إسلام ويب

الهجرة- الوقائع والعبر [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الهجرة النبوية حدث تاريخي عظيم في الإسلام, ومرحلة فاصلة في انتشار هذا الدين, فقد أذن الله لرسوله بها بعد اشتداد البلاء بأصحابه في مكة, فأحكم التخطيط والتجهيز لها, وبذل الأسباب في سبيل إنجاحها, وعند وصوله لمهاجره بدأ بتأسيس دولته, فبنى المسجد, وآخى بين المهاجرين والأنصار, وفي الهجرة النبوية الدروس والعبر العظيمة التي ينبغي على المسلمين معرفتها وتطبيقها في واقع حياتهم.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى يختار ما شاء من خلقه، فقد اختار من الأمكنة مكة المكرمة، واختار من الأزمنة الأشهر الحرم، واختار من البشر محمداً صلى الله عليه وسلم، وقد بعثه على فترة من الرسل, واقترابٍ من الساعة, وجهالة من الناس، بعد أن عمت الجاهلية أرجاء الأرض، وبعُد عهدهم بالشرع، فارتدوا عن دين الله, وعبدوا الأوثان، ولم يبقَ إلا بقايا من أهل الكتاب وهم الرهبان في الأديرة، فحل مقت الله على أهل الأرض، ثم تداركهم بعين رحمته فبعث إليه الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمداً صلى الله عليه وسلم.

    وقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم غير بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك). فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بامتحان شاق للبشرية، فصدقته طائفة منهم, وكذبه جمهورهم، وكانت دعوته بمكة، فقد بعث عندما أتم أربعين سنة من عمره، وبداية ما جاءه من أمر الله جل جلاله في هذا الوقت.

    عناية الله سبحانه وتعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه

    وقد كان منذ صباه يأتيه التوجيه الرباني فينهى عن عمل الجاهلية, فلم يسجد قط لصنمٍ ولم يعبده، وكشف مرةً واحدةً عن عورته في بناء الكعبة فصيح عليه من السماء حتى وقع فرد ثيابه فلم تر عورته بعد ذلك، ولم يشرب خمراً قط، ولم يبع بالربا، ولم يمارس أي شيء من أعمال الجاهلية، فقد كان قبل بعثته موكولاً إلى إسرافيل عليه السلام, فكان يسدده وينصحه, ويأمره بالأمر من أمر الله يقذفه في روعه.

    أول ما بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي

    والوحي إنما أنزل إليه بعد أن أتم أربعين سنة، فحبب إليه الخلاء, وذلك لتقوية الروح؛ لأن الإنسان ما دام يعيش مع البشر فإنه إذا فقدهم أصيب بالوحشة، وسيكون حينئذٍ على جانب من الجبن لاستشعاره أنه بين الناس فهو بحاجة إليهم، فإذا كان سيلقى الملائكة ويسمع كلامهم وهم أشداء فإنه لابد أن يقوى, فتقوى روحه, وتزداد شجاعته, ويقوى جسمه، وذلك ما أنعم الله به على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقوى جسمه, وقوى روحه, وقوت شجاعته، فشق صدره وهو طفل صغير مرضع في بني سعد، وغسل قلبه, وأزيلت منه المضغة السوداء، ثم بعد ذلك شقَّ مرة أخرى عندما أسري به، وهي الشقة الثانية، فقد شُق صدره صلى الله عليه وسلم مرتين.

    فلما أتم أربعين سنة حبب إليه الخلاء, فكان يخلو في غار حراء فيتحنث فيه؛ وهو التعبد الليالي ذوات العدد، وكان يتزود لذلك، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فمكث ستة أشهر لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فكانت هذه الأشهر الستة هي أول ما جاءه من الوحي، فهو أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي كما في حديث عائشة، ثم بعد ذلك كان صلى الله عليه وسلم يرى أشياء ويسمعها؛ فيرى نوراً في بعض الجهات, ويسمع أصواتاً لا يدرك حقيقتها.

    نزول جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء

    فلما كان في الثلث الأخير من الليل في ليلة جمعة؛ وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان، وقيل: الثالث والعشرين من رمضان؛ وهي ليلة القدر في ذلك العام, جاءه جبريل وهو في غار حراء، فأتاه في صورة رجل، ولكنه أضخم من الرجال وأقوى، فأخذه فضمه إلى صدره فغطه -أي: خنقه خنقاً شديداً- حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله فقال: اقرأ، قال: ( ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه الثانية حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه الثالثة ثم أرسله فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ[العلق:1-3]، فرجع بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت خديجة يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني زملوني، فزملوه أي: غطوه بثوب حتى ذهب عنه الروع، فأخبر خديجة بالخبر، وقال لها: والله لقد خشيت على نفسي. فقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم, وتحمل الكلَّ, وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

    ثم ذهبت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، وكان قد تنصر في الجاهلية، فكان يكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، فقص عليه الخبر، فلما سمعه ورقة قال: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، إن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، وقال له: ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك )، وهذا أول ما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن قضية الهجرة، فأول ما علم بخروجه من ورقة بن نوفل عندما قال له: ( ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، إنه لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن هلك, وفتر الوحي ).

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088556327

    عدد مرات الحفظ

    777304050