إسلام ويب

شرح لامية الأفعال [14]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن اسم المصدر غير الميمي منه ما يفتتح بالميم الزائدة التي لا تدل على التشريك، ومنه ما تخلو بنيته من بعض حروف الفعل، فيكون أقل من حروف الفعل، ومنه الأعلام، وكلها سماعية غير مشتهرة. أما المقيس المشتهر من اسم المصدر غير الميمي، فما جاء على وزن (فَعَال) و(فَعَل)، وما جاء على وزن (فُعْلَى) و(فَعْلَى)، وكذلك ما جاء على وزن (فَعُول) و(فُعُول)، وما جاء على وزن (فُعْل) و(فُعْلة) و(فِعْل) و(فِعْلة)، وما جاء على وزن (فَعِيل) و(فَعْل).

    1.   

    الفرق بين المصدر واسم المصدر

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فيقول الحسن رحمه الله: ( فصل في اسم المصدر ).

    عقد هذا الفصل لوجه آخر من أوجه الاشتقاق في الأسماء وهو اسم المصدر، وهو أول وجه من أوجه الاشتقاق في أسماء الاشتقاق، في الواقع يبدأ من المصدر، وهو اسم، ثم اسم المصدر، وهو اسم، ثم الأوصاف، قد سبق ذكرها، هي اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، ووزن المبالغة، وأفعل التفضيل، ثم بعد ذلك الآلة التي يعمل بها الفعل، وهي اسم أيضاً، فهذه كبريات أوجه الاشتقاق في الأسماء، أما أوجه الاشتقاق في الفعل فهي الماضي الأصلي، والماضي الذي يقصد به المبالغة، وهو على وزن فعل يصاغ من كل فعل، ثم المضارع، ثم الأمر، ثم وزن التعجب، وهو ما أفعل وأفعل به، هذه ستة أفعال، هي أوجه الاشتقاق في الفعل، فاسم المصدر المقصود به في هذا الفصل غير الميمي، والميمي هو المفتتح بالميم الزائدة التي ليست تدل على التشريك، وسيأتينا في الباب اللاحق.

    الفرق المعنوي بين المصدر واسم المصدر

    ولذلك قال الحسن هنا في الطرة: ( فصل في اسم المصدر غير الميمي )، ثم قال: ( وبينهما فرقان )، (وبينهما) أي: بين المصدر واسمه فرقان: الفرق الأول معنوي، والفرق الثاني لفظي، وفي النظم لم يصرح بالمعنوي، وإنما أشار إليه، وصرح باللفظي، ومن هنا بدأ الحسن هنا في الطرة بإيضاح الفرق المعنوي، فقال: (وبينهما فرقان: معنوي، وهو أن المصدر يدل على المعنى بلا واسطة، والاسم يدل عليه بواسطة الدلالة على لفظ المصدر، كالعطاء يدل على الإعطاء الدال على المناولة، فهذا الفرق هو أن المصدر يدل على المعنى بلا واسطة، واسم المصدر يدل على المعنى بواسطة دلالته على المصدر، فمدلول المصدر معنىً، ومدلول اسم المصدر لفظ) فهذا الفرق بينهما، فالمصدر نفسه يدل على المعنى، واسم المصدر يدل على لفظ المصدر، فإذاً مدلول اسم المصدر لفظ، ومدلول المصدر معنىً، فالإعطاء يدل على المناولة وهو الفعل نفسه، وهذا معنىً، والعطاء لا يدل على الفعل نفسه إلا بواسطة دلالته على لفظ المصدر الذي هو الإعطاء، فيدل عليه بالواسطة، وهذه الدلالة إنما تفهم فهماً من أساليب العربية، ولم يصرح العرب بها، لكن الذي يفهم من كلامهم أنهم إذا أطلقوا اسم المصدر فإنما يقصدون بذلك التنبيه على لفظ المصدر، وبذلك يدل هذا اللفظ الذي هو لفظ اسم المصدر على لفظ المصدر أولاً، ثم بعد ذلك يدل على معناه، هذا الفرق واضح.

    (ويشهد لهذا أن أعلام المصادر من أسمائها)، (ويشهد لهذا) أي: يشهد لدلالة اسم المصدر على لفظ المصدر أن أعلام المصادر من أسمائها، فمن أسماء المصادر ما هو أعلام، كان اللازم أن يقول: ألا أن من أسماء المصادر أعلامها، فمن أسماء المصادر ما يعتبر علماً لا نكرةً ولا اسم جنس، بل يعتبر علماً على المصدر، وذلك كسبحان فهي علم على التسبيح، وكيسان علم على الغدر، وبرة علم للمبرة، وهجالي علم للهجول، وحمالي علم على المحملة.. وهكذا، جمالي أيضاً تطلق على الموت الكثير؛ ولذلك تسمى بها السنة ذات القحط، فهذه أعلام تدل على مسمياتها، ومدلولاتها هي ألفاظ المصادر، لو كان العرب يقصدون باسم المصدر المعنى مباشرةً لما جعلوه علماً عليه، وإنما يجعلونه كالمصادر، لكنهم لما جعلوه علماً سبحان مثلاً، وغيروا الاشتقاق، دل هذا على أنهم يقصدون باسم المصدر لفظ المصدر أولاً، ثم لفظ المصدر هو الذي يدل على المانع، كسبحان للتسبيح، وكيسان للغدر.

    (ومسماها الأمور المعنوية)، (ومسماها) أي: المصادر الأمور المعنوية، فمسمى العلم اللفظ، ومسمى اللفظ الأمر المعنوي، فقوله: (مسماها) أي: مسمى المصادر الأمور المعنوية، أي: مدلولها الذي يسمى بها، فالمصدر اسم يدل على المعنى، واسم المصدر اسم يدل على اللفظ، (وذكر هذا تلويحاً) أي: ذكر هذا الفرق المعنوي، وذكر هنا -يقصد نفسه-، هذا الفرق المعنوي تلويحاً؛ أي: إشارةً، والتلويح هو الإشارة واشتقاقه من لاح الشيء يلوح، بمعنى: ظهر ظهوراً متقطعاً، وأصل ذلك أن الذي يشير كأن يده تلوح، فيلوح بياض كفه، وهذا الذي لمع الكف، أو يشير بثوب، فإن ذلك الثوب يلوح، فلمع الكف في حال الإشارة تلمع لمعاً يشبه به البرق؛ لذلك يقول امرؤ القيس:

    حار ترى بـرقاً أريك وميضه كلمع اليـديـن في حبـي مـكلل

    وذكر هذا تلويحاً فقال: ( سماة مبناه )، مثلثة السين، هي سَماة وسِماة وسُماة بمعنى: اسم، قد جاء في الاسم ثماني عشرة لغةً؛ لأنه إما بلفظ (اسم) وهمزته مثلثة، فتلك ثلاث لغات، أو بسم وسينه مثلثة، فتلك ست لغات، أو بسمىً بالقصر وسينه مثلثة، فتلك تسع لغات، أو بسماء بالمد وسينه مثلثة فتلك اثنتا عشرة لغةً، أو بسمة وسينه مثلثة، فتلك خمس عشرة لغةً، أو بسماة وسينه مثلثة، فيحصل من ذلك ثماني عشرة لغةً، قد نظمها أحمد بن كداه في بيت واحد يقول:

    اسم سم سمة سماء وسِمَةْ سماة ثلثهن نِلْتَ المكرُمة

    ينسب هذا البيت لـأحمد بن كداه، لكن أظن الملوي في حاشيته على المكودي ذكره، ذكر هذا البيت، فيمكن أن يكون وصل إليه في زمانه، وقديماً يذكرون أن للاسم عشر لغات، هي التي نظمها الأشموني بقوله:

    لغات الاسم قد حواها الحصر

    إلى آخره. جعلها عشراً فقط، وهذه هي التي نظمها المختار أيضاً في قوله:

    وهو لعين أو لمعنى وهو في حاليه وصفا وسما أيضا يفي

    وثلث الهمزة واحذف واقصرا مثلث السين سماة اذكرا

    ما ذكرها كلها، قال: وثلث الهمزة، واحذف؛ أي: احذفها مع التثليث تلك ست، واقصرا سماً، فمع التثليث أيضاً تلك تسع، واقصرا مثلث السين سماةً اذكرا، بالتثليث أيضاً، فذكر اثنتي عشرة لغةً، سماء بالمد مثلثة، وسمةً أيضاً بالتثليث، ست لغات، وهو هنا قال: ( سماة مبناه ) أي: اسم لفظه؛ أي: المصدر، وقال هنا: ( سماة مبناه )، فنسب الاسم إلى مبناه؛ أي: إلى وزن المصدر، والمبنى البناء والمبنى، والبِنية والبُنية والصيغة ألفاظ مترادفة، معناها متقارب، والمقصود بها هنا اللفظ، اللفظ هو الذي له وزن، والمعنى ليس له وزن، معنى المصدر ليس له وزن، لكن اللفظ هو الذي له وزن صرفي؛ ولهذا قال: ( سماة مبناه )، فأضاف الاسم إلى مبناه؛ أي: إلى لفظه؛ أي: لفظ المصدر، ورواية الطرة هنا: سماة مبناه؛ أي: اسم لفظه؛ أي: المصدر؛ أي: المصدر هنا تؤخر عن قوله: أي:اسم لفظه، تأتي بعد قوله: اسم لفظه، وهذا إشارة فقط إلى هذا الفرق بين المصدر واسمه في المعنى.

    الفرق اللفظي بين المصدر واسم المصدر

    ثم قال: ( ولفظي )، هذا ابتداء كلامه، (ولفظي)، فالفاصلة تكون قبل قوله: (ولفظي)، ولفظي وذكره تصريحاً، فقال: بينهما فرقان: فرق معنوي وقد سبق، وهو الذي ذكره تلويحاً فقط؛ أي: إشارةً، وفرق لفظي وهو الذي ذكره تصريحاً، أي: صرح به فقال:

    سماة مبناه ما زيدت بمبدئه ميم بكلمتها الإشراك ما عقلا

    أو ما خلت من حروف الفعل بنيته لفظًا وقصدًا وما أعطي به بدلا

    ففي هذين البيتين ذكر الفرق اللفظي، والفرق اللفظي مركب من حقيقتين:

    أولاً: أن اسم المصدر: منه ما يفتتح بالميم الزائدة التي لا تدل على التشريك، وهذا هو المفعَل والمفعِل الذي سيأتي.

    ومنه ما تخلو بنيته؛ أي: صيغته، من بعض حروف الفعل، فيكون أقل من حروف الفعل، وهذا هو المقصود هنا، فهذان نوعان، والمصدر ليس كذلك، فالمصادر لا تفتتح بالميم الزائدة التي لا تدل على المشاركة، ولا تنقص فيها حروف الفعل إلا إذا كانت مقدرةً كـ(قتال)، هذا المصدر وإن كان ناقص البنية إلا أنه مقدر فيه حرف آخر، فأصل النطق به أن يقال: قيتال، ضيرار، وقد سمع ذلك -كما سبق- ؛ فلهذا قال: ( ما زيدت بمبدئه ميم )، هذا القسم الأول ( ما زيدت بمبدئه ميم بكلمتها الإشراك مع عقلا )، الإشراك وفي رواية التشريك.

    1.   

    غير المشتهر من اسم المصدر غير الميمي

    اسم المصدر المفتتح بميم زائدة لا تدل على التشريك

    فالمصدر إذا افتتح بالميم التي تدل على التشريك فهو مصدر لا اسم مصدر، مثل: ضاربه مضاربةً، وقاتله مقاتلةً، فهذا مفتتح بميم زائدة، لكنها تدل على التشريك، فلا يمنع ذلك أن يكون مصدراً، بل هو مصدر لا اسمه، لكن إذا افتتح بميم زائدة لا تدل على التشريك كالمضرب، ونحوه، فهو اسم مصدر لا مصدر.

    (بكلمتها الإشراك ما عقلا) بكلمتها، معناه: بالوزن الذي هي فيه، (الإشراك ما عقلا )؛ أي: ما فهم، و(ما) هنا نافية، و(عقلا) بمعنى: فهم، والألف التي في (عقلا) ألف إطلاق؛ أي: مدة روي؛ أي: لم يقصد بها التشريك، و(بكلمتها) هنا مستثقلة، فكان بالإمكان أن يستغنى عنها، قال: ( سماة مبناه ما زيدت بمبدئه ميم )، هي ليست لفظةً كاملةً هي الميم فقط، فلو قال: (سماة مبناه ما زيدت بمبدئه ميم بها مقصد التشريك ما عقلا)، أو (بها مبدأ التشريك ما عقلا) لكان أقرب.

    اسم المصدر الذي خلت بنيته من بعض حروف الفعل

    قال: ( أو ما خلت من حروف الفعل بنيته )، هذا القسم الثاني من قسمي اسم المصدر هو (ما)؛ أي: الذي خلت من بعض حروف الفعل بنيته، قوله: ( من حروف الفعل ) ليس من كل حروف الفعل، بل المقصود من بعض حروف الفعل بنيته؛ أي: خلا لفظه من بعض حروف الفعل، لفظاً وقصداً؛ أي: في اللفظ والتقدير.

    ( وما أعطي به بدلا )؛ أي: ما عوض عنه، (ما) نافية، معنى ولم يعط به بدله؛ أي: بذلك البعض، ( وما أعطي به )؛ أي: بذلك البعض.

    ( أو ما خلت من حروف الفعل بنيته لفظاً وقصداً )، هذا -كما ذكرنا- أيضاً فيه تعقيد في العبارة، فلو قال: (أو الذي منه بعض الفعل منحذف لفظاً وقصداً وما أعطي به بدلاً) كان أولى، أو (منه بعض الفعل منحرف) أيضاً.

    ( لفظاً وقصداً وما أعطي به بدلاً )، (ما) نافية، معناه: لم يعط به بدل، وما أعطي به، أي: بذلك البعض، والباء هنا للبدلية.

    فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا شنوا الإغارة فرساناً وركباناً

    كذلك قوله هنا: ( وما أعطي به بدلاً )؛ أي: ما أعطي الفعل به؛ أي: بدله أو عنه بدله، و (به) الضمير هنا يعود على بعض حروف الفعل، و(بعض) غير مذكورة في البيت؛ فلهذا جعل هذا التفاتاً، فقال: أي: بذلك البعض بالالتفات، وهذا في الواقع لا يسمى التفاتاً؛ لأن الالتفات عند البلاغيين هو الانتقال من مقام من مقامات الكلام إلى غيره، كالانتقال من مقام التكلم إلى مقام الخطاب، أو من مقام الخطاب إلى مقام التكلم، أو من أحدهما إلى مقام الغيبة، هذا الذي يسمى التفاتاً، وهنا ليس فيه انتقال من مقامات الكلام إلى غيره، لكن هنا انتقال من الجمع إلى الإفراد، هو قال:

    أو ما خلت من حروف الفعل بنيته لفظًا وقصدًا وما أعطي به بدلا

    (به) أي: بعض حروف الفعل، فالضمير هنا يعود على غير مذكور، لكنه يفسر في المذكور، فهو أقرب إلى الاستخدام منه إلى الالتفات، وقد جعله على صورة ما جاء في قوله تعالى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [البقرة:19]، (يجعلون) الضمير هنا الواو تعود على غير مذكور ... أو كالماشي نفي صيب من السماء، الضمير يعود على الماشي نفي صيب من السماء، وغير مذكور، أو كذوي صيب من السماء.

    لكن قتال وضراب فهو بتقدير ياء بدل الألف، فقتال وضراب قصد فيها حروف الفعل؛ لأن الفعل أصلاً قاتل وضارب، فنقص فيها وزيد فيها، زيد فيها الألف الأخير، ألف فعال، ولكن حذف منها الألف التي بعد الفاء، لكن هذه الألف مقدرة، تقدر بدلها الياء، فيقال: قيتال وضيراب؛ ولذلك قال: (وقد يذكر)، ولا كعدة وزنة، فهذا عوض منه، عدة أصلها وعد، زنة أصلها وزن أيضاً، فعوض عنه، فالفاء -فاء الفعل المحذوفة- عوض عنها التاء، وكذلك إقامة واستقامة -كما سبق.

    اسم المصدر الذي هو من الأعلام

    ومنه الاعلام والميمي قسه ولا تقس سواه ولكن نقله قبلا

    (ومنه) أي: من اسم المصدر الأعلام -كما سبق- أعلام المصادر من أسمائها، كسبحان علم على التسبيح، وكيسان علم على الغدر، وكضرة علم على المضرة، وفجار علم على الفجور.. إلى آخره.

    (والميمي قسه)، يقول: إن اسم المصدر الذي حذف منه بعض حروف الفعل دون زيادة الميم التي لا تدل على التشريك، وهو الذي عقد له هذا الفصل، غير مقيس، فليس لك أن تصوغه من كل فعل، فليس هو وجهاً من أوجه الاشتقاق الثابتة؛ لأن أوجه الاشتقاق تنقسم إلى قسمين: إلى وجه ثابت، كالمضارع والأمر، وكالمصدر والأوصاف، لكن اسم المصدر غير الميمي ليس كذلك، فلا يمكن أن تصوغه من كل فعل، وإنما تقتصر فيه على السماع؛ لهذا قال: (والميمي قسه )، أما الميمي، وهو اسم المصدر المبدوء بالميم الزائدة التي لا تدل على التشريك فإنه يقاس، وليس معنى ذلك أنه دائماً على القياس، بل المقصود أنه وجه من أوجه الاشتقاق الثابتة، فبكل فعل بالإمكان أن تصوغه، لكن قد يكون موافقاً للقاعدة، وقد يكون شاذاً، فسنذكر الشاذ منه؛ لهذا قال: ( وفيه شذوذ سيأتي )، يعني في الطرة هنا.

    ( ولا تقس سواه )؛ أي: هذا القسم الذي لدينا، ( ولكن نقله قبلا )، أنه منقول فقط؛ أي: مقتصر فيه على السماع، لكنه قد يطرد في بعض الأفعال، والمطرد منه هو الذي عول عليه هنا وذكره، وأما غير المطرد فلم يستقصيه، فلم يعد جميع ما يذكر على أنه اسم مصدر، لكن قد سبق لنا بالتفريق في كثير من الأبواب التنبيه على بعض أسماء المصادر غير القياسية، فقد سبق أن قلنا في الشَق والشِق في شق أن مصدرها شَقاً وشِقاً، أو بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم، ونظير هذا كثير سبق معنا في أسماء المصادر المسموعة، سبق منها عدد.

    1.   

    المشتهر من اسم المصدر غير الميمي

    ما جاء على وزن (فَعَال) و(فَعَل)

    أما المطرد فهو الذي نبه عليه بقوله:

    من (فعل) اجعل لمبناه (الفعال) ومن وزان (أفعل) في الفاشي له (فعلا)

    فهذا بيان للفاشي له؛ أي المشتهر المنتشر، من فشا الأمر يفشو، بمعنى: اشتهر وظهر، فالفاشي من اسم المصدر غير الميمي أنه من فعَّل يكون على وزن فَعال، ومن أفعل يكون على وزن الفعل؛ فلذلك قال: ( من فعل اجعل لمبناه ) أي: الغالب ( الفعال ومن وزان أفعل )؛ أي: مما هو على وزن أفعل، اجعل لمبناه أيضاً فعل في الفاشي له، (الفاشي له فيهما)، الفاشي له؛ أي: الغالب فيهما، فطلَّق ما مصدرها؟ التطليق، واسم مصدرها الطلاق، ومتَّع ما مصدرها؟ التمتيع، واسم مصدرها المتاع، وسرح؟ تسريحاً المصدر، وسراحاً اسم مصدر، وكلم تكليماً، كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164] هذا المصدر، والكلام هو اسم المصدر.

    قالوا كلامك هنداً وهي مصغية يشفيك قلت صحيح ذاك لو كانا

    فهنا (كلامك) اسم المصدر، وكذلك سلم تسليماً، وسلاماً هي اسم المصدر، وتممه تتميماً، وتماماً هي اسم المصدر، هذا في فعل، وأما في أفعل فإنه يأتي على فعل في الفاشي له الغالب، كأقسم إقساماً هي المصدر، وقسم هي اسم المصدر، وأخبر إخباراً هي المصدر، وخبراً هي اسم المصدر، وأنبأ إنباءً، هذا المصدر، ونبأ هي اسم المصدر، وكذلك أسلم إسلاماً، هذا المصدر، أو سلم اسم المصدر، وأتلف إتلافاً، هذا المصدر، وتلفاً اسم المصدر، وأثأى -بمعنى: أفسد- إثآءً هذا المصدر، وثئاً اسم المصدر، الثأى الفساد، ومنه قول الشاعر:

    ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها وكفيت جانيها اللتيا والتي

    ولقد رأبت؛ أي: أصلحت، ثأى العشيرة؛ أي: فسادها بينها، المقصود به الظلم وما يترتب عليه، وكفيت جانيها اللتيا والتي، أي: المكائد التي تكاد تقضي عليه، هذا من قصيدة مطلعها:

    حلت تماضر غربةً فاحتلت فلجاً وأهلك باللوى فالحلة

    وكأن في العينين حب قرنفلٍ أو سنبلاً كحلت به فانهلت

    زعمت تماضر أنني إما أمت يسدد أبينوها الأصاغر خلتي

    تربت يداك وهل رأيت لقومه مثلي على يسري وحين تعلتي

    رجلاً إذا ما النائبات غشينه أكفى لمعضلةٍ وإن هي جلت

    ومناخ نازلةٍ كفيت وفارسٍ نهلت قناتي من مطاه وعلت

    وإذا العذارى بالدخان تقنعت واستعجلت نصب القدور فملت

    دارت بأرزاق العفاة مغالقٌ بيدي من قمع العشار الجلة

    ولقد رأبت ثأى العشيرة بينها وكفيت جانيها اللتيا والتي

    وصفحت عن ذي جهلها ورفدتها نضحي ولم تصب العشيرة زلتي

    هذه القصيدة تحوي كثيراً من أخلاقيات العرب، وهي من القضايا الجاهلية التي أقرها الإسلام.

    والتي والتيا بنفس المعنى إذا أطلقتا، وهنا (اللتيا) أي: المكيدة الصغيرة أو المشكلة الصغيرة، و(التي) هي أكبر منها، فهذه مصغرة والأخرى مكبرة، أي: كل ما يتعرض له من المشكلات، فاللتيا تصير التي، كما أن اللذيا تصير الذي، هذا هو الغالب الذي ذكرناه، ومن غير الغالب قوله:

    محل ذي القصر جا ذو المد منه كما محل ذي المد ذا المقصور قد نزلا

    من غير الغالب أن يأتي اسم المصدر من فعل على فعل، ومن أفعل على فعال، هذا هو خلاف الغالب، نحن قلنا: غالباً فيهما، ومن غيره؛ أي: من غير الغالب فيهما ما قال هنا في قوله: (محل ذي القصر) أي: هو الفعل جاء بالمد وهو الفعال، (كما محل ذي المد) وهو الفعال، (ذا المقصور قد نزلا) أي: نزل محله، المقصور هو الفعال، وذلك كأعطى وأغنى غناءً، وهنا جاء اسم المصدر من أفعل على الفعال بالمد، فهذا قليل، ومنه قول الشاعر:

    قل الغناء إذا لاقى الفتى تلفاً قول الأحبة لا تبعد وقد بعدا

    (قل الغناء) أي: قلت الفائدة، وهذا لا يفيد ولا يرد الميت، (إذا لاقى الفتى تلفاً) أي: مات أو قتل، (قول الأحبة لا تبعد وقد بعدا) أي: قل غناؤه عنه وهو قولهم: لا تبعد وقد بعدا، فقول الأحبة بدل من الغناء.

    ( كما محل ذي المد ذا المقصور قد نزلا )، كما أن العكس أيضاً يروى، فمنه قولهم: أدبه أدباً، فهذه فعل، فجاء مصدرها على (فَعَلَ)، كذلك سلم سلماً.

    بمعنى: السلام، فهذا اسم مصدر، لكن الأصل أن يكون ممدوداً، فجاء مقصوراً.

    وبهما قرئ: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم[النساء:94]، وفي القراءة الأخرى: (السلام)، قرئ بالمد والقصر، ويقرن بتاء كالصلاة والزكاة، فيقال: صلى صلاةً، وزكى زكاةً.

    ما جاء على وزن (فُعْلَى) و(فَعْلَى)

    وجاء (فعلى) بفتح الفا وضمتها وجا (فعولاً) بشكلي فائها شكلا

    (وجاء) اسم المصدر لا بقيد كونه لأفعل أو فعال، بل مطلقاً يأتي على وزن فَعلى أو فُعلى بالقصر، فيأتي بضم الفاء وبفتحها؛ ولذلك قال: (بفتح الفاء وضمتها) أي: فَعلى وفُعلى، فالفتح كـ(ادعى دعوى)، فدعوى هنا اسم مصدر ادعى، ومصدرها ادعاء وكذلك أبقى إبقاءً، واسم مصدرها البقيا، هنا الذي يعنينا البقوى، والبقوى بمعنى: الإبقاء، أبقى عليه؛ أي: صانه، فيقال: أبقى عليه إبقاءً وبقوى، سيأتينا البقية أيضاً.

    وكذلك أفتى فلان إفتاءً وفتوى، وأما المضموم فهو مثل البقيا والفتيا، والبشرى والرجعى؛ فلذلك قال: وكـ(فتيا)، الكاف لتغيير الأسلوب، معناه: هو المضموم فعلا بالضم، كـ(أفتى فتيا) وبقيا، وبغيا وبشرى ورجعى، وهذه سبق وأن ذكرناها في أوزان المصادر فَعلى وفُعلى، ونذكرها الآن في أسماء المصادر، وهذا مما يدلنا على عدم الانضباط في هذا الباب في التفريق بين المصدر، واسمه فالمفعَل والمفعِل والمفعُل، سبق أن ذكرناها في المصادر وهي من أسمائها، وكذلك فَعلى وفُعلى ذكرناها في المصادر وهي من أسمائها، أنهم إذا أرادوا حصر ما ورد من المصادر يدخلون فيها أسماء المصادر، لكن إذا دققوا مثل باب أسماء المصادر يخرجون ما يختص بأسماء المصادر؛ ولذلك لا تجد العكس، فلا تجد في أسماء المصادر ما هو مصدر، أما المصادر فتجد فيها أسماء المصادر، فهم يوسعون الدائرة فيها، لأن أسماء المصادر ما كان منها غير ميمي فهو غير قياسي، والفتيا بالضم، وكذلك البقيا بالضم، والبقيا بمعنى: الإبقاء -مثل ما سبق- مثل بقوى، يقول أحد الرجاز:

    لو يبتغي البقيا بضم الباء أي شفقة ورحمة خلي علي

    لما كساني حر ما أقاسي من الليالي اللِّيلِ بين الناس

    وهو على تقصيرهن قادر تبارك الله العظيم القادر

    هو فقط يريد أن يضبط كلمة البقيا فأدرجها في هذا المعنى.

    والليل جمع ليلاء، ليلة ليلاء بمعنى: شديدة.

    أحد العلماء عندنا أظن أن اسمه محمد سالم ححام بن أشفغ عبد الله، هذا رجل توفي شاباً، لكنه كان في علوم اللغة عجيباً جداً، ما أدركت أخاه حياً، توفي رحمه الله، أيضاً من العلماء، هو الذي يقول في شيخه يمدحه:

    في النحو والفقه شيخي لا نظير له وكل قرن إلى إقرائه قرن

    إذا أتى الطرة المختار يقرعها حتى يرى الحاضرون النار تضطرم

    وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم

    البيت لـزهير بن أبي سلمى لكنه أخذه وغير المعنى، أتاه خليل يقصد مختصر خليل بن إسحاق في الفقه.

    وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم

    أنا الذي قال هذا البيت لا ابن أبي سلمى وشيخي به المعني لا هرم

    ما جاء على وزن (فَعُول) و(فُعُول)

    وجاء (فعلى) بفتح الفا وضمتها وجا (فعولاً) بشكلي فائها شكلا

    (وجا (فَعُولاً) بشكلي فائها شُكِلا)، كذلك جاء اسم المصدر غير الميمي على وزن فَعُول، وعلى وزن فُعُول أيضاً؛ فلهذا قال: ( وجاء فعولاً بشكلي فائها ) أي: فاء فعلى السابقة، ( شكلا )؛ أي: شكلا بالضم والفتح، وذلك كتوضأ وضوءاً، وتطهر طهوراً، ويروى بهما، يقال: توضأ وضوءاً وتطهر طهوراً، وأما الفتح فقط ففي الماء، الطهور أقصد، والوضوء معناه: ما يتوضأ به، المقصود به الآلة، فآلة الطهارة الماء الذي يتوضأ به ويتطهر به ليس فيه إلا الفتح، يقال فيه: وضوء وطهور، أما المصدر ففيه الوجهان الفتح والضم، فيقال: فيه الطُهور هذا الأصل، ويقال: الطَهور أيضاً، وبهما روي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الطُهور شطر الإيمان )، روي: ( الطَهور شطر الإيمان )، ( الطُهور شطر الإيمان )، والمقصود به المصدر، لا الآلة التي يتطهر بها، وهي الماء، وأما الفتح فقط ففي الماء، كان اللازم أن يقول: وأما الماء ففي الفتح فقط على العكس، كالوقود للحطب على ما يوقد، فهو آلة، والسعوط لما يستعط به، والوجور لما يوجر به، والسفوف لما يسف.. وهكذا، كما سبق (فتحت علي باباً بالسفوف)، فقد كان اللازم أن يقال: وأما الماء فبالفتح.

    ما جاء على وزن (فُعْل) و(فُعْلة) و(فِعْل) و(فِعْلة)

    وجاء بالفعل مضمومًا ومنكسرًا مجردين من التا أو بها وصلا

    يقول: إن اسم المصدر أيضاً جاء على وزن الفعل مضموماً ومنكسراً؛ أي: الفُعل والفِعل، كاغتسل اغتسالاً، هذا المصدر، وغسلاً، هذا اسم المصدر، واطهر اطهاراً، هذا المصدر، وطهراً، هذا اسم المصدر، وكذلك سالم فلان فلاناً مسالمةً وسلماً، فالسلم اسم المصدر، وكذلك أخصبت الأرض إخصاباً، هذا المصدر، وخصباً هذا اسم المصدر، والعرب يقولون: ثلاث مكسورات خير من ثلاث مفتوحات، فالعلم خير من الجهل، والسلم خير من الحرب، والخصب خير من الجدب، هذه ثلاث مكسورات خير من ثلاث مفتوحات، هي أضدادها.

    ( مجردين من التا ) -مثلما ذكرنا-، ( أو بها وصلا )؛ أي: موصولين بالتاء، وذلك الفُعلة والفِعلة، فالفُعلة كقبل تقبيلاً هي المصدر وقبلةً اسم مصدر، وكذلك طهر تطهيراً هذا المصدر، وطهرةً هذا اسم المصدر؛ فلذلك قال: كالقبلة والطهرة من قبل وطهر؛ ولذلك جاء في الأثر من حديث ابن مسعود: ( من قبلة الرجل امرأته الوضوء )، ( من قبلة الرجل امرأته ) أي: من تقبيل، فهي هنا اسم مصدر؛ ولذلك عملت عمل المصدر، وأضيفت إلى الفاعل، ونصبت المفعول.

    وكذلك قولهم: من طهرة الحائض جسدها المس، من طهرة الحائض؛ أي: من تطهيرها، وأضيف المصدر إلى فاعله هنا، وجسدها هذا المفعول، المس هي المبتدأ؛ أي: يجب أو يجوز؟ يجب، راجعة للأول وهو قوله: ( من قبلة الرجل امرأته الوضوء ) أي: يجب الوضوء عليه، ويجوز؛ أي: يجوز المس، فهذا من باب اللف والنشر المركب، يجب الوضوء ويجوز المس، وكالعشرة من عاشر، كذلك الفعلة بالكسر، كالعشرة والزينة، فعاشره يعاشره معاشرةً؛ أي: خالطه، فالمعاشرة هي مصدر، العشرة اسم مصدر، ومنه قول الشاعر:

    بعشرتك الكرام تعد منهم ولا يلفى لغيرهم وفاء

    بعشرتك الكرام؛ أي: بمعاشرتك الكرام؛ أي: مخالطتك لهم، والزينة، كذلك كالزينة من زين، زينه يزينه تزييناً هذا المصدر، وزينةً هذا اسم المصدر، ومنه قول الله تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ [الصافات:6].

    ما جاء على وزن (فَعِيل) و(فَعْل)

    وبالفعيل أتى والفعل متزنًا عنا الوعيد انثنى والعون قد وصلا

    يقول: إن اسم المصدر جاء أيضاً متزناً بالفعيل، أتى متزناً بالفعيل، وأتى متزناً بالفعل بالفتح، جاء على وزن فعيل وعلى وزن فعل، فلو قدم الفعل لأتى به مع نظيريه، فقد جاء قوله: (وجاء بالفعل مضموماً ومنكسراً) معناه: ومنفتحاً أيضاً، فالمنفتح كالعون والوعد.

    وهنا الفعيل، يأتي اسم المصدر على وزن فعيل، ويأتي على وزن فَعل، وجمعهما في هذا المثال وهو قوله: ( عنا الوعيد انثنى والعون قد وصلا )، أوعده إيعاداً، هذا المصدر، ووعيداً، هذا اسم المصدر، ؛ فلذلك قال: ( عنا الوعيد انثنى )، والوعيد لا يكون إلا بالشر، والوعد قد يطلق على الخير، وقد يطلق على الشر، فيقال: وعدته بكذا إذا كان بعطاء ونحو ذلك، ويقال: أيضاً للشر، والوعيد لا يكون إلا للشر.

    ولا يختشي ابن العم مني صولةً ولا أختشي من صولة المتهدد

    وإني إن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

    وكلاهما هنا عبر عنه باسم المصدر، لكن عبر بالوعد باسم المصدر الميمي، فقال: موعدي، كما عبر بالمصدر الحقيقي فقال: إيعادي، وهو الوعيد، ومنه قول جعفر بن علبة الكلابي:

    هواي مع الركب اليماني مصعد جنيب وجثماني بمكة موثق

    عجبت لمسراها وأنى تخلصت إلي وباب السجن دوني مغلق

    ألمت فحيت ثم قامت فودعت فلما تولت كادت النفس تزهق

    فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم لشيء ولا أني من الموت أفرق

    ولا أن نفسي يزدهيها وعيدهم ولا أنني بالمشي في القيد أخرق

    ولكن اعترتني من هواك ضمانة كما كنت ألقى منك إذ أنا مطلق

    لذلك قوله: (ولا أن نفسي يزدهيها وعيدهم) هذا اسم مصدر أوعد.

    ( والعون قد وصلا )، العون اسم مصدر أعانه، والمصدر إعانةً -كما سبق-، واسم المصدر العون، وهو على فَعْل، وهذا تفاؤل، فقال: ( عنا الوعيد انثنى )؛ أي: انصرف عنا ورجع، ( والعون قد وصلا )؛ أي: وصلنا العون.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767949168