إسلام ويب

الهجرة- الوقائع والعبر [2]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في الهجرة النبوية دروس وعبر, منها: أن الصراع بين الحق والباطل صراع أبدي مستمر, وأن الغلبة للحق وأهله المستضعفين, وضرورة الأخذ بمبدأ الحذر والحيطة في مجال الدعوة, فقد كان هذا دأب الأنبياء في دعوتهم, وأهمية التفريق بين وقت التمكين والاستضعاف.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد: فقد وعدناكم في الدرس الماضي بالعودة إلى الدروس والعبر المأخوذة من الهجرية النبوية، وبما أن الهجرة النبوية كانت مبدأ تاريخ هذه الأمة، واللبنة الأولى لبناء دولة الإسلام، وبما أنها من أكبر الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ، وغيرت شأن العالم كله، فإن الدروس المأخوذة منها كثيرة جداً، وهي قابلة للتكرار دائماً كسنن الله سبحانه وتعالى الكونية، فالله تعالى سير هذا الكون كله على وفق سنن ونواميس لا تخلف، فهي من سنة الله السائرة، وهذه السنن من كبرياتها: سنة التدافع بين الحق والباطل، فقد بنى الله هذه الدنيا على صراع أبدي مستمر بين الحق والباطل، ولابد أن يبقى هذا الصراع دائماً, وسيوجد أنصار في كلا الطرفين، فلابد أن يجد حزب الله في كل بلد ووقت أنصاراً، ولابد أن يجد حزب الشيطان في كل وقت وبلد أنصاراً، ويقع التدافع بين الحزبين بصفة مضطردة مستمرة.

    وكذلك من سنن الله الكونية التي يسير على وفقها هذا العالم: أنه ينصر المستضعفين من أهل الحق، فضعفاء الناس هم أتباع الرسل، كما سأل هرقل أبا سفيان بن حرب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم اتبعوه، فقال: هم أتباع الرسل.

    وهذه السنة متعدية لمجرد هذا الصراع البشري، فهي واصلة إلى جميع ما في الأرض، وقد ثبت في صحيح البخاري: ( أن القصواء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لا تسبقها راحلة، حتى جاء أعرابي على جمل له أحمر فسبقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان حقاً على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه ). فما من شيء في هذه الحياة الدنيا يرتفع رفعاً دنيوياً مستمراً؛ بل لابد أن يوضع ويتراجع، وانظروا في هذه السنة في خلق الإنسان فإنه إذا بلغ أشده وتتام خلقه وقوته وتم السمع والبصر والقامة، ووصل إلى منتهاه بدأ في النقص والضعف، وانظروا إلى القمر عندما تكمل استدارته، ويتم ضوؤه، ويعم الآفاق جميعاً يبدأ في النقص، فالليلة الرابعة عشرة من الهلال ليلة تمامه، ثم بعد ذلك في الليلة الخامسة عشرة يبدأ النقص كما قال الحكيم:

    ألا رب مولود وليس له أب وذي ولد لم يلده أبوان

    وذي شامة سوداء في حر وجهه مخلدة لا تنتهي لأوان

    ويكمل في ست وسبع شبابه ويهرم في سبع معاً وثمان

    فيتتام شبابه في الليلة الثالثة عشرة، وتتم رجولته وتمامه في الليلة الرابعة عشرة، ثم يبدأ النقص في الخامسة عشرة، وهي الليالي البيض، وهذه السنة اتضحت في الهجرة النبوية، فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، وليس على وجه الأرض إذ ذاك من يعبد الله عبادةً صحيحة على وفق منهج الله إلا قليل جداً من بقايا أهل الكتاب في الأديرة وقد اعتزلوا الناس، ولم يشاركوا في شأن العالم، ولم يكن لهم أمر ولا نهي ولا مشاركة سياسية ولا إعلامية ولا دعوية، ليس لهم أي مشاركة في شأن الحياة، اعتزلوا الناس فسكنوا في الأديرة، ولم يتزوجوا ولم يخالطوا الناس، فهؤلاء لا يمكن أن يغيروا شأن الناس، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، فعادت السنة فاختلف الناس فيه بين مصدق له ومكذب، والنهاية هي ما حكم الله به بصفة دائمة، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088527999

    عدد مرات الحفظ

    777143560