إسلام ويب

سلسلة الأسماء والصفات [6]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصفات الفعلية الثابتة لله تعالى منها ما اشتق منه اسم الله تعالى، ومنها ما ليست كذلك، وقد أثبت الله لنفسه في كتابه وأثبت له رسوله صفات كثيرة، وقد ذكر الشيخ هنا بعضها وشرحها.

    1.   

    بعض صفات الله الفعلية

    قال الشيخ: [يسمع يبصر يحب يعجب يضحك يرضى يستجيب يغضب]

    هذا البيت كله يتضمن ثماني صفات من صفات الله سبحانه وتعالى الفعلية، بعض هذه الصفات مقتضية أيضاً لبعض الأسماء من أسمائه، فمثلاً:

    إثبات صفة السمع لله عز وجل

    قوله: (يسمع): هذا إثبات لصفة السمع لله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا[المجادلة:1] فهذا إثبات لهذه الصفة الفعلية، وهو إثبات أيضاً لاسم (السميع) فهو اسم مشتق من هذه الصفة.

    وسمع الله سبحانه وتعالى الراجح أنه للأصوات أي: يتعلق بالأصوات، وأنه لا يتعلق بالذوات، وخالف في هذا المتكلمون، فإنهم يقولون: سمعه يتعلق بالذوات والأصوات، وبصره يتعلق بالذوات والمبصرات، وليس لهم على هذا أي دليل، وإنما قصدوا به إتمام صفة المخالفة فقط، لذلك قال أحدهم: وأنت بصير تبصر الذات والمعنى، وهذا الذي قاله لا دليل عليه، وإلا لكان السمع والبصر صفة واحدة؛ لأنه إذا اتفقا في المحل -والمحل قطعاً هو ذات الله سبحانه وتعالى- وإذا كان متعلقهما واحداً فهما صفة واحدة؛ لأنه لا يفرق بينهما بالمحل، وإنما يفرق بينهما بالمتعلق.

    إثبات صفة البصر لله عز وجل

    وقوله: (يبصر) هذا إثبات لصفة البصر، وهي صفة الرؤية التي سبقت، ورؤيته معناها: أنه يرى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه:46] ، ومنها اسمه (البصير) فهو مشتق من هذه الصفة، فالله سبحانه وتعالى أثبت ذلك لنفسه في كثير من الآيات في كتابه.

    إثبات صفة المحبة لله عز وجل

    وقوله: (يحب) هذه صفة فعلية وهي صفة المحبة، فالله سبحانه وتعالى يحب، وجاء ذلك مسنداً إلى أعيان وإلى أفعال، فمن الأعيان قوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ[آل عمران:76] ، وجاء بالسلب في قوله: لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[الأنعام:141] هذا للأعيان.

    وجاء مسنداً إلى الأفعال في قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ[النساء:148] هذا في النفي، وفي الإثبات مثل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) وقوله: (إن الله يحب إذا أنعم نعمة على عبده أن يرى آثارها عليه) وقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً[الصف:4] لكن هذا يشملهما معاً فهو للذات والصفة؛ لأن المحبة للذوات هي بسبب الصفة، أي: بسبب فعل هذا الفعل؛ لأن الاسم الموصول مستلزم للصفة، معناه: أحبهم بسبب قتالهم في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص، ولم يشتق من هذه الصفة اسم لله سبحانه وتعالى.

    والمحبة بينها وبين الأمر عموم وخصوص فإن الله سبحانه وتعالى يحب أن يؤتى ما أمر به، ويكره أن يؤتى ما نهى عنه، لكنه يأمر بأشياء لا يقدرها أصلاً، وينهى عن أشياء ويقدرها فتقع.

    وقد جاء إسناد المحبة إلى أشخاص بأعيانهم، فقد ورد في الحديث الذي أخرجه الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمرني أن أحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم، وهم علي بن أبي طالب، والمقداد بن عمرو، وعمار بن ياسر، وبلال بن رياح)، وكذلك صح في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض) قال سفيان وهو سفيان بن عيينة أحد رواة هذا الحديث: ولا أراه إلا قال في البغض مثل ذلك.

    أي: إن الله إذا أبغض عبداً نادى جبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم ينزل له الخذلان في الأرض فيبغضه الناس.

    إثبات صفة العجب لله عز وجل

    وقوله: (يعجب) هذه صفة أخرى وهي صفة العجب، وقد أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل في عدد من الأحاديث: (إن الله يعجب لرجلين يقتل أحدهما الآخر وهما في الجنة) الرجل الذي يكون مشركاً فيقاتل فيقتل مسلماً فيكون شهيداً في الجنة، ثم يؤمن القاتل بعد ذلك.

    وإثبات صفة العجب فيها أيضاً ما ذكرناه في المحبة، فإنها مقتضية للتشريف للشيء الذي يعجب الله عز وجل منه، مثل الشيء الذي يضحك منه، ويقتضي ذلك أن يتعجب منه عباده، والشيء الذي يحبه يقتضي أن يحبه عباده وهكذا.

    وهذه الصفة لم يشتق منها اسم.

    وقد قرئ قول الله تعالى: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ[الصافات:12] بضم التاء، وعلى هذا تكون هذه الآية إثباتاً لصفة العجب أيضاً.

    إثبات صفة الضحك لله عز وجل

    وقوله: (يضحك) هذا إثبات لصفة الضحك لله سبحانه وتعالى، وقد ثبت ذلك في عدد من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنها: (إن الله يضحك إلى المصلي في جوف الليل، ويضحك إلى القائم في الصف) وغير ذلك من الأحاديث التي فيها إثبات الضحك لله سبحانه وتعالى.

    وهو مثل صفة العجب والمحبة فيما ذكرناه، فإذا ذكر ذلك مع أي فعل فهو يقتضي زيادة فضله ومحبته، ويقتضي من المؤمنين المبادرة إليه لمحبتهم لله عز وجل، فيحبون ما يضحك منه سبحانه وتعالى، وقد جاء أن أعرابياً سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يضحك الله إلى المصلي في جوف الليل، فقال يا رسول الله: أويضحك ربنا عز وجل؟ قال: نعم، قال: لا نعدم من رب يضحك خيرا) فتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، وهذه الصفة لم يشتق منها اسم أيضاً.

    إثبات صفة الرضا لله عز وجل

    (يرضى): هذه صفة فعلية أخرى وهي صفة الرضا، والفرق بينها وبين المحبة أن الرضا يقتضي حصول المغفرة ويختص بالأعمال، فإذا رضي الله عن عبد من عباده فإن ذلك يقتضي مغفرة ما مضى منه، وقد يقتضي مغفرة المستقبل وهذا هو الرضا الأكبر الذي لا سخط بعده، فالرضا قسمان:

    فالأول: رضاً يختص بالماضي، ويقتضي مغفرته.

    والثاني: رضاً يعم المستقبل وهو الرضا الأكبر الذي لا سخط بعده، وهو ما حل على أهل بدر حتى قال الله لهم: (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ومثله ما حل على أهل الشجرة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، فقال الله فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ[الفتح:18] ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة).

    وهذه الصفة تسمى: رِضاً ورِضواناً، ورُضواناً، ورُضاً، فهذه أربعة مصادر لرضي، والله سبحانه وتعالى جاء بها مثبتة ومنفية، مثبتة في قوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ[الفتح:18] ، وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[التوبة:100] وجاء بها منفية في قوله: لا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ[الزمر:7].

    إثبات صفة الاستجابة لله عز وجل

    وقوله: (يستجيب) هذا إثبات لصفة أخرى من صفات الله سبحانه وتعالى، وهي صفة الاستجابة، والمقصود بها إجابة الدعاء.

    فالله سبحانه وتعالى يستقبل الدعاء فيثيب عليه ويجيبه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ[النمل:62] وقال سبحانه: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ[الأنبياء:76] فهذا إثبات لصفة الاستجابة، ومنها اشتق اسم المجيب في حديث أبي هريرة في التسعة والتسعين اسماً من أسماء الله تعالى.

    والاستجابة لا تتعلق بالدعاء وحده، بل كثير من الأعمال تعرض عند الله، ولهذا جاء في أذكار الصلاة: سمع الله لمن حمده، و(سمع) هنا بمعنى استجاب؛ لأنها التي تتعدى باللام؛ أما (سمع) التي معناها سماع الصوت، فإنها تتعدى بنفسها مثل قول الله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ[آل عمران:181] وقوله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا[المجادلة:1] ، أما التي تتعدى باللام فمعناها الإجابة، فمعنى (سمع الله لمن حمده) أجاب دعاءه، والحمد دعاء، وقد ذكرنا أثر ابن عيينة حين سئل عن قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) قيل له: أفهذا دعاء؟! قال: بلى، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت :

    أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء

    إذا أثنى عليك المرء يوماًً كفاه من تعرضه الثناء

    إثبات صفة الغضب لله عز وجل

    وقوله: (يغضب) -عائذاً بوجهه من ذلك- وهذه صفة من صفات الفعل وهي الغضب، والله سبحانه وتعالى يغضب ويشتد غضبه وكلتاهما ثابتة في النصوص.

    والغضبة الكبرى هي البطشة الكبرى، وهي إقامة القيامة، فإنه إذا لم يبق في الأرض من يقول: الله، يغضب الله على أهل الأرض الغضب الأكبر الذي بسببه تقوم الساعة، ولذلك يقول الأنبياء: (إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) وذلك حين يتمحض الشرك في الأرض، أما قبل ذلك فلا يأتي الغضب الماحق في الدنيا، وإنما يحل الغضب على قوم أو بلد أو نحو ذلك.

    ومظاهر الغضب هي أخذ الله سبحانه وتعالى، وهو أنواع:

    فمنه: الأخذ الوبيل الماحق مثل ما حصل للأمم السالفة.

    ومنه: أخذ دون ذلك، كما في حديث ابن عمر في سنن ابن ماجه والمسند وغيرهما، وفيه: (ما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وعسف السلطان ونقص المئونة، ولا نقض قوم عهد الله وميثاقه إلا سلط الله عليهم عدواً من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم، ولا منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما ظهرت الفاحشة في قوم فأعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأوجاع التي لم تكن فيمن مضوا من أسلافهم، وما لم يحكم أئمتهم بما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) فهذه من مظاهر الغضب لكنها ليست عامة فلا يأخذ بها الجميع.

    وغضب الله سبحانه وتعالى سببه الشرك به ومعصيته، ولهذا فإن الغضب الأكبر وهو غضب القيامة سببه تمحض الشرك به في الأرض.

    وهذا الفعل لم يشتق منه اسم، وهو والسخط سواء، فقد أثبت الله السخط لنفسه أيضاً وهو بمعنى الغضب، واختلف فيهما فقيل: الغضب أعم من السخط، والسخط أخص منه، وقالت طائفة: معناهما واحد فهما من المترادف؛ لأنهما يتعاقبان في القرآن بنفس المعنى، ولذلك نسب السخط إلى اليهود والغضب عليهم أيضاً في القرآن، وهذا يقتضي ترادف السخط والغضب.

    إثبات صفة البغض لله عز وجل

    قال: [يبغض يطمس الوجوه يطبع يقبض يبسط ويعطي يمنع]

    قوله: (يبغض) هذا إثبات لصفة فعلية أخرى هي بغضه، وهي مقابل المحبة التي سبقت، فإن الله سبحانه وتعالى يبغض الأفعال الذميمة التي حرمها ونهى عنها، ويبغض أعداءه بذواتهم، فالذين خلقهم للنار قد أبغضهم، والأفعال التي حرمها قد أبغضها، فهذا الفعل أيضاً يتعلق بالذوات وبالأفعال، ويأتي على ضد المحبة التي سبقت، ولهذا أخرج مسلم في الصحيح ومالك في الموطأ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك) فيستعيذ من الصفة بضدها.

    وهنا السخط ضد الرضا والمحبة، وكذلك البغض ضد المحبة، وقد جاء في حديث ليس بالقوي: (أن الله سبحانه وتعالى في آخر الدنيا يحشر المؤمنين إلى الشام، ويبقى في البلاد قوم تقذرهم نفس الرحمن)، وهذا بمعنى البغض، هذا إذا ثبت الحديث لكن الحديث لم يثبت، ولو ثبت الحديث لأثبتنا صفة أخرى هي صفة الاستقذار.

    إثبات صفة الطمس لله عز وجل

    وقوله: (يطمس الوجوه): هذه صفة فعلية أخرى وهي الطمس، وقد جاءت منسوبة إلى الوجوه كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً[النساء:47].

    وجاءت غير منسوبة إلى الوجوه، كما حكى الله تعالى عن موسى عليه السلام: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ[يونس:88] فالطمس على الأموال بمعنى إذهابها واجتياحها، وطمس الوجوه هو ردها على أدبارها نسأل الله السلامة والعافية.

    وكذلك جاء الطمس على البصائر والقلوب، والمقصود به الختم عليها حتى لا تنتفع بخير ولا تقبل عليه ولا تقبله أصلاً، فالقلوب المطموس عليها هي التي لا تتوجه إلى الخير ولا تقبله أبداً.

    إثبات صفة الطبع لله عز وجل

    وقوله: (يطبع) كذلك الطبع على القلوب هو صفة فعلية مثل سابقتها، والله سبحانه وتعالى أثبته لنفسه بقوله: طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ[التوبة:93] وهذا الطبع هو الختم عليها بطابع النفاق نسأل الله السلامة والعافية، فتكون هذه القلوب مطبوعاً عليها لا يمكن أن يدخلها خير: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ[محمد:16] فلا يمكن أن يصلها الخير.

    ومن هنا فإن الناس في الذكرى ينقسمون إلى أربعة أقسام:

    القسم الأول: هم الذين يسمعون الذكرى بآذانهم فتنقلها بكل أمانة إلى قلوبهم فينتفعون بالذكرى، وفيهم يقول الله تعالى: إِنَّمَا تُنذِرُ مَنْ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ[يس:11] وقوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[الذاريات:55] وقوله تعالى: سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى[الأعلى:10] وقوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً[الفرقان:73] وقوله تعالى: فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ[الزمر:17-18] هؤلاء هم الذين ينتفعون بالذكرى.

    القسم الثاني: هم الذين لا يتحملون سماع الذكرى أصلاً، حتى آذانهم لا تتحمل سماعها فيفرون منها كما يفرون من الأسد، وهؤلاء هم المشركون الذين قال الله فيهم: فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفََرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ[المدثر:49-50] والقراءة الأخرى: مُسْتَنْفِرَةٌ[المدثر:50] التي تقرءون بها.

    والقسورة الأسد، فهؤلاء لا يمكن أن تخالط الذكرى أسماعهم.

    القسم الثالث: قوم يسمعون الذكرى بآذانهم ولكنها لا تصل إلى قلوبهم؛ لأن قلوبهم مطبوع عليها، فالآذان تسمع الذكرى لكن لا تتجاوز تراقيهم، فالقلوب مختوم عليها من هنالك، والختم حول التراقي أو النحور كما في أحاديث الخوارج، وهؤلاء هم المنافقون الذين قال الله فيهم: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً[محمد:16] فالقلوب لم تستفد.

    القسم الرابع: الذين يفصلون في الذكرى، فيقبلونها من بعض الناس دون بعض، إذا رأوا من يعجبهم شكله أو يعرفونه قبلوا الذكرى منه، وإذا رأوا آخر فسمعوا منه خيراً لم يقبلوه؛ لأنه ليس في ذلك المحل! وهؤلاء هم مرضى القلوب الذين ابتلاهم الله بالكبر والعجب، وصفتهم مثل صفة قريش حين قالوا: لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[الزخرف:31-32].

    إثبات صفة القبض والبسط لله عز وجل

    وقوله: (يقبض يبسط): (يقبض) هذه صفة أخرى من الصفات الفعلية فالله سبحانه وتعالى، وهذا الفعل يشمل عدة أمور: فهو سبحانه يقبض الأرواح بإرسال الملك المكلف بها: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ[الأنعام:61] ، ويقبض السماوات والأرضين يوم القيامة كما قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ[الزمر:67] ، ويقبض الشمس فيذهب الظل مع النهار كما في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً[الفرقان:45-46]، ويقبض الرزق، وهذا النوع من القبض هو المقصود هنا وهو المقابل للبسط، يقبضه فيزويه عمن يشاء، وهذا يشمل أمرين:

    الأول: إزاحة الأموال مثلما حصل لصاحب الجنتين في سورة الكهف، وهذا من قبض الله عز وجل، والثاني: عدم إزاحتها ولكن انتقال الرزق منها، فيكون المال موجوداً لكن ينتقل الرزق منه، كحال آل فرعون: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ[الدخان:25] وكثير من الناس يعطى مالاً يتصرف فيه لكن لا يرزق به ولا يقدمه لآخرته حتى ينتفع به، ولا ينتفع به في رفاهية نفسه في الدنيا، بل يحال بينه وبينه حيلولة مطلقة.

    وهذا القبض هو المقابل للبسط، والبسط: هو الذي يتعلق بالرزق في قول الله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ[الشورى:27] .

    وهذا القبض والبسط وإن كان في المحسوسات كقبض الأرزاق وبسطها, فإنهما أيضاً يتعلقان بالسعادة النفسية, ويتعاقبان على النفوس, فالنفوس تارةً تشهد تجليات القبض، وتارةً تشهد تجليات البسط, فتجد الإنسان في بعض الأحيان مرتاحاً جداً ولا يدري سبباً لذلك, وتجده منقبضاً أحياناً أخرى ولا يدري سبباً لذلك، وهذا من تجليات القبض والبسط.

    ولهذا يقول شيخي رحمه الله:

    القبض والبسط في الأكوان شيئان على مراد الفتى قد لا يجيئان

    يتعاقبان لـكل مـنـهما أجـل هذا بآن وهذا بعض في آن

    لجوهر البسط في آن عـلى أحـد فآنه المختفي في مظهر الثاني

    والعسر لا يغلب اليسرين منفرداً فالعسر فرد وإن اليسر يسران

    لا تجزعن ولا تـفرح لـحادثة فـإن دارك دار ذات ألـوان

    وراع في كل حال ما ينـاسبها ولا تشح بفان أيهـا الفـاني

    إثبات صفة الإعطاء والمنع لله عز وجل

    وقوله: (ويعطي يمنع), هاتان الصفتان أيضاً متضادتان وهما: صفة الإعطاء وصفة المنع, فالله تعالى يعطي ما يشاء لمن يشاء, ويمنع ما يشاء, ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الرفع من الركوع: (لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت), وقال: (رحمن الدنيا والآخرة تعطي منهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء).

    1.   

    الأسئلة

    معنى حديث: (يعجب الله من الشاب ليست له صبوة)

    السؤال: (يعجب ربك من الشاب ليس له صبوة) هل هذا حديث أو أثر، وإذا ثبت فما معناه؟

    الجواب: بالنسبة لثبوته لا أذكر شيئاً فيه, ولا أدري درجته, لكن معناه أن الله سبحانه وتعالى سلط على الإنسان الشهوات، وبالأخص في بداية شبابه، فعقله ما زال ضعيفاً وتجربته ما زالت ضعيفة، ومع ذلك فإن شهوته قوية, فلذلك إذا تغلب عليها فقد انتصر، وكان محلاً للإعجاب به, ولهذا يستحق أن يظل في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.

    حشر المؤمنين إلى الشام لقتال اليهود قبل قيام الساعة

    السؤال: أين يكون الناس قبل حشرهم إلى أرض الشام؟

    الجواب: الناس في الأرض: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا[الملك:15] , لكن أول من يحشر إلى أرض الشام هم اليهود، كما قال تعالى: (( وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ )) أي تفرقوا في الأرض فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً[الإسراء:104] يحشرهم الله إلى الشام, وأول ذلك: طرد النبي صلى الله عليه وسلم لبني قينقاع من المدينة؛ ولذلك قال الله فيه: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ[الحشر:2] هذا أول حشر إلى الشام.

    وأما حشر المؤمنين إليه فقد جاء فيه: (يوشك أن يكون خير مهاجرهم مهاجر أبيهم إبراهيم) فيهاجرون إلى الشام لقتال اليهود, وهذا المقصود به خيرتهم، وإلا فلا يمكن أن يتسع الشام لكلهم؛ لأن الشام هو الذي ينزل فيه عيسى بن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيجتمع إليه أنصاره من المؤمنين الذين هم خيرة أهل الأرض يومئذٍ ويكونون في الشام، وقد جاء قبل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم) وهذا الحديث أخرجه الترمذي في السنن وإسناده حسن.

    وكذلك جاء في الشام عدد كبير من الأحاديث، جمعها الحافظ ابن عساكر فأوصلها إلى قرابة ألف حديث في فضائل الشام وحشر الناس إليه وغير ذلك, وبه فسر كثير من أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وهم أهل الغرب) وقال صلى الله عليه وسلم: (هم أهل الشام) وإن كان الشام ليس في غرب المدينة، لكن يطلق عليه ذلك؛ لأن غرب المدينة البحر, والبحر من سار بساحله يوصله ذلك إلى الشام.

    وقال آخرون: هو اتجاه المغرب، كما جنح إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: كل الفتن والمصائب والبدع جاءت من المشرق، وأما المغرب فلم يأت منهم إلا خير، فجاء منه العلم والحفاظ في كثير من العصور, وهذه القاعدة يمكن أن تنقض بالعبيديين فقد ظهروا في البداية في المغرب في المهدية في تونس، ثم رحلوا إلى المشرق, لكن يجاب على هذا: بأن التشيع كله في الأصل من المشرق, فـعبيد الله بن إسماعيل جاء أيضاً من المشرق, فأنشأ ذلك بالمغرب.

    وقال أحد علمائنا في شرحه لصحيح مسلم عندما بلغ هذا الحديث: الغرب في اللغة له ثلاثة معان: يطلق على الدلو العظيمة, يقول: لا أعرف بلداً من بلاد الله أكبر دلاء منا.

    ويطلق على مغرب الشمس، يقول: ونحن آخر المسلمين إلى جهة المغرب.

    ويطلق على القوة والشوكة، يقول: نحن أهلها، ولم يجاهد قوم دون إمام فينصروا ويغنموا غيرنا, وهذه دعوى، لكن المهم أنها مبشرات.

    وحشر المؤمنين إلى الشام لقتال اليهود جاء فيه الحديث الذي في الصحيحين: (لتقاتلن اليهود حتى تقاتل بقيتكم الدجال), وفيه: (أنه حتى يقول الحجر والمدر: يا عبد الله! هذا يهودي خبيث تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) وجاء في مسند البزار وغيره من حديث نهيك السكوني رضي الله عنه: أنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة من خطبه: (لتقاتلن الدجال أو لتقاتلن بقيتكم الدجال , أنتم شرقي نهر الأردن وهم يومئذٍ غربيه)، قال: ولا أدري ما الأردن يومئذٍ, والحديث في إسناده مجهول، لكن مع ذلك تشهد له الأحاديث السابقة الصحيحة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767938220