بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
بعد أن انتهى الناظم من مقدمته عن علم المواريث وفضله، عقد باباً لأسباب الإرث (أسباب الميراث)، وقبل ذلك أبين أن الإرث له أركان وأسباب وموانع، فأبدأ أولاً بأركانه، هذه أركان الإرث، وهي ثلاثة:
الأول: المورِّث.
الثاني: الوارث.
الثالث: الموروث.
فإذاً أركان الإرث ثلاثة: المورث بالكسر، وهو الميت، أو من هو في حكم الميت؛ أي: الذي حكم بفقده وانتهى أمد تعميره، فهذا هو المورث.
الركن الثاني: الوارث، وهو الحي الذي تُحُقِّقت حياته بعد الميت حقيقةً أو حكماً حتى يحوز ماله، وهو من كان عمره امتداداً لعمر الميت.
والثالث: الموروث، وهو التركة، سواءً كانت من مال الميت أو من ديته، فالتركة تنقسم إلى قسمين: ما كان من مال الميت، وما كان من ديته، فدية الخطأ موروثة عن الميت، فديته لم يملكها هو في حياته، ولكنها معدودة مع تركته، فهي موروثة مع التركة، إذاً الأركان ثلاثة.
الركن: جانب الشيء القوي، ومنه رَكِنَ إلى الشيء بمعنى: اعتمد عليه، ومال إليه، وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [هود:113]؛ أي: لا تعتمدوا عليهم، ولا تميلوا إليهم.
وأركان الإرث ثلاثة: المورِّث، وهو الميت حقيقةً أو حكماً، الميت حقيقةً كمن مات ودفن، أو حكماً كمن فقد وحدد له القاضي أمداً للتعمير، وانتهى ذلك الأمد.
والوارث، وهو من تُحققت حياته بعد مورِّثه، فالإنسان إذا مات مع مورثه في وقت واحد، أو شك في سابقهما، لا يكون وارثاً أبداً، وسنذكر إن شاء الله تعالى موانع الإرث.
والموروث: هو المال، أو الحق الذي هو داخل في التركة، أو الدية، فالمورِّث إما أن يترك مالاً، أو ديةً، فكلاهما يدخل في الموروث، فإذاً هذه هي الأركان الثلاثة.
بعد هذا ذكر أسباب الإرث فقال: باب أسباب الميراث؛ أي: باب أسباب الإرث، والميراث هنا المقصود به: الإرث؛ أي: المصدر، وليس المقصود به الميراث الذي هو الموروث، الذي هو ركن من أركان الإرث.
قال:
أسباب ميراث الورى ثلاثة كل يفيد ربه الوراثة
أي: الأسباب، والأسباب جمع سبب، والسبب في اللغة: الحبل كما قال الله تعالى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [الحج:15]، فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ [الحج:15] أي: بحبل إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [الحج:15] معناه: من ظن أن الله لن ينصر محمداً صلى الله عليه وسلم فليعقد حبلاً في رقبته، وليعقده بالسماء، وليقطعه، فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [الحج:15]، فلا بد أن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم بعز عزيز، أو بذل ذليل.
(ولو رام أسباب السماء بسلم)، ولو رام أسباب السماء معناه: حبالها، ويطلق في الاصطلاح على ما يؤدي إلى غيره، وفي اصطلاح الأصوليين: هو ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم؛ كدخول وقت الصلاة، فهو سبب لوجوبها، وعدم دخول الوقت سبب لعدم الوجوب، فلا تجب الصلاة ما لم يدخل وقتها، وإذا دخل الوقت لزمت الصلاة، وهذه الأسباب داخلة في الخطاب الوضعي لا في الخطاب التكليفي.
فخطاب الله ينقسم إلى قسمين: إلى خطاب تكليفي، وخطاب وضعي، فالخطاب التكليفي يشمل الواجب، والمندوب، والمباح، والمحرم، والمكروه، والخطاب الوضعي، معناه: جعل الشارع شيئاً علامةً على غيره، وذلك ينقسم إلى قسمين: إلى قسم مستقل، وقسم تابع، فالخطاب الوضعي المستقل أربعة أقسام: وهي: السبب، والعلة، والشرط، والمانع، والخطاب الوضعي التابع أقسام، منها: القضاء، والأداء، والإعادة، ومنها: الصحة، والفساد، ومنها: العزيمة، والرخصة، فهذه السبعة كلها من أقسام الخطاب الوضعي التابع، فهي تابعة لغيرها لا يمكن أن تستقل، بخلاف السبب، والعلة، والشرط، والمانع، فتكون مستقلةً، والفرق بين العلة والسبب: أن العلة يعرف العقل وجه تعلق الحكم بها، والسبب لا يعرف العقل وجه تعلق الحكم به، فمثلاً غروب الشفق سبب لوجوب صلاة أربع ركعات في الحضر وركعتين في السفر، هل يمكن أن يدرك العقل وجه ذلك؟ طلوع الفجر سبب لوجوب ركعتين في الحضر والسفر، هل يمكن أن يدرك العقل وجه ذلك؟ زوال الشمس عن كبد السماء سبب لوجوب أربع ركعات في الحضر وركعتين في السفر، دلوك الشمس سبب لوجوب أداء أربع ركعات في الحضر وركعتين في السفر، غروب الشمس سبب لوجوب ثلاث ركعات في الحضر والسفر، هل يمكن أن يدرك العقل وجه التفاوت؟ لماذا كان هذا يوجب أربعاً، وهذا يوجب ثلاثاً، وهذا يوجب اثنتين؟ لا يدرك العقل ذلك، فإذاً هذا هو السبب، مثل وقت الصلاة، والعلة: هي الوصف الظاهر المنضبط الذي علق الشارع به الحكم، فلا بد أن يكون وصفاً ظاهراً، والوصف الخفي لا يمكن أن يكون علةً للحكم؛ لأن العلة يدور معها المعلول حيث دارت، ولا بد أن يكون منضبطاً، فالوصف غير المنضبط -كالمشقة مثلاً- لا يمكن أن يكون علةً، فالقصر في السفر علته هي السفر، لا المشقة؛ لأن الإنسان إذا سافر على رجليه، أو على حمار، أو على جمل، يجد مشقةً، وإذا ركب في الدرجة الأولى في طائرة إيرباص -مثلاً- لا يجد مشقةً، وسيقطع مسافةً أكثر، ومع ذلك فالحكم متحد؛ لأن العلة ليست المشقة؛ لأن المشقة غير منضبطة، فلا يمكن أن يناط بها الحكم، بل العلة هي السفر، والسفر موجود على كل حال؛ لأنه قطع المسافة، سواءً قطعتها في طائرة، أو على سيارة، أو على حمار، أو على رجليك، فالجميع قطع للمسافة.
وأسباب الميراث؛ أي: العلامات التي ربط الشارع بها الميراث، فجعله متعلقاً بها، وهي كما قال: (ثلاثه) (كل يفيد ربه)؛ أي: من اتصف به، ورب الشيء معناه: صاحبه، والمختص به، كما يقال: رب الدابة؛ أي: صاحبها، وكما قال عبد المطلب: (أنا رب الإبل، وللبيت رب سيمنعه)، (أنا رب الإبل)؛ أي: صاحبها، فكل يفيد صاحبه (الوراثة)؛ أي: وصف الوراثة؛ أي: أن يكون وارثاً.
وهي نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب
هي ثلاثة: النكاح، والولاء، والنسب، (ما بعدهن)؛ أي: ما بعد هذه الثلاثة للمواريث سبب، فالمواريث أسبابها هي هذه الثلاثة، ويمكن حصرها في اثنين هما: النسب، والسبب، فالسبب يشمل الإرث، والولاء.
فالنكاح مصدر نكح الشيء، بمعنى: خالطه وداخله، ومنه قول الشاعر:
أنكحت صم حصاها خف يعملة تغشمرت بي إليك السهل والجبلا
وهو يصف أرضاً قاحلةً قطعها على ناقته، فيقول:( أنكحت صم حصاها)؛ أي: صم حصى هذه الأرض، الصم منها: التي ليس فيها ثقب ولا كسر، (خف يعملة)، وهي الناقة، (تغشمرت)؛ أي: قطعت بتعسف، (تغشمرت بي إليك السهل والجبلا).
ويقال: نكحت المرأة صبيها؛ أي: ضمته إلى صدرها، كما قال الشاعر:
ضممت إلى صدري معطر صدرها كما نكحت أم الغلام صبيها
(كما نكحت أم الغلام صبيها)؛ معناه: ضمته إلى صدرها، وهو يطلق على أمرين: يطلق على العقد، ويطلق على الدخول، فيطلق على العقد فقط، ويطلق على الدخول فقط، والدخول لا يكون إلا بعد عقد، فالإطلاق على الدخول متناول للعقد بخلاف الإطلاق على العقد وحده، فقول الله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة:230]، عند الجمهور المقصود بالنكاح: الدخول، من نكاح صحيح، من عقد صحيح، واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك )، فهذا دليل على أن المبيح هو الدخول، وسعيد بن جبير يرى أن المقصود هنا: مجرد العقد لا الدخول، ويستدل لذلك بأن الله قال: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، ولم يقل: حتى ينكحها زوج غيره، والذي ينسب إلى المرأة ووليها هو العقد لا الدخول، فالدخول ينسب إلى الرجل لا إلى المرأة، فلو كان المقصود الدخول، لقال: حتى ينكحها زوج غيره، ولكن قال: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، ونسب الفعل إليها هي فالفعل الذي يصدر عن المرأة هو العقد؛ لأنها ذات طرف فيه، وهو الإيجاب، وهو مقدم على القبول، فهذا مذهب سعيد.
ومذهب الجمهور أقوى، لكن الدلالة على الدخول ليست مأخوذةً من الآية، بل من الحديث.
والنكاح الذي يحصل به الإرث هو العقد الصحيح، فلو تزوج المرء المشرقي مغربيةً، أو المغربي مشرقيةً، ولم يرها، ومات قبل أن يراها، فهي وارثة له، فالإرث حق تابع للعقد لا يتعلق بالدخول، وهذا العقد يرث به الرجل امرأته، وترث به المرأة زوجها، وقد ذكرنا الآية التي تضمنت ميراث الرجل من امرأته، وميراث المرأة من زوجها، ولكن محله إذا كان مستمراً، فإن حصلت فرقة فسيأتي تفصيلها.
فالمطلقة أربعة أقسام:
القسم الأول: مطلقة طلاقاً رجعياً، وهي في عدتها، فهذه ترث إجماعاً تقريباً، ترث من مطلقها إذا مات وهي في عدتها.
والقسم الثاني: المطلقة البائن، التي سبب طلاقها لا يتهم فيه الرجل، كما إذا خالعته، أو سألته الطلاق فطلقها لطلبها، وبناءً على رغبتها، ولا يتهم هو بإخراجها من الميراث، وهذه أيضاً لا ترث، والإجماع تقريباً منعقد على ذلك.
القسم الثالث: المطلقة البائن التي يتهم هو في طلاقها؛ أي: يتهم أنه أراد إخراجها، وهذه اختلف في توريثها على أربعة أقوال:
القول الأول: أنها لا ترث مطلقاً، وهذا أصح قولي الشافعي، فقال: سبب الإرث هو النكاح، والنكاح قد انفصل، وبانت منه.
القول الثاني: أنها ترث ما دامت في عدتها، فإذا انتهت عدتها لم ترث، وهذا مذهب أبي حنيفة.
والقول الثالث: أنها ترث ما لم تتزوج رجلاً غيره أو ترتد عن الإسلام، وهذا مذهب الحنابلة.
والقول الرابع: أنها ترث منه مطلقاً، ولو تزوجت رجلاً غيره، ولو تزوجت رجالاً، وهذا مذهب المالكية.
الرابع: أنها ترث مطلقاً، ولو تزوجت غيره، ولو انتهت عدتها، ولو ارتدت عن الإسلام ثم رجعت إليه، فإنها ترث مطلقاً، هذا مذهب المالكية، كما قال خليل: (وورثت أزواجاً)، وسبب هذا الخلاف: أن الرجل متهم في أن يكون أراد منعها من حقها، وقد طلقها هو في مرض مخوف متصل بالموت؛ فلذلك أراد منعها من حقها، فيعامل بنقيض قصده عند المالكية مطلقاً، فالحق قد ترتب لها بمجرد النكاح، فكان كالصداق، فلو لم يدفع إليها الصداق حتى مات، فإنه يؤخذ صداقه من إرثه قطعاً إجماعاً، فالمالكية قالوا: هذا حق ترتب على أصل العقد، فلا يبطل؛ لأن الذمة إذا عمرت بمحقق لا تبرأ إلا به.
والشافعية قالوا: العلاقة بين الزوجين كانت حاصلةً بالعقد، فلما فرق الشرع بينهما فرقةً لا رجعة بها فإن السبب لم يعد موجوداً، والحكم معلق بسببه، فلا يمكن أن ترث من ليس زوجاً لها، فيقولون: أسباب الإرث منتفية عن المطلقة البائن مطلقاً، فلا هي زوجة، ولا هي ذات نسب ترث به، ولا هي مولاة له حتى ترثه.
والحنفية يرون أنها ما دامت في عدتها فهي محبوسة عن الرجال، وتجب نفقتها وسكناها عليه؛ فلذلك ترث منه، فيجعلون ذلك من بقايا النكاح، فإذا انتهت العدة لم يبق بينهما علاقة أصلاً، فلا ترث.
والحنابلة يرون أنها إنما ترث لأنه متهم بإخراجها، فإذا نكحت زوجاً غيره، فإنه لم يعد هو متهماً بإخراجها؛ لأنها هي اختارت طريقها، وكذلك إذا ارتدت؛ لأن الردة تبطل العقد، لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، فهي مقتضية لبطلان العقد، حتى لو قدرنا أن العقد موجود، فقد أبطلته هي من قبلها بردتها ثم رجوعها إلى الإسلام.
والمالكية رأوا أن السبب قد حصل، فتعلق به الملك، فلو زال السبب لا يقتضي ذلك زوال الحكم الذي قد ترتب؛ لأن الذمة عمرت به.
القسم الرابع من المطلقات: المطلقة البائن في مرض غير مخوف، أو مرض غير متصل بالموت، أو في الصحة، إذا طلقها وهو صحيح طلاقاً بائناً ثم قدر أنه مات وهي في عدتها أو خارج عدتها، فإنها لا ترث مطلقاً، لا في العدة ولا في غيرها إجماعاً.
إذاً رأيتم أن المطلقات فيما يتعلق بالميراث أربعة أقسام:
القسم الأول: المطلقة الرجعية ما دامت في عدتها، سواءً كان طلاقها من قِبله، أو من قِبلها، فهي وارثة؛ لأنها كالزوجة.
والقسم الثاني: البائن في الصحة، أو في مرض غير مخوف، فهذه لا ترث إجماعاً.
والقسم الثالث: البائن في مرض مخوف متصل بالموت، ولكن لا يتهم الزوج بمنعها، فإنها لا ترث؛ كالتي خالعته أو طالبته بالطلاق.
والقسم الرابع: هو البائن في مرض مخوف متصل بالموت، حيث يتهم الزوج بمنعها، وهذه هي المشكلة؛ لأن فيها أربعة أقوال، وأصل المسألة: أن عثمان رضي الله عنه قضى بميراث ابنة الأصبغ، وهي زوجة عبد الرحمن بن عوف منه، وقد طلقها في مرض موته طلاقاً بائناً، طلقها فبتها في مرض موته، فأجمع الصحابة على ذلك، ولم ينكره أحد منهم، وقد أخذ المالكية بعموم الدليل، قالوا: حصل الإجماع من الصحابة على توريث البائن في مرض الموت، فدل ذلك على أن هذا هو الأصل، ولا يُخرج منه إلا بدليل.
السبب الثاني من أسباب الإرث: هو الولاء، والولاء بفتح الواو في اللغة: هو النصرة، فيقال: والى فلان فلاناً؛ أي: نصره، والولاء بمعنى النصرة كثير الاستعمال، فيقال: فلان مولى فلان، أو فلان ولي فلان، معناه: ناصره، وفي مقابل ذلك يقال: فلان عدو فلان، فالولي ضد العدو، فأولياء الله معناه: الناصرون لله الذين ينصرهم الله، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40]، وأعداء الله معناه: الذين لم ينصروا الله جل جلاله، فلم ينصرهم، والولاية متدرجة بحسب ذلك، فأولياء الله متفاوتون في ولايته، كما أن أعداءه متفاوتون في عداوته، فقد يجمع الإنسان الواحد بين الولاية من وجه والعداوة من وجه، فالمؤمن العاصي هو ولي لله بإيمانه عدو لله بمعصيته، فيحب على قدر إيمانه، ويبعض على قدر معصيته، والمؤمن الطائع هو ولي لله لا عدو له، فيحب على قدر ولايته أيضاً، والعاصي الذي لا يظهر عليه شيء من شواهد الإيمان، والكافر كفراً صريحاً هذا عدو لله عداوةً تامة، فيعادى على قدر ذلك.
والولاء له ثلاثة أسباب:
السبب الأول: العتق، فمن ملك رقيقاً من إخوانه في النسب فملكه الله عليه بسبب الكفر، وهذا تعريف الرق، الرق: هو عجز حكمي سببه الكفر، فالبشر جميعاً من نفس واحدة، وهم جميعاً في الأصل عبيد لله، وأحرار بعضهم تجاه بعض، ولكن بعضهم يكفر بالله، فيفرض الله عليه عجزاً عن التصرف، هذا العجز سببه الكفر، وليس له سبب آخر في الإسلام، قد كانت له أسباب في الجاهلية؛ مثل: الإغارة، ومثل العداوة، ومثل الدين، قد كانت في الأمم السابقة، حتى من الديانات السابقة، فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ [يوسف:74-75]، كان هذا من ملة يعقوب إذ ذاك، أن السارق يُسترقُّ في مقابل سرقته، لكن في الإسلام لا رق إلا بالكفر، فسببه الكفر، وهذا العجز هو عجز حكمي، ليس عجزاً حقيقياً عن التصرف، فقد يكون أقوى من مالكه، ولكنه عاجز عن التصرف باعتبار الشرع؛ لأن الشرع ضرب عليه هذا الحجر؛ كالسفيه، والصغير، وكالحجر على المرأة في ولاية نكاحها، ونحو ذلك، فهذا حجر ضربه الملك الديان جل جلاله، وهو أعلم بعباده، وأعلم بمصالحهم، فرأى أن مصلحة هؤلاء الكفار أن يسترقوا، وأن يفرض عليهم عجز عن التصرف حتى يدخلوا في الإسلام، وأن ذلك خير لهم من أن يقتلوا على الكفر، فهو أرحم بهم، وأولى بهم من القتل على الكفر، فالرق رحمة من الله سبحانه وتعالى، وعدل، وإنصاف لهم؛ لأنه يقربهم من الجنة، ويمنعهم من الموت على الكفر، وفي مقابله إذا لم يسلموا، فهم عرضة لأن تقطع رقابهم فيدخلوا النار على الكفر، فكان الرق رحمةً، ولطفاً، ورأفةً بهم، وهو خير لهم، فإذا أعتق المسلم من كان يملكه، فقد أنعم عليه نعمةً عظيمةً، كما قال الله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ [الأحزاب:37]، والذي أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالحرية هو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي رضي الله عنه، وهذا الولاء تابع للعتق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الولاء لمن أعتق )، وهو لحمة كلحمة النسب، فهو بمثابة الأبوة، فالأبوة حق لا يستطيع الإنسان إنكاره، ولا التخلص منه، ولو لم ينفعه أبوه بأية نافعة، لو لم ينفق عليه، ولم يؤدبه، ولم يعلمه، ولم يره، فهو أبوه حق الأبوة قائم، فكذلك حق الولاء هو بمثابة حق الأبوة، هو قائم؛ ولهذا جاء في الحديث عن علي بن أبي طالب: ( الولاء لحمة كلحمة النسب )، وهذا الحديث معلل، ولكنه معمول به.
السبب الثاني من أسباب الولاء: ولاء الإسلام، فالكافر إذا أسلم على يد إنسان، فإنه أنعم عليه بالسعي لهدايته، ودله على طريق الله جل جلاله، فله عليه حق، والناس يحتاجون إلى قبائل يتعارفون بها؛ فلذلك كان من أسلم على يد إنسان من قبيلة ينسب إلى تلك القبيلة، فـالبخاري -مثلاً- ينسب إلى بني جعف، فيقال: الجعفي، وذلك بولاء الدين لا بولاء العتاقة، فلم يسبق عليه رق، ولكن جده الأعلى -وهو بردزبه- أسلم على يد جد محمد بن سلام فنسب إليه، فقيل: الجعفي، وهذا الولاء الديني أضعف من الولاء بالعتاقة، فالولاء بالعتاقة يرث صاحبه المعتِق إجماعاً، والمعتَق أيضاً إذا لم يكن لمعتِقه وارث عند ابن تيمية وبعض أهل العلم يرث أيضاً، وسيأتي تفصيل ذلك.
أما السبب الثالث للولاء؛ فهو معاقدة اليمين؛ أي: الحلف، وقد كان في الجاهلية يأتي الرجلُ الرجلَ فيقول: الدم الدم، والهدم والهدم، تعقل عني وأعقل عنك، وترث عني وأرث عنك، وتطلب بي وأطلب بك، فيمضي ذلك بينهما، وهذا هو العقد، وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33]، وقد اختلف في الميراث به، هل هو بمثابة الولاء أم لا؟ فمن أهل العلم من يرى الميراث بعقد اليمين؛ لأن الآية محكمة غير منسوخة؛ لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، النسخ لا بد أن يكون بدليل قطعي، الله يقول: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33]، ومن أهل العلم من يرى أن المقصود بالنصيب: الإحسان والمعاملة، ولا يقصد به النصيب من الميراث، فلا يرون لهم حقاً في الميراث، وهي متدرجة، فأقواها الولاء بالعتاقة، ثم الولاء بالإسلام، ثم الولاء بعقد اليمين، فهذه ثلاثة أنواع:
القسم الأول: لا خلاف في أن المعتِق والمعتِقة يرث معتَقَه، ولكن الولاء لا يورَث، الولاء نفسه لا يورث، فليس ملكاً، بل هو حق كالأبوة، والأمومة، فلا يوَرث، لكن يورث به، فالولاء يرث به المعتِق نفسُه، ويرث به عاصبه بالنفس، فالعصبة سيأتينا أنهم ثلاثة أقسام: عاصب بنفسه، وعاصب بغيره، وعاصب مع غيره، فالعاصب بالغير، والعاصب مع الغير لا يرث بالولاء، والعاصب بالنفس هو الذي يرث بالولاء، فالمعتق نفسه يرث من أعتقه إذا لم يكن له وارث من النسب، إذا أعتق الإنسان مملوكاً كان يملكه، فمات المملوك الذي أعتق وليس له وارث من النسب، ليس له أبٌ ولا ابن ولا أخ ولا أخت، فإن معتقه يرثه، كذلك إذا مات معتقه، فإن أولاد معتقه الذكور يرثونه دون البنات؛ لأنهم العاصبون بالنفس، فيرثه العاصبون بالنفس لا مع الغير ولا بالغير، والمعتق مذهب الجمهور أنه لا يرث معتقه إذا مات وليس له وارث من النسب، ولكن ابن تيمية وعدداً من أهل العلم يرون أنه يرثه؛ لأن الآية أطلقت ذلك وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:33]، فهي تشمل الجميع، وابن تيمية يرى أن المولى الأسفل المعتق إذا مات معتقه وليس له وارث من النسب، فإنه هو يرثه، وقد ورد في ذلك حديث أخرجه مالك في الموطأ، وابن أبي شيبة في المصنف، و عبد الرزاق أيضاً في مصنفه: ( أن رجلاً أعتق عبداً له فمات، وليس له وارث، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ماله للعبد العتيق ) أي: للعبد الذي أعتقه، فيمكن أن يكون إعطاؤه له من باب أن هذا لبيت المال، وذلك محتاج، فآثره النبي صلى الله عليه وسلم به، ويمكن أن يكون ذلك ميراثاً بالتعصيب.
السبب الثاني من أسباب الولاء: هو الولاء بعقد اليمين، وهذا فيه خلاف في المذاهب كلها، هل هو مستمر؛ لأنه حالة نادرة، اليوم لم يعد الحلف قائماً، الحلف كان في الجاهلية، والإسلام لم يعد هذا ممكناً فيه، لكن قد يأتي بعض المسلمين من أسلموا في دار غير إسلامية، وليس لهم ولي في أرض المسلمين، فيعاقدون غيرهم من المسلمين على النصرة والإخاء، فيكون لهم حق مخصوص وتعريف، فمن أهل العلم من يرى حصول الميراث بذلك، إذاً هذه هي أقسام الولاء.
أما السبب الثالث من أسباب الإرث؛ فهو النسب، وهو أطول الأسباب وأكثرها، فأكثر الوارثين إنما يرثون بالنسب، فالأصول والفصول يرثون بالنسب، وكذلك الحواشي، فإذاً النسب ثلاثة أقسام: أصول، وفصول، وحواشي،
فالأصول كالأب وآبائه، والأم وأمهاتها وأمهات الأب، فالأب والأم والأجداد والجدات هؤلاء هم الأصول، والفصول: هم الأبناء والبنات وذرية الأبناء، فهؤلاء هم الفصول الوارثون، والحواشي: هم الإخوة والأخوات، والأعمام وبنو العم وإن نزلوا، والأعمام وإن علوا، وهؤلاء يسمون بالحواشي، فالحواشي تشمل الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب، والإخوة لأم، وتشمل الأعمام وإن علوا، وتشمل بني الإخوة وإن نزلوا، وبني الأعمام وإن نزلوا، كل ذلك من الحواشي، فإذاً هذا هو النسب ثلاثة أقسام: أصول وفصول وحواشي، وهذه الأقسام الثلاثة: النكاح، والولاء، والنسب، هي أسباب الإرث، لكنها متفاوتة، فالنكاح لا يورَّث به إلا فرضاً، فهو سبب للإرث بالفرض لا بالتعصيب، والولاء يورَّث به بالتعصيب فقط لا بالفرض، والنسب يجمع الأمرين، فيورث به بالفرض، وبالتعصيب، فإذاً هي أسباب ثلاثة، لكنها متفاوتة في نتيجتها، فالنكاح لا يورث به إلا فرضاً، والولاء لا يورث به إلا تعصيباً، والنسب يورث به فرضاً وتعصيباً.
ثم قال المؤلف رحمه الله: [ باب موانع الإرث ].
الموانع جمع مانع، وهو ما يحول دون الشيء، فالمنع معناه: الحد، أن يحد الشيء فيمنع، مثل: إغلاق الباب مانع من الخروج، والمانع في الاصطلاح: هو ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه الوجود؛ كالحيض -مثلاً- فهو مانع من وجوب الصلاة، وصحتها، لكن الطهر منه لا يقتضي وجوب الصلاة كما إذا كان قبل الوقت، فيلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه الوجود، والميراث -كما ذكرنا- هو من الخطاب الوضعي، والخطاب الوضعي يكون بعضه سبباً لبعض، ومانعاً منه، وشرطاً فيه، كما أن الأسباب، والشروط، والموانع تتعلق بالخطاب التكليفي تتعلق أيضاً بالخطاب الوضعي.
وموانع الإرث ذكر المؤلف منها ثلاثةً فقال:
ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث
رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين
(ويمنع الشخص) معناه: الشخص الذي هو حاوٍ لسبب من أسباب الإرث؛ أي: الذي له نكاح، أو ولاء، أو نسب إلى الميت، (من الميراث)؛ أي: من إرثه لمورثه الميت، (واحدة من علل ثلاث)، والعلل المقصود بها هنا: الموانع، وليست علةً للميراث، بل هي مانعة منه، عكس العلة.
(رق) فالمملوك لا يرث ولا يورث؛ لأن ماله تعلق به حق مالكه، (وقتل) فمن قتل مورثه فإن ذلك مانع من إرثه؛ لأنه يمكن أن يقتله لقصد استعجال الإرث، ومن طلب الشيء قبل إبانه عوقب بحرمانه.
(واختلاف دين) فالمسلم لا يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم، فقد فرق بينهما الإسلام، وهو قاطع للنسب، وللسبب، فلا يمكن أن تكون المرأة المسلمة زوجة لكافر، كما لا يمكن أن يكون الكافر زوجاً لمسلمة، كما قال الله تعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10]، واختلاف دين.
(فافهم فليس الشك كاليقين)، إذا فهمت هذا أيقنت به، وليس الشك كاليقين؛ لأن اليقين مانع من التردد، والشك تبقى على تردد فيه، ولكن الواقع أن موانع الإرث أكثر مما ذكر، وهي التي يجمعها قولهم:(عش لك رزق)، فالعين: عدم تحقق الموت، فالإنسان الذي لم نتحقق أنه مات لا يمكن أن نورثه؛ لأنه أحق بماله ما دام حائزاً له وهو حي، والذمة عمرت بمحقق فلا تبرأ إلا به، وهنا نكتة: أحد القضاة حدثني هنا أنه كان في ولاية من الولايات الداخلية، فذهب للحكم في أرض كان فيها نزاع، فجاءه رجال، قالوا: نريد أن تقسم لنا تركة أبينا، فقال: منذ كم مات أبوكم؟ قالوا: لا، هو حي، قال: كيف تريدون توريثه وهو؟! قالوا: لكنه في آخر أيام حياته، فإذاً عدم تحقق الموت مانع من الإرث، فالإنسان أعطاه الله هذا المال وجعله تحت يده، وجعل زوجته زوجةً له، فلا يمكن أن تؤخذ منه إلا بيقين، إذاً هذا الأول.
الشين: الشك في السبق، فهو مانع من الإرث، إذا مات شخصان في حادث سير؛ أحدهما والد، والآخر ولد، أو ماتا في صاعقة، أو في جهاد في سبيل الله في غزة، أو في غيرها، فماتت أسرة بكاملها في وقت واحد، لا يرث بعضهم بعضاً؛ لأننا لا ندري أيهم مات أولاً، فهذا الشك في السبق في الموت.
اللام: اللعان، فإذا كان الرجل زوجاً لامرأة، فحملت حملاً، فنفاه بلعان، وحلف أيمان اللعان، ففرق القاضي بينهما، فهذا الولد يرث أمه وترثه، لكنه لا يرث الرجل الذي كان زوجها؛ لأنه نفاه بلعان، فاللعان مانع من موانع الإرث.
الكاف: الكفر، فالكفر مانع للإرث من الجانبين، فالكافر لا يرث المسلم، والمسلم لا يرث الكافر.
والراء: الرق، قد سبق.
والزاي: الزنا، فالزنا لا يحرم حلالاً، ولا يستحق به شيء، فولد الإنسان من الزنا لا يرثه، فولد الزانية يرث أمه وترثه، لكنه لا يرث أباه؛ لأن هذه الأبوة معدومة شرعاً، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً.
القاف: القتل، فالقاتل لا يرث مقتوله، فإذاً هذه هي موانع الإرث:
(عش لك رزق)، عدم تحقق الموت، والشك في السبق، واللعان، والكفر، والرق، والزنا، والقتل، إذاً أقتصر على هذا الحد، وأحاول الإجابة على بعض الأسئلة، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين.
السؤال: ما صحة الأثر الوارد: ( أن أول علم يرفع علم الخشوع، يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى رجلاً خاشعاً )؟
الجواب: أن هذا ليس علماً، وإنما هو عمل، فالمقصود به: أول ما يفقد من أمر الدين الخشوع، وبالنسبة لصحة الحديث في ذلك: لا أظنه صحيحاً، ولكن المعنى: أن هذا من درجات الإيمان العالية التي يندر أهلها في كل زمان.
السؤال: هل للمحال المذكور في الآية علاقة بما ذكرتم في معنى المحالة (( شديد المحال ))؟
الجواب: نعم؛ لأن المقصود بالمحال في الآية: القوة، ولكن أصل القوى بالنسبة للمخلوق والحادث يكون في الظهر وحمله، وقوته، أما الله جل جلاله فالمقصود بذلك: أنه شديد القوى، فقوته لا يمكن أن تقاس بقوى المخلوقين.
السؤال: هل يجزئ في علم الفرائض إتقان الرحبية أم لا بد من غيرها؟
الجواب: إذا كان السائل طالب علم وهو يريد التخصص والزيادة، فلا تكفي الرحبية، وإذا كان من الذين لن يفصلوا الخصومات، ولن يتولوا القضاء والإفتاء، ولن يُعلموا، فتكفي الرحبية.
السؤال: هل ورث أحد من الصحابة بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار قبل النسخ؟
الجواب: نعم، في صحيح البخاري من حديث ابن عباس: ( أنهم كانوا يرث بعضهم بعضاً بذلك )، كان المهاجري يرث الأنصاري، والأنصاري يرث المهاجري بأخوة الإسلام.
السؤال: هل المعتق يرث من معتقه إذا لم يكن له وارث غيره؟
الجواب: ذكرنا أن ذلك مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض أهل العلم، وأن الدليل عليه أقوى؛ لحديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جيء برجل من الأنصار مات وليس له وارث إلا عبدًا أعتقه، فأعطى ماله العبد المعتق ).
السؤال: ذكرتم في موانع الإرث عدم تحقق الموت، والبعض يقول: عدم تحقق الاستهلال للصبي، أو تحقق حياته.
الجواب: نعم هذا من عدم تحقق الحياة أيضاً، وهي مثل عدم تحقق الموت، فهو داخل مع هذا، فالحمل إذا لم يستهل صارخاً، فإن حياته لم تتحقق، فلا يمكن أن يحوز الميراث، فإذاً هذا داخل فيما ذكر، وليس معارضاً له.
السؤال: على ذكر الإطناب أسمع كثيراً بعضهم يقول هذا التعوذ: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق الله.
الجواب: هذه إدراج في الحديث، فالحديث: ( من شر ما خلق )، ولا يحتاج بعد ذلك إلى هذه الزيادة، وأحاديث التعوذات والتعبدات لا تروى بالمعنى، ويقتصر فيها على الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
السؤال: هذا يقول: مم اشتقت الإعانة؟
الجواب: أنها من العون: وهو خلق القدرة والطاعة، أو خلق القدرة على الطاعة.
السؤال: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [الحج:15] ما معنى: (( ما يغيظ ))؟
الجواب: أي: ما يغيظه هو؛ أي: النصر الذي نصر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، هل يستطيع هو إزالته بما يصنع؟!
السؤال: المطلقة البائن في مرض مخوف قد ترث أزواجاً عند المالكية، هل يرثها الأزواج جميعاً إذا ماتت؟
الجواب: كيف يرثونها؟ كأن السائل لم يفكر في هذه المسألة، فهم ليسوا أزواجاً لها، فقد فارقوها.
المالكية ذكروا مسألة تبقى بعد الموت من آثار النكاح، وهي قول خليل رحمه الله:
والأحب نفيه إن تزوج أختها، أو تزوجت غيره؛ أي: أن الزوج والزوجة كلاهما أولى بتغسيل الآخر، لكن إذا مات الزوج فترك زوجته حاملاً، وعند موته ولدت، فخرجت من العدة، فتزوجت رجلاً آخر، فالأحب ألا تغسل الزوج الأول؛ لأنها حينئذ ستكشف عورة الزوجين في الزواج، ولا يمكن الجمع بينهما بذلك، وكذلك إذا ماتت المرأة فتزوج زوجها أختها قبل أن يغسلها، فالأحب ألا يغسلها، لئلا يكشف عن عورة أختين بالنكاح.
السؤال: إذا كان الكفر هو السبب في الرق، فلماذا لا يكون الإسلام سبباً للعتق؟
الجواب: أن الإسلام ليس سبباً للعتق دائماً؛ لأن الكفر سبب للرق في أصله، فهو سبب لأن يرق الإنسان، لكنه إذا أسلم بعد ذلك، فإسلامه لا يحرره إلا بسبب آخر، الإسلام يدعو لتحريره، لكنه ليس موجباً لتحريره، وهنا الولاء الحاصل بالعتق منه ما يكون إجبارياً، ومنه ما يكون اختيارياً، فالاختياري مثل من أعتق عبداً يملكه، فهذا الولاء اختياري، أو اشتراه فأعتقه،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اشترطي لهم الولاء وأعتقيها؛ فإنما الولاء لمن أعتق ).
والإجباري كمن اشترى من يعتق عليه، حر اشترى أمه من النسب، أو أباه من النسب، وقد كان رقيقاً، فإن الشارع يحرره عليه مباشرةً، فله الولاء حينئذ، وهذا الولاء بالإجبار لا بالاختيار.
السؤال: قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179]، هل هو عام لجميع المؤمنين أو خاص بأولياء الدم؟
الجواب: لا، هو عام لجميع المؤمنين؛ لأن الإنسان إذا علم أنه إذا قتل اقتص منه، فإن ذلك سيمنعه من القتل.
السؤال: ما دليل المالكية على توريث البائن؟
الجواب: ما ذكرناه في قصة توريث عثمان بن عفان لزوجة عبد الرحمن بن عوف وهي ابنة الأصبغ.
السؤال: الزوجة الكتابية ألَا ترثُ زوجها المسلم أو العكس؟
الجواب: لا، لا ترثه ولا يرثها.
السؤال: الإرث بالمعاقدة، والإرث بالدين، ما حكمه، ودليله؟
الجواب: ذكرنا أن دليله: قول الله تعالى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء:33]، وأن حكم الأمرين مختلف فيه: هل هو باقٍ أو لا؟
السؤال: هل القتل مانع مطلقاً أم أنه يفرق بين العمد والخطأ؟
الجواب: القتل عمداً لا خلاف في منعه، والقتل خطأً فيه خلاف، ولكن الأولى ألا يمنع به.
السؤال: ذكرت أن فرائض التركة سبعة، ستة منها قرآنية، وواحدة منها اجتهادية، فما هي الاجتهادية؟
الجواب: الاجتهادية: هي ثلث الباقي.
السؤال: أريد توضيح معاقدة اليمين؟
الجواب: هي أن يقول الرجل للرجل: الدم الدم، والهدم الهدم، ترثني وأرثك، وتعقل عني وأعقل عنك، وتطالب بي وأطالب بك، وقد كان هذا العقد معروفاً في الجاهلية.
إذاً نقف عند هذا الحد، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا إيماناً ويقيناً وصدقاً وإخلاصاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر