إسلام ويب

شهادة أن محمداً رسول اللهللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الرسل حق، وأفضلهم خاتمهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي اختاره الله من العرب وخصه على من قبله بخصائص وميزات، وجعل دينه خير الأديان، ولذلك ينبغي على المسلم أن يتعرف على جوانب من حياة هذا النبي ونسبه وميزاته وما يتعلق بذلك.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيقول الشيخ حفظه الله:

    والرسل حق والنبي العربي خاتمهم أعلاهم في الرتب

    التكذيب بمحمد تكذيب بجميع الرسل

    بعد أن ذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام ووجوب الإيمان بهم على سبيل الإجمال، ذكر التعويل على شهادة أن محمداً رسول الله، وهي الشهادة الثانية من الشهادتين، وهما ركنا الاعتقاد:

    فالركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله، وكل ما سبق من التفصيلات داخل في هذه الشهادة.

    والركن الثاني: شهادة أن محمداً رسول الله.

    وإنما بدأنا قبل الكلام في هذه الشهادة بالكلام على الرسل لدخول تصديق الرسل في تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كذب رسولاً واحداً فقد كذب كل الرسل، ومن صدق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد صدق بكل الرسل؛ لأنه خاتمهم، ومصدق لما بين يديه كما وصفه الله بذلك.

    ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى إذا ذكر تكذيب قوم لنبيهم ينسب إليهم تكذيب جميع الرسل، كما في قوله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ[الشعراء:105]، كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ[الشعراء:176] ، كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ[الشعراء:160] .. وهكذا، فكلما ذكر نبياً كذبه قومه، يذكر أنهم كذبوا جميع المرسلين، وذلك أن مقصد الرسالة في الأصل واحد، كما قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة:5] .

    ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا معاشر الأنبياء أبناء علات ديننا واحد)، وهذا تفسير قول الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ[الشورى:13] .

    ميزة محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء

    لكن شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي تميزه عن غيره من الرسل، فلذلك ذكرها هنا، فالإيمان به مشروط على من سبقه ومن لحقه، فمن أتى قبله قد أخذ عليهم العهد بالإيمان به، لقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[آل عمران:81-82].

    فإذاً: كل من سبق قد أخذ عليهم العهد بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، ونصرته إذا بعث، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ورقة من التوراة في يد عمر : (مه يا ابن الخطاب ! فلو أن موسى بن عمران حي ما وسعه إلا اتباعي)، وفي حديث آخر أخرجه أحمد في المسند، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن موسى وعيسى شهدا مبعثي لما كان لهما إلا أن يتبعاني)؛ ولذلك فإن عيسى عليه السلام إذا نزل حكماً عدلاً في آخر الزمان، سيكون من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم والعاملين بالملة والشريعة.

    قيام الحجة على من سمع بمحمد صلى الله عليه وسلم

    ثم إن من لحقه لا يقبل منه الإيمان قطعاً حتى ولو آمن بجميع الرسل ما لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لم يؤمن بي إلا كبه الله على وجهه في النار).

    واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع بي)، فكثير من الذين يسمعون الحديث من الذين يهتمون بالمجال الفكري يقولون: تقوم الحجة بمجرد أن يسمع الإنسان باسم محمد صلى الله عليه وسلم وبرسالته وبالدين الذي جاء به، حتى لو سمع به مشوهاً، مثل أكثر المعاصرين من أهل الكتاب والكفرة، فإنهم لم يسمعوا به إلا مثل ما سمعوا بـبوذا مثلاً.

    وذهب آخرون إلى أن المقصود بالسماع السماع غير المشوه، فهو الذي تقوم به الحجة، ومعناه أن يعلموا أنه رسول، وأنه رسول آخر الزمان الذي تنسخ ملته كل ما سبق.

    وهذا يؤخذ من وصف النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه؛ ففي حديث جبير بن مطعم الذي ختم به مالك الموطأ: (لي خمسة أسماء، فأنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمه، وأنا العاقب)، فهذا يقتضي أن من لم يسمع به على وصفه، ولم تبلغه دعوته كما هي لا تقوم عليه الحجة بمجرد السماع، ولكن دلالة هذا دلالة بعيدة، في مقابل التصريح بالسماع في الحديث السابق.

    وعموماً يترتب على هذه المسألة كثير من الفروع:

    منها: لعن من مات من الكفرة ولم تبلغه الدعوة كما هي.

    ومنها: استباحة دمائهم وأموالهم في حياتهم إذا سمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم تبلغهم الدعوة كما هي، كالكفرة في زماننا هذا، فكثير منهم لم تبلغهم الدعوة كما هي، فهل تستباح دماؤهم وأموالهم بمجرد هذا البلاغ والسماع الذي حصل أو لا؟

    وأما تكفيرهم فلا شك ولا اختلاف فيه بين الناس، فهم كفار قطعاً، حتى لو سمعوا بهذه الشريعة سماعاً مشوهاً كما ذكرنا، ومن تساهل فلم يصفهم به على اعتبار أنهم بمثابة من لم تبلغه الدعوة، فقد تساهل تساهلاً زائداً؛ لأن الذي يستدلون به ويأخذون به هو بعض المفهومات من الآيات، وكلها من مفهومات المخالفة، مثل قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا[البينة:6] ، فـ(من) هنا يزعم بعض الناس أنها تبعيضية، وأنه ليس كل أهل الكتاب ولا المشركين كفرة.

    ولكن هذا الوجه أبعد ما يكون عن الصواب، فـ(من) بيانية للذين كفروا، وبيانهم أنهم ينقسمون إلى قسمين: إما أن يكونوا أهل كتاب وإما أن يكونوا مشركين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521850

    عدد مرات الحفظ

    777104231