إسلام ويب

شرح لامية الأفعال [1]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تعد منظومة لامية الأفعال من أهم المنظومات في علم الصرف، وقد كمل بها ابن مالك صاحب الألفية ألفيته، وذلك بتخصيص مباحث الصرف بهذه المنظومة. وقد ركز فيها على صرف الأفعال، وفاته بعض مباحث تصريف الأسماء. وقد اشتهرت هذه المنظومة، وعني الناس بشرحها والتعليق عليها.

    1.   

    مقدمة نظم لامية الأفعال

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    معنى الآل والصحب

    ثم الصلاة على خير الورى وعلى ساداتنا آله وصحبه الفضلا

    فقوله (ساداتنا) سيد القوم: كبيرهم وقائدهم، ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم: (قوموا لسيدكم)، والرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم، وآله هم سادتنا؛ لأن الحسن والحسين من آله وهما سيدا شباب أهل الجنة، وفاطمة من آله وهي سيدة نساء العالمين، فهم جميعًا سادة؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسن: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).

    و(آله) مشتقة من آل إليه، بمعنى: رجع، تنطق بالهمزة وبالهاء، فيقال: «آل» و«أهل»، لكن بينهما فرقًا، فالآل كلمة لا تضاف إلا إلى العاقل الشريف، فلا تضاف إلى غير العاقل غالبًا، ومن غير الغالب قول الشاعر:

    من الجرد من آل الوجيه ولاحق تذكرنا أوتارنا حين تصهل

    والوجيه: فرس.

    ولا تضاف إلا إلى الشريف غالبًا، ومن غير الغالب: قول الله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ[غافر:46]، لكن آل فرعون لهم شرف باعتبار الدنيا فقط.

    وتطلق كلمة آل على الأتباع والعابدين، ومنه قول عبد المطلب:

    فانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك

    وآل النبي صلى الله عليه وسلم يختلف إطلاق هذه الكلمة باختلاف المقام، فإن كان ذلك في مقام الدعاء- كما هنا- فالمؤمنون جميعًا هم آل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان في مقام تحريم الصدقة فهم الذين حرموا الصدقة بعده، وهم المؤمنون من بني هاشم ومواليهم بالإجماع، والمؤمنون من بني المطلب عند الشافعي وأحمد أيضًا؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (نحن وبنو المطلب سواء، ما افترقنا في جاهلية ولا في إسلام)، والمطلب أخو هاشم، كلاهما ابن عبد مناف، لكن لـعبد مناف أبناء آخرين لا يدخلون في ذلك، وهم: عبد شمس والد أمية، ونوفل والد آل نوفل، وفي ذلك يقول البدوي رحمه الله:

    عبد مناف قمر البطحاء أربعة بنوه هؤلاء

    مطلب وهاشم ونوفل وعبد شمس هاشم لا يجهل

    وإذا كان في مقام الثناء فيختص بأهل العباءة، وفي هذا يقول سيدي بن عبد الله:

    آل النبي سيد الأنام مختلف بحسب المقام

    مومن هاشم عنوا بالآل في منع إعطاء زكاة المال

    وإن إلى نهج الدعاء تزهد فالمؤمنون كلهم آل النبي

    وفي مقام المدح هم أهل العبا ءة الذين الرجس عنهم ذهب

    وطهروا لما دعا تطهيرا طوبى لهم دعاءه الشهير

    طه وبنت المصطفى سبطاها وبعلها سليل عم طه

    (وصحبه): الصحب: اسم جنس واحدهم صاحب، والمقصود بهم: الذين صحبوه، وهذا اللفظ يطلق إطلاقين: إطلاقًا شرعيًّا: على الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته، وأنفقوا وجاهدوا من قبل الفتح، وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وقد قال هذا الكلام لـخالد بن الوليد في عبد الرحمن بن عوف، فدل هذا على أن عبد الرحمن وإخوانه من السابقين الأولين هم أصحابه في الإطلاق الشرعي، وأن من سواهم لا يوصف بأنه صحابي في الإطلاق الشرعي. أما في الإطلاق الاصطلاحي- وهو الإطلاق الثاني- فإن الصحابي يطلق على من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع معه ومات على دينه ولو تخلل ذلك ردة على الصحيح، فهذا اصطلاح المحدثين؛ لأنهم الذين يروون عنه، ولا يدخل في هذا أهل النفاق الذين آمنوا به في الظاهر ولكن كثيرًا منهم لا يعرف هل هو منافق أم لا؟ أو لم يرد فيه النص بأنه منافق لكن أولئك لا يوصفون بالصحابة، وهؤلاء وإن أطلق عليهم لفظ الصحابة لكن ذلك الإطلاق ليس مثل الإطلاق السابق، وقد جاء في الحديث- في حديث الحوض-: (أنه يقترم دونه أقوام فيقول: أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)، فهؤلاء ليسوا من الصحابة قطعًا، لكن المقصود بأصحابي معناه أتباعي وأهل ملتي.

    (الفضلا): جمع فاضل، وهذه هي صفة كاشفة، والصفة الكاشفة معناها: التي لا تميز بعض الموصوف، فالصحابة جميعًا فضلاء؛ لأن لهم مزية السبق بالصحبة، فمجرد رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم- والإنسان مؤمن به- تقتضي مزية، هذا مصطلح بلاغي، فالصفات: إما أن تكون كاشفة، وإما أن تكون مميزة، فالصفة الكاشفة مثل القرآن الكريم، فالقرآن كله كريم، الصحابة الفضلاء، كلهم فضلاء، لكن الصفة المميزة مثل الصحابة السابقون، هذه مميزة لبعضهم.

    الفعل وتصريفه

    وبعد فالفعل من يحكم تصرفه يحز من اللغة الأبواب والسبلا

    (وبعد): أصل هذه الكلمة: أما بعد، و«أما» بفتح الهمز والتشديد للتفصيل والتأكيد.

    أما بفتح الهمز والتشديد للشرط في التفصيل والتأكيد

    ولمعنى الشرطية فيها حسن بعدها الفاء، أما بعد فإن كذا، فإن خير الحديث كتاب الله؛ لأن فيها معنى الشرط، هذا هو الغالب في اللغة، وهو الفصيح، وقد تحذف بعدها الفاء، لكن ذلك ليس بفصيح، قد جاء في بعض الأحاديث: (أما بعد ما بال أقوام..)، لكن الرواية الفصيحة المشهورة هي: (أما بعد، فما بال أقوام..)، لكنها جائزة في اللغة على غير الفصيح.

    و(بعد) التي بعدها هي ظرف مبني على الضم، ولها أربع حالات؛ لأنها إما أن تضاف ويذكر المضاف وحينئذٍ تعرب إعراب الظروف غير المتصرفة: فإما أن تنصب على الظرفية، وإما أن تجر بمن خاصة، والحالة الثانية: أن تقطع عن الإضافة لفظًا ونية، وحينئذٍ تعرب إعراب الأسماء المصروفة: النصب أيضًا بالتنوين، أو بالجر بمن خاصة، ومن هذا: قول الشاعر:

    ونحن قتلنا الأسد أسد خفية فما شربوا بعدًا على لذة خمرا

    ومثلها: (قبل) في ذلك: مثل: قول الشاعر:

    فساغ لي الشراب وكنت قبلًا أكاد أغص بالماء الفرات

    وإن أضيفت فحذف المضاف ونوي لفظه فإنها تبقى دون تنوين على هيئة المضاف، فتقول: من بعد، ومثله قول الشاعر:

    ومن قبل نادى كل مولى قرابة فما عطفت مولًى عليه العواطف

    معناه من قبل ذلك.

    وإن حذف المضاف ونوي معناه فإنها تبنى على الضم، مثل: قول الله تعالى: لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ[الروم:4]، مثل: أما بعد، وهي فصل الخطاب، حيث تفصل المقدمات عن المقصد، ويتخلص بها من المقدمات إلى لب الكلام المطلوب المقصود؛ ولهذا تدل على عناية المتكلم بحديثه، ومن ذلك: قول الشاعر:

    لقد علم الحي اليمانون أنني إذا قلت أما بعد أني خطيبها

    ويختلف أهل التفسير في أول من قالها، فبعضهم يفسر قول الله تعالى: وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ[ص:20]، بأن داود أول من قال: أما بعد، لكن الواقع أن داود ليس من أهل العربية، وبعضهم يقول: أول من قالها: أيوب، وبعضهم يقول: أول من قالها: يعقوب، لكن كل هؤلاء من غير الناطقين بالعربية أصلًا، لكن يقال: أول من قالها: قس بن ساعدة الإيادي، وهذا غريب جدًّا؛ لأن قساً متأخر، أدركه الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه قالها في خطبته التي حضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق عكاظ، حيث كان يخطب الناس ويعظهم، فيقول: (أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا، من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت، أقسم قس قسمًا لا حانثًا فيه ولا كاذبًا، إن لله لدينًا هو خير من دينكم الذي أنتم عليه...) إلى آخر خطبته، فيستغرب جدًا أن يكون قس أول من قال: أما بعد، وقيل: أول من قالها: يعرب بن قحطان بن هود عليه السلام، وهو جد السبئية بني سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وقد نسب له الرسول صلى الله عليه وسلم عشر قبائل، كما في سنن الترمذي، وهي التي نظمها البدوي بقوله:

    لسبأ بن بشجب بن يعرب سليل قحطان قريع العرب

    نسب خير مرسل بنينا عشرة الأزد الاشعرينا

    وحميرًا ومذحجًا وكنده أنمار سادس لهم في العده

    وقد تيامنوا ومن تشام له غسان لخم وجذام عامله

    هذه هي القبائل العشر.

    وهذه الأقوال نظمها أحد العلماء بقوله:

    جرى الخلف أما بعد من كان بادئًا بها سبع أقوال وداود أقرب

    سبع أقوال فيها لحن أيضًا..

    لفصل الخطاب ثم يعقوب قسهم فسحبان أيوب فـكعب فيعرب

    (سحبان): خطيب بني وائل يستغرب أيضًا كونه أول من قال هذا، لكن سحبان يضرب به المثل في الفصاحة والبلاغة حتى في العصور المتأخرة.

    (فالفعل من يحكم تصرفه): الفاء هنا للإشعار بالشرط، وهي للجواب، يقترن بها الجواب إذا لم يصلح لمباشرة الشرط؛ ولهذا قال ابن مالك:

    واقرن بفًا حتمًا جواباً لو جعل شرطًا لإن أو غيرها لم ينجعل

    وتخلف الفاء إذا المفاجأة كإن تجد إذا لنا مكافأة

    فالفعل المقصود به الفعل الاصطلاحي، وهو أخو الاسم والحرف، فهذا هو الفعل، وهذا يشعرنا بأن الذي سيذكر في هذه القصيدة هو تصريف الأفعال، ويمكن أن يكون المقصود: فالفعل؛ أي: المصدر، مصدر فعل يفعل فعلًا، وعلى هذا فإن المصدر أصل الاشتقاق، كما قال ابن مالك في الألفية:

    بمثله أو فعلٍ او وصف نصب وكونه أصلًا لهذين انتخب

    كونه في الاشتقاق أصلًا لهذين؛ أي: الفعل والوصف انتخب، وقالت طائفة: الفعل هو أصل الاشتقاق، وإنما يشتق منه المصدر والوصف، وكأن ابن مالك هنا في اللامية سلك هذا القول الأخير الذي رجح خلافه في الألفية، فالمصدر هنا جعله تابعًا للفعل في اللامية، في الألفية قال: وكونه أصلًا لهذين انتخب، وهنا أتى بالمصدر بعد الفعل فجعله تابعًا من توابع الكلم.

    فله أقوال مختلفة في اللامية عن الألفية ستأتينا في المصادر، اختلاف بين ما يذكره هنا وما ذكره هناك ما ذكر ترتيبًا بين الألفية واللامية.

    (من يحكم تصرفه): من يحكم، معناه: من يتقن تصرفه، فالإحكام: الإتقان، ومنه: قول الله تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ[هود:1]، معناه أتقنت، والمحكم من كل شيء: المتقن، ويطلق ذلك على: القوي، ومنه: قول الشاعر:

    لقيم بن لقمان من أخته فكان ابن أخت له وابنما

    فأحبلها رجل نابه فجاءت به رجلًا محكما

    فجاءت به رجلًا محكمًا؛ أي: قويًّا.

    ومنه الحكم؛ لأنه إمساك للأمور بقوة، وقيل: هو مشتق من حكمات القد التي تمسك الفرس في لجامها، حكمات القد التي تمسك الفرس من طرفي رأسها، ومن هذا: قول زهير بن أبي سلمى:

    القائد الخيل منكوبًا دوابرها قد أحكمت حكمات القد والأبقا

    غزت سمانًا فآضت ضمرًا خدجًا من بعد ما جنبوها بدنًا عققا

    ومنه: الإحكام، ويقال: أحكم السفيه، بمعنى: صرفه عن غيه، ومن هذا: قول جرير:

    أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكمُ أن أغضبا

    أبني حنيفة إنني إن أهجكم أدع اليمامة لا تواري أرنبا

    (من يحكم تصرفه): التصرف معناه: التغيرات التي تعرض للكلمة في اختلاف المعاني، بخلاف التغيرات التي تعرض للكلمة فلا تغير معنًى، فإن ذلك لا يسمى: تصرفًا، فإن من التغيرات ما يعرض للكلمة فلا يقتضي فيها زيادة معنًى أصلًا، مثل: ثمة وثم، وربة ورب، فلا فرق بينهما في المعنى؛ ولهذا لا يسمى هذا تصريفًا؛ لأن الحرف لا دخل له بالتصريف، كما قال ابن مالك في الألفية:

    حرف وشبهه من الصرف بري وما سواهما بتصريف حري

    فالحرف لا يدخله التصريف، وهذه التغيرات لا فائدة فيها من حيث الدلالة؛ فلذلك لا تسمى تصريفًا.

    فهي لغة فقط ربة ورب، بنفس المعنى، وثمة وثم.

    فكم قد زارني فيها حسان وربة زائر منها مزور

    والمقصود بتصرفات الفعل: ما يشتق منه، وذلك يشمل الأسماء المشتقة من المادة، والأفعال المشتقة منها، وكل مادة في الأصل يشتق منها ستة أفعال، وعدد من الأسماء، فالأفعال الستة هي: الماضي، والمضارع، والأمر، وأفعَل في التعجب، وأفعِل به في التعجب أيضًا، وفعُل للدلالة على التكثير، فهذه ستة أفعال لكل فعل في الأصل، يقال: ضرب، يضرب، اضرب، ما أضربه، أضرب به، ضرُب، هذه ستة أفعال من هذه المادة، وأما الأسماء: فمنها: المصدر، واسم المصدر غير الميمي، واسم المصدر الميمي، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، ووزن المبالغة، وأفعل التفضيل، واسم الآلة؛ فهذه تسعة أسماء يمكن أن تشتق أيضًا من أصل المادة، ويمكن أن يزاد عليها؛ لأن الأوصاف قد تعدد، فقد يكون في المادة الواحدة عدة أوصاف، فمثلًا: من (فَعِل) بالكسر ربما اجتمع ثلاثة أوصاف من الصفات المشبهة على ثلاثة أوزان، مثل: ما قال ابن بونة رحمه الله:

    وربما اجتمعن نحو شعثى ونحو شعثان ونحو الأشعث

    أو:

    وربما اجتمعن نحو جربى ونحو جربان ونحو الأجرب

    فشعث: الوصف منها على وزن أشعث وشعثان وشعِثى، و(جرِب) الوصف منها: أجرب وجربان وجرِبى، كلها صفات مشبهة وعلى أوزان مختلفة.

    (من يحكم تصرفه)، والمقصود بذلك: إتقان قواعده لا إتقان جزئياته السماعية؛ لأن الجزئيات السماعية يصعب استحضارها وحفظها، وإنما هو للمهرة، وأما إتقان القواعد فهو أمر سهل، وهو ما اعتنى به ابن مالك هنا في هذه اللامية، فمن أتقن ما فيها فإنه يحيط بالقواعد الأساسية في تصريف الأفعال، ويبقى بعد ذلك الشاذ والمسموع، فهو لأهل التمهر.

    (يحز من اللغة الأبواب والسبلا) (يحز) معناه: يملك، (من اللغة): اللغة في اللغة: ما يعبر به كل قوم عن مرادهم، وهي من لغا بمعنى: نطق، ومنه: اشتقاق اللغو، وهو الكلام الذي لا معنى له أو لا فائدة فيه، واللغة في الاصطلاح: المقصود بها: لغة العرب، وهي كلام الله وكلام نبيه وكلام العربي القح هذه هي اللغة، واللغة هنا لغة العرب؛ لأن اللغات الأخرى تصارفيها تختلف عن تصاريف العربية.

    الأبواب: جمع باب، والباب في اللغة: فرجة في ساتر يتوصل بها من داخل إلى خارج وبالعكس، حقيقة في المباني كما في باب الدار، وحكمًا في المعاني كما في المجرد باب، وفيه يلغز القائل:

    فما شيء حقيقته مجاز وأوله وآخره سواء

    ثلاثي وفيه حرف مد له الإعراب حقًا والبناء

    (فما شيء حقيقته مجاز): حقيقته مجاز، معناه: مكان الجواز والمجاوزة، الخروج والدخول، (وأوله وآخره سواء): يقرأ من الأمام ومن الخلف، (ثلاثي وفيه حرف مد) وهو الأوسط منه، (له الإعراب حقًّا)؛ لأنه كلمة معربة، (والبناء)؛ لأنه مبني في الدار.

    (والسبلا): جمع سبيل، وهو: الطريق، وهذا مجاز أيضًا، فاللغة ليس لها أبواب ولا سبل، ولكن المقصود: المداخل التي يدخل إلى اللغة من خلالها فمن أتقن قواعد التصريف أتقن مداخل اللغة فيكون له معيار وميزان يزن به كل كلمة وجدها في لسان العرب، فيعرف: هل هي اسم أو فعل، وإذا كانت اسمًا هل هي وصف أو مصدر أو اسم مصدر، وما دلالتها، وعلى ماذا تدل؟.. وهكذا.

    معنى النظم

    فهاك نظماً محيطاً بالمهم وقد يحوي التفاصيل من يستحضر الجملا

    (ف): الفاء هنا هي فصيحة؛ لأنها مقتضية للترتيب، معناه: بعد أن عرفت أن الفعل: (من يحكم تصرفه يحز من اللغة الأبواب والسبلا)، بعد هذا (هاك): الهاء: حرف تنبيه، والكاف- في الأصل- حرف خطاب، وإذا تركبا كانا اسم فعل بمعنى خذ يقال: هاكَ وهاكِ وهاكما وهاكم وهاكن، وكل ذلك أسماء أفعال بمعنى: خذ، أو خذوا.

    (هاك نظمًا محيطًا بالمهم): نظمًا مفعول هاك؛ لأنها اسم فعل- كما ذكرنا- بمعنى: خذ نظمًا، والنظم في اللغة: مصدر نَظَم الشيء ينظمه إذا جمعه، وهو في الاصطلاح: الكلام الموزون المقفى، الكلام الموزون معناه على قاعدة الوزن في الشعر، المقفى معناه الذي له قافية واحدة، هذا الذي يسمى: بالنظم.

    نظم ينظم نظمًا، انظم هي فعل الأمر منه.

    (محيطًا بالمهم): هذا النظم وصفه بأنه محيط بالمهم، والمحيط معناه: الدائر على أطراف الشيء، فيقال: أحاط بالشيء، معناه: دار على أطرافه، ومنه: قول الله تعالى حكاية عن هدهد سليمان: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ[النمل:22]، (أحطت بما لم تحط به): معناه: درت على أطراف أرض لم تحط بها، لم تدر على أطرافها.

    (بالمهم): المهم: مُفْعِل ٌلاسم الفاعل من الهم، معناه: الذي يقتضي فواته حصول الهم، والهم: هو الحزن، فيقال: اهتم بمعنى: اغتم، فلان مهتم، معناه: مغتم، والمهم معناه: الذي إذا فات الإنسان أصابه الغم والهم، المهم من التصريف: هو ما أحاط به هذا النظم؛ لذلك قال: بالمهم، معناه: من التصريف.

    (وقد يحوي التفاصيل من يستحضر الجملا): هنا يستحضر أن السائل يقول: لماذا لم يحط هذا النظم بكل التصريف؟ فأجاب عن هذا السؤال بقوله: (وقد يحوي التفاصيل من يستحضر الجملا)، التفاصيل: جمع تفصيل، والمقصود بها: التدقيقات والشوارد كلها، قد يحويها من يستحضر الجمل، من كان يستحضر الجمل والقواعد فإنه بذلك يسهل عليه استحضار التفاصيل، (يستحضرها) معناها: يجعلها حاضرة في ذهنه، يطلب حضورها في الذهن، حتى يكون سريع البديهة بالإتيان بتلك التفاصيل، والجمل: جمع جملة، وهي في الأصل، مشتقة من جمل الشحم، بمعنى: أذابه، والمقصود بذلك: التركيب الحاصل في الكلام فإنه بمثابة الإذابة للكلمات؛ لأن معنى الكلمات بعد التركيب غير معناها في حال الإفراد، (قد يحوي التفاصيل من يستحضر الجملا)، وقد هنا إما أن تكون للتحقيق وإما أن تكون للتقليل، ولا يمكن أن تكون للتقريب، و(قد) لها ثلاثة معان: ترد للتقريب، مثل: قد قامت الصلاة، معناه: قرب قيامها، وترد للتحقيق، مثل: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ[البقرة:144]، قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ[النور:64]، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ[المؤمنون:1]، وترد للتقليل، مثل: قد يجود البخيل، قد يصدق الكذوب، فهذا للتقليل والندرة، وهذه هنا إما أن تكون للتقليل وإما أن تكون للتحقيق، إن كانت للتقليل معناه أن هذا نادر، لكنه يحصل، وإن كانت للتحقيق معناه أن من أحرز الجمل سهل عليه بعد ذلك استحضار التفاصيل، و(يحوي): من حوى يحوي، بمعنى يضم ويشمل.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952031