إسلام ويب

شروط النصرللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النبي صلى الله عليه وسلم بشره الله بالنصر ووعده به، وحقق له رجاءه ووعده، ومن هنا كان لزاماً علينا أن نعرف شروط النصر؛ ليكون صناعة ممكنة، والنصر له شرطان: عدالة القضية، والصبر على القضية، وللنصر مظاهر، منها: السعادة التي تحصل لمن أدى الحق الذي عليه، وأن يشعر الإنسان بسلوكه لطريق الجنة، ومحبة الناس للسالكين طريق الحق، والتثبيت على طريق الحق، والتمكين في الأرض.

    بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنتته إلى يوم الدين، أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى يخص ما شاء من خلقه بما شاء، وقد خص هذا الشهر الكريم بعدة خصائص منها نزول القرآن فيه؛ فقد افتتح الله إنزاله في ليلة القدر على محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء؛ ولذلك قال فيه: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1]، فبين أن ذلك في رمضان فقال: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ[البقرة:185].

    ومنها أن الله سبحانه وتعالى خصه بوجوب الصيام فيه، وقد جعل ذلك ركناً من أركان الإسلام، وجعله من الحسنات التي لا يمكن أن يعرف قدر ثوابها؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقابل جزاءها بفضله وكرمه كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ).

    ومنها كذلك ما خصه الله به من القيام فيه، أي: من تأكيد ذلك؛ فالقيام مطلوب في كل ليلة من ليالي السنة، ولكنه يتأكد في ليالي رمضان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )، فمن يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

    كما خصه الله سبحانه وتعالى بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وصيغة "خير" هي صيغة "أفعل" للتفضيل، التي تدل على الزيادة في الفضل دون حصر، فهذه الليلة أفضل من ألف شهر؛ فمن وفق لقيامها وأعين عليه وتقبله الله منه فيزداد عمره على الأقل بثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، والزيادة على ذلك يختلف فيها الناس كما يختلفون في تضعيف الأعمال؛ فمن الناس من تضاعف له الحسنة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومنهم دون ذلك، وهذه الليلة الكريمة هي في هذا الشهر وهي آكد في العشر الأواخر منه وفي أوتارها، والراجح فيها التنقل بين أوتار العشر الأواخر من رمضان.

    وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى خص هذ الشهر الكريم بنصر المؤمنين فيه؛ فقد انتشر ذلك وكثر، فهو موسم من مواسم الانتصار، والنصر لا شك مرغوب فيه ومحبوب إلى النفوس، لكن كثيراً من الناس لا يعرف معناه، فكثير من الناس يظنون أن النصر معناه الغلبة، وهذا التصور غير صحيح؛ والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[المجادلة:21]، ويقول تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج:40]، وغير ذلك من الآيات التي وعد فيها المرسلين بالنصر.

    ومن المعلوم أن كثيراً منهم قد قتلوا، وقتل معهم الربيون والحواريون، ولكنهم منصورون عند الله سبحانه وتعالى؛ فلذلك أكد الله انتصارهم فقال: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ[الأنبياء:105-106]، وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ[الصافات:171-173]، وبذلك يعلم أن القضاء على الصراع بين الحق والباطل في الأرض غير مطلوب أصلاً؛ فلم يكن المرسلون يتعلقون به ولا يطلبونه؛ لأنهم يعلمون أن سنة هذه الأرض هي بقاء الصراع بين الحق والباطل، لكن النصر هو بالعاقبة؛ فالعاقبة للمتقين، ومن هنا فإن للباطل صولة فيضمحل، والحق يعلو ولا يعلى عليه.

    والنبي صلى الله عليه وسلم بشره الله بالنصر ووعده به، وحقق له رجاءه ووعده، لكن مع ذلك حصل ما حصل في بعض المغازي من قتل أصحابه، وقد قتل من القراء ثلاثة وسبعون في غزوة بئر معونة، قتلوا جميعاً عن آخرهم، ولم ينج منهم إلا عمرو بن أبي أمية الضمري وحده، وكذلك قتل أصحاب الرجيع وكانوا أربعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيرة أصحابه ولم ينج منهم أحد، ومع ذلك فقد انتصروا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088532294

    عدد مرات الحفظ

    777168785