إسلام ويب

خلق المسلمين بين النظري والتطبيقيللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يحتاج الإنسان إلى قيم يرتفع بها ويسمو عن البهائم، ويصل بها إلى مقام المنافسة مع الملائكة. وهذه القيم من أهمها قيمة الخلق، وقيمة الدين، وهما أكبر قيمة يتحلى بهما الإنسان، ولا يمكن الفصل بينهما، وقيمة الخلق تمر بمرحلتين: مرحلة النظرية، ومرحلة التطبيق.

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

    فمن المعلوم أن الإنسان مبتلىً ممتحن في هذه الحياة الدنيا بخمس جبهات مفتوحة عليه:

    الجبهة الأولى منها: جبهة الشيطان، فهو يأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، كما قال فيما حكى الله عنه: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ[الأعراف:17]، وهو عدو للإنسان يتربص به في كل الأوقات، يراه هو وقبيله من حيث لا ترونهم.

    خطوات الشيطان في إغواء الإنسان

    وهذه الجبهة ذات خطورة عظيمة على الإنسان؛ لأن بداية مطمع الشيطان في الإنسان أن يكفر بالله جل جلاله، فإذا عجز عن ذلك حاول أن يوقعه في كبائر الإثم والفواحش، فإذا عجز عن ذلك حاول أن يجعله يترك الواجبات والفرائض، فإذا عجز عن ذلك حاول أن يشغله ببعض الفرائض عن بعض، فإذا عجز عن ذلك حاول أن يشغله بالسنن والمندوبات عن الفرائض، فإذا عجز عن ذلك حاول أن يوقعه في المكروهات واللمم، فإذا عجز عن ذلك حاول أن يشغله بالمندوبات بالمبالغات، فإذا عجز عن ذلك حاول أن يشغله بخلاف الأولى، فإذا عجز عن ذلك حاول أن يعجب بنفسه حتى يأمن مكر الله، فإذا عجز عن ذلك حاول أن يحقر عمله لديه حتى ييأس من رحمة الله.

    جند الشهوة

    ولا يقنط الشيطان من ابن آدم أبدًا؛ لأنه يحاوله طيلة عمره، ويركز عليه في أوقات ضعفه، وله جندان عظيمان هما جند الشهوة وجند الشبهة. وجند الشهوة ينقسم إلى قسمين: إلى شهوات حسية وشهوات معنوية.

    فالشهوات الحسية كشهوة البطن والفرج، والشهوات المعنوية كحب الرئاسة وحب الشهرة، وحب الانتقام.

    وهذه الشهوات جند من جنود إبليس يحركها في وقت ضعف الإنسان، فالإنسان بطبيعة الحدوث التي فيه، وبطبيعته الحيوانية، تأتيه النوازع والضعف في أوقات مختلفة، فكثيرًا ما يتناسى بعض قناعاته الثابتة لديه أو ينساها، وكثيرًا ما ينشغل عنها بالتسويف، وطول الأمل، وكثيرًا ما تأتيه نوبة من الفتور والكسل، وكثيرًا ما يأتيه ضعف لا يشعر به أمام شهوة من الشهوات، فهو يظنه قوة وفي الواقع هو ضعف، فيظن أن قوة ثارت فيه، وفي الواقع أنه ضعفت روحه، وفي مقابل ذلك قوي جسمه على الروح.

    جند الشبهة

    والجند الثاني: وهي الشبهة، وتنقسم إلى قسمين: شبهة بالتعامل مع الله، وشبهة بالتعامل مع الناس.

    والشبهة بالتعامل مع الله تنقسم إلى قسمين:

    الأول: شبهة بالعقائد، ولا يزال الشيطان بالإنسان حتى يقول له: هذا العالم خلقه الله، فمن خلق الله؟! يوصله إلى هذا النوع من الشبهات التي ليست مجالًا للعقل أصلًا، ولو راجع الإنسان نفسه لعلم أنها متهافتة متناقضة.

    الثاني: الشبهات في العبادات، وهذه تشمل الوساوس في الطهارة والوساوس في الصلاة، والوساوس في الطلاق والوساوس في الأيمان والنذور، وفي نحو ذلك.

    والشبهات بالتعامل مع الناس تنقسم إلى قسمين:

    الأول: شبهات من قبيل الإفراط فيهم وازدرائهم واحتقارهم، كالذي لا يسمع من أثني عليه بخير إلا حاول تنغصيه والطعن فيه، ويكون ذلك مستمرًا معه طيلة حياته فلا يحب أن يسمع ثناءً على أحد من الناس إلا حاول أن يعقب على ذلك الثناء بالطعن، فهذا النوع هو شبهة في التعامل مع الناس من جهة التفريط فيهم وازدرائهم واحتقارهم.

    الثاني: هو شبهة في التعامل مع الناس من جهة الإفراط فيهم، والمبالغة والتقديس، فيقدر الأشخاص تقديرًا زائدًا حتى يصل إلى حد التقديس، فيعطي الأسوة لمن ليس معصومًا، ويعطي حقوق الألوهية لمن هو عبد مملوك من الأنبياء أو الصالحين أو الملائكة المقربين، فكلهم مملوكون لله سبحانه وتعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[الإسراء:57].

    سبل مواجهة جند الشيطان

    وهذان جندان من جنود إبليس لا يمكن أن يردهم الإنسان عن نفسه في مواجهته المستمرة، إلا بجندين من جنود الله وهما الصبر واليقين.

    فالصبر هو الذي يرد به الإنسان جند الشهوة مطلقًا، كلما ثارت شهوته صبر، فيصبر عن الشهوات المعنوية، ويصبر عن الشهوات الحسية، والصبر ثلاث شعب: الصبر عن معصية الله، والصبر على طاعة الله، والصبر على قضاء الله وقدره.

    أما اليقين، وهو الانطلاق من الدليل: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ[البقرة:111]، والاعتماد على الوحي المقدس الذي: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ[فصلت:42]، واليقين قاضٍ على الشبهة مطلقًا، فكل الشبهات سواء كانت في التعامل مع الله أو في التعامل مع الناس يقضي عليها اليقين، وإذا جمع الإنسان بين الصبر واليقين نال الإمامة في الدين، كما قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[السجدة:24].

    وهذه الجبهة الأولى كثير من الناس إذا سئل عن عدوه الأول لم يتذكر كيد إبليس ومراوغاته وأنه له بالمرصاد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534706

    عدد مرات الحفظ

    777184209