إسلام ويب

سلسلة الأسماء والصفات [2]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جاءت صفات الإثبات مفصلة في القرآن والسنة، أما النفي فلم يفصل إلا في نفي الصاحبة والشريك والوالد والولد، وقد كان منهج السلف في التعامل مع صفات الله تعالى إثباتها والوقوف عند النصوص الواردة بها من غير تشبيه ولا تعطيل.

    الإيمان وقاية للعقل من الخرافات

    يقول الشيخ حفظه الله:

    [ ليست له صاحبة ولا ولد ووالد ليس له كفواً أحد ].

    الذي جاء في نصوص الوحي في وصف الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين:

    إلى إثبات ونفي، والإثبات جاء أكثره مفصلاً، والنفي جاء أكثره مجملاً، وقد جاء نفي مفصل وهو قليل، فبدأ به لقلته في النصوص، وإنما جاء النفي المفصل في النصوص فيما يتعلق بالصاحبة والولد والوالد فقط في قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ[الإخلاص:1-4] ونحو ذلك.

    والصاحبة: تطلق على القرينة فهي مؤنثة الصاحب بمعنى المصاحب، والمقصود بذلك: ما يخيل إلى بني آدم من أن حاجة الكائن أياً كان تقتضي وجود قرين له من جنسه.

    ومن هنا نتذكر بعض الفوائد العقلية التي ذكرناها سابقاً والتي تفيد العقل من الإيمان، وقد ذكرنا أن الإيمان لمصلحة العقل، ومن فوائده:

    أنه ينفي الخرافات عن العقل؛ لأن الخرافات هي متاهات العقول، فلو لم ترد هذه النصوص من الوحي لبقيت عقائد الناس مثل ما كانت عقائد الإغريق اليونانيين، عندهم الآلهة ذكور وإناث، وهناك عندهم بعض الآلهة ابن زناً من الإله، أي: إله زنى بإلهة فأنجبت له ابناً من زناً وأصبح إلهاً لديهم!! وهكذا من خرافات عقلية لا نهاية لها، ولذلك هذا الإله (أولمبيك) يسمونه إله الرياضة، وهو ابن زنا عندهم، زنت إلهة بإله آخر فأنجبت منه هذا الولد فسميت عليه الرياضة، وإلى الآن تسمعون بالملاعب الأولمبية ونحو ذلك وكله من أولمبيك.

    فعلى هذا فإن هذه النصوص هي التي حررت العقول من هذه الأوهام وهذه الخيالات التي منشؤها التشبيه بما يعهده العقل؛ ولذلك فإن نصوص التنزيل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً، وهي التي تقتضي سد القلب بالكلية عن هذه الأوهام والتخيلات التي هي متاهات تضيع فيها العقول.

    وكان العرب في الجاهلية يذهبون إلى أن الملائكة بنات الله، والتصور العقلي يقتضي أن البنات لا يمكن أن يوجدن إلا بعد أن توجد أم، والله سبحانه وتعالى فند هذه الفكرة تفنيداًَ قاطعاً في كثير من الآيات، ومن أبلغ ذلك ما كان فيه خطاب للعقل والعاطفة معاً، فقد جاء الخطاب في ذلك للعقل فقط في مثل قوله: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ[الإخلاص:3]، وجاء الخطاب فيه للعقل والعاطفة معاً في مثل قوله: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ * وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ[الزخرف:17-18] وفي القراءة السبعية الأخرى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثاً أأُشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون).

    مجيء النفي المفصل في صفات الله

    فرد هذه الأوهام مهم جداً للعقول، ولهذا جاء النفي فيها مفصلاً، بخلاف بعض الأمور التي لا تكون من ورائها المتاهات الكبيرة فلم يرد النص بنفيها على التفصيل، وإنما جاء النفي الإجمالي في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[الشورى:11] فقضى ذلك على التشبيه بالمخلوق كالجسم، والأعضاء، والجوارح وغير ذلك، ولم يأت التفصيل فيها، وإنما يفصل فيها المتكلمون ويذهبون فيها كل مذهب فيقولون:

    ليس بجوهر ولا بجسم وعرض كاللون أو كالطعم

    إلى آخره.

    هذا التفصيل العقول في غنىً عنه، ولا تحتاج إليه أصلاً؛ لأنه لا يوجد وهم يميل إلى أن الله خالق هذا الكون كله عرض مثل الطعم أو مثل اللون، فلا يحتاج إلى نفي هذا إلا على سبيل الإجمال فيقال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ومن هنا ندرك حاجة العقول إلى الإيمان وأنه لمصلحة هذه العقول، وحائل بينها وبين التخبط في المتاهات التي لا يمكن أن تخرج من هذا الوحل.

    قوله: (ليست له صاحبة ولا ولد) هذا نفي، وزعم الولد قديم في البشرية، فقد زعم اليهود أن العزير ابن الله، وزعم النصارى أن المسيح ابن الله، وزعم المشركون أن الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وكل هذا بسبب أن بيئتهم وواقعهم لم تستنر بنور الوحي فتخبطت في الخرافات التي منشؤها ما يقيسون فيه على أنفسهم، فالذي يعظمونه في الأرض هم الملوك، والملوك لهم صواحب ولهم أولاد وبنات، فيرون أن من يقربه الملوك ويدنونه يمت لهم بصلة قرابة فيبحثون عن تلك القرابة، ومن هنا قال اليهود: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ[المائدة:18] فرد هذا الوهم بالكلية.

    وكذلك فإن النصارى يزعمون أن الله سبحانه وتعالى أب لعيسى، ثم يزعمون أنه من وراء ذلك أب للبشر كلهم، فالفكرة القديمة لدى النصارى أنه أب لعيسى فقط، واليوم يزعمون أنه أبٌ للعالم كله ويزعمون أن الناس جميعاً أبناء الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

    ومن أجل هذا تجدون في الكتب المترجمة اليوم التي فيها بعض الأحاديث، مثلاً خرجت ترجمة لرياض الصالحين بالفرنسية: (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)، ترجموا هذا فقالوا: الخلق كلهم أبناء الله!! فهموها هذا الفهم فترجموها به؛ ولذلك فإن خطر التدوين فيما يتعلق بترجمة النصوص هو من جهة أن الأوهام ستسبق إلى ما تعودت عليه إذا لم تستنر بنور الوحي.

    (أو والد) كذلك نفى الوالد، وقد نفاه الله عن نفسه في قوله: لَمْ يُولَدْ[الإخلاص:3] فهو نفي للوالد مطلقاً.

    المقصود من نفي وجود الكفء لله

    ثم قال: (ليس لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وهذا تقرير لكل ما سبق، ولا يحتاج إلى العطف فيه، يمكن أن تقول: لماذا لم يقل: (وليس لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)؟

    والجواب: أن معنى أنه (ليس لَهُ كُفُواً أحد): أنه لا صاحبة له ولا ولد ولا والد؛ لأن الكفء هو النظير، يقال: الكفو بالواو، والكفء بالهمزة، والكفؤ بضمتين، وهذه كلها مقروءة، فقراءة نافع و ابن كثير و ابن عامر (كفؤاً) بالهمزة، وقراءة الكوفيين: (كفواً) بالواو لكن شعبة يقرؤها (كفْواً) بإسكان الفاء بالإسكان وغيره يقرؤها بالضم.

    والمقصود بهذا أمران: أحدهما: نفي التشبيه مطلقاً؛ لأن الكفاءة مقتضية لقدر من الاشتراك في الشبه، فالبشر من جهة التمثيل أكفاء، لا أحد منهم يزيد على آخر بعضو مثلاً، بل هم صورة واحدة؛ ولهذا قال الشافعي رحمه الله:

    الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء

    والثاني: وهو المقصود الأساس من نفي الكفء: أنه لا يمكن أن يكافئه ولا أن يناظره أحد حتى يتزاوج معه، أو حتى يحصل بينهما اتحاد، أو حتى يحصل بينهما الاشتراك في أي شيء، فلذلك لا يمكن أن يحصل أي شرك به من أي وجه من الوجوه، فهذا ينفي الصاحبة، والولد، وينفي الوالد، وينفي كذلك المشابهة مطلقاً بأي شيء من مخلوقاته، وينفي كذلك استعانته بأي مخلوق من خلقه، وينفي الحاجة إلى أي مخلوق؛ لأن الخلق كلهم محتاجون إلى الخالق، ويحتاج بعضهم إلى بعض، والخالق غني لا يحتاج إلى شيءٍ من خلقه، فلم يستفد منهم أية صفة، أي: لم يستفد منهم صفة الخلق بعد أن خلقهم، ولا صفة الرزق بعد أن رزقهم، فقد كان خالقاً ولا مخلوق، وكان رازقاً ولا مرزوق، وهو على ما عليه كان، لا تحله الحوادث والآفات، و لا تأخذه سنة ولا نوم، هو الحي القيوم كما كان.

    وهذه الصفات المذكورة في هذا البيت فيها نفي الصاحبة، ونفي الولد، ونفي الوالد، ونفي الكفو، ونفي الكفو متضمن لنفي الصاحبة، وقد جاء الثلاثة في سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ[الإخلاص:1-4] وهذا شامل لنفي الصاحبة، فقصد بذلك على أن يكون تفسير: (لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) أنه ليست له صاحبة ولا ولد أو والد، و(أو) هنا بمعنى الواو، فقوله: (ولا ولد أو والد) معناه: ولا والده.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088558134

    عدد مرات الحفظ

    777316498