن يجمع الإنسان بين تجارة الدنيا وتجارة الآخرة.

    نصيحة للنساء في الزهد في الدنيا والجري وراء الموضات

    السؤال: هل من نصيحة للنساء في تزهيدهن في اتباع الموضات ومتاع الدنيا؟

    الجواب: على النساء أن يتذكرن انتقالهن من هذه الدار إلى الدار الآخرة، وأن تعلم كل واحدة منهن حالها الآن، وما هي عليه من شدة الفزع والضعف، فإذا سمعت صوت رعد مجلجل خافت خوفاً شديداً، وإذا رأت برقاً قاصفاً خافت خوفاً شديداً، وإذا سمعت نبأً مفاجئاً خافت خوفاً شديداً، فكيف لا تخاف من عذاب الله ؟! يقول أحد الشعراء في مرثية زوجته بعد أن انتقلت إلى الدار الآخرة:

    امرر على الحِدث الذي حلت به أم العلاء فنادها لو تسمع

    أنى حللتِ وكنتِ جد فروقهًّ بلداً يمر به الشجاع فيفزع

    فلقد تركت صغيرة مرحومـة لم تدر ما جزعٌ عليك فتجزع

    فإذا سمعت أنينها في ليلها طفقت عليك شئون عيني تدمع

    وقوله: جد فروقة أي: شديدة الخوف.

    فلذلك عليهن أن يتذكرن ما هن منصرفات إليه، وأن يتذكرن قول النبي صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين عندما سألنه عن أول من تلحق به من نسائه إلى الدار الآخرة قال: (إن أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً)، فكن يتطاولن بأيديهن، لكن تبين أن المقصود بطول اليد الإنفاق، ففازت بذلك زينب بنت جحش فكانت أم المساكين، فهي أطولهن يداً في الإنفاق، وليست أطولهن يداً في الخلقة، فعلى من تريد الموضات أن تقدمها أمامها لتجدها في قبرها، من تريد البيت الوضيء والفراش الوطيء والسراج المضيء عليها أن تقدم ذلك لقبرها، فهي بحاجة إلى ذلك فيما أمامها، وقد قال: النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذه القبور مظلمةٌ على أهلها، وإن الله ينورها بدعائي وصلاتي).

    حكم تعاونيات النساء المتصلة بالمنظمات النصرانية

    السؤال: ما حكم تعاونيات النساء التي ظهرت مؤخراً، وكثيراً ما تتصل بالمنظمات النصرانية وتتلقى منها المساعدة؟

    الجواب: أما الاتصال بالمنظمات النصرانية فهو عداوة لله ورسوله، ومحادةٌ لله عز وجل، ومسارعةٌ ومبادرةٌ إلى أعداء الله الذين كتب الله عليهم الذلة والمسكنة والهوان، وجعلهم شر سكان الأرض، فجعلهم أخس من الكلاب والخنازير ومن القردة، فقال فيهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[البينة:6] .

    فهم شر ما ذرأه الله من الخلائق، ومن كان هكذا لا يمكن أن يتصل به الإنسان، ولا أن يقترب منه، أيرضى الإنسان أن يدخل في لحافٍ واحد مع خنزير ملطخ بالأنجاس؟! فكيف يرضى بمخالطة من هو شر من الخنزير؟! إن أدواء الإيمان وأمراضه كذلك تعدي، فيصاب الإنسان بالعدوى عندما يميل بقلبه ولو يسيراً إلى السافلين، كما قال تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ[هود:113] . وقد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا[الإسراء:73-75] .

    فلذلك لابد أن لا يركن الإنسان إلى السافلين، وأن يخاف الركون إليهم، وأن يعلم أنه ضررٌ ماحق بالدين، أما التعاون على البر والتقوى، فلا حرج فيه، كأن يتعاون النساء على جمع صدقاتهن للإنفاق على بيتٍ فقيرٍ أو على يتامى، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين. ورفع المسبحة والوسطى). فالفرق بينهما في الجوار، فإن المسبحة والوسطى متجاورتان، فلذلك عليهن أن يسعين إلى الخير، وأن يعلمن أن عملهن المشترك خير من عمل كل واحدة منهن وحدها، ومع هذا (فلا تحقرن جارةٌ لجارتها أن تهدي إليها ولو ظلفاً محرقاً، ولو فرسن شاة)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

    مسئولية المسلم وواجبه تجاه أهله

    السؤال: ما مسئولية المسلم تجاه أهله؟ وهل الواجب عليه القيام بمصالحهم الدنيوية دون الأخروية؟

    الجواب: الله تعالى يقول في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[التحريم:6]، فإذا كنت ترحم أهلك من المرض، وإذا مرضوا شق ذلك عليك وبذلت الأموال والأوقات في علاجهم فكيف لا ترحمهم من لواحة البشر عليها تسعة عشر؟! كيف لا ترحمهم من عذاب الله وسخطه؟! أنت لا تحب أن يعادي أهل الأرض أهلك وأولادك، فكيف تريد لهم أن يعاديهم من في السماء؟!!

    إن الرحمة تقتضي منك أن تحرص على مصالحهم الدينية قبل غيرها، ولذلك نص أهل العلم على أن المحافظ على أداء الصلاة في الجماعة إذا كان يفرط في أمر أهله بالصلاة فسيحشر في زمرة المضيعين يوم القيامة، قال محمد المودودي رحمه الله:

    محافظ تضييع أهله يـذرُ في زمرة المضيعين يحشروا.

    نسأل الله السلامة والعافية.

    فلذلك على الإنسان أن يعلم أنهم أول من يخاطبونه بين يدي الله، فيمسكون بيده فيقولون: يا رب! وليت علينا عبدك هذا، فضيع الأمانة، رآنا على المنكر فلم ينهنا، ورآنا نقصر في المعروف فلم يأمرنا وهم خصومه؛ لأن النسب سينقطع بمجرد النفخ في الصور،فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ[المؤمنون:101] ، فلذلك قد رأينا وشاهدنا في هذه الحياة الدنيا المشاحة بين الأقارب على أساس الحقوق المالية التافهة، رأينا المشاحة بين الأقارب بين الإخوة الأشقاء والأخوات والأولاد وآبائهم في أمورٍ تافهةٍ من أمور الدنيا، رأينا المشاحة في أمور الدنيا بين الأقارب، فإذا كان الأمر كذلك فعرف الناس أن هذا الإنسان الذي يشاح في الدنيا، ويخاصم على حقٍ ضئيلٍ تافه فليعلم أنه سيخاصم يوم القيامة في حقوقه، فهو في حقوقه يوم القيامة بخيل محتاجٌ فقير إلى تلك الحقوق، فلا يمكن أن يسامح فيها.

    نماذج ممن طلبوا العلم بعد الكبر وانتفعوا به

    السؤال: هل من نماذج من الذين أقبلوا على العلم بعد الكبر وانتفعوا بذلك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟

    الجواب: إن من أمة النبي صلى الله عليه وسلم رجالاً تعلموا في كبرهم، فكانوا من كبار العلماء والقادة، كـالعز ابن عبد السلام الذي ما طلب العلم إلا وقد تجاوز الأربعين، فكان سلطان العلماء، ومنهم كذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فما طلب جمهورهم العلم إلا في كبرهم، بل ما آمنوا أصلاً إلا في كبرهم، ومع ذلك انظر إلى المستوى الذي بلغوه من العلم، وكذلك من التابعين كـطارق بن شهاب، جاء يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم وعمره إذ ذاك فوق الأربعين، فأصبح من أئمة التابعين وعلمائهم، وكذلك عددٌ كبيرٌ من مشاهير علماء الإسلام ما طلبوا العلم إلا في كبرهم، فأحرزوا هذا العلم ونفعهم الله بقدر نيتهم وإخلاصهم، ففتحت أمامهم أبواب العلم وأبواب الخير.

    نماذج ممن نصروا الدين

    السؤال: اذكر لنا نماذج من الذين نصروا الدين؟

    الجواب: منهم ............. الذي أرسله شيخه .... مع يحيى بن إبراهيم .... إلى هذه البلاد معلماً وداعياً، فلما أتى وجد إعراض الناس عن الدعوة وانقطاعهم لجمع المال وتنميته، فاختار مجموعة من شبابهم وخرج بهم للتعليم في جزيرة في البحر في شمال نواكشوط، فكانت هذه الجزيرة مغلقةً، فلم يزل العدد يزداد حتى بلغوا ثلاثة آلاف، ورباهم بالشدة والقوة، فكان يضرب من تخلف عن ركعة واحدةٍ من الصلاة عشرة أسواط، ومن تخلف عن ركعتين عشرين سوطاً، ومن تخلف عن ثلاث ركعات ثلاثين سوطاً، ومن تخلف عن الصلاة الرباعية كلها جلده أربعين سوطاً، حتى أخذهم بالقوة والشدة، فلذلك لما خرجوا من جزيرتهم لم تستطع أمة أن تقف في وجوههم، وكانوا أشجع الناس وأقواهم في الحق، ومن أولئك الذين كانوا معه يحيى بن عمر اللمتوني وأخوه أبو بكر بن عمر اللبتوني الذي يشتهر على ألسنة العوام بـأبي بكر بن عامر ، وهو أبو بكر بن عمر وغيرهم من المشاهير، كـيوسف بن تاشفين الذي فتح المغرب والأندلس، وهزم النصارى في يوم الزلاقة حين زأرت الخيل في وجهه وهو يخطب يوم الجمعة على المنبر، فكبر ونزل بسيفه، وما زال يجاهدهم حتى قتل منهم أكثر من مائة وعشرين ألفاً.

    وغيرهم من الذين نصروا الله عز وجل في هذه البلاد وهم كُثر، وأهل هذه البلاد -ولله الحمد- من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أبناء الأنصار الذين تشملهم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم اغفر للأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار)، وقد قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (إنهم أدوا الذي عليهم وبقي الذي لهم)، وقال فيهم صلى الله عليه وسلم كذلك: (لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار)، وكذلك هم الذين ضحوا في سبيل إعلاء كلمة الله بأنواع التضحية، فيوم أحدٍ قتل منهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وسبعون رجلاً من خيرتهم، وفي رجعةِ النبي صلى الله عليه وسلم من أُحد استقبله أهل المدينة رجالاً ونساءً وصبياناً، فكان الصحابة يردونهم عنه لأنه مجروح وقد تعب في المعركة، فرأى امرأة تقترب إليه فإذا هي فاطمة بنت يزيد بن السكن، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يردوها عنه؛ فإنه قتل بين يديه ذلك اليوم ثمانية من رجالها، قتل بين يديه زوجها وولداها وأبوها وأخواها وعمها وعم أبيها، فلما نظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (بأبي أنت وأمي -يا رسول الله- كل مصيبةٍ بعد رؤيتك جلل)، وانصرفت وقد تعزت عن كل ما أصابها.

    وكذلك هم الذين حملوا الراية في معارك النبي صلى الله عليه وسلم كلها، فقتل منهم يوم بئر معونة ثلاثة وسبعون من حفظة كتاب الله القراء، وقتل منهم يوم اليمامة سبعون رجلاً من القراء، وقتل منهم يوم جسر أبي عبيد سبعون رجلاً من القراء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الناس يكثرون والأنصار يقلون)، وعندما بايعوه في آخر عهده بهم قال عبادة بن الصامت -وهو من رجالهم الأقوياء- الذين كانوا يوزنون بألف -قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرةٍ علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً لكم فيه من الله برهان، وأن نقول الحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)، فهذه بيعتكم لرسول صلى الله عليه وسلم أن تقوموا وأن تقولوا الحق حيثما كنتم لا تخافون في الله لومة لائم، ولن تنقلبوا على أعقابكم قطعاً، ولن تتركوا ما فعله أسلافكم وأجدادكم الذين كانوا خير الأمثلة، فعندما مات سعد بن معاذ اهتز له عرش الرحمن، ولم يهتز لأحد سواه.

    وكذلك فإن الأنصار يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع، إذا جاء الفزع على الأمة الإسلامية وعلى الدين كثر الأنصار، وإذا جاء الطمع أدبروا وقلوا، فلذلك لابد أن تتحقق هذه الصفات في ذراريهم من بعدهم، ومن العيب على الإنسان أن ينتسب للنسب الشريف والمحتد الرفيع فلا يكون كأسلافه وأجداده.

    اللهم! لك الحمد خيراً مما ما نقول، ولك الحمد كالذي تقول، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به، لك الحمد أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأقرب من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سُئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ند لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، ونسخت الآثار، وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرؤوف الرحيم، نسألك بعزك الذي لا يرام، وبنورك الذي أشرقت له السماوات والأرض أن تهدي قلوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تكشف كروبنا، وأن تجعل التقى زادنا، وأن تصلح أولادنا، وأن تحقق مرادنا، وأن تصلح أمرنا، وأن تصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين.

    اللهم! اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا، وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا.

    اللهم! استعملنا في طاعتك، واجعلنا هداةً مهديين غير ضالين ولا مضلين، اللهم! إن عبادك وإماءك يرفعون إليك أيدي الضراعة، فلا تردهم خائبين، ولا تخرج أحداً منهم من الدنيا إلا وقد غفرت له، اللهم! كما جمعتنا في الدنيا فاجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة تحت عرشك، اللهم! لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً وفيها لنا صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين، اللهم! اغفر للمسلمين الميتين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم! إنهم أسارى ذنوبٍ لا يفكون، وأهل قرب لا يتزاورون، اللهم! نفس همهم، وفرج كربهم، وأدخل عليهم النور والسرور في قبورهم، والطف بنا وارفق بنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه .

    اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأوهن كيد الكافرين، وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم! أظهر دينك على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم! أظهر دينك على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم! أنزل مقتك وغضبك وسخطك وبأسك وعذابك على أعدائك من كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك ويصدون عن سبيلك، اللهم! أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، واجعل تدبيرهم تدميرهم، ورد كيدهم في نحورهم، واشغلهم بأنفسهم، واجعل بأسهم بينهم، اللهم! أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم! لا تحقق لهم غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، وأخرجهم من بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.

    اللهم! اجمع على الحق قلوبنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم! ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا إلى سواء الصراط، اللهم! اجعلنا قرة عين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم! اسقنا من حوضه بيده الشريفة شربةً هنيئةً، لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم! بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، اللهم! آتنا كتبنا بأيماننا يا أرحم الراحمين، اللهم! إنا نسألك الثبات عند النزع، والأمن تحت اللحد، والتوفيق عند السؤال، اللهم! ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم! أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوةً وبلاغاً إلى حين، اللهم! إن بالعباد والبلاد والخلائق، والبهائم، من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم! إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم! أنزل لنا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم! أنزل لنا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم! أنزل لنا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم! صيباً نافعاً، اللهم! صيباً نافعاً، اللهم! صيباً نافعاً، اللهم! اسقنا، اللهم! اسقنا، اللهم! اسقنا، اللهم! اغفر ذنوبنا التي منعت بها القطر من السماء، اللهم! اغفر ذنوبنا التي منعت بها القطر من السماء، اللهم! لا تهلكنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك، اللهم! لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، ولا تؤاخذنا بما جنينا على أنفسنا، اللهم! لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم استرنا بسترك الجميل، اللهم! استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، اللهم! إن الأمور مرجعها إليك فلا تفضحنا بين يديك، اللهم! إن الأمور مرجعها إليك فلا تفضحنا بين يديك، اللهم! ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يا أرحم الراحمين، اللهم! بارك على المسلمين أجمعين، اللهم! لا ترفع عنهم عافيتك، اللهم! أسبغ عليهم نعمك، اللهم! أسبغ عليهم نعمتك ظاهرةً وباطنة، اللهم لا تنزع منهم البركة يا أرحم الراحمين، اللهم علم جهالهم، وأغن فقراءهم، واشف مرضاهم، وارحم موتاهم، واقض الدين عن المدينين منهم يا أرحم الراحمين، اللهم! ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم! أسبغ عليهم نعمك يا أرحم الراحمين، اللهم! اجعلهم في قرة عين نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم! أصلح أولادهم، اللهم! حقق مرادهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم! اغفر لنا أجمعين، وهب المسيئين منا للمحسنين، اللهم! هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم! اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767940357