الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد عقد ابن مالك رحمه الله تعالى هذا الباب اسم المصدر الميمي، فقال: ( باب المفعَل والمفعِل )، فأراد بذلك بيان هذا النوع من أنواع الاشتقاق، وهذا النوع يدخل معه نوعان آخران، فالنوع الذي نعنيه هو اسم المصدر، النوع الثاني: اسم المكان، والنوع الثالث: اسم الزمان، فهذه ثلاثة أنواع من أنواع الاشتقاق، أو ثلاثة مقاصد من مقاصد الاشتقاق، ولكنها تأتي على هذين الوزنين على (المفعَل) أو على (المفعِل)، على اختلاف القواعد التي سنبينها في ذلك، وأما المفعُل بالضم فلا يقاس في أي شيء؛ فلذلك لم يذكره، وذكره هنا خطأ، فليس من الطرة، وملخص هذا الباب أنه يدور على أربعة قواعد، وما عداها فهو شاذ، فالقاعدة الأولى: بأن الفعل الثلاثي المفتوح المضارع أو المضموم، غير المعتل اللام، ولا واوي الفاء، فإن اسم المصدر منه واسم المكان واسم الزمان بالفتح.
القاعدة الثانية: أن الثلاثي المعتل اللام مطلقاً، معناه: سواءً كان واوي الفاء أو لا، سواءً كان مكسور المضارع أو لا، فإن اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح أيضاً.
القاعدة الثالثة: أن الثلاثي الواوي الفاء إذا صحت لامه سواءً فتح مضارعه أو كسر أو ضم، أو نقول: فتح مضارعه أو كسر، فإن اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالكسر.
القاعدة الرابعة: أن الثلاثي المكسور المضارع، غير معتل اللام، ولا واوي الفاء جاء اسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، هذه القواعد الأربعة، ما عداها فهو شاذ، ولكنها هي ملخص الباب، والشاذ كثير؛ ولذلك اعتنى به ابن مالك رحمه الله تعالى هنا وتقصاه، فابتدأ أولاً بذكر هذه القواعد الأربع، فقال:
من ذي الثلاثة -لا (يفعل)- له ائت بـ(مفـ ـعلٍ) لمصدرٍ أو ما فيه قد عملا
فافتتاح البيت أن تقول: ائت بمفعل لمصدر أو ما فيه قد عمل من زمان أو مكان، من ذي الثلاثة معناه: من الفعل ذي الثلاثة، معناه: ذي ثلاثة أحرف الصحيح اللام غير واوي الفاء ( لا (يفعل) له )، معناه: وليس مضارعه بالكسر،؛ بأن فتح مضارعه كيذهب، أو ضم مضارعه كيقعد، فإن اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، قال:
ذهبت من الهجران في غير مذهب ولم يك حقاً كل هذا التجنب
هذه قصيدة علقمة الفحل التي يعارض بها امرأ القيس في قصيدته التي مطلعها:
خليلي مرا بي على أم جندب نقضّ لبانات الفؤاد المعذب
قال: (ذهبت من الهجران في غير مذهب)، فمذهب هنا من ذهب، وهو ثلاثي غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، وغير مكسور المضارع، بل هو مفتوح المضارع (يذهَب)، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه على مذهب بالفتح، وهنا في (غير مذهب) إما أن تكون المصدر، معناه: في غير ذهاب، والمصدر يطلق على الحقيقة مطلقاً، فيشمل ذلك الزمان والمكان، أو أن تقول: في (غير مذهب)، معناه: في غير مكان ذهاب، أو في غير زمان ذهاب، وقوله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، لجأ فعل ثلاثي غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، وغير مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، فقوله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118]، إما أن تكون اسم مكان، وإما أن تكون اسم مصدر، وهي مفتوحة على كل حال، وكذلك قوله: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55]، فقعد فعل ثلاثي غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، وهنا جاء اسم المكان في هذه الآية فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:55]، (مقعد صدق) اسم المكان.
وكذلك قوله تعالى: يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد:15-16]، فالمقربة من قرب، وهو فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، (ذا مقربة).
كذلك (تربت يداه) فعل ثلاثي، غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، والمتربة هنا معناها الفقر، فهي اسم المصدر.
كذاك معتل لامٍ مطلقًا وإذا الـ ـفا كان واوًا بكسرٍ مطلقًا حصلا
القاعدة الثانية هي التي أشار إليها بقوله: ( كذاك معتل لام مطلقاً )، معناه: كذاك ائت بمفعل لمصدر أو ما فيه قد عملا من ذي الثلاثة مطلقاً، معناه: سواءً كان مكسور المضارع أو لا، وسواءً كان واوي الفاء أو لا؛ ولهذا قال: معتل لام مطلقاً، مصدراً أم لا، واوي الفاء أم لا، مكسور المضارع أم لا، وذلك كرمى، فهو فعل ثلاثي، معتل اللام، فمضارعه مكسور يرمي، والمصدر والزمان والمكان منه بالفتح فتقول: مرمىً، وكذلك رعى، فهذا فعل ثلاثي، معتل اللام، ومضارعه غير مكسور، بل مفتوح، لأنه يرعى، فالمصدر والزمان والمكان منه على مفعل، تقول: مرعىً.
ولن تصادف مرعىً ممرعاً أبداً إلا وجدت به آثار منتجع
مرعى هنا معناه: مكان الرعي، وكذلك مغزىً من غزا يغزو، هذا مضموم المضارع، وهو فعل ثلاثي واوي الفاء، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، فتقول: مغزىً للغزو ولمكانه ولزمانه، كذلك أتى يأتي، فهي مثل رمى يرمي؛ لأنها فعل ثلاثي، معتل اللام، مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح فتقول: مرمى، وكذلك مثوىً من ثوى يثوي، مثل أتى يأتي، فتقول فيها: مثوىً للزمان والمكان والمصدر، وكذلك مأوىً أيضاً من أوى يأوي، ومنه قول الله تعالى: عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى [النجم:15]، فالمأوى هنا إما أن تكون اسم مصدر معناه: جنة الإيواء، أو مكان الإيواء، فتكون اسم مكان، وكل ذلك بالفتح.
وكذلك قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19]، (مثواكم) هنا مفعل أيضاً من ثوى، وهو فعل ثلاثي، معتل اللام، مضارعه بالكسر، فمصدره وزمانه ومكانه بالفتح، تقول: مثواه، هذا هو اسم المصدر.
كذاك معتل لامٍ مطلقًا وإذا الـ ـفا كان واوًا بكسرٍ مطلقًا حصلا
القاعدة الثالثة: فقال: (وَإِذَا الفَا كَانَ وَاوً بِكَسْرٍ مُطْلَقًا حَصَلا)، وفي هذه القاعدة أن واوي الفاء إذا كان صحيح اللام، سواءً كان مكسور المضارع أو مفتوحه أو مضمومه، (فكسر مطلقاً)، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان على (المفعِل) بالكسر؛ لذلك قال: ( بكسر مطلقاً )، فسر الإطلاق بقوله؛ أي: سواءً كان مصدراً أو زماناً أو مكاناً، فتح المضارع أو لا، وذلك مثل قول الله تعالى: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف:58]، فاجتمع لنا هنا مثالان في هذه الآية، (موعد)، وعد، فهذا ثلاثي، واوي الفاء، صحيح اللام، ومضارعه بالكسر، والمصدر منه والزمان والمكان بالكسر كذلك، فتقول: موعد، (بل لهم موعد)، إما أن تكون اسم مصدر معناه: بل لهم وعد، أو أن تكون مكاناً أو زماناً، فالمكان هو الساهرة، والزمان هو النفخ في الصور؛ فلذلك قال: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف:58]، كذلك (موئل) من (وأل يئل)، فهو فعل ثلاثي، واوي الفاء، غير معتل اللام، واسم المصدر منه اسم الزمان، واسم المكان بالكسر.
وكذلك وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ [آل عمران:138]، في عدد من الآيات ذكر الموعظة، فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [البقرة:275]، فالموعظة من وعظ، فهو فعل ثلاثي، واوي الفاء، غير معتل اللام، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالكسر، تقول: موعظة للمصدر؛ أي: وعظاً، أو مكان اتعاظ؛ أي: واقع آية من آيات الله التي تستحق أن يتعظ عندها.
ومثل ذلك قوله تعالى: حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ [يوسف:66]، فوثق فعل ثلاثي، واوي الفاء، غير معتل اللام، مضارع بالكسر الشاذ، وفعل بالكسر الذي انفرد بالكسر، كما ذكرنا من قبل:
وأفرد الكسر فيما من ورث وولي ورم ورعت ومقت مع وفقت حلا
فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالكسر، (موثقاً من الله)، فإما أن تكون اسم مصدر بمعنى: ميثاقاً من الله؛ أي: عهداً، أو أن تكون مكان ثقتكم، وهو أن يعطوه صفقات أيديهم، يبايعوه على ذلك، لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ [يوسف:66]، خلافاً لـبدر الدين في كون مفتوح العين منه كوهب.
فـبدر الدين بن محمد بن مالك خالف أباه في قوله: (مطلقاً) هنا، فرأى أن مفتوح العين منه مصدره بالفتح، وذلك كـ(وهب) و(وضع) و(وجل)، فـ(وهب) مضارعها (يهب)، (وضع) (يضع)، لكن (وهب) من الشاذ، و(وضع) على القياس، وكذلك (وجل) (يوجل) مكسور، وكذلك (ود) (يود)، فتقول فيها: (موهب) و(موضع) و(موجل) و(مودة).
ولا يؤثر كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام كمولًى فارع صدق ولا
نظراً لأن ابن مالك أطلق في القاعدتين السابقتين، فقال: (كذاك معتل لام مطلقاً)، وكذلك قال: (وإذا الفاء كان واوً بكسر مطلقاً حصلا)، فظاهره التعارض بين هاتين القاعدتين، فأراد أن يبين لك ما تداخلتا فيه، فقال: ولا يؤثر كسر عينه كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام.
القاعدة الأولى -وهي قاعدة معتل اللام- أعم وأشمل من القاعدة الثانية التي هي قاعدة واوي الفعل؛ لذلك قال: ( ولا يؤثر كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام )، فإذا كان الفعل الثلاثي معتل اللام فهو على قاعدة معتل اللام، فاسم مصدره واسم زمانه واسم مكانه بالفتح مطلقاً، سواءً كان واوي الفاء أو لم يكن؛ فلذلك قال: ( ولا يؤثر كون الواو فاءً إذا ما اعتل لام )، ما مثال ذلك؟ مولىً وموقىً، فما كان واوي الفاء، معتل اللام، فإن اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، وذلك كـ(مولىً)، فهو من ولي يلي، فهو ثلاثي، معتل اللام، واوي الفاء، ومع ذلك اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، تقول: مولىً ولا تقول: مول، والمولى هنا معناه: مكان الولاية أو زمانها، أو المصدر بمعنى: الولاية، لكن يستعمل المولى في غير هذا، المولى لابن العم أو الناصر، والمولى للمعتق والمعتق، المولى الأعلى والمولى الأسفل، هذه غير مقصودة هنا؛ لأنها ليست اسم مصدر، ولا اسم زمان، ولا اسم مكان، بل هي ما سيأتينا -إن شاء الله- اسم المفعول.
(فَارْعَ صِـدْقَ وَلاَ)، هذا تتميم، والمقصود به التنبيه على أن مولىً هنا من الولاية، والولاية تقتضي النصرة والمحبة؛ ولذلك قال: (فارع)؛ أي: راع، (صدق ولا)، بالقصر؛ أي: ولاء، بمعنى: كن صادقاً في محبتك ونصرتك.
في غير ذا عينه افتح مصدرًا وسوا ه اكسر وشذ الذي عن ذلك اعتزلا
أما القاعدة الرابعة فهي قوله: (فِي غَيْرِ ذَا عَيْنَهُ افْتَحْ مَصْدَرًا وَسِوَاهُ اكْسِرْ)، وقوله: ( وذكر ثالثاً )، فقال: هذا ليس من الطرة، فلا معنى له الآن، هذه القاعدة الرابعة، ( في غير ذا ) المتقدم، وهو مكسور المضارع، غير معتل اللام، ولا واوي الفاء، فهذا هو غير المتقدم؛ لأن أول ما ذكرناه في القاعدة الأولى: غير مكسور المضارع من الصحيح.
القاعدة الثانية: معتل اللام مطلقاً، القاعدة الثالثة: واوي الفاء مطلقاً، فالآن نصل إلى غير ما ذكر، وهو مكسور المضارع من الصحيح، معناه: غير معتل اللام، وغير واوي الفاء، فهذا على التفصيل (عينه افتح مصدراً)، بمعنى: اسم المصدر، وسواه اكسر؛ أي: زماناً ومكاناً، ومنه قول الله تعالى: يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أينَ الْمَفَرُّ [القيامة:10]، معناه: إلى أين الفرار، فأين: إلى أين الفرار.
يا لبكر أنشروا لي كليباً يا لبكر أين أين الفرار
كذلك هنا أين المفر بمعنى: أين الفرار.
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه:39]، محبةً بالفتح مصدر بمعنى: حباً مني، وهي من (حب يحب)، فهو مكسور المضارع، مثل فر يفر مكسور المضارع، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام؛ ولذلك اسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، نعم، يحب حباً، وكمنزل، فنزل فعل ثلاثي، مكسور المضارع، ينزل غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، فاسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، فتقول: نزل منزلاً بمعنى: نزولاً، ومنزلاً بمعنى: مكان نزول وزمانه، وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ [المؤمنون:29]، الآية الأخرى التي فيها قرئت بالوجهين، فقراءة شعبة : (وقل رب أنزلني مَنزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين)، وقراءة من سواه: (مُنزلاً مباركاً)، فمنزلاً مباركاً من (نزل)، فهي مكان نزول، لو قلت: مَنزلاً بالفتح لكانت اسم مصدر، أما إن كسرت فهي إما للمكان أو للزمان، والمقصود بها هنا: المكان.
وكذلك المجلس، فإذا أردت اسم المصدر فإنك تقول: مجلَس بمعنى: جلوس، وإذا أردت اسم المكان أو اسم الزمان فإنك تقول: مجلِس بالكسر؛ لأنها من (جلِس) فعل ثلاثي، مكسور المضارع، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وكذلك (صرف صرفه يصرفه)، فهو فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وهو مكسور المضارع، فاسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، ومن المكان قول الله تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [الكهف:53]، فمصرفاً هنا من صرف وهو المكان، وكذلك قوله تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، محِل بالمكان بمعنى: نزل يحل، فهي فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ومضارعه بالكسر، اسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان واسم المكان بالكسر، فتقول: (محِله)، معناه: مكان حلوله، وهو مكة؛ لذلك حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196].
وكذلك ( محلي حيث حبستني ) في حديث ضباعة بنت الزبير .
قال:
في غير ذا عينه افتح مصدرًا وسوا ه اكسر وشذ الذي عن ذلك اعتزلا
(وشذ الذي عن ذلك اعتزلا)، أو ( عن ذلك اعْتُزِلا)، فما اعتزل عن ذلك؛ أي: صرف عنه، وأبعد عنه، أو أعتزل عنه، فهو شاذ، فكل ما خالف هذا الضابط الذي وضعناه، وهو هذه القواعد الأربع، فما خالفه فهو شاذ، قال: وشذ الذي اعْتَزَل عن ذلك الضابط، أو اعْتُزِل عن ذلك الضابط، والشاذ على قسمين: ما انفرد به الشذوذ، فليس فيه إلا الشاذ، وقسم فيه القياس، ومع ذلك فيه الشذوذ، ونظمهما مختلطين، لكن الحسن يبين في الطرة وجه الشذوذ، هل هو الكسر أم الفتح، بدأ ابن مالك يعد هذا الشاذ وأطال فيه فقال:
(مظلمة) (مطلع) (المجمع) (محمدة) (مذمة) (منسك) (مضنة) البخلا
فقال: (مظلمة)، وهي اسم مصدر من (ظلم يظلم) كـ(ضرب)، فكسره شاذ؛ لأنها من القاعدة الرابعة، فهي فعل ثلاثي، مكسور المضارع، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، فمصدره بالفتح، وزمانه ومكانه بالكسر، فيقال فيها: المظلِمة والمظلَمة، فالمظلِمة بمعنى: مكان الظلم وزمانه، وهي على القياس، وأما المظلمة بالكسر في المصدر فهي الشاذة، وهنا سنتفق على أمر، وهو أن وجه الشذوذ هو الذي نشكل به المتن، لو قال: (وَشَذَّ الّذِي عَنْ ذَلِكَ اعْتَزَلا)، فسنصححه كله بالوجه الشاذ، وهنا تكسر (مظلمة) على هذا؛ لأن الشاذ إنما هو كسر المصدر فيها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإني لأرجو أن ألقى الله غداً وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في نفس أو مال )، مظلمة؛ أي: بظلم فهي اسم مصدر، وكسره شاذ هنا، كذلك مطلع، كان اللازم أيضاً أن نقول: مطلِع فنكسرها؛ لأن الكسر هو الشاذ هنا، وهي مكان أو زمان أو مصدر من (طلع) كـ(نصر)، فهي من القاعدة الأولى التي ليس فيها إلا الفتح؛ لأنها فعل ثلاثي، صحيح اللام، غير واوي الفاء، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، فكسره شاذ على هذا، لكن قال: مكان ومصدر من (طلع) كـ(نصر)، فكسره شاذ، وكلاهما ذو وجهين، كلاهما؛ أي: المصدر واسم المصدر واسم الزمان واسم المكان ذو وجهين.
وفي قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ [الكهف:90]، قرئ بالكسر فقط، ولم يقرأ فيه بالفتح، حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:5]، هذه قرئت (حتى مطلِع الفجر) و(حتى مطلَع الفجر)، وهي مصدر هنا، فالمصدر قرئ بوجهين، والمكان قرئ بالكسر فقط، لكن حتى لو كانت زماناً فإن كسرها شاذ أيضاً.
(المجمع) أيضاً، هذه ينبغي أن تكسرها؛ لأنها مكان من (جمع) (يجمع) فهي من فعل ثلاثي، صحيح اللام، غير واوي الفاء، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان والمكان منه بالفتح، والمجمع بالكسر بمعنى: مكان الجمع، كسره شاذ.
كذلك (محمدة) و(مذمة) أيضاً، فهما اسما مصدرين من (حمد يحمد)، و(ذم يذم)، فهما من فعلين ثلاثيين صحيحين، غير واوي الفاء، ولا معتلي اللام، ولا مكسوري المضارع، فكسرهما شاذ، المذمة والمحمدة بمعنى: الذم والحمد، كل ذلك كسره شاذ.
(منسك)، كذلك منسك من (نسك)، فتقول فيها: منسك أيضاً من (نسُك) كـ(كرُم)، أو (نسَك) كـ(نصَر)، وكلاهما فعل ثلاثي صحيح اللام غير واوي الفاء، ولا مكسور المضارع، فكسره شاذ، وإما أن يكون مكاناً؛ أي: مكان النسك، أو زماناً؛ أي: زمان النسك، أو مصدراً بمعنى: النسك نفسه، وعلى كل فكسره شاذ.
(مضنة البخلا)، مضنة البخلاء كذلك فهي من (ضن) بالضاد (يضن) ليست من ظن التي ذكرنا من فعِل بالكسر بل هذه (ضن) كـ(حن)، فتقول فيها: يضن، وهي فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وغير مكسور المضارع، فاسم المصدر منه واسم الزمان واسم المكان بالفتح، وعليه فكسره شاذ، وكذلك جاءك فرِحاً، تقول فيها: (ضن يضَن)، فإن كانت كـ(حن) فهي فعَل بالفتح، ومضارعها بالكسر، ضن يضِن، وعلى هذا فهي من القاعدة الأخيرة مما له يفْعِل، فمصدرها بالفتح وزمانها ومكانها بالكسر، فالمصدر إذاً إذا كسر شاذ، وإن كانت من ضن التي هي فعل بالكسر ومضارعها بالفتح فتكون من القاعدة الأولى كلها بالفتح، وعلى هذا فالمصدر منها إذا كسر فهو شاذ مطلقاً؛ ولهذا قال: (فكسره شاذ في كليهما)؛ أي: سواءً كانت من فعِل أو من فعَل؛ لأنها إن كانت من فعَل فمضارعها بالكسر وذلك يقتضي فتح مصدرها، وكسر زمانها ومكانها، وإن كانت من فعِل بالكسر فهي من مفتوح المضارع الصحيح، فمصدرها وزمانها ومكانها كلها بالفتح، ونسبها إلى البخلاء لينبه على أنها المضنة لا المظنة، فالبخلاء هم الذين يضنون؛ لأن ضن بمعنى: بخل، ومثل ذلك المظنة أيضاً بالكسر؛ لأنها من ظن يظن، فهي من فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ولا مكسور المضارع، فالمصدر والزمان والمكان منه بالفتح، فكسره شاذ أيضاً، وإن كان لم يذكرها، وقد جاء في قول لبيد رضي الله عنه:
فصوائـق إن أيمـنت فمظـنة منها وحاف القهر أو طلخامها
أو (القَهر أو طلخامها) أيضاً رواية أخرى، أو( القِهر) في رواية أخرى أيضاً.
فمظنة شاذة؛ لأنها من ظن يظن.
(مزلة) (مفرق) (مضلة) و(مدبـ ـب) (محشر) (مسكن) (محل) من نزلا
كذلك قوله: (مزَلة) (مزِلة) أيضاً فهي مكان من (زل) كـ(حن) فعَل بالفتح يزل فعلى هذا فتحه شاذ، وجاء كـ(فرح)، وهذا الذي سبق معنا قد ذكرناه في (فعِل) بالكسر، فكسره شاذ حينئذ؛ ولهذا قال الحسن :
ولا أدري لم لم يجعل الأعلى للأعلى، والأسفل للأسفل، ولا شذوذ.
فاللغويون يذكرون هنا أن المزلة، يقولون: هذا مكان هو مزلة قدم؛ أي: تزل فيه الأقدام، فهذه إن كانت من مفتوح المضارع (يزل القدم) كذا، (زل) فعل بالكسر مضارعه مفتوح، فهي على القياس، ولا شذوذ فيها، تقول فيها: مزَلة، يقول: لماذا لم يجعلوا الأعلى للأعلى، والأسفل إلى الأسفل، ولا شذوذ؟ أي: أن أهل اللغة يذكرون الشذوذ من وجهين، فيقولون: زلت القدم تزل، هذه (فعَل) بالفتح ومضارعها بالكسر، وهي من القاعدة الرابعة؛ لأنها فعل ثلاثي، مكسور المضارع، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، فمصدره بالفتح، وزمانه ومكانه بالكسر، وهذا هنا مكانه، ففتحه شاذ، ويقولون في زل زلت الصفواء بالمتنزل، زل التي هي من فعل بالكسر، يزل بالفتح،
يزل الغلام الخف عن صهواتها وتزري بأثواب العنيف المثقل
فيقولون: فهذه المزلة، فهي شاذة؛ لأنها أيضاً من القاعدة الأولى التي هي الفعل الثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وغير مكسور المضارع، اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح؛ ولذلك كسرها شاذ، فيقول الحسن : لماذا لا نقول المزلة من زل يزل، والمزلة من زل يزل، ولا شذوذ؟ هذا تردد منه في هذا الأمر، يقول: لا أدري لم لم يجعلوا الأعلى للأعلى؛ أي: المفتوح للمفتوح، والمكسور للمكسور، ولا شذوذ حينئذ.
ابن مالك وغيره ذكر الشذوذ، لو كان كما توقع الحسن لما كان فيها شذوذ أصلاً.
كذلك مفرق الرأس، فهو أيضاً مكان لفرق كنصر، يفرق بالضم، فهو من القاعدة الأولى، فكسره شاذ؛ لأنه فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح، فكسره شاذ.
وكذلك مضلة، وهي اسم مصدر من (ضل يضل)، كـ(حن يحن)، فهي من القاعدة الرابعة، فهو فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، مكسور المضارع، فالمصدر منه بالفتح، والزمان والمكان بالكسر، فإذا كسر مصدره فكسره شاذ، وجاءك فرح، ففيه (فعِل) بالكسر (يفعل)، وعلى هذا يكون من القاعدة الأولى، فكسره شاذ مطلقاً، سواءً كان مصدراً أو ظرفاً؛ أي: زماناً أو مكاناً، ويقال: أرض مضلة، فهذه الكسرة شاذة على كل حال، إن كانت في المصدر فهي شاذة على كل حال، وإن كانت في الزمان والمكان، إن كانت من مكسور المضارع فهي غير شاذة، هو المشهور في لغتنا.
كذلك مدب النمل، ومدبته، مكان من (دب) كـ(حن)، ففتحه شاذ؛ لأنه هنا من القاعدة الرابعة، فهو فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وهو مكسور المضارع، فمصدره بالفتح، وزمانه ومكانه بالكسر، ومدبة النمل مكان؛ فلذلك فتحه شاذ.
كذلك ( (محشر) (مسكن) (محل) من نزلا )، وهنا غلط في الترقيم، فعشرة وضع مكانها أربعة، وسار على هذا، فهذه كلها أمكنة من (حشر) و(سكن)، كـ(نصر) فيهما؛ أي: أن مضارعهما بالضم (يحشُر) و(يسكُن)، فهما من القاعدة الأولى، فكل واحد منهما فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ولا مكسور المضارع، اسم مصدره، واسم زمانه واسم مكانه بالفتح، فكسر المكان فيه شاذ.
وكذلك حل التلعة يحلها أيضاً كـ(رد)، فالكسر شاذ فيه أيضاً؛ فلذلك قال: ( محشر مسكن محل من نزلا)، هذه كلها الكسر فيها شاذ عن القاعدة التي ذكرناها، وهو المعروف في لغة العرب، المشهور بينهم، كثير من الشاذ عند اللغويين هو المشهور على الألسنة، شاذ عن القاعدة؛ لأننا نقعد قاعدةً، فما خالفها نعتبره شاذاً، وإن كان مشهوراً على الألسنة، وهي كلها مرفوعة متعاطفة، ما ذكر فيها حرف العطف، وما لم يذكر فيها.
ورد (حشر كضرب)، و(حل كحن)، فلا شذوذ حينئذ في ( محشر) و(محل)، وهذا قد سبق أن بيناه عند قولنا:
وفي الصحاح انبناء الضم فيه على لمح التعدي لذاك اللمح قد نقلا
فردًا بـ(ذب) و(نص) (غض) (حف به) و(حط) (عق) و(صف) (من) لا حللا
فقد ذكر هنالك أن الحضرمي ذكر عند قول ابن مالك : ( محل من نزلا ) أن حل تأتي كـ(حن) وتأتي كـ(رد)، وقوله: ( محل من نزلا )؛ أي: هذه كلها لمن نزل، فهي أمكنة، وهذا محله المكان لا الزمان، أما الزماني ففيه الكسر فقط على القياس، كما يقولون: رمضان محل الدين، معناه: زمان حلوله، فهذه فيها الكسر فقط على القياس، إذا كان من حل التي هي كـ(حن)، أما إن كانت من حل يحل فكسره أيضاً شاذ.
و(معجز) وبتاءٍ ثم (مهلكة) (معتبة) مفعل من (ضع) ومن (وجلا)
فهذه المصادر: معجز ومعجزة، ومهلك ومهلكة، ومعتب ومعتبة أسماء مصادر، أفعالها كـ(ضرب)، فهي من القاعدة الرابعة، فكسرها شاذ؛ لأن القاعدة الرابعة أن الفعل الثلاثي إذا كان مكسور عين المضارع، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، فاسم المصدر منه بالفتح، واسم الزمان والمكان بالكسر، فهنا هي مصادر؛ أي: أسماء مصادر، فكسرها شاذ.
نعم، ورد (عتب) كـ(نصر) (يعتب)، وعلى هذا تكون من القاعدة الأولى، و(عجز) و(هلك) كـ(فرح)، فتكون أيضاً (يعجز) و(يهلك)، فتكون من الأولى أيضاً، وعلى هذا فالكسر شاذ مطلقاً، سواءً كانت مصدراً أو زماناً أو مكاناً، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال:42]، وعليه يشذ الكسر مطلقاً، معناه: سواءً كان مصدراً أو زماناً أو مكاناً.
والمعتب بلا تاء إنما سمع فيه الفتح فقط، قال:
خلاي لو غير الحمام أصابكم عتبت ولكن ما على الدهر معتب
(أخلاي) قد أخطأ في كتابتها، أخلاي بالياء، (لو غير الحمام أصابكم)، معناه: لو كانت إصابتكم من غير الموت عتبت، معناه: عتبت على الذي أصابكم، (لكن ما على الدهر معتب).
والدهر ليس بمعتب من يجزع
فلذلك قال: معتَب هنا، ولم يقل معتِب.
( مفعل من (ضع) ومن (وجلا) )، كذلك (موضع) و(موجل) مكانان من (وضع) و(وجل) ففتحهما شاذ؛ لأنهما من القاعدة الثالثة من واوي الفاء، وواوي الفاء قد سبق أنه بالكسر مطلقاً، سواءً كان مصدراً أو زماناً أو مكاناً، ففتحهما شاذ.
وتقدم عن بدر الدين أن مفتوح العين منه (مفعَلة) بالفتح، وعليه فالشاذ الكسر، وأنه تعقب أباه، فذكر أن واوي الفاء، مفتوح العين منه، مفعله بالفتح فقط، وعليه يشذ الكسر فيها؛ لأن وجل يوجل كذلك وضع يضع.
معها من (احسب) و(ضربٍ) وزن مفعلةٍ (موقعة) كل ذا وجهاه قد حملا
كذلك مفعلة من حسب محسبة، وهي مصدر حسِب يحسِب أو يحسَب بالفتح والكسر -كما سبق-، وحسِب التي بمعنى: ظن سبق أنها (فعِل) بالكسر، وأن مضارعها فيه الوجهان: الفتح المقيس، والكسر الشاذ، فعلى هذا فإن كانت مفتوحة المضارع فالكسر يشذ فيها مطلقاً، سواءً كان للمصدر أو للزمان أو للمكان، وإن كانت مكسورة المضارع فيشذ الكسر فيها في المصدر فقط؛ لذلك قال: فكسره شاذ، فالمصدر يشذ كسره مطلقاً، سواءً كان المضارع مفتوحاً أو مكسوراً، والزمان والمكان يشذ كسرهما أيضاً إن كان المضارع مفتوحاً، وإن كان الوجهان فيه ظرفاً، كما هو ظاهر كلام المصنف وابنه، فلا شذوذ، إذا كان الوجهان هنا -الفتح والكسر- في الظرف؛ أي: اسم الزمان أو اسم المكان فلا شذوذ؛ لأنه إن كان من المفتوح فالكسر هو الشاذ، والفتح هو المقيس، وإن كان من مكسور المضارع فالكسر هو المقيس فيه، والفتح هو الشاذ، وعلى هذا فيمكن أن يكون -كما سبق في التلفيق- مفتوح الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل.
كذلك مضربة الدراهم وهي مكان من (ضرب)؛ أي: المكان الذي تضرب فيه الدراهم وتصاغ فيه، هذه من ضرب يضرب، فهي من القاعدة الرابعة، هي فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وهو مكسور المضارع، فمصدره بالفتح، وزمانه ومكانه بالكسر، وهنا مكان، ففتحه شاذ.
كذلك موقعة، وهي مكان من (وقَع)، والموقعة معناها: المكان الذي حصل فيه الوقوع، كمكان المعركة ونحو ذلك، فهي من القاعدة الثالثة، وهي قاعدة واوي الفاء، وهنا واوية الفاء، فالمصدر والزمان والمكان منها كلها بالكسر، ففتحه شاذ، كل هذا العدد الذي هو اثنان وعشرون (وجهاه قد حملا) عن العرب؛ أي: نقل عنهم، فكل هذه المذكورات فيها الفتح والكسر، لكن منها ما شذ فتحه، ومنها ما شذ كسره، ومنها ما يحتمل الوجهين، فما يتعين شذوذ الكسر فيه كـ(مظلَمة)، وكذلك (مطلَع)، كذلك (المجمع) (مجمع) و(محفدة) و(مذمة) و(منسك) و(مضنة)، ومما يحتمل الوجهين (مزَلة) و(مزِلة)، ومما يشذ فيه الكسر فقط (مفرق) و(مظنة)، ومما يشذ فيه الفتح فقط (مدب النمل)، وأما (محشر) و(مسكن) و(محل) فهي مما يمكن أن يكون الكسر فيه شاذاً، أو لا شذوذ فيه، ومعجز كذلك ومهلكة ومعتبة، فالكسر فيها هو الشاذ، وأما محسبة فهي محتملة للوجهين، ومحتملة لحصول الشذوذ في الكسر أو عدمه، وأما مضربة الدراهم فيتعين فيها شذوذ الفتح، وأما الموقعة فيتعين فيها الشذوذ أيضاً بالفتح؛ لأنها من واوي الفاء، فهذا العدد ثلاثة وعشرون، كله وجهاه قد حملا عن العرب.
والكسر أفرد لـ(مفرقٍ) و(معصيةٍ) و(مسجدٍ) (مكبرٍ) (مأوٍ) حوى الإبلا
هنا عد ما ينفرد فيه الكسر الشاذ، سواءً كان مصدراً أو زماناً أو مكاناً، فقال: والكسر أفرد؛ أي: أفرد الكسر الشاذ لمرفق، وهو من (رفق يرفق)، فهو من القاعدة الأولى، فالكسر فيه شاذ مطلقاً، سواءً كان مصدراً أو زماناً أو مكاناً، وبه قرئ (ويهيئ لكم من أمركم مَرفقاً) أو (مِرفقاً)، يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا [الكهف:16]، أو (مَرفقاً)، فمَرفقاً بفتح الميم هي محل الشاهد هنا؛ أي: رفقاً أو مكان رفق، أو زمانه أيضاً، كذلك المعصية، فهي من عصى معتل اللام، فكسره شاذ مطلقاً؛ لأن معتل اللام ذكرنا أنه قاعدته القاعدة الثانية وأنه بالفتح مطلقاً، وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة:8]، جاءت بالكسر مثل مرفقاً، وكذلك مسجد، وهو بيت الصلاة أو مكان المصلي، فتقول فيه: المسجد بالكسر، وهو من (سجد يسجد)، وهو محل القاعدة الأولى التي هي أن الفعل الثلاثي إذا كان غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ولا مكسور المضارع، فاسم المصدر، واسم الزمان واسم المكان منه بالفتح فقط، فكسره شاذ هنا، وأما المصدر، وهو موضع السجود فبالفتح، المسجد هو مكان السجود، والمصدر كذلك، فهذا على القياس بالفتح، كذلك المكبر، فهو مصدر من (كبر كفرح) إذا أسن، معناه: تقدم به العمر، فالمكبر شاذ فيه؛ لأنها (كبر يكبر)، فهي من القاعدة الأولى، ومنه قول الشاعر:
تقول يا شيخ أما تستحي من شربك الخمر على المكبر
إنك لو باكرت مشمولةً صفرا كلون الفرس الأشقر
رحت وفي عينيك ما فيهما وقد بدا منك من المئزر
فهنا قال: المكبر بمعنى: الكبر، فهو مصدر هنا من (كبر يكبر)، فكسره شاذ.
ثم قال: ( (مأو) حوى الإبلا )، فهذا مكان من أوت الإبل تأوي، فهو من القاعدة الثانية، وهو معتل اللام، فكسره شاذ، وقد جعله في التسهيل من ذي الوجهين، جعل فيه المأوي والمأوى، وعلى هذا فالكسر هو الشاذ، والفتح على القياس، وكان اللازم أن يذكر مع ما سبق مما فيه الوجهان، أما إن كان لغير الإبل فبالفتح فقط على القياس، مثل قوله تعالى: وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ [آل عمران:162]؛ لأن المأوِي بالكسر شاذ، وهو خاص بالإبل، أما ما سواها فيقال فيه: مأوى، و(مأو) هكذا ينطق من المنقوص، مثل قاض، إذا عرفتها بـ(أل) تقول: القاضي، وليال إذا عرفتها بـ(أل) تقول: الليالي، وتثبت الياء، فكذلك هنا المأوي تثبت الياء، أما إذا حذفت (أل) فتقول: مأو، مثل قاعدة المنقوص كله؛ فلذلك قال: ( مأوٍ حوى الإبل ) بخصوصه.
من (ايو) و(اغفر) و(عذرٍ) و(احم) مفعلة ومن (رزا) و(اعرف) (اظنن) (منبت) وصلا
ثم قال: (من (ايْوِ) و(اغْفِرْ) و(عُذْرٍ) و(احْمِ) مَفْعِلةٌ) أو مفعِلةً، معناه: وأفرده أيضاً، وأفرد الكسر أيضاً لمفعلة من (ايو)، وهي مأوية، ومفعلة من (اغفر)، وهي مغفرة، ومفعلة من (عذر) وهي معذرة، ومفعلة من (احم)، وهي محمية، فهذه كلها مصادر من (أوى) له كـ(رمى) بمعنى: (رقى)، فكسرها شاذ؛ لأنها من القاعدة الثانية، يعني من معتل اللام، وكذلك (غفر يغفِر)، فهي من القاعدة الرابعة، فكسر المصدر فيها شاذ، وكذلك معذرة أيضاً، فهي من (عذر يعذر)، فكسر المصدر فيها شاذ؛ لأنها من القاعدة الرابعة، وكذلك محمية، فهي من (حمي) كـ(رضي)، حمي أنفه كـ(رضي) بمعنى: أنف، فهي من معتل اللام من القاعدة الثانية، فالكسر شاذ فيها، وهي من محمية قول النابغة الذبياني :
فكر محميةً من أن يفر كما كر المحامي حفاظاً خشية العار
محميةً بمعنى: أنفة، وكان معاوية رضي الله عنه كثيراً ما يتمثل بهذا البيت:
متى تجمع القلب الذكي وصارماً وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم
ولذلك قال: (من (ايْوِ) و(اغْفِرْ) و(عُذْرٍ) و(احْمِ) مَفْعِلةٌ) أو مفعِلةً، أقصد مفعلة؛ أي: أفرد لمفعلة من هذه المذكورات.
قال: ( ومن (رزا) و(اعرف) (اظنن) (منبت) ).
فكذلك أفرد الكسر أيضاً لمفعلة من هذه المذكورات، من رزا، والمقصود بذلك، المرزية، واعرف، والمقصود به: المعرفة، فهما مصدران رزأه كـ(منع)، فهو من القاعدة الأولى، فكسره شاذ، وكذلك عرف يعرف، فهو من القاعدة الأخيرة، فكسره مصدراً شاذ، ورزأه بمعنى: نقصه:
إن سليمى والله يكلؤها ضنت بشيء ما كان يرزؤها
الله يكلؤها بمعنى: يحفظها، ضنت بشيء ما كان يرزؤها؛ أي: ما كان ينقصها.
وكذلك اظنن، فهي مظنة قد سبقت:
فصوائق إن أيمنت فمظنة منها وحاف القَهر [أو القِهر] أو طلخامها
وهما مكانان من (ظن) و(نبت)، فمنبت أيضاً من (نبت ينبت)، فهي من القاعدة الأولى، كذلك (ظن يظن)، هي من القاعدة الأولى، وكسره شاذ في كليهما، ومنه قول الشاعر:
أرى كل عود نابتاً في أرومة أبى منبت العيدان أن يتغيرا
أبوك حباب سارق الضيف برده وجدي يا حجاج فارس شمرا
بنو الصالحين الصالحون ومن يكن لآباء صدق يلقهم حيث سيرا
قوله:
أرى كل عود نابتاً في أرومة أبى منبت العيدان أن يتيغرا
أو في أَرومة، فالأُرومة والأَرومة أيضاً بمعنى: المنبت، منبت العيدان بالكسر، لم يقل: منبَت، هي من (نبت ينبت)، القاعدة الأولى فكسره شاذ.
من (ايو) و(اغفر) و(عذرٍ) و(احم) مفعلة ومن (رزا) و(اعرف) (اظنن) (منبت) وصلا
بمفعلٍ (اشرق) مع (اغرب) و(اسقطن) (رجع) (اج زر) ثم (مفعلة) (اقدر) و(اشرقن) بخلا
أي: صل هذه المذكورات بمفعل، اشرق، مع اغرب، واسقطن، فالمشرق والمغرب ومسقط الرأس، فكلها أمكنة أفعالها كنصر؛ أي: مضارعها مضموم، فهي من القاعدة الأولى، فكسرها شاذ على كل حال، وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة:115]، فجاء الكسر فيها على الشذوذ.
وقول الحريري :
مسقط الرأس سروجُ وبها كنت أموجُ
مسقط الرأس بالكسر.
كذلك المرجع، فهو من (رجع يرجع)، فهو من القاعدة الرابعة، فإن كان مصدراً فكسره شاذ، ومنه قوله تعالى: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا [يونس:4]، فإن كانت مصدراً فالكسر فيها شاذ، وإن كانت مكاناً فلا شذوذ.
كذلك صله بمفعلة اجزر، وهي المجزرة، وهي مكان من (جزر يجزر) كـ(نصر)، فيكون من القاعدة الأولى، فكسره شاذ، وجاء كـ(ضرب)، فيكون من القاعدة الرابعة، فكسره شاذ أيضاً إذا كان مصدراً، أما إن كان مكاناً فلا شذوذ فيه على أنه كـ(ضرب)، هو مني مزجر الكلب، هذه ليست من جزر، بل هذه من (زجر) بمعنى: طرد، وهذه كـ(نصر) وهي شاذة، على كل حال، ومنه قول أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه:
وما زال مهري مزجر الكلب منهم لدن غدوةً حتى دنت لغروب
فالمزجر من زجر، معناه: مكان زجره؛ أي: المكان الذي يزجر منه الكلب، أما الأولى فمن جزر بمعنى: نهر وذبح.
بمفعلٍ (اشرق) مع (اغرب) و(اسقطن) (رجع) (اج زر) ثم (مفعلة) (اقدر) و(اشرقن) بخلا)
و(اقبر) ومن (أربٍ) وثلث اربعها كذا لـ(مهلكٍ) التثليث قد بذلا
فيقول: إن من الشاذ أيضاً المفعلة من (قدر)، وهي المقدرة، وكذلك من (شرق)، وهي المشرقة، وكذلك من (قبر)، وهي المقبرة، وكذلك من (أرب يأرب)، وهي المأربة؛ لأن الأول وهو قدر، والأخير وهو أرِب أو أرَب، مصدران من (قدر) كـ(نصر)، و(أرب أرباً) كـ(فرح فرحاً) بمعنى: غرض، ومنه قول الله تعالى: وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:18]، وهي جمع مأربة، لا من (أرُب) كـ(كرُم) فهو أريب، وهذه بمعنى: الأديب والبليغ، وأما المشرِقة والمقبِرة فهو مكانان من قبره كنصر، فهي من القاعدة الأولى، فكسره شاذ، وجاء كـ(ضرب) فتكون من القاعدة الأخيرة، فكسره مصدراً أيضاً شاذ، لكن لا شذوذ حينئذ في مكانه، وكذلك (شرق) كـ(نصر) فهو من القاعدة الأولى، ومعناها: قعد في الشمس عند شروقها، أي قعد خارج الظل عند شروق الشمس، أي تعرض للشمس وقت شروقها؛ ولهذا قال: ( واشرقن بخلا ) أي: بخلاء وهو مكان لا ظل فيه.
ثم شرع في ذكر الضم، فقال: ( وثلث أربعها )، فهذه المذكورات الأربعة كلها ليست مما انفرد فيه الكسر، بل فيها الفتح أيضاً (المقدرة) و(المشرقة) و(المقبرة) و(المأربة)، وفيها الضم كذلك، والضم لم نسمعه من قبل، ولم نذكره في المقيس، فليس جارياً في شيء من القواعد الأربع، القواعد الأربع كلها ما بين فتح وكسر، فالضم لا يكون إلا شاذاً، الضم في المفعل لا يكون إلا شاذاً؛ ولذلك قال: وثلث أربعها بنقل الهمزة، بالضم الشاذ، والفتح المقيس، إلا في مقبرة إن كان من (قبر) كـ(ضرب)؛ لأنها إن كانت مكاناً فالكسر فيها على القياس، لأن هذه القاعدة الرابعة -كما بينا-.
قال: (كَذَا لِـ(مَهْلكٍ) التَّثْلِيثُ قَدْ بُذِلا)، المهلَك والمهلِك والمهلُك بالتثليث قد بذلا، المهلِك والمهلَك والمهلُك مكان الهلاك، أو زمانه، أو مصدره، فهو مثلث، يقال فيه: المهلِك والمهلَك والمهلُك، وهو من (هلَك يهلِك)، أو من (هلَك يهلَك)، فإن كان من (هلَك يهلَك)، فهو من القاعدة الأولى، فكسره شاذ مطلقاً وكذلك الضم، وإن كان من (هلَك يهلِك)، فهو من محل القاعدة الرابعة، فإن كان مصدراً، فكسره شاذ مطلقاً، وإن كان مكاناً أو زماناً، وإن كان من القاعدة الرابعة فهو قياسي، والضم شاذ مطلقاً فيه، (والتثليث قد بذلا) له؛ أي: أعطي له.
ونون (محنية) الوادي كذلك مع حرف اعتلالٍ يضاهي ما به شكلا
(محنية الوادي) أي: منحناه ومكان ميله واعوجاجه، فهو من حناه يحنيه، فهو من القاعدة الثانية، وهي معتل اللام، فكسره شاذ مطلقاً، وكذلك ضمه، والفتح فيه مقيس، لكنه مع الفتح يؤتى فيه بالألف، ومع الكسر يؤتى فيه بالياء، ومع الضم يؤتى فيه بالواو؛ فلهذا قال: ( ومع حرف اعتلال يضاهي ما به شكلا )، فتقول: محنية ومحناة ومحنوة.
تثليث (ميسرةٍ) صحح و(مزرعةٍ) وفتح (مزبلةٍ) وضمها قبلا
يقول الحسن : تثليث ميسرة صحح؛ أي: صحح تثليث ميسرة، وهي من يسر، فإن كانت مصدراً بمعنى: اليسر، فكسره شاذ؛ لأنه من القاعدة الرابعة؛ لأن فعله كضرب، يسر ييسر، وإن كانت زماناً أو مكاناً، فالكسر فيها مقيس، وعلى هذا فالضم شاذ مطلقاً فيها، والكسر إن كانت مصدراً أيضاً شاذ، وكذلك الميسر بهذا المعنى، ومنه قول حسان رضي الله عنه:
ونبئت أن أبا منذر يساميك للحارث الأكبر
قفاؤك أحسن من وجهه وأمك خير من المنذر
ويسرى يديك على عسرها كيمنى يديه على المعسر
( ومزرعة )، وهي مكان من (زرع يزرع) كـ(منع)، فيكون من القاعدة الأولى، فكسره شاذ، وكذلك الضم فيه شاذ.
( وفتح مزبلة وضمها قبلا )، أما المزبلة فلا يروى فيها الكسر، وإنما يروى فيها الفتح والضم، فيقال فيها: المزبلة والمزبلة، وهي مكان وضع الزبل، فهي مكان من زبل، فالضم فيها شاذ، فهو من القاعدة الرابعة، زبل الأرض يزبلها بالكسر كـ(ضرب)، بمعنى جعل فيها الزبل، وفي المصباح أن (زبل الأرض) من باب (قعد)، على هذا تكون من القاعدة الأولى، فالكسر فيها شاذ مطلقاً، إن لم يسمع، وعلى كل ففيها الضم الشاذ، والفتح المقيس.
كذلك المحبرة حكي فيه الفتح والضم، وهو مكان الحبر الذي هو المداد النقس الذي يكتب به، فالآلة التي يوضع فيها أو ما يحفظ فيه يسمى محبَرةً أو محبُرةً بالضم، فمحبَرة على القياس، ومحبُرة على الشذوذ.
و(مألك) (مكرم) و(معون) وبتا تنضم فردًا وما ينضم قد كملا
(ومألك)، بلا تاء أو بتاء أيضاً، تقول: المألك والمألكة، وهو الرسالة، فسمع فيه الضم، ولا يسمع فيها الكسر، ولا الفتح، فيها الضم الشاذ فقط، ومنه قول عدي بن زيد :
أبلغ النعمان عني مألكاً أنني قد طال حبسي وانتظاري
لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري
(أبلغ النعمان عني مألُكاً) أي: رسالةً، (أنني قد طال حبسي وانتظاري)، (أنني قد طال حبسي وانتظاري).
(لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري)، فقوله: مألُكاً بالضم، فقط على الشذوذ.
كذلك مكرُم فهي بالضم فقط، يقال: المكرمة، وجمعها مكرمات، ومنه قول الحريري :
سم سمةً تحمد آثارها واشكر لمن أعطى ولو سمسمة
والمكر مهما اسطعت لا تأته لتقتني السؤدد والمكرمة
فمه إذا استجديت عن قول لا فالحر لا يملأ منها فمه
والمهر مهر الحور وهو التقى بادره قبل الشيب والمهرمة
المعون أيضاً سمع فيه الضم، وبالتاء، يقال: المعونة، من (أعانه معونةً)، فليست من هذا الباب في الأصل، فهي من الرباعي، لا من الثلاثي، لكن سمع فيها الضم على أنها مفعول، ومفعلةً، وهي مفعولة أيضاً ذكرها هنا، وقال هنا: ومعون فأثبت الضمة على الواو، وهذا لا يمكن أن يكون في العربية.
بل:
لساكن صح انقل التحريك من ذي لين آت عين فعل كأين
يجب نقل حركته للساكن الصحيح قبله، فيقال: معُون حينئذ، ولكن البيت لا يتزن لو قلتها، فالشيخ رحمه الله صوبه بالتقديم والتأخير، فقال:
و(مألك) (مكرم) و(معون) وبتا تنضم فردًا وما ينضم قد كملا
(وبتا تنضم فرداً)، كذلك هذه المذكورات بالتاء أيضاً، مألكة ومكرمة ومعونة تنضم فرداً، فليس فيها الفتح، ولا الكسر.
وأعان من الرباعي، مثل قوله: وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ [الفرقان:4].
وجاء في القاموس: المألُكة بالضم، وتفتح الرسالة: فجعل الفتح فيها، لكن الذي ذكره الحضرمي أنها بالضم فقط؛ لذلك قال هو: وما ينضم؛ أي: المضموم مما وقفت عليه، (ما ينضم قد كملا)، من الميمي أو اللامية، ما ينضم من الميمي؛ معناه: ما فيه الضم من الميمي من المفعل، هو المفعل أو المفعلة، أو إلى اللامية؛ أي: الذي يضمه هو إلى اللامية من الزيادات، قد كمل حقيقةً في الميمي؛ لأنه انتهت زياداته فيه، وحكماً في التوشيح، وهو ما أضافه إلى اللامية، ووشحها به، حلاها به؛ لذلك قال: ( وما ينضم قد كملا ) أي: المضموم في لسان العرب كله محصور فيما ذكر، ولم يبق عليه إلا المحبرة، وقد ذكرنا أنها لغة في المحبرة، وكذلك ما ينضم إلى اللامية، قد كمل حكماً؛ لأنه لم يبق منه إلا القليل، ما ينضم من المفعل على سبيل الحصر، وأما ما ينضم إلى اللامية حكماً؛ لأنه لم يبق منه إلا الشيء اليسير.
وكالصحيح الذي اليا عينه وعلى رأيٍ توقف ولا تعد الذي نقلا
نحن ذكرنا معتل الآخر، وجعلنا له قاعدةً من القواعد الأربع، وذكرنا واوي الفاء، وجعلنا له قاعدةً مستقلةً أيضاً، أما العين (الحرف الأوسط)، فما حكمه؟ قال: إن فيه أربعة أقوال لأهل الصرف:
القول الأول: أنه كالصحيح، وهذا هو القول الصحيح؛ ولذلك قال: وكالصحيح- على الصحيح- الذي الياء عينه، فيفتح مصدراً، ويكسر ظرفاً، مثل عابه يعيبه، فهو من القاعدة الثالثة؛ لأنه فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، ومضارعه بالكسر، فمصدره بالفتح، وزمانه ومكانه بالكسر، ومنه قول الشاعر:
أنا الرجل الذي قد عبتموه وما فيه لعياب معاب
معاب هنا: من (عابه يعيبه) فهي من اليائي عيناً، واليائي عيناً من (فَعَل) بالفتح -كما تعلمون- مكسور المضارع، ومنه قول الله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فحاضت المرأة تحيض، يائي العين أيضاً، فهو فعل ثلاثي، غير واوي الفاء، ولا معتل اللام، وهو مكسور المضارع، فاسم مصدره بالفتح، واسم زمانه، واسم مكانه بالكسر، وعلى هذا يقال: المحيض، فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، ولا يقال: المحيض.
القول الثاني: هو قوله: (وقيل أنت بالخيار فيهما) معناه: وقالت طائفة من اللغويين: أنت بالخيار فيهما؛ أي: المصدر والظرف، فإذا شئت فافتح، وإذا شئت فاكسر، وحملوا عليه قوله تعالى: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124].
وكذلك قوله تعالى: وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [النبأ:11]، فقالوا: فتح هنا، وكسر هنا، فقال: (معاشاً)، وقال: (معيشةً)، وهي من عاش يعيش، من اليائي عيناً، لكن يجاب عن هذا بأن معاشاً من المصدر، فهو مفتوح، وأما قوله: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً [طه:124]؛ أي: مكان عيشة، تجعل مكاناً، لا مصدراً هنا، تؤول بأنها مكان لا مصدر، فالمفتوح لا إشكال فيه، لكن المشكلة في المكسور هنا.
هذا القول الأصح من أربعة أقوال، ذكرنا القول الصحيح، وهو أنه كالفعل الصحيح العين.
القول الثاني: أنك بالخيار في المصدر، واسم الزمان، واسم المكان.
القول الثالث: هو الذي أشار له بقوله: (وعلى رأي توقف). على رأي جعله في التسهيل، هو الأولى، (توقف) أي: قف عند السماع، ولا تعده؛ لذلك قال: ( ولا تعد الذي نقلا ) فيهما؛ أي: في المصدر، والزمان والمكان، ولا يقاس عليه، فمثلاً المحيض ما جاء إلا بالكسر، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222].
وكذلك ما يميل مميلاً أيضاً، لم يأت إلا بالكسر، ومنه قول الراعي النميري في قصيدته التي يخاطب بها عبد الملك بن مروان، مطلعها:
ما بال دفك بالفراش مذيلا أقذى بعينك أم أردت رحيلا
هذه يقول فيها:
إن الذين أمرتهم أن يعدلوا لم يفعلوا مما أمرت فتيلاً
أخذوا المخاض من الفصيل غلبةً قصراً ويكتب للأمير أفيلا
قد سبق لنا هذا الشاهد:
أزمان قومي والجماعة كالذي لزم الرحالة أن تميل مميلا.
يقول هنا: إنه وقبيلته لزموا الجماعة، ولم يفارقوها، فلم يخرجوا مع الخوارج؛ لذلك قال:
ما إن أتيت نجيدة بن عويمر أبغي الهدى فيزيدني تضليلاً
صغر اسمه، واسم أبيه، و نجدة بن عامر أمير الخوارج، قال:
ما إن أتيت نجيدة بن عويمر أبغي الهدى فيزيدني تضليلا
أزمان قومي والجماعة كالذي لزم الرحالة أن تميل مميلا
(والجماعة) الواو هنا بمعنى: مع، بمعنى: مع الجماعة، (كالذي لزم الرحالة أن تميل مميلاً)، فيكون موافقاً لها، على كل حال يسير معها، فهنا قال: مميلاً، ولم يقل: ممالاً، وهي مصدر.
فهو فقط يريد أن يخفض عنهم الأعباء، ما يأخذه السعاة؛ لأن السعاة يأخذون الزكاة، وربما حافوا على أهل البادية، وأهل البادية غير فقهاء، لا يعرفون ما يجب في أموالهم من الزكاة، فهو يزعم أن هؤلاء السعاة يأخذون أكثر مما يستحق، أحياناً أيضاً يتجنى الشعراء عليهم.
القول الرابع: هو قول الحضرمي : يقاس في الظاهر الكسر، لكثرة وروده، فيرد مع الفتح، كـ(معاب) و(معيب) و(معاش) و(معيش)، ودونه كـ(مبيت) و(مقيل) و(مصير).
وحده دون الفتح، فيكون الكسر هو المقيس، ويكون الفتح هو الشاذ فيه، مطلقاً عليه، سواءً كان مصدراً أو زماناً أو مكاناً، نحو: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة:126]، وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:97]، فلا يقال: مصار، بخلاف الفتح؛ ولأن فيه فرقاً بين اليائي والواو، فالواو بالفتح كـ(مقام) من (قام)، و(معاد) من (عاد)، و(ممات) من (مات)؛ فلذلك التفريق أصل صرفي؛ لذلك قلنا: فيما ليس فيه جالب، ولا شهرة من (فَعَل) بالفتح؛ لأن بعض الصرفيين قال: يحمل على الكسر، وهذه المسألة فيها أربعة أقوال، وهي ثالثة المسائل الصرفية التي ذكرنا فيها أربعة أقوال، قد ذكرنا أربعة أقوال في فعل، عند فقد الجالب، والشهرة.
عين المضارع من فعلت حيث خلا من جالب الفتح كالمبني من عتلا
فاكسر أو اضمم إذا تعيين بعضهما لفقد شهرةٍ او داعٍ قد اعتزلا
وذكرنا أربعة أقوال في قياس التعدية بالهمزة في (أفْعَلَ)، والآن هذه المسألة هي الثالثة مما فيها أربعة أقوال، هنا بيتان أضافهما ابن الناظم، ابن الحسن اسمه يحيى ، ويلقب بـحي بن الحسن بن زيد ، أضاف هذين البيتين استدراكاً على والده، فذكر فيهما محل شذوذ الفتح، هذان البيتان كتبا في المتن وكان اللازم ألا يكتبا فيه.
وشذ بالفتح (ممسانا) و(مصبحنا) و(مخدع) (مجزأ) (مأوى) ومعه جلا
في كلها قيسها إلا الأخير فلم يضمم وذا كله المصباح قد نقلا
فممسانا ومصبحنا، هذه مفعل من أمسى وأصبح، فليست أصلاً من هذا الباب، فهي شاذة، وهي للمكان والزمان، ممسانا، معناه: وقت المساء، ومصبحنا: وقت الصباح، وكذلك الممسى، معناه: مكان الإمساء، والمصبح: مكان الإصباح.
وكذلك المخدع أيضاً، من (أفعل) من أخدعته، إذا أخفيته، المخدع الذي في البيت: المكان الذي يوضع فيه ما يخفى فيه، فهذا أيضاً من الرباعي، وليس من الثلاثي، فهو شاذ بالفتح.
كذلك مجزأ، وهو من أجزأت عنك مجزأ فلان؛ أي: نمت عنك هذا المنام، فهو من الرباعي أيضاً.
وكذلك مأوىً من آويت فلاناً؛ أي: جعلت له مأوىً، وهذه عدها غلط؛ لأنها ليست من الرباعي في الواقع، ليست من آوى، وإنما هي من أوى، فهذه كلها كان اللازم فيها أن تكون بضم أولها، كما يأتي فيه المفعل من غير الثلاثي -مثلما نذكره في القاعدة الآتية إن شاء الله،- فلم يسمع فيها الضم؛ أي: ضم الحرف الأول منها، لم يسمع ممسانا ومصبحنا ومخدع ومجزأ ومؤوىً.
(في كلها قيسها) معناه: كلها جاء فيه القياس، فيقال: ممسانا ومصبحنا ومخدع ومجزأ، إلا الأخير، وهو مأوىً، فلم يسمع فيه مؤوىً.
( فلم يضمم وذا كله المصباح قد نقلا )، هذا ذكره صاحب المصباح فيه، لكن هذان البيتان كان اللازم أن يؤخرا عن قوله:
وكاسم مفعول غير ذي الثلاثة صغ منه لما (مفعل) و(مفعل) جعلا
لأنهما يتعلقان بغير الثلاثي.
بعد قوله: ( وكاسم مفعول غير ذي الثلاثة صغ لما له مفعل أو مفعل جعلا ).
كان اللازم أن يجعل هنا بعد هذا البيت، وما أدري، هذا تنظيم الأقوال الأربعة.
يقول:
فهكذا من الخلاف قد ورد في مفعل ... عينه الياء فقط
قيل كما صح وبالخيار قول وقول بالسماع جاري
وقاس قوم كسره لأنه يأتي مع الفتح ويأتي دونه
فانفردت عشر بكسر..
خطأ يعني.
فانفردت عشر بكسر كمشيب وكذا مجيء ومزيد ومعيب
كذا مبيت ومقيل ومسير ثم محيض ومبيع ومصير
واشتركا في كالمعيب والمكيل كذا المعيش والمحيص والمميل
ولم يجد ما اختص بالفتح على ما قاله جل النحاة الفضلا
وقوله: (لم يجد ما اختص بالفتح) كان اللازم أن يقول: ولم أجد، والظاهر أنها هكذا.
بالنسبة لاسم المصدر، واسم الزمان، واسم المكان من غير ثلاثي كله تنتظمه قاعدة واحدة، وهي أنه يصاغ على وزن اسم المفعول مطلقاً؛ ولهذا قال:
وكاسم مفعول غير ذي الثلاثة صغ منه لما (مفعل) و(مفعل) جعلا
معناه: صغ للدلالة على ما صيغ له من الثلاثي مفعل أو مفعل، وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [الإسراء:80]، فهذه من (أدخله يدخله)، فهو مدخل، فتأخذ المصدر، والزمان والمكان أيضاً على مدخل، (مدخل صدق)؛ أي: إدخال صدق، حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:76]، هذا على وزن اسم المفعول، استقر، لو كانت متعديةً، لكان مفعولها مُستقر، يقول: وهذا المكان مستقر فيه، كذلك مُقام من (أقام)، لو كانت متعديةً، لكان اسم المفعول منها مُقاماً، تقول فيه: هذا المكان مقام فيه؛ فلذلك تصوغ اسم المصدر، واسم الزمان، واسم المكان على هذا الوزن، فتقول: مُستقراً ومُقاماً؛ أي: مكان استقرار، ومكان إقامة، في الظرف، في محتملهما هذه ستأتينا.
وقوله: وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ [المؤمنون:29]، هذه قراءة الضم، القراءة الأخرى: (رب أنزلني مَنزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين)، هذه سبقت، وهي قراءة شعبة ، لكن قراءة الضم هي قراءة الجمهور (أنزلني منزلاً مباركاً)، هذه من (أنزل)، فـ(أنزل فلان فلاناً) فـ(فلان مُنَزل)، وهذا القرآن مُنَزَّل، وقد جاء ذلك في القرآن، في وصفه، (( مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ )) [الأنعام:114].
هذه (رب أنزلني مَنزلاً مباركاً) سبقت من الثلاثي، تكون من (نزل) الثلاثي، لكن المنزل من (أنزل) فهي صيغة اسم المفعول، ومع ذلك يقصد بها المصدر والزمان، والمكان، فتكون اسم مصدر، واسم زمان، واسم مكان، وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا [المؤمنون:29]؛ أي: مكان نزول، أو زمان نزول، أو مصدر، فإما يتعين كونه مصدراً، قوله: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [الإسراء:80]، معناه: إدخال صدق، وإما يتعين كونه ظرفاً، قوله: حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:76]، أو سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:66]، ومما يحتملهما -ما يحتمل المصدرية والظرفية- قوله: رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا [المؤمنون:29]، هذا يحتملهما؛ لذلك قال: في محتملهما؛ أي: في محتمل المصدرية والظرفية، ويمكن أن يكون ظرفاً، ويمكن أن يكون مصدراً.
بقي لنا من أوجه الاشتقاق وجهان: أحدهما ما تسمى به الأرض من اسم ما كثر فيها، فيشتق لها اسمٌ من اسم ما كثر فيها، وكذلك الاسم الذي يشتق للآلة التي يعمل بها الفعل من المادة التي منها ذلك الفعل، فهذان وجهان من أوجه الاشتقاق، بدأ بالأول منهما، فقال:
( فصل: في بناء اسم الأرض من اسم ما كثر فيها ).
والمقصود ببناء اسم الأرض؛ أي: هذا فصل موضوع لصياغة اسم للأرض من اسم ما كثر فيها، سواءً كان من نبات، أو حيوان، أو غير ذلك، فكل ما كثر في أرض، وأردت أن تشتق لتلك الأرض اسماً من اسم ما كثر فيها فإن ذلك وجه من أوجه الاشتقاق ذكرها، على الأوزان التالية؛ فلذلك قال:
من اسم ما كثر اسم الأرض (مفعلة) كمثل (مسبعةٍ) والزائد اختزلا )
( من ذي المزيد كـ(مفعاةٍ)، و(مفعلة) و(أفعلت) عنهم في ذلك احتملا
أي: إن اسم الأرض المشتقة من اسم ما كثر فيها يكون على وزن مفعلة، هذا إذا كان ذلك الاسم ثلاثياً في الحال، فقوله: (اسم الأرض) الدال على وصفها بكثرة ما صيغ منه؛ أي: بكثرة ما صيغ منه ذلك الاسم، وهذا غير مقيس، بل إنما هو مطرد كثير فقط، يكون على وزن (مَفْعَلة) بفتح العين، وذلك؛ كمثل (مَسْبَعة)، فتقول: أرض مسبعة؛ أي: كثيرة السباع، وأرض مَأْسَدَةٌ؛ أي: كثيرة الأسود، وهذه من: سبُعٍ وأسَدٍ، وكلاهما اسم ثلاثي، وكذلك مَذْأَبةٌ؛ أي: كثيرة الذئاب، وهذه من: ذئب، وهو اسم ثلاثي، ومَضَبَّةٌ؛ أي: كثيرة الضِبَاب وهي جمع ضَبٍّ، وضب أيضاً اسم ثلاثي، فقلنا: إن كان ثلاثياً في الحال، أو كان مزيداً فيه، وهو قوله: ( والزائد اختزلا )، أما إذا كان الاسم مزيداً فيه وأصله ثلاثي- فهو ثلاثي الأصل، لكنه مزيد فيه في الحال- فإنه يحذف الزائد منه؛ فلذلك قال:
(والزائد اختزلا من ذي المزيد )، (اختزل) بمعنى: حذف، (من ذي المزيد) أي: من الثلاثي المزيد فيه، وذلك كقولهم: أرض مفعاة، معناه: كثيرة الأفاعي، وأرض مَقْثَاة، معناه: كثيرة القِثَّاء، وأرض مَبْطَخَة: كثيرة البطيخ، وأرض مَذَبَّةٌ: كثيرة الذباب، وأرض مَدَبَّةٌ: كثيرة الدُبَّاء، فهذا بعضه للحيوانات، وبعضه للنباتات، فمَفْعاة وكذلك مذبة من الحيوانات، وأما مقثاة ومبطخة ومدبة فهي من النبات.
وقد حذف الزائد من هذه الأسماء، فالزائد في (أفعى) هو الهمزة، ولذلك حذف، وكذلك الزائد في (قثاء) هو التضعيف والهمزة، وقد حذف ذلك، كذلك في (بطيخ) التضعيف والياء، ولذلك قيل: مبطخة، والزائد في (ذباب) الألف فقط، والزائد في دباء الألف الممدودة وقبلها التضعيف.
قال: (وَ(مَفْعِلَةٌ) وَ(أَفْعَلَتْ) عَنْهُمُ فِي ذَلِكَ احْتُمِلا).
كذلك يقال: أرض مُفْعِلَة، وهي على صيغة اسم الفاعل، من: أفعلت الأرض، ولذلك يصاغ لها فعل أيضاً على وزن أفعل، فيقال: أبقلت الأرض، بمعنى: كثر فيها البقل، وأعشبت، بمعنى: كثر فيها العشب، وأضبت، كثر فيها الضباب، وأبطخت، كثر فيها البطيخ، فهي: مبقلة، ومعشبة، ومضبة، ومبطخة، فإذاً يصاغ الفعل من هذا الاسم للأرض، ثم يصاغ من ذلك الفعل اسم فاعل لها على أنه صفة مشبهة، والواقع أن الوصف من غير الثلاثي كله اسم فاعل ما عدا مستقيم الرأي ومعتدل القامة كما سبق، لكن هذا الاسم أيضاً الذي يصاغ للأرض من اسم ما كثر فيها إذا كان على وزن اسم الفاعل، فهو صفة مشبهة لاسم فاعل.
غير الثلاثي من ذا الوضع ممتنع وربما جاء منه نادر قبلا
أما غير الثلاثي، فإنه لا يصاغ للأرض اسم منه؛ فلذلك: قال: ( غير الثلاثي من ذا الوضع ممتنع )؛ أي: لا يوضع للأرض منه اسم، وذلك؛ كضفدع وسفرجل، فضِفْدَع رباعي، وسفرجل خماسي، لا ضفدع، كضفدع وسفرجل.
( وربما جاء منه نادر قبلا ).
قد يأتي في لغة العرب أن يصاغ للأرض اسم من اسم ما كثر فيها، إذا كان اسمه أكثر من ثلاثة أحرف أصلية فيقولون: أرض مُعقرِبة بفتح ما قبل الراء؛ أي: كثيرة العقارب، ومُثعلِبة كثيرة الثعالب، وعقرب، وثعلب رباعيان.
بالنسبة لـسيبويه يفتح ما قبل الآخر، و أبو زيد الأنصاري يكسر ما قبله، وربما حذف الزائد أيضاً فأرجعت إلى ثلاثة أحرف، وقيل: أرض مُعقَرة أو مَعقَرة من العقارب، وهذا النوع يقاس على الجمع، ففي الجموع يحذف الزائد، فيقال: فرازد لجمع فرزدق، أو فرازق أيضاً لجمع فرزدق، فكذلك هنا.
انتهينا من هذا الوجه، فنصل إلى الوجه الأخير، وهو بناء اسم الآلة التي يصنع بها الفعل من ذلك الفعل أي اشتقاقها منه، هذا الوجه الأخير من أوجه الاشتقاق.
قال: ( فصل في بناء الآلة )، والبناء دائماً بمعنى: الصياغة، كما سبق، والآلة معناه: التي يعمل بها الفعل، وهذا تفسير للآلة؛ لأنه لو قال: لبناء الآلة لكفى هذا، معنى كونها آلةً أنها يعمل بها الفعل، لكن أراد في بناء اسم من آلة من الفعل الذي يعمل بها، هذا معنى الفصل، في بناء اسم للآلة من الفعل الذي يعمل بها، فقال:
كـ(مفعلٍ) وكـ(مفعالٍ) و(مفعلةٍ) من الثلاثي صغ اسم ما به عملا
صغ اسم ما عملا به، وهو الآلة من الثلاثي على وزن (مِفْعَل)، وذلك؛ كـ(خاط الجبة يخيطها)، فالآلة التي يخاط بها تسمى: مِخْيَطاً، و(نَبَر) بمعنى: رفع صوته، فالآلة التي يرفع بها الصوت تسمى: مِنْبَراً، أو يرتفع عليها الإنسان تسمى: مِنبراً، كذلك، و(حَجَمه): الآلة التي تعمل بها الحجامة تسمى: مِحْجَماً، و(شَعَب الشيء)، فالآلة التي يشعب بها تسمى: مِشَعباً.
كذلك يكون على وزن (مِفعال)، وذلك؛ كـ(ساك فاه يسوكه)، فآلة ذلك هي المِسواك، ومنه قول الشاعر:
تسقي امتياحاً ندى المسواك ريقتها كما تضمن ماء المزنة الرصف
وهنا الفصل بين المتضاءفين ندى المسواك ريقتها، معناه: ندى ريقتها تسقي المسواك.
وكذلك المسمار، من اسمر، وكذلك المسبار، من: سبر الجرح إذا قاس عمقه، وكذلك المرضاخ، من: رضخ الشيء؛ إذا كان الشيء صلباً، فضربه ليكسره ويرضخه، هذا الذي يسمى بالرضخ.
يرضخن صم الحصى في كل هاجرة كما تطاير عن مرضاخه العجم
هذا المرضاخ.
( ومِفعلة ) كذلك يصاغ على وزن مِفعلة، وذلك؛ كالمرآة، من: رأى وجهه، فآلة رؤية الوجه هي: المرآة، وكذلك المصدغة للآلة التي يلوى بها الصدغ، وكذلك المِخدة؛ للآلة التي يوضع عليها الخد، وكذلك المِقمة؛ للآلة التي يُقَمُّ بها، أي تجمع بها القمامة.
وكالفعال وصاغوا منه مفعلةً لما على الفعل من أسبابه حملا
( وكالفِعَال ) معناه: أنهم يصوغون اسم الآلة من الفعل على وزن (الفعال)، وذلك؛ كالسواك، والخياط، والحلاب، والوساد ونحو ذلك، فالخياط بمعنى: الآلة التي يخاط بها، ومنه قول الله تعالى: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، معناه: في آلة الخياطة، كذلك السواك معناه: آلة الاستياك، ومنه حديث المغيرة بن شعبة : ( أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أطال شاربه، فدخل بعض الشعرات في فيه، فأضجعه، ووضع السواك على طرته وقص عليه )، فلم تزل تلك القصة، قُصَّة المغيرة بعد كلما قص شاربه أخذ سواكاً ،ووضعه محبةً للنبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك الحلاب، وهو: الإناء الذي يحتلب فيه، ومنه قول عمرو بن مضاض الجرهمي :
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الضرع ما قرى في الحلاب
(صاح هل ريت أو سمعت) هل ريت، بمعنى: هل رأيت، وهنا خطأ في تحقيق الهمزة، احذف الألف أو الهمزة بالكلية.
(هل ريت أو سمعت براع) رد في الضرع ما قرى في الحلاب؛ أي: ما جمع في الحلاب، الذي هو الإناء الذي يحتلب فيه.
وكذلك الوساد، من وسد الشيء إلى الشيء، بمعنى: وكله إليه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى رفع الأمانة: ( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )، وسد بمعنى: وكل، وكذلك الوسادة يعتمد عليها الإنسان، فكأنما اتكل عليها.
قال الزمخشري : ومنه الإهاب؛ أي: أن من هذا النوع من أوجه الاشتقاق الإهاب، فهو (فِعال) من: أهب بمعنى: تأهب للشيء، والإهاب: الجلد المدبوغ؛ وذلك لأن به الأهبة، فأكثر تأهب العرب للسفر وغيره بالجلود المدبوغة، فالرشاء، والسقاء، والدلو، وقلادة السيف، وعلاقته، والسياط، والرَّحْل، والمزود، وغير ذلك مما يتأهب به في أغلب الأحيان، يكون من الأهب؛ فلذلك: جعل على وزن فعال إهاب، والإهاب مختلف فيه، هل هو خاص بالجلد المدبوغ، أو مختص بالجلد قبل الدبغ، أو لكل الجلود؟ وهذا الخلاف يتعرض له أهل الحديث في شرح حديث ابن عباس : ( أيما إهاب دبغ فقد طهُر أو فقد طهَر )، في الجمع بينه وبين حديث عبد الله بن عكيم : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليهم قبل موته بشهرين: ألا ينتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب )، فالذين يبدءون بالجمع قبل الترجيح يقولون: حديث ابن عباس في الأهب؛ أي: المدبوغة، فالدبغ يطهر به الجلد، وأما حديث ابن عكيم ففي الجلد قبل الدبغ، ولكن الذين يبدءون بالترجيح قبل الجمع يقولون: حديث ابن عكيم ضعيف أصلاً، و ابن عكيم لم تصح له صحبة، فليس صحابياً، ولذلك وقع الاضطراب في إسناده، فجاء فيه عن شيوخ له من مزينة، وفيه: قبل موته بثمانية أيام، وفيه: قبل موته بشهرين، وفيه: بشهر.
قال: وصاغوا منه مفعلةً لما على الفعل من أسبابه حملا
هذا نوع آخر أضافه الحسن إلى ما ذكره ابن مالك ، وليس هو آلةً للفعل، ولكنه لسبب الفعل، وهو وجه جديد من أوجه الاشتقاق، لكنه وجه قليل، فيصوغون من الفعل مفعلةً للدلالة على السبب، السبب الذي يدعو إلى ذلك، إلى ما صيغت منه، ففي الحديث: ( الولد مَجبَنة مَبخَلة )؛ أي: مدعاة للجبن والبخل، فالإنسان إذا وُلد له ولد فإنه سيصاب بالجبن؛ لأنه يخاف أن يقتل عن أولاده صغاراً، فلا يقوم عليهم أحد، ولا يرعاهم والله تعالى يقول: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ [البقرة:266]، فهذا يدلنا على أن من له أولاد يشق عليه أن يتركهم دون قيِّم؛ فلذلك يقول العرب: الولد مجبنة، وكذلك هو مبخلة؛ أي: مدعاة للبخل، نعم هو ورد في هذا اللفظ في الحديث، مبخلة؛ أي: مدعاة للبخل؛ لأن الإنسان إذا كان له أولاد يسعى لغناه، ويريد أن يترك لهم ما يغنيهم عن أن يبقوا عالةً يتكففون الناس.
وكذلك في الحديث: ( السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب )، (مطهرة للفم)؛ أي: سبب لطهارته، (مرضاة للرب)؛ أي: سبب لرضاه، وكذلك في حديث اليمين الفاجرة: ( ممحقة للمال، منفقة للسلعة )، (ممحقة للمال)؛ أي: سبب لمحقه وهلاكه، منفقة للسلعة؛ أي: سبب لنفاقها ورواجها، فمفعلة هنا للسبب، وليست آلةً، فهذا وجه آخر من أوجه الاشتقاق.
وبالفعال بتجريدٍ أتوا وبتا لما ينحونه من تافهٍ رذلا
كذلك من أنواع الاشتقاق وأوجهه التي لم يتعرض لها ابن مالك وأضافها الحسن أن العرب يأتون بصيغة الفعال للتافه الذي ينحى ويرمى، بتجريد وبتاء، يقال: الفعال والفعالة، وذلك كالفتات؛ أي: المتفتت من الخبز الذي لا ينتفع به، والحُطام للمتحطم من البيت، ومن الحجارة، ومن اللَّبِن، وكذلك الرذال، معناه: الرذيل من المال، والغثاء: الذي يجتمع على السيل في الأرض من الأوساخ، وكالكناسة، وهذا (فُعالة) بالتاء، والكناسة: لما يكنس من البيت ويرمى، والقمامة والكساحة، والنحاتة؛ أي: لما ينحت من الحجر، أو من العود، أو نحو ذلك، والنخالة يعني: لما ينخل من الحب من قشر ونحوه، والقلامة يعني: لما يقلم من الظفر أو من القلم، فهذه كلها (فُعالة).
رجعنا إلى آلة الفعل، فقد بين ابن مالك وجه الشذوذ فيها، فقال:
شذ (المدق) و(مسعط) و(مكحلة) و(مدهن) (منصل) آلات من نخلا
يقول: شذ عن هذا الاستعمال السابق، وهو أن اسم الآلة يكسر أوله، فيقال: مفعل، ومفعال، ومفعلة، أو فعال، كما سبق، شذ منه ضم أوله وذلك كالمدق: وهو الآلة التي يدق بها، وكذلك المسعط، وهو: الآلة التي يسعط بها، سعط الدواء بمعنى: تناوله من أجله.
وكذلك المُدهن: الآلة التي يدهن بها، أو يجعل فيها الدهن؛ الطلاء، وكذلك المُكحلة وهي للحجر الذي يكتحل منه، كذلك تطلق على الإناء الذي يوضع فيه الكحل، لكن إطلاقها على الحجر نفسه أكثر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كالمرود في المُكحلة ). الحجر نفسه يوضع فيه المرود، فيبقى ثقب في الحجر في مكان اللين منه، فيحك فيه المرود، فيلتصق به ذرات الكحل فيتكحل به، وإن كان الحجر قد دق وطحن، فالإناء الذي يجعل فيه أيضاً يسمى مكحلة، لكن عند العرب الأكثر في استعمالهم أن يكون الحجر كما هو، فيضعون عليه الزيت أو السمن ليبقي ذراتِه متماسكة، ثم يحكون المكحل فيه، فمكان اللين من الحجر يدخل فيه المكحل، حتى يبقى فيه ثقب، وما زال هذا الاستعمال موجوداً إلى الآن عندنا.
كذلك المُنصُل، وهو الذي يمسك به السيف دون نصله، فمقبض السيف يسمى منصلاً، (وكذلك الآت)؛ أي: المصوغ من (نخلا)، وهو: (المنخل) الذي ينخل به، فالمنخل الذي ينخل به الحب حتى تزول نخالته، لا تزايله نخالته، فهذه كلها بالضم على الشذوذ، وسمع في مُنخُل ومُنصُل بفتح العين مع ضم الميم، سمع فيها مُنخَل ومُنصَل، وزاد في التسهيل المحرضة بالضم، وهي الآلة التي يوضع فيها المداد، ومحل الضم الشاذ عند إطلاق الأسماء عليها؛ كإطلاقها على أسماء الأعيان غير المشتقة، فيقال: هذا منصل فلان، وهذا منصل فلان، وناولني المسعطة والمدهنة والمكحلة، ونحو ذلك، عند إطلاق هذه الأسماء كإطلاق الأسماء غير المشتقة، صارت أعلاماً لها، أو أسماء أجناس لها؛ فلذلك تنطق بالضم، أما إذا قصد بها الآلة، فهو قوله:
ومن نوى عملاً بهن جاز له فيهن كسر ولم يعبأ بمن عذلا
من نوى عملاً بهن؛ أي: اقترن في ذهنه هذا الاسم في العمل الذي اشتق منه، فإنه حينئذ يجوز له الكسر والضم، فالكسر على القياس، والضم على الشذوذ، فتقول: ناولني مِدقاً أدق به هذا، وناولني مِسعطاً أستعط به، وناولني مكحلةً أكتحل بها، فحينئذ لاقتران الآلة بالعمل تستعمل على قياسها، يجوز استعمالها على القياس، ولهذا قال: ( ومن نوى عملاً بهن )؛ أي: بهذه المذكورات، ( جاز له فيهن كسر )، مع جواز الضم الشاذ، ( ولم يعبأ بمن عذلا ) أي: لا يعبأ بلوم من يلومه على ذلك؛ لأنه قد أتى بالقياس على الوجه الصحيح.
فانتهت أوجه الاشتقاق بهذا ولله الحمد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر